ملفات خاصة

 
 
 

كان 77: "أنواع للطيبة"... يورجوس لانثيموس وأسئلته المتكررة عن الإيمان والخلق

أحمد شوقي

كان السينمائي الدولي

السابع والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

لا يوجد صانع أفلام في العالم يعيش لحظة نشاط وتوهج كالتي يعيشها اليوناني يورجوس لانثيموس. المخرج الذي بدأ من عالم السينما المستقلة الصغيرة في بلده، قبل أن ينجز أفلامًا ناجحة جعلت هوليوود تفتح له ذراعيها، فصار بإمكانه أن يصوّر فيلمين في نفس الوقت، كلاهما مع فريق من كبار النجوم، فيعرض الأول "أشياء مسكينة Poor Thing" في مهرجان فينسيا سبتمبر الماضي وينال الأسد الذهبي، ويخوض رحلة ناجحة انتهت بالتتويج بأربع جوائز أوسكار، في نفس الوقت الذي ينتهي فيه من النسخة النهائية من الفيلم الثاني "أنواع للطيبة Kinds of Kindness" فيختاره مهرجان كان للمسابقة الرسمية وسط حفاوة كبيرة بالفيلم وفريقه.

يصنع لانثيموس سينماه الخاصة، المعتمدة في أغلب تجلياتها على عوالم غرائبية يتم خلالها وضع البشر داخل سياقات انضباطية صارمة، لإعادة تأهيلهم أو حتى إعادة خلقهم على صورة ترضي صاحب التجربة/ السلطة الذي وضعه من البداية في تلك السياقات. الأمر بدأ من "ناب الكلب Dogtooth" عام 2009 عن أب يربي أبنائه الثلاثة بمعزل عن العالم، ثم في مستقبل يوضع الوحيدون فيه في معسكر تأهيل عاطفي ضمن فيلم "الكركند The Lobster"، ثم تجارب مختلفة تدور في نفس الفلك أحدثها كان "أشياء مسكينة" الذي يقوم فيه عالم بإعادة خلق امرأة وتشكيلها على طريقته.

معالم المشروع السينمائي

ثنائيات السيد/ التابع، الخلق/ العبودية، القانون/ الطاعة إذن هي جوهر مشروع لانثيموس السينمائي، وهي ما تضيف إلى ميزات أعماله ما يجعل صاحبها يجمع بين الجاذبية في عالم المهرجانات وسينما المؤلف بنفس جاذبيته لمحبي سينما هوليوود الشعبية. فهو فنان صاحب مشروع متماسك يحمل أفكار حاكمة متكررة، وهو مخرج صاحب أسلوب خاص يمكن تمييزه، بالإضافة لكون هذا الأسلوب جماهيريًا، يقع في مسافة وسطى بين البساطة والتعقيد، فالمُشاهد العادي يحب أفلام لانثيموس لأنها تجعله يشعر بأن هناك معنى أعمق يمكنه أن يدركه، والخبير المتعمق يظل قادرًا على تقدير جمع المخرج بين قيمة المضمون وجاذبية الشكل.

كل ما سبق يجعل يورجوس لانثيموس مستحقًا لوضعه الحالي كأحد أنجح مخرجي العالم، لكنه وضع يخلق في الوقت نفسه تحديًا بأن يظل الفنان قادرًا على تقديم نفس الوجبة المتكاملة في كل مرة. فما يمكن قبوله من أغلب المخرجين لن يقبله محبو لانثيموس الذي ينتظرون في كل مرة أن يحقق المعادلة الصعبة: يأتي بالجديد ويحتفظ بخصوصيته معًا. النهاية الحتمية لهذا الوضع أن يصل الفنان نقطة يصير فيها نسخة مكررة من نفسه (كأفلام الإسباني بيدور ألمودوفار والأمريكي ويس أندرسون الأخيرة مثلًا)، لكن المهارة هي إطالة الزمن قدر الإمكان قبل بلوغ تلك النقطة.

فهل نجح "أنواع للطيبة" في تحقيق هذا الهدف؟ أميل للإجابة بنعم. فبالرغم من أنه عمل أصغر وأبسط بكثير على مستوى الصناعة من "أشياء مسكينة"، يظهر بوضوح كونه المشروع الأصغر الذي أنجزه صانعه بالتوازي مع الفيلم الكبير، إلا أن الاختيارات التأسيسية فيه تجعله يصمد كعمل منفرد متماسك له قيمته، ويصمد أكثر عن وضعه في سياق مشروع صانعه، واعتباره تجلي آخر يطرح نفس الأسئلة بطرق مختلفة.

تعددت الطرق والهدف واحد

أقول "طرق" وليس "طريقة" انطلاقًا من شكل الفيلم، حيث يتبنى "أنواع للطيبة" سردًا أنطولوجيًا، فهو ثلاث حكايات متتالية، زمن كل منها ساعة تقريبًا، يربطها خيط درامي بسيط جدًا يكاد يكون أضيف في النهاية كحيلة خفيفة الظل، لكنها حكايات مستقلة لا علاقة لأحداث كل جزء منها بالآخر، بل إن نفس فريق التمثيل يؤدي شخصيات مختلفة في كل حكاية، يتقدمهم نجما "أشياء مسكينة" إيما ستون ووليام دافو، ويضاف إليهما قوة أدائية تتمثل في جيسي بليمونز (الذي يتقدم شيئًا فشيئًا لسد الفراغ الذي تركه رحيل فيليب سيمور هوفمان المبكر) ومارجريت كوايلي (التي صار من المؤكد أنها ستكون من كبار نجمات العالم خلال السنوات التالية).

كل ما ذكرناه عن مشروع لانثيموس السينمائي يتحقق في "أنواع للطيبة"، فالحكايات غرائبية المدخل، شيّقة وقادرة على جذب انتباه المشاهد لينغمس فيها وإن لم يفهم منطق أبطالها، فيها الحس الميكانيكي للحركة الذي يميز المخرج بصريًا، وفيها بالتأكيد الأفكار الحاكمة التي يفضلها، فالحكايات الثلاث في جوهرها تتأمل فكرة السلطة/ الإيمان، وكيف يمكن أن يطيع الإنسان قوة عظمى يرى من حقها تسيير حياته؟ وما هي اللحظات التي قد يقرر فيها التمرد على هذه السلطة؟ وما هو الثمن الذي سيدفعه مقابل هذا التمرد؟ هل سيكون إعادة بعث يسترجع فيها استقلاليته، أم نكوص يقوده للعودة مستسلمًا أمام القوة الكبرى؟

ليست مجرد أفكار معقدة

حتى لا يبدو الموضوع عميقًا معقدًا أكثر مما ينبغي يجب هنا أن نروي باختصار قصص الفيلم الثلاث. في القصة الأولى يتمرد موظف (بليمونز) للمرة الأولى على مديره (دافو) الذي يسيطر على كل تفصيلة في حياته لدرجة اختيار المرأة التي تزوجها وكيف تعرف عليها، ليحاول أن يجد سبيلًا لحياته بعيدًا عما اعتاد، لكنه يجد نفسه مجبرًا على العودة معتذرًا، باحثًا عن طريقة يمكنه خلالها الرجوع إلى جنة المدير مرة أخرى.

