باختتام أعماله، وإعلانه جوائز المهر العربي، والمهر الآسيوي
الأفريقي، مساء يوم الأربعاء 12/12/2009، على النحو الذي رأيناه، من فخامة
وأبهة، ودقة تنظيم، يكون مهرجان دبي السينمائي الدولي، في دورته السادسة،
قد تفوق على نفسه، واجتاز أكثر الامتحانات صعوبة، منذ انطلاقته عام 2004.
ففضلاً عن الأزمة المالية العالمية، وما أثارته طيلة العام، والأنباء
الخاصة بديون بعض الشركات الاستثمارية الكبرى في دبي، ومدى انعكاسهما عليه،
كان على مهرجان دبي السينمائي الدولي، هذا العام، أن يكون أمام تحديات من
نوع آخر، تبدأ من مسألة توقيته الواقع في نهاية الموسم المهرجاني السينمائي
العربي، وتخاطف المهرجانات التي تسبقه توقيتاً، وتفوقه قدرة مالية، لأهم
الأفلام العربية، وعروضها الأولى.
كان من المدهش فعلاً، أن تأتي الدورة السادسة من مهرجان دبي، محققة،
بلغة الأرقام، حيازتها على أكثر من أربعين فيلماً في عروضها العالمية
والدولية الأولى (29 عرض عالمي أول، 13 عرض دولي أول)، إذا كان الكثيرون
يعتقدون أنه لم يبق للمهرجان سوى العروض الثانية أو الثالثة، أو الانحناء
وقبول أفلام ذات مستوى متوسط، إن لم نقل مستوى ضعيفاً.
لكن الذي حصل هو أن المهرجان لم ينحن، ولم يتنازل، على صعيد المستوى
الفني للأفلام، فكانت في غالبيتها الأعم، أفلاماً ذات مستويات فنية وتقنية
عالية، كما ذات موضوعات غاية في الأهمية. ولعل المهرجان اتكأ على سمعته
الجيدة، كما على مهارة منظميه ومبرمجيه وإدارته، واتساع شبكات علاقاتهم
بصنّاع السينما العربية، والآسيوية الأفريقية، فضلاً عن السينما العالمية،
إذ لوحظ أن فيلم الافتتاح هو «تسعة» إخراج روب مارشال، وفيلم الاختتام هو
«أفاتار»، جديد المخرج جيمس كاميرون، وهما في عروض عالمية أولى، تتوازى أو
تسبق عرضها في هوليوود.
في مسابقة المهر العربي، جاءت أبرز المشاركات وأهمها من لبنان
وفلسطين، ومصر والعراق، والمغرب والجزائر والإمارات والسعودية والأردن
والسودان، مع شبه غياب سوري وتونسي، وبملاحظة حضور قوي وخاص للسينما
الفلسطينية، تمثل بأفلام لكل من ميشيل خليفي، ورشيد مشهراوي، ومحمد البكري،
ورائد أنضوني، وشيرين دعيبس، ونصر حجاج، وبلال يوسف، وبسام الجرباوي، في
عروض عالمية أولى لأفلامهم، كما تميز الحضور اللبناني مع ديما الحر، وزينة
دكاش، وديغول عيد، وطلال خوري، وكاتيا جرجورة، وإيلين هوفر بطرس، وسابين
الشمعة..
وتميزت مسابقة المهر الآسيوي الأفريقي بمشاركة أهم الأفلام الجديدة
المنتجة في هاتين القارتين، بدءاً من إيران، مروراً بالهند واليابان والصين
وكوريا الجنوبية وأرمينيا وكازاخستان وقرغيزستان، وأندونيسيا وسنغافورة
وماليزيا وتايلندا والفلبين وهونغ كونغ وسيريلانكا، وصولاً إلى السنغال
والكاميرون والكونغو وجنوب أفريقيا. مع ملاحظة غياب تركي بارز.
وفضلاً عن مسابقتي «المهر» الرسميتين، فقد خصص مهرجان دبي السينمائي،
هذا العام، جانباً منه لاحتفاليات وتظاهرات وبرامج عروض أفلام من طراز:
ليالٍ عربية، أصوات خليجية، سينما العالم، سينما الأطفال، سينما آسيا-
إفريقيا، جوائز تكريم إنجازات الفنانين، إيقاع وأفلام، أفلام التحريك،
الجسر الثقافي، دائرة الضوء، السينما الفرنسية، السينما الهندية.. وصلت
بمجملها العام إلى قرابة 168 فيلماً.
