رحل يوسف
شاهين أو جو يوم امس الأحد، إذ كان رحيله متوقعا بعد أن عاش في الغيبوبة
لمدة تزيد عن 50 يوما، عاش بين مستشفيات القاهرة وباريس، ظن البعض أنها
حالة مرضية طارئة يمر بها شاهين، ليعود مرة أخرى إلى عافيته، ويقوم بإخراج
فيلم جديد، يقف وراء الكاميرا كما هي عادته، يوجه الممثلين، ويوجه حتى
التفاصيل الصغيرة التي قد لا ترى من فرط كثرتها بالمشهد، ولكنه هذه المرة
رحل، وجثمانه غادر الأرض ليصعد إلى السماء، ولكن أفلامه ما زالت باقية تنبض
بموهبته الفطرية التي خلقها فيه الله، ترك تلاميذه من بعده غير مصدقين
موته، هل رحل المعلم والأستاذ؟ هل لن نراه مرة أخرى بيننا يوجه بكل حواسه
وأعصابه؟ هل سنحرم من الجلوس معه والحديث حول السينما؟، آثرنا أن نعرف آراء
تلامذته فضلا عن معرفة آراء النجوم، فالجميع سيفعل ذلك، ولكن المخرجين
الشباب الذين تأثروا بشاهين هم الأولى بتعزيتهم ومعرفة ما يمثله شاهين
بالنسبة إليهم، على أمل أن نجد بينهم شاهينًا جديداً، يقدم لنا الأفلام
بالكيفية التي خرجت بها أفلامه.
أمير
رمسيس الذي عمل معه مساعدا لمدة خمس سنوات لم يستطع أن يتكلم في البداية،
وخرجت الكلمات منه مخنوقة، قال إنه لا يستطيع أن يعرف ما الذي من الممكن أن
يقوله عن شاهين، "شاهين منذ أن كان عمري 10 سنوات وهو صاحب التأثير الأكبر
عليّ، شاهدت فيلمه "إسكندرية كمان وكمان" فقررت وقتها أن أعمل مخرجا،
انبهرت بفكرة أن هناك شخصا يستطيع صناعة العالم الذي رأيته في هذا الفيلم،
وبعدما عملت معه جعلني شخصا مختلفا، تعلمت منه الكثير، ولكن من الصعب أن
ألخصها في بعض الجمل البسيطة، ولكن الأساس الذي تعلمته من الأستاذ، هو
التشبث بالرؤية لأقصى درجة، كان يحارب حتى ينفذ ما يريده من فيلمه، فقام
بإنشاء منظومة خاصة به، واستطاع أن ينفذ كل أفلامه حسب ما يريد، بعيدا من
التنازلات التي قد يضطر إليها المخرجون حاليا لصالح المنتجين أو النجوم".
المخرج
أحمد سمير فرج لم يكن له حظ كافٍ كي يعمل معه، ولكنه يرى أن شاهين كان رمزا
من رموز الفن السينمائي في مصر، قابله مرتين فقط، ولكنه أثناء دراسته
للإخراج في باريس، فوجئ بأن تكوينات شاهين في الصورة تُدرس هناك، فهو على
مستوى التكنيك واحد من أهم مخرجي العالم، وعلى مستوى المواضيع المقدمة كان
الأكثر جرأة، يكفي أن أول أفلامه هو فيلم "بابا أمين" والذي يوضح للجميع
أنه كان مخرجا "سابق عصره".
أما
المخرج الشاب "عمرو سلامة" فقد أكد هو الآخر أن شاهين كانت أفلامه تدل على
وجود شخصيته بداخلها، تظهر هويته من أفلامه، فهو المخرج الذي تفتخر بأن ترى
أفلامه للأجانب دون خجل، مضيفا أنه من أكثر الأشخاص الذين أثّروا فيه
وجعلوه يقرر أن يكون مخرجا، وتعلم منه عمرو الكثير، اهتمامه بكل التفاصيل
في الفيلم حتى ولو كانت صغيرة، تعلم منه أن يحب عمله أكثر من أن يحب المال
أو الشهرة، ويتمنى أن يوجد مخرجون مثل شاهين، يفضلون الجوع على أن يقوموا
بإخراج أفلام لا تعجبهم.
