»بعيون
السينما نرى«
عنوان عريض هادف، افتتحت به وزارة الثقافة الدورة الأخيرة لـ»مهرجان دمشق
السينمائي« الأخير، بحضور جماهيري وزخم رسمي لافتين، وأضواء
إعلامية مسلّطة بإمعان
وترقّب. مرّت الفعاليات، وقُدِّمت العروض. ازدحمت صالات العرض بالمتفرّجين،
استنفرت
وسائل الإعلام، الرسمية والخاصة وغير المحلية، جلّ طاقتها في التمهيد
للحدث،
وتغطيته والتعليق عليه واستشراف أبعاده. أما الجدير بالذكر،
فهو الحضور الرسمي
الكبير والاهتمام الحكومي البالغ اللذين رافقا المهرجان، من حيث عدد السادة
الوزراء
الحاضرين، والجهات الراعية للحدث، والأخرى المسهِّلة والمؤمنة لإنجاحه، ما
يدفع إلى
لمس النهوض المتجدّد بالثقافة وأدواتها، الذي يركّز عليه بلدنا
بشعبه ومسؤوليه.
ولأن
السينما تشكّل الابن البار للثقافة والوجه السابع للفن، وجدنا هذا الاهتمام
البالغ به.
اللافت
أيضاً هو تقرير سنوية المهرجان، بعد أن كان يُقام كل سنتين،
بالتناوب والتوأمة مع »أيام قرطاج السينمائية في تونس، ما يقرّبه أكثر من
مواكبة
الحركة السينمائية العالمية ومسايرة تطوّرها السريع، ويُضاعف
جهود القائمين عليه
للحفاظ على وتيرة أدائهم المرتفعة، ويُبقي المهرجان السينمائي الوحيد في
سوريا
حاضراً في ذاكرة المتابعين العاديين من غير ذوي الاختصاص.
إذا كان
»مهرجان دمشق
السينمائي« يريدنا أن نرى بعيون السينما، بحسب شعاره، فنحن
أيضاً نريد ذلك، لا بل
نتوق إليه. لكن كيف؟ هل نبقى بانتظار المهرجان من سنة إلى سنة؟ هل نرسم
الخطط
الخمسيّة على مرتّباتنا الوظيفية، لنوفّر تكاليف حضوره في العاصمة دمشق هذا
العام؟
كيف لنا أن نرى بعيون السينما، ولا وجود للسينما في محافظاتنا
النائية، ولا حتى في
دمشق، إلا في ما ندر وقلّ عن تعداد أصابع اليد الواحدة؟ كيف لنا أن نرى
بعيون
الغائب إذاً؟ ميزة البصر، أنه مفتوح على الأفق، منطلق عبره من دون حدود أو
قيود،
فكيف لنا أن نرى ونحن مقيّدون بقنوات السينما الفضائية
وأفلامها، التي تكرّرت ومرّ
عليها الزمن، حتى حفظناها عن ظهر قلب، بغض النظر عن تحكّم مالكي هذه
القنوات بما
يُعرض وبتوقيته. أما »الفيديو« المنزلي، فهو محكوم بمزاج البائع، وإيرادات
البيع،
والشائع من أفلام العنف والرعب والإثارة والبطل السرمدي صاحب
»المسدس« الذي لا
ينضب. حتى إذا تحصّل أحدنا على ما يصبو إليه من الأفلام المميّزة، صاحبة
القضايا
والجوائز، فإن المتعة تبقى منقوصة، لأن لجلسة السينما ورفقتها لذة، تماماً
كما
للصالة والشاشة وتوزيع الصوت وانتظار البدء ومناقشة الفكرة
أيضاً.
أين نحن،
إذاً، من هذا كلّه، ودور العرض السينمائي في محافظاتنا صارت أثراً بعد عين،
فهجرها
أصحابها، أو تحوّلت إلى صالات للأعراس في أفضل أحوالها، أو ساء
حالها، لتصبح دوراً
لكل من يجهل معنى الثقافة، ومقراً لما هو أبعد ما يكون عن هذه الكلمة
السامية؟
»بعيون
السينما نرى« عنوان بارز، يجعلنا نقف عنده متأمّلين واقعاً صعباً،
مفكّرين بمستقبل نأمل أن يكون أقل صعوبة، بل علينا أن نطالب ونعمل ليكون
أقل صعوبة،
وحتى أكثر إشراقاً، تعود فيه صالات السينما إلى دورها الرائد،
كمنارات للثقافات
المتنوّعة والفن الراقي، ومصباً لكل ألوان الحضارة ومكوّناتها. فبدلاً من
عدد محدود
من
الصالات في عدد محدود من المحافظات، يغلب عليها التجاري والربحي، وتبقى
محصورة
في الفنادق الراقية، وخاصّة بطبقة معينة، لِمَ لا تبدأ مديرية
المسارح والموسيقى
بنشر صالات عائدة لها في كل المحافظات من دون استثناء، سواء من خلال أبنية
حديثة
تُشيّد لهذا الغرض، أو من خلال المراكز الثقافية المنتشرة أصلاً، فتعبر عن
طريقها
إلى كل عشاق السينما، وتتواصل معهم، مركّزة على الدور الذي
تضطلع به في نشر الثقافة
السينمائية الرفيعة، وتلبّي احتياجات متابعي هذا الفن والمهتمين به.
أما نحن
كهواة لهذا الفن، من مشاهدين عاديين ومتفرّجين غير مختصّين، علينا ألاّ
نكتفي
بالمطالبة والبكاء على الأطلال، بل من واجبنا أن نبدأ بأنفسنا،
وهذا أضعف الإيمان،
لأننا لم نكن يوماً في حلٍّ من الأمر، بل هو فوق كواهلنا، من خلال انتقاء
العرض
الذي نشاهده، أو الفيلم الذي نقتنيه، أو التوعية الثقافية السينمائية التي
ننشرها
من حولنا.
)سوريا(
السفير اللبنانية في 6
نوفمبر 2008
|