تدعونا
إشكالية إيــقاف عرض المسلسل البدوي »سعــدون العـواجي« الذي
تــبثه حصرياً قناة »أبوظــبي«
في دورتها الرمضــانية الحالية، وقبلها إشكاليـة القرار الذي اتخــذته
إدارة »إم بي سي« بـ »تأجيل عرض
المسلــسل البدوي »فنجان الدم« حتى إشــعار آخر«،
إلى إعــادة طرح سؤال الفن، كما يجب أن يقدم نفــسه تلفــزيونياً: هل
المطــلوب من
المســلسل الدرامــي أن يكون صورة عن الواقع أم مطلوب منه أن يكــون واقع
صورة
مفترضة؟
إلى أي حد
مسموح أن نؤرخ لحياة عشناها في مسلسل تلفزيوني دون أن نضع
أنفسنا في دائرة الاتهام بالتشــويه والتجــني، ودون أن
نستــغبي عقل المشاهد؟ وما
هو
حجم الخـطوط الحمراء التي يجب أن نراعيها إذا ما كــانت الحــقيقة كاملة
بين
أيدينا؟ وهل محاكاة الواقــع في عمل إبداعي جريمة، وهل إغفالنا أخطاء
التاريخ عند
إعادة قصه هي الفضيلة..؟!
وبعيداً
عن التعميم، وأمام إشكاليتي »سعدون العواجي«
و»فنجان الدم« نجد أنفــسنا أمام سؤال ملح: عن أي مجتمع بدوي يريدوننا أن
نتحدث؟
يعود
تاريخ إنتاج أول عــمل بدوي إلى عام ١٩٧٣ حين قدم الأردنيون الدراما
البــدوية »فارس ونجود« التي أخرجها إيلي سعادة، وبعد عامين
قدمت مسلسلات: »وضحا
وابن عجلان« و»رأس غليص« فمسلسل »نمر بن عدوان«...وتتالت الإنتاجات
التلفزيونية
البدوية التي تقاسم إنتاجها الأردنيون والسوريون، من دون أن يثير أي مــنها
حفيظة
أحد، رغم أنها جميعها قدمت المجتمع البدوي بصورة افتراضية،
فخلقت بيئة بدوية لا
نشاهدها إلا على التلفزيون، وأبعد ما تكون عن الواقع الحقيقي، فيها البدوي
مجرد
ساكن خيمة يرعى الغــنم، ويدخل قصص حب مستحيلة، وعلى هامش هذا الحب تنشأ
قصص
الشجاعة والشهامة والحكمة مقابل الغدر والخيانة.
والغريب
أن الأعمال البدوية
التي تلقى اعتـراضاً اليوم، هي الأعمال ذاتها التي انطلقت من تلافي عيوب
الأعمال
البدوية السابقة، وذلك بتقديم مضامين متطورة، ضمن زمان ومكان محددين، ورؤية
واقعية
للمجتمع البدوي، فدارت أحداث »فنجان الدم«، وفق البيان
الترويجي للعمل، في »بداية
القــرن التاسع عشر، حين كان العثمانيون يبســطون ســيطرتهم على معظم
البلاد
العربية، فيما كانــت الصــراعات دائرةً على جبهتين: الجبهة الأولى تجمع
القبائل
العربية من جهة، والعثمانيــين من جهة أخرى، والثانية تجمع بعض
القبائل العربية في
مواجهة بعضها«، بينما ينسج مسلسل سعدون العواجي أحداثه، وفق توصيف مخرجه
نذير
عــواد في فترة »مرت على المنطقة أصابها خلالهـا الجفاف وجاعت فيها القبائل
فكثرت
الغزوات التي صـنعت أبطالاً تحدثت عنهم القبائل، والفترة التي
يتحـدث عنها العمل
تعود إلى ١٧٥٠ تقريباً وتمتد الأحداث لمدة ٦٥ سنة«.
