هل يكفي عرض فيلمين مصريين، سبق عرضهما في تظاهرات كثيرة، وفيلمين من
المغرب (أحدهما
في المسابقة الرسمية والثاني في تظاهرة ثانوية) لمواصلة الاحتفال الذي
بدأناه قبل سنوات بتحول مهرجان مراكش السينمائي الدولي، من
تظاهرة فرنسية، الى
مناسبة مغربية لعرض أفلام عربية كثيرة والاحتفال ببعض السينمات العربية؟ من
المعروف
عن مهرجان مراكش، الذي تبدأ اليوم فعاليّات دورته السادسة، أنه واحد من
أفضل
المهرجانات السينمائية العربية، حتى وإن كان قد اعتاد ان يقيم
توازناً دقيقاً بين
عروضه العربية وعروضه الأجنبية. وهو دائماً ما تميز عن المهرجانات
السينمائية
العربية الأخرى، وتحديداً منذ تسلم الناقد، ورئيس المركز السينمائي المغربي
نور
الدين صايل، لمقدراته خلفاً لفريق عمل فرنسي كان أسسه لجعله احتفالية
اجتماعية بقدر
ما هو مهرجان سينمائي، تميّز بشعبية واسعة أمنتها له، في معظم الأحيان
عروضه
العربية - المصرية بخاصة -، بحيث عرف كيف يقيم توازناً بين
سينما النخبة وسينما
الجمهور الشعبي.
في قلب الأحداث
ويذكر محبو هذا المهرجان كيف أن احتفاله ذات عام بتكريم السينما
المصرية أوصله
الى ذروة نجاحه وشعبيته. غير أن هذا يبدو بعيداً هذا العام. فالدورة
الجديدة لا
تتميز بوفرة أفلامها العربية، بصورة عامة، والمغربية حتى، بصورة خاصة. ومع
هذا من
الصعب وضع اللائمة على المهرجان نفسه، إلا من ناحية جانبية.
فاللائمة تقع على توقيت
المهرجان إذ انه يأتي في الشهر الأخير من العام بعد أن تكون المهرجانات
العربية
الأخرى قد استهلكت كل الأفلام الصالحة للعروض المهرجانية (اضافة الى أن ثمة
من بين
هذه المهرجانات من يدفع لأصحاب الأفلام لقاء عرضها في بدعة قد
تكون من وجهة نظر
هؤلاء محقة، لكنها تبدو غير منطقية مهرجانياً)، أما من ناحية أخرى، جانبية،
فإن ما
يلفت النظر هو ان ادارة المهرجان، بدلاً من أن تختار هذا العام سينما عربية
(اللبنانية
أو الفلسطينية أو السورية مثلاً، لتكريمها عبر سرد تاريخها أسوة بما كان
من نصيب السينما المغربية ثم المصرية)، آثرت أن تخص بالتكريم سينما كوريا
الجنوبية
واكسسوارياً، سينما تايلندا.
طبعاً لا يمكن الاعتراض على هذا التكريم الآسيوي المزدوج والذي يطاول
بلدين بدأت
السينما في كل منهما تفرض حضورها القوي وتنوعها وإبداع فنانيها على العالم
كله.
ولكن، طالما انه كان معروفاً باكراً، أن
عرض الأفلام العربية في الدورة التاسعة
هذه، سيكون نادراً، ألم يكن من الأجدى والمتوازن تكريم سينما
عربية من المؤكد ان
الجمهور المغربي، الشعبي والمثقف، قد يفضل الاطلاع على تاريخها ونتاجاتها،
على
الأقل للتعويض عن غياب أفلام عربية في التظاهرات الرئيسة؟
لم نشأ بهذا الكلام ان نوجه نقداً جذرياً الى مهرجان يمتعنا ونسانده
عاماً بعد
عام، فهو، بأفلام عربية أو من دونها يظل مهرجاناً مميزاً، في الخريطة
العربية وفي
الخريطة العالمية. ويظل - وهذا أهم ما في الأمر - مهرجان الاكتشافات
السينمائية
بامتياز، سواء في عروض المسابقة (15 فيلماً لهذا العام بينها
المصري «هليوبوليس»
والمغربي «الرجل الذي باع العالم») أو في عروض «الاختيارات الخاصة» (أفلام
من بلدان
شتى بينها المغربي «شروخ»)، أو عروض خارج المسابقة (بينها «احكي يا شهرزاد»
ليسري
نصرالله)، ناهيك بهذه الاستعادة المهمة، والتي تحدثنا عنها، لتاريخ السينما
الكورية
عبر عرض نحو أربعين فيلماً، حققت بين 1955 و2008. واستعادة بعض أحدث
انتاجات
السينما التايلندية.
