شاهدنا في رابع أيام المهرجان ثلاثة أفلام جميلة، أولها كان في إطار
تظاهرة تكريم مؤسسي السينما الأوائل، حيث إختار المخرج مارتن سكورسيزي فيلم
"الحذاء الأحمر" الذي كتبه وأخرجه وأنتجه مايكل باول عام 1948 ليتعرف عليه
الجمهور بعد أن أُعيد ترميمه وذلك بحضور مساعدة المخرج التي أشرفت على
عملية الترميم وإلى جانبها بنات مايكل باول ونخبة من المخرجين والنجوم
والمنتجين والنقاد. ويعكس هذا الفيلم روح وحيوية سينما الأربعينيات.
ودائما في إطار تظاهري مؤسسي السينما تابع الجمهور فيلم "المومياء"
للمخرج المصري الراحل شادي عبد السلام والذي أعيد ترميم نسخة منه أيضاً
بمساعدة هيئة أوروبية متخصصة ومؤسسة السينماتيك الفرنسية.
أما الفيلم الثاني الذي أثار إعجاب الجمهور ودهشته فكان فيلم "Taking
Woodstock"
للمخرج الأمريكي التايواني إنج لي الذي يعد اليوم في طليعة مبدعي السينما
الحديثة، إذ سبق له أن نال جوائز عديدة في مهرجانات هامة مثل برلين
والبندقية كما حصل فيلمه "نمر وتنّين" على أوسكار أفضل فيلم أجنبي قبل أن
ينال أوسكار أفضل إخراج عن فيلم "بروكباك ماونتين".
في فيلمه الجديد يستعرض انج لي الظروف التي أحاطت بمهرجان وودستوك
لموسيقى البوب الذي نظم في منتصف أغسطس 1969 في قرية وايت ليك شمال ولاية
نيويورك والذي لبّى فيه نصف مليون شاب دعوة الموسيقى والحب والسلام على
امتداد ثلاثة أيام وعلى خلفية موقف معاد للحرب الأمريكية في فييتنام.
يستند السيناريو إلى مذكرات كتبها اليوت تيبر الذي شهد ولادة الحدث
وعايشه وتفاعل معه إلى درجة كبيرة. واليوت هو شاب منطوٍ ابن عائلة يهودية
محافظة، يعاني من بخل والدته الهستيري ومن إحباط والده الذي أثقلت الديون
كاهله والذي حاول إحراق الفندق أو النزل مصدر رزق العائلة في لحظة يأس.
اليوت اقتنص فرصة رفض محافظ قرية مجاورة تنظيم مهرجان للموسيقى بدعوى أن
السكان لا يريدون شباب الحركة الهيبية في قريتهم، فعرض أن ينظم الحفل في
الحقول المحيطة بفندق عائلته لتبدأ مغامرة ما عرف لاحقاً بمهرجان وودستوك
هذا المهرجان الذي كان علامة في تاريخ الولايات المتحدة والذي مثل بداية
لنمط حياة جديدة الغلبة فيها للحرية المطلقة سواء على المستوى الاجتماعي أو
الموسيقي أو الحرية الجنسية.
ثلاثة أيام كانت، رغم الوحل والأمطار، فضاء لمختلف أشكال الحرية بما
فيها المخدرات، فضاء قلب حياة اليوت ومكنه من مواجهة هواجسه وحقيقة ميوله
الجنسية وطغيان أمه التي أخرجت وهي تحت تأثير المخدرات مدخراتها البالغة 97
ألف دولار والتي كانت تضن بإنفاق جزء يسير منها لحل أزمة العائلة.
حكاية اليوت هي حكاية صغيرة داخل حكاية وودستوك الكبيرة التي كانت
عنوان عصر جديد في الحياة والثقافة والفلسفة والتكنولوجيا، بل كانت بداية
لنهاية ثقافة وسياسة محافظة، فمع بداية الستينات ظهرت حبوب منع الحمل، ثم
تأسست حركة الحقوق المدنية في واشنطن تلاها اغتيال الرئيس كينيدي وفي منتصف
الستينات ظهرت فرقة البيتلز كما قرر مجلس الشيوخ إعلان الحرب على فيتنام
بعدها قتل مالكوم أكس عام 1965 وفي نفس السنة انطلقت أول تظاهرة معادية
للحرب ضد فيتنام كما نظم مهرجان دولي لموسيقى البوب في كاليفورنيا حضره 200
ألف مشارك توجه قسم منهم إلى وود ستوك لاحقا، كما انطلقت الحركة الهيبية
وقبيل المهرجان قتل مارتن لوثر كينغ تلاه روبير كيندي وقرر نيكسون الهجوم
على كمبوديا.
