القاهرة
(ا ف ب) - - توفي اشهر المخرجين المصريين يوسف شاهين عن 82
عاما الاحد بعدما امضي ستة اسابيع في غيبوبة اثر اصابته بنزيف في الدماغ.
وقال
تلميذه السابق ومساعده المخرج خالد يوسف لوكالة فرانس يوسف
شاهين توفي هذا الصباح
(الاحد)
عند الساعة الثالثة في مستشفي المعادي العسكري في احدي ضواحي
القاهرة.
وستجري
مراسم الدفن الاثنين في كاتدرائية الروم الكاثوليك وسط القاهرة
في الواحدة بعد الظهر (00،10 ت غ). ومن ثم يدفن المخرج الكبير
في مقابر العائلة في
الاسكندرية (شمال) المدينة التي ولد فيها علي ما ذكرت وكالة انباء الشرق
الاوسط.
وعنون
التلفزيون المصري الوداع يا يوسف شاهين ، بعد ان اعلن في وقت سابق
وفاة اشهر المخرجين المصريين واخر عمالقة السينما المصرية وبدأ
يبث مشاهد من افلامه
واخري من الارشيف.
وكان
شاهين نقل الي مستشفي في فرنسا حيث بقي شهرا كاملا اثر
اصابته بنزيف في الدماغ في مصر دخل علي اثره في غيبوبة في 16 حزيران/يونيو.
ومع
ان علاقته بالسلطة كانت "سيئة جدا" باعتراف شاهين نفسه، اعلن
الرئيس المصري حسني
مبارك ان الدولة المصرية ستتكفل كلفة علاج المخرج في المستشفي الاميركي في
نويي قرب
باريس.
ويصفه
الذين عملوا تحت ادارته او مثلوا الي جانبه، اذ انه اراد ان يكون
ممثلا في الاساس، بانه اسطورة السينما العربية علي ما تقول
الممثلة يسرا لوكالة
فرانس برس. وقال نور الشريف احد كبار النجوم المصريين انه احد اهم المخرجين
في
السينما العالمية وليس فقط في العالم العربي
.
وتابع
الشريف الذي عمل معه في
حدوته مصرية و المصير و 11 سبتمبر ان افضل ما يمكن قوله لوصف تجربة شاهين
قبل
افلامه (العصفور) و(الارض) بانه ثوري شيطاني كما عبرت عنه افلامه الاولي
دون اية
ابعاد تنظيرية (..) لديه احساس مبكر بتلمس هموم الوطن
والمواطنين .
ويضيف نور
الشريف
كان وعيه المبكر بهذه الهموم مدهشا فمثلا فيلم (نداء العشاق) كان يحمل دعوة
مبكرة للحفاظ علي عمال المصانع وتوفير التامين الصناعي الذي لم يكن مطروحا
في تلك
الفترة في الواقع المصري
.
ويقول
الناقد السينمائي كمال رمزي استطاع شاهين ان
يشكل اهم واوسع مدرسة سينمائية في مصر (..) كانت مدرسة تعليمية حقيقية اثرت
في عدد
كبير من المخرجين الذين عملوا معه في افلامه واستفادوا منه كل
بطريقته .
وكانت
الصحف المصرية الحكومية منها والمعارضة اوردت نبأ اصابته بنزيف
في الدماغ في صفحتها
الاولي.
وفاز
المخرج وكاتب السيناريو والمنتج يوسف شاهين بجائزة الذكري الخمسين
لتأسيس مهرجان كان للسينما علي مجمل اعماله العام 1997.
منذ
بداياته عمل المخرج
المصري العالمي يوسف شاهين علي سينما مختلفة عن السينما السائدة مانحا ذاته
الابداعية لهموم المواطن والوطن.
ورغم
اختلاف وجهات نظر النقاد والمخرجين حول
السينما التي قدمها في سنواته الاخيرة فان الجميع يتفق علي ان شاهين هو
الذي اوصل
السينما المصرية للعالمية واحتفاء مهرجان كان به ومنحه جائزته
في الذكري الخمسين
لتاسيسه دليل علي ذلك.
وكان
شاهين كذلك مهتما بالصراع العربي الصهيوني من خلال
الاسترجاع التاريخي للحروب الصليبية في فيلم (الناصر صلاح الدين) والصراع
ضد
الاستعمار كما في (جميلة بوحيرد) الا ان وعيه حقق قفزه جديدة
بعد (الارض)
و(العصفور) اثر احتكاكه وتعامله مع قادة الفكر الاشتراكي في مصر مثل عبد
الرحمن
الشرقاوي ولطفي الخولي .
وشاهين لا
يمكن ان تراه باي شكل من الاشكال مواليا
للنظام السياسي الحاكم او للراسمالية او الاقطاع او ظلم الانسان للانسان
وهو ما
عبرت عنه افلامه ال 33 بدءا من عام 1949 مع فيلم "بابا امين".