وكالعادة، متوقع الآن، وعلى الأقل من اختيارات أفلام المسابقة
الرسمية، أن تكون
طوال الشهور التالية للمهرجان في قلب الأحداث السينمائية العالمية... ونعرف
أن هذا
قد حدث بالنسبة الى عدد كبير من أفلام عرضت في الدورات السابقة للمهرجانات،
وكانت
-
في معظمها - مجهولة تماماً، لتصبح بعد التعرف عليها، واكتشافها في
«مراكش» من
كلاسيكيات السينما الحديثة في العالم (ولا بأس من التذكير هنا، بين أعمال
أخرى،
بأفلام مثل «كريزي» الكندي، و «دروب جانبية» للأميركي الكسندر باين، و «انشودة
جاك
وروز» لربيكا ميلر، ناهيك بأعمال أتت - بخاصة - من بلدان أوروبا الشرقية
لتقول
الكثير حول الواقعين السينمائي والاجتماعي في منطقة من العالم
باتت «نائية جداً» و «مجهولة
جداً» منذ تحررت من ربقة الانتماء الى المعسكر الاشتراكي!).
وبتأمل لائحة أفلام المسابقة الرسمية لهذا العام، من الممكن منذ الآن
توقع
انتشار للكثير منها في مهرجانات العالم وصالاته في العام المقبل، بخاصة ان
الاختيارات وقعت على أفلام لا تغيب عنها ملاحظة موقع الفرد من
العصر الحديث،
والتغيرات الجذرية حتى لأكثر المجتمعات ثباتاً، على وقع العولمة وتشابك
الأوضاع
الاقتصادية في عالمنا الحديث. نقول هذا ونفكر بأفلام مثل المصري
«هليوبوليس» (راجع
ما نشر في «الملحق» عنه، الأسبوع الماضي وهذا الأسبوع)،
والمكسيكي «الشمال المفقود»
عن محاولات دؤوبة يقوم بها شاب مكسيكي للوصول الى «فردوس الخلاص» في أميركا
الشمالية، والهولندي - الإرلندي «ليس الأمر شخصياً» عن امرأة هولندية تتوجه
لتعيش
في ارلندا... وفي مقابل هذه الفتاة الهولندية، لدينا زهرا،
المرأة الجزائرية التي
تصل الى فرنسا، ولكن كي تلتقي قاتل ابنها (فيلم فرنسي لليافهنر).
وإذا كانت اليابان ترسل فيلم «رمز» المتحدث عن رجل يفيق صباحاً ليجد
نفسه في
غرفة فاقعة البياض، فإن كوريا الجنوبية ترسل، خارج إطار البرنامج التكريمي
الخاص
بسينماها، فيلمين جديدين، فيما ترسل اسبانيا فيلماً عن وحدة امرأة معاصرة.
الفيلم
عنوانه «امرأة دون بيانو» من اخراج خافيير ريبولو. وترسل الأورغواي فيلم
«غرفة ليو»
عن شاب يجد حبيبته ذات يوم بعد أن حلم بها
طويلاً، في الوقت ذاته الذي يعثر فيه على
نفسه. الحب أيضاً، ولكن من وجهة نظر المرأة - شبيهة ايما
بوفاري هنا -، في الفيلم
الإيطالي «أنا الحب»، الذي يحدثنا فيه المخرج لوكا غوادانينيو عن امرأة تجد
نفسها
أسيرة زواجها وقصرها المنيف، فلا تجد وسيلة للهرب من أسرها الروحي سوى في
اكتشاف
الحب مع فتى هو صديق ابنها الماهر في فنون الطبخ، ومن بلجيكا
يأتي المغربي الأصل
نبيل بن يادر بفيلم «البارونات» الذي يدور من حول «البارون» حسن، بصيغة
المتكلم
والذي يفيدنا منذ البداية ان تخصصه كبارون، هو فن الضحك... في الوقت الذي
يتخصص في
الفيلم الدنماركي «حب وغضب»،، مجايل له، هو دانيال، في البحث عن مستقبل له
كعازف
بيانو. أما تخصص الأم وابنتها الشابتين في الفيلم الماليزي
«ابنتيّ» فإنما هو الألم
والمعاناة، واختلاط العواطف!
