بين اثنين
أعلن مهرجان (كان) السينمائي الدولي قبل أيام قليلة عن أنه، وللمرّة
الأولى، سيتم افتتاحه بفيلم أنيماشن جديد عوض اختيار فيلم حي، كما جرت
العادة خلال سنواته الإحدى والستين السابقة. الفيلم المختار هو أميركي من
إنتاج شركتي بيكسار وديزني يعمل عنوان
Up
وهو للمخرج بيت دكتر الذي كتب القصّة الأصلية لفيلم (وول إ)، ذلك الأنيماشن
السابق للشركتين المذكورتين الذي نال أوسكاراً هذا العام، ومخرج فيلم
أنيماشن سابق هو (وحوش) قبل ست سنوات.. وثمّة ما يجمع بين الفيلمين (وحوش)
و(فوق) وهو أن كليهما يدور حول بيت. الأول بيت تسكنه وحوش مخيفة والثاني
بيت يطير في الفضاء على غرار ما شاهدناه في فيلم ياباني قبل نحو ثماني
سنوات بعنوان: (قلعة هاو المتحركة) لهايواو ميازاكي لكن القصّة هنا مختلفة:
عجوز في بيت لا يحب الصغار ولا الأولاد وفي ذات يوم يدق بابه مجموعة منهم
لجمع تبرّعات. يخيفهم فيركضون هرباً باستثناء أحدهم ذي أصل آسيوي (صيني أو
ياباني) إذ قبل أن يغادر المكان يجد أن المنزل بأسره قد ارتفع عن الأرض
وطار في الفضاء، وذلك بعدما قطع العجوز الحبال التي تربط البيت بالأرض
وأبقى على تلك التي تربطه بألوف البالونات، العجوز يعتقد أن لا أحد معه في
هذه الرحلة التي يريد القيام بها فوق أميركا الجنوبية، بينما عند باب البيت
يقف ذلك الولد مرتجفاً من الخوف. هذا بالطبع قبل أن يكتشف العجوز وجوده
ويقبله على مضض، لجانب أن إنتاجات بيكسار وديزني (الأولى تقوم بالإنتاج
الفني والثانية بالتمويل) قد أصبحت من بين أفضل الأفلام الكرتونية في تاريخ
الغرب، هي أيضاً استحقّت السمعة التي استحوذتها على أساس أنها تحمل دائماً
رسالات ذهنية وليست مجرد رسوم متحركة لتسلية الصغار. في العادة، هي رسالات
تمجّد الأمس وتنظر إلى المتغيّرات الحديثة بالريب والنقد.. هذا يختلف من
حيث أن لا قديم يمكن تقديره (إلا إذا اعتبرنا أن الطيران باستخدام
البالونات هو المقصود) لكنه لا يختلف من حيث براعة تقنياته.
استشفاف
كما يقول المهرجان هي المرّة الأولى التي سيتم افتتاحه بفيلم أنيماشن،
بل هي أيضاً المرّة الأولى التي سيفتتح فيها فيلم أنيماشن أي مهرجان
سينمائي دولي، النقلة مهمّة على صعيدي التنويع وإعلان الاهتمام بالنوع
السينمائي لكن من المشكوك فيه أنها مهمّة فنيّاً. من دون أن نتعرّف على
أفلام (كان) عينياً هذه السنة لا يمكن معرفة قيمة كل منها ومن يصلح منها
للافتتاح أو لا، لكن المرء يتمنّى وهو الآن على بعد شهر ونصف من الافتتاح
أن يكون في جعبة الدورة المقبلة أعمال أهم من (فوق).الأسماء توعد بذلك.
صحيح أن الإعلان الرسمي عن قوائم الأفلام المشتركة لم يتم بعد، لكن الصحافة
الفرنسية تستشف، قبل غيرها، وتتحدّث عن مجموعة من الأفلام التي تعتبرها
مؤكدة سواء في المسابقة أو خارجها. في هذا النطاق تتحدّث مثلاً عن أفلام
للبريطاني كن لوتش والأميركي كونتين تارانتينو، والإسباني بدرو ألمادوفار
التركي فاتح أكين من بين آخرين، هذا إلى جانب حفنة من الأفلام العربية التي
لم يتأكد ما إذا كان أحدها سيقتحم المسابقة بالفعل. أفلام لإيليا سليمان
ومرزاق علواش ومروان حامد.
مروان حامد هو المخرج المصري الذي سبق وأطلّ على العالم السينمائي
الخارجي عبر فيلمه الروائي (عمارة يعقوبيان). الآن انتهى من تصوير فيلمه
الثاني (إبراهيم العبيد) وأرسل نسخة عمل لمشاهدتها من قبل المهرجان على
أساس قبول الفيلم في المسابقة.
