هل ترمز قصة الفيلم «أفاتار» الى الهنود الحمر أو الفلسطينيين أو
الحروب على
أفغانستان والعراق والإرهاب؟
يستطيع القارئ اعتماداً على توجهه السياسي، أو سلّم أولوياته، أن
يختار ما
يناسبه، او يزعم ان الفيلم الذي فاز بجائزة «غولدن غلوب» كأفضل فيلم دراما،
ما
يرشحه للفوز بالأوسكار خلال أسابيع، هو عن البيئة والدفاع عنها في وجه
ارتفاع حرارة
الطقس، خصوصاً ان مخرجه جيمس كاميرون أشار الى الطقس وهو يتسلم
جائزته كأفضل
مخرج.
الفيلم لفت نظري قبل أشهر عندما قرأت أن انتاجه بالأبعاد الثلاثة مع
الجمع بين
ممثلين ورسوم متحركة كلف 500 مليون دولار، وهو أعلى رقم في تاريخ صناعة
السينما
لإنتاج فيلم.
«أفاتار» سجل حتى الآن دخلاً بحوالى 1.5 بليون دولار، ما يعني ان
الاستثمار فيه
كان صحيحاً، وهو بذلك تخطى فيلم «حرب النجوم» الذي احتاج الى سنوات لتحقيق
461
مليون دولار، ولم يبق أمامه سوى الفيلم «تايتانيك» الذي سجل في سنتي 1997
و1998
دخلاً بلغ 1.8 بليون دولار.
كاميرون هو مخرج «تايتانيك» أيضاً، وقد فاز هذا الفيلم بجائزة «غولدن
غلوب» قبل 13
سنة وبالأوسكار بعدها، ويبدو أن تكرار الفوز قبل يومين يمهد للسيناريو نفسه
عند
توزيع جوائز الأوسكار.
بما ان سلّم اولوياتي تتصدره فلسطين فإنه يناسبني ان اعتبر الفيلم «أفاتار»
يتحدث عنها، خصوصاً ان المخرج كاميرون، وهو كندي المولد، ليبرالي ومن نوع
ينتصر
للمظلومين حول العالم.
وليس هذا رأيي وحدي فهناك جيمس وول الذي أشرف على تحرير مجلة
«كريستشان سنتشوري» (القرن
المسيحي) حوالى ثلاثة عقود ولا يزال من أركانها، وهو كتب ان «أفاتار» يرمز
الى اضطهاد الفلسطينيين على أيدي اسرائيل، ولم يشذ بذلك عن اتجاه مستمر لدى
الكنائس
المسيحية الأميركية منذ سنوات في دعم الفلسطينيين وإلى درجة
مطالبة أعضائها بمقاطعة
اسرائيل وعدم الاستثمار فيها.
غير ان وول تعرَّض فوراً لحملة من مواقع ليكودية هاجمته ثم عطفت على
المخرج
لأنها رأت في فيلمه محاولة لتصوير الجنود الأميركيين كأشرار ومرتزقة هدفهم
سرقة
الموارد الطبيعية للآخرين.
إذا كان لي أن أضع فلسطين جانباً وأتحدث بموضوعية فإنني أرى أن هذا
مغزى الفيلم،
وأنه في الأساس موقف ضد حروب ادارة بوش، والسياسة الخارجية الأميركية
عموماً، إلا
أنه موقف ينطبق على كل ضحايا الاستعمار الغربي من الهنود الحمر الى فلسطين
وغيرها.
الفيلم من نوع الخيال العلمي، وهو دراما مستقبلية تحكي قصة شعب يعيش
على الطبيعة
في كوكب بعيد اسمه «باندورا» وهناك شركة شريرة (هل هي هالبرتون وديك
تشيني؟) ترسل
جندياً أميركياً مقعداً للتسلل الى شعبها تمهيداً لغزوه. غير ان الجندي
الذي تعطيه
التكنولوجيا شكل أبناء ذلك الشعب، وهم زرق بطول ثلاثة أمتار
تقريباً، يقع في غرام
أميرة منهم، وينضم اليهم في محاربة الغزاة.
عادت إليّ حرب العراق وأنا أسجل في ورقة، في ظلام صالة العرض، عبارات
سمعتها
خلال ذلك الغزو المجرم من نوع «صدمة وترويع» كما زعم وزير الدفاع الأميركي
في حينه
ومجرم الحرب الدائم دونالد رامسفيلد، أو «ضربة اجهاضية أو استباقية» أو
«نحارب
الإرهاب بالإرهاب»، وأيضاً «عندهم شيء في بطن الأرض والطريقة
لأخذه هي اثارة عداء
مع الشعب هناك لتبرير حرب عليه».
هذا ما حدث تماماً في العراق، والنفط في باطن أرضه، وإذا كنا قلنا ان
الغزو كان
لأسباب نفطية لا ارهابية، فإن تقريراً رسمياً أميركياً عن الحرب قال ذلك
بعد فوات
الأوان وموت مئات ألوف العراقيين. ويبقى ان يمثل مجرمو الحرب، بدءاً بجورج
بوش،
وتشيني ورامسفيلد، أمام محكمة جرائم الحرب الدولية في لاهاي.
في غضون ذلك يهاجم اليمين الأميركي الليكودي برموزه من نوع ديفيد
بروكس وجون
بودهورتز الفيلم وسببهم المعلن انه ينتقد حروب أميركا، أما سببهم الآخر
فإمكان
تفسيره كرمز للاحتلال الإسرائيلي، ويهاجمه اليسار والكنيسة الكاثوليكية
لأنه يمثل
شعباً غير قادر على حماية نفسه إلا إذا جاءه «مخلّص أبيض»،
اشارة الى شخصية الجندي
الذي ينضم الى الذين أرسل للتجسس عليهم.
القارئ يستطيع أن يشاهد الفيلم ويختار لنفسه الرسالة الباطنة في قلب
رمزية
الفيلم.
khazen@alhayat.com
الحياة اللندنية في
20/01/2010 |