ملفات خاصة

 
 
 

السينما العربية وصراع حاسم في سباق «قرطاج»!

طارق الشناوي

أيام قرطاج السينمائية

الخامسة والثلاثون

   
 
 
 
 
 
 

السينما العربية هى سر الصراع وعمقه الاستراتيجى فى مختلف المهرجانات العربية رغم توجهها العالمى، إلا أن التباهى بالفيلم العربى الجديد، والممتع إبداعيا هو واحد من أهم أوراق القوة التى يسعى المهرجان لإثباتها دوما.

منذ عام ١٩٩٢ وأنا أحضر مهرجان «قرطاج» السينمائى، حيث كان فى تلك السنوات يعقد مرة كل عامين- يتبادل مع «دمشق»، قبل أن يصبح سنويا، والاسم الرسمى له «أيام قرطاج السينمائية»، الموعد ظل شهر أكتوبر، هذا العام استقر المهرجان على أن يقتنص من العام آخر أسبوعين ليسبقه العديد من المهرجانات العربية، والتى كثيرا ما تتصارع للاستحواذ على الفيلم العربى.

فى البداية لم أقتنع بتغيير الموعد، ولكن ببعض التأمل للخريطة السينمائية أيقنت أنه كان القرار الصائب، المهرجان كان عمليا فى التعامل مع الواقع، التاريخ له قطعا احترامه، وجائزة تحمل اسم (قرطاج) تظل لها سحرها عند الفنان العربى، واقعيا بزغت عربيا فى السنوات الأخيرة مهرجانات تملك الكثير من الجاذبية، فكان ينبغى من تغيير المؤشر.

كلنا ندرك أن الندرة فى السينما العربية تلعب دورها، أتحدث عن الأفلام الهامة الجديرة بالمشاركة، والتى يزداد عليها الصراع، كما أن عددا من المهرجانات الجديدة عربيا تمنح الأفلام منحا إنتاجية، فتصبح هى الأولى بالعرض الأول، وهكذا سبق إقامة (قرطاج) مهرجانات (الجونة) و(القاهرة) و(البحر الأحمر)، العديد من الأفلام الهامة خاصة العربية تم عرضها فى تلك المهرجانات.

أتذكر جيدا أن الراحل سعد الدين وهبه فى مطلع التسعينيات أدرك أن عليه إقامة مسابقة عربية على هامش مهرجان (القاهرة) تمنح جائزة مادية ضخمة (بمقياس ذلك الزمن ١٠٠ ألف جنيه) لأفضل فيلم عربى، وكان الغرض أن يضمن أن يأتى إليه الأفضل، خاصة أنه لا يستطيع فى المسابقة الرسمية عرض فيلم سبق أن شارك بمهرجان آخر، ونجحت وقتها خطة سعد الدين وهبه.

مهرجان قرطاج كان عمليا فى التعامل مع الخريطة الحالية، إنه المهرجان الأسبق تاريخيا بدأ عام ١٩٦٦، متوجها أساسا للسينما العربية والإفريقية، مهرجان القاهرة انطلق ١٩٧٦ وبعده بثلاث سنوات (دمشق) ١٩٧٩.

توأمة مهرجانى (قرطاج) و(دمشق) لعبت دورها لصالح (القاهرة)، كل منهما يعقد مرة كل عامين، وبالتالى الصراع ثنائى، بين القاهرة وواحد من المهرجانين، كما أن المهرجانين كانا أيضا يضعان فى الحسبان مهرجان (القاهرة)، مثلا كثير من الأفلام السورية التى كانت تنتجها مؤسسة السينما هناك لا تعرض بمهرجان دمشق، حتى يتاح أولا بالقاهرة، وذلك أملا فى جائزة مصرية، إلا أن التاريخ طرح حاليا معادلات أخرى.

التعامل الواقعى بإقامة المهرجان فى نهاية العام لصالح (قرطاج)، منح المسابقة فرصة لعرض الأهم فى المسابقة العربية، واللائحة تتيح ذلك، حتى الأفلام التونسية التى شاركت فى مهرجانات أخرى جاءت محطتها الثانية فى قرطاج.

ومن بين الأفلام الرائعة التى تتسابق هذا العام «أرزة» الفيلم اللبنانى الممتع، سبق له المشاركة الرسمية فى المسابقة العربية بمهرجان (القاهرة).

الشريط السينمائى أول إخراج روائى لميرا شعيب، اختيار الاسم له دلالة على الوطن حيث تتصدر العلم اللبنانى شجرة الأرز، واسم البطلة «أرزة» الوحيدة طوال الأحداث التى لا نعرف بالضبط إلى أى طائفة تنتمى، وكأنها رمز للبنان الذى يتمنى الجميع أن يتخلص من تلك القيود المقيتة.

عمق المأساة اللبنانية تستطيع أن تراها فى الطائفية التى وضعت فى الدستور لمواجهة الطائفية فصارت هى بالتحديد من يرسخ للطائفية بل وعنوانا لها، كل طائفة داخل الدين الواحد وليس فقط كل دين له فى الحياة السياسية نصيب تبعا لنسبة عدد من ينضمون تحت لوائه من السكان، مثلا رئيس جمهورية مارونى ورئيس وزراء سنى، وفى كل المواقع، صار هذا هو القانون، وقبل حتى أحداث ١٩٧٥ وهى أسوأ حرب طائفية يعيشها الوطن، تم تقسيم بيروت ما بين شرقية وغربية.

هذه المأساة لم يتم وأدها والنار تحت الرماد لم تخفت أبدا، بين الحين والآخر نراها مشتعلة بالعمق اللبنانى، اختارت المخرجة علاقة ثلاثية؛ أم وابنها وشقيقتها التى تقيم معها.

يجمعهم الحلم الكسيح غير قادر على التحقق، فى نفس الوقت لا تستسلم أرزة للواقع الاقتصادى المؤلم وتصنع مخبوزات منزلية وتستعين بابنها فى توصيلها للزبائن، وتسطو على شقيقتها حتى تحضر لابنها دراجة بخارية تساعده فى عمله، تسرق الدراجة وتبدأ وهى تبحث عن الدراجة فى تشريح المجتمع الطائفى بروح مرحة وبخفة ظل، حتى إنها تسرق دراجة ابنها من السارق، نتعاطف معها حتى فى أخطائها لأننا نثق فى حسن نواياها.

