لم يعد الفيلم الوثائقي عملا أقل شأنا من الفيلم الدرامي الروائي، والفضل
لا
يعود فقط إلى التحاق عدد كبير من المثقفين، أصحاب الرؤى، إذا جاز التعبير،
بمجال
العمل في الفيلم الوثائقي أو التسجيلي، بل وأساسا، إلى التطور الكبير الذي
شهده هذا
النوع من الأفلام خلال السنوات العشر الأخيرة، مما جعل الفرق يضيق كثيرا
بين
التسجيلي والوثائقي والدرامي والخيالي وغير الخيالي والقصصي، وغير ذلك من
أصناف أو
أنواع من الأفلام، كان يتم عادة الفصل الصارم بينها في الماضي.
لقد أصبح الفيلم
هو الفيلم، بغض النظر عن مكوناته وعناصره، فقد دخل قدر كبير من الخيال إلى
الفيلم
التسجيلي والفيلم الوثائقي، كما دخل الكثير من الوثائق والتوثيق السينمائي
إلى
الكثير من الأفلام الروائية الدرامية التي تروي عادة قصصا خيالية أو
متخيلة، أو
ناتجة عن خيال المؤلف دون أن يكون هدفها الأساسي تسجيل أو توثيق وقائع
وأحداث
حقيقية.
هذا التطور الكبير لاشك أنه فرض نفسه بقوة على مهرجانات السينما
العالمية، وعلى رأسها، أكثرها شهرة وتأثيرا، أي مهرجان كان السينمائي الذي
تنعقد
حاليا دورته الثاثلة والستين.
يعرض المهرجان 18 فيلما وثائقيا (أو غير خيالي)
عبر برامجه المتنوعة بما فيها البرنامجين غير الرسميين اللذين يقاما على
هامش
المهرجان إذا جاز القول، أي "نصف شهر المخرجين"، و"أسبوع النقاد". ولكن
الملاحظ أن
الفيلم الوثائقي يغيب عن أفلام المسابقة الـ19 وكأن المسابقة قاصرة فقط على
الأفلام
الروائية، علما بأن فيلمين لمايكل مور سبق أن شاركا بالمسابقة بل وفاز
أحدهما
بالسعفة الذهبية أيضا وهو فيلم "11/9 فهرنهايت".
وسنتوقف هنا في محطات قصيرة
أمام معظم هذه الأفلام على أن نعود فيما بعد، لتناول أهمها تفصيلا:
• "دراكيلا" Draquilaللمخرجة
الإيطالية سابينا
جوزانتي.
يتناول الفيلم بأسلوب ملييء بالسخرية، اطريقة التي تعامل
بها رئيس الحكومة الإيطالية سلفيو بيرلسكوني مع المأساة الإنسانية التي
نشأت في
أعقاب وقوع زلزال مدمر في بلدة لاكيلا في أبريل/ نيسان 2009، وكيف استغل
الحدث
لحسابه الشخصي لحساب زيادة شعبيته بعد أن كانت قد هوت. وكان الزلزال قد
أوقع عددا
من الضحايا، من القتلى والجرحى، كما أدى إلى تشريد الآلاف من السكان،
واخلاء منطقة
وسط المدينة تماما، وتوزيع السكان على مخيمات لإيواء المؤقت على وعد
بتسليمهم مساكن
جديدة. ويكشف الفيلم كيف تحولت المأساة إلى منفعة اقتصادية ضخمة للاحتكارات
التي
يملكها بيرلسكوني في مجال العقارات، بدعوى أنه يقدم خدمة من الدرجة الأولى
للمواطنين في حين أن شركاته حققت أرباحا كبيرة من المشروع الذي تبنته
الدولة.
• "العملية
من الداخل" Inside Job
للمخرج الأمريكي تشارلز
فيرجسون.
هذا الفيلم الوثائقي يشرح ويحلل ويعرض للأزمة الاقتصادية
والمالية التي بدأت في الولايات المتحدة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2009،
وسرعان ما
اجتاحت العالم. وهو يكشف بلاشك، سواء في طريقة سرده، وبحثه الشاق داخل "وول
ستريت"
وداخل الإدارة الأمريكية أيضا، الكثير من الجوانب المجهولة، بل ويوجه أيضا
أصابع
الاتهام إلى العديد من المسؤولين الرسميين، ويكشف ارتباطهم الوثيق بدوائر
المال.
ويلخص لنا في النهاية كيف كان ممكنا أن يحدث ما حدث، لكن الأهم، أنه يثبت
أيضا أن
مقاومة الأزمة لا يتم بشكل جدي من طرف الإدارة الجديدة في واشنط حاليا. إنه
فيلم
بمائة كتاب في الموضوع، وهو يتجاوز كثيرا فيلم مايكل مور "الرأسمالية: قصة
حب" عن
الموضوع نفسه.