القصة الثانية عن شرطي (بليمونز) يعيش تعاسة بسبب اختفاء زوجته الباحثة (ستون) خلال رحلة علمية، وعندما تعود الزوجة بعد حادث أودى بحياة كل من كان معها، يبدأ البطل في الشك بأن المرأة التي عادت ليست زوجته، وإنما كائن غامض يحاول التظاهر بشخصيتها. أما في القصة الثالثة، فيخوض رجل وامرأة (بيلمونز وستون) رحلة للتفتيش عن امرأة لديها موهبة خاصة تمكنها من إحياء الموتى، استجابة لرجل (دافو) يتزعم طائفة غريبة تقدس الماء وتتحكم في أجساد المؤمنين بها وما يدخل إليها من سوائل.

لاحظ التناقض بين ملخص الحكايات الذي يجعل كل منها أقرب لأفلام نوع جماهيرية كالكوميديا والرعب، وبين الأسئلة التي ذكرنا أن المخرج يقوم بطرحها من خلال الأفلام. هذا باختصار سر خصوصية أفلام يورجوس لانثيموس: أن بإمكانه جعلك تشاهد بترقب حكاية مثيرة للبحث عن فتاة تُحيي الموتى، بينما عقلك يفكر في مفهوم الإيمان ووجوه التشابه والاختلاف بين قناعات الأبطال وبين أي منّا عندما يوقن ويسلم نفسه طواعية لفكرة وطنية/ دينية/ مهنية، أو أي سلطة أخرى يُمثل الإيمان عنصرًا في علاقة الأفراد بها.

كما هو المعتاد في أي فيلم أنطولوجي، يتفاوت مستوى الحكايات وقدرتها على البقاء في الأذهان، شخصيًا كانت الحكاية الثالثة هي الأفضل لذائقتي يليها الأولى ثم الثانية، لكنه في النهاية مجرد تفضيل شخصي يقوم على ما أحبه في الأفلام، وهو تحديدًا التوازن بين جاذبية المتابعة وتماسك الفكرة المطروحة. قد يختلف مشاهد آخر ويرى أن الحكاية الثانية هي الأفضل في الفيلم، لكن بغض النظر عن الاختيارات يظل الفيلم في مجمله قادرًا على تحقيق هذه الفرجة السينمائية، على أن يجعلك تشاهد قرابة الثلاث ساعات دون أن تنظر للوقت أو تعد الدقائق حتى انتهاء الفيلم.

ربما سيُظلم "أنواع للطيبة" بسبب وضعه المنطقي في مقارنة مع "أشياء مسكينة"، شقيقه الأكبر والأنضج الذي نال بالفعل نجاحًا واسعًا قد يجعل لجنة التحكيم تتحفظ على إسناد المزيد من الجوائز لصانعه بعد أشهر معدودة. لكن الجوائز تظل مجرد لعبة ترويجية، بينما الأهم هو استمرار يورجوس لانثيموس في الاحتفاظ بهويته وجاذبيته لفيلم آخر جديد، ولنرى ماذا سيأتي به المستقبل للمخرج الذي وضع نفسه طواعية داخل تحدٍ فني لا ينتهي.

 

موقع "في الفن" في

20.05.2024

 
 
 
 
 

رشيد مشهراوي: مشروع أفلام "من المسافة صفر" ينقل حقيقة ما يعيشه أهل غزة

إيمان محمد

يقف عدد من صناع الأفلام وسط الخراب والدمار الذي خلفته الحرب الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 حاملين كاميراتهم ليسجلوا قصصا وحكايا من داخل القطاع في إطار مشروع "من المسافة صفر" للمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي.

الجزيرة نت التقت المخرج الفلسطيني العالمي، ليتحدث عن تفاصيل المشروع الذي تم الاحتفاء به على الصعيدين العربي والدولي.

·        انتشرت عبارة "من المسافة صفر" بشكل كبير منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، ألم تخف من أن يتسبب ذلك في تحفظ بعض الفعاليات العالمية من مشاركة المشروع؟ وما دلالة الاسم ورمزيته بالنسبة لك؟

"من المسافة صفر" هي أفلام تصور من المسافة صفر بالفعل، فالمبادرة تعطي الفرصة للسينمائيين الموجودين في فلسطين ويعيشون الأحداث عن قرب ليقدموا حكاياتهم السينمائية، لأن هذا ما يميز الفيلم الذي تم تنفيذه خلال الحرب، فهذا السينمائي شريك بكل ما يحدث، ومن هنا جاءت التسمية.

بالتأكيد لا نخاف من أن يكون هناك أي تحفظ، لأننا حين نفكر في نشاط أو أفلام يكون التركيز على ما نقوم به أولا، فنحن لا ننفذ أفلاما لجهة محددة، وبالفعل هناك اهتمام كبير بالمشروع، ليس على المستوى العربي فقط، بل على المستوى الأجنبي أيضا.

·        بما أن المشروع لاقى اهتماما كبيرا منذ الإعلان عنه هل تلقيت دعما من جهات أو أفراد آخرين؟

هناك مساهمات صغيرة من جهات عدة يمكن اعتبارها دعما أو مساندة، لكنها ليست الطريقة المعتادة في تمويل الأفلام التي ننفذها، هذا الدعم مرتبط بدعم الحالة في غزة، ومن أهم الجهات التي قدمت المساندة الهيئة الملكية الأردنية للأفلام وبعض المؤسسات والشركات، ومعظم العاملين في المشروع من المتطوعين، لأن المبادرة ليست تجارية، إذا نجح المشروع ماديا فإن أي دعم سيكون للسينمائيين والسينما في غزة أيضا.

·        دائما ما تواجه صناعة السينما في فلسطين تحديات وعراقيل عانيت منها أنت شخصيا.. فهل ذلك كان سببا في دعمك للمبادرة وللصناع داخل غزة لتقلل الضغوط عنهم؟

لدي عادة كسينمائي فلسطيني -من غزة تحديدا- بإطلاق مبادرة على مستوى كبير وعلى نطاق واسع بالتزامن مع أي حدث كبير ومؤثر في حياتنا، كانت الحرب هذه المرة بالنسبة لي مختلفة بشكلها وحجمها وعدد الضحايا وحجم الكارثة والكابوس.

قررت بعد بدء الحرب أن ألعب دور الجسر بين السينمائيين الموجودين في الداخل وبين العالم من خلال تجاربي السابقة وعلاقاتي مع الإعلام والمهرجانات والقنوات التلفزيونية وأصدقاء وزملاء سينمائيين، فجميعنا لدينا هدف واحد هو أن نحكي قصصا من غزة من المستحيل أن يراها العالم إذا لم نقدمها من خلال المشروع بعيدا عن الأخبار والشعارات.

