حين يمسك
شخص ما بقلمه ليسطر حياته يجد نفسه فى حالة نزاع داخلى قوى بين ما يرغب فى
قوله وما لا يجب قوله، فتلك أمور تخص العائلة فلا داعى لذكرها وتلك تسيء
لبعض الأصدقاء، وأخرى تمس الدولة، وغيرها تمس الدين.. وما بقى أمور تخصنى
لا تخص احدا، من هذا المنطق الفكرى نجد كمية مما يطلق عليه مجازا سيرة
ذاتية وعبثا أدب الاعتراف وهما وهم لوجود أزمة بيننا نحن العرب وتاريخنا،
فلدينا خوف من ماضينا، كما أننا مؤمنون بأننا لا نخطئ وعلى الجميع أن
يتخذونا قدوة ويحذوا حذونا.
وفى
الدراما نأتى إلى الطامة الكبرى حيث أصبحت فى الفترة الأخيرة تمثل للعامة
وثائق تاريخية وكل ما يقدم فيها إنما يعبر عن حقائق ولكن الأمر يتحول إلى
حق فردى تمنحه كل جهة منتجة لعمل درامى لطرح وجهة نظرها فتنتقى ما تريده،
وبالتالى يتم تقديم التاريخ من وجهة نظر أحادية ولكن من القائل إن وجهة
النظر تلك هى الصحيحة؟ ولماذا لا تكون مليئة بالمغالطات ـ ربما عن غير عمد
ـ ولكن النتيجة هى تقديم معلومات خاطئه قد تؤدى إلى تشويه صورة صحيحة فى
مراجع أخرى أكثر دقة.
ونحن
اليوم أمام عمل درامى ضخم هو مسلسل (أسمهان) قصة ممدوح الأطرش وقمر الزمان
علوش، وسيناريو وحوار نبيل المالح بسيونى عثمان، ومن إخراج التونسى شوقى
الماجرى، والبطولة من سوريا سولاف فواخرجى (أسمهان)عابد فهد (حسن الأطرش)،
فراس إبراهيم (فؤاد الأطرش) ومن مصر أحمد شاكر عبد اللطيف (فريد الأطرش)
ويوسف شعبان ( أحمد حسنين )، وبهاء ثروت (محمد التابعي) وأمل رزق (أمينة
البارودي) ومن لبنان ورد الخال (عالية).
وتدور
أحداثه حول حياة الفنانة الراحلة ( أسمهان ) بالتفصيل منذ ولادتها حتى
موتها بإضافة إلى بعض التفاصيل الدقيقة عن تلك المراحل التاريخية الغنية
بأبعادها السياسية والاجتماعية والفنية على اعتبار أننا نتحدث فى الفترة ما
بين 1917 حتى 1944.
ونحن أمام
نجمة اسمها الحقيقى آمال الأطرش الابنة الوحيدة التى كتب لها الحياة فى
عائلة درزية كريمة المحتد يعود نسبها إلى آل الأطرش فى سورية الذين كان لهم
دور بارز فى الحياة السياسية فى سوريا والمنطقة فى تلك الفترة.
