ملفات خاصة

 
 
 

ديفيد لينتش…

رحيل فنّان شامل سيد تجريب وغموض

هوفيك حبشيان

عن رحيل المخرج العبقري

ديفيد لينش

   
 
 
 
 
 
 

 أمام لحظة رحيله، قد يسأل الواحد منّا نفسه متى اكتشف ديفيد لينتش وفي أي عمر تحديدًا. أتذكّر ان عنوان أحد أفلامه، «رجل الفيل»، الذي كان يتصدّر واجهة متجر فيديو في التسعينات أبهرني قبل أن أتجرأ على مشاهدته، وهذا ما حملني إلى أفلامه الأخرى. على هذا النحو، تسلّلتُ إلى عالمه الغرائبي المشحون بطاقة غموض لا تُقلَّد وأسئلة معلّقة لا تترك المشاهد لا مباليًا تجاهها. أفلامه كانت تجعلك تخوض تجارب، تخضّك وتورّطك في همّ، بعيدًا من المشاهدات الكسولة التقليدية الرتيبة

الراحل الكبير عن عشرة أفلام روائية طويلة و79 عامًا، بعد تعرضّه لوعكة صحية مفاجئة، أحد أسياد السينما ما بعد الحداثة، محل إعجاب يمتد من شرق العالم إلى غربه، أسطورة من بين الأساطير الحيّة، هو المعتكف منذ نحو عقدين إذا استثنينا مسلسل «توين بيكس» الذي أعاده إلى الضوء قبل بضع سنوات بعد غياب طويل

في لحظة رحيله أيضًا تحضرني روما، عام 2017، يومها استُقبِل استقبال الأباطرة من شباب بعضهم لا يتجاوز سن المراهقة، ومن بينهم مَن كان يحمل ملصقات أفلامه كي يظفر بتوقيع منه. مع ذلك، لم يكن حكواتيًا كبيرًا، بل رجل صورة (وصوت) بامتياز، وهذا ما اكتشفته عند متابعة ندوته ولقاءاته، إذ كان على شيء من خجل الفنّان وعزلته وعدم قدرته على الحديث عن نفسه وفق منطق غب الطلب، لا بل لمستُ عنده فشلًا في الإفصاح عن كلّ ما في وجدانه وترجمة ذلك إلى كلمات مدروسة مختارة بعناية

على المستوى الشخصي، يبدو أنه كان يفضّل العمل بعيدًا من الأضواء، منزويًا في منزله في لوس أنجلوس رفقة شريكة الحياة والمهنة، الكاتبة والمونتيرة ماري سويني، نابذًا كلّ أنواع المظاهر التي توفّرها هوليوود لنجومها. في افتتاحية عدد خاص من مجلّة «دفاتر السينما» مُهدى إليه صدر في منتصف العام الماضي، كتب تييري جوس وماركوس أوزال أنه لا تصح مقارنة لينتش إلا بهيتشكوك وكوبريك

نعم، هناك عالم لا بل كوكب يعيش عليه لينتش، أرسل إلينا منه إشارات في عدد من المرات، وقد ضمن لنا طوال السنوات الخمسين الأخيرة سفرات عدة إليه. إنه كوكب من الأحلام والغرائز حيث الجميل يتعايش مع الأقل جمالًا، كي لا نقول الأكثر قبحًا. كوكب تهمين عليه الأحلام والغرائز والاستيهامات والغش ومحاولة فك طلاسم الوجود، هذا كله بلغة بصرية طليعية كان يملك سرها، ودفعها في بعض تجاربه السينمائية إلى أقصاها.  

هذا المولود في مونتانا غداة الحرب العالمية الثانية، أنجز سينما ذات أفكار مبهمة راديكالية شكلًا ومضمونًا. كان فنّانًا شاملًا تولّى الإخراج والإنتاج وكتابة السيناريو والتصوير والتمثيل، وانكب أيضًا على تصميم الديكور والمؤثّرات الخاصة، هندسة الصوت، الموسيقى وكتابة الأغاني. أضحى من أوائل الذين استخدموا فضاء الإنترنت، لا كما فُرض عليه إنما كما كان يحلو له. احترف أيضًا فنّ التشكيل والنحت الذي مارسه، أيضًا وخصوصًا، على نطاق جسد الصورة، فهو نحّات بالمعنى الذي يتحدّث عنه تاركوفسكي في كتابه الشهير.