الفيلم يمنحنا فى لقطة النهاية أملا لكى يعبر لبنان الأزمة، بتلك الأعلام التى نراها فى الشارع وأيضا بحالة المرح التى نضح بها الشريط السينمائى.

مؤكد أن لجنة التحكيم التى يرأسها المخرج الفلسطينى هانى أبو اسعد تواجه مأزقا فى الاختيار، نصف الأفلام المشاركة فى التسابق من بين ١٥ فيلما، تستحق «التانيت» الذهبى، ولديها أسبابها، وننتظر مساء الغد من يحصل على «التانيت»!.

 

المصري اليوم في

20.12.2024

 
 
 
 
 

الإرهابيون أرسلوا رأس الصبي إلى أهله في "الذراري الحمر"

لطفي عاشور يوقظ جمهور "أيام قرطاج السينمائية" على جريمة رهيبة شغلت تونس

هوفيك حبشيان 

الأفلام التونسية لها مكانة خاصة في قلب المشاهد التونسي، وهذا هو الإحساس الذي يداهم المشارك في "أيام قرطاج السينمائية" (14 - 21 الجاري)، فالإقبال الجماهيري عليها كبير للغاية. وفي حين أن بعض الأعمال لا تشاهدها إلا حفنة من المشاهدين، فإن الصالات التي تعرض الأفلام التونسية تشهد ازدحاماً وتدافعاً شديداً. وشهد عرض فيلم "الذراري الحمر" رواجاً في المهرجان لكونه يتطرق إلى الإرهاب في تونس.

شهد عرض الفيلم التونسي "الذراري الحمر" للطفي عاشور (ينافس على "التانيت الذهبي")، ازدحاماً رهيباً حتى بدا من آل صعب إيجاد مقعد شاغر في صالة "أوبرا" ("مدينة الثقافة" في تونس العاصمة) التي تحوي أكثر من ألف مقعد. وكان التصفيق حاراً عند صعود جنريك النهاية، خصوصاً أن عدداً كبيراً من المشاركين في الفيلم كانوا داخل الصالة في مناسبة عرضه التونسي الأول. 

انطلق الفيلم من مهرجان لوكارنو السينمائي (قسم "مخرجي الحاضر")، قبل أن يحط في مسابقة الدورة المنتهية للتو من مهرجان "البحر الأحمر السينمائي" فائزاً بجائزة أفضل فيلم من يد المخرج الأميركي سبايك لي الذي أُعجب به، وكان له عرض قبل ذلك في مهرجان تسالونيك ضمن قسم "لنلتقِ بالجيران". الفيلم الذي نال أيضاً جائزة الجمهور في مهرجان فانكوفر الأميركي، مستوحى من قصة حقيقية حدثت في الخريف من عام 2015: ذبح إرهابيون في منطقة جبل مغيلة التونسية راعي غنم يُدعى مبروك السلطاني، 17 سنة. يعترف عاشور أن القصة هذه طاردته طويلاً وأضحت هاجساً عنده قبل أن يقرر نقلها إلى الشاشة. فهي تحمل تفاصيل مقززة، لكون الإرهابيين الذين ينتمون إلى تنظيم "جند الخليفة" حزوا رأس الضحية ونشروا المشهد على الإنترنت، بعدما اتهموا إياه بالتجسس لمصلحة السلطات، علماً أن الصبي بريء تماماً من هذه الاتهامات، وكان يمضي بعض الوقت مع ابن عمه أشرف (علي الهلالي) بين أحضان الطبيعة. وهما يرويان القصص بعضهما لبعض، قبل أن يفاجآن بالقتلة! بعد حز رأسه، يترك الإرهابيون ابن عمه على قيد الحياة، طالبين منه إعادة الرأس المقطوع إلى عائلة المغدور. 

هذا ما نراه في الدقائق الأولى من "الذراري الحمر"، ومن هذه القصّة استوحى لطفي عاشور فيلمه، مطلقاً العنان لمخيلته للتوصل إلى تفاصيل كثيرة، تتشكّل خصوصاً مع وصول الرأس إلى عائلة الضحية، وما يترتب عليه من تحضيرات ونقاشات ومواجهات بين مختلف الأشخاص، للعودة إلى مسرح الجريمة بحثاً عن الجسم الذي تم فصله عن الرأس، وإعادته ودفنه على سبيل تكريم الميت. 

بغية سرد الحكاية، يتبنى الفيلم وجهة نظر الصبي أشرف، ابن عم القتيل الذي يصغره بعضة أعوام، والذي يحمل معه تروما ذلك اليوم إلى الأبد، محاولاً فهم ماذا حدث والتكيف معه بقدر المستطاع. فكل ما يرتسم على وجهه من تلك اللحظة وصعوداً، من أسى وظلم وصدمة، لا تعبّر عنه كلمة. وجهه، وهو يحاول السيطرة على مشاعره، أشبه بوجه الفتى الشهير في فيلم "تعال وشاهد" لإليم كليموف الهارب من جحيم الحرب، مما يؤكد أن ثمة ما يجمع ضحايا الحروب، خصوصاً على مستوى القفز إلى الأمام الذي يحدث في حياتهم. ذلك أننا سنرى الصبي يصبح راشداً في لمحة بصر، ليقتحم عالم الكبار من البوابة الأكثر قسوة. الأحداث عديدة ومتتالية، لكن التركيز يصب على الحالة النفسية لأشرف، الشاهد على عملية حز الرأس، والمأساة المروعة التي عاشها. ومن هنا، يمكن الاستنتاج أن الفيلم ليس عن الإرهاب الذي ضرب تونس خلال فترة ما بعد الثورة، بل عن إمكان النهوض من المأساة الناتجة منه.