الأفلام تعيش لفترة طويلة بقيمتها الفنية والسينمائية، فهي ليست مجرد ردة فعل.

·        هل كانت هناك شروط معينة في اختيار صناع الأفلام؟

بالطبع، كانت لدينا معايير واضحة تماما لاختيار الأفلام ابتداء من الفكرة، أولا لا بد أن تكون حكاية لم تحكَ من قبل، وأن تبتعد عن التقارير والتحقيقات المصورة والأخبار والأشياء التي شاهدها العالم خلال الأشهر الماضية.

وثانيا، أن يكون المخرج أو المخرجة فنانا وموهوبا حتى لو كان هذا فيلمه الأول، لكن لا بد أن تكون لديه القدرة على تنفيذ فيلم سينمائي.

ثم أن تكون الفكرة نفسها قابلة للتنفيذ، فنحن نعرف المعطيات على الأرض والفرق بين الأماكن وطريقة التنقلات والحياة اليومية، ونحن نقدم أفلاما خلال اللجوء وتحت القصف ومع أشخاص يصارعون من أجل البقاء على قيد الحياة، ويصارعون لتدبير الطعام والماء لأسرهم، وهم نفس الأشخاص الذين سيقومون بتنفيذ الفيلم السينمائي.

·        ما المعدات التي تم استخدامها في المشروع؟ وكيف تعاملتم مع عمليات مع بعد التصوير؟

كان التصويرمن خلال كاميرات "4 كيه ديجتال إتش دي" وجميعها رقمية، التصوير تم على مستوى عال، لتكون قابلة للعرض على شاشة كبيرة سينمائيا، بجانب ذلك سمحنا التصوير بالهاتف إذا كانت الجودة توازي الكاميرا الديجتال، وذلك لإعطاء فرصة لأكبر عدد من الأشخاص للمشاركة ولتسهيل التنقل والتصوير والحركة.

هناك أفلام تم تصويرها بالهاتف، العمل على المشروع كان إنتاجا سينمائيا حقيقيا، وكنا نقوم بتدريب ورعاية واستشارة وتوجيه السينمائيين لكي نؤهلهم ونؤسسهم ونعلمهم لكي يقوموا بتقديم أفلام دون تنازلات فنية أو تقنية.

أما عمليات ما بعد التصوير فكانت تتم باتجاهين، من لديه إمكانية ومتوفر لديه لابتوب وكهرباء وخيمة لكي يقوم بعملية المونتاج الأولية في غزة يقوم بذلك ونحن نقوم بضبط الصوت والألوان والمونتاج الأولي النهائي، والجزء الثاني كان هناك أيضا مونتاج عن بعد يقوم به سينمائيون خارج غزة مع إشراف مستشارين فنيين للوصول إلى أعمال سينمائية مهمة في قيمتها الفنية.

أما الجوانب المتعلقة بالترجمة والغرافيك وتصحيح الألوان فكانت خارج غزة، والموسيقى لكل الأفلام قدمها الفنان والموسيقي نصير شمة.

·        التصوير وسط الحرب ليس سهلا بكل تأكيد، فما الصعوبات التي واجهت صناع الأفلام؟

بعض العاملين كانوا يفقدون أقارب لهم خلال التصوير أو التحضير وخلال مرحلة الكتابة، وهو ما كان يبعدهم كثيرا عن المشروع، ومن المشاكل أيضا أن البعض كان يتعرض لخطورة حقيقية للوصول إلى مكان فيه إنترنت لإرسال المواد التي صورها.

هناك أيضا صعوبات تقنية كبرى كانت شبه تعجيزية مثل انقطاع الإنترنت والكهرباء لأيام أو فقدان الاتصال مع شخص ما، فكنا ملتزمين بالتمسك بنفس الأفكار والحكايات وألا تؤثر الأحداث على الفكرة الرئيسية.

أيضا كان التصوير يتم تحت القصف، لأن هناك وعيا لدى السينمائيين والمستشارين بأن المشروع أهم وأكبر من أي شيء.

·        شاركت مؤخرا بمبادرة "من المسافة صفر" في مهرجان أسوان وتشارك أيضا في مهرجان كان السينمائي وغيره من الفعاليات الكبرى.. حدثنا عن هذه المشاركات؟

وجودنا في مهرجان أسوان لسينما المرأة كان من خلال تقديم مقاطع من الأفلام ورسائل من المخرجين لكننا لم نعرض الأفلام نفسها، فالعرض الأول عربيا سيكون في الدورة المقبلة لمهرجان عمّان، أما مهرجان كان السينمائي فالمبادرة ليست ضمن العروض الرسمية للمهرجان، لكننا نقدم نشاطا فلسطينيا في المهرجان وستكون العروض داخل قاعات المهرجان، وهو عرض إعلامي ليس له علاقة بالعروض الرسمية التي اختارتها اللجنة المنظمة.

تساهم المهرجانات والنشاطات السينمائية بالتوعية وإلقاء الضوء وإعطاء الفرصة لمن يريدون التعبير عن أنفسهم من خلال ندوة أو مقال أو فيلم، لأنه بالتوازي هناك روايات صهيونية وروايات مزيفة بحاجة للتصحيح، الحرب لم تحدث في 7 أكتوبر/تشرين الأول، الحرب نعيشها منذ 77 عاما، والثقافة والفن والإعلام تحمل الحكاية والتاريخ والذاكرة، والسينما من الأدوات المرئية والمسموعة التي تحافظ على الذاكرة.

·        أعلنت منذ فترة عن انتهائك من فيلمك الجديد "أحلام عابرة"، فمتى سيتم عرضه؟ وهل تتناول الحرب على غزة؟

الفيلم بالفعل جاهز وسيعرض قريبا في مهرجانات، ولكن أولوياتي ووقتي واهتمامي منذ اشتعال الحرب في غزة انصبت على مشروع "من المسافة صفر"، فكوني سينمائيا فلسطينيا غزيا وإنسانا لا يمكنني إلا أن أفعل ذلك.

لكن هناك جهات لها علاقة بالإنتاج والتوزيع هي من تقوم بترتيب كل ما يخص "أحلام عابرة" لأنه من المهم خروج الفيلم في هذه المرحلة، ليترجم للعالم كيف كنا نعيش ما قبل الحرب، وأن ما يراه العالم الآن ليس صورتنا، فنحن لسنا شعبا جاهلا أو مغفلا أو فقيرا، لكننا نتاج حالة سياسية، نحن شعب متحضر، ولذلك من المهم أن تظهر صورة فلسطين والشعب الفلسطيني وحياته وفنه.

