ملفات خاصة

 
 
 

عبد اللطيف عبد الحميد..

ذاكرة الحب والسخرية

نـاهـد صـلاح

عن رحيل

عبداللطيف عبدالحميد

   
 
 
 
 
 
 

المخرج السوري عبد اللطيف عبد الحميد (1954-2024)، رحل عنا مؤخرًا تاركًا خلفه 70 عامًا تقاسمتها أزمنة عدة، عرف في مشواره السينمائي كيف يرتفع بأفلامه الشفيفة وكيف يجعلها انعطافة بالغة الرقة والصدق في السينما السورية، قدم هذه النوعية من الأفلام التي تكترث بمصير الحالمين، وتبدو كأنها هدنة المتعبين، تدلف بهم إلى نهارات متعددة دون أن ترميهم إلى الريح أو تصعد بهم في خيالات غائمة إلى ما وراء الطبيعة، فخيالاته كانت أوضح وأكثر حنانًا من واقعه الجريح، من خلالها يُحصي العواطف ويرسخ طريقًا للبقاء ويبرهن أنه في وُسعنا دائمًا أن نعيد النظر إلى الحياة وتفاصيلها.. أفلامه كونت هذه السينما التي تتسع باتساع المنحدرات وتضم هشاشة البشر، السينما الرقراقة، كما وصفتها الكاتبة والناقدة السورية ديانا جبور، قائلة:" يكفي عبد اللطيف عبد الحميد فخرًا أنه وضع حجر الأساس لعلاقة وطيدة بين السينما النوعية والجمهور"، مشيرة إلى ما حققته أفلامه من معادلة سحرية، فإنها جماهيرية تجارية من جهة:" لأنها تهز الأرواح وتنقب عن الجمال وتستخرج الضحكات"، ونخبوية مُقدرة نقديًا وفي المهرجانات السينمائية:" صادقة، شديدة المحلية فكانت محليتها بوابة لانتشار مذهل يلبي الفضول المعرفي من قبل الآخر".. إنها إذًا كانت رمانة الميزان في السينما السورية الموزعة بين ضفتين متربصتين ببعضهما البعض، إما سينما تجارية تخاطب الغرائز، وإما سينما نخبوية لأن عينها على المهرجانات، كما قالت ديانا جبور أيضًا في محاولة لوصف وإنصاف تجربة سخية تشبه صاحبها الغائب، الحاضر برصيده ووجهه الباسم، أحد الأيقونات السورية المُكللة بحدس مطمئن يُرضي الروح والنفس، وإن ترعرعت في داخله الكثير من الأسئلة القلقة التي يُكمل بها دورته الفني ويتبع حلمه ويقاسمه مع مشاهديه وجمهوره في بلاغة حرة وطيبة.

نحو 18 فيلمًا أو أكثر قليلًا من بينهم أفلام وثائقية:"أيدينا،"أمنيات"، وروائية قصيرة: "تصبحون على خير، درس قديم، رأسًا على عقب"، غير ما يقرب من  13 فيلمًا روائيًا طويلًا كانت كلها من تأليفه، نهجه المعروف في فضاء سينما المؤلف، النهج الذي يقتفيه كثيرون من المخرجين السوريين، أفلامه تشرح أحوال بلاده بكاملها ونقصانها، ناسها وأشجارها وبيوتها، تفاصيلها التي يمكن أن نقيس بها المسافة بين بشر تطرق الحواديت أبوابهم وبين الوجود والحياة إلى الحرب والأنقاض، بين الأمل والخيبات.. ثمة بلاغة في الصورة والصنيع البصري الذي قدمه عبد اللطيف عبد الحميد في أفلامه، لكن هذه البلاغة البصرية اعتمدت على اشتغال درامي مصنوع بحرفية ممتعة، ومتوغل في أحوال البيئة والمجتمع وأفراده، اشتغال مرتبط بجمالية سينمائية تواكب مسارات الأفراد، ويتخللها أحيانًا الضحكة التي تُشاطر الوجع ويقتسمها شخصيات الأفلام وجمهورها، وكأن الجميع على حافة الهاوية لا يمتلكون سوى التحديق في ليل طويل لعل وعسى يظهر بعض الوهج.