الموضوع في ذاته جذّاب للسينما، في كونه يجمع بين نقيضين وطرفين لا لقاء متوقعاً بينهما في ظروف طبيعية: الطفولة وكل ما من المفترض أن يكون ملجأ للبراءة من جانب، والإرهاب الديني الذي يتعرض لأكثر الفئات في المجتمع هشاشة من جانب آخر. والمقصود بهذه الفئات الأطفال الذين لا قدرة لديهم على الرد والمواجهة. بيد أن، ما أثار اهتمام المخرج هو التفصيل الذي يكمن في طلب الإرهابيين من الطفل الناجي أشرف حمل الرأس إلى أهل القتيل. هناك شيء رمزي في هذا الفعل، يعبّر عنه عاشور في مقابلة بالقول: "هذا الطلب يحمل مضموناً ميثولوجياً أحدث صدمة جماعية تأثّر بها الضمير الجماعي التونسي. عندما نتعرض لطفل، إنما نتعرض لجيل كامل سيصبح تائهاً جراء ذلك".  

أراد لطفي عاشور فيلماً سهلاً، يتولّى بطولته بسطاء من الريف التونسي الفقير مع إطلالات على واقع هذه المنطقة المهمشة حيث الناس متروكون لمصيرهم في غياب أي رعاية، محاولاً التقاط بعض من جمالياته بطريقة تغوي العين. لكنّ السينما تمدّ هذه البساطة المشتهاة بمقدار من التعقيد، لا سيما في ظلّ دخول الفيلم في حيز أشبه بالحلم، حيث الحدود بين الواقع والخيال تصبح ضبابية، مع هذا الإحساس الضاغط أننا سننهض منه في كل لحظة، لنلامس حقيقة أخرى، أكثر التحاماً بالواقع. 

في المحصلة، نحن أمام عمل سينمائي له ما له من ميزات، وهي قليلة نسبياً على المستوى السينمائي على رغم أهمية الطرح. واللافت أنه يتركنا عطاشاً في آخر المطاف. هناك محاولة لإعطاء الفيلم لمسة من الواقعية الشعرية لكنها تبقى رعناء ولا تحدث تأثيراً عميقاً. يسود الفيلم ارتباك وتفكك، يضربان كل مفاصله، إضافة إلى سعي مزمن لإبراز جماليات بصرية تولاها المصور البولندي فويتشك ستارون، وهي تبدو قديمة عفا عليها الزمن. والأسوأ أن لا مشكلة واضحة يمكن تشخيصها لفهم مكامن الضعف، بل هو إحساس بعدم القدرة على جعل كل العناصر تتضافر لأجل صناعة فيلم مؤثر سياسياً ومتماسك فنياً. 

 

الـ The Independent  في

21.12.2024

 
 
 
 
 

"أرزة".. صورة المرأة اللبنانية المناضلة في ظل انقسام المجتمع وأزماته

حنان مبروك

بطولات نسائية في مواجهة ضعف ذكوري مطلق وغير منطقي.

يأخذنا فيلم “أرزة” للمخرجة اللبنانية ميرا شعيب نحو الواقع اللبناني ليصور حكاية سينمائية بين ثنايا شوارع بيروت، حكاية تكشف عن تركيبة مختلفة لمجتمع لا يشبه غيره، تتحكم فيه الطوائف وتعصف به أزمة اقتصادية خطيرة وتتصارع فيه الأجيال وتعاني فيه النساء متشبثات بأحبابهن وحالمات بوطن يطيب فيه العيش.

 من لبنان المنقسم على ذاته، من قصص نسائه المناضلات، ومن رمزية أرزه الشامخ، صنعت المخرجة الشابة ميرا شعيب أول أفلامها الروائية الطويلة “أرزة”، الذي يمزج بين الدراما والكوميديا ليصور حكاية متخيلة داخل المجتمع اللبناني، مسلطة الضوء على تناقضاته والتحديات التي تعصف به وبالعلاقات الاجتماعية على اختلافها.

الفيلم بطولة كل من دياموند أبوعبود وبيتي توتل، مع الممثل الشاب السوري بلال الحموي، بالاشتراك مع ضيوف العمل كل من الممثل فادي أبي سمرة، جنيد زين الدين، فؤاد يمين، إيلي متري، طارق تميم، هاغوب درغوغاسيان، جويس نصرالله، شادن فقيه ومحمد خنسا، بالإضافة إلى وجوه جديدة من لبنان.

وتدور أحداث الفيلم حول “أرزة”، أم عزباء مقيمة في بيروت، اضطرتها الظروف الصعبة إلى بيع الفطائر لتأمين لقمة العيش لابنها كنان وشقيقتها ليلى التي تعاني من اضطراب نفسي. والفيلم من تأليف لؤي خريش وفيصل شعيب شقيق المخرجة ميرا، وإنتاجهما أيضا.

يأخذ هذا الفيلم من لبنان أهم رموزه، شجرة الأرز، ليكون عنوانا له واسما لبطلته التي سنكتشف مع نهاية العمل السينمائي أنها لم تكن رمزا للمرأة اللبنانية فقط وإنما هي رمز للبنان الذي يضحي ويقاوم كي لا ينهار ويفقد كل أحبابه، كالأرزة التي ترمز للخلود والصمود وتقدسها أغلب الطوائف.

استوحت المخرجة وكاتبا السيناريو الفيلم من “سارق الدراجة” وهو فيلم إيطالي أنتج عام 1948، وأخرجه الإيطالي فيتوريو دي سيكا. يتحدث الفيلم عن رجل فقير يبحث في شوارع روما عن سارق دراجته، التي يحتاجها للقيام بعمله. والفيلم الأصلي مأخوذ عن رواية تحمل الاسم ذاته للكاتب الإيطالي لويجي بارتوليني.

يصنف الفيلم ضمن أفلام الواقعية الجديدة، وصوره المخرج في موقع واحد فقط، في العاصمة الإيطالية. وبالمثل، صورت المخرجة اللبنانية فيلمها بالكامل في العاصمة بيروت، وركزت فيه على رحلة البطلة أرزة (دياموند أبوعبود) وابنها كنان في البحث عن دراجتهما المسروقة.

