ملفات خاصة

 
 
 

فيلم «تشريح سقوط»…

السياسة كضرورة سينمائية

سليم البيك

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

(أوسكار 96)

   
 
 
 
 
 
 

لا تكون السينما إلا سياسية، حتى في أكثر حالاتها ترفيهاً، هي بذلك ولذلك سياسية، وفي حالاتها الفنية هي كذلك سياسية، لكلا الحالتين موقف سياسي بأبعاد اجتماعية وثقافية. التفاهة موقف سياسي، كذلك الأخلاقيات موقف سياسي، وكله حاضر في السينما، كنوع فني، مهما كان الفيلم، لكن السياسة بمعناها المباشر حاضرة كذلك، كما أن للفنان صاحب الموقف السياسي المباشر، مصداقية العمل الفني في جوانب هذا العمل كافة. مثالان تطرحهما هذه المقالة هنا: حفل جوائز لوميير في باريس، وفيلم «تشريح سقوط» وكلا المثالين مترابطان.

أقيم أخيراً حفل توزيع جوائز لوميير للسينما الفرنسية لهذه السنة (22 يناير/كانون الثاني) التي يصوّت لأفلامها مراسلو الصحافة الأجنبية ونقادها، من بينها كان لكاتب هذه الأسطر صوته لصالح «تشريح سقوط» كأفضل فيلم، ونالها، و»بنات ألفة» كأفضل وثائقي، ونالها. الأول للفرنسية جوستين ترييه، والثاني للتونسية كوثر بن هنية.

نستهل الحديث، السياسي، مع كوثر بن هنية التي ألقت خطاباً مؤثراً عند نيلها جائزتها، يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، قائلة إن أفلامها المقبلة ستمنح الصوت لمن لا صوت لهم، ولمن سماهم فرانز فانون «معذبو الأرض». من بعدها نالت جوستين ترييه وشريكها وكاتب السيناريو معها أرتور أراري، جائزة أفضل سيناريو، ليلقي الأخير كلمة تعرضت لتشويش وصياح من قبل إسرائيليين -غالباً- مجمّعين في زاوية آخر الصالة، قال فيها بعد ثنائه على موقف كوثر بن هنية، وبما يمكن اعتباره موقفاً متقدماً ليقال في فرنسا، إنه يشعر بالصدمة والقرف العميقين مما تفعله الحكومة الإسرائيلية في غزة، ومثل كوثر نال تصفيقاً علا صوته على صراخ المخرّبين. من بعده نال البلجيكي أرييه ورثالتر جائزة أفضل ممثل عن فيلم «محاكمة غولدمان» فبعدما حاول التوفيق بين الموقفين، بالقول إنهما غير منفصلين، قال إن وقف إطلاق النار هو المهم الآن، وإن أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول استخدمتها حكومتكم -مخاطباً المخرّبين- لحرية التدمير لا التعمير.

«تشريح سقوط» الذي نال أهم جائزة سينمائية في العالم وهي، السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي العام الماضي، والذي ألحقه بجوائز عديدة، تحديداً كأفضل فيلم وأفضل سيناريو، نال في اليومين التاليين من حفل لوميير، ترشيحات عديدة لكل من حفلي السيزار الفرنسي، والأوسكار الأمريكي، وكذلك من بعد جوائز في الغولدن غلوب، ودائماً في أهم فئات الجوائز والترشيحات: أفضل فيلم. ولهذا الفيلم قصة سياسية هنا.

من بعد نيل الفيلم السعفة الذهبية، ألقت مخرجته خطاباً ناصرت فيه المظاهرات التي كانت تشهدها فرنسا في حينه، رفضاً لإصلاحات قانون التقاعد التي سعت لإقرارها، وفعلت، السياسة النيوليبرالية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وحكوماته، وانتقدت ترييه سياسات الدولة الثقافية، فعلّقت عليها وزيرة الثقافة مباشرة، ثم لم تختر الدولة الفيلمَ لتمثيلها في جوائز الأوسكار ضمن فئة أفضل فيلم دولي، ما سيتسبب بمهزلة للدولة مع إعلان الترشيحات. وكانت علّقت المخرجة على تجنب اختيار الفيلم ساخرةً بأن من يتخذ القرار أربعة جالسون في مكتب.