عندما نعرف أن عبد اللطيف عبد الحميد الذي درس في المعهد العالي للسينما بموسكو وتخرج منه في العام 1981، عمل في بداية حياته موسيقيًا، نفهم جيدًا إهتمامه بالموسيقى في أفلامه، وهنا لا أقصد الموسيقى التصويرية فقط وإنما كجزء من موضوع ودراما الأفلام، وهذا يفسر حضور الأغنيات والألحان بين طيات الأحداث، بلغت ذروتها مثلًا في "ما يطلبه المستمعون" (2003) و"عزف منفرد" (2018)، في الفيلم الأول تطل هذه الحالة من خلال البرنامج الإذاعي الشهير "ما يطلبه المستمعون" على خلفية من الحب والحرب، في قرية سورية عفوية ببساطتها ومعيشتها وجميلة بالحب الذي يتهدد بالحرب والاحتلال الذي يحرم عاشقًا من سماع أغنية تهديه إياها حبيبته، والثاني تأتي حرب أخرى يقاومها "طلال" عازف الكونترباص، والأحداث هذه المرة في دمشق، تستدرجه الصدفة إلى مواجهة وضعه الجديد تحت وطأة الحرب؛ في حاضره المكسور بين أمس جميل بأحلامه الصغيرة وغد يشبه ورقة اليانصيب، وطلال مجبور على عبور هذا البرزخ بين الزمنين تطوقه عواطفه الخبيئة فيما يمتحن مفاهيماً كان يعتقد أنها عصية على التبدل، من حسن حظه أن الحرب لم تسلبه إنسانيته، ليكون من العلامات التي تجعل الحياة ممكنة في مدينته التي استنزفتها الحرب والحزن وقلة فرص العمل وانقطاع الكهرباء، نرى معه المجتمع السوري من زاوية أخرى ترصد التغيرات التي حدثت للإنسان بعد الحرب، فالإنسان هنا هو موضوع الفيلم وحكايته الحاضنة لتفاصيل كثيرة تُربي الأمل وتخرج من وحشية الحرب بـ"عزف منفرد" للمقاومة بالموسيقى والحب والشغف بالحياة ومساعدة الأخرين، هذا غير "نسيم الروح" (1998)، قصيدته السينمائية التي أهداها لروح الموسيقار بليغ حمدي.

ببعض التأمل ندرك أن الموسيقى صحيح إقتفت الحكاية في أفلامه، لكننا نستبصر ملمحين أسسا لتجربته وهما الحب والبراءة الجامحة، صاغهما كما لو كان ينبهنا جميعًا إلى عناوين كبرى تجعل الحياة طبيعية وتُحتمل، معاناة الأحبة ترنو إلى المأزق الذي لا ثقب له يمكن الفرار منه، لكن ببعض الكوميديا يتخفف الألم قليلًا، ولكن ماذا عن ثنائية الحب والموت في معظم أفلامه، كما رأينا مثلًا في ""أنا وأبي وأمي وأنت" (2017)، يأخذنا الفيلم إلى جدلية "الحب والحرب"، تلك التي اختصرها هيراقليطس في مقولته الشهيرة "الحرب ربة الأشياء"، العلاقة الملتبسة بين الحب والحرب، الشيء وضده، انفجارات القذائف وتشظي الروح، ربما يصبح القتلى في الحرب منسيين، لكن العشاق في السينما هم عشب الحكايات، و"الحب كالحرب، سهل أن تبدأها، صعب أن تنهيها، مستحيل أن تنساها" كما ورد على لسان بطل الفيلم لحبيبته.

وصف تفاصيل الطبيعة أو بالأحرى تقديمها كما لو كانت لوحة على جدار الكون، مهارة لم يؤتها عبد اللطيف عبد الحميد بالصدفة، إنما بقدر من الشفافية والحضور والتخزين المعرفي وكذلك التوغل في البيئة الريفية السورية وتقديم قراءة متجددة لجغرافيا مختلفة عن العاصمة، قدم خلالها صورة مغايرة ومأهولة بلهجات وقصص متنوعة، صاغها المخرج الذي عمل مساعدًا في فيلم (أحلام المدينة) عام 1983  للمخرج محمد ملص، قبل أن يباشر مشواره بخطوته الأولى (ليالي ابن آوى) (1988)، فبخلاف الموضوع المؤثر في فيلمه الروائي الأول والذي جاء موضوعه من جرح نكسة  1967، قدم واحدًا من أهم نماذج الأم في السينما السورية، أم كمال (نجاح العبد الله) قوية الروح التي تُسكت بنات آوى بـ"صفارة" منها، لكنها تموت كمدًا على ابنها الشهيد.

