كلمة «المنفى» ستتكرر كثيراً في أيام الدورة الثالثة لمهرجان الخليج
السينمائي، وستكون عراقية بامتياز وعلى شيء من التمركز حولها، منفى داخلي
وآخر خارجي وما بينهما، مع استحضار كل أنواع العزلة القسرية التي لنا أن
نجدها مثلاً في فيلم العراقي الكردي شوكت كوركي «ضربة البداية» الذي عرض،
أول من أمس، ضمن أفلام المسابقة الرسمية للفيلم الروائي الطويل، بحيث امتلك
عوامل كثيرة تجعله الأبرز على أصعدة عدة، ونحن نشاهد فيلماً يمتلك أدواته
ويستثمرها في مساحة لها أن تشكل مجازاً يتسع وطنه العراق، كما هي لعبة كرة
القدم التي ستكون أيضاً نقطة الارتكاز الرئيسة لمسار الفيلم الدرامي ومصائر
الشخصيات، أو البؤرة التي تنطلق منها أحداث الفيلم ونحن نتعرف إلى آسو
وأخيه الذي فقد رجله من جراء لحاقه بكرة إلى حقل ألغام، وسيكون اللقاء
الكروي في نهائيات كأس آسيا بين المنتخبين السعودي والعراقي مساحة للاحتفال
حين تنصب شاشة أو قماشة بيضاء تتدلى من المرمى، بحيث يتحول فعل مشاهدتها
إلى انجاز متبوع بفرحة النصر وحوارات جانبية لها أن تمضي خلف انحيازات
عربية وكردية، ومن ثم رغبة آسو تنظيم بطولة كروية بين أطفال المخيم، فهذا
هو الفريق العربي وذاك الكردي، والآخر الآشوري، مع قيامه مع رفيقه اللطيف
والبدين بالإعداد لكل شيءأعن طريق الاستدانة والديون المتراكمة أصلاًأعلى
آسو، وهو مصر أن يتابع الصحف ويحصل على الكتب من البائع الذي يأتي كل يوم
بسيارته المحملة بحاجيات أهل المخيم المقام في ملعب مهجور، أقيمت بيوت
سكانه من الصفيح، ليتوسطها الملعب الذي عليه أن يمتلأ بحياتهم.
يقدم الفيلم من خلال هذه المساحة العراق بكل تعقيدات وضعه وأطيافه
وأعراقه، وعلى تناغم تام بين الشخصيات والبيئة، ومن ثم تحويل هذا الملعب
إلى مساحة خلاص مؤقت يتهدده كل ما يحيط به، لا بل إن الخروج منه هو خروج
إلى الموت، من دون أن يحضر ذلك إلا في سياق الأحداث التي نشهدها والتي
تجمعها صفة واحدة متمثلة في الإصرار على الحياة والاحتفاء بها، بما في ذلك
حب آسو لهيلين الذي لا تفارقه البراءة. وعليه ومع حضور الموت أو القتل فإنه
سيكون مدوياً، ومنتزعاً لكل ما جسده آسو من قيم وأخلاقيات، وليكون القتل
أيضاً نداء عاماً لا يستثني أحداً ولا يميز عرقاً عن آخر.
«ضربة بداية» يأخذ بالمشاهد مباشرة إلى عالمه الخاص، وله أن يقول
كثيرا بالكردية وهي تجاور العربية، ولتكون كرة القدم مجاورة لصهريج المياه
الذي لا يكفي سكان المخيم، ومعه السياسي العراقي المشغول بإخلاء المخيم عن
أي شيء آخر. كما أن الحكم الذي يدير مباراة الفريقين العربي والكردي يكون
أميركياً. وليكون السؤال هنا، هل هذه هي مهمة الأميركي؟ بما يدفعنا للقول،
مسكين هذا الأميركي! كل ما فعله هو المجيء ليحكم النزاعات، لم يحتل ولم يكن
له يد في شيء، ولكم أن تضعوا ما تشاؤون من علامات استفهام.
فيلم روائي عراقي آخر حمل عنوان «المحنة» لحيدر رشيد عرض، أول من أمس،
ضمن مسابقة الأفلام الروائية الطويلة. ولعل «المنفى» الكلمة التي بدأنا
بها، ستكون حاضرة من خلال الأب المقتول، الذي نشاهد ابنه الانجليزي -كونه
وُلد وعاش في لندن- وهو يستعيد تسجيلاته الصوتية ويسرد بلغة إنشائية
معاناته مع المنفى، ومن ثم رغبته بالعودة إلى العراق بحيث يكون حتفه في
انتظاره.
