أول ما يمكن أن يقال عن الفيلم السوري "الليل الطويل" أنه أقل قيمة من
الأسماء التي تقف خلف إنتاجه, خاصة إذا علمتَ أن مخرجه هو حاتم علي مخرج
المسلسلات الكبيرة "الزير سالم, الملك فاروق, التغريبة الفلسطينية, ملوك
الطوائف والفصول الأربعة" وأن كاتبه ومنتجه هو هيثم حقي وأبطاله هم: خالد
تاجا, رفيق سبيعي, باسل خياط, أمل عرفة, نجاح سفكوني وزهير عبدالكريم.
ووجود هؤلاء المبدعين جميعاً في فيلم واحد سيزيد –لا شك- من حجم توقعاتك
ويجعلك تترقب تحفة سينمائية توازي مكانة الفنانين وقيمة أعمالهم
التلفزيونية.. لكن النتيجة جاءت أقل مما هو متوقع وإن كانت في نهايتها
مقبولة وجيدة بالمقارنة مع أفلام سورية سابقة.
لذلك.. وإذا أردنا إنصاف الفيلم فسنتعامل معه وفق نظرية "موت المؤلف"
بالمعنى الذي يجعلنا ننسى تماماً أسماء نجومِهِ ومكانتهم وحجم المتوقع
منهم, وهو حلٌ مناسب لقراءة الفيلم بهدوء والحكم عليه بعيداً عن أي تصورات
مسبقة. فعن ماذا يتحدث الفيلم وما هي قصته؟.
يحكي فيلم "الليل الطويل" قصة الليلة الأولى لثلاثةِ سجناء سياسيين يطلق
سراحهم فجأة بعد عشرين سنة –ويؤدي أدوارهم خالد تاجا, سليم صبري وحسن عويتي-
ويتجه كل واحد منهم إلى أسرته في ليلة طويلة سيدركون من خلالها حجم التغير
الذي طال أرواح أبنائهم وأقاربهم والمجتمع ككل في العشرين سنة الماضية.
أحدهم –وهو خالد تاجا- يأمر صاحب التاكسي بالتوجه إلى مكان معين دون أن
يوضح مخرج الفيلم ما إذا كان منزل العائلة أم مكان آخر, في حين يبقى أبناؤه
في انتظاره والقلق يعتريهم من موقفه تجاه الأفعال التي اقترفوها خلال فترة
غيابه, وبخاصة زواج ابنته عروبة –أمل عرفة- من ابن صديقه القديم ورجل الأمن
–رفيق سبيعي- الذي كان سبباً في سجنه عندما وشى به وسلمه لقبضة السلطات.
وكان من نتائج هذا الزواج الذي تم دون موافقة الأب المسجون, انقسام
العائلة, فالابن الأكبر –زهير عبدالكريم- رحب به بحثاً عن مكاسب مادية,
بينما رفض الابن الأصغر –باسل خياط- هذا المشروع واعتبره خيانة للمبادئ
التي من أجلها سجن والدهم. وستشهد جلسة الانتظار في الليلة الطويلة سجالات
بين الإخوة الثلاثة حول الماضي والقيم والمثل الأخلاقية في صراعٍ آيديلوجي
حادٍ يُمثل الذروة الأعلى في الفيلم كله, إذا استثنينا الصدمة الكبيرة التي
ستحدث في النهاية والتي ستؤكد روح التشاؤم التي طبعت مشاهد الفيلم منذ
البداية.
وحالة التشاؤم هذه تحدّث عنها المخرج حاتم علي في الجلسة التي أعقبت عرض
الفيلم في قصر الإمارات في أبوظبي ضمن فعاليات مهرجان الشرق الأوسط
السينمائي وقال إنها –أي حالة التشاؤم- رغم كثافتها في الفيلم إلا أنها لا
تكاد تُذكر أمام حجم اليأس الذي ينضحه الواقع العربي المثقل بالهموم من كل
جانب. ولعل هذه الإجابة تمنحنا مدخلاً لفهم الفيلم –وهنا فقط دعنا ننسى موت
المؤلف!- أو هي على الأقل تعطي تفسيراً للشحنة الكئيبة التي غلّفت كل عناصر
الفيلم بدءاً من الإضاءة الخافتة وسيطرة الألوان القاتمة على محتويات
الصورة وانتهاء بالدموع التي ينثرها أبطال الفيلم جميعاً بما فيهم حاتم علي
نفسه الذي شارك أيضاً كممثل يؤدي دور ابن المسجون المفرج عنه –سليم صبري-
والذي يعاني قلقاً واضطراباً في حياته الزوجية لأسباب غامضة لا يقدمها
الفيلم بالوضوح المفترض.