فيلم واقعي مليء بالرموز يتبنى ممثلوه حوارات عميقة ويظهرون مواهب متباينة وقدرات على تقمص الشخصيات والإقناع بواقعيتها

تحملنا كاميرا المخرجة ميرا شعيب في أحياء بيروت المنقسمة والمخصصة لطوائف بعينها، كاشفة مدى انقسام الشعب إلى طوائف ومذاهب وانتماءات مختلفة وكيف يملك كل حي/ تجمع سكني ضوابطه وقوانينه و”زعرانه” (مجرميه) الذين يتواصلون مع قادة الطوائف الأخرى ويعلم كل منهم ماذا يحصل في بيروت بكاملها، ويتحكم كل مجتمع فيهم بالنساء كل وفق قوانينه وأيديولوجياته الدينية.

ركزت شعيب لقطات الفيلم على بيروت “الشعبية”، على المجتمع البسيط والذي يعاني يوميا ليوفر قوت يومه، فهي تصور المنازل المتراصة وديكوراتها الداخلية البسيطة وسلوكيات اللبنانيين اليومية التي تكشف عن مجتمع منقسم لكنه قادر على التعايش السلمي وتقبل الآخر واختلافه.

وأرزة كما تصفها المخرجة في تصريحاتها “نموذج حيّ للمرأة اللبنانية المناضلة. إنها تمثل أمهاتنا وعمّاتنا وخالاتنا. تشبهنا بتفكيرها البعيد عن الطائفية والسياسة. تسير وراء هدفها حتى نيله مهما كلّفها الأمر. فهي الأم التي تربّي الأجيال بحُبّ واهتمام، فتولّد مجتمعا مُشبعا بالعطف والحنان. إنها تجمع بدل أن تفرق.” وهذا بالفعل ما نجحت الممثلة دياموند أبوعبود في إيصاله إلى المشاهد، فقد تقمصت شخصية أرزة الأم الشابة التي اضطرتها الحياة وظروفها إلى أن تكون العائل الوحيد لابن طائش ولا مبال وكسول وأخت تعيش على أمل عودة حبيب غائب، رافضة مغادرة البيت عله يعود فجأة ولا يجدها.

تسرق أرزة الذهب وترهنه لدى أحد محلات الذهب، تشتري دراجة نارية ليساعدها ابنها في بيع الفطائر وتوسيع مصدر دخلهم. ولد مستهتر عوض أن يبيع فطائر والدته يقدمها أحيانا لأصحابه، ولأنه يحب السهر معهم وتعاطي “الحشيش” و”المشروب”، تسرق الدراجة منه، وتواجه والدته خطر السجن وخسارة ذهب أختها، فتقرر أن تبحث عنها في كل شوارع بيروت. رحلة مضنية وشاقة لكنها كوميدية تخوضها الأم وابنها متنقلين بين أحياء السنة والشيعة والدروز والموارنة والأرمن. رحلة تصل بها إلى مخيم شاتيلا، تسلط فيها المخرجة الضوء على مدى انقسام المجتمع اللبناني، وتنجح الأم في آخرها في استرداد دراجتها بسرقتها من مستودع يبيع صاحبه مركبات مسروقة، وكأنها تقول للمشاهد إن على “بيروت أن تسرق من العالم كل ما سرق منها عنوة وتعود إلى الحياة بالكثير من الأمل في مستقبل أفضل.”

وقبل أن تنجح في استعادة دراجتها، تضطر أرزة إلى أن تتلون وتتبنى رموزا دينية ولهجات متنوعة، تضطرها الظروف إلى دخول مناطق طائفية، فتتقمص شخصيات لها صلة بها، شعارها الوحيد “دلوني عليك” كلما دخلت بيت أحد الرجال المعنيين، مستعينة بمتجر صغير للهدايا في شارع الحمرا، تنشأ بينها وبين صاحبته مواقف كوميدية ساخرة، حيث تصدمها كل مرة بطلب غريب رغم عدم امتلاكها للمال، فهي تارة تبحث عن حجاب وجلباب وتارة أخرى تبحث عن صليب ثم سلسال نقش عليه اسم عمر كتلك التي يرتديها الشيعة.

وفي الفيلم امرأتان تدور الأحداث الرئيسية بينهما، الاثنتان ضحايا رجال، الأولى تركها زوجها وهي ابنة 16 عاما وغادر لبنان، لتجد نفسها مسؤولة عن طفل تحاول إقناعه بأن والده يسأل عنه ويتذكره بهدايا تشتريها من مالها الخاص، وتسعى لمنعه من الهجرة والسفر إلى والده، أما الثانية فهي حبيبة مضطربة نفسيا تنتظر حبيبا وعدها بالزواج لكنه غاب فجأة ولم يعد، تاركا لها سوارا وخاتما من الذهب، تخبأهما كذكرى وحيدة تجمعها به، تنتظره بشغف المحبين ليتزوجا، وترفض كل محاولات أختها لبيع الذهب أو رهنه من أجل تحسين أوضاعهم.

الفيلم يأخذ من لبنان أهم رموزه ليكون عنوانا له واسما لبطلته التي كانت رمزا للبنان الذي يقاوم

أختان تتنافسان على تربية الولد كنان، الأولى تريده رجلا يساعدها ويعمل لإعالتهما والثانية تعامله كآخر الرجال، تخاف تعرضه للمرض والموت، تسعى لإرضائه بالدلال المادي والعاطفي، غير مبالية بأنه صار رجلا وعليه أن يكون قواما على خدمة أمه وخالته.

هناك أيضا نساء يظهرن في مشاهد ثانوية، لكنهن جميعا نساء مضطهدات من الرجال، باختلاف درجات الاضطهاد. فالفيلم يمعن في تصوير الرجال كبارا كانوا أو صغارا على أنهم عنيفون، ذوو ألسنة سليطة، أنانيون، كسالى، بخيلون، لا يملكون حس المسؤولية، يتعاملون بسطحية مع كل المشكلات، ولا يهتمون إلا بالأكل والمتعة والمال. كلهم هكذا على اختلاف طوائفهم، وحدهم الذكور صغار السن من يظهرون بعض الإيجابية في شخصياتهم، وهذا يجعل الفيلم يبدو منحازا بشدة نحو النساء، مصورا بطولات نسائية في مواجهة ضعف ذكوري مطلق وغير منطقي.