أخلص عبد اللطيف عبد الحميد لسينما بدت كأنه نثر فيها الكلام على سجيته ليدخل في الحكاية ويضيء لمن سيأتي بعده، فيها الكثير من الشجن والسخرية، لم تكن عاطفية فقط ولكنها كانت إنعكاسًا لأحلامه وطموحاته في التعبير عن وجع البشر والحجر، كانت شاهدة على الانكسار والأمل، كل هذا تضمنته: "رسائل شفهية" (1991)، وهذا الشاب الريفي الخجول الذي يحب جارته الجميلة، لكن أنفه الضخم يلغى فرص أن تلتفت إليه يومًا مما يصيبه بالاحباط ويرسل مجموعة من الخطابات لها من خلال شاب وسيم أصغر منه سنًا فتحب الشخصين معًا دون أن تدرى أن كاتب الرسائل والشاب الوسيم شخصان مختلفان.. وسريالية "صعود المطر" (1994) بمنحاه الإنساني  عن كاتب مبدع، يعيش تعقيدات الحياة في مدينة تنبذ أبنائها عن مركزها إلى أطرافها، ثم "نسيم الروح" (1998)، فيلم حيوي ورقيق يمجد الحب ويرسخ للتضحية، وواقعية "قمران وزيتونة" (2001) التي يتلازم فيها الحب والقهر إلى "خارج التغطية" (2007)، و"أيام الضجر" (2008) ويناقش فيه زمن الوحدة بين سورية ومصر عام 1958، على خلفية من الصراع العربي الإسرائيلي من خلال أربعة أطفال يرحلون من الجولان السوري، يحاولون قتل هذا الضجر والملل، ويظل الحب مصدر الحكايات في أفلامه كما "مطر أيلول"2010، "العاشق" (2012) حتى "الإفطار الأخير" (2021)، ثم آخر أفلامه "الطريق" (2022).

لم يكتف عبد اللطيف عبد الحميد بالكتابة والإخراج، لكنه إتجه أيضًا إلى التمثيل حينًا في أفلامه وأحيانًا في أفلام الآخرين، كما لو كان يبحث عن وسائل أخرى تكتمل بها صورته الفنية، ربما طريقته ليروي الحكايات بأسلوب مختلف أو وسيلته ليرتاح قليلًا من سطوة المخرج، ربما كانت هدنة لامتحان نواياه وفرصة للسلام النفسي، أرادها "نسيم السينما السورية" ليترك أثرًا يسهم به في صنع اشتغال بصري من نوع أخر، قبل أن يغادر وينتبه الجميع إلى غيابه المباغت.

 

جريدة القاهرة في

21.05.2024

 
 
 
 
 

رحيل المخرج السوري عبداللطيف عبدالحميد

فنانون سوريون يصفون الراحل بأنه أحد "أعمدة السينما السورية" فيما يرى آخرون أنه يرتقي إلى مصاف المخرجين العالميين.

دمشقودع الوسط الثقافي في سوريا المخرج السينمائي عبداللطيف عبدالحميد الذي رحل مساء الأربعاء عن عمر ناهز 70 عاما بعد معاناة مع المرض. ونعت نقابة الفنانين والوسط الثقافي المخرج الكبير الذي أحدثت أفلامه الجماهيرية انعطافة في مسيرة السينما السورية منذ النصف الثاني من ثمانينات القرن العشرين.

ولد عبداللطيف عبدالحميد في العام 1954 لأسرة من لواء إسكندرون السليب نزحت إلى قرية البهلولية في ريف اللاذقية هربا من بطش النظام التركي. وقضى المخرج المبدع سنوات طفولته متنقلا بين حمص والجولان السوري المحتل بحكم عمل والده في الجيش العربي السوري وكانت السينما شغفه الأول، فكان لا يترك فيلما عربيا وأجنبيا تعرضه صالات مدينة اللاذقية.

وعندما حصل الراحل عبدالحميد على الشهادة الثانوية درس الأدب العربي في جامعة تشرين حيث أشبع هوايته الفنية بالعمل في المسرح الطلابي وسعى لدراسة الموسيقى في مصر ولكن ثمة عوائق حالت دون تحقيق حلمه.

أفلام المخرج الراحل الجماهيرية أحدثت انعطافة في مسيرة السينما السورية

وأخذت مسيرة حياة عبداللطيف عبدالحميد طريقها الصحيح عندما حصل على منحة لدراسة السينما في المعهد العالي للسينما بموسكو وتخرج منه عام 1981 منجزا خلال سنوات دراسته ثلاثة أفلام وهي “تصبحون على خير” و“درس قديم” و“رأسا على عقب”. وبعد عودته إلى دمشق أنجز للمؤسسة العامة فيلمين تسجيليين هما “أمنيات” و“أيدينا”.