في النهاية، ولأن الفيلم ناطق كذلك بالإنكليزية، إضافة إلى الفرنسية، أمكن ترشيحه لأهم فئة في الأوسكار وهي أفضل فيلم، ما تسبّب بمهزلة لسياسة الإلغاء الحكومية الفرنسية تجاهه. وإن لم تكن حظوظه واسعة كونه ينافس أفلاماً أمريكية على أرض أمريكية ولجمهور ومصوّتين من هناك ليست أفلام السعفة الذهبية والمهرجانات الأوروبية من أفضلياته، لكنه وصل إلى القائمة القصيرة لترشيحات هي أهم مما كان يمكن له أن يمثل الدولة الفرنسية فيها.

يحكي «تشريح سقوط» عن امرأة تُتهم بقتل زوجها، إذ لا يُعرف إن كان قد سقط من نافذة البيت أو انتحر، أو أنها أوقعته فقتلته، ليدور الفيلم حول معنى الحقيقة والحقائق، فيقول المحامي لها إن ما يعني المحكمة لا ما حصل، بل ما وجد من أدلة على حصوله تمكّن القضاة من إطلاق الحكم.

الفيلم، المستحق لكل هذه الترشيحات والجوائز، مثال ساطع على سياسية العمل الفني، وعلى وعي صاحب العمل للحالة السياسية التي أنتج خلالها العمل الفني – أو رغما عنها- وعلى ضرورة الوعي السياسي والموقف الأخلاقي وتجاورهما، محلياً ودولياً، من الوقوف ضد قانون حول التقاعد إلى الوقوف ضد إبادة جماعية لشعب في بلاد بعيدة.

كاتب فلسطيني سوري

 

القدس العربي اللندنية في

04.02.2024

 
 
 
 
 

«منطقة الاهتمام» و«كلنا غرباء» يتصدران حفل توزيع جوائز دائرة النقاد بلندن

لندن ـ «سينماتوغراف»

هيمنت الأفلام البريطانية على جوائز دائرة النقاد في لندن، والتي منحت أعلى الجوائز لفيلم المخرج جوناثان جليزر "منطقة الاهتمام، The Zone of Interest " ــ وعدد مساوٍ لفيلم المخرج أندرو هاي الذي يحمل عنوان "كلنا غرباء، All of Us Strangers".

فاز فيلم "منطقة الاهتمام"، بجائزة أفضل فيلم وأفضل مخرج، كما حصل أيضاً على جائزة الإنجاز الفني للموسيقى والصوت، والتي مُنحت لميكا ليفي وجوني بيرن عن الموسيقى التصويرية الاستثنائية التي تسعى إلى نقل الرعب غير المرئي خلف جدران المخيم.

وفي الوقت نفسه، حصل فيلم كلنا غرباء، الذي يلعب فيه أندرو سكوت دور كاتب سيناريو يبدأ علاقة جديدة ويجتمع في نفس الوقت مع والديه المتوفين منذ فترة طويلة، على جائزة أتينبورو لأفضل فيلم بريطاني/أيرلندي لهذا العام، فضلاً عن أفضل ممثل لسكوت.

وبينما يتنافس فيلم The Zone of Interest على خمس جوائز أوسكار الشهر المقبل، لم يتم ترشيح فيلم All of Us Strangers في فئة واحدة. وفي حين أن كلا الفيلمين مرشحان لجائزة بافتا.

وفي الوقت نفسه، ذهبت جائزة أفضل ممثلة إلى إيما ستون عن فيلم Poor Things، مما عزز تقدمها بفارق ضئيل على ليلي جلادستون من فيلم Killers of the Flower Moon في سباق جوائز الأوسكار. فازت Da’Vine Joy Randolph بجائزة أفضل ممثلة مساعدة عن فيلم The Holdovers، لتكرر الفوز الذي حققته حتى الآن في كل حفل توزيع جوائز حتى الآن هذا الموسم.

وحصل جيفري رايت، الذي رشح لجائزة الأوسكار، على جائزة ديليس باول للتميز في السينما من قبل مخرج الخيال الأمريكي كورد جيفرسون. وفي الوقت نفسه، حصل كولمان دومينغو، منافس رايت، على جائزة ديريك مالكولم الافتتاحية للابتكار، والتي سُميت على اسم الناقد السينمائي الراحل في صحيفة الغارديان.