وتحاول المخرجة التقليل من حدة هذه الفكرة بالتركيز على المشاعر المشتعلة بين كنان وحبيبته، وكيف تدفعه العلاقة معها نحو العمل على تحسين حياته والتفكير في استكمال دراسته الجامعية رغبة منه في الزواج بحبيبته. هي أيضا تدخلنا في الصراع بين الأم وابنها حين تكشف له حقيقة والده، وكيف ربته لوحدها دون أن تشوه صورة الوالد الغائب والمتخلي عن مسؤوليته تجاه ابنه، فتصلح بهذا الحوار الخلل في شخصية ابنها.

90 دقيقة حملتنا نحو بيروت المتنوّعة والمنفردة بهويتها، يصورها لنا فيلم واقعي مليء بالرموز، يتبنى ممثلوه حوارات عميقة، ويظهرون مواهب متباينة وقدرات على تقمص الشخصيات والإقناع بمدى واقعيتها وقربها من نماذج من اللبنانيين، مثيرين العديد من التساؤلات في عقل المشاهد، الذي بالتأكيد سيستغرب من قدرة أرزة على السير قدما نحو هدفها دون أن تتبين ملامح الطريق ولا حتمية الوصول. هو قصة مستوحاة من حكايات كل امرأة لبنانية واجهت المصاعب والأزمات بصلابة، تتمسك بالأمل وترفض الاستسلام ومغادرة لبنان رغم أزماته الخانقة.

صحافية تونسية

 

العرب اللندنية في

21.12.2024

 
 
 
 
 

«لأول مرة» ينافس في المسابقة الرسمية لمهرجان الأقصر في دورته الـ 14

كتب: أنس علامسعيد خالد

ينافس الفيلم المصري «لأول مرة» في المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة في الدورة 14 من مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية والتي ستقام فعاليتها في الفترة من 9 وحتى 14 يناير المقبل.

فيلم «لأول مرة» من بطولة تارا عماد وعمر الشناوي، مع نبيل عيسى ورانيا منصور، وعايدة رياض، وفيدرا، ومن إنتاج رأفت توماس، ومن تأليف محمد عبدالقادر، وإخراج جون إكرام في ثان تعاون لهما بعد فيلم كاملة (2022).

مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية هو أحد أبرز المهرجانات السينمائية في المنطقة والذي تضم إدارته الفنان محمود حميدة الرئيس الشرفي للمهرجان، والسيناريست سيد فؤاد رئيس المهرجان، والمخرجة عزة الحسيني مديرة المهرجان.

وكان عقد المؤتمر الصحفي الخاص بالدورة الرابعة عشرة لمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، أمس الجمعة، بأحد الفنادق الكبرى على ضفاف النيل، بحضور السيناريست سيد فؤاد، رئيس المهرجان، والمخرجة عزة الحسيني، مدير المهرجان، والفنان محمود حميدة، رئيس شرف الدورة، إلى جانب السيناريست أحمد مراد، الفنان محيي إسماعيل، المخرج مجدي أحمد على، أحمد مجدي، والمخرج خالد الحجر.

أعلنت الفنانة ياسمين الهواري إطلاق اسم الفنان الراحل نور الشريف على الدورة الـ14 تكريمًا لمسيرته الفنية الاستثنائية. كما كشفت عن إصدار كتاب خاص عنه، من تأليف الكاتب الصحفي جمال عبدالقادر، يُسلط الضوء على أبرز محطات حياته وإسهاماته في السينما المصرية والعربية.

وأُعلن أيضًا إهداء الدورة لروح المخرجة صافي فاي، وللكاتب عاطف بشاي من مصر، الكاتب عاطف الصديقي من المغرب، والناقد خميس خياطي، تقديرًا لدورهم المؤثر في السينما والثقافة.

قامت بتقديم المؤتمر الإعلامية تسنيم رابح من السودان، والفنانة ياسمين الهواري، اللتان أكدتا أن الدورة الحالية ستقام في الفترة من 9 إلى 15 يناير المقبل، بمشاركة 35 دولة إفريقية وأكثر من 65 فيلمًا في مختلف المسابقات. وتعد السينما الموريتانية ضيف شرف الدورة الرابعة عشرة، في خطوة لتسليط الضوء على إبداعاتها السينمائية.

بداية أكد السيناريست سيد فؤاد، رئيس المهرجان، على أهمية دور الفن والسينما في ظل الأزمات العالمية، مشيرًا إلى أن أهمية المهرجانات تزداد في أوقات الحروب والصعوبات، حيث يصبح دور الفن أكثر حيوية للتوثيق والترفيه.
وقال: «الدورة الأولى للمهرجان انطلقت بعد ثورة يناير في ظل إجراءات أمنية مشددة، وعلى مدار دوراته كانت وسط تحديات محيطة من كورونا والحروب وغيرها، وهو ما يبرز أهمية المهرجان ودوره في دعم السينما المصرية والإفريقية».

كما أعرب عن تضامن المهرجان مع غزة ولبنان وسوريا وكل الدول التي تعاني من الحروب، مؤكدًا أن الفن هو رسالة توثيقية وإنسانية. وأضاف أن استمرار المهرجان رغم التحديات الاقتصادية يعكس دعم وزارة الثقافة، إلى جانب مساهمات المجتمع المدني والقطاع الخاص.

وتحدثت مدير المهرجان المخرجة عزة الحسيني، مدير المهرجان، قائلة إن فريق العمل يواجه ظروفًا اقتصادية صعبة، إلا أنهم مستمرون في تنظيم المهرجان وتقديم فعاليات متنوعة بالتعاون مع جهات مختلفة. وأضافت: «نغطي تكاليف الإقامة والطيران للمشاركين في المسابقات الرسمية، ووقعنا بروتوكول تعاون مع قناة الجزيرة الوثائقية لتقديم جوائز خاصة». وأكدت أن المهرجان، على مدار 14 عامًا، حقق حلمًا أضاف للسينما المصرية والإفريقية، وما زال مستمرًا في تحقيق المزيد.