تعرف جمهور السينما السورية على عبدالحميد عندما عمل مخرجا مساعدا في رائعة محمد ملص “أحلام مدينة” سنة 1983، وفي العام 1987 أدى الشخصية الرئيسة في فيلم “نجوم النهار” لأسامة محمد لينال مع فيلمه الأول “ليالي ابن آوى” إنتاج عام 1989 سيف مهرجان دمشق السينمائي الذهبي وجائزة أفضل ممثل للفنان أسعد فضة والزيتونة الذهبية في مهرجان حوض المتوسط في كورسيكا والجائزة الذهبية من مهرجان الفيلم الأول الدولي في أنوناي بفرنسا.

وأتبع المخرج الراحل عمله الأول بثلاثة أفلام صنفها النقاد مع “ليالي ابن آوى” ضمن رباعية ريفية تناولت بيئة الساحل السوري في حقبة الستينات من القرن الماضي مع “رسائل شفهية” إنتاج عام 1989 الذي نال جوائز عديدة في مهرجانات فالنسيا ومونبليه ثم “قمران وزيتونة” إنتاج عام 2001 و”ما يطلبه المستمعون” إنتاج عام 2003. وقام عبدالحميد عبر فيلمه “نسيم الروح” إنتاج سنة 1998 بخطوة غير مسبوقة في السينما السورية والعربية عندما خصص هذا العمل تحية لروح الموسيقار المصري الراحل بليغ حمدي.

ولم تطفئ نيران الحرب وآلامها جذوة الإبداع عند المخرج الراحل من كتابته وإخراجه للعديد من الأفلام التي صورت الحرب بصورة متعددة تطرق في بعضها إلى تأثيراتها السلبية على المجتمع السوري بشكل عام والأسرة بشكل خاص من فيلم “أنا وأبي وأمي وأنت” و”طريق النحل” عام 2017 و”عزف منفرد” عام 2018. وكان آخر أعمال عبداللطيف فيلم “الطريق” عام 2022 والذي توج بثلاث جوائز في أيام قرطاج السينمائية.

عبداللطيف عبدالحميد الذي أخرج للسينما السورية نحو 20 فيلما جميعها من كتابته، سَحَر الجمهور أيضا بأدائه التمثيلي المعبر والبارع في الأفلام التي شارك فيها مقدما شخصيات فريدة بدءا من “نجوم النهار” ومرورا بـ “ماورد” إخراج أحمد إبراهيم أحمد و“بانتظار الخريف” لجود سعيد و“أمينة” لأيمن زيدان، مثبتا بحق أنه الفنان الشامل.

ويصف عدد كبير من الفنانين السوريين عبدالحميد بأنّه أحد “أعمدة السينما السورية”، فيما يرى آخرون أنه يرتقي إلى مصاف المخرجين العالميين الأكثر شهرة مثل الإيطالي فيدريكو فيلليني، والبوسني أمير كوستاريكا، إذ كتب وأخرج أفلاما حظيت بشهرة واسعة، وتتلمذ على يديه العشرات من الفنانين والمخرجين.

عبداللطيف عبدالحميد الذي أخرج للسينما السورية نحو 20 فيلما جميعها من كتابته سَحَر الجمهور بأدائه التمثيلي المعبر والبارع في الأفلام التي شارك فيها

يقول المخرج الراحل واصفا أعماله التي توصف بأنها رسمت بسمة السينما السورية “يسألني الشباب دائما: كيف نكتب ونصنع الكوميديا؟ فأجيبهم: ليست لديّ وصفة سحرية جاهزة لذلك، بل لديّ نصيحة واحدة هي: كن أنت.. عبّر عن نفسكَ كما تحسّ وكما ترى الحياة، هذه الحياة تقدّم لكَ الكوميديا كما تقدم لكَ التراجيديا، لا تفكر في الأمر كثيرا، لأن واحدة منهما ستختارك أو الاثنتين معا فتصنع ما يسمى بالكوميديا التراجيدية”.

كما يصفه الناقد والمسرحي التونسي الراحل حكيم مرزوقي بالقول “عبداللطيف عبدالحميد فنان لم تغرب شمسه وسط هذه الحشود الهائلة من العاملين في القطاع السينمائي كما أنه دائم التجديد، مما يجعله محط إعجاب كل الفئات العمرية والحساسيات الفنية لما تتميز به عدسته بالنقاء والعفوية في بيئة لم يجهّز لها ديكورات مصطنعة وإنما يختار مواقع تصوير وكأنها خلقت لتكون خلفية أحداث فيلمه”.

