فى حياة
كل فنان حقيقى وصادق مع نفسه ومهموم برسالة الفن نقطة تحول تأخذه إلى مكانة
أكبر وتكون بمثابة بصمة يظل يعتز بها طوال مشواره الفنى مهما قدم من أعمال
وبطولات، ولأن مجدى كامل ليس فناناً بالمصادفة بل درس فى أكاديمية الفنون
وتفوق وهو مقيد فى معهد الفنون المسرحية، وهو أيضاً صاحب رصيد مميز من
الأعمال، فهو يعتبر دور جمال عبدالناصر فى مسلسل «ناصر» الذى قدمه هذا
العام من أهم تجاربه الفنية التى يفخر بها على الاطلاق.
ويقول
باختصار إن «ناصر» رفعه إلى القمة ورغم الجدل الدائر والآراء المتباينة فهو
يعلن فخره وسعادته بالعمل، ويرى أنه قدم عملاً يعتز به أمام أولاده ويكفيه
شهادة أسرة الزعيم «أولاده وأحفاده» الذين أثنوا على أدائه للشخصية، كذلك
شهادة كبار النجوم فى مصر الذين حرصوا على تهنئته بالعمل.
ويعلن
مجدى كامل أنه ينتظر الحكم المحايد على أدائه الشخصية بعيداً عن الأحكام
السياسية، وإن أكد حبه لعبدالناصر الإنسان والزعيم الذى كان يحلم به كفنان
وأثر فيه كإنسان يتفق معه على مبادئ الحق والعدل والكرامة والحرية وغيرها
من القيم التى لا يختلف عليها أى إنسان.
مجدى كامل
الفنان يعيش نشوة نجاحه فى «ناصر» ويشكر كل من كان ضده قبل من أثنى عليه،
ويرى أنه فى النهاية قدم أعظم أعماله وحقق حلمه الكبير، ويعد بألا يتنازل
عما قدمه له عبدالناصر من نجاح ومكانة فنية مميزة.
ولأن
الأعمال الكبيرة والأدوار المهمة فى حياة النجوم قليلة انتظرنا حتى اقتربت
النهاية وكان اللقاء مع عريس أهم مسلسلات رمضان النجم مجدى كامل الذى بدأت
معه حديثى بالسؤال:
·
قدمت «عبدالناصر» فى مسلسل «العندليب» عن
حياة عبدالحليم حافظ وقدمته فى «ناصر»، هل كان الحمل أكبر هذه المرة؟
قال: فى
مسلسل حليم قدمت مرحلة محدودة من فترة الرئاسة فى عام واحد هو عام التأميم
1956 لكن فى مسلسل «ناصر» نقدم الشخصية من البداية إلى النهاية والمسئولية
أكبر لأن العمل كله عن عبدالناصر وهو أول عمل يقدم حياته من المهد إلى
اللحد وهذا المسلسل من وجهة نظرى يساوى 10 مسلسلات ويساوى 10 أفلام من حيث
كم المذاكرة والحفظ والاستعداد والدراسة والبحث فى الوثائق والكتب والمراجع
المختلفة، ولأنى أقدم شخصية زعيم بقدر عبدالناصر ومكانته وثقافته وتأثيره
كان لابد أن أكوّن خلفية ثقافية عنه وعن المرحلة التى عاشها فى السياسة
والاقتصاد والأدب وأدرس الأحزاب والتيارات السياسية وكل المجالات.. بالفعل
الحمل مضاعف وكل جملة كانت تحتاج إلى تفكير ودراسة، لأنى كنت أبحث عن
المصداقية، كنت أبحث عن روح عبدالناصر ولم أكن أقلده.
·
كيف فصلت بين فكرة البحث عن روح الشخصية
ومأزق التقليد؟
قدمت
عبدالناصر فى مسلسل حليم وأقدمه فى «ناصر» لذلك كنت أعى ألا أقلد نفسى ولا
أكرر نفسى، وهنا أعلن شكرى وتقديرى للمخرج المبدع باسل الخطيب الذى أخذنى
إلى طريق آخر فى تقديم الشخصية، فقد اتفقنا على طبقة صوت مختلفة وطبقة
الصوت تختلف من مرحلة إلى مرحلة، ففى مرحلة الشباب يختلف الصوت عنه فى
مرحلة الصبا وهكذا، فى مرحلة الرجولة وما بعد الثورة، وفى كل سن هناك تغير
فى الصوت، كذلك نجحت فى الوصول إلى «نظرة العين» التى كان يتميز بها
عبدالناصر وكان معروفاً بها.. باختصار درست الشخصية بصورة عميقة ومتأنية.
