ضمن “أفلام من الإمارات” عرضت أول أمس، 5 أفلام من دول مجلس التعاون
الخليجي، من فئة الأفلام القصيرة، تنوعت مضامينها بين معالجة قضايا مثل
الفقر والتسرع في إطلاق الأحكام وخطورتها على العلاقات القائمة منذ
الطفولة.
الفيلم الأول جاء بعنوان “ثلاثة رجال وامرأة” للمخرج عبدالمحسن الضبعان من
المملكة العربية السعودية. الفيلم مدته 13 دقيقة ويعرض لأول مرة وهو عمل
انتقادي من النوع الذي يوظف الفكاهة لطرح المشكلة، حيث يجتمع ثلاثة شباب في
منزل ليتفقوا على سيناريو معين لفيلم يريدون إنجازه، ويقترح كل شخص تعديلاً
على النص الأصلي الذي تتم قراءته. لدى كل اقتراح يظهر مشهد مصور للفكرة
المقترحة كانعكاس للصورة التي سيبدو عليها الفيلم، ومنها أن يقوم أحد
الشباب بدور الأم التي تؤنب الابن، في انتقاد فكاهي موظف بحرفية لصعوبة
العثور على امرأة تقبل المشاركة في فيلم سعودي يلجأ المخرج الى شاب يضع
نقاب المرأة. وفي المشهد الذي يصور تساؤل أحد الشباب ما إذا كانت ستكون
هناك قبلة في الفيلم، يقوم أحدهم بتغطية جسده بالشراشف ويتحرك في إيحاء
كوميدي لصعوبة مرور مشهد عاطفي في المملكة. في نهاية الفيلم يطلب احد
الشباب منهم أن يأخذوا رأي المخرجة في هذه الاقتراحات، ليكتشف المشاهد أن
المخرجة عبارة عن الكاميرا التي تصورهم.
لا يمكن تطبيق معايير النقد التي تستخدم في الأفلام العالمية ذات الانتاج
الضخم على هذا الفيلم، فالامكانات بسيطة وتم تصويرها بكاميرا ميني ديفي تم
استخدامها في بعض المشاهد يدويا لخدمة الحدث، لكنها تعتبر معالجة ناجحة
لاقت استحسان جمهور المشاهدين لقضية تعتبر في غاية الحساسية والتعقيد في
السعودية.
الفيلم الثاني من سلطنة عمان للمخرج خالد الكلباني بعنوان “بياض” وهو فيلم
صامت مدته 9 دقائق، وتحمل فكرة بسيطة عن المعاني التي يعكسها اللون الأبيض
في الحياة، في الفيلم يعطي اللون الأبيض معاني للحزن، عندما يضع الحلاق
الملاءة البيضاء حول عنقه يستعيد المآسي المرتبطة بهذا اللون، وفي مقدمة
الفيلم نقرأ جملة: “عندما يأتيك لون البياض بأحاسيس سوداء” وفي نهاية
الفيلم تتمة الجملة: “مرعبا يتناقض مع شموخه كجبل”.
ثالث هذه الأفلام بعنوان “زهور تحترق” للمخرج البحريني محمد ابراهيم محمد،
ومدته 23 دقيقة، وفكرة الفيلم مأخوذة من قصة للكاتب الفلسطيني الراحل غسان
كنفاني وتدور حول عمالة الأطفال الطوعية والمستقلة، حيث يقرر تلميذ مسح
الأحذية لكسب لقمة العيش، ويدخل في بعض التفاصيل النفسية الحساسة من خلال
رفضه الإعلان انه يتيم، فيلقى مساعدة من المدرس الذي يصادفه في الشارع وهو
يمسح حذاء رجل آسيوي.
الراحة النفسية التي يجدها التلميذ “أحمد” عند مدرسه تزيح عنه الحرج لدعوته
إلى منزله، فيتفاجأ بأن أمه متوفية ووالده أصيب بانهيار عصبي أفقده توازنه
العقلي بعد أن قام بتحميل نفسه مسؤولية دهس ولده الأصغر الذي صدمته سيارة
بينما كان يطلب منه أن يسرع في قطع الطريق لانجاز مهمة كلفه بها، وهو
المشهد الذي يظهر في بداية الفيلم. ويحمل الفيلم توجيها اجتماعيا حول قيمة
العمل، فيقوم المدرس بتشبيه التلميذ بشجر النخيل الذي مهما عطش فإنه لا
يسأل غير السماء ولا يستجدي أحدا. اتبع المخرج طريقة اخفاء الفكرة وصنع
عقدة سينمائية بربط المشهدين الأول والثاني بنهاية الفيلم، وهي طريقة
اخراجية لا بأس بها في الأفلام القصيرة، إلا أن السيناريو الذي شاهدناه
يحتاج لمدة أقصر من 23 دقيقة.
الفيلم الرابع الذي عرض ضمن البرنامج “همسات الخطيئة” للمخرج الكويتي
عبدالرحمن الخليفي، ومدته 31 دقيقة. وشهد التفاعل الأكبر من المشاهدين معه
لفكرته الصادمة التي تدور حول سوء الظن بالأصدقاء. حيث يستخدم المخرج
الفلاش باك بداية ليعود إلى طفولة الشابين أحمد وعلي وبالتحديد تسبب علي في
كسر لعبة عزيزة جداً على الأول. ثم ينتقل بنا الزمن إلى 15 عاماً، يظهر
فيها أحمد متزوجا من فتاة كان على علاقة بها قبل الزواج، فيثير جدلا مع
صديقه ووالده حول مدى صحة طريقته في الزواج وكيف له ان يتزوج من فتاة
يعرفها مسبقا. وهي الفكرة التقليدية السائدة في مجتمعاتنا والتي تعيق فكرة
النهوض الاجتماعي من خلال تجاهلها للانفتاح الذي تفرضه طبيعة التقدم،
ويعتقد المشاهد حتى قبيل نهاية الفيلم بمشهدين أنه يدافع عن التقاليد التي
لم تعد تصلح للحياة من خلالها.