فهو حارب
الاقطاع
في
(صراع في الوادي) والراسمالية في (صراع في الميناء) وكان التزامه نابعا من
موقف
اخلاقي انساني اكثر منه بعد ايديولوجي ، كما يؤكد المخرج داود
عبد السيد الذي عمل
معه مساعدا في فيلم الارض احد علامات السينما المصرية المميزة واحد 12
فيلما ليوسف
شاهين اختيرت من بين اهم مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية.
ويري داود
عبد
السيد ان
شاهين لم يدخل في صراع مباشر مع الدولة لكنه كان يتطرق الي ملامح انسانية
مفقودة بسبب الظلم الواقع علي الانسان وهذا نابع من تجربته كرجل جاء اهله
من لبنان
وولد وعاش في مدينة كوزموبوليتية شهدت بدايات وعيه وسط جاليات
اوروبية ودرس في
مدرسة مختلطة واتقن الفرنسية والانكليزية .
ويضيف رغم
سقف الحرية المنخفض واجواء
الرقابة المتشددة استطاع شاهين اختيار اللحظة التي توافق فيها الدولة علي
تصوير
افلام متميزة مثل (الارض) لانها كانت تستجيب في تلك الفترة لرغبة الدولة
التي بدأت
مشروع الاصلاح الزراعي ومواجهة الاقطاع
.
ويعتبر
داود السيد ان ذلك ينطبق ايضا
علي فيلمه الرائع (النيل والناس) الذي يصور انتصار الانسان علي النهر
بتشييد السد
العالي والعلاقات الروسية المصرية وهو توجه كانت توافق عليه الدولة
.
والي جانب
الموقف
السياسي والاجتماعي والاقتصادي حارب شاهين بشجاعة التطرف الديني ورفضه في
اكثر من فيلم. وتشير الناقدة علا الشافعي الي ان شاهين اخذ علي عاتقه بصورة
مبكرة
مواجهة التطرف الديني وكشف الدور العالمي في تشجيع هذه الظاهرة
في عدد من افلامه
مثل (المصير) و(الاخر)
.
هذه
الاهتمامات الانسانية والاجتماعية والسياسية مزجها
شاهين في افلام سيرته الذاتية الاربعة خصوصا فيلم "اسكندرية ليه" الذي صور
اوضاع
مصر قبل ثورة 23 تموز/يوليو 1952.
فقام
بتصوير الحراك الاجتماعي فيها ودور
الحركة الشيوعية في المجتمع وتاثيرها الي جانب تاثير الحرب العالمية
الثانية ودور
النازية وتاثير ذلك علي اليهود المصريين وهجرة اعداد كبيرة
منهم تخوفا من وصول
النازيين الي مصر.
واستكمل
ذلك في فيلم اسكندرية كمان وكمان الذي صور مقاومة
الاحتلال البريطاني مرورا بفيلم حدوته مصرية وصولا الي ادانته للسياسة
الاميركية
وقطيعته معها في اخر هذه الافلام اسكندرية نيويورك
.
وجاء اخر
افلامه الذي اخرجه
وتلميذه خالد يوسف هي فوضي ليعبر عن رفضه لما يجري في الواقع المصري من
خلال تصويره
للفساد والقمع البوليسي وتحيزه لصالح الجمهور وسيادة القانون
الذي يراعي الانسان
وحقوقه.
وهو
الفيلم الذي قال شاهين في لقاء مع فرانس برس انه يسعي من خلاله
للتآكيد علي حق الانسان بالعيش بكرامة في بلاده ورفض انتشار
رجال الامن في كل مكان
رغبة من النظام ببث حالة من الرعب والخوف حيث يقوم مئات من الامن المركزي
بمحاصرة
بضع عشرات من المتظاهرين الواقفين علي باب نقابة الصحافيين
.
واستطاع
صاحب اهم
مدرسة
سينمائية عربية خرجت العديد من المخرجين اللامعين مثل داود عبد السيد ويسري
نصر الله وعلي خان ومجدي احمد علي وخالد يوسف، ومن الممثلين مثل عمر الشريف
وخالد
نبوي ومحسن محي الدين وهاني سلامة وروبي واخرين ان يعلم جيلا
قدم افضل ما انتجته
السينما المصرية.
وهو كما
تصفه يسرا التي عملت معه في خمسة افلام اولها حدوته
مصرية في عام 1982 ثم المهاجر وصولا الي اسكندرية نيويورك ، اسطورة غير
متكررة في
السينما العربية والعالمية
.
وتقول
يسرا لفرانس برس ان تآثيراته لا يستطيع احد
ان
ينكرها محليا وعالميا ، مشيرة الي القيمة الانسانية التي يمثلها شاهين الذي
يؤسس
لعلاقات عائلية بين العاملين معه ويخلق اجواء تدفع الجميع
للتعامل كاسرة واحدة
يحبون بعضهم ويحملون همومهم المشتركة .
وتؤكد
الفنانة ليلي علوي ذلك بقولها
استفدت منه ليس علي الصعيد العملي فقط في فيلم المصير بل من الناحية
الانسانية فهو
من القلائل الذين يفهمون العمق الداخلي للانسان والفنان وقدم
لي اجابات علي اسئلة
كثيرة تجول في داخلي كنت بحاجة للتاكيد عليها
القدس العربي في 28
يوليو 2008
|