يبدو أن "الشذوذ الجنسي" سيظل هو القادر على اقتناص أهم الجوائز
العالمية هذا العام. إذ جاء في بداية العام تتويج الفيلم الأمريكي "ميلكي"
من خلال حصوله على الأوسكار وهاهم النقاد يتوقعون تتويجا مماثلا للفيلم
الصيني "حمى الربيع" الذي يتحدث عن علاقة شذوذ جنسي في مهرجان كان السنمائي
في دورته الحالية التي بدأت 14 مايو وتستمر حتى 24 .
وتكمن خطورة مهرجان "كان" في كونه الملهم، سواء في موضوعاته أو تقنيات
أفلامه، لأغلب السينمائيين في العالم، إذ تعبر لجنة التحكيم من خلال
اختيارها لأفلام المسابقة الرسمية عن الحالة السياسية أو الفكرية التي تشغل
العالم كل عام. وفي الوقت نفسه فالمهرجان – الذي يعد الأعرق في العالم- غير
مبرأ من الإنحيازات السياسية أو الفكرية ومن هنا قد نقرأ دلالة توصيف
فلسطين بالإقليم في معرض الحديث عن بلد المخرج إيليا سليمان.
كرتون
تظهر ملامح الإختلاف في دورة هذا العام جلية بداية من فيلم الإفتتاح
وهو "نحو الأعالي" تحريك أمريكي من إخراج بيتر دوكتير، والذي جاء مناسبا
لإضفاء بريق على المهرجان الذي خفتت أضواؤه هذا العام بسبب تأثير الأزمة
المالية العالمية التي أدت إلى تخفيض النفقات وإلغاء الحفلات الباذخة التي
اشتهر بها المهرجان الفرنسي.
ويدور الفيلم حول بائع بالونات متقاعد يسعى لتحقيق وعد قطعه لزوجته
الراحلة التي كانت ترغب طوال حياتها في زيارة أمريكا الجنوبية، ولتحقيق ذلك
يستخدم الرجل عشرة آلاف من بالونات الأطفال للتحليق بمنزله إلى هناك، إلا
أنه يصطحب معه بشكل غير مقصود طفل كشافة ليخوضا معا مغامرات خلال رحلتهما.
فيما جاءت عروض أفلام المسابقة الرسمية لتكشف عن جوانب أكثر إثارة
للجدل، إذ جاء عرض فيلم المخرج الصيني المثير للجدل "لو يه" "حمى الربيع"،
والذي يطرح قضية المثلية الجنسية كنموذج لممارسة الحرية الشخصية، و"لو يه"
الذي عرض له فيلم في المهرجان نفسه منذ ثلاث سنوات منعت أفلامه في بلاده
منذ فيلمه الأول، وذلك بسبب إصراره على تقديم موضوعات مثيرة للجدل، مما
دفعه إلى تصوير الفيلم سرا وبكاميرا محمولة صغيرة، ولهذا فإن الفيلم يفتقد
الجودة، ورغم ذلك يرجح النقاد منافسته على السعفة الذهبية.
فلسطين إقليم
ويبقى تعلق أنظار العرب في المهرجان بالوجوه العربية التي تمر فوق
سجادته الممتدة في وسط المنتجع الفرنسي الشهير، وبعيدا عن العروض التجارية
التي يسوّق أصحابها لها باعتبارها مشاركة فاعلة في المهرجان، لا تحتوي
قائمة أفلام المسابقة الرسمية سوى اسم إيليا سليمان، والذي يشترك في
المسابقة بفيلم "الزمن الباقي".
وكانت قد شهدت الساحة العربية جدلا أثارته التقارير الصحفية التي
أشارت إلى أن فيلم إيليا سليمان هو فيلم إسرائيلي لمخرج فلسطيني، رغم أن
أغلب التقارير الصحفية تقول إنه فيلم فلسطيني لمخرج فلسطيني يحمل الجنسية
الإسرائيلية، ونشر البعض أن فلسطين هي الدولة العربية الوحيدة التي شاركت
بمهرجان "كان" هذا العام.
ولقد حسم المهرجان القضية بما نشره مسئولوه على موقعه الإلكتروني،
بكون الفيلم لمخرج من «إقليم فلسطين»، أما عن اسم الدولة المنتجة فهي أربع
دول: فرنسا وبلجيكا وإيطاليا والمملكة المتحدة، ولا وجود لكل من إسرائيل أو
حتى فلسطين، وهو ما يخرجنا من دائرة المشاركة العربية أو الإسرائيلية لكونه
فيلما من إنتاج رباعي لمخرج فلسطيني يروي حكاية فلسطينية في الأراضي
المحتلة.
والفيلم أقرب إلى أفلام السيرة الذاتية، مقسمة إلى أربعة فصول تاريخية
يقول عنه مخرجه على موقع المهرجان: "يحكي عن عائلتي بداية من اشتراك والدي
في حروب المقاومة عام 1948 حتى الآن، وقد استوحيته من مذكرات كتبها في
يومياته ومن خطابات أمي إلى باقي أفراد العائلة التي أجبرتهم قوات الاحتلال
على مغادرة الأرض الفلسطينية بعد احتلالها"، ويضيف: "الفيلم في مجمله
محاولة لتصوير الحياة اليومية لهؤلاء الفلسطينيين الذين بقوا في أراضيهم،
وأطلق عليهم عرب إسرائيل واضطروا إلى التعايش كأقلية في وطنهم الأم".