الفيلم من بطولة محمود عبدالعزيز وهند صبري وأحمد السقّا والإنتاج
لشركة (غود نيوز سينما) لصاحبها عماد الدين أديب. فيلم مرزاق علواش هو
(حرّاقة) وهو أيضاً انتهى للتو من تصويره عن رواية رشيد بو جدرة وتبدو
ميزته الرئيسية حقيقة تطرّقه إلى مآسي المهاجرين غير الشرعيين الذين
يحاولون الوصول إلى الشواطيء الأوروبية عبر مراكب التهريب، مرزاق علواش،
كما لابد من الذكر، هو المخرج الجزائري الذي كان انطلق جيّداً عبر أعماله
الكوميدية الساخرة ومنها (عمر قتلاتو) و(باب الواد سيتي)، وهو غاب عن لعب
دوره الرئيسي في السينما طوال السنوات العشر الماضية موفّراً أفلاماً لم
تحدث ذات الرهجة أو البهجة التي سبق لأفلامه الأولى أن أحدثتهما.
أما المخرج الفلسطيني إيليا سليمان، فهو دخوله المسابقة هو الأكثر
توقّعاً بسبب النجاح الكبير الذي حالفه قبل أربع سنوات حين قدّم (يد إلهية)
بذات الأسلوب السردي الفني الذي يعجب النظّارة الباحثين عن متعة فنيّة
جنباً إلى جنب القصّة بصرف النظر عن سياستها.
في فيلمه الجديد (الزمن الذي يبقى) يمضي قدماً في تسجيل الذاكرة
الفلسطينية وما صاحبها من شتات عمره الآن ستين سنة، البطولة لعلي سليمان
(الذي قدّمه عالمياً هاني أبو أسعد في فيلمه الذي رشّح للأوسكار عن
(الجنّة... الآن)، وصالح بكري والإسرائيلي آفي كلاينبرغر مع دور رئيسي
لإيليا سليمان نفسه.
مهمّة في الجانب الآخر
غربياً فإن عدداً كبيراً من المخرجين المعروضين على خيارات رئيس
المهرجان ومديره الفني واللجنة التي يوكل إليها المساعدة في التنقيب
والمشاهدة، سبق لهم أن حضروا العديد من الدورات السابقة. في الحقيقة هؤلاء
عادة ما هم معفيون من ذات الشروط المطبّقة على الآخرين. لا أعني أن أحداً
لا يشاهد أفلامهم قبل القبول بها، لكن أحداً لا يرفضها أيضاً. تصوّر لو أن
المهرجان قال لا لبدرو ألمادوفار أو لكونتين تارانتينو أو الأخوين كووَن او
لارس فون تراير كيف سيكون وضعه في الأعوام اللاحقة?.. كل من هؤلاء هو زبون
ربّاه كان ويريد الاحتفاظ به. ومعظمهم يستحق أن يحتفظ به المهرجان الفرنسي
وهو يعود مقدّراً ذلك بدوره آملاً في نيل أهم جائزة عالمية من مهرجان ليس
ككل المهرجانات (دون أن يعني ذلك أن سواه ليس أفضل منه- لكن ذلك موضوع
آخر).إذاً الأميركي كونتين تارانتينو، الذي شوهد هناك قبل عامين بفيلمه
(برهان موت) مرشّح للعودة عبر فيلم حربي عنوانه (الأوغاد غير المتألّقين)
الذي يتحدّث عن مجموعة من المرتزقة الذين سيشتركون في مهمّة صعبة وهي قتل
أكبر عدد من النازيين خلف خطوط القتال وذلك انتقاماً من قيام النازيين بقتل
اليهود (ولو أن هذا قد لا يكون السبب الوحيد الوارد ذكره في الفيلم). ينفّذ
المهمّة بعض الأسماء التي اشتغلت سابقاً تحت إدارة هذا المخرج ومنهم مايكل
ماسدن وتيم روث لجانب جدد تحت جناحه في مقدّمتهم براد بت الذي عليه أن يقنع
بأنه يستطيع القيام بدور قائد لديه نزعة شريرة بعد كل هذه الأدوار التي
لعبها مجسّداً أدواراً ذات وقع حسن في النفوس أو ذات ملامح رمادية مقبولة.
المخرج الأسباني بدرو ألمادوفار هو من أولئك الذين اختصروا الطريق
ملتزمين بمهرجان كان وحده. فيلمه الجديد بعنوان: (العناق المكسور) مع
بينيلوبي كروز في الدور الرئيسي. فيلم عاطفي مع موسيقى تشبه تلك التي كان
برنارد هرمان يكتبها لألفرد هيتشكوك. الفيلم افتتح تجارياً في عموم إسبانيا
ملاقياً الرواج المعهود لأفلام مخرج البلاد الأول، وعروضه المتوقّعة في
(كان) ستكون الأولى على صعيد عالمي.
هناك الفيلم الجديد للمخرج البريطاني كن لوتش، وهو أيضاً من زبائن
المهرجان ولو أنه ليس ملتزماً به إذ يعرض أيضاً في فانيسيا وبرلين، وعنوانه
(البحث عن إريك) ويدور حول ساعي بريد بمشاكله الاجتماعية المتزايدة وحبّه
بكرة القدم. إنه ليس قصّة حياة لاعب الكرة إريك كانتونا، لكن إريك كانتونا
يؤدي دور إريك في الفيلم لجانب الأيرلندي ماثيو مكنولتي، وهو ممثل شاب لعب
مؤخراً شخصية المخرج الأسباني لوي بونويل في فيلم بعنوان (رماد قليل) عن
حياة الرسّام سلفادور دالي.