دائرة نقاد لندن هي أقدم منظمة للنقاد في المملكة المتحدة، وتضم 210 أعضاء. إنها واحدة من آخر احتفالات توزيع الجوائز المتبقية قبل حفل توزيع جوائز البافتا القادمة خلال أسبوعين.

 

موقع "سينماتوغراف" في

06.02.2024

 
 
 
 
 

لماذا تجاهلت الـ"أوسكار" أمير السينما المستقلة ريتشارد لينكلايتر؟

سياسة التجاهل المقصود والإقصاء تؤدي إلى تهميش الأفلام المهمة لمصلحة الركاكة

هوفيك حبشيان  

"قاتل مأجور" للأميركي ريتشارد لينكلايتر أضحى إحدى مفاجآت مهرجان البندقية السينمائي الأخير، ليس لأن مخرجه يقدم عملاً ممتازاً لأول مرة، بل لأننا لم نتوقع منه ضربة معلم بهذه الرشاقة بعد مجموعة أعمال لم تترك أثراً كبيراً. الفيلم أضحك الجمهور العريض وسحر النقاد وأقنع أصحاب الآراء الأكثر تشدداً. إلا أنه بعد عروضه في مهرجاني البندقية وتورونتو، تعرض لتعتيم، لأسباب يصعب فهمها. قد لا يتعلق الأمر بمؤامرة، بل فقط تجاهل من النوع المكرر والمنتشر بكثرة في السنوات الأخيرة، ويتعرض له عديد من الأعمال، في زمن أصبح فيه العرض أكثر من الطلب، ولا يتوفر مكان للجميع خصوصاً في قائمة الجوائز، التي باسم تمييز بعض الأفلام، تهمش أفلاماً أخرى. والطامة الكبرى في قضية "قاتل مأجور" تتجسد في إقصائه تماماً من ترشيحات مسابقة الـ"أوسكار" التي ستوزع في منتصف الشهر المقبل، هذا على رغم أن كثراً توقعوا أن يرشح غلين باول لجائزة أفضل ممثل عن دوره فيه، لكن الأكاديمية فضلت أفلاماً أخرى عليه، أحدها هو "باربي"، عمل ركيك حقق نجاحاً باهراً في شباك التذاكر.

مضحك وعميق ومجنون

الناقد جوردان رومي الذي حضر مهرجان البندقية في سبتمبر (أيلول) الماضي، كتب يقول تحت قوة تأثير اللحظة: "عرض الفيلم (قاتل مأجور) للتو، والمكان بأكمله أصيب بالجنون. هناك من أدهشهم عدم مشاركة هذا الفيلم في المسابقة. أخبرني أحد الحاضرين أنه فيلم "مضحك وعميق، كل ذلك في وقت واحد. تحفة سينمائية!" وهو لم يكن الوحيد الذي كان له هذا الرأي. ناقد آخر أخبرني أن الفيلم "أربكه" وأنه من أفضل ما أنجزه لينكلايتر في مسيرته. مزيج غير عادي من الدراما والكوميديا. كان التصفيق هو الأعلى في أي فيلم عرض حتى الآن في المهرجان".

موقع "ذي أتلانتيك"، نصح قراءه بمشاهدة "قاتل مأجور" ضمن قائمة تضم "22 فيلماً مثيراً تنبغي مشاهدتها في هذا الموسم". نقرأ في المقال المذكور: "مشاهد الشرطة خفيفة بما يكفي لتكون مضحكة، أما المشاهد المجنونة فهي سوداوية بما يكفي لإبقائك على حافة مقعدك". باختصار، كثر اعتبروا الفيلم رائعة سينمائية، لكن هذا لم يكن كافياً ليغزو الصالات وينال الجوائز. وهذا إن دل على شيء، فعلى عدم التعويل على الجوائز كمعيار لجودة أي عمل سينمائي. من الواضح إننا أمام حالة من الظلم التي يسعى بعض النقاد في الغرب إلى التخفيف من حدتها، عبر إطلاق تسمية "خروف أسود" على فيلم لينكلايتر، وهي تعني "عضو غريب داخل مجموعة"، فضلاً عن أن الفيلم لم يخرج حتى الآن إلى الصالات الأميركية، ومن المتوقع عرضه في السابع من يونيو (حزيران) من هذا العام على "نتفليكس" بعد أن قامت المنصة الشهيرة بشرائه بـ20 ميلون دولار (كلف الفيلم نصف هذا المبلغ)، في أكبر صفقة شهدها العام الماضي. ويقع هذا ضمن سياستها التي تطمح إلى جذب الأسماء الكبيرة. أما عرضه في الصالات في أميركا، فلا يزال غير أكيد.