[ تكريمان: عربي وهندي
اختار مهرجان دبي السينمائي الدولي للتكريم، في دورته السادسة، كلاً
من «سيدة الشاشة العربية»، السيدة فاتن حمامة، و«أسطورة السينما الهندية»،
الفنان أميتاب بتشان. وفي الوقت الذي حضر بتشان المهرجان، وشارك في
احتفالية تكريمه بنفسه، فقد جرى الاستثناء، في حالة الفنانة فاتن حمامة،
المنكفئة عن الحضور العام، إذ ذهب رئيس المهرجان، السيد عبد الحميد جمعة،
قبيل انعقاد المهرجان، إلى منزل المُكرَّمة، في القاهرة، وقام بتكريمها،
أمام كامير رمسيس مرزوق، ليعرض الفيلم، في بادرة مميزة ونادرة.
غني عن القول إن اختيار المهرجان لهذين التكريمين، موفق جداً، سواء
لناحية أهمية كل منهما: فاتن حمامة، وأميتاب بتشان، في تاريخ سينما العالم
الثالث، أو لأهمية المركزين السينمائيين اللذين ينتميان إليه. فمصر هي
الرائدة في السينما العربية، وكذلك السينما الأفريقية، إذا نظرنا إليها من
هذه الوجهة، فيما لا يتنازع أحد الهند على مكانتها السينمائية، آسيوياً،
على الأقل. وهذا المثلث: العربي، الآسيوي، الأفريقي، جوهري في مهرجان دبي
السينمائي.
[ ملتقى دبي السينمائي
سنظلم مهرجان دبي السينمائي الدولي، إذا توقفنا في حديثنا عنه على
الأفلام والعروض، على الرغم من أهميتها، ودلالاتها في نجاح المهرجان من
عدم، وربما تأكيد أهميته من ثانويته.. فأكاد أقول إن مهرجان دبي السينمائي
الدولي، هو المهرجان الوحيد في المنطقة العربية، الذي يولي أهمية كبرى
لتأسيس بنية إنتاجية للسينما العربية، تبدأ من ورشات التدريب، وصولاً غلى
بلورة الأفكار والمشاريع، ومن ثم فتح آفاق تمويلها، وتسويقها وتوزيعها، في
حلقة تتكامل مساهمة في دعم الإنتاج السينمائي العربي.
قرابة 70 ندوة وورشة ومنتدى شهدتها فعاليات الدورة السادسة من مهرجان
دبي. فعلى صعيد التدريب، أقيمت ورشة التدريب الاحترافي لكتاب السيناريو
العرب، وورشة التدريب الاحترافي للمنتجين السينمائيين العرب، وهما الورشتان
اللتان تقومان بتطوير الامكانيات الحرفية للمنتسبين لهما، إذ يتم التدريب
على أيدي خبراء عالميين في كتابة السيناريو، وفي أصول وقواعد الإنتاج،
وبالتعاون مع مؤسسات وشركات رائدة في مجال التدريب والتطوير.
كما انعقدت دورة «ملتقى دبي السينمائي»، التي تضم مشاريع وأفكار لـ 15
مخرجاً عربياً، حضر كل منهم برفقة منتجه، لتجري أيام المهرجان لقاءات
وحوارات ونقاشات مع مجموعة كبيرة من الجهات الإنتاجية، والمؤسسات الداعمة،
ونقاط التمويل، من أجل فتح الآفاق أمام المخرجين العرب للحصول على دعم
وتمويل من جهات عربية، وغير عربية.
كما قدم الملتقى جوائزه النقدية للمشروعات الفائزة، فكانت جائزة
«بوابة الصحراء»، ومقدارها 25 ألف دولار، لفيلم «زنديق»، للمخرج ميشيل
خليفي، بينما قررت لجنة تحكيم جائزة «مشاريع ملتقى دبي السينمائي»، وقيمتها
25 ألف دولار أميركي، لثلاثة أفلام، وهي «أوف فريم»، للمخرج الفلسطيني مهند
يعقوبي، و«تسليت»، للمخرج المغربي هشام فلاح، و«ياسمين»، للمخرج الأردني
أمين مطالقة. وذهبت جائزة «آرتيه»، التي تبلغ قيمتها 6 آلاف دولار أميركي
لفيلم «الأحرار»، للمخرج المغربي إسماعيل فروخي، بينما ذهبت الجائزة التي
تقدمها الشركة البحرينية للإنتاج وتبلغ قيمتها 10 آلاف دولار لفيلم «فيلم
فلسطيني» للمخرج الفلسطيني مهدي فليفل.