المخرج النمساوي ميشيل هانيكي الذي قدّم في (كان) سابقاً (مخبوء)
و(لاعبة البيانو) من بين أفلام أخرى أرسل بفيلمه الجديد (الشريط الأبيض
لقصّة المدرّس) وغالباً سيتم إدراجه. إنه قصّة نظام المدارس المتشدد في
حكاية تقع رحاها سنة 1913 في ألمانيا. أما فيلم الدنماركي لارس فون ترايير
(ضد المسيح) مع الأميركي ويليم دافو والفرنسية شارلوت غينسبورغ. فيلم رعب
لكن المخرج المعروف يعد بأنه لا يشابه أفلام الرعب الأميركية. قصّته تدور
حول زوجين خسرا ولديهما في حادثة مفاجئة فقررا ترك المدينة والإنعزال في
كوخ في الغابة. قرار سيعود عليهما بمتاعب غير متوقّعة.
صول كيتشن
وثمة مخرجين لا زالوا يعملون على أفلامهم الجديدة وقد يلحقون ب(كان)
مستخدمين نفوذهم الفني كأصحاب أصوات سينمائية منفردة. من المجر قد يشترك
بيلا تار بفيلمه الجديد (حصان تورينو).. هذا إذا ما استطاع إنجاز فيلمه في
الوقت المناسب? بيلا تار كان شارك قبل عامين بفيلمه (رجل من لندن) الذي
ووجه بتذمّر المشاهدين (من نقاد وجمهور) بسبب بطئه، علماً بأنه أحد أهم
الأعمال التي ظهرت منذ ذلك الحين وإلى اليوم.
أيضاً هناك الأميركي ترنس مالك الذي ينجز اللمسات الأخيرة على (شجرة
الحياة)، فيلمه الأول منذ أربعة أعوام حين قدّم (العالم الجديد) حول
المواجهة بين المستوطنين الأميركيين الجدد والقبائل الأميركية التي كان على
المستوطنين مواجهتهم. قصّة ثلاثة أولاد يترعرعون في أميركا الخمسينات. من
مصدر هوليوودي على معرفة من المشكوك به أن يستطيع المخرج إنجاز الفيلم في
موعده لكي يدخل به المسابقة علماً بأن عروضه الأميركية تم تحديدها في مطلع
العام المقبل ما يعني أن الخطّة لإنجاز الفيلم هذه السنة لم تكن أساساً
موجودة.
التركي فاتح أكين لا يزال يبحث في الثقافة والثقافة المضادة. بعد
(صِدام) و(حافة الجنّة) يعرض (مطبخ روحي)
Soul Kitchen والكلمة تستخدم تعبيراً عن الطعام الأفرو- أميركي ولو أنها هنا قد
تحمل عنواناً مختلفاً تبعاً لموضوع الفيلم كذلك هناك أعمالاً باتت جاهزة من
الأميركي فرنسيس فورد كوبولا (تترو) الصيني آنغ لي (حول ووودستوك)،
الإيطالي جوزيبي تورناتوري (باريا). هذا الأخير عبارة عن رحلة المخرج في
البلدة التي وٌلد فيها تشابه -من حيث المبدأ- الرحلة التي قام بها قبله
فديريكو فيلليني حين قدّم فيلمه الشهير (أتذكر) أو (أماركورد).
وفي السنوات الأخيرة، باتت الأفلام التي تعرض خارج المسابقة تثير نفس
الاهتمام التي تثيرها أفلام المسابقة.. هذا العام لن يختلف في هذا
المهرجان. الأفلام التي تنتظر الكلمة الفاصلة في هذا المجال تحتوي على فيلم
رون هوارد (ملائكة وشياطين) وفيلم مارتن سكورسيزي (أشكليف) وفيلم مايكل مان
(أعداء الشعب) وربما (مادة بيضاء) لكليز دنيس و(حرية) لتوني غاتليف.
المؤتمر الصحافي الذي سيؤكد وجود هذه الأفلام ويضيف إليها أعمالاً لا
تزال قيد التنقيب حالياً سيُعقد في الثالث والعشرين من شهر نيسان - إبريل
المقبل.. إلى ذلك الحين ستبقى الشائعات تملأ الأثير حول من سيدخل ومن سيخرج
من (كان). وعمّا إذا ما كانت هناك مفاجآت مهمّة هذا العام بالفعل.لكن
واحداً من أهم المسائل التي يرقبها المرتادون إلى المهرجان الفرنسي هذه
السنة هو ما إذا كان المهرجان سيتعرّض لتأثير الأزمة الاقتصادية العالمية.
من الآن، العيون تبحث بدقّة عن أي إشارة في هذا الصدد. لكن لا شيء يوحي
بذلك حتى الآن.
الجزيرة
السعودية في 27
مارس 2009
|