يصعب فصل شغله البصري والجمالي عن البحوث المعمّقة التي أجراها في مجال الصوت والتشكيل مستلهماً هوبر وبولوك. فرض نفسه كمجرّب كبير، وهنا ملعبه الأوسع؛ يختبر بلا أدنى خشية من الفشل، صاحب أفكار لمّاحة ومخيلة خصبة وأنماط ملتوية لقول أبسط الحكايات، وذلك في رغبة حقيقية لمخالفة السير المنطقي للزمن. انشغل كثيراً بسؤالي: ما هو الزمن وما هي الحقيقة؟ عقله معشّش في الرمزية والاستعارة (الميتفاور)، شأنه شأن بونويل، لكن في تطلّعه اليهما، يفضّل المستوى الأول، رافضًا التأويل وأي شيء قد يُصنَّف باعتباره شرحًا. شيء آخر برع فيه: البُعد النفسي الذي منه تخرج الشخصيات، دونما رغبة في تحويل هذا البُعد إلى دراسة أكاديمية. ومثلما تحمل أعماله هامشًا من التجريب، هي أيضًا أرض للتخريب. الأول لا ينفصل عن الثاني.   

في بداية وعيه بالفنون، أراد لينتش امتهان الرسم، وخلافًا للكثير من أبناء جيله الذين نصبوا خيمهم في الصالات المظلمة، لم يكن سينيفيليًا بالمعنى الكلاسيكي. روى ذات مرة أنه فضّل مراقبة الحشرات في حديقة منزل عائلته. السينما الأميركية لم تعنِ له الكثير، أقلّه في تلك المرحلة من حياته، لكن عندما انتسب إلى معهد الفنون انبهر ببرغمان، بعدما شاهد «ساعة الذئب». 

منذ مشهد الافتتاحية، شعر بشيء مختلف، ذلك الإحساس بالقلق وعدم الارتياح الذي كان تأسيسيًا لعمله المقبل. من المعروف أيضاً شغفه بـ«ساحر الأوز»، الذي له تأثير عميق في أفلامه، ويمكن مع بعض المبالغة المحاججة بأن معظم ما أنجزه هو نسخة للراشدين من هذا الفيلم، ذلك أن البراءة تعانق أسوأ ما في الطبيعة البشرية

الرسم هو الذي حمله إلى الشاشة يوم اكتشف أن اللوحة، مهما تكن، ستبقى صورة جامدة، أي عصيّة على مخاطبة حاستّي السمع والنظر في وقت واحد. في 1976، كان لينتش في الثلاثين وكانت هوليوود وقتها قد غيّرت جلدها منذ أقل من عقد، فابتاع صديقنا كاميرا 16 ملم وانطلق من دون أن يعرف الكثير عن السينما. وبعد ثلاثة أفلام قصيرة، انتهى من تصوير «رأس ممحاة»، عمل هجين شديد السوداوية لم يكلّف سوى عشرة آلاف دولار استدانها من معهد الفيلم الأميركي. وقد يستاء البعض، إذا قلتُ وشددتُ أن باكورته هذه ستبقى أكثر فيلم يعبّر عن الحالة «اللينتشية». 

سينجز المعلم أعمالًا كثيرة من بعده، بعضها تحف، لكن لن يكون أيٌّ منها بهذه الخصوصية وهذا التجديد وهذه البراءة، ولو لم ينجز غيره لكان كافيًا لاعتباره سينمائيًا كبيرًا. هذا الفيلم الذي جعل كوبريك يتمنّى لو أنجزه، تجربة أشبه بكابوس، رغم أنه أُنجز في ظروف بدائية صعبة، لكن ترك تأثيرًا عميقًا في تاريخ الفنّ السابع

رجل عادي (جون نانس) يعيش حياة عادية مثل الملايين، إلى أن تضع زوجته مولودًا لا يستوفي شروط الكائن البشري، أي أنه أقرب إلى المسخ منه إلى الإنسان. محور القصّة هو دورة الحياة مع كلّ ما تتضمّنها من إعادة إنتاج، عقم، تشويه… لا يتوانى لينتش في تصوير لقطة لتحلل جثّة المولود في مشهد واقعيّ مروع.