الفيلم مبتكر في أسلوبه، غني في مضمونه، متشعب في سرده. أما على مستوى الأجواء، فيمكن القول إنه لو قرر الأخوان كووين وكوانتن تارانتينو أن يتشاركا في تأليف عمل ما وإخراجه، لأصبح شبيهاً بهذا العمل الذي توفر مشاهدته متعة لا تضاهى، علماً أنها تأتي على جرعات، هذا لا يعني أن  لينكلايتر قلد أحداً، بل على عكس ذلك، فالفيلم على قدر من الأصالة، بعيداً من التكلف والافتعال.

تجري الأحداث في نيو أورليانز، الرجل الذي سنتعرف إليه (غلين باول) أكاديمي يدرس علم النفس، وفي وقت فراغه يساعد الشرطة على توقيف الناس الذين على وشك ارتكاب جريمة. تقتصر مهمته على عرض خدماته كقاتل مأجور لمن ينوي التخلص من خصم أو زوج معنف أو غيرهما من الأعداء، فيستدرجهم مستخدماً أساليبه الخاصة. ولكن، ذات يوم، يقع في شباك امرأة لاتينية مغرية (أدريا أرخونا) تنوي قتل زوجها الذي يعنفها. عوضاً من تسليمها للشرطة جرياً للعادة، يرفض التعاون معها ويتركها تتابع طريقها، لكن طريقيهما ستلتقيان مجدداً، مما يشرع الباب لمجموعة من مفارقات وملابسات، يصورها لينكلايتر بخفة دم وروح مرحة ودعابة تفعل فعلها في المشاهد.

 الممثل غلين باول الذي شارك في كتابة السيناريو المقتبس من مقال صحافي نشر في عام 2001، له دور كبير في إضفاء هذه النبرة على الفيلم، فهو يحمل على كتفيه الجزء الأكبر منه. إنه شخصية ساحرة، تستوفي كل شروط الكاريزماتية. أما النص ففيه ما هو ذكي ولماح، لا يكتفي بالحكاية بل يطرح في تفاصيلها ما هو أبعد منها.

بين التجريب والجمهور

يعتبر لينكلايتر (64 سنة) من أعلام السينما المستقلة في أميركا. ينتمي إلى تيار يمزج بين التجريب ومغازلة الجمهور العريض. عرف بأفلامه التي تجري أحداثها على مدار يوم واحد ومسرحها تكساس، ومشغولة بحكايات أشخاص من عمق الواقع الأميركي. اشتهر بثلاثيته التي تضم "قبل الشروق" و"قبل الغروب" و"قبل منتصف الليل" بطولة إيثان هوك وجولي دلبي التي قدمها بين عامي 1995 و2013. في "أمة الفاست فوود"، تناول مساوئ الوجبات السريعة على نحو غير مسبوق. في عام 2014، شاهدنا له فيلمه "صبا" الذي صوره على فترة 12 عاماً ليواكب مراحل تطور الشخصية. عرض الفيلم في مهرجان برلين السينمائي ونال "الدب الفضي". أما عمله ما قبل الأخير، "أبولو عشرة ونصف"، فوضعته مجلة "دفاتر السينما" في قائمة أفضل أفلام 2022.

