ملفات خاصة

 
 
 

خاص "هي" مهرجان كان 2024ـ

فيلم The Second Act"..الذكاء الاصطناعي في مواجهة الصوابية السياسية!

أندرو محسن

كان السينمائي الدولي

السابع والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

المتابع لأفلام المخرج الفرنسي كوينتن ديبيو، يدرك جيدًا الحس الكوميدي المُميِّز لأعماله المختلفة، كما يدرك أيضًا الأفكار الغريبة التي يقدمها، التي قد تنتمي إلى الفانتازيا بشكل واضح كما في "Incredible But True" (غريب ولكن حقيقي)، أو تقدم شخصيات موغلة في الغرابة مثلما في "Deerskin" (جلد الغزال).

في أحدث أفلامه "The Second Act" (الفصل الثاني)، فيلم افتتاح مهرجان كان في دورته السابعة والسبعين، لا يبتعد المخرج غزير الإنتاج عن هذه الغرابة، بداية من الموضوعين الذين يطرحهما في فيلمه، واللذين يبدوان بعيدان عن بعضهما، لكنه بطريقة ما يضعهما في سياق الفيلم: الصوابية السياسية، والذكاء الاصطناعي.

يبدأ الفيلم بشخص يبدو عليه الاضطراب (مانويل غويّو) يتجه إلى مطعم وبار مغلق، ليفتحه ويضيء لافتته التي تحمل اسم "الفصل الثاني". في اختيار هذا الشخص تحديدًا سخرية لا ندركها إلا مع منتصف الفيلم، فعكس المعتاد في الأفلام، فإن هذا الشخص الذي يفتتح الفيلم ليس بطلًا رئيسيًا أو ممثلًا ثانويًا، ولكنه كومبارس، ولا نعني كومبارس مجازًا بل حرفيًا، إذ يلعب داخل أحداث الفيلم دور كومبارس.

وهنا نأتي لأولى مفاجآت الفيلم، إذ بعد أن نتعرف على الصديقين ديفيد (لوي غاريل) وويلي (رافاييل كونار)، من خلال حوار طويل ممتد بينهما، نفاجئ أن الأول يحذر الأخير من أن يتمادى في الكلام أو يخرج عن النص لأن ما يقوله قد يعرضهما للإقصاء تمامًا من المجتمع، ومن العمل أيضًا. هكذا نستنتج أن ما نشاهده هو عملية تصوير لفيلم، وهي فكرة ليست جديدة بالتأكيد، بل شاهدناها في افتتاح كان تحديدًا منذ عامين في فيلم "Final Cut" (النسخة النهائية)، ولكن المختلف هو أننا لا ندرك فعليًا أين يبدأ وأين ينتهي الخط الفاصل بين الفيلم الداخلي وبين الفيلم نفسه، فالحوار ممتد بصورة طويلة، وحتى عندما يقاطع ديفيد ويلي، فإننا لا نشاهدهما يعيدان المشهد بل يواصلان حوارهما.

يوظف ديبيو هذا الحوار بشكل ذكي، وربما يكون صادمًا للمشاهدين حاليًا، ليسخر من الكثير من الخطوط الحمراء، سواء في الالتزام بشكل مَرَضي بالصوابية السياسية، أو في السخرية من طبيعة الأفلام وتقديرها، وحتى من السينما الفرنسية مقارنة بهوليوود. لا يتوقف الأمر عند الحوار فقط بل يوظف الموسيقى أيضًا كأداة للسخرية من المشاهد التمثيلية للفيلم الداخلي الذي يشارك فيه أبطال الفيلم، إذ تدافع فلورانس (ليا سيدو) عن أدائها السيئ في أحد المشاهد قائلة إن هذا الأداء سيُعالج لاحقًا من خلال المونتاج وإضافة الموسيقى، لتصبح الموسيقى كلما ظهرت لاحقًا، بمثابة إشارة إلى أن ما نشاهده هو أمر ساذج وتقليدي.

لا يتوقف المخرج الفرنسي عند الصوابية السياسية، بل يقدم مفاجأة أخرى عندما نعرف أن الفيلم من تأليف وإخراج الذكاء الاصطناعي، الذي يقيّم المادة المصورة بناءً على مقاييسه الخاصة، ليصل إلى أفضل نسبة ممكنة. وبينما نرى كمشاهدين أن ما يُقدمه هؤلاء الممثلين في الفيلم الداخلي هو أداء سطحي وحوار ساذج، فإن الذكاء الاصطناعي يشيد بما صوره بالفعل، وكأن المخرج يطمئن نفسه وزملائه في المهنة، أن لا بديل للبشر في هذا المجال الإبداعي. يأتي هذا بالطبع بعد فترة صعبة شهدتها صناعة السينما في أمريكا نتيجة إضراب المؤلفين للمطالبة بحقوقهم، ومنها عدم الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في كتابة السيناريوهات!

رغم قصر مدة الفيلم نسبيًا (ساعة وعشرون دقيقة) فإنه لا يخلو من بعض الملل خاصة في الفصل الثاني، والذي يتكرر فيه أحد المشاهد للكومبارس سابق الذكر وهو يفشل في أداء مشهد بسيط وهو يصب الخمر، لكن الوقوف عند هذا المشهد مدة طويلة، يفقده بريقه الكوميدي تدريجيًا، ولكن هذا في النهاية أحد الأساليب المعتادة لدى ديبيو، تطوير الكثير من الحوارات التي تنطلق من موقف واحد.

فيلم "الفصل الثاني" هو فيلم افتتاح جيد، لديه الكثير من اللحظات الكوميدية، لكنه بالتأكيد ليس أفضل أفلام ديبيو، وربما لن يكون من أفضل هذه الدورة أيضًأ.

 

####

 

حديث نادر عن أبنائها وأحفادها..