 «رأس ممحاة» نصّ ثوري صادم ظلّ يُعرض في إحدى الصالات الأميركية لنحو أربع سنوات، قبل أن يرتقي إلى مصاف القداسة الفنية. وهذا بالرغم أن لا أحد آمن فيه في البداية. من خلال متتاليات بصرية تبعث الاضطراب والقلق في النفوس، فهم لينتش أهمية العمق النفسي في السينما، وكيف يمكنه أن يضعنا أمام ذواتنا، أي مقابل مخاوفنا ولاوعينا وهواجسنا. أما المناخ الضاغط المتواصل طوال الفيلم فيربطنا بكابوس تكاد مفاعيله تنتقل إلى أطرافنا، في حين تلعب الموسيقى دورًا كبيرًا في بث هذا الشعور وتعزيزه والحفاظ عليه. هذا الشريط الصوتي الغني راح يبلوره لينتش فيلمًا بعد فيلم، بعدما أدرك أهميته وتأثيره في المتلّقي، سواء كتجربة فيزيائية أو عقلية.     

«الرجل الفيل» (1980)، امتداد لفيلمه السابق، لكن من دون أن يشكّل استمرارية. فعلى مستوى النمط السينمائي، الاختلاف كبير. كانت حكاية الرجل المشوّه، جون ميريك، التي أرعبت الصحافة في إنكلترا الفيكتورية، بحاجة إلى سينمائي من خامته. كيف لا، وكلّ التيمات التي اشتغل عليها لاحقًا، بدءًا من الهوية وصولًا إلى الغموض، حاضرة فيه. مدير التصوير فريدي فرنسيس جاء إليه بأجواء معتمة تعبيرية ضاغطة، أما الصورة باللونين الأسود والأبيض فهي فائقة الجمال. في حين منحت الديكورات احساساً بالكلوستروفوبيا.

رفع «الرجل الفيل» أسهمه في البورصة، إلى درجة انه كُلِّف منذ فيلمه الثالث اقتباس إحدى أشهر كلاسيكيات أدب علم الخيال، «كثيب» لفرانك هربرت، خالصًا، للأسف، إلى النتيجة التي نعرفها: نبذه الجمهور وسخر منه النقّاد بأحط الأوصاف. لولا وقوف منتج من طراز دينو ديه لورنتيس خلف هذا الفيلم الملعون، لما كان ممكنًا إنجازه، ذلك أنه كلّف الملايين. الفيلم أنكره لينتش، لكنه علّمه أن يبقى خارج الآلة الهوليوودية الطاحنة التي لا ترحم، حفاظًا على نفسه وفنّه.

عاد ونهض من الانتكاسة مع «مخمل أزرق» (1986)، لا بل وجد معه طريقه. إنه الفيلم الذي حدّد مساره. في طريقه إلى كارولاينا الجنوبية لزيارة والده الذي خضع لعملية جراحية، يكتشف جفري اكتشافًا سيقلب وجوده رأسًا على عقب… مجددًا، الأجواء الغامضة هي التي تتولّى صناعة الفيلم الذي ينطوي على ما سيصبح عند لينتش عدة الشغل: دسائس، بطل أرعن يغويه الشر، سادومازوخية، مثلية، وطبعًا الكثير من الفحش. هذا كله أراده المعلّم تحية على طريقته الخاصة إلى سينما الأربعينات الهوليوودية. وكيف ننسى طبعًا اللقطات القريبة المدعومة بموسيقى أنجلو بادالامنتيه على وجه إيزابيلا روسيلليني؟