ووصفه الكاتب السوري سامر محمد إسماعيل في إحدى مقالاته بأن أفلامه “أكدت أن تجربته السينمائية لم تقتصر على الريف السوري بقدر ما كانت دائما عن المدينة السورية، عن الشخصية السورية التي حاول هذا الفنان تهجئة مراراتها وخيباتها الجماعية، مثلما كان عصفور بريدها الطفولي الحالم، فالمدينة كما هو الريف الذي شاهده الجمهور بعين الحب في أفلامه، كان بعيدا عن أي ضغينة للقرية أو شعور بالدونية نحو المدينة، بل أجمل بكثير من مخرجين جايلوه وكانوا يصنّفون أنفسهم بأنهم عشاق دمشق وحراس جمالها”.

وقد نعت وزارة الثقافة والمؤسسة العامة للسينما المخرج الراحل، قائلتين في بيان مشترك “رحل المخرج السينمائي الكبير عبداللطيف عبدالحميد تاركا إرثا سينمائيا غنيا حمل قيمة كبيرة في تاريخ السينما السورية والعربية عموما”.  ونعاه المخرج السوري جود سعيد الذي رافقه لسنوات طويلة، عبر صفحته في فيسبوك، قائلا “لا ضحكات من بعدك. السينما السورية تنعى بسمتها، عبداللطيف إلى لقاء في عالم أقل وجعا”.

 

العرب اللندنية في

17.05.2024

 
 
 
 
 

عبد اللطيف عبد الحميد : فارس السينما السورية

دعد ديب

يلاحقنا الموت ويترك آثاره في كل مكان، ومع كل رحيل ينطفىء نور في القلب، لم يكد يتوارى حزن حتى نفاجأ بحزن جديد آخر، عبد اللطيف عبد الحميد ..صاحب ليالي ابن آوى يترجل عن منصة الحياة، وكأنه قدر المبدعين المغادرة في أوج العطاء، سبقه حاتم علي وخالد خليفة في استعجالهم لقاء العالم الآخر.
عبد اللطيف عبد الحميد نستطيع القبول إنه فنان شامل توزع إبداعه الفني في مجالات شتى؛ في التمثيل والتأليف والإخراج والسينوغرافيا والإخراج المساعد، وقد قدم للسينما السورية أعمالا على درجة عالية من الجمال والحرفية، وصنفت من أهم الاعمال السينمائية
.

 قام عبد اللطيف عبد الحميد أثناء دراسته الأكاديمية في موسكو بإخراج ثلاثة أفلام هي على التوالي: “تصبحون على خير، درس قديم، رأسًا على عقب”، لتكون باكورة إبداعه التي تكللت بكم كبير من الأعمال التي أنتجت في ما بعد.

بصمة صاحب “مايطلبه المستمعون” حاضرة في ذاكرة السوريين، وخاصة الأفلام التي أنتجتها المؤسسة العامة للسينما، لدرجة أنه لقب بحاصد الجوائز التكريمية التي استحقها بكل جدارة، ومنها جائزة الزيتونة الذهبية في مهرجان حوض المتوسط بكورسيكا (1989) ، والجائزة الذهبية في مهرجان الفيلم الأول الدولي في أنوناي بفرنسا (1990) ، وحصد فيلم: (رسائل شفهية) الجائزة البرونزية في مهرجان فالانسيا لدول المتوسط /إسبانيا/  1992  .

جائزة الجمهور الشاب في مهرجان مونبليه في فرنسا 1992

جائزة اتحاد النوادي السينمائية الأوروبية /مونبليه/ 1992

جائزة النقاد «مجلة الاوبزرفاتور» في مونبليه 1992

في عام 1994 ـ حصل فيلم: (صعود المطر) على جائزة أفضل ممثـــل وتصوير وموسيقى في مهرجان دمشق السينمائي التاسع  1995 .

أفضل إنجاز سينمائي وجائزة النقاد في مهرجان قرطاج 1995 .

في عام 1998ـ  حصل فيلم: (نسيم الروح) على الجائزة الفضية في مهرجان دمشق السينمائي 1999.

جائزة لجنة التحكيم الخاصة وجائزة الجمهور الشاب في مهرجان جربا بتونس 1999.

جائزة أفضل ممثل في مهرجان الفيلم العربي بباريس 2000 .

في عام 2001 ـ حصل فيلم: قمران وزيتونة، على الجائزة الفضية في مهرجان دمشق السينمائي 2001 .

في عام 2004 ـ حصل فيلم: ما يطلبه المستمعون، على جائزة لجنة التحكيم الخاصة للفيلم السوري

في عام 2006 نال فيلم خارج التغطية الجائزة البرونزية.

الجائزة الأولى في ختام مهرجان وهران السينمائي 2008 .

