فجأة، بعد "تايتانيك" (1997)، انزلق جيمس كاميرون
الى قعر الطموحات الفضفاضة التي نزلت عليه كوحي مشاغب. وراحت التكهنات تسير
دربها
المعتاد. من جملة الأسئلة التي طرحت آنذاك وسعت ضمنياً الى "نعي" هذا
النابغة
الكندي: كيف لمخرج حوّل حطام سفينة "مصرفاً للأوراق الخضر" أن ينجو من
الغرق الفني
والابداعي المحتم، بعدما بلغ القمة؟ ثم سمعنا كلاماً كبيراً مفاده ان
الرجل، شأنه
شأن كل شخص يصل الى اعلى نقطة في مساره، قد انتهى وتعرض
للزوال، والأرجح انه لن
ينهض مجدداً من سباته العميق. لكن عودته العظيمة مع "أڤاتار"، بعد 12 عاماً
أمضاها
متأملاً في مشروعه الجديد، ما هي الا تأكيد انه، في الحياة كما في السينما،
مَن
يضحك أخيراً هو مَن يضحك كثيراً.
اجتاز كاميرون، البالغ 56 عاماً، عقداً كاملاً
(التسعينات)
من دون أن يقف خلف الكاميرا (اذا استثنينا فيلمين وثائقيين). لكنه كان
مستنفراً على الدوام، منتظراً بلوغ التقنيات في مجالي الصوت والصورة مرتبة
عالية من
الجودة والدقة كي ينقب عميقاً في مخيلته. وبعد عقد ونيف من الصمت المهيب،
ها انه
يأتينا بعمل أقل ما يمكن القول فيه انه كان يستحق أن يكابد
سينمائي مثله المشاق
والصعاب والصراع (مع الذات أولاً) من أجل تحقيقه. لكن التحدي لن ينتهي عند
هذا
الحدّ. اذ نحن حيال سينما تقفز بنا من مرحلة زمنية الى أخرى. سينما سابقة
لأوانها.
كاميرون يصنع سينما الغد منذ اليوم. انه،
ببساطة، مانيفستو لما ستكون عليه سينما
العقود المقبلة. من خلاله، يخاطب سيد شباك التذاكر مُشاهد
اليوم ومُشاهد الأمس في
آن واحد. وأي فيلم أفضل من هذا لنختم به عقداً ونشرع في آخر؟
في "أڤاتار"، دمج
كاميرون الجسد الحقيقي للانسان (الوجود) بديكورات افتراضية
خلاّبة (لا وجود لها)
خرجت من مصنعه من دون أن نرى بينهما اللحمة الصناعية، أي الفاصل، بين
الانسان
وشبيهه. في المجال التقني الصرف، يوجه الفيلم "صفعة" الى مهندسي المؤثرات
البصرية،
أولئك الجنود المجهولين القائمين على مئات الأفلام الهوليوودية، متقدماً في
الحين
نفسه على ابداعاتهم وابتكاراتهم على طول الخط، مثلما كانت
الحال مع "تايتانيك" الذي
بلغت موازنته نحو مئتي مليون دولار، وعادت على المنتجين بعشرة أضعاف هذا
المبلغ.
الأهم من هذا كله أنه استحدث "جانراً"
سينمائيا هو فيلم الكارثة، رافعاً اياه الى
مصاف أعلى، وأكثر ذكاء ودلالات. مع "أڤاتار"، نحن حيال تمرد تكنولوجي في
المقام
الأول، يجسد حاجة مخرج طليعي الى تجاوز الذات وتجاوز السائد مع كل مرور له
خلف
الكاميرا، علماً انه مدعوم، هذه المرة، بتقنية الابعاد
الثلاثة، التي فتحت آفاقا
غير مظنونة أمام رؤياه غير التقليدية للسينما والعالم.
بداية، لدى حديثنا عن
هذا السينمائي، هناك أمر لا يسعنا اغفاله: كاميرون هو فنان تفاصيل وشمول في
آن
واحد. يسلخ من الحياة ما هو متناه في الصغر ليجعله شيئاً في منتهى الكبر،
والعكس
ايضاً صحيح. ينبغي الحفر في هذا المكان تحديداً اذا اردنا
تدارك ما يدور في مخيلة
كاميرون. وهو في خاتمة المطاف، من السينمائيين الذين اسطروا مهنة الاخراج.