مع بداية التسعينات، انخرط لينتش في التجربة التلفزيونية. فكان «توين بيكس»، الذي يتمحور على مقتل فتاة تُدعى لورا بالمر. تحوّل المسلسل إلى ظاهرة من ظواهر الشاشة الصغيرة ثم تدريجًا إلى أيقونة، وهذا كله قبل عقود من انتشار المسلسلات التشويقية التي تحبس الأنفاس بأسرارها وغموضها. التعقيدات التي تعتري الحبكة لم تجعل المشاهدين يستسلمون، لا بل تحلّق حولها عدد غير قليل من المشاهدين المتشدّدين بحبّهم وشغفهم لهذا العمل، فكرمهم لينتش عبر تحويله إلى عمل سينمائي سمّاه «توين بيكس: الفيلم» (1992) وصاغه بأسلوب بصري جدير بهيتشكوك، وأوصله الى ذروة فنّه

عام 1990، فاز لينتش بـ«سعفة» كانّ عن «وايلد أت هارت» الذي اختلف النقّاد حوله. مخدّرات، روك (كريس أيزاك)، جنس، كلها مكوّنات أجازت صنع كوكتيل بصري نابض بالحياة والموت والقلق والاضطراب الوجودي. قد يكون هذا من الأعمال التي تستحق اعادة الاكتشاف في ضوء الزمن الحالي

«الأوتوستراد الضائع» (1996) ذروة أخرى في مسيرة لينتش، لا سيما في قدرته على فرض مناخ ذهني معقّد. حيك العمل على شكل جوارير، بحيث جرّ ما يُعرف بالفيلم «النوار» إلى مناطق جديدة، ولا بد من اعتباره نوعًا من جردة شاملة لكل من مراكز القوة والضعف في عمله. كلّ ما يمكن أن نقوله عن القصّة هو أنه ينطلق مع وصول شرائط غامضة إلى منزل زوجين، تحتوى على مشاهد من داخل منزلهما

«قصّة مستقيمة» (1999)، نقيض كلّ أفلام لينتش، إنه أبسطها وأكثرها رقّة ومحاولة لفهم الإنسان من زاوية أخرى. بسيط إلى درجة أن لينتش صرّح بأن تصويره كان الأصعب والأكثر تعقيدًا في مسيرته. طوال الفيلم، سنتعقّب رجلًا في الثمانينات يسافر على متن قصّاص عشب لزيارة شقيقه الذي خاصمه ولم يره منذ سنوات. فيلم باهر، متقن الصنع، يأتي بصفعة على وجوهنا، لكنها صفعة حبّ دافئة.

«مولهولند درايف» (2001) فرضه مجددًا كأحد كبار صانعي الصورة في العالم، وأدخله الألفية الثالثة من بابها العريض. ريتا، ذات الجمال الأسمر الغامض، تخرج بصعوبة من سيارة كاديلاك مسحوقة، وتبدو في حالة سليمة ظاهريًا. فقدت ذاكرتها وتجهل أن الحادث الذي أودى بقاتلين انطلقا في ملاحقتهما، قد أنقذ حياتها. تهبط إلى مولهولند درايف، هذه الطريق الاسطورية المتعرجة المشرفة على بيفرلي هيلز، كي تذهب لتضيع في محيط أنوار لوس أنجليس، وهي مضطربة وفاقدة الوعي. بدلًا من إبراز المعالم التي تشي بسحر عاصمة كاليفورنيا، حوّلها لينتش في مرأى منا إلى كابوس بغيض. على غرار ما كان يفعله عندما يبرز خفايا الجشع والجنون الإنساني في بعض من أعماله السابقة. كثر يضعون هذا الفيلم على رأس فيلموغرافيا لينتش، ويُنظر إليه، عن حقّ، كفتح من الفتوحات السينمائية

«إمبراطورية إينلاند» (2006)، اختتم مسيرة لينتش السينمائية. شكّل ولادة ثانية له في زمن الرقمية والإنترنت وكلّ ما يتيحه عصر التكنولوجيا من قلق وجودي ومراقبة، كما أنه يوفّر للفنّان حرية اعتقاد وتجسيد لهذا الاعتقاد. هذا أكثر فيلم له يلقي نظرة على المظاهر القائمة، لا سيما الهوليوودية منها، وعلاقة المخرج بها المبنية أساساً على الاجتذاب والنفور