هكذا كشف مهرجان كان عن أسرار حياة ميريل ستريب العائلية

محمد عبد المنعم

النجمة الأمريكية ميريل ستريب، مازالت أصداء تكريمها في الدورة 77 من مهرجان كان السينمائي مستمرة، وذلك بعد عقدها جلسة نقاشية مع الحضور في اليوم الثاني من المهرجان، بعد تكريمها في حفل الافتتاح بجائزة السعفة الذهبية الفخرية.

ميريل ستريب تفتح قلبها وتستعيد الذكريات في مهرجان كان السينمائي

واستعادت النجمة ميريل ستريب ذكريات مسيرتها الفنية خلال جلستها النقاشية في اليوم الثاني من مهرجان كان السينمائي 2024، وفتحت قلبها للحضور وأطلقت العديد من التصريحات اللافتة، وقالت ميريل ستريب عن مشاعرها بعد ليلة التكريم في افتتاح المهرجان: "كان لدي موجة من العاطفة.. هذا التدفق من الدموع في الجمهور، كان يتطلب الكثير من المعالجة.. كان الكثير من الحب، هنا، في مدينة كان، غامرًا.."، وأضافت ميريل ستريب مازحة: "في المنزل لا أحد يحترمني".

ووجهت ميريل ستريب نصيحتها إلى الممثلين في الوقت الحالي وقالت: "لا تستسلموا، لا تستسلموا، لا تستسلوا"، ، ولفتت تصريحاتها حول المساواة في هوليوود الانتباه، حيث قالت ميريل ستريب أن الفجوة المستمرة في الأجور بين الجنسين في هوليوود لا تتعلق دائمًا بالمال فقط، ولكنها مرتبطة بمشاكل المشاهدين الذكور والمديرين التنفيذيين للأفلام الذكور عندما يرون أنفسهم في الأدوار النسائية، وأضافت في تصريحاتها: "الأفلام هي إسقاط لأحلام الناس، وحتى المديرين التنفيذيين لديهم أحلام، إنهم يعيشون خيالهم، قبل أن تكون هناك نساء في مناصب الضوء الأخضر في الاستوديوهات، كان من الصعب جدًا على الرجال أن يروا أنفسهم في بطلة أنثى..".

ميريل ستريب تكشف عن أسرارها العائلية في مهرجان كان

وأضافت ميريل ستريب في تصريحاتها: "اليوم، أكبر النجوم في العالم هم من النساء، كان الأمر مختلفًا جدًا عندما بدأت في ذلك الوقت، كان كل شيء يتمحور حول النجم الذكر، وكانت الأدوار النسائية ثانوية.. بالنسبة للنساء، لم يكن من الصعب جدًا أن يتخيلن أنفسهن مع نظير ذكر، في حين كان من الصعب للغاية على الرجال أن يحلموا بشخصية أنثوية.."، وتحدثت عن تجربة الإنتاج وقالت: "كل شخص لديه شركة إنتاج خاصة به، وكان لدي شركة إنتاج: أطفال! وهذا ما اخترته.. الكثير من النساء ينتجن لأنفسهن، لكنني لم أرغب أبدًا في تلقي مكالمات هاتفية بعد الساعة السابعة ليلاً، لذلك، لم أفعل ذلك أبدا، أنا في رهبة من الناس الذين يفعلون ذلك".

وكشفت ميريل ستريب العديد من الأسرار العائلية عنها، وذلك في حديث نادر عن أبنائها وأحفادها، وقالت عن حياتها خارج التمثيل: "أنا أعيش حياة هادئة للغاية، في الحقيقة، لا أحظى بأي احترام في المنزل.. من المدهش جدًا أن آتي إلى هذه الساحة وأواجه موجة المد الكبيرة تلك"، وقالت ستريب إن العمل لمواكبة السينما العالمية لا ينتهي أبدا، لذلك فهي لا تستطيع مشاهدة ما يكفي من الأفلام، وقالت: "لدي أربعة أطفال كبار، ولدي أيضًا خمسة أحفاد، لذلك لا أجلس وأشاهد ما يكفي من الأفلام، كونك أمًا وجدة يظل أولوية قصوى، إنها حياة مزدحمة، لكنني قمت بالتسجيل لذلك وهذا ما لدي، وأنا مشغولة في الغالب بحياتي العائلية، علاوة على ذلك، أنا كبيرة في السن لدرجة أنني عملت الآن مع الجمي"، وأضافت ستريب عن التوازن بين العمل والحياة: "لا يوجد سوى عدد محدود من الساعات في اليوم، لذا، لا، لم أشاهد الكثير من الأفلام، ولكن أبحث عن أفلام لممثلات في الغالب، لأنني أقع في حبهن".

تكريم ميريل ستريب بجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان

وكان تكريم النجمة ميريل ستريب في مهرجان كان السينمائي بالسعفة الذهبية الفخرية، الحدث الأبرز في حفل افتتاح الدورة 77 من المهرجان، حيث تلقت الجائزة في لحظة عاطفية على المسرح في الافتتاح، وشكرت ميريل ستريب في كلمتها مدينة كان على الترحيب بعودتها بعد 35 عامًا، حيث كان آخر ظهور لها في فيلم "Evil Angels" عام 1989، وقالت: "بالنسبة لي، فإن مشاهدة هذا المقطع يشبه النظر من نافذة قطار فائق السرعة، يندفع كالبرق منذ شبابي إلى الخمسينات، حتى اليوم. وجوه كثيرة، والعديد من الأماكن التي أتذكرها جيدًا".