·
لكن المسلسل تم تصويره فى فترة لا تتجاوز 5
أشهر فهل ترى أن مسلسلاً عن عبدالناصر تكفى له هذه المدة؟
أنا
شخصياً كانت لدى خلفية كبيرة عن عبدالناصر بحكم الدور الذى لعبته فى مسلسل
«العندليب» وبحكم ثقافتى وقراءتى، وكان لدى وقت لدراسة الشخصية بشكل جيد
ووجدت ورق على أعلى مستوى للكاتب الكبير يسرى الجندى والمخرج باسل الخطيب
كان لديه الحماس الكبير للعمل، وأقول إن الكمال لله وحده فلو كان لدينا وقت
أكبر كان يمكن أن تكون النتيجة أفضل لكن على كل حال وفى ظل الظروف التى
عملنا فيها لم يبخل أحد بجهد وأظن أننا قدمنا عملاً مشرفاً على كل الوجوه.
·
وهل يكفى هذا العمل لتقديم صورة عن زعيم بحجم
الرئيس عبدالناصر؟
قناعتى
الخاصة أن عبدالناصر يستحق 40 مسلسلاً فكل مرحلة فى حياته تستحق عملاً
منفرداً وكل حدث يقال فيه الكثير، حرب 48 تستحق مسلسلاً و56 و67 كذلك، وبعد
67 تستحق مسلسلات ومسلسلات، لكن العمل الفنى لا يمكن أن يقول كل شيء وكانت
هناك اختصارات كثيرة، لأن فى حياة عبدالناصر مواقف إنسانية تستحق وقفات،
ولو قلناها فى المسلسل لن يصدقها أحد، فهذا الرجل يستحق أن نقدم حياته
للأجيال الجديدة وهو رمز وسمعت عنه كلاماً لا يصدق، ويكفى أن أعرف أنه مات
وهو مديون بمبلغ 18 ألف جنيه كانت تكاليف زواج ابنته وهو زعيم أكبر دولة
عربية، هذا يدل كم كان هذا الرجل نظيفاً ورائعاً، وأنه عاش من أجل هذا
البلد، ولم يكن ينام حباً وخوفاً عليها.
·
واضح أنك مشحون بشخصية عبدالناصر إلى حد
بعيد؟
بكل
تأكيد، كنت أحبه قبل المسلسل وأحببته أكثر بعد أن تعمقت فى دراسة الشخصية،
وأنا فخور بتقديم مسلسل يلقى الضوء على زعيم بعظمة عبدالناصر وتاريخه
ونضاله ووطنيته.
·
هل كنت تحلم كممثل أن تقدم شخصية مثل جمال
عبدالناصر فى عمل فني؟
لايوجد
ممثل لا يحلم بتقديم شخصية مثل ناصر فهو شخصية مغرية لأى فنان بكل محطات
حياته، ويكفى أن يشاهدا العمل عشاقه فى كل الوطن العربى ومن تأثروا به
وأذكر هنا عندما عرض على عمل المسلسل قالت لى زوجتى الفنانة «مها أحمد» أحب
أن تعمل تاريخاً يفخر به أولادنا.. وهذه المقولة زادت حماسى للعمل ودفعتنى
للاجتهاد أكثر ولم أكن أنام ليخرج بصورة مشرفة.
·
ارتحت مع من أكثر فى أدائك لشخصية عبدالناصر،
جمال عبدالحميد فى «العندليب» أم باسل الخطيب فى «ناصر»؟
أذكر أنى
قلت لجمال عبدالحميد أثناء التصوير فى «العندليب» إن أحلى 10 أيام فى حياتى
هى التى قضيتها فى أداء الشخصية معه، ومع باسل الخطيب فى «ناصر» استمتعت
بالعمل جداً، ويكفى أنه قال لى نحن شركاء فى هذا العمل وعشت معه 5 أشهر
نأكل ونشرب معاً، ونفكر فى تقديم صورة عن عبدالناصر الإنسان واتفقنا على
تقنيات العمل والأداء والحركة وكل شيء وأنا سعيد بالتجربة مع باسل الخطيب.