وأعني
بالأسطرة المخرج - الاله، قائد الاوركسترا العتيد المسؤول عن كل نوتة
وحركة؛ فإن
نجح فالفضل يعود اليه، واليه وحده، وإن أخفق فالآخر يكون مقصراً في فهمه،
لأن
"الاله لا يخطئ!"... ولا شيء ينتقص من عظمته.
مهنة المخرج مع امثال كاميرون
مرتبطة بفكرة النفوذ. والنفوذ هذا لا علاقة له بالنفوذ بحسب
المنطق الذي تداولته "الموجة
الجديدة" في الستينات أو بعدها ببضعة أعوام شلة "هوليوود الجديدة". انه
النفوذ بمعناه الأقرب الى فكرة السطوة، وهو، على كل حال، فكرة غير مغلوطة.
ذلك أن
كاميرون، على عكس اسلافه، يفهم السينما مكاناً للقوة والعزم
والخيال، لا مكاناً
للخسارة والفشل والواقعية والبكاء. وهو من القلائل استطاعوا تحويل موت بطل
(جاك في "تايتانيك")
نهاية سعيدة؛ ومن القلائل ايضاً عرفوا كيف من الممكن قطع أنفاس المشاهد
بقصة يعرف خواتمها (السفينة التي تغرق) حتى قبل دخول الصالة. وهو، أيضاً
وايضاً، من
القلائل يتناولون واقعا آنيا، إما من الاستعادة وإما الاستشراف. وقد يكون
كاميرون
اليساري الهوى الوحيد في العالم، يشير بالاصبع الى تعجرف ما
كان يعرف سابقاً
بالامبريالية، مستخدماً أموال الرأسمالية الهوليوودية. هذه المفارقات كلها
تجعل منه
مخرجاً هامشياً يعمل في زاوية خاصة به، وذلك على رغم نجوميته وأمواله
الكثيرة.
هناك كذلك شيء لمسناه في "تايتانيك" ونلمسه اليوم في "أڤاتار": دائماً
الضخامة
هي التي تقود كاميرون الى مشاريعه الكبيرة المشبعة بخطاب أخلاقي وايديولوجي
متوازن،
تفضي الى معادلة مماثلة: سفينة تغرق + الآلاف يموتون + الفقراء يُهملون =
استعراض
مثالي يعرف صاحبه كيف يؤطره، أين يجعله ترفيهياً ومتى يمنحه
البلاغة الفكرية. أما
الملايين التي يجنيها من سينماه، فلا تنتقص أبداً من قيمته
السينمائية.
لـ"أڤاتار" امتدادات تيماتيكية كثيرة في سينما كاميرون نفسها. فما
يطرحه ينتمي الى سينما المؤلف، على رغم (أعيد وأكرر) الطابع التجاري الصرف
لأعماله،
وخصوصاً من حيث الأموال المطروحة لتسويقها. فالسيناريو من تأليفه ويمكن
اختصار
مجرياته على النحو الآتي: جاك، جندي سابق في البحرية الأميركية
يكلف السفر عبر
الزمن الى كوكب يدعى باندورا حيث مجموعة صناعيين يعملون على استغلال مادة
معدنية
خام من شأنها أن تحل مشكلة أزمة الطاقة على كوكب الأرض. وبما أن أجواء
باندورا غير
ملائمة للبشر، فقد ابتكر هؤلاء الصناعيون برنامجاً يسمح لمتحكمين بأن
يتواصلوا عن
بعد مع هذا الجسد البيولوجي المسمى أڤاتار. لكن تبقى هناك
مشكلة سكان باندورا
الاصليين، التي تتفاقم عندما يقع جاك في حبّ نايتيري التي تخلصه من
الموت...
لباسهم هو الديجيتال
مرة أخرى بعد
"تايتانيك" يسمّي كاميرون بطله جاك (سام ورتينغتون). تلك تحية - دلالة
عهدناها لدى
سينمائيين كثر، لكن الاصرار على التذكير بالفيلم السابق يأخذ مداه ويبقى
دائم
الحضور، وخصوصاً مع بلوغ الاضطهاد الذي يتعرض له البطلان ذروته في الفصول
الأخيرة.