الجمهور صفق طويلا للفيلم بسبب العقدة التي وضعها المخرج، والتي كانت كل
المعطيات فيها حتى قبل النهاية بقليل، تشير إلى خيانة زوجة أحمد له مع أعز
أصدقائه وهو علي، حيث يعثر على صورتها في محفظته أولا، ثم تتطور الشكوك حتى
يقرأ رسالة تأتي من صديقه لزوجته وتقول بأنه سيأتي إلى المنزل بعد ان يذهب
الزوج إلى عمله ليلا، لتتحول الشكوك إلى يقين صادم. وعندما يتيح علي المجال
لهما للاجتماع يدخل إلى المنزل ويفاجئهما بصفع صديقه على وجهه ليخرج مسرعا
وتصدمه سيارة على الطريق. يظهر المشهد ما قبل الأخير مربوط اليد ومجروحا في
عدة أماكن بينما يسهر صديقه ليعتني به، رغم ذلك يمسك مزهرية ليهوي بها على
رأسه. إلى هنا يتعاطف المشاهد مع الزوج الذي تخونه زوجته، ليفتح بعدها
المجال لأسئلة مفاجئة بعد أن يقول علي وهو غارق بدمائه: كل عام وأنت بخير
يا أحمد.
هي لعبة إخراجية ذكية وظفها الخليفي حتى المشهد الأخير، وبغض النظر عن النص
الذي لم يكن بقوة الاخراج، بداية لا يتعاطف المشاهد مع “علي” الذي يظهر
مرنا يفتقر للشخصية الشرقية التقليدية التي تنظر للمرأة كشيء يمتلكه، ويحرك
الفيلم الفكرة الذكورية، في المرحلة الثانية يكتسب “علي” التعاطف عندما
يبدأ التصرف كرجل تقليدي يريد وضع حد للخيانة التي تحدث من حوله، في
المرحلة الثالثة لبوصلة التعاطف التي تبدأ وتنتهي في المشهد الأخير حيث
يظهر المنزل من الداخل مزينا بالشموع والشرائط، ينتصر المخرج لشخصية “علي”
الأولى وشخصية أحمد الأخيرة لأنه في البداية كان معترضا على اختيار علي
لهذه الفتاة زوجة له. لتكون النهاية صفعة للتقاليد الخاطئة التي تقرأ
الأحداث بفهم وتفسير واحد، وليطرح المشاهد أسئلة من قبيل: هل كان أحمد يقوم
بتحضير مفاجأة حفلة عيد ميلاد لعلي مع زوجته؟ أليست صورة زوجته التي كانت
في محفظة صديقه كان لتكبيرها مع صورته في هذه المناسبة؟ ألم تكن الرسالة
تشير إلى أنه سيلتقي بها لتنفيذ الميلاد في المنزل؟ ألم يكن المنزل مزينا
عندما ضربه على رأسه؟ ثم ألا يقود الشك المتسرع إلى تدمير الحياة الزوجية
بسهولة؟ كل هذه الأسئلة يتركها المخرج في نهاية الفيلم، ويبقي على الأمل في
ان لا يكون علي قد مات من خلال التركيز في النهاية على صوت شهيقه وزفيره
وهو ممدد على الأرض.
الفيلم الخامس بعنوان “ياسين” للمخرج البحريني جمال الغيلان، ومدته 25
دقيقة، ومن بطولة شيماء سبت التي تقوم بدور زوجة رجل أقل ما يمكن وصفه أنه
قليل الحظ حتى بزواجه منها، فهي ترفض الانجاب له حتى بعد 13 عاما من
زواجهما لأنه لم يحقق شرط شراء منزل، ولا يلقى الاحترام من الموظفين الذين
يسيرون معاملات الاسكان، ويطرد من وظيفته لتأخره عن الدوام.
الهدوء الذي يظهر عليه أخفى عاصفة شديدة عندما ذهب شاكيا للبحر، فيعترضه
آسيوي ليطلب منه الرحيل في هذا المكان الذي يملكه. ينهال عليه بالضرب
الشديد، ثم يأتي إلى المقهى ليضرب زوج أخته الذي طردها من البيت وتقيم
عنده. كل هذه المشاكل تحول حياته إلى قطعة سوداء متفحمة، باستثناء فتاة
صغيرة في منزل مجاور اسمها أمل، يعطف عليها وكأنها ابنته، في سيناريو يذكر
بمبدأ أنه مهما كانت الحياة سوداء فإن هناك نقطة بيضاء فيها، وكانت الفتاة
الصغيرة هي النقطة البيضاء. لكنه يذهب إلى أبعد من ذلك عندما يتم القبض
عليه وايداعه في مشفى الأمراض العقلية، الجنون يأتي له بالفتاة الصغيرة
التي طالما حلم بها في حياته السليمة دون جدوى.
الخليج الإماراتية
في
15/10/2009 |