وأشار المنتج جابي خوري، رئيس اللجنة العليا للمهرجان، إلى أن المهرجان يمثل مجهودًا كبيرًا يظهر بصورة نهائية مذهلة كل عام، موجهًا شكره لكل القائمين عليه ومتمنيًا التوفيق للدورة الحالية.

من جانبه أعرب الفنان محمود حميدة، رئيس شرف المهرجان، عن تفاؤله بالدورة الرابعة عشرة، التي تأتي تحت شعار «قمر 14»، وهو ما يعبر عن التجديد والأمل. وأضاف أن الفعاليات والبرامج المتنوعة تبرز رؤية المهرجان وأهدافه.

 

المصري اليوم في

21.12.2024

 
 
 
 
 

المسئولة الفنية عن مهرجان قرطاج لبوابة الأهرام:

أدعو لتعاون المهرجانات العربية لضبط الأجندة ونبذ الاحتكار |خاص

تونس - أسامة عبد الفتاح

** الفصل بين الإدارة الفنية والمركز في الدورة المقبلة.. ولا يمكن الحديث عن التطوير دون زيادة قاعات العرض.
** "الأيام"تعوض عدم وجود مهرجان قومي للسينما التونسية وتأجيلها العام الماضي أحبطنا.. ولست راضية عن كثرة عدد الأفلام.

دعت الدكتورة لمياء بلقايد قيقة، مديرة المركز الوطني التونسي للسينما والصورة والمديرة الفنية للدورة 35 من "أيام قرطاج السينمائية" التي تُختتم اليوم السبت، إلى تعاون المهرجانات السينمائية العربية لضبط أجندة مواعيدها بعد أن تداخلت بشكل مربك للصناعة ومرهق لأهلها، ولوضع حد لما أسمته بـ"احتكار الأفلام" من قبل بعض المهرجانات.

وقالت – في حوار خاص مع "بوابة الأهرام – إن الجمع بين موقعيها أفاد دورة أيام قرطاج السينمائية هذا العام، إلا أن ذلك لا يمنع أنه سيتم الفصل بين إدارة المركز وإدارة المهرجان العام المقبل، مشيرة إلى أنها غير راضية عن كثرة عدد الأفلام في الدورة 35، وأنه لا يمكن الحديث عن أي تطوير للقطاع السينمائي في تونس دون زيادة عدد دور العرض.

وفيما يلي نص الحوار:

 عملت في الإدارة الفنية لأيام قرطاج السينمائية من قبل، ماذا تغير هذا العام بعد توليك أيضا مسئولية المركز السينمائي التونسي؟
** تواجدي في المهرجان يعود إلى عام 1994 عبر مواقع مختلفة، حيث كنت مسئولة عن المركز الصحفي ثم برنامج الأفلام القصيرة ثم أصبحت مديرة فنية بدءا من عام 2017 مع الراحل نجيب عياد، وكنت دائما بعيدة عن الجانب الإداري فيها، لكن تسميتي على رأس إدارة قطاع السينما التونسي في نوفمبر الماضي، قبل أقل من شهر على انطلاق دورة "قرطاج 2024"، غيّر رؤيتي للأشياء وجعلها أكثر شمولية بإضافة الجوانب الإدارية والقانونية والمالية والسياسية أحيانا.. ولم تكن تجربة الإدارة غريبة عليَّ، حيث توليت إدارة المدرسة العليا للسمعي البصري والسينما لمدة أربع سنوات، وكنت أعرف كيفية التسيير والترشيد المالي.

أيام قرطاش السينمائية

وهناك الجانب التقني، المتعلق بتجهيز قاعات العرض، الذي لم تكن لي كمبرمجة سلطة عليه من قبل، ووجودي على رأس المركز مكنني من ذلك وسرّع من وتيرة الإجراءات التقنية في وجه تحد كبير كان يواجهنا وهو إعادة تأهيل القاعات في وقت قصيربعد فترة ركود طويلة أعقبت انتشار وباء كورونا ثم إلغاء دورة العام الماضي من المهرجان، مما أبعد الجمهور قليلا عن قاعات السينما، وكان لابد من تطويرها وفقا للمعايير الدولية للصوت والصورة لإعادة هذا الجمهور مرة أخرى، ولم يكن أمامنا سوى أسبوعين فقط، ولا شك أن وجودي بالمركز ساعدنا على إنجاز ذلك بالسرعة المطلوبة، فالمعروف أن مهرجان قرطاج يُقام تحت إشراف وزارة الثقافة التونسية وميزانيته يتم اعتمادها وصرفها من قبل المركز الوطني للسينما والصورة، ووجودي في الموقعين يسّر الأمور وسهّل عليَّ شخصيا عمل التوازن المطلوب بين المسئول الفني، الذي قد يشطح بخياله ومطالبه أحيانا، والمسئول الإداري الذي يجب أن يكون أكثر واقعية.

 رغم ما تم خلال الاستعدادات لـ"الأيام"، لاحظ جمهورها أن القاعات القديمة ما زالت في حاجة للتطوير..
** أستهدف في خطتي إعادة تأهيل قاعات الجمهورية القديمة كلها.. صحيح أنها جميلة جدا ولها تاريخ طويل، لكن لابد من تطويرها والنظر إليها بطريقة أخرى وإدخال رءوس أموال جديدة لها مع الحفاظ على طابعها الفني والمعماري. تأهيل القاعات وزيادة عددها أولوية قصوى بالنسبة لي لأن أي خطط لإصلاح قطاع السينما وزيادة الإنتاج لن تجدي في ظل خريطة القاعات الحالية. 

هل تملكون هذه القاعات؟

** لا، المركز لا تتبعه سوى القاعات الثلاث الموجودة في مدينة الثقافة الجديدة، والقاعات القديمة ملك القطاع الخاص، لكن الدولة تساعد ماليا في ترميمها وتحديثها خاصة في فترة انعقاد أيام قرطاج السينمائية لأنها تستخدمها وتستقبل فيها جمهورها، والأهم لأن التقنيات الحديثة تستوجب عرض الأفلام بتجهيزات محددة للصورة والصوت.

