ملفات خاصة

 
 
 

سينما 2023: عودة كبار هوليوود وفيلمان عربيان إلى الأوسكار و"ناقة" يحقق المفاجأة

انعكاسات كبيرة لإضرابات هوليوود وحرب غزة

وائل سعيد

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

(أوسكار 96)

   
 
 
 
 
 
 

كان العرض الأول للأخوين لوميير (1895) بمثابة المحطة الأولى التي انطلق منها قطار الفن السينمائي منذ أكثر من قرن وربع القرن. ورغم قصر الرحلة -مقارنة بالفنون الأخرى- مر هذا القطار بعدد كبير من المحطات الهامة والمميزة أطلقنا عليها مسميات من قبيل "العصر الذهبي" والموجة الجديدة"... إلخ. غير أن تلك الرحلة لم تخلُ من مطبات وتوقفات كثيرة، ناهيك عن مراحل متوالية من التطوير والإحلال تغيرت خلالها ملامح السينما بشكل مستمر بداية من السينما الصامتة وحتى عصر الصورة الرقمية. الشيء الوحيد الذي لم يتبدّل في هذا الفن هو استمراريته حتى في أحلك الأزمنة كالحروب والأوبئة.

لم يمر عام 2023 سينمائيا إلا على نحو استثنائي صاخب سواء على المستوى الدولي أو الإقليمي، فقد تسبّبت إضرابات هوليوود في توقف عجلة الإنتاج الأميركية لشهور، وما إن أتت المفاوضات بثمارها وانفضت الاعتصامات حتى شنت إسرائيل عدوانها على غزة، مما أسفر عن تعطيل عدد من المهرجانات السينمائية على مستوى العالم لتصبح المحصلة النهائية لأفلام العام، متواضعة مقارنة بمواسم سابقة.

هوليوود والنجوم

في عام 2019 افتتح "مهرجان القاهرة السينمائي" نسخته الـ 41 بفيلم "الإيرلندي" بطولة روبرت دينيرو وآل باتشينو ومن إخراج مارتن سكورسيزي. تجاوزت مدة الفيلم الثلاث ساعات ونصف الساعة لم يشغل آل باتشينو منها سوى ساعة واحدة تقريبا، لكن ما لفت الانتباه هو مدى استجابة الجمهور لظهوره على الشاشة بعد مرور ساعة كاملة من الفيلم، حيث ضجت القاعة بالتصفيق رغم عدم حضوره العرض.

تخضع اشتراكات الرسائل الإخبارية الخاصة بك لقواعد الخصوصية والشروط الخاصة بـ “المجلة".

شهد شباك التذاكر العالمي هذا العام مجموعة من المنافسات الشرسة بين عدد من الأفلام، في مقدمتها فيلمي "باربي" و"أوبنهايمر"، اللذين أسفرا عن ظاهرة "باربنهايمر"

من نجوم هوليود القدامى، يطل باتشينو على جمهوره هذا العالم من خلال فيلم إثارة هزيل بعنوان "نوكس يذهب بعيدا"، في ما يقدّم السير أنتوني هوبكنز سيرة حياة البريطاني الشهير نيكولاس وينتون في فيلم "حياة واحدة"، متناولا قصة تهريبه مئات الأطفال من اليهود في تشيكوسلوفاكيا أثناء الاحتلال النازي في الحرب العالمية الثانية. أما النجم راسل كرو فقد اختار العوالم السحرية لفيلمه الجديد "طرد الأرواح الشريرة من البابا" إخراج الأسترالي يوهان أفيري. ينتمي الفيلم للسينما التجارية وهي ثمة تتكرر هذا العام مع أكثر من نجم أو مخرج. نلمح ذلك أيضا مع ممثل هوليود الوسيم توم كروز الذي حصد فيلمه الأخير "مهمة مستحيلة" أعلى الإيرادات، كما حظيت الفيديوهات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي لكواليس الفيلم، بعدد ضخم من المشاهدات، وفيها يستعرض كروز مهاراته الجسمانية من خلال مشاهد الحركة مؤكدا أنه لا يزال قادرا على تأدية المشاهد الصعبة رغم تجاوزه الستين. يتنافس الفيلم على جوائز الأوسكار من خلال فئتي أفضل مؤثرات بصرية وصوتية

