المسئولة الفنية عن مهرجان قرطاج لبوابة الأهرام:
أدعو لتعاون المهرجانات العربية لضبط الأجندة ونبذ الاحتكار
|خاص
تونس - أسامة عبد الفتاح
** الفصل بين الإدارة الفنية والمركز في الدورة المقبلة..
ولا يمكن الحديث عن التطوير دون زيادة قاعات العرض.
** "الأيام"تعوض عدم وجود مهرجان قومي للسينما التونسية وتأجيلها العام
الماضي أحبطنا.. ولست راضية عن كثرة عدد الأفلام.
دعت الدكتورة لمياء بلقايد قيقة، مديرة المركز الوطني
التونسي للسينما والصورة والمديرة الفنية للدورة 35 من "أيام قرطاج
السينمائية" التي تُختتم اليوم السبت، إلى تعاون المهرجانات السينمائية
العربية لضبط أجندة مواعيدها بعد أن تداخلت بشكل مربك للصناعة ومرهق
لأهلها، ولوضع حد لما أسمته بـ"احتكار الأفلام" من قبل بعض المهرجانات.
وقالت – في حوار خاص مع "بوابة الأهرام – إن الجمع بين
موقعيها أفاد دورة أيام قرطاج السينمائية هذا العام، إلا أن ذلك لا يمنع
أنه سيتم الفصل بين إدارة المركز وإدارة المهرجان العام المقبل، مشيرة إلى
أنها غير راضية عن كثرة عدد الأفلام في الدورة 35، وأنه لا يمكن الحديث عن
أي تطوير للقطاع السينمائي في تونس دون زيادة عدد دور العرض.
وفيما يلي نص الحوار:
عملت في الإدارة الفنية لأيام قرطاج السينمائية من قبل،
ماذا تغير هذا العام بعد توليك أيضا مسئولية المركز السينمائي التونسي؟
** تواجدي في المهرجان يعود إلى عام 1994 عبر مواقع مختلفة، حيث كنت مسئولة
عن المركز الصحفي ثم برنامج الأفلام القصيرة ثم أصبحت مديرة فنية بدءا من
عام 2017 مع الراحل نجيب عياد، وكنت دائما بعيدة عن الجانب الإداري فيها،
لكن تسميتي على رأس إدارة قطاع السينما التونسي في نوفمبر الماضي، قبل أقل
من شهر على انطلاق دورة "قرطاج 2024"، غيّر رؤيتي للأشياء وجعلها أكثر
شمولية بإضافة الجوانب الإدارية والقانونية والمالية والسياسية أحيانا..
ولم تكن تجربة الإدارة غريبة عليَّ، حيث توليت إدارة المدرسة العليا للسمعي
البصري والسينما لمدة أربع سنوات، وكنت أعرف كيفية التسيير والترشيد
المالي.
أيام قرطاش السينمائية
وهناك الجانب التقني، المتعلق بتجهيز قاعات العرض، الذي لم
تكن لي كمبرمجة سلطة عليه من قبل، ووجودي على رأس المركز مكنني من ذلك
وسرّع من وتيرة الإجراءات التقنية في وجه تحد كبير كان يواجهنا وهو إعادة
تأهيل القاعات في وقت قصيربعد فترة ركود طويلة أعقبت انتشار وباء كورونا ثم
إلغاء دورة العام الماضي من المهرجان، مما أبعد الجمهور قليلا عن قاعات
السينما، وكان لابد من تطويرها وفقا للمعايير الدولية للصوت والصورة لإعادة
هذا الجمهور مرة أخرى، ولم يكن أمامنا سوى أسبوعين فقط، ولا شك أن وجودي
بالمركز ساعدنا على إنجاز ذلك بالسرعة المطلوبة، فالمعروف أن مهرجان قرطاج
يُقام تحت إشراف وزارة الثقافة التونسية وميزانيته يتم اعتمادها وصرفها من
قبل المركز الوطني للسينما والصورة، ووجودي في الموقعين يسّر الأمور وسهّل
عليَّ شخصيا عمل التوازن المطلوب بين المسئول الفني، الذي قد يشطح بخياله
ومطالبه أحيانا، والمسئول الإداري الذي يجب أن يكون أكثر واقعية.