المصدر الجزيرة

 

الجزيرة نت القطرية في

20.05.2024

 
 
 
 
 

إطلاق الإعلان الرسمى لفيلم شرق 12 بالتزامن مع عرضه فى مهرجان كان

كتب بهاء نبيل

ينتظر جمهور مهرجان كان السينمائي غدًا الثلاثاء، العرض الأول لفيلم شرق 12 للمخرجة هالة القوصي ضمن عروض نصف شهر المخرجين التي تضم 21 فيلما والمقامة على هامش النسخة الـ77 لمهرجان كان الذي تستمر فعالياته حتى 24 مايو الجاري.

وبالتزامن مع عرض فيلم شرق 12 في مهرجان كان، أطلقت الشركة المنتجة للفيلم التريلر الخاص بالفيلم الذي تم تصويره على خام السينما وهو أول فيلم يتم تصويره بهذا الشكل منذ ما يزيد على عشر سنوات.

ومن المقرر أن يحظى فيلم شرق 12 بأربعة عروض خلال فعاليات المهرجان، حيث سيكون عرضه الأول  غدا الثلاثاء 21 مايو - الساعة 5 وربع مساء في   Theatre Croisette، كما سيكون عرضه الثاني يوم الأربعاء 22 مايو الساعة 11 ونصف صباحا في  - Cinema Les Arcades/Salle 1، كما يعرض مرة أخرى في الساعة 7 مساء في - Cinema Alexandre III 1، وسيختتم الفيلم عروضه في مهرجان كان يوم الخميس 23 مايو الساعة 4 ونصف مساء في -CinemaLeRaimu

ومن المقرر أن يحضر أبطال الفيلم وصناعه عرضه في المهرجان، حيث يلعب بطولة الفيلم منحة البطراوي، وأحمد كمال، كما يشهد أول ظهور سينمائي للموهبتين الصاعدتين عمر رزيق وفايزة شامة، بمشاركة أسامة أبو العطا وباسم وديع.

وينتمي فيلم شرق 12 لنوعية الكوميديا السوداء، حيث يدور في إطار من الفانتازيا الساخرة في عالم مغلق خارج الزمن، يتمرد فيه الموسيقار الشاب عبدو (عمر رزيق) على شوقي البهلوان (أحمد كمال) الذي يدير المكان بخليط من العبث والعنف وجلالة الحكاءة (منحة البطراوي) التي تخفف عن الناس بحكايات خيالية عن البحر الذي لا يعرفه أحد. ويخطط عبدو، مستعينا بموهبته، مع الشابة ننة (فايزة شامة) لكسر قبضة شوقي ونيل الحرية في عالم أرحب

 

اليوم السابع المصرية في

20.05.2024

 
 
 
 
 

نبيل عيوش: «الجميع يحب تودا» رسالة حب للموسيقى وتقدير لـ«شيخات» الغناء

احمد العياد

يحمل تعبير «شيخة» في اللهجات المغاربية معنى مغايراً للشائع في كثير من أنحاء العالم العربي، فـ «الشيخة» في اللهجات المغاربية تعني الفنانة التي تقدم صنوفاً من الغناء الشعبي، و«الشيخة» هو الحلم الذي تسعى لأن تكونه «تودا»، بطلة الفيلم المغربي «الجميع يحب تودا»، الذي اختاره مهرجان كان ليُعرض ضمن فئة «العرض الأول»، ويستكشف مخرجه نبيل عيوش عبره فن «العيطة» الشعبي المغربي

تلعب الفنانة نسرين الراضي شخصية «تودا»، وهي فتاة متمردة تغني للحب والتحرر والمقاومة، وترنو لتحقيق حلمها بتوفير مستقبل أفضل لها وابنها من خلال الغناء والفن التراثي الذي تحبه.

تودا.. انعكاس لقصص حقيقية

في البداية تحدث عيوش لـ فاصلة عن استلهامه قصة «تودا» بطلة الفيلم من نساء حقيقيات قابلهن في حياته، حيث التقى بمجموعة منهن قبل التحضير والكتابة للفيلم، وروت كل منهن تفاصيل يومها، وما الذي واجهته من صعاب في حياتها، بجانب ملامح الحياة الليلية اللائي يعشنها في مثل تلك الأماكن، وعلاقتهن بأسرهن وأبنائهن وأزواجهن.

على الرغم من أن رفيقته وصديقته مريم توزاني تشاركه في العمل أيضاً إلا أنه لم يطلعها على الفكرة إلا بعد التحضير لها، وشرح لها أنه لا ينقل قصة بعينها، إنما تتشكل من شخصية «تودا» من تجارب مختلفة لنساء قابلهن أثناء التحضير، وأنه أراد أن يجعل من شخصية الـ «شيخة» التي كانت حاضرة من قبل في أفلامه القصيرة إلى بطلة وشخصية رئيسية لعمل روائي طويل.

شيخة.. تقليد مغربي جزائري

والـ «شيخة» هي ظاهرة مغربية جزائرية، لا توجد في دول أخرى، كما يشرح المخرج نبيل عيوش، لافتًا إلى أنها ليست موجودة في تونس، على الرغم من التجاور الجغرافي بينها وبين الجزائر والمغرب.

تنتقل تقاليد غناء الشيخات من جيل إلى جيل عبر العقود في جنوب المغرب، وبالسفر عن جبال الأطلس تصل إلى الجزائر، وأصبحت ألوان غناء الشيخات وحيواتهن فلكلور تقليدي مشترك بين الدولتين.

أؤمن بأهمية سرد القصص في السينما

وعن تبنيه محو المفاهيم والصور الذهنية السلبية المرتبطة بالنساء منذ فيلمه الأول  «مكتوب» الذي قدمه في التسعينيات وصولًا إلى «الجميع يحب تودا» مع اختلاف القصص والمواضيع التي يناقشها في كل عمل، يؤكد عيوش لـ فاصلة أن هذا نابع من إيمانه بأن السينما قادرة على تفتيح العقول، معلقًا: «السينما تلاحقني وأحيانًا تصدمني، ومع إيماني بقدرتها على ازدهار العقول، وهوسي بفكرة إخبار القصص من خلال الأفلام عن طريق تقديم شخصيات قوية لا يعرفها الكثيرون ولا يستمعون إلى صوتها، أسلط الضوء على تلك الشخصيات وأصنع منهم شخصيات سينمائية» ويتحدى بتلك الشخصيات المفاهيم السلبية الراسخة ويسعى لتصحيحها.

الفيلم تغيير الصورة السيئة عن الـ «شيخة» 

وعن «شيخة» تحديدًا، يشرح عيوش إن الشيخات ارتبطت بهن صور ذهنية سيئة، تجعلهن سرًا مفضوحًا في المجتمعات المغاربية، فهن لا يستطعن الوقوف على المسرح مثلما تفعل بطلة «الجميع يحب تودا»، فقط يمكن مشاهدتهن في الحفلات والأفراح، فهن يتعرضن لحظر قاسِ قبل أن تتحول أي منهن بصعوبة على نجمة وقدوة يتبعها عدد كبير من الناس.

