»إنها
مصنع الأحلام.. غرفة للتاريخ.. شاطيء تبوح فيه
النفس بالأنين والألم والحب..
وادي نسبح فيه بخيالنا لأن نبقي ونشعر بالحياة«..
بهذه الكلمات أجاب النجم الايطالي فرانكو نيرو علي السؤال
الصعب:
ماهي السينما؟
وهو من طرح السؤال والاجابة..
في افتتاح مهرجان دمشق السينمائي الدولي السادس عشر
المبهر الذي بدأ فعالياته السبت الماضي.. الكلمات كانت مؤثرة وبقي السؤال
ايضا
يسبح في وجدان الحضور وفي قلب شرائط الأفلام التي حاول مبدعوها الاجابة
عليه.. كل
برؤيته الخاصة.. كيف يري العالم وكيف يعبر عنه؟!
منذ
اللحظة الأولي كشف
مهرجان دمشق عن طموحه الكبير في احتواء كل »سينمات«
العالم بمدارسها المتعددة
وحاول اذابة الروح بين الشرق والغرب شاشة العرض واستعراض حفل
الافتتاح المبهر
والذي شمل تحية خاصة وتكريم لمبدعين سينمائيين كبار عشقهم الجمهور.. جريتا
جاربو، مارتن سكورسينري، أندريه ركوفسكي چينا لولو.. يوسف شاهين..
عبداللطيف عبدالحميد وايمن زيدان وسولاف فواخرجي ومن بعدهم كلوديا
كاردنيالي
وفرانكونيرو وريتشارد هاريسون ونادية الجندي ونور الشريف.
كذلك عبر
وزير
الثقافة
وممثل الرئيس السوري د. رياض نعسان أغا عن الروح الجديدة لدمشق بعد
اختيارها عاصمة للثقافة العربية بأنها تصر علي أن يبقي السلام هو شعارها
وأشار الي
ان
العدوان الامريكي الأخير علي الأراضي السورية واهدار دم أسرة كاملة لايعد
شيئا
سوي تعبير عن الهمجية
»نحن بلد حضاري دعاة سلام وآمن«.
وتمني د.
أغا ان
تكون أفلام المهرجان بمثابة الرسالة التي يجب ان يتذكرها
السينمائيون وألا يغفلوا
من
ذاكرتهم المحاصرين في غزة ومن يموتون كل يوم من ضعفاء العالم.
وفي اطار
الرسالة
نفسها تمني محمد الأحمد مدير عام المهرجان ان يكون مهرجان دمشق واحة لكل
السينمائيين في العالم في أول دورة يقام فيها المهرجان سنويا.. وقد اقتربت
الصورة
بالفعل من ذلك.
والرؤية
السياسية للمهرجان كانت حاضرة من المشهد الأول والذي
اتسم بالاصرار والابهار علي بقاء دمشق في الصورة وكانت دعوة النجم الامريكي
ريتشارد
هاريسون لحضور المهرجان بمثابة رسالة أخري لامريكا بان سوريا
تسمو بالثقافة فوق
الخلافات.. بينما كان النجم الامريكي في تصريحاته اكثر واقعية حينما قال ان
بوش
ورجاله يتجاهلون شعوب العالم ويتعاملون مع الآخرين وفق نظرية »السيد
والعبد-
الصديق والعدو« وامريكا تقوم بدعم بعض الجهات ثم تنقلب ضدها..
امريكا
تعيش ما
يسمي
الغرب المتوحش..
وأضاف
قائلا: الشعب الامريكي لا يعلم شيئا عن سياسة
بوش تجاه سوريا والتي أرفضها تماما.. وانا شخصيا اجد راحة في التعامل مع
الشعوب
الاوروبية عن مواطني بلدي.. كما انني احب السفر حول العالم واحببت التعاون
مع
الشعوب.. وهذه هي السياسة.. هي الحياة، واذكر اني لعبت دور أول رئيس امريكي
يصل لايران واعتز جدا بهذا الدور، ومستعد ان ألعب أي دور في فيلم من انتاج
سوري
كدعم للسينما السورية والعربية.. وقد شاهدت كثيرا من الأفلام المصرية
واعجبت بها
وخاصة أفلام شاهين.
