«في عام
1958 وعندما كانت مصر وسوريا تواصلان الاحتفال بقيام الوحدة بينهما، نزل
بحارة الأسطول السادس الأميركي في لبنان بطلب من رئيسه آنذاك (كميل شمعون)،
فضجر أربعة أولاد في الجولان السوري وتم ترحيلهم إلى شمال سوريا فيما كانوا
يأكلون البطاطا مع مرق البندورة في الظلام، وبين هذا وذاك كان الأولاد
يبدعون في قتل الضجر الذي ينتهك الأرواح وأرحام الأمهات.. ضجر من صنع
أميركي ـ إسرائيلي كان ولا يزال».
بهذه
الكلمات الموزعة في كراس فيلم «أيام الضجر» الذي وزع في مهرجان دمشق
السينمائي، يدخل المشاهد فيلم المخرج السينمائي السوري عبد اللطيف عبد
الحميد محملا بخلفية عن الفيلم المنتظر من عشاقه، وتفيد أن عبد الحميد
سيدخل أجواء جديدة تنتمي لمشروعه الذي يمضي في عوالم تقديم قصص وحكايات
تنتمي إلى ذاكرة الكثير من الأجيال التي أحبت أفلامه بدءا من ليالي ابن
آوى، ومرورا برسائل شفهية ونسيم الروح وهذه الأفلام الثلاثة تعتبر احد ابرز
إنتاجيات الجهة المنتجة المؤسسة العامة للسينما في سوريا.
يبدو الهم
الوطني مسيطرا على فيلم عبد الحميد الجديد، كما يؤرقه البحث في الهوية
الفنية والفكرية للعمل بأن يستعيد بعضا من تفاصيل الحالة النفسية التي كان
يعيشها مواطن عام 1958، والتركيز على أن المواطن العربي يعيش تفاصيل الحالة
النفسية ذاتها في العام 2008. وذلك نتيجة الظرف السياسي الذي فرضته أميركا
وإسرائيل بعلاقتهما مع بعضهما البعض وتأثيرات تلك العلاقة على مواطن
المنطقة العربية، ويبدو عبد الحميد جادا في تحقيق هذا الأمر بناء على ما
يذكره الراديو خلال الفيلم من طلب كميل شمعون تدخل القوات الأميركية في
لبنان والخلل في العلاقات السورية اللبنانية والتركيز على أن سوريا تؤكد
سيادة لبنان وان لا خلافات سياسية أو هناك أي تدخل من قبل السوريين بسياسة
لبنان.!
حقيقة
الضجر في الفيلم فعليا هي حالة الأولاد التي ترخي بظلالها على أحداث العمل
فيسعون لملء فراغ الضجر بحالات متعددة من اللعب وهم ينتظرون والدهم الغائب
على الجبهة وهو يسعى للحرب، والحرب هنا ليست تلك التي ذاع صيتها بل ربما هي
واحدة من الحروب الفرعية التي ما زالت تلقي بظلالها على هذه المنطقة، وربما
الضجر هو حالة المنطقة ككل التي ملت من تكرار الوقائع والحكايا والقصص
اليومية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. «أيام الضجر» إطلالة على زمن متجدد
تعيشه شخصياته بتفاصيل متغيرة والفيلم ربما كان جديرا بهذه الفكرة في أن
يحكي عنها ويغوص في تفاصيلها ويتبناها ببعدها الساخر، في الوقت الذي عانى
فيه من رتابة في الإيقاع وتبسيط للأفكار والحلول الفنية والتي جعلت الضجر
إحساسا يعيشه المشاهد في بعض المراحل من العمل الذي يشهد له تقديم خاتمة
عاطفية جميلة تعرض للوالد الذي عاد من الحرب بعد أن فقد عينيه ويده جراء
انفجار لغم فيه، حينها يفاجأ الأولاد بوالدهم وتترك الكاميرا المشهد على
والد يرقص من ألمه وعلى ولد تسخن الدمعة في عينه فيتركها تمضي ولا حيلة له
غير هذا.
البيان الإماراتية في 12
نوفمبر 2008
|