·
تعرف أن أكثر من فنان قدم عبدالناصر منهم
أحمد زكى وخالد الصاوى ورياض الخولى، وأسألك بصراحة عن أفضل من قدمه من
وجهة نظرك؟
أولاً،
يجب أن نبعد أحمد زكى من المقارنة، لأنه متفرد، لكن بصراحة شديدة أعجبنى
رياض الخولى فى مسلسل «أم كلثوم» فرغم صغر مساحة الدور لكنه الوحيد الذى
نفذ إلى روح عبدالناصر ووصل إليها، وهذا أهم من مسألة الشكل، أما خالد
الصاوى فقدمه من منظور ثورى وعبدالناصر لم يكن هجومياً فى الحياة العادية،
وكان هادئاً وقليل الكلام وثوريته كانت تظهر فقط فى خطبه.
·
كيف وجدت ردود الفعل تجاه أدائك الشخصية؟
للأسف
هناك آراء هدامة ونقاد غير محايدين تحولوا إلى «شتيمة» خلطوا السياسة بالفن
وبحكم دراستى للنقد الفنى أرى أن هؤلاء لا يفهمون فى النقد، ويكفى أن الوطن
العربى كله هنأنا على العمل وأكثر ما أسعدنى ردود فعل البسطاء فى الشارع
والأطفال والنساء وجاءتنى مكالمات من أمريكا وكندا والعالم كله، أيضاً
تلقيت تهانى من كل كبار نجوم مصر بلا استثناء وكلهم أشادوا بى وأبناء جيلى
من النجوم الشباب، والكل سعيد بصدق لنجاحى وهذا شيء مشجع جداً وردود الفعل
مدوية، ويكفى أن آل بيت عبدالناصر «الكبار والصغار» قالوا لى أعدتنا إلى
الزمن الجميل وشهدوا لى بأنى أفضل من قدم شخصية عبدالناصر الإنسان
والزعيم.
·
هل تنتظر ردود فعل من الكبار أمثال الأستاذ
هيكل وغيره ممن عاشوا مع عبدالناصر وتبنوا سياسته ومبادئه؟
يشرفنى
بكل تأكيد أن أعرف ردود فعل هؤلاء الكبار، وأتمنى أن يكون الأستاذ هيكل قد
شاهدنى، لكنى سعيد بآراء كثيرين شهدوا لى والأستاذ توفيق صالح قال كلاماً
مشجعاً جداً وأفخر بكل الآراء المحايدة.
·
بصراحة، هل تنتمى إلى تيار سياسى محدد أو
تؤمن بأفكار حزب ما؟
لا أنتمى
إلى أى حزب سياسى واتجاهى بداخلى لكن انتمائى إلى الناس الغلابة وأحب الحق
ولا أتنازل عنه، و«أجيب حقى من فم الأسد» وحلمى أن يعيش أهلى وأهل بلدى
حياة كريمة وهذا هو جمال عبدالناصر وبحكم معايشتى له آراه رجلاً مثالياً
بحق ولا مبالغة فى ذلك، كان رجلاً عاطفياً ووطنياً أفنى عمره لأجل الوطن،
وهو فنان متذوق لكل ألوان الفنون ومحب للتصوير، وكان كل همه هو خدمة البلد،
لم يكن يحقد على أحد وكان يرفض العمالة والخيانة وكان يلخص مبادئه فى أربع
كلمات هى الحرية والاستقلال والعزة والكرامة، وهو وطنى شريف سعى للم شمل
الأمة العربية ولهذا كله وكثير وكثير أحببت هذا الرجل وأنا فخور بتقديم عمل
عنه.
·
لكنه فى النهاية بشر ولا يوجد إنسان بلا
أخطاء؟
بكل
تأكيد، لكن عبدالناصر إنسان وزعيم مختلف وربما كان خطؤه الوحيد هى ثقته
العمياء فى عبدالحكيم عامر على سبيل المثال، لكنه بعد 67 غير من سياسته
ويمكن أن نقول إنه ولد من جديد وخاض حرب الاستنزاف وأنهك العدو الإسرائيلى
ومعروف أنه كان يخطط للحرب على إسرائيل فى العام 1972.