الفيلم افتقر للصراع الدرامي وكان بسيطاً في تناوله لقضيةٍ غير كاملة
العناصر, فلا تعرف هل قضيته هي السجن أم التغيرات التي طالت المجتمع أم
مشاكل أسرية, إنه باختصار "شكوى" من واقع الحال!, مشحونة باليأس والكآبة,
وتضم كل المشاكل التي يمكن سردها في ليلة واحدة, دون سياق يحكمها ويوجهها
نحو نقطة النهاية. كما أن عنصر "المكان" كان مشوشاً بشكل كبير فلا تدري أين
موقع الشخصيات ومن سيذهب لمن وأين سيلتقي الجميع.
ما يحسب للفيلم إذا قارناه بالأفلام السورية السابقة أنه –على الأقل- قدم
أفكاره في قالب قصة –حدوتة- بسيطة واضحة المعالم ولم يغرق نفسه في
الوجدانيات والتأملات الفلسفية التي أرهقت الكثير من الأفلام السورية كفيلم
"الليل" لمحمد ملص و"تحت السقف" لنضال الدبس.
أسماء
من المهرجان
يشارك المخرج المصري الشاب أحمد عبدالله في مسابقة الأفلام الطويلة بفيلم
(هليوبوليس) وهو أول أفلامه الروائية. بدأ أحمد حياته السينمائية عام 1999
في مجال المونتاج والإشراف على المؤثرات البصرية وتصميم شارات الأفلام
المصرية التجارية. وجاءت نقطة التحول في حياته عندما حمل سيناريو
(هليوبوليس) إلى المنتج المستقل شريف مندور الذي آمن بفكرته وقرر تمويله
لتكون النتيجة فيلماً مصرياً مختلفاً وذا فنية عالية. يتناول الفيلم قصة
خمسة أشخاص في ليلة واحدة من ليالي الحي القاهري "هليوبوليس" يمزج بينها
المخرج بحرفية كبيرة تكشف عن موهبة سينمائية مصرية قادمة. وقام بالبطولة
الممثل خالد أبو النجا الذي شارك في الإنتاج أيضاً.
عباس كياروستامي:
رئيس لجنة تحكيم الأفلام الروائية في مهرجان الشرق الأوسط. وهو أحد أعلى
المخرجين مكانة وأكثرهم احتراماً ليس في إيران وحسب، بل على مستوى العالم
أيضاً. ابتدأ مسيرته السينمائية بالأفلام الوثائقية القصيرة قبل أن ينتقل
إلى الأفلام الروائية الطويلة التي غالباً ما يوظف المادة الوثائقية فيها.
ويأتي في طليعة أفلامه الأربعين التي تتميز بكونها شعرية الطابع وتعاين
قضايا الحياة اليومية والموت، فيلم (أين بيت الصديق؟) 1987, (عن قرب) 1990,
(تستمر الحياة) 1991, (عبر أشجار الزيتون) 1994, وفيلم (طعم الكرز) الذي
انتزع السعفة الذهبية في مهرجان كان عام 1997. فاز كياروستامي بعدد لا يحصى
من الجوائز في مهرجانات سينمائية حول العالم، ولا تنحصر رؤيته الفنية
بالسينما، فهو أيضاً شاعر وفنان تشكيلي ومصور فوتوغرافي.