وأضافت ميريل ستريب في كلمتها: "عندما كنت في مدينة كان، قبل 35 عامًا، لأول مرة، كنت أمًا لثلاثة أطفال، كنت أقترب من الأربعين من عمري واعتقدت أن مسيرتي قد انتهت، في ذلك الوقت، بالنسبة للممثلة، كان هذا توقعًا معقولًا.. السبب الوحيد لوجودي هنا الليلة هو الفنانين الرائعين الذين عملت معهم، بما في ذلك السيدة رئيسة لجنة التحكيم.."، وأنهت ميريل ستريب كلمتها بالقول إنها "ممتنة للغاية لأن الجمهور وزملائها لم يملوا من وجهها ولم ينزلوا من قطار مسيرتها، وقالت: "قالت لي والدتي، التي عادة ما تكون على حق في كل شيء.. ميريل، عزيزتي، سوف ترين كل شيء يسير بسرعة كبيرة.. وقد حدث ذلك بالفعل، إلا كلامي فهو طويل جداً".

 

مجلة هي السعودية في

16.05.2024

 
 
 
 
 

الافتتاح مع فيلم عن الذكاء الاصطناعي والصوابية السياسية وثقافة الإلغاء:

كونتين دوبيو يمدّ لسانه للعالم!

رسالة كان/ شفيق طبارة

كان | انطلق «مهرجان كان السينمائي» في دورته السابعة والسبعين، كما أراد المفوض العام للمهرجان تييري فريمو من دون جدالات ولا مجادلات. «لا أخفي سراً بالقول إنّه كان هناك بعض الجدل العام الماضي. لذلك، قررنا استضافة المهرجان هذا العام من دون الخوض في أي مجادلات. حرصنا على ضمان أن يظل الاهتمام الرئيسي هو السينما»، مضيفاً: «إذا كانت هناك أيّ مجادلات أخرى، فهي لا تعنينا». هكذا قطع فريمو الطريق على أي نقاشات راهنة تعكس ما يحدث اليوم في العالم على رأسها فلسطين.وكان لفريمو ما أراد! بدأ المهرجان من دون أن يعكّر صفوه شيء، وتوالى النجوم والمشاهير ولجان التحكيم على السجادة الحمراء. قدمت الاحتفال الممثلة الفرنسية كامي كوتّان التي قالت: «نحن نشاهد الأفلام طوال اليوم ونناقشها طوال الليل. لا أحد يتحدث اللغة نفسها، لكننا جميعاً نفهم بعضنا. عندما نغوص في الظلام هنا، فإن ذلك للعثور على النور. يبدو الأمر جنونياً، لكن الأكثر جنوناً في هذا أنه حقيقي. إنه ليس عالماً موازياً. هذا العالم موجود. هذا هو المكان الذي يجتمع فيه عشاق السينما من جميع أنحاء العالم. مكان للقاءات والحوارات والنقاش والتأمل والثقافة والسحر. وفي وقت يشهد فيه العالم أحداثاً مثيرة للقلق تقشعر لها الأبدان، وتقسم الشروخ العميقة الشعوب، ويحترق كوكبنا، ويتعرض ذكاؤنا الجماعي للتهديد بأن يصبح اصطناعياً، فإنّ مكان التجمع هذا هو ضربة حظ. في كل عام، نأتي إلى مدينة كان لالتقاط صورة لإنسانيتنا؛ نأتي لنمتلئ بالأمل». بعد مقدمة الافتتاح وكلمات كوتّان، ودخول لجنة التحكيم، خرجت الممثلة جولييت بينوش، التي قدمت سعفة كان الفخرية للممثلة الأميركية ميريل ستريب، لتعلن افتتاح الدورة الـ77 من المهرجان.

بعدما بدأت الشائعات والاتهامات تكثر عن سلوك عددٍ من الممثلين والمنتجين والمخرجين الفرنسيين في ما يتعلق بالتحرش الجنسي في السنوات الأخيرة (كما حدث هذه السنة قبل بداية المهرجان)، وبينما تحاول السينما الفرنسية تجديد نفسها، أخرج الفرنسي كونتين دوبيو رأسه من بين الجموع، ومدّ لنا لسانه، ولعب بخفة بهلوان على الخطوط الحمر. في فيلمه «الفصل الثاني» (The Second Act - فيلم الافتتاح ـــ خارج المسابقة)، قدم لنا ديبيو مزيجاً من الحقيقة والخيال، التمثيل والحياة الحقيقية، وفيلماً داخل فيلم، ويبقى لنا أن نحاول أن نرى بينهما، عبر الحوارات، وعبر الطريقة الذكية التي كسر فيها الجدار الرابع.

تريد فلورانس (ليا سيدو)، أن يلتقي والدها غيوم (فنسان ليندن)، بديفيد (لوي غاريل)، الرجل الذي تحبه بجنون، لكنّ ديفيد يريد أن يرمي فلورانس في أحضان صديقه ويلي (رافاييل كينار). يلتقي الأربعة في مطعم قديم يقع في مكان مجهول. قد لا تبدو القصة هذه مغرية أو محفّزة، لكن مع بداية الفيلم تبدأ الأحداث والمفاجآت، والطرافة والفكاهة السوداء، والخدع التي يحبها دوبيو مع جمهوره. ما نشاهده هو فيلم داخل فيلم، مع اقتباسات عن «تايتانيك» وبول توماس اندرسون وقبل أي شيء عن صناعة الأفلام اليوم، والذكاء الاصطناعي، والفصل بين الفن والفنان، وإساءة استخدام السلطة في السينما، والسينما في زمن ديكتاتورية «الصوابية السياسية»، وإمبراطورية ثقافة الإلغاء.