·
ما تفسيرك لموقف التليفزيون المصرى من عدم
عرض «ناصر» على القنوات الأرضية، وهل أحزنك ذلك فى ظل وجود هذا الكم من
القنوات الفضائية؟
أولاً،
ليس حقيقياً أن المسلسل لم يعرض على المسئولين فى ماسبيرو والجهات الرقابية
ثم ماذا يضر من عرض مسلسل عن رئيس الدولة الراحل جمال عبدالناصر؟! وهو الذى
بنى التليفزيون وكان الأولى أن يكرمه ويعرض عمل عنه، وأنا شخصياً كنت أحب
أن يعرض المسلسل على تليفزيون بلدى لكى يصل إلى البسطاء ومن ليس لديهم
أطباق فضائية أو وصلات فى الكفور والنجوع، وهؤلاء هم عشاق عبدالناصر
وأحبابه، وهنا ومن خلال جريدتكم المحترمة، أحب أن أرسل تحية إلى التليفزيون
السعودى الذى عرض المسلسل على قناته الأرضية وكان الأولى بنا أن نفعل ذلك.
·
هل وضعك مسلسل «ناصر» فى مكانة مختلفة
كممثل؟
بكل تأكيد
«ناصر» رفعنى إلى القمة والمشكلة أن أحافظ على القمة ولا أتنازل عنها وأقول
لك بكل صراحة وهذا شعورى الخاص فى هذه اللحظة: «أعتبر مسلسل ناصر أهم محطة
فى حياتى ولأول مرة أعملاً عمل وأفرح بيه هكذا».. فأنا سعيد بعبدالناصر
وسعيد بالجدل الذى أثاره فى الوطن العربى كله وسعيد بآراء الطلبة الذين
أدرس لهم فى معهد الفنون المسرحية وأتعامل معهم كأصدقاء وكلمونى وكلهم فرحة
بى لأنهم شاهدوا ما أقوله لهم عن فن التمثيل فى «ناصر».
·
ما أفضل تعليق وصلك أو سمعته عن أدائك
الشخصية؟
هناك
تعليقات كثيرة أهمها ما قاله لى الأستاذ عبدالحكيم عبدالناصر عن مشهد حادث
المنشية، قال لى لقد جعلتنى أنتفض من مكانى وأنا أتابع هذا المشهد، كذلك
سعدت برأى فنان كبير مثل نور الشريف أثنى على حسن تقمصى الشخصية ووصولى إلى
روحها، وأيضاً لا أنسى تعليق الفنان الكبير صلاح السعدنى على «نظرة العين»
التى نجحت فى أدائها وقال لى أنت أفضل من قدم نظرة عبدالناصر وهى نظرة
مميزة.
·
وماذا عن رأى يسرى الجندى وباسل الخطيب فى
أدائك؟
الحمد
لله.. شكرا فى أدائى وأشعر بأنى كنت عند حسن ظنهما لأن العمل فى النهاية
رؤية مشتركة بين كاتب ومخرج، وأسعدنى رأى الأستاذ الكبير يسرى الجندى الذى
قال بأنى أفضل من قدم عبدالناصر، كذلك الأستاذ باسل الخطيب وهو من عشاقه،
وسعد بآدائى وأثنى عليه، كل هذه أشياء تفرحنى وتنسينى آراء «الشتامين»
الذين أقول لهم.. شكراً!
·
ما الذى تفكر فيه بعد تجربة «ناصر»؟
كما قلت
لك، أفكر فى الحفاظ على المكانة التى وضعنى عليها «ناصر» بحسن الاختيار
ولدى حلم أن أقدم عملاً كبيراً على مستوى «ناصر» عن شخصية أدهم الشرقاوى
وأتمنى تحقيق هذا الحلم فى أقرب فرصة.