شاهين
مؤسسة أفلام
إبراهيم
البطوط مخرج فيلم "عين شمس" يؤكد أن يوسف شاهين كان مؤسسة، مخرج لا يستطيع
أن يتحدث عن موهبته، فهو عبقري استطاع أن يخلق أفلاما كما يريد، بعيدا من
تحكمات وسطوة السوق، تعلم البطوط منه أن يسمع قلبه ويصدق إحساسه في صناعة
الفيلم، حتى ولو لم تكن نوعيته سائدة في وقتها، فالأفلام ستعيش وسيأتي من
يفهمها ويقدرها في المستقبل.
أما أحمد
خالد الذي أخرج من قبل فيلمي "الجنيه الخامس، وعين السمكة" فقد أكد أن يوسف
شاهين مخرج كان لديه مشروع، وأفلامه امتداد لبعضها البعض، تعلم منه دقته
واحترامه لعمله، مضيفا "هناك مخرجون يتأثر بهم الجمهور، ويتعلم من أفلامهم،
وهناك مخرجون يتعلم منهم المخرجون، وشاهين من النوعية الثانية" مؤكدا أن
شاهين كان يجدد في أفلامه ويجرب ولا يخاف من التجربة.
مخرج
نفتخر به
المخرج
الشاب هاني عفيفي قال إن شاهين حالة خاصة في الفن المصري عموما، وحالة
نادرة ولن تتكرر، وقيمة كبيرة مثل أم كلثوم وسيد درويش، ولكن في مصر لم
يعطوه قدره على الرغم من أنه كان مصريا ويفتخر بمصريته، ولعل من أحد أهم
الأسباب في عدم إقبال الجمهور على أفلام يوسف شاهين الأخيرة هو انحدار
الذوق العام في مصر وذلك بسبب الظروف الاجتماعية والثقافية والاجتماعية
الموجودة في المجتمع الآن، فافلامه مثل الفن التشكيلي العظيم ومثل الكتب
والقصائد العظيمة التي لا تجد لها جمهورا كبيرا الآن، مضيفا أنه تعلم من
شاهين الإحساس العالي في الحوار والإيقاع العام، فحوارات أفلامه تسمعها
وكأنك تسمع لحنا متناغما، كما أن صورته مختلفة ففيلم مثل "الاختيار" لم
يصنع فيلما بقدره في تاريخ السينما المصرية، مضيفا أنه أثناء وجوده في
فرنسا فتح جريدة بالصدفة هناك فوجد فيها صفحة كاملة عن يوسف شاهين، على
الرغم من أن أخباره في جرائد مصر قد لا تتعدى الأخبار الصغيرة في أوقات
متباعدة.
المخرجة
الشابة نوارة مراد تؤكد أن فيلم "إسكندرية ليه" من أحلى وأقوى الأفلام
المصرية، فشاهين مخرج موهوب بالفطرة لم ولن تتكرر في مصر، موهبة خلق بها
ولم يكتسبها أو يتعلمها. ويوافقها على الرأي المخرج الشاب محمد حماد صاحب
فيلم "سنترال" الذي يضيف أن شاهين بالنسبة إليه هو الإخراج والسينما، وقال
"أعرف أننا جميعا سنموت، ولكنني لا أتخيل أن شاهين سيفارقنا، لم أكن أتصور
أنني سأعيش حتى يموت هو، فقد قابلته مرتين في حياتي، وعرفت معه السر في
موهبته وهي أن الفنان هو الذي يعيش حياته من أجل الفن، ولا يدخل المجال
الفني من أجل أن يعيش حياته، فهو قد عاش كي يقوم بعمل أفلام، وليس لأنه
يريد المال أو الشهرة".
شاهين
مات.. هل يتكرر شاهين آخر في مصر؟
muhammadabdelaziz999@hotmail.com
موقع "إيلاف" في 28
يوليو 2008
|