• "كليفلاند
ضد وول ستريت" للمخرج
السويسري جان
ستيفان برون.
وفيه يتناول أيضا موضوع الأزمة الاقتصادية العالمية من خلال تصوير
محاكمة مفترضة (فيها قدر كبير من التدخل والإعداد قبل التصوير) ولكن
بأبطالها
الحقيقيين وطبقا لرغبتهم. والفكرة تقوم على مطالبة سكان مدينة كليفلاند
الأمريكية
بضرورة محاكمة البنوك المسؤولة عما حل بهم من خراب مالي واقتصادي بعد
انهيار سوق
العقارات وانكشاف أمر الديون الهائلة المستحقة عليهم ظلما، مع انكشاف وهم
سوق
العقارات الذي كانت تسيطر عليه شركات تأمين متعددة. ويقوم أبطال القصة
الحقيقيين
بأدوارهم في الحياة، وكانت فكرة الفيلم قد نشأت أصلا قبل حدوث الانهيار في
البورصة
الأمريكية بعد افلاس بنك ليمان، ثم تطور الفيلم إلى عمل أكبر وأكثر شمولا،
وهو يصلح
كنموذج للفيلم "غير الخيالي" عن حق.
• "العد
تنازلي حتى
الصفر":
للمخرجة الأمريكية لوسي وولكر. ويعتمد الفيلم على عشرات الشهادات
والوثائق المصورة مع الرسوم البيانية والقصاصات والصور واجزاء من الأفلام،
لرسم
صورة عن الخطر النووي المحدق بالعالم في الوقت الحالي، وكيف يمكن أن تندلع
حرب
نووية بطريق الخطأ في أي لحظة، أو تنشأ كارثة نووية نتيجة الإهمال، كما
يحذر من
سياسة السباق النووي في العالم وسعي دول أخرى إلى الانضمام للنادي النووي
ومقاومة
الدول الكبرى أي محاولة للتخلص من أسلحتها النووية.
• "بيندا
بيللي" للمخرجين رينو باريه وفلورنس دو لا تولاي
(فرنسا).
ويصور موهبة وكفاح أفراد فرقة موسيقية افريقية في الكونغو، كلهم
من المعوقين الذين يعانون من الشلل، وهم يتدربون ويسعون إلى فرض أنفسهم
ومواهبهم
على العالم، في ظروف شديدة التعاسة حقا، وكيف يبذل قائد الفرقة كل جهد ممكن
من أجل
الإبقاء على الروح المعنوية عالية، وكيف يقود تدريبات الفرقة في ظروف شاقة،
ثم يقود
الفرقة في جولتها العالمية التي تمتد من كنشاسا إلى مونتريال. وقد استغرق
تصوير هذا
الفيلم 5 سنوات. وعرض في افتتاح تظاهرة "نصف شهر المخرجين" في مهرجان كان
يوم 13
مايو/ يار.
• "أرض
الغاز" للمخرج الأمريكي جوش فوكس.
ويصور
كيف أن شركة من شركات الغاز الامريكية تعرض على المخرج 100 الف دولار مقابل
السماح
لها بالتنقيب عن الغاز في أرضه وقرب بيت والديه في ولاية بنسلفانيا، وكيف
يستيقظ
وعيه الشخصي على حقيقة ما يمكن أن يمثله هذا العمل من مخاطر على البيئة
وعلى البشر،
فيقوم بجولة على عدد من أماكن التنقيب عن الغاز في ولايات أمريكية مختلفة،
لتحذير
الناس من المخاطر. عمل جريء مبني على التجربة الشخصية المباشرة، ويعتمد على
بحث جيد
وتوثيق ومعلومات مجهولة لنا، كما يكشف عن العلاقة السرية بين رجال السلطة
ورجال
الغاز في واشنطن.
• "فوق
مدنكم سينمو العشب" للمخرجة البريطانية صوفي
فينيس.
وفيه تتابع المخرجة مسيرة العمل الابداعي للفنان الالماني انسليم
كيفر الذي استقر في منطقة في فرنسا حيث قام ببناء وتشييد عدد من المنشآت
هناك منها 48
مبنى وعدد من الجسور وشبكة انفاق وبحيرات صناعية وابراج مما غير بالكامل
شكل
المحيط الطبيعي وجعله مكانا أكثر إنسانية وجمالا ورونقا.
• "نوستالجيا
للضوء" للمخرج التشيلي بارتريشيو جوزمان.