 لوحظ أيضا أن الإقبال الجماهيري أقل مما اعتادت عليه "الأيام"، ما السبب في رأيك؟

** جمهور القاعات القديمة يتابع فيها طوال العام الأفلام التجارية، وأفلام "قرطاج" فنية بالأساس، وربما تسبب وجود القاعات الجديدة بمدينة الثقافة في تراجع الأعداد لأننا نقلنا المسابقات الرسمية - التي تحتاج  إلى تقنيات عرض عالية - إليها منذ سنوات.. وأعتقد أن ذلك سيتغير خلال الدورات المقبلة مع تطوير القاعات القديمة. وبشكل عام، تشهد الصالات الكلاسيكية بشارع الحبيب بورقيبة عزوفا من الجمهور يواكب العزوف العالمي لأسباب كثيرة بدأت بانتشار كورونا ولم تنته بانتشار المنصات ووسائل العرض المنزلية وقرصنة الأفلام كذلك.

هل يستمر الجمع بين إدارتي المركز والمهرجان في المستقبل؟

** لا، أنا أنجز هذه الدورة فقط، والدورات المقبلة ستشهد بالتأكيد الفصل بين الموقعين بتسمية مدير فني جديد لأيام قرطاج السينمائية، وسأتفرغ لخطط المركز الوطني المستقبلية ومشروعاته مثل السينماتيك وغيره، مع استمرار الإشراف المالي والإداري للمركز ودعمه لإدارة المهرجان بالطبع.

هل أنت راضية عن دورة هذا العام؟

** أنا راضية عن البرامج والأفلام، التي جاءت على قدر انتظار الجمهور والسينمائيين عامين بعد تأجيل المهرجان العام الماضي مما أربكنا وأصابنا بالإحباط.. وسعدت بقدرتنا على تجاوز تلك الحالة والحفاظ على اتفاقاتنا السابقة مع المنتجين والموزعين بالدورة المؤجلة، وكذلك عدد كبير من أعضاء لجان التحكيم، بالإضافة بالطبع للأفلام الجديدة، وإن كنا في قرطاج لا ننشغل بمسألة العروض الأولى مثل غيرنا من المهرجانات، ولا نشترط عدم عرض الأفلام في أي مكان قبل عرضها لدينا.

وأشعر بالرضا أيضا عن برمجة الأفلام التونسية، حيث إن لدينا زخما من إنتاجنا السينمائي وتراكما بسبب تأجيل العام الماضي أيضا، وكنا نشعر بالمسئولية تجاه صناع هذه الأفلام الذين لا توجد لديهم فرصة أخرى لعرض أعمالهم على هذا المستوى لأنه لا يوجد مهرجان وطني للسينما التونسية، وفكرنا أن "الأيام" يمكن أن تكون عرسا بديلا عنه وفرصة لتسويق الأفلام لأن أي فيلم يُعرض في المهرجان – حتى لو خارج المسابقة – تزداد فرص بيعه.

هل كانت لديك مشكلة في الميزانية مثل كثير من المهرجانات العربية؟

** تقريبا لا. الحلول كانت موجودة، ودوري كمديرة للمركز الوطني أن تكون الميزانية أقوى. أدعو لزيادتها وفي نفس الوقت ترشيدها، سواء بإزالة التعقيدات الإدارية التي تعوق حجز تذاكر الطيران بأسعار معقولة، أو تعوق التعاقد مع الفنادق بأقل الأسعار.

هل الترشيد له علاقة بقلة "النجوم" المدعوين؟

** هذا خيار دائم لمهرجان قرطاج الذي يهتم أكثر بصناع الأفلام من المخرجين وغيرهم، ودعوة النجوم مشروطة بمشاركة أعمال لهم، وأيضا بعدم دفع مقابل مادي لحضورهم، في حين تدفع لهم بعض المهرجانات أموالا طائلة لا تقدر عليها ميزانيتنا.

ما هي السلبيات التي لا ترضين عنها؟

** ربما كثرة عدد الأفلام، فمن شأنها إرهاق المشاهدين وإرهاقنا أيضا، لكنه خيار استقرينا عليه وواصلناه للنهاية لعدة أسباب، أهمها تأجيل المهرجان العام الماضي كما ذكرت. وهناك جوانب لا أعتبرها سلبيات بل خططا نعمل على إنجازها ومنها: إعادة هيكلة المهرجان وتسمية مديره الفني مبكرا لإتاحة الوقت الكافي له للعمل وإعادة النظر في موعده.

الموعد يقودنا للحديث عن تداخل المهرجانات السينمائية العربية وتزاحمها في الشهور الثلاثة الأخيرة من السنة فقط..

** كان موعدنا دائما في أواخر أكتوبر لكن مهرجان الجونة اختاره فاضطررنا للتأخير حتى منتصف ديسمبر. ولو عادوا لموعدهم الأصلي في سبتمبر سنعود نحن الآخرون لموعدنا. المهرجانات العربية بالفعل تعاقبت خلال فترة قصيرة ولم يفصل بين كل منها والآخر سوى أيام قليلة مما أصاب المشاركين فيها ومتابعيها بالإرهاق والارتباك. وأدعو هنا للتنسيق والتعاون بينها لتفادي ذلك مستقبلا. كنا ننسق بالفعل مع بعض المهرجانات لكن ذلك لا يحدث حاليا للأسف، فقد خيم على المهرجانات الجانب التجاري، بل حتى "الاحتكاري" الذي يقلقني للغاية اليوم لأن كل مهرجان يريد أن يحتكر عرض أفلامه – التي منحها دعما ماليا خلال رحلة إنتاجها على سبيل المثال –متناسيا أن كل مهرجان له جمهوره المختلف.. و"قرطاج" تحديدا لا يهتم بمسألة العروض الأولى ولا بالأفلام ذات الطابع التجاري كما أسلفت.

ألا يوجد اتحاد للمهرجانات العربية للقيام بالتنسيق والتعاون المطلوبين؟

** لم يعد موجودا على حد علمي وليته يعود، فنحن في حاجة للتنسيق وضبط الأجندة الآن أكثر من أي وقت مضى، وفي حاجة أكثر لإعادة هيكلة المهرجانات العربية وإعادة صياغتها – في ظل أوضاع العالم العربي الراهنة المعروفة – بحيث تنبذ الاحتكار ويكون محورها الإنسان وقضاياه وليس المادة.

