يذهب المخرج بهمن
غوبادي بعيدا في فيلمه الجيد «لا أحد يعرف عن القطط الفارسية في تحليل
المجتمع
الايراني» في هذه المرحلة من تاريخ الجمهورية الاسلامية الايرانية.
وقد عرض
الفيلم في افتتاح تظاهرة - نظرة ما - وهي التظاهرة الثانية من حيث الاهمية
في
مهرجان كان السينمائي الدولي. فيلم يذهب الى رصد الفرق الشعبية الايرانية
التي تقدم
الاغاني الانكليزية والأميركية وأغاني الروك بعيدا عن الاضواء وتلقى كثيراً
من
المواجهات التي تضطر عناصرها للبحث عن الهروب بجميع الوسائل
المسموحة وغير
المسموحة. فيلم كبير بكل ما تعني المفردة، يطبخ على نار هادئة يعري المجتمع
ويحليل
القضايا، ويرصد أكبر كم من الفرق الشعبية التي تقدم نتاجات غنائية تدهشنا
بمستواها
وتذهلنا بالحرفية العالية. وقبيل الحديث عن الفيلم وتفاصيله
نذهب الى المخرج
الايراني بهمن غوبادي الذي بات يعتبر من الرموز المهمة في تاريخ السينما
الايرانية
الحديثة. وهو في تجربته السينمائية الجديدة يجمع بين الوثائقية والروائية
وقد ولد
بهمن في الاول من فبراير عام 1969 في بناة ايران قدم العديد من
الاعمال السينمائية
المهمة من ابرزها فيلم «وقت الخيول المخمورة» الذي نال عنه عام 2000 في كان
جائزة
الكاميرا الذهبية التي فتحت أمامه أبواب النجومية والشهرة وتواصلت أعماله
الى محطته
الاخيرة التي تعتبر بمثابة التحليل الدقيق للمجتمع الايراني،
عبر حكاية مجموعة من
الشباب يحاولون تقديم حفل غنائي في ايران، وايضا التخطيط للسفر الى الخارج
لتقديم
اعمالهم الموسيقية (الروك وغيره) الى العالم، وتبدأ جولة صبية شابة مع
صديقها عازف
الغيتار، على زملائهم في انحاء طهران، لرصد كل الفرق، واختيار افضل
العناصر،
للمشاركة في رحلتهم الى الخارج، وحينما تغلق الابواب الرسمية
امامهم، يضطرون الى
اللجوء لرجل كهل يقوم بتزوير جوازات السفر والفيزا الى الخارج، ولكل دولة
ميزتها
وقيمتها، اعتبارا من (5) دولارات الى افغانستان حتى (25) الف دولار الى
الولايات
المتحدة. وتتواصل الرحلة، عبر عدد من الفرق والايقاعات،
والالحان والاصوات المدهشة،
التي تبدع رغم كل الظروف التي تحيط بها. رحلة مقرونة بالتعب والقهر
والاعياء
الانساني، عبر عدد من الوجوه المطحونة والمغلوبة على امرها، التي تطرح في
فضاءات
ثانية، حتى لا يسمعها احد المسؤولين، او رجال الامن او غيرهم.
ولكل واحد من
تلك المجموعة صوته، وحكايته، واسلوبه، واغانيه، وطموح واحد هو السفر الى
الخارج
لتقديم ابداعة الفني، الذي لا يقل قيمة واهمية عن الابداع العالمي. ولكن
الامور
والاحداث تتعقد، مشهد بعد اخر، حيث صعوبة الحصول على اماكن
لاجراء البروفات، بعضهم
يجري بروفاته في مزارع الحيوانات الى جانب الابقار، واخرون فوق العمارات
الجديدة،
وغيرهم في البراري والسراديب هروب من كل شيء، في مجتمع يرفض كل شيء، الغناء
والموسيقى والفن وطموحات الشاب في التعبير. سينما تذهب الى
ابعد من حدود الصورة.
سينما تحلل الاشياء، وتقول الكثير، تدعونا الى طرح الاسئلة. فهو لا يقدم
المواجهة
مع السلطة، بل ان السلطة الرسمية والدينية لا تظهر في الصورة، ولكن
الاحباطات
والدلالات هي التي تشخص وتظهر وتتأكد. عنف واحباط وانكسار..