تحديد
الزمان والمكان يبدو
أنه فتح باب التأويل فاعترضت بعض القبائل التي وجدت تشابهاً بينها وبين بعض
الشخصيات والأسماء والأحداث في هذين العملين، وارتفعت أصوات تتحدث عن
»إيقاظ الفتنة
النائمة بين القبائل«، وعن »احتواء العمل على إساءات لشخصيات
وقبائل عربية معروفة
تاريخياً«. بل وانبرت أقلام صحافية تهاجم المسلسلين والقائمين عليه، في وقت
تناقلت
أروقة الوسط الفني أحاديث عن ضلوع جهات إنتاجية منافسة في عمليتي التحريض
على
العملين والسعي لإيقافهما.
والمثير
للدهشة أن كل ذلك الهجوم تم وما من أحد اطلع
على المسلسلين كاملين، فما المطلوب إذاً...؟
هل
المطــلوب أن نستـسلم لمجــتمع
بدوي افتراضي لمجرد أنه جــميل، ونرفــض محــاكاة الواقع لمجرد تخوفــنا من
تــأويل
عابر لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن ينال من حقــيقة المجــتمع البدوي
المعـروف
بثقافته وأخــلاقه الــعالية وقيمه...؟
إشكالية
المسلسلات البدوية الجدية
والتأويلات العــابرة ليــست الأولى في تاريــخ الــدراما، ففي العام
المــاضي أثار
الجزء الأول مـن مسلسل »الحصرم الشامي« للمخرج سيــف الدين
سبيعي الجدل نفسه حين
تناول بعض الجــوانب الخــاصة في تاريخ مدينة دمشق أواخر القرن الثامن عشر
وبدايات
القرن التاسع عشر، كتــبها الســيناريست فؤاد حمــيرة عن
»حوادث دمشـق الــيومية«
للبـديري الحلاق. مبتعداً بمسلسله عن الشكل الفكلوري للمجتمع الشامي كما
قدمته
الأعمال الشامية السابقة.
ولكن
المسلسل اتهم حينها بتشويه تاريخ دمشق،
وللمفارقة أيضاً اتهم صناع العمل بإثارة الفتن بين الناس، وكانت النتيجة
منع عرض
العمل خلال شهر رمضان.
إذاً
القضية تتعلق بعقلية فردية لا مجتمع بذاته، عقلية
تريد من الدراما أن تكون عبارة عن غرفة مكياج لا تظهر على الشاشة إلا
الوجوه
الجميلة، عقلية تريد من حياتنا فلكلوراً لا يصلح إلا للمتاحف،
وإلا لماذا لم تعترض
الأصوات على الصورة الساذجة التي قدمتها الدراما من قبل عن المجتمع البدوي؟
السفير اللبنانية في 12
سبتمبر 2008
»باب
الحارة« و»أهل
الراية«:
توأم سيامي درامي
حنان
ضيا
لا يلبث
متابع المسلسل
السوري »أهل الراية«، أن يلاحظ التشابه الكبير بينه وبين المسلسل السوري
»باب
الحارة«، الذي يعرض في جزئه الثالث الذي يبدو باهت البريق هذا الموسم.
وبرغم
الملاحظة هذه، لم يقدم مسلسل »أهل الراية« جديداً عما سبق
وقدمه »باب الحارة« في
السنتين الماضيتين. فمن الدقائق الأولى لعرض المسلسل تحضر المقارنة، بدءاً
من شِبه
التطابق في الديكور الذي اختاره المسلسل الجديد لتجسيد الحارات الدمشقية في
بدايات
القرن العشرين، والذي لا يختلف عن ديكور »حارة الضبع« الدمشقية
في »باب الحارة«،
إلى الزي الذي يرتديه ممثلو »أهل الراية«، وصولاً إلى محاولته تقليد نمط
التعامل
بين أناس الحارة.