لكن خلافاً لجاك (ليوناردو دي كابريو)، الشاب الفقير الذي لن يسعفه وجوده
في الطبقة
الدنيا من السفينة، نتعامل هنا مع جاك آخر، بطل مركزي مخلص تدور من حوله
الاحداث
كلها، ويحدث تبديلاً في سلوكه ما إن يحتك بالآخر. بيد ان
التيمة المستعادة هنا، هي
الطبيعة البشرية في مواجهة طبيعة الكون. فالانسان بالنسبة الى كاميرون
حيوان مخرّب
مأخوذ دائماً برغبته في تحدي ما يتجاوزه حجماً. وبدلاً من أن يكون شريكاً
في حماية
كوكب الأرض، فإنه يساهم في تدميره. يركز الفيلم على الجانب
المتعلق بتحدي الطبيعة،
مثلما كان سائداً في "تايتانيك" توجيه اللوم الى مَن ربط فعل صناعة سفينة
بهذه
الضخامة بتحدي الله. حتى صورياً، هناك روابط بين العملين، واهمها ربما وقوع
الشجرة
العملاقة، في منتصف الفيلم، الذي يشبه الى حدّ كبير، فعلياً
واستعارياً، سقوط سفينة
"تايتانيك" الى قعر الاطلسي.
مرة أخرى، لا نجد الأجوبة عن بعض ما في "أڤاتار"
الا بالعودة الى "تايتانيك". فهذا الفيلم - الرمز كان مرتبطاً الى حدّ بعيد
بالحضارة الغربية التي انتهى أكبر انجاز تقني لها في مرحلة ما قبل الحرب
العالمية
الاولى حطاماً، والحداد على هذه الكارثة التي قضى فيها المئات
(هنا ايمان عميق من
جانب كاميرون بالسينما) لم يكن ممكناً الا عبر استعادة هذه الرواية
سينمائياً (من
منطلق سؤال: "ما الذي حصل فعلاً؟"). دعونا لا ننسى انه كان فيلماً تجري
حوادثه بين
جناحي الزمان والمكان، وحيث كان متاحاً الانتقال من حقبة الى أخرى (صناعية
الى
اقتصادية فرأسمالية)، ومن قرن الى قرن، ومن قارة الى قارة،
بالاضافة الى ان الفيلم
كان يدشن زمناً رقمياً يطل برأسه، وهو الزمن الذي يقف كاميرون على اعلى
قممه.
انه منطق التسلم والتسليم الطبيعي جداً (نكاد نقول الكاميروني) بين
الرقمية
التي تتيح اعادة ترتيب أولويات الحقيقة من جهة، ومن جهة أخرى الانسان الذي
بات في
حاجة ماسة الى هذا الاختراع للتصدي لأشباحه وذاكرته، كذلك لأحلامه ومخاوفه.
بالنسبة
الى كاميرون، فإن الانسان واختراعاته العلمية والتقنية المتجاوزة كل حد
والتي تجعل
منه آلة باردة، لا يشكلون الا كتلة واحدة ووحيدة تنصهر فيها الاسئلة الكبرى
التي
جاءنا بها كاميرون على مدار فيلموغرافيته الغنية بهذه الدلالات. وما
"أڤاتار" الا
امتداد صريح لكل هذه الهواجس. في "تايتانيك" كان على من يريد أن ينقذ جلده (والانتقال الى الضفة الأخرى) أن يلبس سترة
النجاة. هنا لباس الشخصيات (أو جلدها
الثاني) هو الديجيتال، ولا شيء سواه. أما العالم الافتراضي،
فالوجود فيه أكثر صفاء
وامتاعاً من الحياة على كوكب الأرض.
هناك انسجام يفوق الوصف بين جاك
وباندورا الذي يصوره كاميرون بانجذاب وتناغم مقصودين. هذا هو
الشيء الذي يجعل
الفيلم أكثر من كونه وسترن فضائياً. قصة الحبّ تدور بدايةً مع الطبيعة
لتنتقل على
اثرها الى نايتيري. جاك القابع في كرسيه المتنقل بسبب عاهته الجسدية، يتحرر
فجأة من
جسد الانسان الذي كان "يلبسه" ليصبح حراً طليقاً في طبيعة لم
تلوثها بعد ايادي
البشر. المظالم التي يصورها الفيلم بوتيرة جهنمية، تحيلنا على عقد مقارنات
بديهية
وغير بريئة مع قضية اضطهاد الوافدين الى اميركا لسكانها الاصليين (الهنود
الحمر).