العربي المصرية في 30
سبتمبر 2008
أسئلة صحفية عن زعيم.. غيابه يزداد
حضوراً
محمد جمال
أحياناً
تصبح الكتابة عملاً شاقاً حينما تكتب عن «الأعزاء» الذين غادروا دنيانا كل
منهم كان مثل «رغيف الخبز المغموس فى ملح الكد والعرق والإخلاص والزهد»، كل
منهم كان صورة للحقول الخضراء، ونوار القطن، ووشواش الذرة، وسنابل القمح،
وقواديس السواقى.. كل منها كان صورة من مصر، وإذا كانت «النوستالجيا» هى
الحنين للماضى، فهذا لا يعنى أن أكون أسيراً للماضى، بقدر ما أستلهم منه
القوة التى تدفعنى للركض نحو المستقبل!
المشهد
الأول (ليلة 28 سبتمبر 1970) وكنت وقتها فى سن بين الطفولة وبواكير الصبا
عند خالى (سيد صابر) فى روض الفرج، وإذا بصراخ وعويل لمن فى البيت، ومن فى
الشارع وخرجت أجرى من شارع الشيخ مهران أبوالحسن بروض الفرج حتى دوران
شبرا.. لقد مات (عبدالناصر) وكانت أول مرة أشعر فيها بمعنى أن كل من مات
أبوه فهو يتيم!
ومن
الدراسة إلى الجامعة، إلى مثلث وسط البلد وسور الأزبكية، والحلمية الجديدة،
وهى بدايات العمل الصحفى فى منتصف الثمانينيات، التقيت كثيراً من البشر،
منهم من شارك فى صنع التاريخ، ومنهم من كان شاهداً على التاريخ، وعبر
حوارات لم تسقط أسماء أصحابها من ذاكرتى أتذكر أن (ناصر) كان الغائب
الحاضر.
سؤال
للأديب الراحل صالح مرسى فى حوار معه:
·
هل كانت انتصارات عمليات المخابرات وحدها هى
التى ردت لمصر الاعتبار بعد حرب يونيو 1967؟
حين انتفض
الشعب المصرى وأعلن رفضه لتنحى (عبدالناصر)، أخذ عبدالناصر المسئولية فى
إعادة الثقة للمقاتل المصرى، ويكفى أن ننظر إلى معركة رأس العش فى الأول من
يوليو 1967، ومعارك القوات الجوية والمدفعية، وكانت ذروة (الرد المصرى
البطولي) يوم 21 أكتوبر 1967 بإغراق المدمرة (إيلات)، وبداية من مارس 1969
وحتى أغسطس 1970 كان الردع القتالى المصرى قد بلغ مداه، خاصة بعد (تدمير
الحفار الإسرائيلي) فى أبيدجان، بجانب بطولات كثيرة فى عمق العدو كلها كانت
مقدمة للعبور الذى جاء بعد رحيل ناصر.
·
وكيف استقبل الأمريكان والإسرائيليون خبر
رحيل عبدالناصر؟
نيكسون
أوقف المناورات التى كان يجريها الأسطول السادس فى البحر المتوسط، وجولدا
مائير لم تصدق وقالت: إيه النكتة السخيفة دى.. لأن (ناصر) كان خصماً
كبيراً.
سؤال
للسيد سامى شرف فى حوار:
·
إلقاء الرئيس (ناصر) لخطابه فى (الجمعية
العامة) فى نيويورك، ألم يكن محفوفاً بالخطر وهو فى عقر دار الأمريكان؟
بداية،
عبدالناصر لم يكن له موقف من الأمريكيين كشعب، وحين ذهب هناك استقبله
الرئيس أيزنهاور فى وولدف ستوريا، وكان اللقاء حميماً لأن أيزنهاور أدرك
مدى إخلاص ناصر لشعبه وللأمة العربية، وحين كنت مع مندوبى مصر فى مفاوضات
البنك الدولى كانت تعليمات ناصر حاسمة لا مقايضة، لا تنازل من أجل قروض
(وتلك كانت بداية الصدام معهم)، أذكر أن الرئيس رفض أن تكون الزيارة
}}زيارة دولة}} ومع ذلك اصطفت الجماهير على الصفين من المطار حتى مقر
إقامته فى (فيللا) استأجرناها من سيدة أمريكية، رفضت تقاضى أى تأمين أو
تعويض بعد أن علمت بالشخصية التى تنزل فى فيللتها، وكان ذلك فى ضاحية (سان
سيرست) فى نيويورك، ورغم أنه كان معنا 6 أفراد مسلحين، إلا أننى كنت (خائف)
على حياة الرئيس، الذى لم يكن يخشى شيئاً.