في حوار مع موقع "ددلاين"، يرد لينكلايتر على سؤال عن السينما المستقلة، بعبارات تضمر مرارة: "أي مكان للفيلم السينمائي في ثقافتنا الممزقة اليوم؟ بالنسبة لي، هنا عمق الأزمة. الأمر لا يتعلق فقط بالسينما بل بالحياة العصرية. فهل يهتم أحد حقاً بأي شيء لدرجة دعمه، بما في ذلك، الديمقراطية؟ لنبدأ من هنا. هل ثمة نموذج جديد يلغي القديم، ولكن لا يستبدله بأي شيء مستقر، مثل توقف الإعلام عن العمل واستبداله بإعلانات النقرات الخادعة؟ هل يعد هذا خطوة إلى الأمام؟ لا أعتقد، هذا لا يخدم أحداً، هذا ليس لمصلحة الكتاب أو لمصلحة المجتمع. لماذا ندعمه إذاً؟ كلامي ينسحب على صناعة السينما أيضاً. دخلت شركات التكنولوجيا ميدان السينما، وانتقلنا من كون الفيلم فناً ذا قيمة، إلى محتوى تنقر عليه، لكن في النهاية، لا أحد سعيد بهذه الترتيبات الجديدة. حتى العاملون في مجال التكنولوجيا يشتكون بأنهم يخسرون مليارات الدولارات. أيعقل إنهم صنعوا لنا عالماً تكيفنا معه وهم ليسوا سعداء به؟!".

 

الـ The Independent  في

07.02.2024

 
 
 
 
 

المرشحة لجائزة الاوسكار ساندرا هولر:

فيلم(تشريح السقوط) مثل تحديا بالنسبة لي

ترجمة: عدوية الهلالي

نحن لا نعرف عنها شيئا تقريبا، فتمثيلها الدقيق، وغموض الشخصيات التي تجسدها، مثل زوجة النازي في فيلم (منطقة الاهتمام) الذي صدر في نهاية شهر كانون الثاني، يعززان غموضها.انها الممثلة، المرشحة لجائزة الأوسكار، والتي فاز فيلمها (تشريح السقوط) بجائزتي غولدن غلوب مؤخرا.

لقد شهدت مسيرة ساندرا هولر المهنية بالفعل نوعا من التحول. كان ذلك في مدينة كان عام 2016، مع فيلم (توني إردمان)للمخرجة مارين آدي فمن رآها وهي تعبر حواجز شيء ما في منتصف الطريق بين الجنون والسخرية سيتذكر ذلك إلى الأبد. لقد لعبت أدوارها بشكل جيد جدًا في كثير من الأحيان، في فيلم (سيبلي) على وجه الخصوص، للمخرجة جوستين تريت، ولكن لم يكن هناك أي شيء يتجاوز هذا الدور. ولكن، وفي مهرجان كان 2023سينال فيلمها(تشريح السقوط) السعفة الذهبية، ثم تأليف سيفوزبجائزة جولدن جلوب لأفضل سيناريو وأفضل فيلم أجنبي، اما فيلم (منطقة الاهتمام) لجوناثان جليزر فسيفوزبجائزة لجنة التحكيم الكبرى.

ولدت ساندار هولر ونشأت في ألمانيا الشرقية، وكانت بالكاد في العاشرة من عمرها عندما سقط جدار برلين. كانت تبلغ من العمر 28 عامًا عندما دخلت عالم السينما الألمانية بشكل مثير بفوزها بجائزة الدب الفضي لأفضل ممثلة عام 2006 عن فيلمها الأول "قداس" للمخرج هانز كريستيان شميد. كانت قد أمضت اثني عشر عامًا على المسرح فالمسرح إذن هو حياتها كلها. إنه بمثابة عائلة ومكان للتعبير ومعرفة الذات.

بعد ترشيحها لجائزة الاوسكار، اجرى موقع فرانس انفو معها حوارا جاء فيه:

·        كيف كان العامان الاخيران؟

- كان الأمر سحريًا. قرأت سيناريو (تشريح السقوط)دفعة واحدة، وأجبت المخرجة بأنني أريد أن أمثل فيه، لأن هذا السيناريو رائع، ولكن أيضًا لأنه يحتوي في العديد من الأماكن على تحديات بالنسبة لي. بدءًا من الاضطرار إلى اللعب بلغة ليست لغتي وهوشيء أردت مواجهته، كما ان الشخصية غامضة، وانا أميل نحو الغموض. ويمكن تشبيه تمثيل فيلم جيد بالوقوع في الحب.