لا يسري الوضع نفسه على الرجال الذين لا يتعرضون لاتهامات تطالهم كما تتعرض النساء، ويظهر ذلك خلال أحد مشاهد الفيلم

ويشير عيوش إلى أن ظاهرة الـ «شيخة» بدأت بغناء النساء في الريف والقرى، وتنقلت في مناطق مختلفة وقت الحرب في الخمسينيات والستينيات، وكانت الشيخات ينتقلن لمدن أكبر وكن مجبرات على أداء الأغاني الشعبية في ملاهي ليلية وبارات، ذلك الغناء المرتبط بالمال والكحول، ومن هنا تعرض هذا الفن للوصم، واعتبره كثيرون شكلاً من أشكال العهر. إلا أن كثيرات من فنانات هذا اللون تحاربن ذلك التصور عنهن إلى الآن، ويصررن على الحصول على التقدير الحقيقي لهن كمغنيات وممثلات، وفيلم «الجميع يحب تودا» جاء لدعمهن.

«شيخة تودا» بعيدة عن التنميط

وإجابة عن سؤال هل يتوقع أن تنجح مساعيه في مساعدة أولئك السيدات على تجاوز الوصم الذي يتعرضن له، يقول المخرج المغربي لـ فاصلة إنه يتمنى ذلك، مشيرًا إلى أن أغلب الأفلام التي تتناول شخصيات شبيهة، تظل أسيرة للتنميط، وتكرار «الكليشيه» أو الصورة الذهنية السائدة نفسها، ولا تفكر في تحديها

لكني أحاول الابتعاد عن ذلك، فهؤلاء النساء فنانات مميزات ولا مجال للتنميط في الحديث عنهن، هن مختلفات ومميزات جدًا، كما أنهن جزء من تقليد يجب أن نفتخر به، وبهن”.

نسرين الراضي جذبتني ببراعتها

وعن رأيه في بطلة العمل نسرين الراضي والتي قدمت دور «تودا» قال إنه رآها لأول مرة في مدرستها قبل 15 عامًا، ثم شاهدها في فيلم «آدم»، وجذبه أدائها، ومن يومها وهو يفكر في إسناد دور «شيخة» لها، إذا ما قدمه، وعندما سنحت له الفرصة تواصل معها.

وأشار إلى أنها قدمت بعض الأغاني في فيلم «الجميع يحب تودا»، وليس جميعها، وأنها تدربت على الأغاني التي أدتها لمدة عام ونصف العام، بجانب التمرن على الرقص والحركات وطريقة الغناء والتحدث وكل شيء مثل «شيخة».

وعن سبب قلة مشاركتها في الأعمال الفنية قال نبيل عيوش إن نسرين انتقائية جدًا، ومقلة في أعمالها السينمائية، لكنها تُكثر من المسرح، فهي تختار بعناية ما تقدمه.

لا أعلم سبب منع أفلامي من العرض في المغرب

وأعرب المخرج عن سعادته بعرض «الجميع يحب تودا» في بلده المغرب، بعد منع فيلمه السابق من العرض فيها بسبب المشاهد الحميمية، مثلما أخبروه وقتها. وعن سبب تضمين نفس المشاهد في عمله الأخير رغم ما قد يعنيه ذلك من احتمالات منع عرض فيلمه في بلده يقول: «بالطبع أريد عرض أفلامي في المغرب. لكنني أيضًا حريص على أن أمنح الشخصيات حريتهم الجنسية، أريد عمل فيلم جيد ويعرض في المغرب في نفس الوقت».

وعن منع أفلامه من العرض سابقًا في المغرب قال إنه لا يعرف السبب الحقيقي، لذلك، حيث قالوا له إنها بسبب المشاهد الحميمية قبل بما قيل، لكنه يظن أن المنع كان لأسباب أخرى لا يعرفها، لافتًا إلى أن المغرب تطورت كثيرًا من حيث ملف المرأة، حيث بدأت السيدات يأخذن نصيباً أكبر من المناصب في السياسة والإعلام والاقتصاد، مؤكدًا أن فيلمه الأحدث المعروض الآن في كان، سيتم عرضه كما هو دون حذف.

وعن إمكانية عرض الفيلم في المملكة العربية السعودية؛ يرى عيوش أن الحالة في المملكة تغيرت كثيرًا، حيث قابل خلال الفترات الماضية منتجين سعوديين في كازابلانكا، وأخبروه عن مدى التغيير الحاصل فيها خلال السنوات القليلة الماضية، مؤكدًا أنه يتمنى أن يعرض الفيلم في السعودية بالفعل.

الموسيقى جزء من حياتنا

أعمال عيوش تحمل دائمًا إشارة لحبه وتقديره للموسيقى حتى وإن لم تكن الموسيقى موضوعاً للفيلم، حتى أنه أطلق شركة خاصة للإنتاج الموسيقي في العام 2020.   هذا الحب للموسيقى مرتبط لدى عيوش بحبه لوطنه المغرب، يشرح المخرج لـ فاصلة: “الموسيقى جزء من المغرب، وجزء من حياة البشر. نحن في حاجة للمزيكا للتعبير عن حياتنا من خلالها أكثر من الكلمات”، لافتًا إلى أنه يحب أنواع مختلفة من الموسيقى، من الراب والأوبرا، فلا نوع محدد ولا مغني معين يحبه دون غيره، بل يستمع للجميع ويستمتع بهم.

وعن الأغاني المقدمة في الفيلم، قال إنها موجودة فعليًا، وقد استمع إليها في كازابلانكا، وأختار منها ما يتناسب مع فكرة العمل وقدمها فيه.

 

####

 

«المادة».. جراحات التجميل والإدمان وسينما العصر الحالي

أحمد شوقي

تمتاز مسابقة مهرجان كان الدولية دائمًا بكونها المساحة التي يجتمع فيها أكبر الأسماء في عالم الإخراج السينمائي، وكأنه كأس العالم في الإخراج، فتجد في كل عام قائمة ضخمة من الأسماء الرنانة التي يمتلك أصحابها مسيرة كبيرة من أعمال سابقة ضمنت لهم الوجود في هذه المنصة رفيعة المستوى. إلا أن اللحظات التي لا تُنسى هي تلك التي نكتشف فيها خلال المسابقة صوتًا جديدًا، مخرجًا كان يبدو للوهلة الأولى أصغر ممن يتنافسون معه، قبل أن تكشف الأفلام أن الكبار قدر حضروا جزئيًا بأسمائهم، بينما حضر الصغار بأعمالهم، فقط لأنهم يستحقون هذا المكان.