سؤال
للسيدة مارى أيزنهاور، حفيدة الرئيس أيزنهاور ورئيسة منظمة «الناس للناس»:
·
كيف عرفت مصر فى طفولتك؟
أتذكر أنه
كان فى بيت جدى الجنرال أيزنهاور.. مدفأة عليها صورة مع قادة العالم
القريبين إليه ومنهم الرئيس جمال عبدالناصر.. ولا تنس دور الرئيس أيزنهاور
عام 1956 حين أمر بانسحاب القوات المعتدية على مصر من سيناء، وأتذكر أنه
بعد خروج جدى من البيت الأبيض قام بزيارة مصر، زيارة خاصة بناء على دعوة
الرئيس عبدالناصر، وكان جدى وقتها رئيساً لمنظمة «الناس للناس» التى أرأسها
اليوم وتهدف إلى تحقيق السلام بين الشعوب.
من حوار
مع المفكر الكبير محمود أمين العالم:
·
إلى أى مدى كان تقديركم للرئيس عبدالناصر،
ولإنجازات الثورة، وهل صحيح أنه «همش» المثقفين؟
تقديرا له
إلى أبعد مدى لأن وطنيته كانت دامغة، ودخلنا المعتقل ونحن معه ومع الثورة
تماماً، وعبدالناصر كان حاكماً مثقفاً بحق وهو ما انعكس على مجال الثقافة
والفنون، والتعليم العالى، وإنشاء الأكاديميات الفنية، والمسارح، وفرق
الأوركسترا السيمفونى، والأوبرات والباليه وقصور الثقافة، بما فى ذلك فرق
الفنون الشعبية مثل «فرقة رضا»، هذا الجانب التنويرى أو ما يسمى «القوة
الناعمة للثورة»، هو الذى صنع لمصر ريادتها فى الستينيات!
سؤال
لأستاذتى فى اللغة الفرنسية (إينا بارفيس) وجدها مؤسس دار البريد (البوستة)
فى العتبة وكانت إيطالية ومدرسة للفنون فى معهد «ليوناردو دافنشي»
بالقاهرة:
·
كانت مصر قبل الثورة فرانكفونية خاصة فى
أوساط النخب، كيف لمست شعوراً عن عبدالناصر عموماً تجاه الثقافة الأجنبية
عموماً؟
ناصر قاد
ثورة تعريب التعليم، وفى بداية الخمسينيات كانت بمصر 150 مدرسة فرنسية،
ونحو 50 منشأة تعليمية أخرى لأبناء وبنات الجاليات، حيث كانت اللغة
الفرنسية فى المقدمة، وكان يوجد أربع صحف يومية باللغة الفرنسية.
وإجمالاً
كانت مرجعيات (ناصر) الثقافية: «العروبة» و«إفريقيا» و«العالم الإسلامي»
وهو ما جعله يهتم بالأزهر، وينشئ «مدينة البعوث الإسلامية» عام 1959 لطلاب
العالم الإسلامى.. وفى خطابه التاريخى فى 26 يوليو 1956 حين أعلن تأميم
القناة فى ميدان المنشية (محمد على سابقاً) كانت لغته العربية عنواناً لمصر
الناصرية العربية.. وفى طريق عودته للقاهرة كان قطاره يتوقف فى جميع المدن
والقرى، حيث كان الناس يهتفون بحياته، نفس الهتاف كان يتردد فى الجزائر
التى كان يساعد ثوارها، وفيما بعد فى دمشق حيث حملوه بسيارته.. نفس
الجماهير خرجت تشق نهرا من الدموع والوفاء ليلة رحيله فى 28 سبتمبر عام
1970، وللمفارقة فقد توفى كل من (ديجول وناصر) بفارق 41 يوماً، وكان كل
منهما يحمل تقديراً واحتراماً للآخر.
وبعد..
فإذا كانت هذه الأسئلة خلاصة (مشوار) استمر لسنوات ولايزال، فالأعجب منها
أن صاحبها رغم رحيله، يرفض الرحيل من ذكرياتنا، وجذورنا.
العربي المصرية في 30
سبتمبر 2008
|