ولندخل
إلى الموضوع نبدأ من معرفة أساسياته والأساس هنا هو (الدروز) ويقدر تعدادهم
باثنين مليون نسمة تقريبا، منهم حوالى ستمائة ألف فى سوريا ومائة وخمسون
ألفا فى لبنان، ومائه وخمسون ألفا فى إسرائيل، والباقون موجودون فى المهجر
فى دول العالم المختلفة وهم مسلمون ويشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدا
عبده ورسوله... ويتبعون المذهب التوحيدى، ولا فرق بينهم وبين أهل السنة فى
أى شيء باستثناء أنهم يمنعون تعدد الزوجات ويعتبرون أن المذهب التوحيدى هو
فكر فلسفى أكثر من كونه دينيا، وقد أُغلق المذهب على نفسه فى عام 1043
هجريا ولم يعد هناك دعوة إليه أو تبشير به وقد حقق وليد جنبلاط الكثير من
الإنجازات ليظل الدروز موجودين حتى اليوم على الساحة السياسية أما دروز
إسرائيل فيجب ألا نتهمهم أية اتهامات وإنما علينا أن نحاسب بلادهم وأوطانهم
التى تركتهم ولم يجدوا أية جنسية يحملونها سوى الجنسية الإسرائيلية والدروز
أصحاب فكر قبلى قومى، قبلى فى الزواج وقومى الانتماء وقد ولدت آمال لأب وأم
درزيين فى ظروف خاصة جدا، وصارت أميرة الجبل الشقراء بعد زواجها من الأمير
حسن الأطرش، وهى المهر الحر المتمرد الرافض للقيود والمتمرد على التقاليد،
وهى عروس النيل التى ولدت فى الماء وماتت به، ويمر العمل بأحداث الثورة
السورية ودور عائله الأطرش فيها، بقيادة سلطان باشا الأطرش وسفر الأم
والأبناء إلى مصر وتتوالى الأحداث مرورا بمعاناة الأسرة والعمل فى الأفراح
والصالات ثم مراحل النجومية والعلاقة بالوسط الفنى والسياسى ثم علاقتها
بالقوات الإنجليزية ودورها كحلقة وصل بين الحلفاء والقادة العرب فى الشام
وما أحيط به من شائعات وموتها وما أحاط به من شكوك، والمسلسل لا جدال انه
من أفضل مسلسلات رمضان هذا العام ويبدو ذلك واضحا من المتابعة الكبيرة
للعمل الذى جمع محبى الأعمال الدرامية لما به من إثارة وصراع إنسانى إلى
جوار محبى الدراما التاريخية ويبدو واضحا المجهود فى السيناريو من كاتبيه
نبيل المالح وبسيونى عثمان، استنادا إلى القصة الدرامية لكل من ممدوح
الأطرش وقمر الزمان علوش، المستندين بدورهم إلى كتاب "أسمهان لعبة الحب
والمخابرات " كمرجع رئيسى ويلحظ من بين تلك الأسماء وجود احد أبناء عائله
الأطرش كنوع من المراجعة الداخلية وقمر الزمان علوش وهو من أهم كتاب دراما
السيرة الدرامية فى الفترة الأخيرة، بينما جاء بسيونى عثمان كعنصر مصرى
وحيد فى النص الدرامى وهو فى الغالب لضبط اللهجة المصرية وتفاصيل الحياة
المصرية، أما نجم النص المخرج السورى نبيل المالح فقد شارك فى الكتابة
باعتباره من سيخرج العمل ولكن تعذر ذلك لعدة أسباب، غير أن وجود مخرج من
خارج سوريا رفع عنه الضغوط وجعله يتعامل مع شخصيات العمل الدرامى كبشر
وليسوا ملائكة، كما أجاد توظيف الموسيقى والديكور واستغلالهم لخدمة الحالة
الدرامية كما جاء اختيار شوقى الماجرى لاماكن التصوير الخارجى أكثر من رائع
وقد اعتمد على التصوير بكاميرا واحدة مما دفع بالأداء التمثيلى للخروج من
رتابة الفيديو وإيقاعه إلى حيوية السينما وانطلاقها.
الأداء
المتميز غير العادى لشخصيات المسلسل ولكن لماذا متميز ولماذا غير عادى لان
المخرج لم يسقط فى فخ الشبه خاصة وهو يتحدث عن التاريخ الحديث وعن شخصيات
يعرفها العامة قبل الخاصة ولكن رغم ذلك نجد أن سلاف فواخرجى (أسمهان) واحمد
شاكر (فريد) لا يعتمدان على أنهما شبها شكلا ولا صوتا ولكن رغم ذلك هناك
قناعة عامة لوجود تشابه وهو إنما نبع من حاله الأداء المميز والدخول الكلى
فى الشخصية ويليهم بهاء ثروت (التابعي) وأمل رزق (أمينة البارودي) فهما
مختلفان شكلا وناجحان موضوعا أما الشخصيات الدرامية غير المميزة شكلا فيأتى
فى مقدمتها (فؤاد الأطرش) الذى اده ببراعة الممثل السورى الرائع فراس
إبراهيم ويأتى إلى جواره الأداء المتميز بمراحل الدور للبنانية وردة الخال
فى دور (الأم) .
وكان
المسلسل قد أثار ضجة حين صدر قرار وزير الإعلام السورى دكتور محسن بلال
بعدم منح الموافقة على عرض المسلسل السورى "أسمهان" أو تصديره وبيعه إلى
الفضائيات العربية، بناء على شكوى تقدم بها الورثة الشرعيون للفنانة
الراحلة، الأمير فيصل الأطرش، الوريث الوحيد لوالدة فؤاد الأطرش ولعمه
الفنان الراحل فريد الأطرش مع ابنة عمته (كاميليا الأطرش ).
