ثلاثة أفلام قصيرة من الجزائر تعرض في تظاهرات «كان» المختلفة هذا العام،
ولعلّ القاسم المشترك بينها أنّها تحمل تواقيع مخرجين ينتمون إلى الجيل
الجديد من السينمائيين. هذا الجيل يتميّز بحساسية جديدة، تبتعد به عن
إنجازات التسعينيات، مع ميل أساسي إلى منح المرأة مكانةً محوريةً في
أعمالهم. في «الجن» (20 دقيقة) الذي تدور أحداثه في مدينة تاغيت (800 كلم
جنوبي غربي العاصمة)، تتطرّق ياسمين شويخ للخرافات التي تتحكّم بحياة الناس
ــــ المرأة تحديداً ــــ في الصحراء. وتمنح صاحبة «الباب» (2006) شريطها
الجديد طابعاً صحراوياً، من خلال الكثبان الرملية واتساع الخلاء، والموسيقى
الجنوبية.
إنّها قصّة عنبر (خديجة مقاوم)، وهي شابة في مقتبل العمر، تعيش في مجتمع
بطريركي، ووسط تقاليد بائدة تفترض وجود جن يتزوجون الفتيات الجميلات. طوال
الفيلم، تتعامل عنبر ببرودة أعصاب مع الجهل الذي يحيط بها، وترضخ لمختلف
طلبات المجتمع، وتقبل وضع الوشم باعتباره «رمز المرأة الصحراوية الناضجة».
لكنها في المقابل، تحاول أن تُقنع نساء القبيلة بأن «الجن» غير موجود، وأنّ
الحياة تتحكّم بها خيارات الأفراد وإراداتهم، لا القوى الغيبيّة.
ويطلّ المخرج الشاب يانيس كوسيم، بشريطه الجديد «خويا» (15 دقيقة)، وهو
الثاني له بعد «أختي» (2007). تدور الأحداث حول عائلة مكونة من أم وثلاث
بنات وأخ يحتكر السلطة. إنّه صاحب الصوت المفرد، بتواطؤ مع الأم، رغم كونه
يصغر شقيقاته سناً، وما زال طالباً في الجامعة. هكذا، يتحكّم بحياة أخواته
بأدقّ تفاصيلها، ما يخلق حالة من التوتّر، وأزمة في العلاقات... ثم تصل
الأزمة إلى أوجها عندما يحاول إجبار إحداهن على الزواج بابن الجيران،
وينهال عليها ضرباً. سيكون نصيبه طعنات بالخنجر، على يد أخته الصغرى.
وتنتهي القصّة بقتل المستبد، واقتياد القاتلة إلى السجن، فيما تستعيد
شقيقتاها الحريّة أخيراً.
آخر عمل جزائري يعرض ضمن سلسلة
Short Film Corner
في الدورة الثالثة والستين من «مهرجان كان»، هو «المسافر الأخير» (7
دقيقائق) للمخرج مؤنس خمار. يختلف العمل عن سابقيه بكونه فيلماً صامتاً
أولاً، يركز على الصورة والحركة وملامح الوجه. يبدأ بمشهد انتحار شاب قفزاً
من صخرة عالية. ثم نعود، من خلال عمليّة فلاش باك، إلى ذلك الشاب (محمد
شايب) الذي يتخيّل نفسه نجماً مسرحياً. يتحدى شخصية «الأميرة» التي كان
دوماً يتأمل صورتها عبر الملصقات الإعلانية، ويتمنى أن يصبح نجماً مثلها.
ركن الأفلام القصيرة هامش خصب، وفرصة لاكتشاف مبدعين جزائريين في أوّل
الطريق، تجمعهم هواجس مشتركة قوامها الحريّة والتقدّم ومواجهة التقاليد
وتجاوز الواقع... وطبعاً يخيّم على تلك التجارب شبح الخيبة والنظرة
السوداويّة إلى الواقع. قد نلتقي، في مستقبل قريب، بياسمين شويخ أو يانيس
كوسيم، أو مؤنس خمار، في إحدى المسابقات الرسميّة للمهرجان. من يدري؟...
الأخبار اللبنانية في
17/05/2010
السينما التونسية: على أعتاب الكروازيت
سفيان الشورابي
تونس غائبة عن «كان»، والغياب يطرح أكثر من سؤال: السينما التي عرفت نهضة
في العقدين الأخيرين، وتبوّأت موقع الصدارة في السينمات العربيّة البديلة،
تعيش حالة من الانحسار والتراجع. ما أبعدنا عن السنوات التي كان فيها
المهرجان العريق يحتفي بمفيدة التلاتلي مثلاً، كما فعل عام 1994 حين منحها
«الكاميرا الذهبية» عن باكورتها الروائيّة «صمت القصور». وقبلها شارك فريد
بو غدير بـ«الكاميرا العربيّة» (١٩٨٧)، وقبلهما عبد اللطيف بن عمار الذي
شارك في 1970 بشريطه الروائي «حكاية بسيطة كهذه»...
قيل الكثير عن تنازلات فكريّة وجماليّة حملت بعض المخرجين التوانسة في
العقدين الماضيين، إلى «كان». هذا نقاش آخر طبعاً، لكنّهم حضروا على الأقل.
هذه السنة، السينما التونسيّة يقتصر حضورها على «سوق الفيلم»، حيث تشارك
خمسة أعمال: «الدوّاحة» لرجاء عمّاري، و«آخر ديسمبر» لمعزّ كامون، و«لتحيا
السينما» لمختار العجيمي، و«النخيل الجريح» لعبد اللطيف بن عمار و«جرجيس»
لمحمد الزرن. لمدة طويلة، ظلّت تونس سبّاقة في مجال «التجريب» السينمائي.
والأعمال القليلة التي تزخر بها المدونة السينمائية، اشتغل عليها مخرجوها
لتبقى راسخة في البال. إلا أنّها اليوم عاجزة عن المنافسة، وتعاني مشكلات
هيكليّة، يبدو أنّ حلها لن يكون في المدى المنظور. الحصاد لا يتجاوز أصابع
اليد الواحدة بالنسبة إلى السينما الروائيّة الطويلة الموجودة في «سوق
الفيلم»، وبعضها خرج لتوّه من المختبرات المونتاج. هذه المشاركة تهدف إلى
استغلال فرصة وجود عشرة آلاف مشارك يمثلون أربعة آلاف شركة إنتاج، قادمين
من مئة دولة، للتعريف بجديد الصناعة السينمائيّة وإيجاد أسواق واتفاقات
عروض...
رجاء عمّاري ومعزّ كامون ومختار العجيمي وعبد اللطيف بن عمار ومحمد الزرن
في «سوق الفيلم»
وفي سبيل تعويض ضعف المشاركة التونسيّة، بادرت النقابة الوطنية لمنتجي
الأفلام ـــــ وهي التي تكفّلت بمصاريف سفر الوفد التونسي إلى كان ـــــ
إلى تنظيم حملة «سياحية» لتشجيع المخرجين على تصوير أعمالهم في تونس. ألم
يصوِّر جورج لوكاس مشاهد من فيلمه «حرب النجوم» في الجنوب التونسي؟ وهو ما
فعله ريبرتو بينيني في «النمر والثلج»، وعشرات السينمائيين الكبار خلال
العقود الثلاثة الماضية... فهل خلاص السينما التونسيّة هو في استدراج أفلام
عالميّة إلى التصوير في تونس؟ وماذا عن الإنتاج المحلّي: كيف يخرج من عنق
الزجاجة ويستعيد ألق التسعينيات البعيدة؟
الأخبار اللبنانية في
17/05/2010 |