يحب دوبيو الدخول إلى منتصف المنطقة الحدودية، بين ما هو حقيقي وغير حقيقي، وكشف نفاق عالم الترفيه. مع ذلك، ليس لدى «الفصل الثاني»، ما يكفي للاستمرار حتى مع مدته القصيرة التي تقلّ عن 80 دقيقة. بمجرد أن تصبح حيلة الفيلم مكشوفة، يبدأ دوبيو بالـ«الكوميديا الفوقية»، التي تنتزع ابتساماتنا. نجح دوبيو في تقديم الكثير من الحيل والمفاهيم المتعلقة بتطوّر استخدام الذكاء الاصطناعي في بناء الأفلام وبناء هذا الفيلم بالتحديد، والتركيز على التمثيل والحياة الحقيقية للممثلين وحتى الغرور. كما عرّج على الدراما التي لا تتطابق مع كمية الجنون الموجودة في الفيلم. أبدع في تسليط الضوء على كل المواضيع التي يريد أن يناقشها، لكنّه وقع في فخ الحيلة التي رسمها بنفسه. بمجرد كشف الفيلم عن نفسه في البداية، أصبح كل شيء كأنه مسودة أولية لفيلم. يكمن سحر الفيلم في الممثلين المشهورين الذي تناغموا بشكل مثالي، وأسهموا بكل ليونتهم في إقناعنا بهذا الهذيان، من دون تحفظات كبيرة وبسخافة مبالغ فيها، وهذه شروط أفلام دوبيو.

قد لا يكون فيلم افتتاح «مهرجان كان»، أكثر الأعمال إلهاماً أو إثارة، ولكن لا نقص في ما أراد دوبيو أن يقدمه. بداية موفقة للمهرجان مع كوميديا تتركنا في حالة من الإرباك، ولا نعرف حقاً إن كان علينا أن نأخذ فيلمه على محمل الجد، أو تقبّله كما هو بكل عبثيته المفرطة.

 

الأخبار اللبنانية في

16.05.2024

 
 
 
 
 

محمد طارق يحكي عن “كان 77”:

فيلم افتتاح مخيب للآمال لا يقتل الحماس!

وصلت البارحة إلى مدينة كان، لحضور الحدث السينمائي الأبرز. من وجهة نظر شخصية، توقعت قبل حضوري للمهرجان منذ ثلاث سنوات أنني لن أحب مهرجان كان، لميلي أكثر للمهرجانات السينمائية الجماهيرية وليست تلك التي تقام في مدن سياحية معزولة، لكن رغم مشقات الحضور المادية والعملية وكثرة الإرهاق، إلا إنني منذ العام الأول لي هنا وأنا قد وقعت في حب هذا المهرجان الذي أعده الأكثر إشباعًا لكل محب للسينما وعامل بها.

أصبح هذا الوقت من السنة هو الأمتع على الإطلاق في وسط المحافل السينمائية، أفلام سينمائية تشغل الرأي العام لسنة كاملة بعدها سواء بالسلب أو الإيجاب، ومقابلات لجميع صناع السينما من منتجين ومخرجين وموزعين يأتون من جميع أنحاء العالم، من عدة مناطق زمنية مختلفة، لتكون منطقتهم الزمنية متطابقة قلبًا وقالبًا لمدة المهرجان أو جزء منه على الأقل.

بوصلة السينما

يشكل كان بوصلة أيضًا للسينما العالمية بشكل ما، فمعظم المخرجين يحلمون بالعرض الأول هنا، ويتساءلون عن كيفية الوصول لهذا المحفل وعرض أفلامهم والمشي على سجادته الحمراء أو حتى المشاركة في أقسامه الموازية سواء أسبوع النقاد أو نصف شهر المخرجين. ما يجعل ذوق القائمين عليه ربما الأكثر تأثيرًا في أوساط السينما المستقلة أو حتى العالمية، وهو ينجح في المزج بين الاثنين بشكل رائع، فمن هنا انطلقت معظم الأسماء السينمائية العالمية بينما لم يكن يعرف أحد عنها شيئًا، وهنا أيضًا عرضت ذات الأسماء أفلامها في المسابقة الرسمية وحازت عنها الجوائز.

صدمة الافتتاح

بعد الوصول والاستقرار في محل الإقامة والحصول على الاعتماد الصحفي، ذهبت في السابعة مساءً إلى قاعة ديبوسي لمشاهدة فيلم الافتتاح لكونتان دوبيو مع بث حي مخصص للصحافة لمشاهدة فعاليات حفل الافتتاح، وقبل الحديث عن الفيلم الذي جاء بشكل ما مخيبًا للآمال، يجب الحديث عن الحفل الذي شمل تقديمًا للجنة تحكيم المسابقة الرسمية ورئيسة اللجنة جريتا جرويج، صاحبة باربي الذي تخطت إيراداته المليار دولار العام الماضي، لتكون أول مخرجة تحقق ذلك النجاح التجاري.

باربي حالة استثنائية تجارية بالطبع، لكن مسيرة جرويج بشكل عام، كممثلة ومخرجة، تطرح العديد من التساؤلات عن تعيينها رئيسة للجنة بها أعضاء مثل كورييدا وبيير فرانشيسكو فافينو وإيفا جرين، فذلك الاختيار يعد تجاريًا بقدر تجارية فيلمها الأحدث، خلطة مربحة على المستوى الإعلامي، ومرضية لحسابات سياسية تتعلق بالإعلام الأمريكي ومدى قوته، أو هذا هو تخميني، إذ من المؤكد أنها تحظى الآن بشهرة أكبر بكثير من أي عضو في اللجنة، رغم أنه يمكن وصف أعمالها بالمتوسطة.

بعد تقديم اللجنة، ظهرت إلى المسرح ممثلة كبيرة هي جولييت بينوش لتقديم السعفة الذهبية الفخرية إلى ممثلة كبيرة أيضًا هي ميريل ستريب، وبعد كلمة عاطفية طويلة من بينوش في حق ستريب، وجهت الأخيرة كلمات ثناء لبينوش وللمهرجان ولاختيارها للحصول على هذا الشرف، ثم توجهت بالشكر لشركاء رحلتها الفنية، وأعلنت هي وبينوش بشكل مشترك بدء أعمال الدورة الـ77 لمهرجان كان السينمائي.