كذلك نال فيلمه (أيام الضجر) جائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان دمشق السينمائي السادس عشر، وآخرها الجائزة الأولى في ختام مهرجان وهران السينمائي 2008.

كان الريف السوري حاضرا في أغلب أعماله، لما لواقع الطبيعة وألوانها من جمالية فائقة وشحت أعماله بالألوان والطبيعة البكر الساحرة وبساطة أبنائها التي استطاع تجسيدها بجمالية ومهارة عاليتين.

وقد نال فيلمه الأول “ليالي ابن آوى” من إنتاج عام 1989 سيف “مهرجان دمشق السينمائي” الذهبي، وجائزة أفضل ممثل للفنان أسعد فضة، الفيلم الذي عكس الخلفية الاجتماعية لهزيمة حزيران. وقد امتاز بتصوير الهزيمة في النفوس قبل أن تحدث في الواقع، حيث الجهل والفقر في الريف السوري الذي كان خزانًا واسعًا للتعبئة العسكرية لمواجهة العدو، وقد رصد الخوف العميق الكامن في النفوس  لدى الفرد البسيط من كائنات الطبيعة “ابن آوى “، في تناقض بين شخصية العنجهية الذكورية وبين خوفه الداخلي وما يتركه الجهل والأمية والحاجة والفاقة من عتمة وخواء كبيرين داخل نفسه، وفي فيلم “رسائل شفهية” استمر عبد الحميد في رصد الحياة الريفية وقسوتها والحب الذي ينمو في الضلوع ..ودائما الحب الذي لا يستمر بفعل واقع مضاد لا يسمح للقلوب الصغيرة بأن تحقق أحلامها، والحب نفسه يعرضه شفافًا نقيًا في “نسيم الروح “، في دراما البوح والظروف والارتباط العائلي، سمفونية الحب التي  يتابع عزفها في “مطر أيلول” في نماذج متعددة من أفراد أسرة عاشقة، يصادرها كتبة تقارير مجهولون يتسببون بالرعب والخوف ويغتالون اللحظات الجميلة

  من الصعوبة بمكان أن نلخص أعماله جميعها في عجالة رحيله، ولكن نستطيع القول إنه هو الحب الذي كان خيطًا حريريا يلمها كلها، رحل صاحب ”خارج التغطية” في قمة الضوء، تاركًا إرثًا فنيًا حافلًا بالمجد وفراغًا كبيرًا في عالم السينما والفن

 

الصباح العراقية في

22.05.2024

 
 
 
 
 

وفاة عبداللطيف عبد الحميد..

أرسل رسائله ومضى في طريق النحل

دمشق: على العقباني

خمسة عشر فيلماً روائياً طويلاً وعدد من الأفلام الروائية والوثائقية القصيرة كانت كافية لجعل اسم عبد اللطيف عبد الحميد (1954 - 2024) علامة فارقة في السينما السورية، وليس هذا فحسب فلربما كان عبد الحميد اسماً بارزاً منذ فيلمه الروائي الطويل الأول {ليالي ابن أوى} 1988 والذي نال عليه أكثر من جائزة عربية وعالمية، ثم تلاه بفيلمه الثاني {رسائل شفهية} 1991 وهو التجربة التي جعلت سينما المؤلف في الواجهة السينمائية السورية من جديد.

وهو الفيلم الذي ازدحم الجمهور لمشاهدته مرات ومرات، وما زال حاضراً حتى اليوم، فمنذ هذين الفيلمين عرف عبد اللطيف كيف يبني جسور تواصله مع الناس، وجعلنا نتساءل ما هي تلك الخلطة السحرية المشبعة بالحب والواقعية والسخرية المرة والكوميديا التي جذب الجمهور إليه، خلطة لا يعرف أسرارها سوى عبد اللطيف نفسه، خلطة تغرف من البيئة المحلية والمكان وأنماط معينة من الناس، ببساطة مدهشة تصل حد السذاجة، وبلغة سينمائية خاصة ذات مدلولات خاصة جعلت منه علامة سينمائية مميزة وفارقة .

عشقه للإخراج والتمثيل والخوض في عوالم الصورة والمسرح، لم يمنعه من تعلم العزف على آلة العود عندما كان صغيراً، ومن بعده الانضمام لبعثة الإخراج للدراسة بالمعهد العالي للسينما موسكو 1981 مفضلاً الإخراج على الموسيقى، فعبد اللطيف عبد الحميد والذي يمكن اعتباره واحداً من أهم رموز السينما العربية من مواليد عام 1954، خريج المعهد العالي للسينما في موسكو 1981، أنجز للمؤسسة العامة للسينما بعد عودته إلى الوطن فيلمين تسجيليين "أمنيات" و"أيدينا".