باربنهايمر

شهد شباك التذاكر العالمي هذا العام مجموعة من المنافسات الشرسة بين عدد من الأفلام، في مقدمتها فيلمي "باربي" و"أوبنهايمر"، اللذين أسفرا عن ظاهرة "باربنهايمر" التي ذاع صيتها لشهور، ولم تنته بعد، إذ احتل الفيلمان المراكز الأولى في قوائم ترشيحات "غولدن جلوب" المعلنة أخيرا، وها هي قوائم الأوسكار تحتفي بهما من جديد، مع بقاء "باربي" في الصدارة بخمسة ترشيحات هي أفضل موسيقى ومؤثرات صوتية" وثلاثة ترشيحات ضمن فئة أفضل أغنية أصلية عن ثلاث أغنيات. الفيلم من إخراج غريتا غيرويغ التي لم تتجاوز أعمالها حتى الآن أصابع اليد الواحدة، وحقق الفيلم شهرة عالمية ما جعلها أول امرأه في تاريخ السينما تتخطّى أعلى الإيرادات. إلا أن هناك مخرجون يكفي توقيعهم على أي فيلم لضمان أعلى الإيرادات، في طليعتهم المخرج كريستوفر نولان الذي احتل بفيلمه "أوبنهايمر" المركز الثاني لجوائز "غولدن جلوب" من حيث عدد الترشيحات، وإن تراجع خطوة للوراء في قوائم الأوسكار ليحتل المركز الثالث بثلاث ترشيحات هي أفضل مكياج وتصفيف شعر، وأفضل موسيقى ومؤثرات صوتية، مفسحا الطريق لفيلم "قتلة زهرة القمر" للمخرج مارتن سكويرسيزي" المرشح للتنافس على أربع فئات هي أفضل أغنية وموسيقى ومؤثرات صوتية وأفضل مكياج وتصفيف.

عودة سكورسيزي

في فيلمه الجديد، يتتبع سكورسيزي النهاية المأساوية لإحدى قبائل سكان أميركا الأصليين. يشارك في البطولة روبرت دينيرو وليوناردو دي كابريو، وقد تعاونا سابقا مع المخرج في أكثر من عمل، ونلاحظ أن أداءهما في "قتلة زهور القمر" لم يختلف مطلقا عن الأداء نفسه في تلك الأفلام، أما الهوليودي المخضرم سكورسيزي فأثبت أنه يزال يتمتع بكامل لياقته كلاعب سينمائي محنك. يستعد سكورسيزي حاليا للبدء في فيلم جديد من بطولة دي كابريو يعود من خلاله أيضا للماضي مقلبا أوراق التاريخ من القرن الثامن عشر، حول غرق وحطام سفينة ضخمة.

بينوشيه وغولدا مائير

يحفل سجل التاريخ بكثير من الشخصيات، منها ما ارتبط بأحداث ووقائع تاريخية أثرت على الدراما الإنسانية في مجملها، أو جزئيا على المستوى المحلي. يعتمد الفيلم التشيلي "الكونت" في حبكته على شخصية "أوغوستو بينوشه" الديكتاتور العسكري الذي استولى على الحكم في تشيلي بعد انقلاب أطاح بحكم "سلفادور ألليندي" مطلع السبعينيات. عُرض الفيلم لأول مرة ضمن فعاليات الدورة 80 من "مهرجان البندقية السينمائي" ليتوج بجائزة أفضل سيناريو. ويعد التجربة الثامنة في مسيرة المخرج بابلو لاراين ماتي.

لم يكن الانقلاب الذي أوصل الكونت إلى سدة الحكم هو البداية، فنحن نتابع حياته الممتدة لمئات السنين منذ أن ولد لقيطا وهو ما يتم إسقاطه على الأنظمة الشمولية التي أتت من العدم، ثم يعاود الظهور في أزمنة مختلفة متلونا كالحرباء؛ مرة مقاتلا في الجزائر وأخرى متطوعا على حدود الصحراء يساعد المنكوبين. ويتبع المخرج في فيلمه أسلوب المباشرة على كافة المستويات بداية من فكرة تلبيس الديكتاتور عباءة مصاص الدماء، وتدعيمه بإمكانيات خارقة كأن يجوب المدينة ليلا طائرا كالخفاش بعباءة سوداء للبحث عن ضحايا يقتلع قلوبهم ويطحنها في الخلاط ثم يتجرّعها بتلذذ. أيضا يختار المخرج لوني الأبيض/الأسود لشريطه السينمائي مع درجات متباينة من اللونين، وهو انعكاس بصري للواقع المعيشي في ظل الأنظمة المستبدّة.