ومن الضروري أن نذكر أن عدداً من الأفلام العربية المميزة، التي
نشاهدها اليوم، والتي تنال جوائز كبرى في مهرجانات عربية، وغير عربية، إنما
هي أفلام بدأت فكرة ومشروعاً خلال ملتقى دبي السينمائي، فكانت الانطلاقة من
الملتقى، إن لم يكن بجوائزه، فبتزكيته لها، ولفت الأنظار إليها، وتشجيع
المستثمرين والمنتجين والداعمين، فكان أن استطاعت الحصول على المزيد من
الدعم والتمويل والاحتضان.
[ سوق الفيلم في مهرجان دبي
ولأن دائرة الإنتاج السينمائي لا تكتمل إلا من خلال تسويق الفيلم،
وتوزيعه، فقد كان من أهم مبادرات مهرجان دبي السينمائي، إقامته لفعالية
«سوق الفيلم»، الذي يتولى تحريض الموزعين على مشاهدة الأفلام، والإلتقاء مع
منتجيها ومخرجيها، تمهيداً لعقد الصفقات، وفي هذا المجال قال مدير السوق
زياد ياغي، إن السوق حقق في هذا العام تطورات تؤكد نجاح هذه الفعالية التي
بدأها المهرجان منذ دورته الماضية. وأشار إلى أن السوق استقطب أكثر من 2963
مشاهداً، وأوضح أن السوق أتاح للمشاركين فيه 205 بوابة رقمية للإطلاع على
أحدث الأفلام المستقلة، عربية كانت أو من إفريقيا وآسيا.
وأضاف أن عدداً كبيراً من المنتجين والموزعين والمسؤولين عن تزويد
محطات التلفزة وصالات السينما، في دول عدة، زاروا السوق، إضافة إلى عدد من
العاملين في مجال تزويد الطائرات بالأفلام، حيث بلغ عدد الافلام التي وفرها
السوق هذا العام 323 فيلماً. ورتبت صالة السوق هذا العام أكثر من 73
اجتماعاً بين صناع أفلام وموزعين ومشترين، وساهم في إنجاز 60 استبياناً
ودراسة استقصائية.
وقدمت صالة السوق، خدمات متنوعه في مجال الاستقصاء، والخدمات التخططية
التي كان لها أثرها الواضح في التقريب بين صناع الافلام والمشترين الذي
تنوعت جنسياتهم ومناصبهم، ومن أبرز الذي شاركوا في السوق هذا العام، رئيسة
المشتريات في التلفزيون الفرنسي ناتالي بوبينيو، وعدد من مسؤولي شراء
الأفلام من إيران، وبي بي سي، وتلفزيون بلجيكا، ومايكل اندرين من ديزني.
[ الطفولة، والشباب، والطلبة
وإذا كان التأسيس يبدأ من المراحل الأولى، فقد خصص مهرجان دبي
السينمائي التفاتات مميزة لكل من الأطفال والشباب والطلبة. فشهدت الدورة
السادسة فعالية «ورشة التمثيل أمام الكاميرا» لتنمية المواهب التمثيلية لدى
الصغار، وتطوير التعامل مع الكاميرا، كما أقيمت ورشات خاصة بالصحافيين
الشباب، انتهت إلى منح جائزة الصحافيين الشباب، للطالبة «سدرا طارق»، بينما
كانت مفاجأة مميزة أُعدت لبعض طلبة كلية الاعلام، حيث أعقب عرض فيلم
التحريك «الأميرة والضفدع»، جلسة مع رسامي شخصيات الفيلم، قاموا بعرض كيفية
خلق هذه الشخصيات، ورسمها وتحريكها.
يبقى أن مهرجان دبي السينمائي الدولي، وهو يرفع شعار «ملتقى الثقافات
والابداعات»، استضاف ندوة «الجسر الثقافي»، التي أعقبت عرض فيلم «بدرس»
للمخرجة البرازيلية جوليا باشا، وكان افتتاح الندوة بكلمة ألقتها جلالة
الملكة نور الحسين، التي أضفت بحضورها الأنيق ألقاً على المهرجان الذي شهد
حضور عدد من كبار الممثلين في العالم في مقدمتهم عمر الشريف، وجيرارد باتلر،
وكريستوفر لامبير، وكريشتينا ريشتي، ومنهم من ساهم بجمع قرابة 1.5 مليون
دولار، في مزاد علني، في إطار حملة «سينما ضد الإيدز»، ودعماً لمؤسسة «أمفار»
العاملة في هذا الإطار.
المستقبل اللبنانية
في
20/12/2009 |