وتكون قمة ذلك الانكسار
حينما يتم القبض على العجوز المزور فيذهب الاصلاح ويضيع الامل وتتعقد
الامور حينما
يذهب الشاب عازف الغيتار للبحث عن احد الاصدقاء، كان يتواجد في مكان محظور
لتجمع
الشباب ولكن الشرطة تصل وحينما يحاول الهروب يسقط ويموت.
انه موت الحلم..
والأمل..
والذهاب الى الطريق المغلق..
ان اللاأمل لموسيقى الشباب في
ايران..
وهو الموت المرتقب لكل الاحلام والآمال بالخروج والذهاب الى
العالم.
فيلم يقول الكثير يسحب المشاهد من كرسيه الى عمق الحدث يحاوره ...
يناقشه.. يستفزه.. يقدم امامه الحقائق عن فرجه سينمائية تمتاز بالبساطة
المتناهية
من خلال مجموعة من العناصر الشابة المبدعة في المجال الموسيقي
والتي تجسد شخصيتها
في الفيلم وتتحدث عن مشاكلها وظروها بكثير من الشفافية والموضوعية
والعمق.
فيلم إيراني تحفة...
يصور الموزابيك الايراني بكل تفاصيله
ويرحل بنا في رحلة جميلة مقرونة بالانغام والالحان الشبابية
وفي الحين ذاته العزف
على أوتار الألم والحلم الضائع..
بهمن غوبادي احد جيل الكبار في السينما
الإيرانية من امثال عباس كبار وستامي ومحسن مجلباف وسميرة
مجلناف وغيرهم.. فيلم
يتجاوز حدود الصورة والاغنية والنغم الى الحقيقة .. فما أقسى الحقيقة اليوم
في
ايران..
هكذا يقول المخرج الايراني بهمن غوبادي في فيلمه الجديد لا احد يعرف
عن القطط الفارسية.
النهار
الكويتية في 14
مايو 2009
وجهة نظر
نجم
عبد الستار ناجي
النجم العربي، مهما بلغت مكانته، واهميته،
فانه من النادر ان يلفت الانتباه، ويثير الاهتمام هنا في
مهرجان كان السينمائي او
غيره من المهرجانات الدولية العالمية.
والسؤال الذي يطرح نفسه، ماذا فعل
النجم العربي كي يتجاوز حدود ذلك الاطار العربي، الذي يبدو
«ضيقا» حينما تكون في
مثل هكذا مهرجان سينمائي دولي؟
في العام الماضي، كان هنا في «كان»، نجوم
فيلم «ليلة البيبي دول» واذا كنتم تريدون ان تعرفوا من هم،
نشير الى بعضهم ومنهم
عادل امام ونور الشريف ومحمود عبدالعزيز وليلى علوي وكم اخر من الاسماء،
والنتيجة
انهم وفور خروجهم من صالة العرض، في سينما ستار كانوا شأنهم شأن اي مشارك
اخر غير
معروف.
ومن يعرفهم سوى الصحافيين العرب في «كان»، او بعض المهاجرين المقيمين
في «كان».
واليوم تتكرر التجربة مع نجوم فيلم «ابراهيم الابيض» ومنهم محمود
عبدالعزيز وأحمد السقا وهند صبري، وهؤلاء ايضاً لا يعرفهم اي شخص في كان،
الا من
يحيط بهم، ويصور لهم بانهم نجوم فوق العادة.
دعونا نتجاوز ذلك الوهم.. دعونا
نصنع سينما عربية حقيقية تذهب الى العالم، تقدم نجومنا بالشكل
الذي يليق بهم
وبسمعتهم ومكانتهم.
اما ذلك الوهم السينمائي، والافلام الهامشية، والزيف،
فانها سرعان ما تخبو، ولا تجد طريقها الى صالات العرض والمشاهد
الاوروبي.
ونذكر، ان يوسف شاهين اصبح نجم النجوم في كان وفينيسيا وبرلين
وموسكو، لانه عرف كيف يقدم السينما، وقضاياه وانسانيته، بلا زيف، وبلا
كذب.
ويبقى ان نقول.. لا تواصلوا الكذب، فالعمر يمضي، والنجوم تهرم،
وتختفي،
وهي تتمنى ان يعرفها العالم، فمتى يعرفكم العالم؟
وعلى المحبة نلتقي
النهار
الكويتية في 14
مايو 2009
|