الفصل الثاني

بعد ذلك، بدأ فيلم دوبيو الأحدث “الفصل الثاني”، وبعد افتتاحية طويلة للفيلم مليئة بالكوميديا والسخرية من الصوابية السياسية، بدأ الفيلم في الانحدار تدريجيًا لكوميديا فرنسية تقليدية مليئة بالحوارات المطولة والنكات التي يمكن توقعها. أذكر الآن مشاهدتي لأول فيلم لدوبيو “مطاط” في المركز الفرنسي بالقاهرة قبل سنوات، ومدى استمتاعي بجرأته الفنية وأحزن أنه عندما اختار المهرجان فيلما له ليفتتحه كان فيلمه الأحدث الأقل جودة وسط كل الأفلام التي شاهدتها له في الأعوام الماضية؛ فعلى سبيل المثال، الفيلمان اللذان قام بإنجازهما في العام الماضي، وعُرض أحدهما في لوكارنو والآخر في فينيسيا، كانا أفضل بكثير من ذلك الفيلم، وأخص بالذكر “يانييك” الذي اختاره لوكارنو، والذي ربما نُسي سريعًا رغم مدى جودته كفيلم كوميدي يدور حول مُشاهِد لمسرحية يقوم بتهديد الفريق المسرحي لتمثيل مسرحية كتبها هو بدل التي يحفظها الممثلون والتي أثارت ضجره وهو يشاهدها.

رغم ذلك، فإن “الفصل الثاني” بمطابقته لمواصفات الأفلام الكوميدية الفرنسية من حوارات طويلة، وتكرارات مضحكة، وسخرية من الصوابية السياسية وأوضاع العالم بشكل ما، وتخطيه للحائط الرابع، يبقى به شيء واحد جديد هو التزامه باسمه، إذ إنه فصل ثاني من حكاية وليس حكاية كاملة، لكن رغم ذلك فإن الفيلم يبقى متواضعًا في مسيرة مخرجه، وفي مسيرة افتتاحيات المهرجان أيضًا. لكن إن كان لعرض هذا الفيلم مكسب واحد، فهو بكل تأكيد نشر اسم مخرجه ذي الموهبة الضخمة في إنتاج الموسيقى والأفلام.

إجمالًا، فإن فيلم الافتتاح لن يثبط بأي حال من الأحوال حماس حضور مهرجان كان لمشاهدة بقية الأفلام المشاركة في المسابقة وخارجها، إذ إن الماراثون السينمائي لا يزال في بدايته وأبعد بكثير من أن يتم الحكم عليه بهذه السرعة.

 

موقع "شهرزاد" المصري في

16.05.2024

 
 
 
 
 

رسالة كان السينمائي: "ميغالوبوليس"

سليم البيك - محرر المجلة

"ميغالوبوليس" استثنائي، غريب ومربك. استيعابه لن يكون سلساً ولا بجرعة واحدة. يخرج أحدنا من الصالة بالكاد يدرك ما كان يحصل أمامه. أو ما كان مأخوذاً به قبل قليل. هو أقرب لاحتمال التحفة الفنية من دون إدراك مباشر لمبررات هذا الحكم، لكن بالشعور به، بما يشير إليه من بعيد. قد يحتاج العمل سنوات قليلة، أو طويلة، ليأخذ مكانه في خانة التحفة أو الخيبة.

هل يكون "ميغالوبوليس" "متروبوليس" آخر؟ لم يخطر لي السؤال، ولا حتى فيلم فريتز لانغ المرجعي (Metropolis، ١٩٢٧) قبل المَشاهد الأولى من فيلم فرانسيس فورد كوبولا، وإن تشابهت الأسماء. هو الفيلم الأكثر ترقباً لدى كثيرين كنت منهم، في هذه الدورة من مهرجان كان السينمائي التي يشارك الفيلم في مسابقتها الرسمية.

الفيلم، Megalopolis، يحاكي فيلم لانغ بشكل عصري، من بعد قرابة قرن من الزمان، كأنّنا أمام نسخة ثانية من الفيلم العظيم للانغ. فيلم كوبولا هذا يتحاور مع فيلم لانغ، يحاول الإجابة عن أسئلته بتحديثها إلى أخرى مماثلة، في حال الإنسانية ومآلها، من بعد قرن. الفيلمان أخذٌ وردٌّ غير مباشرين حول التراجيديا البشرية، وإن كان، لسياقه الزماني، فيلم لانغ اجتماعياً واقعياً، وفيلم كوبولا فردانياً ما بعد حداثي. في الأول تبنى حبكة تقليدية من خلال طبقة عمّال، في الأخير لا حبكة ولا طبقة، أفراد يتحكمون ويحتكرون. قد يكون هذا واحداً من المآلات التراجيدية التي آلت إليها البشرية ما بين الفيلمين، بغض النظر عن النهاية السعيدة الفردية، المفتعَلة، في فيلم كوبولا.

بمشهد افتتاحي من تلك التي تخلَّد، بدأ الفيلم بنبضات قوية ومتسارعة، وبالكاد هدأت على طوله، بشغل بصري مزدحم ومتداخل، ومن دون حبكة واضحة المعالم إنما بشخصيات تتفاعل مع نفسها ضمن قصة حب بدائية، فيها صراعُ قِوى تمثل الخير والشر، الساحر والحاكم والمصرفي. ثلاث قوى متقاطعة من دون واصل زماني بينها. الشخصيات متداخلة مع بعضها كأنها تدور في حلقة لا تتوقف. وميزة الساحر الأساس قدرته على إيقاف الزمن. هذا كله يمكن أن يؤخَذ مدحاً بالفيلم، وكذلك ذماً. يستعيد الفيلم الامبراطورية الرومانية، كلاماً وصوراً وأزياء، يضع البشرية على سطح واحد بأزمنة متماهية، العناصر الزمانية فيه متداخلة. في الفيلم، ممحو الزمان، أدوات وأجهزة من كل الأزمنة تتجاور.