لعل الوصف السابق لا ينطبق في مسابقة كان 77 – على الأقل حتى نقطة منتصف الطريق الذي نكتب عندها هذا المقال-؛ قدر انطباقه على المخرجة الفرنسية كارولين فارجيا، التي جاء فيلمها الطويل الثاني “المادة The Substance” ليُعلن عن موهبة كبيرة، لفنانة شجاعة لا تخجل من إحداث الصدمة، ففيلمها مليء بكل أشكال المفاجآت الصادمة، لكنه مزدحم أيضًا بالقيمة، سواء على مستوى الأفكار المطروحة، أو في طريقة معالجة تلك الأفكار بصريًا ودراميًا.

براعة الاستهلال

نبدأ بالمعالجة البصرية، وهي باختصار ما يجعل المخرج السينمائي مخرجًا بحق: قدرته على خلق معادل مرئي للحكاية، يقدم المعنى بالصورة ويضع المشاهد داخل الحالة المزاجية المأمولة، وهو ما تفعله فارجيا بسهولة وسرعة واختلاف عبر تتابعين صامتين في بداية الفيلم، الأول لمادة يتم حقنها داخل بويضة فتجعلها تنقسم لنسختين من ذاتها، ثم مراحل حياة نجمة من نجوم ممشى المشاهير في هوليوود، من تثبيت النجمة والاحتفاء بصاحبتها واهتمام الناس بها، ثم خفوت الصيت وانزواء الأضواء وتحوّلها مجرد بقعة على الأرض يسير عليها البشر دون أن ينتبهوا للاسم المدوّن عليها.

باختصار وببساطة ودون كلمات تقريبًا تُدخلنا كارولين فارجيا داخل عالمها الفيلمي، عالم النجمة الهوليوودية إليزابيث سبارك، التي تجسدها النجمة ديمي مور بشجاعة تُحسد عليها، فالشخصية تكاد تكون صورة درامية لمور نفسها، نجمة كانت ملء السمع والبصر، قبل أن يمضي العمر وتتضاءل الأضواء المسلطة عليها. سبارك تُقدّم برنامج رياضي صباحي لا يبدو أحدًا راضيًا عن نجاحه بسبب عمر نجمته المتقدم. “مع الخمسين كل شيء يختفي”، يقولها لها المنتج صراحة وهو يخبرها أن البرنامج سيتوقف لأن عمرها صار أكبر من أن توضع في مركز الاهتمام.

وكما هو متوقع من التتابع الأول، يظهر الحل لإليزابيث متمثلًا في مادة تروّجها جهة غامضة، تجعل خلايا جسدها تنتج نسخة أفضل وأجمل وأكثر شبابًا منها، بشرط وحيد هو أن تعيش كل نسخة من الاثنين أسبوعًا كاملًا فقط، ثم توضع في سبات صناعي لتعيش النسخة الثانية الأسبوع التالي وهكذا. معادلة يجب تطبيقها بدون استثناءات، مع التأكيد على قاعدة يجب عليها إدراكها، هي أنهما نسختين لنفس الشخص، لا شخصيتين منفصلتين.

بين فيلم النوع والأفكار العميقة

لو كنت من محبي أفلام الخيال العلمي والرعب سيتمكن الملخص السابق بسهولة من إثارة اهتمامك. أما إن كنت ممن يميلون لاعتبار أفلام النوع أعمالًا من الدرجة الثانية، فقد يثير الأمر داخلك تساؤلًا حول سبب اختلاف هذا الفيلم، الذي يجعل مهرجان كان يعرضه في مسابقته الدولية.

قد تتساءل أيضًا عما حمّس نجمتين بحجم ديمي مور ومارجريت كوَيلي للمشاركة في العمل، رغم ما يتضمنه من تحد جسدي كبير، سواء في ظهور كامل الجسد عاريًا أو شبه عار لفترات زمنية طويلة (وهو ما لا تفضله الممثلات عادة)، أو فيما يعنيه هذا الظهور من معان. ففي حالة ديمي مور يمثل جسدها الذبول، بداية الشيخوخة والتآكل التدريجي الذي يجعل النجمة تفقد بريقها القديم

أما في حالة كويلي فالجسد يمثل تشييء للمرأة، والمخرجة تتعمد هنا إظهار ما تملكه بطلتها من جمال جسدي يكاد يلامس الكمال، والتأكيد على أن قدرتها على إيقاع الكل في حبها تنبع قبل كل شيء من مظهرها. ففي أحد المشاهد يدق الباب جار غاضب ينتظر أن تفتح جارته الممثلة الخمسينية الباب لينفجر في وجهها بسبب ما تحدثه من ضوضاء، وما أن يُفتح الباب ليرى أمامه نسختها الشابة، إلا ويغيّر الجار موقفه كليًا فيصير متسامحًا مع الضوضاء، بل ومستعدًا للمشاركة فيها لو رغبت جارته الجميلة في الاستعانة به!

المخرجة وبطلتاها تعين جيدًا أن تشييء المرأة عنصر جوهري في فيلمهم. أو لنكن أكثر دقة: تشييء النجوم وتقديس الكمال. كي تكون نجمًا يجب أن تكون كاملًا على المستوى الشكلي، وكي تتواصل النجومية ينبغي عليك الحفاظ على هذا الكمال بأي صورة ممكنة، حتى لو كان الثمن أن تنسلخ عن نفسك، وتصير نسخة مختلفة من ذاتك، تماما مثل سو، النسخة الشابة الجذّابة التي تكره اضطرارها أن تعيش أسبوعًا من كل اثنين في جسد إليزابيث، حتى وإن كانت إليزابيث هي الأصل الذي لولاها ما وُجِدت سو.

عن النشوة والتآكل

التفسير السطحي لفيلم كارولين فارجيا يرتبط بهوس جراحات التجميل الذي سيطر على القطاع الأكبر من النجوم، إناثًا وذكور، فصاروا في سباق عبثي محموم ينتهي في كل مرة وقد صار صاحبه نسخة مختلفة تمامًا عن الأصل، يتوهم وحده كونها أجمل وأكثر شبابًا. لكن التفسير الأعمق يتجاوز هوس التجميل إلى فكرة الإدمان بشكل عام، هوس الفرد بوجود “مادة” قادرة على جعله صورة أفضل من نفسه، حتى لو أكلت هذه الصورة تدريجيًا من الأصل في كل يوم عن سابقه. لاحظ أن مصطلح “المادة” يُستخدم في أغلب الدول الناطقة بالإنجليزية للتعبير أساسًا عن المخدرات.

من ينظر للفيلم من هذه الزاوية سيجده دراسة حالة عميقة، بالغة التشويق، غير مألوفة عن التردي التدريجي في هاوية الإدمان، وكيف يتوهم المدمن في البداية أنه سيتمكن من استخدام “المادة” بتوازن يجعله يظهر للآخرين في أفضل صورة ممكنة، ثم يعود لذاته بأمان عندما يغلق عليه باب بيته. غير أن هذا التوازن واهم، متطاير، لا يدوم، لسبب بديهي هو أن النسخة الأفضل أفضل – كما يبدو لصاحبها – وأنه سيُفضِّل في كل مرة أن يزيد من زمن استمتاعه بالصورة الأكمل، حتى يصحو يومًا فيجد الأصل قد تشوه بما لا يمكن علاجه أو ترميمه.