رغم ما تم خلال الاستعدادات لـ"الأيام"، لاحظ جمهورها أن
القاعات القديمة ما زالت في حاجة للتطوير..
** أستهدف في خطتي إعادة تأهيل قاعات الجمهورية القديمة كلها.. صحيح أنها
جميلة جدا ولها تاريخ طويل، لكن لابد من تطويرها والنظر إليها بطريقة أخرى
وإدخال رءوس أموال جديدة لها مع الحفاظ على طابعها الفني والمعماري. تأهيل
القاعات وزيادة عددها أولوية قصوى بالنسبة لي لأن أي خطط لإصلاح قطاع
السينما وزيادة الإنتاج لن تجدي في ظل خريطة القاعات الحالية.
هل تملكون هذه القاعات؟
** لا، المركز لا تتبعه سوى القاعات الثلاث الموجودة في
مدينة الثقافة الجديدة، والقاعات القديمة ملك القطاع الخاص، لكن الدولة
تساعد ماليا في ترميمها وتحديثها خاصة في فترة انعقاد أيام قرطاج
السينمائية لأنها تستخدمها وتستقبل فيها جمهورها، والأهم لأن التقنيات
الحديثة تستوجب عرض الأفلام بتجهيزات محددة للصورة والصوت.
لوحظ أيضا أن الإقبال الجماهيري أقل مما اعتادت عليه
"الأيام"، ما السبب في رأيك؟
** جمهور القاعات القديمة يتابع فيها طوال العام الأفلام
التجارية، وأفلام "قرطاج" فنية بالأساس، وربما تسبب وجود القاعات الجديدة
بمدينة الثقافة في تراجع الأعداد لأننا نقلنا المسابقات الرسمية - التي
تحتاج إلى تقنيات عرض عالية - إليها منذ سنوات.. وأعتقد أن ذلك سيتغير
خلال الدورات المقبلة مع تطوير القاعات القديمة. وبشكل عام، تشهد الصالات
الكلاسيكية بشارع الحبيب بورقيبة عزوفا من الجمهور يواكب العزوف العالمي
لأسباب كثيرة بدأت بانتشار كورونا ولم تنته بانتشار المنصات ووسائل العرض
المنزلية وقرصنة الأفلام كذلك.
هل يستمر الجمع بين إدارتي المركز والمهرجان في المستقبل؟
** لا، أنا أنجز هذه الدورة فقط، والدورات المقبلة ستشهد
بالتأكيد الفصل بين الموقعين بتسمية مدير فني جديد لأيام قرطاج السينمائية،
وسأتفرغ لخطط المركز الوطني المستقبلية ومشروعاته مثل السينماتيك وغيره، مع
استمرار الإشراف المالي والإداري للمركز ودعمه لإدارة المهرجان بالطبع.
هل أنت راضية عن دورة هذا العام؟
** أنا راضية عن البرامج والأفلام، التي جاءت على قدر
انتظار الجمهور والسينمائيين عامين بعد تأجيل المهرجان العام الماضي مما
أربكنا وأصابنا بالإحباط.. وسعدت بقدرتنا على تجاوز تلك الحالة والحفاظ على
اتفاقاتنا السابقة مع المنتجين والموزعين بالدورة المؤجلة، وكذلك عدد كبير
من أعضاء لجان التحكيم، بالإضافة بالطبع للأفلام الجديدة، وإن كنا في قرطاج
لا ننشغل بمسألة العروض الأولى مثل غيرنا من المهرجانات، ولا نشترط عدم عرض
الأفلام في أي مكان قبل عرضها لدينا.