إن تناول فيلم لانغ المجتمع البشري من خلال الصراع الطبقي، كأصل واستدامة، في خيال علمي رأيناه بنسخة عصرية في فيلم كوبولا، فإن فيلم الأخير أكّد على أن الصراع البشري هذا، مهما اتخذ أشكالاً تفاوتت خلال القرن الأخير، إلا أنه يبقى هو هو، لا بشرية من دونها. للفيلم المليء بالكلام النظري إشارات وثائقية، من أحداث تاريخية وطقوس حضارية، ومشاهد تجريبية من الكوكب، وما تلاها في ما يعرف في المسرح بالتكسير للجدار الرابع، إذ اقتحم أحدهم خشبة المسرح بمايكروفون وبدأ يحادث الساحر، أنيرت الصالة قليلاً وبدا المتطفل عنصراً واقعياً من الفيلم، لنكون نحن والفيلم بأحداثه وحوادثه سيان، والبشرية بتراجيدياتها مآلُ المتفرجين، نحن.

"ميغالوبوليس" استثنائي، غريب ومربك. استيعابه لن يكون سلساً ولا بجرعة واحدة. يخرج أحدنا من الصالة بالكاد يدرك ما كان يحصل أمامه. أو ما كان مأخوذاً به قبل قليل. هو أقرب لاحتمال التحفة الفنية من دون إدراك مباشر لمبررات هذا الحكم، لكن بالشعور به، بما يشير إليه من بعيد. قد يحتاج العمل سنوات قليلة، أو طويلة، ليأخذ مكانه في خانة التحفة أو الخيبة.

 

مجلة رمان الثقافية في

16.05.2024

 
 
 
 
 

"كانّ 77": افتتاح بطعم التهديد والفضائح

محمد صبحي

مشاركة عبر

هناك الكثير من جبهات الصراع الكامنة في الدورة الجديدة لمهرجان كان السينمائي الدولي – الـ77، بدأت الثلاثاء الماضي وتنتهي يوم السبت 25 أيار/مايو - حيث أفلام ونجوم، من "ميغابوليس" لفرانسيس فورد كوبولا إلى جديد يورغوس لانثيموس، سيتعيّن عليهم بذل جهد إضافي كي يُلاحظوا ويستطيعوا إخراج أعناقهم من الواقع المحلي والعالمي المضطرب، القادر على التسلّل حتى إلى المنتجع الساحلي الأكثر تميّزاً في الريفييرا الفرنسية.

في باريس، أصبحت الإضرابات والمظاهرات أمراً شائعاً، ولكن هذه ليست الحال في شارع كروازيت الأنيق المطلّ على البحر في مدينة كانّ. في العام الماضي، هدّد عمال الطاقة الكهربائية النقابيون بـ"إظلام" المهرجان رفضاً لإصلاح نظام التقاعد الذي أقره الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لكن السلطات الوطنية تمكّنت من تخفيف التهديد وتجنُّب الكارثة.

ومع ذلك، تأتي الاضطرابات العمالية هذا العام من داخل الصناعة نفسها: مجموعة "خلف الشاشة، النفايات" Sous les écrans la dèche، التي تجمع حوالي 3000 من العاملين في مهرجانات الأفلام - فنيو عرض، وإداريون، ووكلاء صحافيون، وموظفو مسرح، وتكنولوجيا معلومات، وصيانة - سبق أن وجّهوا دعوة للإضراب منذ أكثر من أسبوع، ليس فقط بسبب رواتبهم الضئيلة، ولكن أيضاً بسبب عدم استقرار وظائفهم.

العمّال ليسوا وحدهم، فقد قدّمت لهم نقابة محترفي الصناعات السمعية والبصرية والسينما، والتي تشكّل جزءاً من اتحاد النقابات العمالية ((CGT - والتي لا تنتمي إليها المجموعة المضربة بالمناسبة - دعمها الكامل، وأعلنت في بيان لها: "نحن فنيو الأفلام والصوتيات والرسوم المتحركة متحدون مع هؤلاء العمال الذين يضطرون إلى العمل في ظروف متزايدة الصعوبة اقتصادياً ومادياً، حتى يمكن عرض الأفلام المشاركة في أفضل الظروف الممكنة. صناعة فيلم لا تكون إلا إذا أمكن عرضه، وتلعب المهرجانات دوراً مهماً في حياة الأعمال السينمائية والترويج لها، خاصة في فرنسا".

بدورها، لم تقف إدارة "كانّ" مكتوفة الأيدي، فأجابت - في بيانٍ رسمي - بأنها "تدرك الصعوبات التي يواجهها بعض موظفيها" وأعلنت "استعدادها لتهيئة ظروف دائمة للحوار" مع الاعتراف بـ"موضوعية هذه المطالب". وبحثاً عن قناة للحوار، وعدت المجموعة العمّالية - التي حصلت بالفعل على حوالي 300 توقيع داعم من أسماء وازنة في الصناعة، بما في ذلك توقيع الأخوين لوك وجان بيير داردان، الفائزين مرتين بالسعفة الذهبية للمهرجان - بعدم تعطيل حفل الافتتاح، من دون التراجع عن مطالبها. في الواقع، لم يتمكّن تييري فريمو، المندوب العام للمهرجان، من تجنّب الإشارة إلى الموضوع في المؤتمر الصحافي الاثنين الماضي، قبل بدء المهرجان رسمياً: "نريد جميعاً تجنّب الإضراب، وفريق الموارد البشرية مستمر في الحوار مع ممثلي العمال".