وعلي
طريقته الخاصة يطرح التركي نوري بلجي جيلان مخرج فيلم
الافتتاح (ثلاث قرود) نظرته في السينما عبر كشف المستور واخفائه في نفس
الوقت
وهي التوليفة (السر) التي قدمها لجمهور المهرجان او للبشرية بشكل عام: »اعرف
النقطة المظلمة في حياتك ولك الخيار ان تغير لونها أم لا ان تتخلص من قيودك
وحصارك
ام
لا« والفيلم ليس به أية قرود ثلاثة ولكن الأسم له مغزي تركي يعبر عن الحدث
نفسه، ونحن أمام ثالوث ليس بغريب عن السينما.
رجل سياسة
يستعد لترشيح نفسه
في
الانتخابات ويقتل عن طريق الخطأ احد المارة بالطريق بالسيارة ويموت، ثم
يطلب
من
سائقه الفقير أن يعترف بأنه من قام بالخطأ مقابل بعض الأموال تعيش بها
اسرته-
زوجته وابنه- ويقبل السائق ويمضي في السجن عاما بينما تقيم زوجته علاقة مع
السياسي الذي استغل الموقف لتحقيق نزوته ويكتشفها الأبن، وبعد خروج السائق
-الزوج المخدوع ايوب- يشعر ان هناك شيئا مختلفا تجاه مشاعر زوجته..
هناك رجل
آخر.. نعم، ويكتشف انه السياسي،
وبدون جمل حوارية مألوفة لعب التعبير الصامت
بالعيون
والأحاسيس الداخلية دورا كبيرا في الآداء المبهر للأبطال ليعبروا كما يحلو
لهم بما يشعرون به من آلام،
وخوفا من تفكك الأسرة يلجأ السائق إلي نفس الحل
واللعبة التي خاضها مع السياسي.. بحث عن آخر يعترف بقتل السياسي بدلا من ابنه
الذي اندفع لينتقم لشرف العائلة وارتكب جريمة القتل.
الفيلم
حصل علي جائزة
افضل اخراج في مهرجان كان هذا العام، ويعد عرضه بدمشق هو العرض العالمي
الأول
له، وقد تم اعادة عرضه في اليوم التالي للافتتاح والذي شهد بداية مارثون
أفلام
المسابقة الروائية الطويلة والتي يشارك فيها من مصر فيلمان هما »خلطة
فوزية«
للمخرج مجدي احمد علي وبطولة الهام شاهين وفتحي عبدالوهاب وغادة عبدالرازق،
و»صياد اليمام« للمخرج اسماعيل مراد وبطولة اشرف عبدالباقي
وعلا غانم وحنان
مطاوع، وقد اثار توقيت عرضه جدلا، لانه كان نفس توقيت حفل العشاء الكبير
الذي
دعا له الرئيس السوري بشار الأسد، ويتم فيه دعوة نجوم وضيوف المهرجان كما
صاحبه
ايضا اقامة مباراة الأهلي في نهائي البطولة الافريقية، وقد حاول مخرجه تعديل
الموعد لكن ادارة المهرجان اصرت علي الالتزام بالمواعيد التي تم وضعها
مسبقا وسمحت
باقامة عرض للفيلم في منتصف ليل اليوم التالي.
وكانت
المفاجأة الأخري
هي
عدم ذهاب الفنانين الي العرض المصري وفضلوا الذهاب لحفل
العشاء،
وربما اصاب هذا
الأمر اسماعيل مراد بشيء من الاحباط وبالطبع فضلت انا وعدد
قليل من ضيوف المهرجان
الذهاب لمشاهدة الفيلم الذي يكشف الوجه الحقيقي لمجتمع الطبقة
الفقيرة بمصداقية
شديدة وعن حلمه الصغير في البقاء والحياة،
وذلك من خلال شخصية علي (اشرف
عبدالباقي) الذي يهوي صيد اليمام لدرجة العشق ولمدة عشرون عاما..
مر بكثير من
المهن لكن حبه لهوايته لم يمر لحظة..