وأشعر بالرضا أيضا عن برمجة الأفلام التونسية، حيث إن لدينا
زخما من إنتاجنا السينمائي وتراكما بسبب تأجيل العام الماضي أيضا، وكنا
نشعر بالمسئولية تجاه صناع هذه الأفلام الذين لا توجد لديهم فرصة أخرى لعرض
أعمالهم على هذا المستوى لأنه لا يوجد مهرجان وطني للسينما التونسية،
وفكرنا أن "الأيام" يمكن أن تكون عرسا بديلا عنه وفرصة لتسويق الأفلام لأن
أي فيلم يُعرض في المهرجان – حتى لو خارج المسابقة – تزداد فرص بيعه.
هل كانت لديك مشكلة في الميزانية مثل كثير من المهرجانات
العربية؟
** تقريبا لا. الحلول كانت موجودة، ودوري كمديرة للمركز
الوطني أن تكون الميزانية أقوى. أدعو لزيادتها وفي نفس الوقت ترشيدها، سواء
بإزالة التعقيدات الإدارية التي تعوق حجز تذاكر الطيران بأسعار معقولة، أو
تعوق التعاقد مع الفنادق بأقل الأسعار.
هل الترشيد له علاقة بقلة "النجوم" المدعوين؟
** هذا خيار دائم لمهرجان قرطاج الذي يهتم أكثر بصناع
الأفلام من المخرجين وغيرهم، ودعوة النجوم مشروطة بمشاركة أعمال لهم، وأيضا
بعدم دفع مقابل مادي لحضورهم، في حين تدفع لهم بعض المهرجانات أموالا طائلة
لا تقدر عليها ميزانيتنا.
ما هي السلبيات التي لا ترضين عنها؟
** ربما كثرة عدد الأفلام، فمن شأنها إرهاق المشاهدين
وإرهاقنا أيضا، لكنه خيار استقرينا عليه وواصلناه للنهاية لعدة أسباب،
أهمها تأجيل المهرجان العام الماضي كما ذكرت. وهناك جوانب لا أعتبرها
سلبيات بل خططا نعمل على إنجازها ومنها: إعادة هيكلة المهرجان وتسمية مديره
الفني مبكرا لإتاحة الوقت الكافي له للعمل وإعادة النظر في موعده.
الموعد يقودنا للحديث عن تداخل المهرجانات السينمائية
العربية وتزاحمها في الشهور الثلاثة الأخيرة من السنة فقط..
** كان موعدنا دائما في أواخر أكتوبر لكن مهرجان الجونة
اختاره فاضطررنا للتأخير حتى منتصف ديسمبر. ولو عادوا لموعدهم الأصلي في
سبتمبر سنعود نحن الآخرون لموعدنا. المهرجانات العربية بالفعل تعاقبت خلال
فترة قصيرة ولم يفصل بين كل منها والآخر سوى أيام قليلة مما أصاب المشاركين
فيها ومتابعيها بالإرهاق والارتباك. وأدعو هنا للتنسيق والتعاون بينها
لتفادي ذلك مستقبلا. كنا ننسق بالفعل مع بعض المهرجانات لكن ذلك لا يحدث
حاليا للأسف، فقد خيم على المهرجانات الجانب التجاري، بل حتى "الاحتكاري"
الذي يقلقني للغاية اليوم لأن كل مهرجان يريد أن يحتكر عرض أفلامه – التي
منحها دعما ماليا خلال رحلة إنتاجها على سبيل المثال –متناسيا أن كل مهرجان
له جمهوره المختلف.. و"قرطاج" تحديدا لا يهتم بمسألة العروض الأولى ولا
بالأفلام ذات الطابع التجاري كما أسلفت.
ألا يوجد اتحاد للمهرجانات العربية للقيام بالتنسيق
والتعاون المطلوبين؟
** لم يعد موجودا على حد علمي وليته يعود، فنحن في حاجة
للتنسيق وضبط الأجندة الآن أكثر من أي وقت مضى، وفي حاجة أكثر لإعادة هيكلة
المهرجانات العربية وإعادة صياغتها – في ظل أوضاع العالم العربي الراهنة
المعروفة – بحيث تنبذ الاحتكار ويكون محورها الإنسان وقضاياه وليس المادة. |