يحكي فيلم المخرج الأسباني بيدرو
ألمودوفار الجديد (أحضان محطمة)، قصة مخرج (ماثيو) الذي يقع في
غرام الممثلة الأولى
(لينا)
التي تعيش حياة من التعاسة مع منتج الفيلم العجوز الثري.
وتتذبذب
العاطفة بين الطرفين بكل انفعالات قصص الحب العظيمة، غير أنها تقترن في
الوقت نفسه
بنوع غير مألوف من الخصوصية، وكما لو أن الفن ينبض بالحياة أكثر من الحياة
نفسها.
إن الاستشراف الدائم للحد الفاصل بين الحياة والسينما لهو واحد من أهم
السمات
المميزة للمخرج الأسباني البالغ من العمر سبعة وخمسين عاما والمرشح فيلمه
للحصول
على إحدى جوائز مهرجان كان السينمائي الدولي.
وتشارك مخرجة أسبانية أخرى هي
إيزابيل كويكست في المسابقة الرئيسية للمهرجان هذا العام
بفيلمها 'خريطة أصوات
طوكيو'.
إن أي نصر تحققه السينما الأسبانية في مهرجان كان في دورته المقبلة
سوف
تعطي صناعة السينما في أسبانيا زخما، تلك السينما التي ذاع صيتها لحداثتها
وإبداعاتها في فترة التسعينات من القرن الماضي، لكن إقبال
أهلها عليها شهد تراجعا
في الفترة الأخيرة حيث هبط عدد مرتادي دور العرض السينمائية في أسبانيا إلى
14
مليون مشاهد العام الماضي مقارنة بـ 22 مليون عام 2004.
ويقول القائمون على
صناعة السينما ردا على النقاد الذين يتهمونهم بالاعتماد على المعونات
الحكومية إن
شغف مواطني أسبانيا بمشاهدة الأفلام السينمائية لم يقل، الأمر كله أنهم
أصبحوا
يفضلون شراء النسخ غير الأصلية أو تنزيل الأفلام من الانترنت.
وتمنح الحكومة
الأسبانية صناعة السينما الوطنية نحو 100 مليون يورو (130 مليون دولار) في
شكل
معونات سنوية لمساعدة الصناعة في الدفاع عن حصتها البالغة 13% من السوق
العالمية،
من أن تأتي عليها أفلام هوليوود بميزانياتها الضخمة.
لقد عرف عن ألمودوفار أنه
طفل السينما الأسبانية المشاغب، غير أن محاولات تصنيفه تلك
صارت طي النسيان عندما
أصبح نمطا سينمائيا منفردا بذاته.
كتب ألمودوفار ذات مرة عن أمه التي كانت تكتب
خطابات وتقرأها على العامة البسطاء في القرية التي قضى بها
قدرا من طفولته جنوب
غربي أسبانيا :' كان الواقع يحتاج بعض الخيال كي يكتمل، كي يكون أرق وأسهل
للتعايش
معه '.
ويستطرد المخرج - الذي تبدو أعماله وكأنها محاولة متعمدة لتجاوز
الحدود
الجنسية والاجتماعية وحدودا أخرى - بقوله إن الخيال يلعب دورا أيضا في 'كشف
الأشياء
من كل جوانبها الظاهرة منها والخفية '.
وتصلح قصة ألمودوفار - منذ أن كان فتى
قرويا يانعا وحتى فوزه بجائزة أوسكار كمخرج وشخصية تحظى بشهرة
عالمية - أن تكون نصا
روائيا لفيلم في حد ذاتها.
ولد ألمودوفار لأسرة قروية متواضعة في إقليم لامانشا
الأسباني، وهو المكان الذي حارب فيه دون كيشوت بطل رواية (دون كيشوت دي لا
مانشا)
للمؤلف الأسباني الشهير ميجيل دي ثربانتس، طواحين الهواء، ثم انتقل بيدرو
ألمودوفار
وأسرته لمنطقة إكستريمادورا في الجنوب الغربي من أسبانيا.
وأرسل بيدرو إلى
مدرسة كاثوليكية داخلية في كاثيريس ليصبح قسا، لكن المدينة كان بها مسرح
فني.
عندما انتقل إلى مدريد عام 1976 عرف أنه يريد أن يصبح مخرجا، وحصل على
وظيفة في
شركة (تليفونيكا) للاتصالات ليقتات منها فيما يشق أولى خطواته على طريق
عمله الفني.
لقد أصبح ألمودوفار شخصية محورية في حركة (موفيدا) وهي حركة ثقافية
محمومة ظهرت
في مدريد في أعقاب وفاة الديكتاتور فرانسيسكو فرانكو عام 1975 وعملت على
تقويض كل
المحظورات الجنسية والاجتماعية.
بعد ذلك بثلاثة عقود بدأت الجوائز تنهال على
ألمودوفار، ومن بينها جائزة أوسكار لأفضل فيلم أجنبي عن فيلمه
(كل شيء عن أمي) عام 1999
وجائزة أوسكار عن أفضل نص أصلي لفيلمه (تحدث معها) عام 2002.
وأبرزت
أفلامه أسماء عدد من الفنانات اللاتي شققن طريقهن في الحقل السينمائي من
خلال
أعماله هو في الغالب، ومنهن كانت كارمن ماورا وفيكتوريا أبريل.
ساعد ألمودوفار
في تقديم اثنين من ألمع نجوم أسبانيا العالميين، وهما النجم أنطونيو
بانديراس
والنجمة بينلوبي كروز وهي التي تلعب دور (لينا) في فيلمه أحضان محطمة.
وتهاجم
الأعمال القصصية للمخرج ألمودوفار الذي ولد في بلدة كالزادا دي كالاترافا
كل
القوالب الدينية الجامدة بحس فكاهي وتتلمس طريقها للأمور الحياتية البسيطة
مع
تركيزها على الأسرة وفي الوقت نفسه تتهكم على الدين وتستكشف
الجانب الجنسي بجرأة،
وكلها أمور تحظى بالإعجاب بوصفها السمات المميزة لنمطه الفريد، برغم أنها
تمثل صدمة
لبعض الأوساط.
إن حدود الهوية الإنسانية تخلب لب ألمودوفار، وبخاصة الحدود
الجنسية، حيث تظهر العديد من أفلامه شخصيات مثلية.
ويقول المخرج (المثلي)
المعروف بفهمه لنفس وعقلية الأنثى :' إن الهدف من كل أفلامي هو الحصول على
المزيد
من الحرية '.
وتسع إبداعات ألمودوفار أشكالا متعددة من أنماط الفن الروائي،
وروايته ' أحضان محطمة ' تدمج بين الميلودراما والكوميديا التي تلقي بظلال
قاتمة.
يقول ألمودوفار 'إن الأحضان المحطمة فيلم يمزج بين عدد من قصص الحب
الحادة
والانفعالية... لكن هناك أيضا قصة حب أساسية.. حبي أنا للسينما'.
ويحوي الفيلم
إشارات لأفلام أخرى أخرجها أشخاص آخرون، وليس هذا فحسب، بل يحكي أيضا قصة
فيلم
يتحول صناعه إلى ممثلين في قصص حياتهم الدرامية.
تنتهي قصة الحب بين ماتيــــو
ولينا بطــــلي الفيلم نهاية مأساوية لا خلاص منها سوى إنهاء
الرواية التي
يمثلانها. (د ب أ)
القدس
العربي في 6
مايو 2009
|