·        كيف ننجح في تجسيد الغموض؟

-إنه دقيق جدًا، نحن بحاجة إلى معرفة كيفية ملاحظة الطريقة التي نتلقى بها المشاعر من بعضنا البعض. فإذا كنت شخصًا متعاطفًا، فستتلقى الكثير من الآراء والعواطف المتضاربة حول نفس الموضوع كل يوم. وتمر هذه الآراء من خلالك وتطلب منك إيجاد التوازن. وعندما تلعب دور الكوميديا، يجب أن يخرج الأمر بنفس الطريقة فيجب أن تلعب دور هذا الشخص الذي ينقسم بين عدة مشاعر متناقضة في نفس الوقت، مما يزعزع استقراره ولكنه يزيد من ذكائه.

·        الشخصية في (تشريح السقوط) تحمل نفس اسمك الأول، ساندرا...كيف رأيتها؟

- كان من الممكن أن تكون صدفة، لو أنهم لم يعرفوني.لكن هذا لا يتجاوز البناء الذي أعطيه للشخصية. إنها شخصية خيالية، وليست أنا. لم يكتبوها لي كشخص، أو لما أنا عليه، بل لما أستطيع فعله.وللتعرف على شخصية ساندرا في (تشريح السقوط)، ذهبت إلى حد أخذ دروس اللغة الفرنسية لعدة أشهر، مرتين في الأسبوع.وهكذا كان بإمكاني إعادة قراءة النص، وطرح ألف سؤال على جوستين، وعلى نفسي أيضًا.

·        بأي ترتيب تم تصوير افلامك؟

-أولاً، "منطقة الاهتمام" لجوناثان جليزر، ثم "سيسي وإيتش" لفراوك فينستروالدر، وأخيراً "تشريح السقوط". إنه تسلسل طويل،إنها ليست طريقتي المفضلة للقيام بذلك، لأن الأشياء يمكن أن تتداخل، ويمكن أن تصبح خطيرة للغاية. ويجب أن أتعلم بعد ذلك كيفية لعب شخصية واحدة ضد الأخرى. على سبيل المثال، الشخصية التي ألعبها في فيلم)سيسي وإيتش)تحمل شيئًا بريئًا. ومن ناحية أخرى، فإنني لا أمنح أي براءة لشخصية هيدويغ هوس، زوجة قائد معسكر أوشفيتز، في فيلم "منطقة الاهتمام".إن لعب إحدى الشخصيات يمكن أن يمنحني الوهم بأنني أعرف ما أفعله، لكنني أعرف جيدًا، في أعماقي، أنني لا أعرف ما أفعله.

·        هل أخافتك قراءة سيناريو(تشريح السقوط)؟

-لم أقرأ الكتاب، وما زلت لم أقرأه. هذا البحث يتعارض تمامًا مع سيناريو فيلم جوستين. إنه ينتمي إلى تاريخنا، تاريخ ألمانيا والنمسا، وكان علي أن أتعامل مع ما أعرفه عن ماضينا. في النسخة التي عرضت علي، استغرق السيناريو صفحتين. ذهبت إلى فريق التمثيل دون أن يتم إخباري باسم المخرج الذي أراد رؤيتي. هذا هو ما يحدث غالبًا في ألمانيا، عندما يأتي مخرج سينمائي عالمي لاصطحابك. لقد كنت ممزقة للحظة بين إعجابي بجوناثان جليزر، الذي أعشق فيلمه (تحت الجلد)، أنا لست نادمة على قبول الدور، فلكي تتمكن من إنتاج مثل هذا الفيلم، يجب أن تحصل على الدعم، وقد نظم جوناثان قوة جماعية. وكان من الضروري التصوير أمام هذا الجدار، على بعد أمتار قليلة من معسكر الموت، كان الامر يدفع بالمرء الى بالجنون.

·        مع كل هذه الجوائز الأمريكية، هل لديك أحلام في هوليوود؟

-لا! هناك أشياء ضرورية في الحياة، وعليك القيام بها؛ وهناك أشياء ليست ضرورية تمامًا ومن الأفضل عدم القيام بها.