وشيئا فشيئا ينكشف الستار عن كل الشخصيات
المحيطة
به والتي مر بها في حياته.. امه، اباه، زوجته عشيقته، عمه.. ابنه
الذي رحل.. الشاويش موسي، طلبة العجوز، قمر بائعة الشاي،
وتمر الكاميرا
بنعومة علي كل شخص ملخصة حياته.. الأزمة والحلم.. الأمل واليأس، ولم تخلو
رحلة علي من الزمن السياسي بدءا من الحرب العالمية وفترة
عبدالناصر،
وحتي حرب
اكتوبر.. حاول علي في كل مرحلة ان يصل لبر الأمان لكنه لم يصل
والقمر الذي حلم به
اختفي وراء السحاب.
الفيلم
رغم عمق فكرته ونعومة جمله الحوارية وصورته الشفافة
عن
البشر الا انه كان يحتاج من مخرجه التقليل من زمن بعض اللقطات التي شعرنا
بها
اطول من اللازم،
وخاصة في الجزء الأول منه لكن صياد اليمام في النهاية يمثل حلم
مخرجه
الذي ظل حبيسا لمدة تزيد علي ثلاث سنوات حتي افرج عنه مهرجان دمشق.
ولم تكن
هذه هي بارقة الأمل الوحيدة لاسماعيل مراد، بل تم اختيار فيلمه الآخر (يوم
ماتقابلنا) ليعرض علي شاشة مهرجان القاهرة السينمائي وقد زاده هذا الأمر
حيرة
وقلق بدلا من الشعور بالسعادة.
علي جانب
آخر يعرض الفيلم المصري الثاني
(خلطة
فوزية) مساء اليوم- الخميس- وقد حرصت بطلته الهام شاهين علي الحضور
ولديها ثقة كبيرة في ان يواصل فيلمها حصد الجوائز بعد جائزة افضل ممثلة في
مهرجان
أبوظبي والهام تري ان »خلطة فوزية« يعد مرحلة جديدة في حياتها السينمائية
فهي
ليست فقط المنتجة والبطلة ولكنها تقدم دورا مختلفا يشبع رغبتها الجادة في
تقديم
سينما مختلفة في هذه المرحلة.
وبالمناسبة يحتفل المهرجان هذا العام بالسينما
المصرية ٨٠٠٢ ويعرض ٧ أفلام هي الوان السما السابعة بطولة ليلي علوي وفاروق
الفيشاوي وقد عرض ايضا في اول ايام المهرجان وفي نفس توقيت صياد اليمام،
ومعه
تأتي أفلام أسف علي الازعاج،
ليلة البيبي دول، الريس عمر حرب، نجيب الريحاني
في ستين الف سلامة،
بوشكاش وجنينة الأسماك.
السينما
هي حالة عشق.. تلك
كانت اجابة اخري عن سؤالنا الكبير
(ماهي السينما)، والعشق هذه المرة يأتي من
مهرجان دمشق لمبدعين اثروا السينما اراد ان يلقي عليهم تحية
خاصة ويذكرنا ويحيي من
جديد مشاعرنا تجاه أعظم الأفلام والمشاهد السينمائية.. حيث نظم المهرجان اكثر من
عشرة أقسام تحت عناوين كلها تتطلب التأمل والبحث (تحف السينما العالمية او الدرر
الثمينة ومنها بالطبع الفالس الأخير، احدب نوتردام، رفاق طيبون، عصابات
نيويورك، فورست كامب، كازينو، البحر والسينما، المدينة والسينما، راحلون
وراحلات، الرواية في المسرح والسينما والأعمال الحائزة علي
اوسكار افضل فيلم
ومنها جسد
علي نهر كوالي، قصة الحي الغربي، كازابلانكا، صوت الموسيقي.
كنت ومازلت من عشاق السينما الفرنسية فهي الشاشة الأكثر قدرة
علي تجسيد الحلم..
الي المعني المنشود من السينما اقول ذلك لاني سعدت باختيار المخرج الفرنسي
اف
بواسيه لرئاسة لجنة تحكيم الأفلام الطويلة صاحبي: هل باريس تحترق والنهر
الأحمر
والجندي الصغير وقال لي:
»كنت دائما من عشاق سحر الشرق.. وقدمت ذلك في بعض
افلامي أنا اعبر عن هذا الحب لكنها كانت دائما محاولات صغيرة..
اتمني الفرصة
لأكشف الكثير عما اشعر به..
فالسينما شعور يولد ليعيش.. من مرحلة الميلاد علي
الشاشة الي الخلود في وجدان البشر«.
أخبار النجوم المصرية في 6
نوفمبر 2008
|