ثم عمل مخرجاً مساعداً في فيلم «أحلام المدينة» إخراج محمد ملص عام1983، وقام عام 1988 بإخراج أول أفلامه الروائية الطويلة في المؤسسة العامة للسينما بدمشق، "ليالي ابن آوى" الذي حصد مجموعة من الجوائز، منها "سيف دمشق الذهبي 1989، الزيتونة الذهبية في مهرجان حوض المتوسط بكورسيكا 1989، الجائزة الذهبية من مهرجان الفيلم الأول الدولي في انوناي بفرنسا 1990".

وجاء بعده فيلم "رسائل شفهية" عام 1991، وتتالت الأفلام التي كانت سفيرة السينما السورية إلى العالم.
استطاع عبد اللطيف عبد الحميد عبر أفلامه حصد حوالي «50» جائزة من مهرجانات عربية وعالمية، رجل مسكون بالحب والحياة والشغف والسخرية المرة والرؤية الخاصة للحياة والفن والسينما وما حدث ويحدث في البلاد خلال السنوات  الأخيرة، اذ تبدو تيمة الحب أساسية في كل أفلامه، منذ رسائله الشفوية التي كان يرسلها إسماعيل لحبيبته سلمى مع رفيقه مروراً بفيله الجميل "العاشق" وحتى "عزف منفرد" و"أنا وأنت وأمي وأبي" و "طريق النحل" وفيلمه الأثير حباً "نسيم الروح" وصولا إلى أخر أفلامه "الطريق" حيث العاشق المراهق البريء وتعلمه وسفره ثم عودته للقرية طبيباً، شخصيات مشبعة بالحب والعطاء والايثار والجمال والحلم برغم معاناتها سواء في الطفولة أو في الكبر، فهو رجل ينتصر للحب في السينما والحياة، حتى موته فيه مسحة نبيلة من الحب والوفاء عبر حزنه على زوجته لاريسا التي رحلت قبله، فهو كان على الدوام يقدم لنا في أفلامه تلك الجرعات الرومانسية لكنها المشبعة بالوجع والقسوة، إنها صفات تشبه روحه ومشاعره الإنسانية الوقادة وحضوره العميق في أرواح كل من عرفه وعايشه وشاهد أفلامه والتقط أسرارها وعمق حبها للناس والحياة
.

علاقته الملتبسة بأمه والتي رحلت مبكرا ووالده تركت في نفسه أوجاعاً وأسئلة،    كانت صعبة على طفل السبعة أعوام ومصيره المجهول وهو يقطع الوديان وصولاً إلى المدرسة، طرقات ومسافات جعلته يكتشف قسوة الحياة والطبيعة مبكراً، وشاهدنا ذلك في العديد من أفلامه، فهو دائم العودة إليها وإلى تلك البيئة البكر والمشاعر البكر والخوف من العقاب والطبيعة والحب... ومن ثم تلك الفجائع والمفارقات  التي  ستحل بتلك الشخصيات في مفارقة صادمة بين البداية والنهاية، وسنجد ذلك جلياً في (ليالي ابن آوي) و(رسائل شفهية) و(صعود المطر) و(نسيم الروح) و(قمران وزيتونة) و(ما يطلبه المستمعون) و(أيام الضجر) و(مطر أيلول) و(طريق النحل) و(عزف منفرد) و(الطريق) .. ومن ثم تناوله الحالة السورية في أفلامه الأخيرة من خلال "الإفطار الأخير" و"أنا وأنت وأمي وأبي" رثائات موجعة لأزمان ومشاعر وأحوال وأشخاص وحالات، لغياب وحضور وموت، وهو كاتب سيناريوهات تلك الأفلام وحيداً أو مع أصدقاء، حيث كانت متعة الكتابة لديه برغم صعوبتها توازي بل وتزيد عن متعة الإخراج.

بصمات عبد اللطيف على السينما السورية والعربية وتأثيرها، رسمها لقطة لقطة ومشهداً مشهداً وفيلماً فيلماً، عبر تحولات كثيرة في رؤاه السينمائية وتطلعاته واختياراته واشتغالاته على أفكار تتمتع بالطزاجة والحب والسخرية والكوميديا بمعناها الواسع والمزاوجة بين الريف والمدينة في علاقة متداخلة وأحياناً تضادية، صاغها ساحر الجماهير وحاصد الجوائز المحلية والعربية والعالمية، بدءاً من أيام الدراسة في موسكو وانتهاء بتكريم فيلم "الطريق" في العديد من المهرجانات العربية والعالمية، وأنا الذي استلمت عنه في أيام قرطاج السينمائية وحدها أربعة جوائز عن هذا الفيلم..  وبرحيله برحيله اليوم تفقد السينما السورية والعربية أحد أسمائها البارزين والمؤثرين.