هند صبري:
ولدت في تونس، ولم يكن عمرها يتجاوز الخامسة عشرة حين ظهرت في أول دور
سينمائي لها في الفيلم الحائز على جوائز (صمت القصور) عام 1994. سجلت
انطلاقتها السينمائية في 2001 من خلال فيلم إيناس الدغيدي الجريء (مذكرات
مراهقة)، وأصبحت نجمة كبيرة في العالم العربي. أتاحت لها شهرتها أن تختار
الأفلام التي تريد المشاركة فيها، لكنها حافظت على تميز أدوارها كما في
(ملك وكتابة) لكاملة أبو ذكري 2005, و(عمارة يعقوبيان) لمروان حامد 2006,
و(جنينة الأسماك) ليسري نصرالله 2007، والتي غالباً ما تضيء من خلالها
جوانب معتمة في حياة المرأة العربية. حصلت على درجة الماجستير في القانون
عام 2004 وتقيم حالياً في القاهرة. ساهمت هند صبري بصوتها في فيلم
(هليوبوليس) الذي عُرض في الدورة الحالية لمهرجان الشرق الأوسط السينمائي
الدولي. كما تحضر في المهرجان بصفتها عضو لجنة تحكيم الأفلام الوثائقية
الطويلة.
من مهرجان الشرق الأوسط
رجا ساير المطيري
رغم وجود أفلام أجنبية ممتازة في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة لمهرجان
الشرق الأوسط السينمائي إلا أن الجائزة ستذهب لفيلم عربي مساء الأحد
المقبل، أقولها واثقاً، وليس هذا مجاملة للعرب، بل لأن المسابقة تضم فيلمين
عربيين يستحقان الاحتفاء والتقدير ويمكنهما المنافسة حتى على المستوى
الدولي هما الفيلم الفلسطيني "الزمن الباقي" للمخرج المبدع إيليا سليمان
والفيلم المصري "المسافر" لأحمد ماهر. فأحد هذين الفيلمين هو الذي سيفوز
بالجائزة مساء الأحد المقبل.. مع الأخذ بالاعتبار مفاجآت حفل الختام!.
فيلم "المسافر" يقدم سينما نقية ذكرتني بأجواء الفيلم البوسني التحفة (تحت
الأرض-
Underground)
للمخرج أمير كورستريكا وبالفيلم الإيطالي (أنا أتذكر-
Amarcord) للراحل فيدريكو فيلليني. ورغم أنه لا يصل لمستواهما التعبيري الباذخ
إلا أنه يُمثل تجربة خلاّقة للسينما المصرية ينبغي الاحتفاء بها. كما ينبغي
الإشادة بدور وزارة الثقافة في مصر والتي قامت بإنتاج الفيلم رغبة في توفير
سينما فنيّة مختلفة تقف أمام تيار السينما التجارية السائد.
قام المهرجان في دورته الحالية بتنظيم احتفالية خاصة بالسينما التركية عرض
خلالها تسعة أفلامٍ تنتمي للموجة الجديدة في السينما التركية المستقلة. وهي
خطوة ممتازة لم يكن ينقصها إلا تواجد المخرج التركي المبدع نوري جيلان
كضيفٍ على أقل تقدير. فهذا المخرج وإن كان خارجاً على التصنيف الذي تحدده
تظاهرة المهرجان، إلا أنه أحد مبدعي السينما التركية ومن أهم السينمائيين
في الألفية الجديدة ووجوده مهم في تظاهرة من هذا النوع.. وهذه فرصة لأدعو
القارئ العزيز لمشاهدة ثلاثة من الروائع التي أبدعها جيلان في السنوات
القليلة الماضية والتي عززت من حضور السينما التركية في مهرجانات دولية
معتبرة مثل كان وبرلين، وهي: (ثلاثة قرود-Three
Monkeys) 2008, (مناخات-Climates)
2006 وفيلم
Distant 2002.
طيلة أيام المهرجان وأنا في حيرة: هل أشاهد أفلام المهرجان التي حجزت
تذاكرها منذ اليوم الأول أم أميل قليلاً ناحية الأفلام التجارية التي تُعرض
في صالات السينما الإماراتية وفي مقدمتها فيلم (الأوغاد) لكوينتن تارنتينو
وبراد بيت وفيلم (المستنسخون) لبروس ويليس. وقد اخترت الحل الذي لابد منه
وهو أن أشاهدها جميعاً حتى لو قضيت يومي كله متنقلاً بين الصالات. إنها
فرصة عظيمة ويجب استغلالها قبل العودة للوطن حيث لا أفلام جديدة إلا ما
تجود به الظروف!.
الرياض السعودية
في
16/10/2009 |