الفيلم جميل، مشوق وغني في دلالاته ويحمل كل مواصفات الفوز كما يبدو
معاصراً جدا بعد سنوات من الحكم المحافظ في الولايات المتحدة كسرها وصول
رئيس من أصول أفريقية. انج قال إنه يرى في مهرجان وودستوك رمزاً لبراءة جيل
سعى إلى عيش أكثر جمالاً وعدلا.
الحدث السينمائي الثالث كان فيلم بعنوان "نبي" للمخرج الفرنسي جاك
أوديار شارك فيه مجموعة من الممثلين المبتدئين يتقدمهم طاهر رحيم في دور
البطولة إلى جانب الممثل المعروف نيلز اريستروب. والفيلم الذي لقي ترحيباً
حارا يحكي قصة شاب من أصول مغاربية عمره 19 عاما يدعى مالك اتهم بالاعتداء
على رجل شرطة في فرنسا وحكم عليه بالسجن لست سنوات، تحول في نهايتها من فتى
هش إلى مجرم رغما عنه بسبب اختلاطه بأوساط مجرمي كورسيكا الذين يبسطون
سطوتهم على السجناء بمن فيهم مالك الذي قبل الانضواء تحت جناح زعمهم الذي
قدم له الحماية من الاعتداء والاغتصاب لقاء خدمات وصلت حد القتل. في جو
السجن الخانق تتطور شخصية مالك الذي يعيش صراعاً داخليا بين مثله العليا
وبين ما يقوم به وتدريجياً يبدأ ببناء شبكته الخاصة فيعمل على الإطاحة
بحاميه ليقع تحت حماية زعيم آخر خارج السجن.
الفيلم بسيط لكنه محكم بدقة يتجاوز حدود الحكاية البوليسية المعتادة
ليتناول علم السجن وقوانينه الوحشية، في رسم شديد القسوة بواقعيته وكأن
الفيلم صرخة احتجاج عالية على واقع السجون في فرنسا. فيلم جميل من دون
ادعاء برع فيه الممثلون ومنحوه نكهة طزاجة منعشة، لكن لا بد من الإشارة إلى
أن عرض الفيلم يستغرق ساعتين ونصف وبالتالي يعاني من بعض الإطالة، إطالة قد
لا تكون حائلاً أن بعض جوائز المهرجان، خاصة جائزة أفضل ممثل للشاب طاهر
رحيم الذي لعب دور مالك.
على هامش المهرجان
نظمت إدارة مهرجان أبو ظبي السينمائي حفل عشاء في أحد مطاعم "كان"
المطلة على البحر بهدف الترويج للمهرجان الطموح، إلا أن بعضا من النقاد
خاصة الغربيين علقوا بأن نجاح أي مهرجان دولي للفيلم يقتضي مزيدا من الحرية
على مستوى اختيار الأفلام والمواضيع التي تعالجها وكذلك الأمر على مستوى
حرية الدخول إلى الإمارة، إذ شهدت الدورة الماضية منع دخول عدد من المدعوين
إلى المهرجان منهم ممثل فلسطيني شارك في فيلم للمخرج رشيد فرشاوي إذ منع من
تخطي المطار لأن جواز سفره إسرائيلي مثل كل سكان فلسطين المحتلة من
فلسطينيي 1948، نفس الموقف تعرض له ناقد عربي من المدعوين حيث منع من
الدخول لأنه يحمل وثيقة سفر لجوء تابعة للأمم المتحدة، علما بأن نفس الناقد
سبق له الدخول قبل بضعة أعوام إلى الإمارة وبنفس الوثيقة عندما كان بمرافقة
المخرج رأفت الميهي والنجمة ليلى علوي.
على هامش المهرجان أيضاً
نشرت مجلة الفيلم الفرنسي موضوعاً عن نشاط مجموعة "غود نيوز" المصرية
ونقلت عن عماد الدين أديب وشقيقه أن المجموعة تحضر لتصوير مجموعة أفلام
ومسلسلات من بينها الفيلم الخاص بحياة محمد علي باشا ومسلسل جريء يدور حول
الإخوان المسلمين أعده السيناريست الأكبر في مصر وحيد حامد، إلا أن النقاد
الصحافيين المصريين ذكروا بأن هذه المشاريع قديمة وسبق الحديث عن المباشرة
بها، لكن الظروف المالية الدولية وتلك الخاصة بمجموعة "غود نيوز" جمدتها
إلى أجل غير محدد. ولوحظ أن عماد الدين أديب لم ينظم هذه السنة حفل عشاء
كما فعل خلال العامين السابقين.
موقع
"إيلاف" في 17
مايو 2009
|