الابن كاتب نعرف أنه ألّف كتاباً عن والده، ضائع هو، وهائم على وجهه
في شوارع لندن، لا يستطيع النوم إلا في سيارته. ومع تأزمه المتصاعد، وفشله
الذي يمشي يداً بيد مع حياته، تضاف خيوط درامية أخرى، مثل علاقته مع صديقته
التي نكتشف بأنه يحبها ولا يريدها إلا حبيبة، بينما تجد هي فيه صديقاً فقط
لا غير.
يجتمع كل ما تقدم على شخصية مهزومة، يعاندها كل شيء، لا بل وإيغالاً
في الهزيمة فإنه يقرر في النهاية عدم نشر الكتاب المتعلق بوالده، وعليه
تكون «المحنة» كاملة، ويكون الفيلم تتبعاً لحياة غير مكتملة، لأحداث تحدث
ولا تكتمل، أو تمضي إلى نهايات حياتية فاشلة وعلى أصعدة عدة، أولها علاقة
البطل مع نفسه ومن ثم محيطه، ومع والده الذي يكون كابوساً شديد الوطأة
عليه، ومعه أيضا أمه التي يحاول الاتصال بها ويتردد.
ضمن برنامج «أضواء» يأتي فيلم قتيبة الجنابي عن خليل شوقي «الرجل الذي
لا يعرف السكون» بمثابة فسحة تبعدنا عن عراق القتل اليومي الذي تحمله أفلام
وثائقية أخرى، ويقربنا أكثر مما حل بهذا البلد من خلال فعل استعادي حميد
للممثل والمخرج العراقي خليل شوقي، ولعل جماليات هكذا مبدع وما يمثله من
تاريخ ستجعل من مقاربة العراق اليوم أكثر إيلاماً، كونه دعوة أيضاً لممارسة
الحنين الذي لم يستكن له شوقي في الوقت نفسه كونه رجلاً لا يعرف السكون،
حسب تعبير الجنابي، وقد تجاوز الثمانين.
نكتشف مع خليل شوقي من أين يأتي هذا الإصرار على الحركية العالية
والإبداع، أو كما يظهر لنا الفيلم أداءه المسرحي على خشبة في لندن، وكيف
لهذا الرجل أن يستدعي الذاكرة العراقية في المنفى والوطن، وهو في «خريف»
العمر.
نعود أيضاً هنا إلى المنفى، لكن عبر توثيق جميل ومضبوط بعناية من
ينتشل ذاكرة ويوثقها، ولعل المادة الأرشيفية لمسلسلات ومسرحيات وأفلام مثل
فيها شوقي ستأخذنا مباشرة لما يود الفيلم ايصاله، وليكون دائماً البحر الذي
يكرهه المهاجر العراقي مصيراً لا مناص منه.
فيلم قتيبة الجنابي مشغول برجل جميل جاء وفياً له فكان جميلاً مثله.
الإمارات اليوم في
12/04/2010
3 مواطنات صمدن أمام الضغوط وأنتجن فيلماً جريئاً
«أششش» لا يسكت على «المسكـوت عنه»
محمد عبدالمقصود – دبي
ثلاث اماراتيات صمدن امام ضغوط وانتقادات عدة، وانتجن فيلما جريئا
في طرح قضايا اجتماعية. وعرض فيلمهن «أششش» الذي اقتحم «المسكوت عنه» في
حياة بعض البنات، أمس، ضمن فعاليات الدورة الثالثة لمهرجان الخليج
السينمائي في دبي.
يشارك الفيلم الذي تبلغ مدته 40 دقيقة، ضمن فئة الأفلام القصيرة في
المهرجان، وتعاونت على إنتاجه ثلاث فتيات إماراتيات ضمن مشروع تخرجهن من
كلية التقنية العليا مستعينات فيه بأربع ممثلات بينهن اثنتان وقفتا أمام
الكاميرا للمرة الاولى.
الحضور كامل العدد في عرض «أشش» الأول، واضطرار متفرجون إلى افتراش
ممرات الصالة في وقتي عرضه، وكان لافتاً ما هو إشكالي في الفيلم.
مخرجتا الفيلم وكاتبتا السيناريو، شما بونواس وحفصة المطوع، ومديرة
التصوير شهد خالد، كن في حالة تحفز وحماسة شديدة، مؤكدات أن امتلاء الصالة
بالجمهور كان بمثابة رد اعتبار لردود فعل سلبية عانين منها بعد تسرب مقاطع
من الفيلم عبر هواتف «بلاك بيري» والإنترنت.
الفتيات الثلاث أكدن أن «الفيلم اقتحم قضايا حقيقية في المجتمع، سعين
إلى الاستعانة بلغة السينما من أجل التنبيه الى خطورتها»، مشيرات الى انهن
واجهن انتقادات قاسية بتشويه صورة الفتاة الإماراتية، «لدرجة أن بعضهم
اتهمنا بأن قضايا الشخصيات الأساسية الأربع في الفيلم هي مشكلاتنا الخاصة».