ما يلفت في معالجة كاميرون، هو هذه النظرة السوداوية للحضارة الاميركية،
وهذا شيء
نادر فعلاً في الأفلام ذات الموازنات الكبيرة الواسعة الانتشار. لكن الارجح
أن جولة
جديدة من "جلد الذات" بدأت تتبلور في السينما الحديثة انطلقت
أخيراً مع "منطقة 9"
(نيل
بلومكامب) ووصلت الى محطتها الأكثر اكتمالاً هنا في "أڤاتار".
بالتأكيد، لا
شيء جديداً في هذا كله، بيد أن النظرة الى الانسان كمحتل ومغتصب تأخذ معاني
أكثر
جدية في زمن يُتهم فيه الانسان عالمياً بإهمال القضايا البيئية لا بل
بتلويث مناخه
وأرضه ومياهه وعدم منحها الاهتمام المطلوب.
عالم كلمسة بقلوبنا
لكن، ليس "أڤاتار"
وصاحبه على هذا القدر من البراغماتية ليقول هذا الكلام في العلن وعلى نحو
مباشر.
فمن الواضح، منذ البدء، أن المعسكر الذي
ينحاز اليه كاميرون هو معسكر السكان
الاصليين لباندورا، والذين يجري تصويرهم بمرتبة أعلى من الحنان والدفء. بين
براغماتية البشر وانغلاقهم وعنجهيتهم، وشاعرية السكان الاصليين، لا حاجة
للقول أين
يستقر قلب كاميرون، لذلك يمكن اعتباره من سلالة الذين، من سبيلبرغ الى
فرهوفن
وبيسون، أدخلوا المكننة الى المشاعر الانسانية السامية، ذلك ان
وجود المؤثرات
البصرية والصوتية وسطوة الافتراضي على اللحم الآدمي، لا يلغيان إمكان أن
تحبس نفسك
أمام لوحة فيها الكثير من الروحانيات. وعليه، ما يرفض الفيلم مناقشته هو
المنطق
القائل أن التكنولوجيا تسرق من الانسان انسانيته. طرحه اقرب
الى دعوة لمناقشة "هذه
الانسانية"، وهل هي فعلاً مرادف لكل شيء ايجابي؟
يخلق كاميرون عالماً نكاد
نذوب فيه. ننجح في لمسه بقلوبنا وعقولنا وعيوننا وآذاننا في آن
واحد، وهذا شيء نادر
في ما يُعرف بأفلام الـ"بلوكباستر" الأميركية. قد لا يكون ملائماً تماماً
استخدام
كلمات مثل "ثورة" أو "منعطف" في وصفنا لخطوة كاميرون الشجاعة في صناعة هذا
الفيلم (المعادي
للعسكر في المقام الأول)، لكن مما لا شك فيه أن هناك مفهوما جديدا لثقافة
رقمية تتعزز هنا، وستتعزز أكثر فأكثر قريباً، وليس "أڤاتار" الا أول
العنقود. ولا
شك أيضاً أن الكيفية التي يفهم كاميرون السينما من خلالها، أي اعادة
الاعتبار الى
الشاشة الكبيرة امام مزاحمة الصغيرة لها، لن تبقى قائمة
طويلاً، ذلك أن المنافسة
انطلقت منذ الآن مع بدء تجهيز التلفزيونات بتقنية الأبعاد الثلاثة.
يأتي كاميرون
بتجسيد رقمي بهيّ لكل ما يتشكل منه كوكب باندورا. من أصغر تفصيل يشمل اشجار
الغابات
وأعشابها البرية ونباتاتها وصولاً الى تعابير وجوه الشخصيات ونظراتها التي
لا تجيء
فارغة كما في أفلام أخرى. نحن حيال تجسيد دافئ ولقيات غرافيكية من مستوى
عال جداً.
هذا الجانب من الفيلم يثير الحسد. كذلك
الأمر بالنسبة الى النص الذي يتعامل معه
كاميرون، على رغم تقليدية الطرح القائم على صراع أزلي بين
الخير والشرّ. أما
الشخصيات فمقسومة على نحو علني بين مَن يتعاطف معهم المخرج ويؤيد سلوكهم،
وأولئك
الذين سرعان من يصنَّفون في خانة الحثالة. وهذا الفصل الحاد بين المعسكرين
هو
النقطة الاضعف في الفيلم.