ولكن
هؤلاء الورثة ليتهم حافظوا على آثار وتراث أسمهان وفريد الأطرش اللذين
لولاهما ربما ما خلد اسم الأطرش عبر الأزمان.
والمسلسل
يشيد بنضال آل الأطرش ضد الأتراك والفرنسيين دون شك فى كل مراحله ولكن
الأطرش اتهم منتجى المسلسل ـ بتضمينه الكثير من الأحداث الملفقة التى لا
تمت إلى الحقيقة بصلة التى تناولها سيناريو المسلسل الذى تم تصويره، وتنطوى
أحداثه على قدر هائل من التزييف والمبالغة فى الإساءة دون سند تاريخى أو
حتى مبرر درامى أو أخلاقى يبيح لها ذلك من باب الحتمية الدرامية ـ لكن
الحقيقة أن العمل تمادى فى مجامله الطرشان على طول الخط وذلك خلال تكرار
"نحنا من بيت الأطرش" و"نحن أمراء" فى كثير من المواضع التى لم تكن مبررة،
إضافة إلى استخدام كلمة "أمير" عند المخاطبة، كـ "يا أمير حسن" أو "يا أمير
فهد"، وهذا لم يكن يحدث واقعيا، فأهل جبل العرب، ومع اعترافهم بأمارة بعض
رموز من عائلة الأطرش، لم ينادوا أمراءهم بـ "يا أمير" وإنما بـ "يا أبو
فلان"، فقط سلطان باشا الأطرش (قائد الثورة السورية الكبري) كان ينادى بـ
"يا باشا" وهو لقب منحه له السلطان العثمانى، والحقيقة انه لا يوجد أمير
واحد أو أميرة واحدة فى أسرة الأطرش، وحسن الأطرش الذى تزوجته أسمهان كان
فى عهد الانتداب الفرنسى على لبنان محافظا لجبل الدروز وكان لقبه الذى
ينادى به المير حسن الأطرش.. والمير تعنى العمدة بالفرنسية.. وحرفت الكلمة
لتتحول من مير إلى أمير ومن المؤكد أن هذا ليس خطأ يمر على صناع العمل
بسلام، ورغم ذلك لا يخلو العمل من الأخطاء، فمثلاً رأى كل من يتابع المسلسل
أن علياء المنذر أم أسمهان هى التى هربت إلى مصر دون موافقة زوجها، ثم عاد
الأولاد (فريد وأسمهان) ليحملا والدهما فهد الأطرش مسئولية تركهما لوحدهما،
إذن الأم تهرب بأبنائها والأب يتحمل المسئولية أمام أبنائه غير مفهوم، ثم
هل كانت ثمة علاقة حب تجمع علياء المنذر (والدة أسمهان) بالملحن فريد غصن،
وإذا كانت كذلك فعلا فهذا يقدم مبررا للأخطاء التى رآها الطرشان فى تصرفات
المرأة وأولادها فى القاهرة، لأن امرأة بهذا السلوك لا مشكلة لديها بإرسال
ابنتها الصغيرة لتغنى فى "كازينو" مقابل المال، وهذا التصرف طبعا لا يتحمل
تبعاته أهل البنت فى الجبل وأيضاً قدمت والدة أسمهان عالية على أنها من
مدينة "حسبية" الصحيح أنها من مدينة "علي" فى الجنوب، وكذلك قدم المسلسل
شخصية خليل المنذر شقيق عالية بشكل سلبى فى حين أن عالية كانت متعلقة به
جدا حتى وفاته ودفنه فى تركيا وليس فى سورية كما يقول المسلسل، فيما تجاهل
المسلسل كلا من "أنور" الذى توفى وكان لايزال طفلاً صغيراً، و"وداد" التى
ماتت هى الأخرى وعمرها 10 سنوات وهما شقيقا أسمهان وفريد ولم يشر إليهما،
فظن المشاهد أن عالية لم يكن لها سوى 3 أطفال هم، فؤاد فريد وآمال أو
أسمهان، علما بأنها هربت إلى مصر بأبنائها الخمسة.
أخيرا فان
مسلسل أسمهان لا يقدم ملائكة ولا يكذب ولكنه يتجمل.
العربي المصرية في 30
سبتمبر 2008
|