وأوضحت شما ان الفيلم ناقش ظاهرة«البويات» من خلال شخصية هند،
«واستعنا بالفتاة صدف التي وقفت أمام الكاميرا للمرة الأولى لتجسد سلوك
البنت المستهترة التي تتردد على الأماكن المشبوهة» عبر شخصية «مهرة»، مشيرة
الى ان الفيلم طرح ايضا «عقدة متكررة في حياة كثيرات مرتبطة بالإحساس
بالقبح وعدم رغبة الجنس الآخر فيها، من خلال شخصية (زينب) التي جسدتها
الممثلة الإماراتية راية العامري، وما يمكن أن يترتب على ذلك في ظروف خاصة
من تصرفات أخلاقية سلبية»، مضيفة ان النمط الرابع من الشخصيات تمثل في
نموذج لفتــاة متــزنة عبر شخصية «ميثا» جســدتها ديما عياد، لكن رغبتهــا
الجامحــة في الزواج جعلتها تنسج علاقة غير شرعية مع شــاب، «وجميع هذه
القضايا معيشة رأينا طرحها أفضل من تجاهلها ما دمنا نمتلك حرية اختيار
موضوعاتنا السينمائية».
وعلى الرغم من أن «أششش» فيلم من دون ميزانية، حسب أسرته التي أنفق
أفرادها على العمل بشكل شخصي، فضلاً عن تبرع الممثلات والجهات صاحبة الحق
في مواقع التصوير المختلفة.
واكدت حفصة «تلقينا طلبات من مخرجين آخرين بالتواصل مع الممثلات
الأربع، على الرغم من أن اثنتين منهما ليستا ممثلتين، والجميع كان يتحدث
أمام الكاميرا بعفوية تخرج في كثير من الأحيان عن قيود النص». وقالت ان
«إشكاليات فيلم (أششش) ليست تقنية، بل متعلقة بالكيل بمكيالين في ما يتعلق
بالمسموح عرضه، ففي الوقت الذي نجد مشكلات كل الشرائح الاجتماعية الذكورية
مطروحة للعرض والتناول الدرامي مهما كانت درجة الصدمة التي تحدثها، فإن
القضايا الحقيقية للمرأة محظور تناولها بحجة أن معالجتها تحمل إساءة
للمجتمع، وتضر بصورته الإيجابية».
في السياق نفسه، قالت شهد «تعرضنا لضغوط هائلة من أجل إثنائنا عن
مواصلة إنتاج الفيلم، وكثيرون ممن اطلعوا على السيناريو ووصلوا إلى بعض
مشاهده قبل عرضه، حذرونا من سلبية الصورة التي ستطالنا وقد تؤثر في
مستقبلنا وموقعنا»، لكن الفنانات الثلاث صمدن امام كل التحديات،«اخترنا أن
نكون إيجابيات بالتعامل مع المشكلات الموجودة بدلاً من سلبية تجاهلها، ربما
يؤدي ذلك التناول إلى تنبيه حول ضرورة معالجة تلك الآفات الاجتماعية، ومزيد
من تفعيل الدور التربوي والأخلاقي الذي يجب أن تنهض به مؤسسات المجتمع
المختلفة، وخصوصاً الجامعة والمدرسة والأسرة، وهذه هي الرسالة الإيجابية
للفيلم».
انتقادات.. وإصرار
قالت الفتيات الثلاث اللواتي شكلن أسرة فيلم «اششش»، إنهن تلقين
انتقاداً حاداً من شخصية اجتماعية، فضلن عدم الإشارة إلى اسمه، لكن بعد عرض
الفيلم جاء واعتذرت لهن، وقال ان «الواقع الاجتماعي يحمل مآسي ومشكلات
أخلاقية أكبر بكثير من الصورة التي قدمها الفيلم»، شاداً على أيديهن لتقديم
أفلام تحمل هموم المجتمع.
وقالت المخرجة شما بونواس التي سبق أن قدمت فيلم «أنا رجل» الذي نبّه
لإشكالية الرجال المتشبهين بالنساء، «تلقيت انتقادات حادة عندما عرضت فيلمي
الأول، وسبق لزميلات لي أن تلقين الانتقادات نفسها حينما قدمن الوثائقي
(البحث عن الشريك المثالي)، والآن نتلقى انتقادات أقوى يرى اصحابها أننا
اخترقنا محظوراً ومسكوتاً عنه كان الأفضل أن يبقى كذلك»، مؤكدة «سنواصل
التطرق لكل قضايانا الحساسة غير المرغوب في تناولها، من اجل علاجها»، مشيرة
إلى أن اسم الفيلم «اششش» هو اللفظة العامية التي تطلب إسكات الآخرين
الإمارات اليوم في
12/04/2010 |