وفي قلب التكريم
المرجح منذ الآن أن يثير اضطرار لجنة التحكيم، برئاسة المخرج الإيراني
عباس
كياروستامي، للفصل بين هذه الأفلام حيرة اللجنة... ولكن أليست هذه هي،
دائماً قواعد
اللعبة. من هنا، وفي انتظار حفل الختام الذي سيكرم أفلاماً
وينسى أخرى، سيستمتع الجمهور كالعادة بمشاهدة عشرات الأفلام
والتمتع باكتشافها،
وغالباً قبل أية جماهير أخرى. وحتى في بلدان المنشأ... وكذلك بحضور تلك
التكريمات
الخاصة، التي ستطاول فنانين أثبتوا حضورهم في مسار السينما العالمية.
وتكريمهم في
شكل مزدوج. عبر حضورهم شخصياً والحديث عنهم، ولكن أيضاً وفي
شكل أكثر حضوراً، عبر
عرض بعض أهم الأفلام التي ارتبطت بأسمائهم: من «غاندي» للسير بن كينغسلي
(من اخراج
ريتشارد آتنبورغ عام 1983، الى «علي زاوا أمير الشارع» لسعيد تغماوي (من
إخراج نبيل
عيوش عام 2000 مروراً بـ «هيرسبراي» لكريستوف واكن (من اخراج آدم شانكمان
عام 2007)
...
ناهيك بأمير كوستوريتسا، الذي سيكون أشهر المكرمين، هو الذي سيذكّر من
دون شك
بأن هذا هو ثاني تكريم عربي له هذا الموسم، بعدما كُرِّم قبل أسابيع في
دمشق.
الحياة اللندنية
في
04/12/2009
احتفاء بالسينما في تجلياتها
الإنسانية
الرباط – نور الدين محقق
<
يواصل المهرجان الدولي للفيلم بمدينة مراكش تألقه من سنة
لأخرى، حيث استطاع
منذ بزوغ نجمه أن يصبح أحد المهرجانات السينمائية الكبرى في العالم. ومن
ثمَّ
موعداً سينمائياً يحرص الكثيرون من السينمائيين سواء المغاربة أو العرب أو
الأجانب
على متابعة أشغاله والأفلام التي يقدمها. هكذا نجد أن اللجنة
المنظمة له وككل سنة
تحرص على تحديد برنامجه بدقة. وهو أمر إيجابي لأنه يقدم صورة عن الأجواء
التي سيقدم
فيها المهرجان وسينما البلد التي سيتم تكريمها فيه وأسماء المحتفى بهم، وما
إلى ذلك
من أمور تنظيمية وفنية. ومن ثم لم يكن غريباً أن يرأس لجنة التحكيم هذا
العام
المخرج الإيراني الكبير عباس كياروستامي الحائز على السعفة
الذهبية في مهرجان «كان»
1997
وعلى الجائزة الكبرى للجنة التحكيم في مهرجان البندقية. هذا المخرج
السينمائي
الذي قدم مجموعة من الأفلام القوية ابتداء من فيلمه الروائي الطويل
«المسافر»
ومروراً بكل من أفلامه: «بين أشجار
الزيتون» و «طعم الكرز» و «ستعصف بنا الرياح» و
«صورة
طبق الأصل» وغيرها.