الفصل الختامي في الفيلم شديد الدلالة والذكاء. لن نحرق تفاصيله لكننا سنقول إنه تعبير فيلمي جديد كليًا عن موقف شاهدناه مرارًا في عالم الترفيه: نجم يصعد إلى المسرح في حالة مزرية، فيرتكب أفعالًا ويردد كلماتٍ تدمر حياته المهنية. يبدو الأمر غريبًا، فلماذا يُقدم أي إنسان على تدمير نفسه أمام الجميع هكذا؟ “المادة” يخبرنا أن الأمر ليس اختيارًا، فلا يُمكن إعادة الجني إلى المصباح بعد إطلاقه.

تناقضات وتفاصيل

يمتلئ فيلم كارولين فارجيا بكثير من المفارقات والمتناقضات، من الجمال الكامل إلى القبح الموحش، من مشاهد تسيل اللعاب شبقًا لأخرى تكفي كي تشعر بالتقزز من الطعام لأسبوع كامل. الفيلم حافل أيضًا بالتفاصيل الدرامية الصغيرة التي تُعمّق المعنى وتؤكد أن المخرجة تعرف جيدًا كل أبعاد فكرتها.

عندما تقابل إليزابيث في بداية الفيلم – مثلًا – زميل دراسة قديم منبهر بمقابلة زميلته التي صارت نجمة، وبالرغم من كونها في أسوأ لحظات حياتها المهنية على الإطلاق، إلا أن ثقتها في كونها أجمل وأقوى من الزميل القديم تجعلها تتعامل معه باستعلاء نجمة تخاطب معجبًا يائسًا. بينما تتحول مقابلة نفس الرجل إلى تحدٍ مخيف لإليزابيث بعدما تظهر شخصية سو وترى بعينيها الفارق بين الجمال الحالي والجمال الذي كان

لم يتغير الرجل إطلاقًا وبالكاد تغيرت البطلة تغيرًا طفيفًا، لكن ما قلب موازين القوى رأسًا على عقب هو نظرتها لنفسها. كم سمعنا من حكايات عن نجم موهوب كان يُبهر الجميع دون مشقة، ثم تعلم المخدرات فساعدته أن يؤدي بشكل أفضل، لكنه في المقابل صار عاريًا بدونها، عاجزًا عن أداء ما كان يفعله بسهولة قبل دخول “المادة” إلى عالمه.

غير أن كل ما سبق قد يعطي انطباعًا خاطئًا بأن “المادة” فيلم وعظي ضد إدمان التجميل والمخدرات، والحقيقة أن الأفكار موجودة فيه بوضوح، لكنها في خلفية القصة المشوّقة والإحكام البصري والأداء التمثيلي الشجاع من ديمي مور ومارجريت كويلي. هذا فيلم يمكن بسهولة الرهان على أنه سيصير موضوعًا رائجًا على وسائل التواصل الاجتماعي عندما تطرحه منصة موبي mubi المشاركة في الإنتاج بعد انتهاء دورته في المهرجانات والقاعات.

أما لو أردنا في النهاية أن نذكر أجمل ما في “المادة”، فستكون بالتأكيد معاصرته. هذا فيلم ابن اللحظة الراهنة شكلًا ومضمونًا، يطرح أفكارًا يجب طرحها في زمننا الحاضر، بطريقة عصرية جذابة تخاطب ذائقة قطاع واسع من الجمهور (فقط لو تمكنوا من تحمل مشاهد النصف الثاني من الفيلم). فيلم ممتع وكبير يُقدم لنا مخرجة موهوبة سيكون لها شأن خلال السنوات المقبلة.

 

####

 

ميريل ستريب هالها حبّ الناس لها في مهرجان كانّ

هوفيك حبشيان

الجميع يحبّ ميريل ستريب”. هذا ليس عنواناً وضعته مجلّة “تيليراما” الفرنسية فحسب، بل شعور دهم كلّ من كان في شارع الـ”كروازيت” خلال اليومين الأولين من انطلاق الدورة السابعة والسبعين لمهرجان كانّ السينمائي (14- 25 أيار). لقطات للممثّلة الأميركية التي تبلغ الرابعة والسبعين عاماً، وهي تمشي على السجّادة الحمراء، تصدّرت كلّ الشاشات، بعدما بات اسمها على كلّ لسان، وأدوارها في الذاكرة الحيّة

غداة الافتتاح، حيث أُسنِدت إليها جائزة فخرية عن مجمل مسيرتها، ووقفت محرجةً لدقائق طويلة أمام جولييت بينوش التي كالت لها المديح، كان لها لقاء مع الجمهور في مسرح دوبوسي، تحدّثت خلاله عن تجربة نصف قرن من التمثيل في إدارة كبار المخرجين، في حوار تولاه الصحافي ديدييه علوش بخفّة دمه المعهودة واطلاعه الواسع. علينا من باب التذكير استعادة بعض الأسماء الكبيرة التي وقفت ستريب أمام كاميراتهم: مايكل تشيمينو، روبرت بنتون، آلان ج. باكولا، سيدني بولاك، ستيفن سبيلبرغ، روبرت أولتمان، فيليب نويس، ستيفن فريرز، كلينت إيستوود، وغيرهم، في مسيرة لم تشارف نهايتها بعد، سواء في التلفزيون أو السينما، في حين انقطعت عن المسرح منذ فترة. اللائحة طويلة لا يمكن نشرها بالكامل في هذا المقال. أو يمكن اختزالها في جملة ستريب الظريفة: “إني عجوز إلى درجة أني عملتُ مع الجميع”. 

لم تطأ ستريب كانّ منذ 35 سنة، أي منذ 1989، وكانت عامذاك فازت بجائزة التمثيل عن دورها في “صرخة في الليل” للمخرج فرد شيبيسي. تذكّرت كيف إنها تلقّت نصيحة بأن تستعين بتسعة مرافقين لحمايتها من المعجبين، فسخرت من الفكرة، وعندما وصلت إلى المدينة، أدركت أنها كانت تحتاج إلى أكثر من ذلك. مصوّرو الباباراتزي، كانوا يطاردونها من مكان إلى مكان، الأمر الذي بثّ الرعب في نفسها. قالت انها لم ترَ أي شيء كهذا في حياتها، إلى درجة أنها غادرت كانّ قبل موعد توزيع الجوائز، فتسلّمها عنها الممثّل جاك بالانس

عشية هذا اللقاء، كانت روت أيضاً وهي تتسلّم الجائزة، أنها كانت في الأربعين من العمر وأمّاً لثلاثة، يوم حضورها إلى كانّ، واعتقدت أن حياتها المهنية قد لامست نهايتها، ملمّحة إلى قلّة الأدوار التي كانت متوافرة لممثّلة أربعينية في تلك الحقبة. في هذا الصدد وعن التغيير الذي حدث منذ ذلك الوقت، قالت: “اليوم، أكبر نجوم السينما هن نساء، كان الأمر مختلفاً عندما بدأتُ، كان كلّ شيء يتحلّق حول النجم. الأفلام هي انعكاس لأحلام من يصنعها. حتى كبار المنتجين لديهم أحلام. لم يكن صعباً على النساء التماهي مع النجوم الرجال، لكن استحال على الرجال أن يحلموا من خلال شخصية نسائية”.  