·        بعد هذا العام، هل تعرفين المزيد عن رغبتك في أن تصبحي ممثلة؟

-لقد كان الأمر واضحًا دائمًا، وبشكل غريب: أردت أن امثل. كان عمري 16 عامًا في المرة الأولى. وأخيراً كنت أفعل شيئاً عندما شعرت وكأنني على طبيعتي. الفرقة، والمسرح، والتسكع مع هؤلاء الأشخاص، والشعور بالاستماع إليهم، والاستماع للآخرين بدورهم، وإنشاء مكان لنفسك..لم أتمكن من العثور على ذلك في أي مكان آخر، وهذا ماجعلني سعيدة.. لم تكن الشهرة حافزي الأساسي. يمكننا أن نفضل أحلام الفرح على أحلام العظمة. إن الذهاب إلى هوليوود واستكشاف صناعة أخرى لن يجعل الأمور أفضل أو أسوأ: إنها مجرد صناعة أخرى، وهي بعيدة عن الوطن.

 

المدى العراقية في

07.02.2024

 
 
 
 
 

«المتبقون» للأمريكي ألكسندر باين… شخصيات شائكة وأجيال متفاوتة

نسرين سيد أحمد

لندن ـ «القدس العربي»: يأتينا فيلم «المتبقون»، «The Holdovers»، للمخرح الأمريكي ألكسندر باين، كلحظات من الدفء الذي يشع بهجته في قلوبنا في أشهر الشتاء قارسة البرد. الفيلم، المرشح للعديد من جوائز الأوسكار لهذا العام من بينها أفضل فيلم وأفضل ممثل وأفضل ممثلة مساعدة وأفضل سيناريو أصلي وأفضل مونتاح، يداعب القلب فيثير شجونه تارة ويربت عليه تارة أخرى، يقوده أداء متميز لبطله بول جياماتي.

في الفيلم، الذي تدور أحداثه في عطلة عيد الميلاد السبعينات من القرن العشرين في مدرسة أمريكية عريقة باهظة المصاريف، يقدم لنا باين عملا سلسا يكشف رويدا رويدا حقيقة شخصيات أبطاله، التي قد تبدو لنا للوهلة الأولى مختلفة كثيرا عن حقيقتها. ربما من أول ما نلحظه في الفيلم هو تلك الأجواء السبعينية بامتياز، فهو ليس فيلما تدور أحداثه في فقط في السبعينيات بل يبدو أنه صُنع في السبعينيات، كما لو أننا كنا نتحلق حول جهاز الفيديو ونشاهد شريط فيديو لفيلم سبعيناتي الأجواء بامتياز. كل العناصر، من الملابس لتصفيفات الشعر إلى الموسيقى والأغاني المنتقاة لململس الفيلم ذاته، تتضافر لتنقلنا إلى السبعينيات، وتحملنا في أجواء من الحنين الممزوج بالشجن والسعادة في آن.

ومع أجوائه السبعينية، يحمل الفيلم الطابع المميز لأفلام ألكسندر باين، صاحب «عن شميدت» و«نبراسكا»، بشخصياتها التي تبدو للوهلة الأولى شائكة صارمة يصعب الاقتراب منها ليتكشف لنا تدريجيا أنها تحمل قلبا عامرا بالحب رغم القسوة الظاهرية، وبالصراع بين شخصيات من أجيال متفاوتة يكشف في النهاية أن الأجيال تلك يمكن أن تلتقي وتحتمي ببعضها البعض على اختلافها، وهناك بالطبع الطريق الممتد والرحلة بالسيارة، التي يتكشف خلالها الكثير.

يلعب بول جياماتي دور مستر هونهام، أستاذ الأدب الكلاسيكي في مدرسة داخلية عريقة، كان هو شخصيا من بين تلاميذها في صباه. إنه أستاذ صارم يحاسب طلبته بحزم ويقسو عليهم إذا تهاونوا في الانضباط. هو بالطبع لا يحظى بشعبية كبيرة وسط طلبته، الذين يسخرون منه في السر ويطلقون عليه الألقاب بسبب عينه الجاحظة الكسول وبسبب رائحة جسده النفاذة، التي سيتكشف لنا لاحقا أنها ناتجة عن مرض. هونهام يرتدي حلة كلاسيكية عتيقة، لا يبدو أنه يبدلها قط، وهو أعزب، يقيم في المدرسة، حاله حال طلبته الأثرياء، الذين يقيمون في المدرسة بعيدا عن أسرهم. هو طبعا يدرك وحشته ويدرك عدم شعبيته وسط طلبته ويدرك إحباطه من الجيل الجديد الذي لا يقدر الأدب الرفيع، ولذا فهو يخفف من خيباته بمعاقرة الشراب.