كما يتم الاحتفاء في هذه الدورة بالسينما الكورية التي بلغت مئة سنة
من عمرها
والتي تعرف حضوراً قوياً ضمن باقي سينمات العالم، واستطاعت أن تقدم مخرجين
وكتّاب
سيناريو معروفين على المستوى العالمي كما هو الشأن مع كل من إيم كوون تايك
وبارك
شان ووك وكيم كي دوك وكيم جي وون وبونغ جون هو وإيم سانغ سو
وهونغ سانغ سو ولي شانغ
دونغ وغيرهم. والاحتفاء بهذه السينما في هذه الدورة يأتي على عادة المهرجان
في
تقديم سينمات العالم والاحتفاء بها، إذ سبق له الاحتفاء بسينمات أخرى في
الدورات
السابقة مثل السينما المغربية والإسبانية والإيطالية والمصرية
والبريطانية. وهي
عملية ايجابية، إذ إنها تسلط الأضواء على السينمات العالمية في مختلف
تجلياتها
الإنسانية وتساهم بالتالي في دعم مبدأ حوار الحضارات في أقوى مظاهره، ذلك
أن
السينما هي مرآة الشعوب في العصر الحالي، عصر الصورة بامتياز.
كما تم الإعلان أيضاً عن الوجوه السينمائية البارزة التي ستكرم في هذه
الدورة
وهي: السير بن كنغسلي، وسعيد التغماوي، وأمير كوستوريتسا، وكريستوفر والكن.
هذه
الأسماء التي قدمت للفن السابع ألقاً كبيراً وساهمت في عملية إشعاعه
وامتداده.
فالسير بن كنغلسي قدّم أدواراً كبيرة في مقدمها تشخيصه القوي لدور
الماهاتما غاندي
في فيلم «غاندي» الذي أبدعه المخرج ريتشارد أتينبوروغ، والذي حصل من خلاله
على
جوائز عدة تأتي في مقدمها جائزة الأوسكار. كما قدم الممثل
المغربي سعيد التغماوي في
المجال السينمائي العالمي مجموعة من الأدوار القوية ووقف أمام أشهر
الممثلين، كما
هو الشأن مثلاً في فيلم «مراكش إكسبريس» للمخرج غيليس ماكينون حيث جسد دور
البطولة
أمام الممثلة كيت وينسليت، نجمة فيلم «تايتانيك»، كما مثل إلى
جانب النجم الأميركي
جورج كلوني ومارك والبرغ في فيلم «لي روا دو ديزير» للمخرج دافيد أو. راسل،
و شارك
في فيلم «لاست مينوت كاصبا» للمخرج مايكل فينين، كما قدم دوراً بارزاً في
فيلم «علي
زاوا» للمخرج المغربي نبيل عيوش، إضافة إلى مشاركاته في مجموعة من الأفلام
الفرنسية
والايطالية والأميركية وغيرها. أما المخرج أمير كوستوريتسا، فقد قدم
للسينما مجموعة
من بينها «هل تذكر دولي بيل؟» الحائز على جائزة الأسد الذهبي
في مهرجان البندقية
عام 1981، و «أبي في رحلة عمل»، الحائز على السعفة الذهبية في مهرجان «كان»
عام 1985
وغيرها. أما الممثل الأميركي كريستوفر والكن فقد حاز من خلال دوره في فيلم
«رحلة
الى حافة الجحيم» الذي أخرجه مايكل سيمينو عام 1971، والذي جسد فيه شخصية
جندي، على جائزة الأوسكار لأحسن دور ثان، وجائزة لجنة التحكيم في مدينة
نيويورك،
كما شارك في مجموعة من الأفلام القوية إلى جانب نجوم هوليوود المعروفين مثل
جوليا
روبرتس، وكاترين زيتا جونز في فيلم «زوج من النجمات» للمخرج
جوو روث، كما مثل إلى
جانب النجم ليوناردو ديكابريو في فيلم «إقبض علي إن استطعت» لستيفن سبيلبرغ
والنجمين ميشال بفايفر وجون ترافولتا في «هيرسبراي» لآدم شانكمان.
هكذا يكون المهرجان الدولي للفيلم في مراكش قد استعد لتنظيم دورته
التاسعة بكثير
من الاحترافية. ذلك أن هذا المهرجان السينمائي المغربي يقدم صورة قوية
للسينما في
بعدها الإنساني المنفتح على مختلف سينمات العالم والحريص على تقديمها بكثير
من
الألق حتى تستطيع أن تستفيد من بعضها البعض وتتوهج أكثر.
الحياة اللندنية
في
04/12/2009 |