على أية حال، يعد حفل الافتتاح بمشاعر أخرى غير الفيلم الذي وقع عليه الاختيار لبدء المهرجان، وهو "الفصل الثاني" للمخرج وال"دي جيه" الفرنسي، كوينتين دوبيو، الذي يشارك في بطولته ليا سايدو، وفنسنت ليندون، ولوي غاريل. أشارت شائعات إلى أن الفرع الفرنسي لحركة "أنا أيضاً" وعد بسيلٍ من ادعاءات الاعتداء الجنسي التي قد تتزامن مع يوم الافتتاح، أو سيُكشف عنها خلال فترة المهرجان. أثار مقال نشرته صحيفة لوفيغارو الفرنسية المحافظة تحت عنوان "أنا أيضاً: قبل مهرجان كان السينمائي، صناعة السينما تتصبّب عرقاً بارداً"، إثارة الشائعات بأقصى طاقتها. ومن دون تسمية أسماء، أشار المقال إلى أن حوالي عشرة من المخرجين والممثلين والمنتجين الفرنسيين البارزين قد يكونون موضوع اتهامات علنية بحملة "أنا ايضاً" في الأيام المقبلة. وللتأكيد على جدّية تحقيقاتها، كشفت صحيفة لوفيغارو أن رئيسة مهرجان كانّ السينمائي، إيريس نوبلوخ، استأجرت شركة علاقات عامة لإدارة الأزمات لمساعدة الحدث على تجاوز العاصفة المحتملة المقبلة.

وفي السياق ذاته، برمج المندوب العام للمهرجان، تييري فريمو، لافتتاح قسم "نظرة ما"، فيلماً قصيراً بعنوان "أنا أيضاً" Moi aussi للممثلة وكاتبة السيناريو والمخرجة جوديث غودريش، والذي تقوم فيه بتجميع مئات حالات التحرش الجنسي. وقد تقدّمت غودريش بنفسها بالفعل بشكوى ضد المخرج بينوا جاكو، متهمة إياه بالعنف الجنسي والجسدي عندما كان عمرها 14 عاماً. وفي 23 شباط/فبراير الماضي، أصبحت الممثلة الوجه الفرنسي الجديد لحركة "أنا أيضاً" خلال حفل توزيع جوائز سيزار الـ49 للصناعة المحلية عندما حثت على التحلي بالشجاعة للقول بصوت عالٍ ما "نتمتم به جميعاً تحت أنفاسنا" وانتقدت الصمت حول "الاتجار غير المشروع بالفتيات" في عالم السينما. ولصبّ الزيت على النار، دعت غودريش، الاثنين الماضي، إلى إيقاف رئيس المركز الوطني للسينما (CNC)، دومينيك بوتونات، عن منصبه، الى حين استكمال إجراء تحقيق قضائي في القضية المتعلقة به.

وفي الوقت نفسه، سيُعرض أحد الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية على مسرح لوميير الكبير، مع مخرجه الهارب من العدالة في بلاده. إنه "بذرة التين المقدس"، للمخرج الإيراني محمد رسولوف، المنشق السياسي المعروف الذي حكم عليه للتو من قبل النظام الثيوقراطي في طهران بالسجن لمدة ثماني سنوات، وغرامة مالية، ومصادرة أصوله وجلسة جلد. وبحسب محامي الدفاع عنه، فإن قرار المحكمة الثورية الإسلامية يرجع إلى أن المخرج "يوقّع على التماسات تطالب بالعدالة، وينتج أفلاما تشكّل، بحسب المحكمة، جرائم ضد أمن البلاد". وفي مواجهة مثل هذه الإدانة، قرّر رسولوف مغادرة إيران إلى منفى سرّي، ودعا من دولة أوروبية غير محددة - في فيديو نشره على حسابه في "إنستغرام" - إلى تضامن مجتمع السينما الدولي المجتمِع في مدينة كانّ مع السينمائيين الإيرانيين.

جدير بالذكر أن أشهر حالة لسينمائي إيراني اضطهده النظام هي حالة جعفر بناهي، الذي عانى هو الآخر من قسوة سجون بلاده، لكن حالياً رسولوف هو مَن تنتشر قصّته، رغم أن محنته ليست جديدة. ففي 2020، فاز رسولوف بجائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين عن فيلمه "لا وجود لشرّ"، وهو نداء ناري ضد عقوبة الإعدام، وحتى ذلك الحين لم يتمكّن المخرج من الحضور لأن السلطات احتجزت جواز سفره، وهي ممارسة شائعة في دولة آيات الله ضد المعارضين السياسيين.

بدورها، ستكون الحرب في أوكرانيا حاضرة في مدينة كانّ من خلال فيلم "غزو" للمخرج الأوكراني البارز سيرغي لوزنيتسا، الحاضر دوماً في المهرجان، حيث تُعرض أعماله بانتظام. وسيكون للصراع في الشرق الأوسط أيضاً صدى في الكروازيت، مع فيلم للمخرج الدنماركي من أصل فلسطيني مهدي فليفل والذي يعد بأن يكون أحد اكتشافات القسم الموازي لـ"أسبوعي المخرجين". يحمل الفيلم عنوان "أرض مجهولة" ويصوّر محنة اثنين من أبناء العمومة الفلسطينيين، تمكّنا من الهروب من الحصار الإسرائيلي وتقطعت بهما السبل في شوارع أثينا، على أمل الوصول إلى ألمانيا يوماً ما.