وينطلق من البحث في العلاقة بين
الكواكب والنجوم والعالم الأرضي، في بحث فلسفي عن معنى وجود الإنسان على
سطح الأرض،
لكي يصل إلى طرق البعد السياسي المباشر من خلال الكشف عن المقابر الجماعي
لضحايا
امجازر التي ارتبكتها قوات الجيش في عهد الجنرال بينوشيه ضد المعارضين
السياسيين
بعد الانقلاب العسكري الذي وقع عام 1973.
• "شنغهاي:
كان بودي أن أعرف" للمخرج
جيا جانكي
يخلط فيه بين التمثيلي والتسجيلي مستعرضا تاريخ مدينة شنغهاي الحديثة بعد
انتصار الثورة الاشتراكية عام 1949 وكيف هاجر قسم من سكان المدينة وكيف بقى
قسم آخر
لكي يمر بكل الظروف الشاقة في مرحلة الثورة الثقافية.
• "حياة
وأعمال
جاك كارديف" للمخرج البريطاني كريج ماكول.
وفيه يبحث المخرج المتيم بعشق
الصورة السينمائية، في مسيرة وعمل جاك كارديف، المصور السينمائي الانجليزي
الذي يعد
أحد أهم مديري التصوير في العالم. ويتضمن الفيلم الكثير من الوثائق المصورة
لكارديف
أثناء التصوير، منها لقطات فريدة على شاطيء الكروازيت في كان، وجزيرة
الليدو في
فينيسيا أثناء مهرجان فينسيا. ويحتوي أيضا على مقابلات عديدة مع الذين
تعاونوا مع
كارديف من السينمائيين. ومن أفلامه الشهيرة "تحت برج السرطان" و"الملكة
الافريقية"
و"الكونتيسة الحافية" و"الأمير والراقصة" و"الفايكنج" و"المرتزفة" و"موت
على النيل"
و"كونان الهمجي".
ولاتزال هناك أفلام مهمة لم تعرض بعد مثل "قصة حياة نيكولاي
تشاوشيسكو" من رومانيا، و"أرماديللو" الذي يتناول الحب في أفغانستان، وهو
فيلم
دنماركي، و"هوليوود لا تركب الموجة" للأمريكي جريج ماكجيلفرى، و" دانييل
توسكان دى
بلانتير" للمخرجة إيزابيل بارتيلوت من فرنسا، والفيلم البرازيلى "الأحياء
الفقيرة"
وهو من إخراج سبعة مخرجين، والفيلم الفرنسي "النساء البطلات".
الجزيرة الوثائقية في
17/05/2010
كان الدولي يفتتح دورته السادسة والثلاثون
افتتح فيلم كان السينمائي الدولي بفيلم روبن هود في
نسخته الجديدة التي يقوم ببطولتها الممثل الاسترالي راسل كرو ومواطنته كيث
بلانشيت
وقد حضر كلاهما الافتتاح العام والعرض الخاص بفيلمهما في اليوم الاول من 12
يوما هي
مدة المهرجان...
وسوف تشهد هذه الدورة من كان العديد من الندوات على هامش العروض
، وتناقش هذه الندوات مسائل مختلفة من عالم السينما مثل الأزمة الاقتصادية
العالمية
وتاثيرها على الصناعة السينمائية والتطورات التكنلوجية الجديدة التي ادخلت
على
صناعة الفيلم مثل طريقة العرض الثلاثية الابعاد وغيرها من المواضيع.
كما تميز
مهرجان هذا العام بغياب العرب التام ، والمخرج الوحيد الذي يحمل اصولا
عربية
الفرنسي الجنسية رشيد بوشارب الذي يقدم فيلمه المثير للنقاش ورودود الافعال
المختلفة ( الخارجون عن القانون) ويتناول الفيلم الذي هو من انتاج بلجيكي
فرنسي
مشترك مذبحة مدينة سطيف التي قام بها المحتل الفرنسي ضد السكان الاصليين
للمدينة.
وتشارك الولايات المتحدة في المسابقة الرسمية بفيلم
واحد للمخرج دوج ليمان بعنوان "لعبة نزيهة
Fair Game
ويتناول الفيلم عالم
الاستخبارات الاميركي من خلال قصة حقيقية جرت عام 2003 تعلقت بعميلة تابعة
للسي آي
ايه تم الكشف عن هويتها للعلن نتيجة تنافس بين الأجهزة الاستخبارتية
والسياسية
الاميركية.
المشاركة الاميركية الأخرى تقع خارج المنافسة الرسمية ويقوم بها
المخضرم وودي آلن والعتيق أوليفر ستون حيث سيقدم المخرجان آخر افلامهما ،
ويقوم
بتغطية المهرجان لصالح الجزيرة الوثائقية الناقد المعروف أمير العمري
.
الجزيرة الوثائقية في
16/05/2010 |