يعلم هونهام إنه لا يحظى بحب الطلبة أو مدير المدرسة، الذي يغضبه التزام هونهام بالكفاءة الدراسية كمعيار لدرجات الطلاب، مما يغضب أولياء الأمور الأثرياء الذين يتبرعون بمبالغ كبيرة للمدرسة، والذين يودون أن يحصل أباءهم على درجات كبيرة حتى يتمكنوا من الالتحاق بجامعات مرموقة، رغم تحصيلهم الدراسي الضعيف. وتأتي عطلة عيد الميلاد والعام الجديد، ويعرب مدير المدرسة عن ازدرائه وغضبه من هونهام بإبقائه في المدرسة وقت العطلة، بعد ذهاب أغلب الطلبة إلى أسرهم للاحتفال، ليكون مشرفا على الطلبة المضطرين للبقاء في السكن الداخلي لعدم تمكن أسرهم من اصطحابهم في العطلة.

من بين حفنة الطلاب الحانقين المتبقين في المدرسة في العطلة الشاب الغاضب المتمرد نجد أنغوس، دومينيك سيسا في أداء متميز، الذي يبدو للوهلة الأولى مدللا مستهترا، ولكننا ندرك لاحقا سبب غضبه وتمرده. المدرسة في عطلتها إذن تخلو من الجميع ولكن يبقى هونهام وأنغوس، أما الشخص الثالث فهو السيدة لامب، طاهية المدرسة قوية الشكيمة التي تحاول التعايش مع حزنها الخاص، والتي تقوم بدورها دافاين جوي راندولف، المرشحة عن دورها في الفيلم لأفضل ممثلة مساعدة، والحائزة على جائزة غولدن غلوب لأفضل ممثلة مساعدة عن دورها في الفيلم، كما حاز جياماتي على جائزة غولدن غلوب لأفضل ممثل عن دوره في الفيلم. تمضي لامب عطلة عيد الميلاد في المدرسة، مع حزنها على ابنها، الذي كان طالبا متفوقا وحائز على منحة دراسية في المدرسة، ولكنه قُتل في حرب فيتنام بعد انضمامه إلي الجيش.

في عطلة عيد الميلاد، التي يفترض أنها وقت بهيج، يلتقي في المدرسة ثلاثة محبطين يعتريهم الحزن لأسباب مختلفة، وهم أيضا ثلاثة أشخاص لهم طباع مختلفة وبيئات مختلفة، ولكنهم رغم اختلافاتهم وأحزانهم عليهم أن يبقوا سويا وأن يخففوا عن بعضهم البعض الحزن والتعاسة.

في أيام الوحشة في المدرسة يدرك أنغوس أن معلمه الصارم ليس بالغلظة أو القسوة التي يخالها، ويدرك الأستاذ أن تلميذه الذي يبدو مستهترا مدللا ليس كذلك، بل يعاني من آلامه الخاصة ومن متاعبه الأسرية التي لا يدركها أحد. يدرك الأستاذ والطالب الكثير من القواسم المشتركة بينهما. كما يدركان مدى معاناة لامب بعد فقد ابنها الوحيد، تلك المعاناة التي تغلفها بالسخرية والانغماس في العمل.

نشاهد الفيلم فنرى فيه أسلوب ألكسندر باين المميز الذي يخلق التعاطف مع من يبدون لنا للوهلة الأولى أشخاصا صارمين واجمين يصعب حبهم. ربما هنا تكمن موهبة باين الحقيقية، وهي إيجاد مكان في قلوبنا للتعاطف مع من يصعب الاقتراب منهم. وما كان للفيلم أن يكون له هذا الدفء الفريد دون بول جاياماتي الذي يؤدي دور هونهام برهافة بالغة.

 

القدس العربي اللندنية في

07.02.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004