لقطة بعد لقطة، دفع لينتش سيدتين إلى الغرق في أعماق الحيز الذي يفصل الواقع عن الحلم، حيث تتيهان فيه تدريجًا إلى حد الابتلاع. للمرة الألف تخلّى عن التقاليد المتّبعة في السينما الأميركية ذات السرد الخطي التقليدي، ليتأمل في واقع مستجد، مشبّعًا بلغة بصرية رؤيوية وعالم صوتي خاص جدًا. إنه ذروة أخرى في سجلّ لينتش يحمل ما يمكن اعتباره وصية، مما يشرح أنه لم ينجز أي فيلم روائي طويل للسينما من بعده، رغم ما يُحكى عن أنه لم يعثر على تمويل لما كان سيكون فيلمه المقبل

 

موقع "فاصلة" السعودي في

17.01.2025

 
 
 
 
 

إليكم لمحات من مسيرة المخرج العالمي الراحل ديفيد لينش

وتفاصيل الفترة الأخيرة من حياته

سما جابر

صدمة كبيرة أصابت عشاق السينما العالمية وصناعها بعد الإعلان عن وفاة المخرج ديفيد لينش، عن عمر 78 عاما، حيث أعلنت الأسرة عن وفاة الراحل عبر حسابه على موقع فيسبوك، من خلال منشور جاء فيه: "نعلن، نحن أسرة ديفيد لينش، ببالغ الأسى وفاة (لينش) الرجل والفنان".

وأضاف المنشور: "سنثمن بعض الخصوصية في هذا الوقت. هناك فجوة كبيرة في العالم الآن بسبب عدم وجوده معنا بعد الآن، لكن، كما كان يقول (ابق عينك على كعكة الدونات لا على فجوتها).. إنه يوم جميل بشروق ذهبي وسماوات زرقاء على طول الأفق".

ومن المعروف أن المخرج ديفيد لينش يعد أحد أهم المخرجين في العالم، حيث تتميز أعماله بطابعها الحالم السيريالي، فدعونا نسلط الضوء على أهم المحطات الفنية والشخصية في مسيرة الراحل.

ديفيد لينش ومسيرة مليئة بالإنجازات

كان ديفيد لينش مخرج أفلام وفنانًا بصريًا وموسيقيًا وممثلًا أمريكيًا، وقد حصل على إشادة من النقاد لأفلامه، التي غالبًا ما تتميز بصفاتها السريالية، في مسيرة مهنية امتدت لأكثر من خمسين عامًا، حصل على العديد من الجوائز، بما في ذلك جائزة الأسد الذهبي لإنجاز العمر في مهرجان البندقية السينمائي عام 2006 وجائزة الأوسكار الفخرية في عام 2019، كما وُصِف لينش بـ"صاحب الرؤية"، وكان يُعتبر أحد أهم صانعي الأفلام في عصره

درس لينش الرسم قبل أن يبدأ في إنتاج الأفلام القصيرة في أواخر الستينيات، وكان أول فيلم روائي طويل له هو الفيلم السريالي المستقل Eraserhead (1977)، وتم ترشيحه لجائزة الأوسكار لأفضل مخرج عن دراما السيرة الذاتية The Elephant Man (1980)، وفيلم الإثارة Blue Velvet (1986)، والغموض السريالي Mulholland Drive (2001). فاز فيلمه الدرامي Wild at Heart (1990) بجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي

 قام لينش ومارك فروست بإنشاء سلسلة ABC Twin Peaks ، والتي تم ترشيحه لخمس جوائز Primetime Emmy Awards، بما في ذلك الإخراج المتميز لمسلسل درامي والكتابة المتميزة لمسلسل درامي، وشارك لينش في كتابة وإخراج فيلم Twin Peaks: Fire Walk with Me (1992)، والموسم الثالث في عام 2017، عمل لينش أيضًا كموسيقي، حيث عمل في ألبومات BlueBOB (2001)، وCrazy Clown Time (2011)، وThe Big Dream (2013)، بالإضافة إلى الرسم والتصوير الفوتوغرافي.