على ذكر الحضور العربي، فالمشاركة العربية أقل حجماً من العام الماضي، وتخلو المسابقة الرسمية تماماً من أي فيلم عربي (مثلما تخلو من الأفلام الإفريقية). وخلافاً للحضور البارز في العام الماضي، بفيلم كوثر بن هنية "بنات ألفة"، تأتي المشاركة العربية في النسخة الجديدة خجولة نوعاً. خارج المسابقة، يشارك المغربي نبيل عيوش بفيلمه الجديد "الكل يحب تودا"، وثائقي روائي يتناول فيه شخصية وحياة شيخة في تجربة الغناء التقليدي المغربي. هناك أيضاً من مصر الفيلم التسجيلي "رفعت عيني للسما" للمخرجين ندى رياض وأيمن الأمير، المشارك في "أسبوع النقّاد"، حول مجموعة من الفتيات اللاتي يقررن تأسيس فرقة مسرحية وعرض مسرحياتهن المستوحاة من الفلكلور الشعبي الصعيدي، بشوارع قريتهن الصغيرة لتسليط الضوء علي القضايا التي تؤرقهن كالزواج المبكر والعنف الأسري وتعليم الفتيات، بينما يمتلكن أحلاماً تفوق حد السماء. كما تشارك السعودية بفيلم للمرة الأولى في قسم "نظرة ما"، يحمل عنوان "نورة" لتوفيق الزايدي. تدور أحداث الفيلم في قرية نائية في المملكة العربية السعودية في تسعينيات القرن الماضي، حيث تقضي نورا معظم وقتها بعيداً عن القرية. والآن، عليها أن تخرج من عالمها للحصول على ما تريد، بعد أن تكتشف أن نادر هو أكثر من مجرد معلم جديد في القرية. وأخيراً، فيلم "شرق 12" للمصرية هالة القوصي في "أسبوعي المخرجين"، المنتمي للكوميديا السوداء، حيث يدور في إطار من الفانتازيا الساخرة في عالم مغلق خارج الزمن، يتمرد فيه موسيقي شاب على المتسلّط  الذي يدير المكان بخليط من العبث والعنف، فيما حكّاءة تخفّف عن الناس بحكايات خيالية عن البحر الذي لا يعرفه أحد.

خارج الأفلام والمسابقات، تشارك المخرجة والممثلة اللبنانية نادين لبكي في لجنة تحكيم المسابقة الرسمية، كما ترأس الممثلة مغربية الأصل لبنى الزبّال لجنة تحكيم مسابقة الأفلام القصيرة.

وفي المسابقة الرسمية، هناك، كالعادة، أسماء كبيرة في سينما اليوم، بدءاً من فرانسيس فورد كوبولا، الذي سيُقدّم شخصياً يوم الجمعة، عن عمر يناهز 85 عاماً، العرض العالمي الأول لفيلم "ميغابوليس"، المشروع الذي عمل عليه منذ ما يقرب من أربعة عقود والذي يضمّ فريق عمل بقيادة آدم درايفر وداستن هوفمان، اللذين وعدا بالظهور على السجادة الحمراء. وينطبق الشيء نفسه على إيما ستون وويليم دافو، اللذين يصلان إلى مدينة كانّ للدفاع عن فيلمهما "أنواع اللطف"، الفيلم الجديد للمخرج اليوناني يورغوس لانثيموس بعد فيلمه الناجح "كائنات مسكينة"، والذي كُشف النقاب عنه في مهرجان البندقية السينمائي قبل تسعة أشهر فقط.

بعد عامين من فيلم "جرائم المستقبل" المثير للإعجاب، يعود الكندي ديفيد كروننبرغ إلى مدينة كانّ، بفيلم "الأكفان"، من بطولة فنسنت كاسيل في دور رجل أعمال دمّره موت زوجته، فابتكر جهازاً مثيراً للجدل يسمح للأحياء بالتواصل مع أحبّائهم المتوفّين من خلال أكفانهم.

ويشارك في المسابقة الرسمية سينمائيون بارزون آخرون، مثل الأميركي شون بيكر، والبرتغالي ميغيل جوميز، والصيني جيا تشانغ كي، والإيطالي باولو سورينتينو، والبرازيلي كريم عينوز، حيث لا يوجد سوى أربعة أفلام فقط من بين 22 فيلماً متنافساً من إخراج نساء: البريطانية أندريا أرنولد، والفرنسيتين كورالي فارغيت وأغاثا ريدنغيه، والمخرجة الهندية الممتازة بايال كاباديا. هذا التفاوت بين الجنسين الذي يثير التساؤل دائماً في مسابقة كانّ، سيجري تعويضه من قبل لجنة تحكيم المسابقة الرسمية التي ترأسها مخرجة "باربي" غريتا غيرويغ، والتي سترافقها ممثلات ومخرجات أخريات مثل ليلي غلادستون، إيفا غرين، نادين لبكي، وإيبرو سيلان.

خارج المنافسة، يظهر فيلم قصير جديد لجان لوك غودار بعد وفاته بعنوان "سيناريوهات"، والذي صُوِّر في اليوم السابق لوفاته الطوعية، في 13 أيلول/سبتمبر 2022. في هذا التوازن الصعب الذي يحققه "كانّ" دائماً بين سينما المؤلف والأفلام الجماهيرية الضخمة، يتضمّن المهرجان من جهة الأفلام الروائية الجديدة لليو كاراكس وألان غيرودي. في حين أن جناح هوليوود - الذي يجذب المصوّرين والمتابعين - مغطّى بالسعفة الشرفية لميريل ستريب، التي تسلّمتها في حفل الافتتاح، وأخرى للمخرج جورج لوكاس، مبتكر سلسلة أفلام "حرب النجوم"، والعروض الأولى الخاصة لأفلام جماهيرية منتظرة مثل "فيريوسا" Furiosa: A Mad Max Saga لجورج ميلر والجزء الأول من فيلم الويسترن "أفق: ملحمة أميركية" من إخراج كيفن كوستنر، والتي يعد بجزأين إضافيين خلال عام 2024 لإكمال ما يُنتظر أن يكون ثلاثية ويسترنية تتناول ملاحم عائلية أثناء انقسام الولايات المتحدة بفعل الحرب الأهلية.

 

المدن الإلكترونية في

16.05.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004