أثبت الهوليوودي المخضرم مارتن سكورسيزي أنه يزال يتمتع بكامل لياقته كلاعب سينمائي محنك

فيلم أخر ينطلق من فكرة الاستبداد ولكن على الطريقة الاستيطانية، هو "غولدا" إخراج غاي ناتيف وهو يهودي أميركي، أما البطولة للنجمة البريطانية هيلين ميرين التي جسدت شخصية "غولدا مائير" رئيسة وزراء إسرائيل. يتعرض الفيلم للجزء الأخير من حياة المرأة الحديدية وأحداث حرب 1973 مع مصر التي انتهت بهزيمة إسرائيل. وهو ينتمي لنوعية "أفلام تبييض الوجه"، حيث قدمت الشخصية بغلالة إنسانية مبالغ فيها تُشكل صورة رهيفة مفترضة من شخصية غولدا. يتنافس الفيلم ضمن ترشيحات الأوسكار على جائزة أفضل مكياج وتصفيف شعر.

ريدلي سكوت و"نابليون"

في فيلمه "نابليون" يخوض المخرج البريطاني المخضرم ريدلي سكوت تجربة مشابهة إلى حد كبير، بتقديم ما يُشبه المرثية للقائد الفرنسي الشهير التي تُسجل لحظات متباينة بين صعود وانهيار ينتهي بلحظة شاعرية يودع فيها البطل أحلامه من منفاه. قوبل فيلم سكوت بانتقادات خصوصا في ما يتعلق بالتوثيق التاريخي للأحداث، أما عن سكوت فمن الواضح أن التاريخ لم يكن يعنيه منذ البداية، وحدها الشخصية ومقوماتها التي تعاطف معها وأراد لها أن تكون كما شاهدناه، وهنا ليس على سكوت من حرج في تقديم "نابليونه" الخاص إلا أنه أخفق ربما في إسناد البطولة  لواكين فينيكس الذي قام بتجسيد الشخصية وفق ما يراه هو الآخر، فضاع نابليون بين محاكتين. رشح الفيلم للتنافس على ثلاث جوائز أوسكار "أفضل مؤثرات بصرية وصوتية وأفضل مكياج وتصفيف شعر.

السينما الشكلية وويس أندرسن

يُعتبر المخرج الأميركي ويس أندرسن من أكثر المخرجين المعاصرين شكلانية خصوصا في مجموعة أفلامه الأخيرة، التي يظهر فيها بوضوح شغفه بالفكرة عن الحكاية أو ما وراء الفكرة بالتحديد؛ فالأفكار عند أندرسن ليس لها معالم قاطعة وهو في ذلك يتشابه بدرجة ما مع الروائي التشيلي ميلان كونديرا وإن اختلف الوسيطان في السرد إلا أن الملمح العام للأحداث ينحصر في مجموعة من الأفكار تكسى بالدم واللحم في صورة شخصيات. يقدم لنا فيلمه الجديد "مدينة الكويكب" نموذجا مثاليا على أسلوبه في الإخراج ونلاحظ فيه تكرار عدد من السمات التي يتبعها في أفلامه ويأتي في مقدّمتها المشهد المغاير من حيث الديكور والتكوين وتحريك الكاميرا والممثلين.  

يهتم أندرسن أيضا بالإيقاع اللاهث للسرد والأحداث وأحيانا كثيرة للحوار ما بين الشخصيات وكلها عناصر تحتفي بالشكل بالأساس، ولا يمكن إغفال ولعه بالشكل على مستوى طاقم التمثيل وكثيرا ما يحرص على أن يضم مجموعة كبيرة من النجوم (توم هانكس. سكارليت جوهانسن، تيلدا سوينتن، أدريان برودي، وليم دافو)، كما يمكن ملاحظة تكرار ذلك النسق في عدد من أفلامه مثل "فندق بودابست الكبير" و"الوفد الفرنسي". وعلى الرغم من أن فيلم "مدينة الكويكب" خرج من تنافس ترشيحات الأوسكار إلا أن هناك فيلما آخر لأندرسن بعنوان "القصة الرائعة لهنري شوغر" رشح ضمن فئة أفضل فيلم قصير.

الفيلم مأخوذ عن إحدى قصص الكاتب البريطاني روالد دال ويعتبر الجزء الأول ضمن رباعية من الأفلام القصيرة كلها مأخوذة عن قصص للكاتب نفسه، وهي الصفقة التي أجراها أندرسن هذا العام كأول تعامل مع منصة "نتفليكس". يتحرك أندرسن من خلال رباعيته القصيرة بحرية أكبر مازجا بين المسرح والفن التشكيلي والرسوم والمتحركة، حيث تأتي الشخصيات نصفها بشري والنصف الآخر غرافيك، وفي بعض الأحيان يكسر الحائط الرابع (الإيهام) ليفضح أمام المشاهدين ما يخفيه بقية الكادر لقضبان القطار على سبيل المثال فنكتشف أنها ديكور مصنوع، ومنذ البداية يتوجه الخطاب في الأفلام الأربعة إلى المشاهد مباشرة معلقا أو روايا للأحداث بحس أدبي.