لمحات من الحياة الخاصة وبداية ديفيد لينش 

ولد ديفيد كيث لينش في ميسولا، مونتانا، في 20 يناير 1946، وكانت أسرة ديفيد لينش دائمة الترحال بسبب وظيفة الأب، وتكيف لينش مع هذه الحياة المبكرة المؤقتة بسهولة نسبية، مشيرًا إلى أنه عادة لم يكن لديه أي مشكلة في تكوين صداقات جديدة كلما بدأ في حضور دورة تدريبية، وبعد انتهاء دراسته الثانوية التحق بمدارس فنية مختلفة، وتخرج من أكاديمية بنسلفانيا للفنون الجميلة، ومعهد الفيلم الأمريكي، ودرس الرسم قبل أن يبدأ في صناعة الأفلام القصيرة بأواخر الستينيات، وحقق فيلمه الطويل الأول Eraserhead نجاحاً كبيرا.

وفي مرحلة لاحقة من بدايته، وللمساعدة في إعالة أسرته، تولى لينش وظيفة طباعة النقوش  في أكاديمية بنسلفانيا، كما أخرج لينش أول فيلم قصير له، ستة رجال يمرضون (1967)، لقد خطرت له الفكرة لأول مرة عندما طورت رغبته في رؤية لوحاته تتحرك، وبدأ مناقشة عمل الرسوم المتحركة مع فنان يدعى بروس سامويلسون، لكن عندما لم يتم تنفيذ هذا المشروع قرر لينش العمل على فيلم بمفرده، واشترى أرخص كاميرا مقاس 16 ملم يمكن أن يجدها

واتخذ إحدى الغرف العلوية المهجورة في الأكاديمية كمساحة عمل، وأنفق 150 دولارًا، وهو ما شعر في ذلك الوقت بأنه مبلغ كبير من المال، لإنتاج فيلم "ستة رجال يمرضون"، وبعدها أنفق لينش 478 دولارًا على كاميرا Bolex المستعملة وأنتج فيلم رسوم متحركة قصيرًا جديدًا، ولكن عند تطوير الفيلم، أدرك أن النتيجة كانت طباعة غير واضحة بدون إطار.

Elephant Man وتجربة استثنائية في مسيرة ديفيد لينش

فيلم Elephant Man الذي أخرجه ديفيد لينش حقق نجاحًا نقديًا وتجاريًا هائلاً، وحصل على ثمانية ترشيحات لجوائز الأوسكار، بما في ذلك أفضل مخرج وأفضل سيناريو مقتبس، وبعد النجاح الكبير لفيلم The Elephant Man، عرض جورج لوكاس، على لينش فرصة إخراج الفيلم الثالث في ثلاثية Star Wars الأصلية، وهو Return of the Jedi إلا أن لينش رفض الأمر وقال إنه "ليس لديه أي اهتمام" وجادل بأن لوكاس يجب أن يخرج الفيلم بنفسه لأن الفيلم يجب أن يعكس رؤيته الخاصة، وليس رؤية لينش. لإخراج ملحمة خيال علمي أخرى ذات ميزانية كبيرة

قدم ديفيد لينش خلال مشواره الفني للسينما والتليفزيون، كمخرج 97 عملاً، وككاتب 56عملاً، وكمنتج 46 عملاً، وكمؤدي وكاتب أغاني 37 عملاً، وكممثل 47 عملاً، وفي عام 2007 أعلنت لجنة من النقاد، أنه أهم صانع أفلام فى العصر الحالي، وأطلق عليه لقب رجل عصر النهضة لصناعة الأفلام الأمريكية الحديثة 

تفاصيل الأشهر الأخيرة من حياة ديفيد لينش

في أغسطس من العام الماضي أعلن ديفيد لينش أنّه يعاني انتفاخا في الرئة بسبب "سنوات من التدخين"، وكتب وقتها في منشور عبر منصة إكس أنّ "المتعة لها ثمن"، وأنّ الثمن الذي دفعه هو هذا المرض الذي يؤدي إلى تدمير الحويصلات الرئوية ويسبب ضيقا في التنفس.