منذ ذلك الحين، تطوّرت تجربتها صعوداً، مع 21 ترشيحاً لجائزة الـ”أوسكار”، نالت منها 3 إلى الآن. تحدّثت بكلمات سهلة، بلا أي إدعاء. بدت أميركية حتى أطراف أصابعها، بمعنى الاسترسال في الكلام، بعبارات وتفاصيل تكشف حبّاً للبوح. ستريب لا يوجد فيها ما هو باطني، ما في بالها على لسانها، أو أقلّه هكذا بدت. فقد تناولت الماضي بأريحية، مازحت وتذكّرت رغم انها اعترفت انها لم تنم إلا بضع ساعات بسبب حضورها سهرة حفل الافتتاح التي استمرت حتى الفجر. وفي معرض الحديث عن التكريم ورؤيتها لدموع الناس في مسرح لوميير خلال تسلّمها الجائزة، قالت جملة غريبة: “هالني حبّ الناس لي هنا، في بلدي لا أحد يحترمني!”. 

تناولت تاريخها مع السينمائيين الذين عملت وإياهم، فرداً فرداً. علمنا مثلاً انها عدّلت النهاية في فيلم “كرايمر ضد كرايمر” الذي كان أساسياً في رحلة صعودها إلى الشهرة، ونالت عن دورها فيه أول “أوسكار” لها، أو كيف أنها اقترحت تغييرات في الشخصية التي لعبتها في “صائد الغزلان”. تشيمينو أعطاها تلك الحرية، وهذا لا يعني أنها حظيت بهذه الفرصة دائماً. هذه الممثّلة التي لطالما انتصرت لشروط عمل أفضل للممثّلات في هوليوود، استطاعت في العديد من اللحظات فرض نفسها، لا بل كانت واحدة من الرائدات في هذا المجال. ولم تخفِ حقيقة أن الظروف تغيّرت كثيراً بالنسبة إلى حضور المرأة في الأفلام. فمثلاً عندما أشار علوش إلى أن حضورها لافت في بعض أفلامها، كان ردّها بأنه من الطبيعي ان يلفت كونها كانت المرأة الوحيدة بين مجموعة رجال

عادت إلى تصوير “خارج أفريقيا”، وخوفها من الحيوانات المفترسة في موقع التصوير، ويبدو أن شريكها في التمثيل روبرت ردفورد هو الذي افترس قلبها في تلك الأيام، لأنها لا تزال تتذكّر كما لو كان حدث في الأمس، كيف غسل شعرها بالشامبو. عيناها تلمعان عندما تتحدّث عن ذاك الذي وقعت في غرامه. مشهد الشامبو هذا، تمنّت لو لم ينتهِ، ثم علّقت: “إنه مشهد جنسي نوعاً ما، لشدّة حميميته. نرى الكثير من مشاهد الجنس في الأفلام، لكن لا نرى لمسة حبّ فيها”. 

كشفت ستريب أنها لا تتحكّم بالأدوار التي تُعرض عليها، لأنها لا تملك شركة إنتاج كبعض الممثّلات. أما شركة الإنتاج الخاصة بها، فهي “الأطفال الذين أنجبتهم”، قالت ممازحةً، اذا يبلغ عددهم 4، في حين أنها أصبحت جدّة لخمسة أحفاد. وأقرت بأن سبب عدم رغبتها في خوض مجال الإنتاج، يتأتى من عدم رغبتها في تلقّي اتصالات هاتفية بعد السابعة مساءً، هي التي اختارت “حياة هادئة ومملّة”. 

عندما جاء علوش على ذكر مشهد انتزاع النازيين طفلها في “خيار صوفي” (فازت عنه بثاني “أوسكار”)، بدت منزعجة لا تود ان تتذكّر قسوة تلك اللحظة. ثم راحت تشرح: “بحسب الاسطورة المنتشرة، فإننا لم نصوّر ذلك المشهد إلا مرة، وهذا غير صحيح. في الحقيقة، صوّرناه مرتين لكن اخترنا المرة الأولى. في الأولى، لم تكن الطفلة تعلم انها ستُؤخذ من أمّها، فيما كانت تعلم ذلك جيداً في الثانية. رد فعلها هو الذي كان مؤثّراً. لم أقرأ المشهد في السيناريو إلا مرة. كان يحزنني جداً. لا شيء يجعلك مستعداً لشيء كهذا. هذا أشبه بأن تجد نفسك في عرض البحر. لا تملك إلا أن تلقي بنفسك في الماء، لأن التقنيات لا يمكن أن تساعدك”. 

كشفت ستريب “أسرار” التصوير لدى بعض من عملت وإياهم، فاعتبرت سبيلبرغ (لعبت في إدارته “ذا بوست”)، “عبقرياً، في رأسه الفيلم عندما يصوّر”، أما كلينت إيستوود الذي أعطاها ربما أجمل أدوارها وذلك في “جسور مقاطعة ماديسون”، فروت انه يعمل بهدوء، لكن ذات يوم بعض الأشخاص الذين كانوا يتحدّثون بصوت عال خلال التصوير أثاروا غضبه، فصرخ بكلّ ما يملك من قوة. عن التصوير نفسه، روت: “صوّر إيستوود هذا الفيلم في خمسة أسابيع. كان يصوّر بسرعة، ينهض في الخامسة صباحاً، كي تتسنّى له ممارسة لعبة الغولف بعد الظهر. ما نراه في الفيلم هو تقريباً التمارين. هكذا يعمل”. 

اعترفت ستريب بأنها لم تطمح يوماً في أن تلعب بطولة أفلام ذات موازنات ضخمة، لكن أعمال مثل “مامّا ميّا!” أو “الشيطان يلبس البرادا”، أضحت في نهاية المطاف أفلام “بلوكباستر”، جعلتها أكثر شهرةً في جميع أنحاء العالم وهي في نهاية الخمسينات من عمرها، الأمر الذي لم تكن تتوقّعه يوماً. وختمت اللقاء بـ”لا تستسلموا”. وكانت هذه نصيحتها للشباب الذين يريدون خوض مجال التمثيل.

 

موقع "فاصلة" السعودي في

21.05.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004