 

الصباح العراقية في

27.05.2024

 
 
 
 
 

كلاكيت: في رحيل عبد اللطيف عبد الحميد

علاء المفرجي

برحيل المخرج السوري عبد اللطيف عبد الحميد، تكون السينما السورية الجديدة ، قد فقدت احد ابرز روادها، وهو بحق المخرج الذي يرتبط أسمه بأبرز نتاجات هذه السينما، بدءا من تقديم نفسه مخرجا ومؤلفا في فيلمه الأول (ليال أبن أوى)، واستطاع أن يعيد الجمهور السوري لصالات العرض، فقد كانت تجاربه الإخراجية الأولى جاذبة لجمهور السينما المحاصر في كل شيء، حيث الثمانينات، التي كانت أصعب الفترات بالنسبة لسوريا، حيث ساد الفكر الواحد وتعطلت الحياة الثقافية، فكان لا بد من ان يعي الجمهور الحالة هذه من خلال السينما، وهنا تصدى عبد الحميد لهذه المهمة في فيلمه «ليالي ابن آوى» ، وكان أول تململ من خلال السينما، والتي كانت مرفوضة من قبل النظام.

في فيلمه هذا حيث الاب المتسلط على عائلته بأقصى ما تكون القسوة، ولنتعرف على قساوة المجتمع الريفي، وهي التقاطة للمخرج عبد اللطيف في أنه لم يواجه السلطة مباشرة، وإن كانت الدلالة واضحة، فالطاغية هو الأب في المنزل.

فالسينما السورية واجهت اقسى انهياراتها خلال الثمانينيات، والذي مهد هذا الانهيار بروز المخرج عبد اللطيف عبد الحميد المتخرج حديثا من موسكو ومن معهد غيراسيموف للسينما، الذي يُعَدّ من أكبر وأقدم معاهد دراسة السينما في العالم. وكان من الطبيعي أن يكون الأثر الروسي شديد الوضوح، اعني في الأفلام الروسية، من حيث بطء الايقاع، والعاطفة التي تتجلى من خلال أيماءة ، واستلهام الفولكلور.

ولد عبد الحميد بريف اللاذقية في العام 1954، وبدأ مسيرته السينمائية في ثمانينيات القرن الماضي بعد إتمامه دراسة السينما في معهد السينما في موسكو. تخرج من المعهد العالي للسينما في موسكو 1981. أثناء دراسته في المعهد أنجز الأفلام التالية: «تصبحون على خير»، و«درس قديم»، و«رأسا على عقب». أخرج ثمانية أفلام سينمائية سورية وهو كاتب سيناريوهاتها جميعا. هي: نسيم الروح، وما يطلبه المستمعون، وليالي ابن آوى، وقمران وزيتونة، وصعود المطر، وأيام الضجر، وخارج التغطية، ورسائل شفهية.

أنجز للمؤسسة العامة للسينما فيلمين تسجيليين هما: «أمنيات» و«أيدينا». في عام 1983 عمل مخرجا مساعدا في فيلم أحلام المدينة لمحمد ملص. وفي عام 1987 مثل الدور الرئيسي في فيلم نجوم النهار لأسامة محمد. وفي عام 1988 أخرج فيلم ليالي ابن آوى.

وكتب وأخرج فيلم «رسائل شفهية» الذي حقق انتشارا واسعا في العام 1991، ونال العديد من الجوائز عن أفلامه «درس قديم» و»ليالي ابن آوى» و»صعود المطر» و»نسيم الروح» و»قمران وزيتونة».

كما حصل على جائزة الميدالية الذهبية عن فيلم «ما يطلبه المستمعون» في مهرجان الرباط الدولي بالمغرب، وفاز بجائزة أفضل فيلم آسيوي في مهرجان دلهي عن الفيلم نفسه.

ونال المخرج السوري الراحل الجائزة الكبرى لمهرجان وهران السينمائي في العام 2008، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة عن فيلم «ما يطلبه المستمعون».

وحصل على جائزة فئة أفضل إنجاز سينمائي وجائزة النقاد في مهرجان قرطاج 1995، ونال جائزة اتحاد النوادي السينمائية الأوروبية في مونبلييه الفرنسية في العام 1992.

 

المدى العراقية في

30.05.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004