ملحميّ النبرة وبيئيّ الرسالة، يجسد "أڤاتار" ما جسّده "2001،
أوديسا الفضاء" بالنسبة الى ستانلي كوبريك: رحلة عجيبة عبر الزمن يمكن
تحميلها تفسيرات شتى، وكذلك تأويلات واسقاطات، وبالتأكيد لن ينكشف غموض هذا
العمل
الا بعد أن يكسو سطحه غبار الزمن. لكن خلافاً لكوبريك، الأكثر انغماساً في
قلق آدمي
شامل، لا حاجة عند كاميرون للتأمل في مسائل كالخلق والطبيعة البشرية
والتطور، وهذه
القضايا إن وجدت فهي محدودة جداً، لأن مخرجنا لا يفعل الا التنقيب في
مجالات تنحصر
في إيديولوجيا كولونيالية وامبريالية طارحاً نفسه انتروبولوجياً أكثر منه
مغامراً
أو مستكشفاً للفضاء الشاسع. لعل الأهم من هذا كله، سيره على خطى موجة
سينمائية
ناشئة تفترض أن كل وافد من الفضاء الخارجي هو أفضل من الانسان،
حّد اننا، كمشاهدين،
نتماهى تدريجاً مع سكان باندورا الاصليين.
تحرير العقل
نادراً ما توظَّف كل هذه
الاموال (يحكى عن 350 مليون دولار )، كي يلقي المخرج نظرة على
هذا المقدار من
السوداوية والعنف في تفاصيل عيشنا. هذا كله معكوس على شخصيات تنمو لديها
رغبة في
الانتماء الى "ثقافة العدو". فمن الواضح مثلاً كيف ان جاك، في منتصف
الفيلم، يرمي
عنه السمة الانسانية ليصبح أكثر تعلقاً بإنسانية مَن يحاربهم. في مسيرة
تحرير العقل
من يد العسكر (وتحرير السلاح من يدهم ايضاً) ينسى جاك الأهداف، ليعتنق
تدريجاً قيم
الحضارة التي ارسل اليها، فتنتج من هذا الانشقاق حرب دامية.
واذا كان كل عنصر على
حدة، في هذا الشريط ذي الطابع الثوري، لا يشكل سابقة في ذاتها، فاجتماعها
تحت قيادة
سينمائي هاجسه صناعة عالم ثم تدميره، يرقى الى ابداع لا يسهل تقليده.
على رغم
الاجتهادات كلها، يبقى كاميرون أمير الكلاسيكية من حيث تقطيعه وزواياه
وسرده وخطه
الدرامي المستقيم. الحداثة بالنسبة اليه لا تكمن في أن تتدحرج الكاميرا أو
تهتز، أو
في بعثرة الأجزاء المختلفة من الحكاية. الشكل الذي يمنحه كاميرون للسيرورة
الدرامية، لا يتميز بعمق شديد، ولا بمعاجلة بسيكولوجية
للشخصيات؛ لا يهتم كاميرون
الا بما يضعه أمام أعين المشاهد، لا لشيء، انما تفادياً للسقوط في نوعية
سينمائية
لا يريد إنجازها، لأنها تتنافى مع لغته، وتتضارب مع امكاناته التي يجب أن
تحكي عن
نفسها بنفسها، من دون استعانة بعناصر خارجية.
لا حاجة للثناء على موهبة كاميرون
في العمل وفق وتيرة تصاعدية تثير سكرة المشاهد المستسلم
للتحليق عالياً في فضاءات
المتعة، مدعوماً بأكشن يتغلغل في الفيلم تدريجاً. النتيجة: أوديسا حيث
لوحات تنم عن
حسّ بصري مذهل، تتعاقب وتتسارع، بحيث تفرز الكاميرا شعراً وعلماً، حباً
وعنفاً. وفي
هذا كله، لا يسعنا الا ان نرى ملامح فيلم كاميرون المقبل.
(•) Avatar
ـــ
يُعرض بالبعد الثلاثي في "سينما سيتي" و"أمپير ــ دون، أسباس"
و"پلانيت ــ أبراج"
و"ستارغايت". يُعرض بالبعدين التقليديين في "أمپير ـــ سانت ايلي، سوديكو،
غالاكسي".
(hauvick.habechian@annahar.com.lb)
النهار اللبنانية في
21/01/2010 |