لا يتوقف حضور فلسطين في المهرجان عند حد المشاركة في المسابقة
الرسمية، إذ يعرض ضمن برنامج أسبوعي المخرجين فيلم "أمريكا" للمخرجة
الفلسطينية شيرين دبس، كما ضمت قائمة الأفلام القصيرة فيملين أحدهما
فلسطيني للمخرجة الشابة ديما حمدان اسمه "غزة - لندن". ويحكي الفيلم عن شاب
فلسطيني ذهب إلى لندن مع بداية العدوان على غزة، فلا يجد طريقا أمامه
لمناصرة غزة التي يراها عبر الإعلام البريطاني سوى الصلاة والدعاء.
والفيلم الثاني في قائمة الأفلام القصيرة كان "يافا" للمخرجة كارين
يدايا الذي يحكي عن قصة حب في المدينة التي أسمتها عروس البحر، ويحمل
الفيلم نفسا داعيا للسلام ومناصرة حقوق الفلسطينيين يراه النقاد واضحا.
سباق السعفة
ويشهد المهرجان عرض ١٥٠ فيلما طويلا وقصيرا من الأفلام الروائية
والتسجيلية وأفلام التحريك في برامج المهرجان، والبرنامجين الموازيين:
أسبوع النقاد الـ٤٨ الذي تنظمه نقابة نقاد السينما بفرنسا، ونصف شهر
المخرجين الـ٤١ الذي تنظمه نقابة مخرجي السينما في فرنسا، وذلك بالإضافة
إلى ١٨ نسخة جديدة من أفلام كلاسيكية طويلة، ونسخة جديدة من فيلم قصير في
برنامج كلاسيكيات "كان".
يتنافس عشرون فيلما على جائزة السعفة الذهبية في المسابقة الرسمية
بتطلع معظمهم لاقتناص السعفة الذهبية الثانية في مسيرته الفنية، وهم "الزمن
الباقي" إخراج إيليا سليمان و "العشب المجنون" إخراج آلان رينيه «فرنسا»
و"في عمق الخواء" إخراج جاسبار نوي «فرنسا» و"رسول" إخراج جاك أوديارد
«فرنسا» "في البدء" إخراج زافير جيانولى «فرنسا» "وجه" إخراج مينج - ليانج
تساي «فرنسا» "صعاليك بلا أمجاد" إخراج كوينتين تارانتينو «أمريكا» "تصوير
وود ستوك" إخراج آنج لي «أمريكا» "البحث عن إريك" إخراج كين لوتش
«بريطانيا» "حوض الأسماك" إخراج أندريه أرنولد «بريطانيا» "أحضان مكسورة"
إخراج بيدرو آلمودوفار «إسبانيا» "خريطة أصوات طوكيو" إخراج إيزابيل كوازيه
«إسبانيا» "حمى الربيع" إخراج ليو يي «الصين» "انتقام" إخراج جوني تو
«الصين» "الشريط الأبيض" إخراج مايكل هانكي «ألمانيا» "المنتصر" إخراج
ماركو بيلوكيو «إيطاليا» "المسيح الدجال" إخراج لارس فون ترير «الدنمارك»
"عطش" إخراج شان ووك بارك «كوريا الجنوبية» "كينا تاي" إخراج بريلانتي
ميندوز! «الفلبين» "نجمة لامعة" إخراج جين كامبيون «أستراليا».
و تشكلت لجنة تحكيم الأفلام الطويلة برئاسة الممثلة الفرنسية والنجمة
العالمية إيزابيل هوبير، وعضوية أربع ممثلات هن الإيطالية آسيا أرجينتو
والأمريكية روبين رايت بن والهندية شارميللا تاجوري والتايوانية شويو كيو
آي، وثلاثة مخرجين هم الأمريكي جيمس جراي والتركي نوري بلجي سيلان والكوري
من كوريا الجنوبية لي شانج دونج، والكاتب البريطاني من أصل باكستاني حنين
قريشي.
فيما ضمت لجنة تحكيم الأفلام القصيرة وأفلام الطلبة الممثلتين
البرتغالية ليونور سيلفيرا والصينية زي شانج، والمخرجين الفرنسي برتراند
دونيللو والتونسي فريد بوجديز، ومن المعروف أن هناك سعفة ذهبية للأفلام
الطويلة وأخرى للأفلام القصيرة, ويرأس اللجنة فنان السينما البريطاني
الكبير جون بورمان.
أما لجنة تحكيم الكاميرا الذهبية للمخرج في فيلمه الطويل الأول
فيرأسها الممثل والمخرج الفرنسي من أصل جزائري رشدي زيم، وتضم في عضويتها
الفرنسيين المخرجة ساندرين راي والمصورة ديان بارتييه والخبيرين أوليفيه
شيا فاسا وإدوارد وانتروب، ولا أحد يدرى لماذا تشكل هذه اللجنة من
سينمائيين فرنسيين فقط رغم أنها مسابقة دولية يشترك فيها ٢١ فيلما هي مجموع
الأفلام الطويلة الأولى في برامج المهرجان والبرنامجين الموازيين.
وأخيرا.. لجنة تحكيم أحسن فيلم في برنامج «نظرة خاصة» والتي تضم
الممثلة الفرنسية جولي جايت والصحفية الهندية أوما داسيونا والصحفية
السويدية ماريث كابلا، وبيرس هاندلنج، مدير مهرجان تورونتو في كندا, وعلى
رأسها المخرج الإيطالي باولو سورنتينو.
صحفية مصرية
موقع
"إسلام أنلاين" في 17
مايو 2009
|