تصبح
معالم هذا التشابه أكثر وضوحاً كلما تعمّقنا في المضمون
الاجتماعي للمسلسل، إلى حد يظهر معه »أهل الراية« استنساخاً لـ»باب الحارة«
مع بعض
التعديلات البسيطة. إذ ينسج أهل الحارتين في المسلسلين، حارة
مثالية في دمشق، حارة
قائمة على التكافل بين وجهائها لمساعدة أصحاب الحاجة ومساندة المظلوم.
النخوة
والشهامة سمة مشتركة بين الرجال، وحماية نساء الحارة هي مهمة كل الرجال.
فلا نستغرب
أن يقوم »أبو واصف« وهو أحد الوجهاء في »أهل الراية« بضرب
رجلين من حارة أخرى تحرشا
بإحدى نساء »بير التوتي«، كما فعل »أبو حاتم«، وهو أيضاً أحد وجهاء الحارة
في »باب
الحارة«، عندما قام بضرب أحدهم بسبب تحرشه بإحدى النساء.
أما دور
جمال سليمان
الملقب بالزعيم »أبو الحسن« في »أهل الراية«، فيختصر شخصيتين بارزتين
مقتبستين عن
»باب
الحارة«، فإذا استبعدنا الدور المقاوم للعقيد »أبو شهاب« (يؤديه الممثل
سامر
المصري في »باب الحارة«)، يمثل »أبو الحسن« نفسه صورة »أبو
عصام« (الممثل عباس
النوري) من حيث الحكمة ومساعدة المحتاجين.
أكثر من
ذلك، يستند المسلسلان على ما
يعتبرانه تصويراً لعادات اجتماعية كانت سائدة في ذلك العصر: تحجّب النساء،
عدم
الاختلاط وسمة الطاعة التراتبية. يطيع الرجال الزعيم، الشبان يطيعون
آباءهم، ثم
تطيع النساء الرجال، من دون أن يجرؤ أحد على خرق هذا النظام.
صحيح ان
الأحداث
الاجتماعية التي يعالجها »أهل الراية« تختلف عن تلك التي يعالجها »باب
الحارة«،
لكنها ولغاية حلقة أمس، لم تنجح في إنقاذ العمل من الشبه إلى حد الاستنساخ.
ربما
حاول مخرج »أهل الراية« علاء الدين كوكش، الذي شارك في إخراج مسلسل »باب
الحارة«،
أن
يميز عمله في بعض المفاصل، لكنه وقع في فخ آخر فاختار أن يكون الاحتلال
عثمانياً
بدل الفرنسي (في »باب الحارة«)، لكن المفارقة ان »أهل الراية«
يبتعد تماماً عن
أجواء المقاومة، لا بل يبدو البطل حتى اللحظة سعيداً بحظوته لدى العثماني.
فإلى
أي مدى يمثل هذا »الترحاب« حقيقة تاريخية؟ وهل سنشهد في
الحلقات المقبلة تحولاً
لتظهر مقاومة قد يكون قائدها الممثل القدير جمال سليمان؟ أم ان الوجود
العثماني
سيظل مرحباً به في »بير التوتي«؟
وقد يكون
ساهم في غياب الرونق الخاص عن العمل
استعانته بوجوه ترسخت في أذهان المشاهد بأدوار مشابهة في »باب الحارة«،
كالممثلة
الشابة تاج حيدر التي انتقلت من كونها ابنة »الحكيم أبو عصام«
لتصبح ابنة الزعيم
أبو الحسن في »أهل الراية«.
يقف »أهل
الراية« الآن على حد السيف، فإما أن يخوض
التحدي بأداء أكثر تمايزاً عن شبيهه في حلقاته المقبلة، وإما يكمل في وضع
نفسه في
موقع محرج، وعندها يصبح بالإمكان القول: كان من الأجدى للقيمين
على العمل اختيار
حقبة تاريخية مختلفة يخوضون فيها غمار المغامرة الدرامية التراثية.
تعرض »أهل
الراية«
قناة »المنار« عند ٢٠،١٠ وتعرض »باب الحارة« قناة »أم بي سي« عند ٢٢،٠٠
السفير اللبنانية في 12
سبتمبر 2008
|