 

بوابة الأهرام المصرية في

21.12.2024

 
 
 
 
 

'ود' رحلة سينمائية تضيء على انهيار القيم الإنسانية

حبيب المستيري يدعو من خلال فيلمه إلى التأمل في ما أصبح عليه العالم اليوم من انهيار القيم، منتقدا الواقع الذي طغت فيه المادة على العدالة.

تونسيقدم الفيلم الروائي الطويل "ود" للمخرج التونسي حبيب المستيري رحلة سينمائية معقدة تسلط الضوء على أحداث عالمية كبرى أعادت تشكيل مسار التاريخ.

وتدور أحداث هذا الفيلم في 76 دقيقة حول قصة "خليل" الصحفي اليساري الذي كرس حياته للدفاع عن العدالة وقضايا المظلومين، لكنه يتحول نتيجة القمع والفساد إلى "دونكيشوت" يطارد أطيافا لا تهدأ في عالم تبددت فيه القيم الإنسانية وانهارت الروابط الصادقة.

الفيلم يصور واقعا تهيمن عليه قيم الربح والمنفعة، حيث تحولت المشاعر والعواطف إلى سلع تباع وتستهلك. وقد تلاشت وسط هذا التحول القيم الإنسانية والروابط الصادقة تاركة فراغا تصطدم فيه الأوهام بالحقائق القاسية.

ويوازن الفيلم بين الواقعية والرمزية. وتبدأ القصة بتصوير الجهود النبيلة للدفاع عن العدالة، لكنها تتحول تدريجيا إلى رحلة سوداوية تكشف هشاشة الإنسان أمام جبروت نظام المادة.

ويستثمر الفيلم الرموز والدلالات في مشاهده لتقديم رؤية نقدية للمجتمع، فالصور الفوضوية مثل المكتب المليء بالأوراق وصناديق الأرشيف، تجسد الواقع الفوضوي الذي يعيش فيه "خليل" حيث تعكس هذه الخلفيات إشارة للبيروقراطية والعالم الفوضوي الذي تضيع فيه القيم والحقيقة، كذلك في مشهد "خليل" وهو يحارب الأوهام حاملا السكين أمام ستارة مضرجة بالدماء وهو ما يحيل على العنف الداخلي والخارجي الذي يعيشه البطل في محاولاته غير المجدية لمواجهة الفساد والقمع.

ويتميز الفيلم أيضا من الناحية الفنية والإضاءة بالقتامة والظلال الكثيفة في العديد من المشاهد، وقد أحسن المخرج حبيب المستيري توظيفها لإيصال مشاعر اليأس والتشاؤم التي تغلف الشخصيات والعالم الذي يصوره الفيلم. كما بدت الظلال انعكاسا لصراع داخلي بين جملة من المتناقضات كالنور (القيم الإنسانية) والظلام (الواقع المادي والفساد) وبين القيم النبيلة والأوهام التي تسود الواقع.

واستخدم المخرج حبيب المستيري فنيات إخراجية متقنة لجعل القصة تنبض بالحياة، فاللقطات القريبة والإضاءة الطبيعية تنقل شعور الضغط النفسي والاجتماعي الذي يعاني منه "خليل". أما عنصر السرد، فلم يقتصر على القصة الظاهرة بل تميز بالرمزية حيث أصبح كل مشهد يعكس أبعادا اجتماعية ونفسية.

وعلى صعيد الأداء، برع طاقم العمل في نقل أبعاد الشخصيات المعقدة، وقد قدم أحمد أمين بن سعد دور "خليل" قدم أداء مشحونا بالأحاسيس والعواطف، إذ جسّد التحول النفسي للبطل من صحفي ملتزم إلى رجل تطحنه الأوهام والحقائق القاسية.

ويدعو المخرج في "ود" إلى التأمل في ما أصبح عليه العالم اليوم من انهيار القيم. ومن خلال رحلة "خليل"، ينتقد الفيلم الواقع الذي طغت فيه المادة فانهارت العدالة والقيم الأخلاقية والإنسانية.

وتابع جمهور الفن السابع العرض الوطني الأول للفيلم، الجمعة، بقاعة الفن الرابع بالعاصمة، وذلك ضمن قسم "بانوراما 35" في الدورة الخامسة والثلاثين لأيام قرطاج السينمائية، بحضور فريقه الذي يضم كوكبة من الممثلين بينهم أحمد أمين بن سعد ونجوى ميلاد وجمال مداني وجمال ساسي وتوفيق الغربي وخلود جليدي.

وحاز الفيلم الروائي التونسي الطويل الجائزة الثالثة ضمن فئة "الأفلام الروائية الطويلة" في مهرجان الإبداع العربي بمصر المقام خلال الفنرة الممتدة من الخامس عشر إلى التاسع عشر من ديسمبر/كانون الأول الجاري.

وتسدل أيام قرطاج السينمائية، السبت، الستار على دورتها الخامسة والعشرين والتي شهدت عرض أكثر من 200 فيلم من حوالي عشرين دولة عربية وأفريقية.

وكان الرئيس الشرفي للمهرجان فريد بوغدير قال إن هذه الدورة تتضمن عددا قياسيا للأفلام التونسية المشاركة، ما دفع الهيئة المديرة لانتقاء 4 أفلام في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، علما وأن العدد القانوني للأفلام التونسية المسموح به في هذه المسابقة هو في حدود 3 أعمال.

وأضاف وفق وكالة تونس أفريقيا للأنباء أن كثافة الأفلام التونسية المسجّلة في هذه الدورة والبالغ عددها 99 فيلما حتّمت على هيئة المهرجان إحداث مسابقة وطنية تضمّ 12 فيلما، معربا عن أمله في أن تكون هذه البادرة مُستهلّا لمهرجان وطني خاص بالسينما التونسية يكون مستقلا عن أيام قرطاج السينمائية.

 

ميدل إيست أونلاين في

21.12.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004