وفي مقابلة مع مجلة "سايت أند ساوند" البريطانية، أكّد أنّ قدرته على الحركة انخفضت وقد يضطر إلى توجيه ممثليه من بُعد لمشاريعهم المستقبلية، ونشر بعد ذلك رسالة مطمئنة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قال فيها "توقفتُ عن التدخين منذ عامين، وأجريت فحوصا طبية أخيرا، والخبر السار أنّ صحتي ممتازة باستثناء إصابتي بانتفاخ في الرئة، وأنا سعيد جدا ولن أتقاعد مطلقا".

 

مجلة "هي" السعودية في

17.01.2025

 
 
 
 
 

مهرجان كان السينمائي ينعى المخرج ديفيد لينش

كتبت: ياسمين عمرو

حرصت إدارة مهرجان كان السينمائي الدولي على نعي المُخرج الأمريكي ديفيد لينش David Lynch الذي رحل عن عالمنا بالأمس، وفقاً لما قد أعلنته عائلته عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

مهرجان كان السينمائي: "لقد فقدنا فناناً فريداً وصاحب رؤية"

وقد نشر الحساب الرسمي لـ مهرجان كان السينمائي عبر "إنستغرام" صورة للمُخرج الراحل ديفيد لينش، وتم نعيه من خلال التعليق على الصورة الذي جاء فيه: "ببالغ الحزن والأسى علمنا بوفاة ديفيد لينش، لقد فقدنا فناناً فريداً وصاحب رؤية أثرت أعماله في السينما مثل عدد قليل من الفنانين الآخرين من قبل".
وتضمن التعليق ذكر الجوائز التي حصدها المُخرج الراحل ديفيد لينش، وأضاف: "السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي عام 1990 عن فيلم Sailor and Lula، ثم جائزة أفضل مخرج عام 2001 عن فيلم Mulholland Drive، وترأس لجنة التحكيم بأناقة في عام 2002. لقد ترك وراءه عملاً نادراً وخالداً، ستستمر أفلامه في تغذية خيالنا ويُلهم كل من يرى في السينما فناً قادراً على كشف ما لا يُوصف
".

وبالأمس كانت عائلة المُخرج الأمريكي ديفيد لينش قد أعلنت وفاته من خلال نشر بيان عبر حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك".

وجاء بالبيان: "ببالغ الأسف نعلن، نحن أسرته، وفاة الرجل والفنان ديفيد لينش، ونود أن نحظى ببعض الخصوصية في هذا الوقت. لقد أصبح العالم الآن في حالة من الفراغ الشديد بعد رحيله عنا، ولكن كما كان يقول: أَبقِ عينيك على الكعكة وليس على الحفرة، إنه يوم جميل مع أشعة الشمس الذهبية والسماء الزرقاء في كل مكان".

ويُعَدُّ المخرج ديفيد لينش من أبرز المُخرجين في هوليوود والعالم، وقد قدم خلال مسيرته الفنية والسينمائية العديد من الأفلام المهمة، وكان مُبدعاً في العديد من المجالات الفنية المُختلفة؛ فهو صانع أفلام، فنان تشكيلي وموسيقي وأيضاً ممثل.

وخلال مسيرته السينمائية نالت أفلامه إشادة كبيرة من النقاد، واستمرت رحلته مع السينما لما يتجاوز نصف القرن، التي حصد من خلالها العديد من الجوائز، ومن أبرزها الأسد الذهبي لإنجاز العمر عام 2006 وأيضاً جائزة الأوسكار الفخرية عام 2018.

كما أعلنت لجنة من النقاد بـ"صحيفة الغارديان" عام 2007 أن ديفيد لينش هو أهم صانع أفلام في العصر الحالي، ومن أبرز الأفلام التي أخرجها ديفيد لينش فيلم "The Elephant Man – 1980" الذي شارك في بطولته أنتوني هوبكنز، جون هيرت وأيضاً فيلم "Wild at Heart – 1990" من بطولة نيكولاس كيدج، ويليم دافو، وكان آخر الأفلام التي أخرجها "?What Did Jack Do" الذي شارك فيه بالتمثيل أيضاًK وتم عرضه عام 2017.

 

موقع "الخليج 365" في

17.01.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004