عن إحدى روايات الكاتب الفرنسي ألكسيس نولينت تدور أحداث فيلم "القاتل" للمخرج ديفيد فينشر، وربما كان من المبالغة إطلاق كلمة –أحداث- ضمن هذا الفيلم؛ فالسيناريو لا يحتوى على أحداث تذكر ولا يوجد اسم محدّد للشخصية الرئيسية ويجسدها الممثل مايكل فاسبندر، الذي لا نعلم عنه سوى أنه قاتل مأجور اقتطع المخرج جزءا من حياته، حين يفشل في إصابة الهدف ربما لأول مرة، ونتابع ذلك من خلال مقدمة طويلة كادت أن تقترب من حد الملل خصوصا مع تكرار المشاهد التي نتابع فيها طقوس القاتل أثناء مراقبته لمنزل من شرفة مقابلة، ويحدث ذلك عبر ما يزيد عن ثلث ساعة كاملة. لم يمنع ذلك من تميز واضح على المستوى الصوتي أهل الفيلم للتنافس على جائزة أفضل مؤثرات صوتية في سباق الأوسكار.  

من الواضح أن فينشر جاهد كثيرا في فيلمه في محاولة لإيقاع المشاهد في شِرك الحياة الرتيبة لهذا القاتل، إلا أن تلك المجاهدة لم تفلح سوى من الخارج فقط وهو ما يمكن تطبيقه أيضا على أداء بطل الفيلم، الذي تحرى الحيادية والبرود في مشاعرة ربما بصورة زائدة عن الحاجة بعض الشيء. ونجد أن موضوع الشكلانية في الفيلم قد لا يأتي على مستوى الصورة أو الموضوع أو التقنيات وفقط، بل يمكنه التجسد على مستوى الحالة أيضا، من أبرز الأمثلة الجيدة على ذلك فيلم "أيام مثالية" لصانع الأفلام الألماني المخضرم "فيم فيندرز" وهو إنتاج مشترك بين اليابان وألمانيا لذلك لم يكن من الغريب أن يكون غالبية طاقم التمثيل من اليابانيين وفي مقدمتهم بطلل الفيلم كوجي ياكوشو ويجسد شخصية عامل مراحيض صامت، مرت العديد من المشاهد ولم ينطق بحرف معتمدا بشكل أساسي على تعابير وجهه. لا يقدم سيناريو الفيلم أيضا أحداثا كبيرة بل ينتهي دون أن نتعرف على الخلفية التاريخية للبطل ولا كيف ساقته الظروف لامتهان هذه المهنة التي يمارسها بسعادة غريبة مع إتقان وتفاني منقطعي النظير. يتنافس الفيلم على جائزة "أفضل فيلم أجنبي" وسبق وحصد بطل الفيلم جائزة أفضل ممثل في مهرجان كان هذا العام.

السعودي "ناقة" فيلم مغاير من حيث الرؤية والطرح وربما كان من المدهش أن يكون المخرج مشعل الجاسر شاب لم يبلغ الثلاثين بعد

السينما العربية.. خطوات ورؤى

تقدّمت أكثر من دولة عربية هذا العام بترشيحات لجوائز الأوسكار لم يصل منها إلى الترشيحات النهائية سوى فيلمين هما "بنات ألفة" لكوثر بن هنية من تونس و"كذب أبيض" لأسماء المدير من المغرب، ويتنافسان ضمن فئة أفضل فيلم وثائقي. تراوح الفيلمان بين الوثائقي والدرامي وتباينا في الرؤية والتناول، حيث تتبعت هنية في فيلمها حادثة شهير لاختفاء بنات أم تونسية، في ما ذهبت المدير للكشف عن تاريخ عائلتها مازجة بين الخاص والعام.   

منذ الانطلاقة النهضوية للسينما في المملكة العربية السعودية، لا شك أنها تخطو عاما بعد عام خطوة جديدة تمثل إضافة إلى رصيدها الوليد خصوصا في ما يخص الصناعة وسوق السينما، أما على الجانب الفني من إخراج وتأليف وتصوير وتمثيل، فمن الواضح أن المحاولات المقدمة حتى الآن لا تزال في طور التكوين والبحث عن سمات وأساليب خاصة، ولا يمنع ذلك من ظهور بعض الأصوات المميزة من وقت لآخر مثل حال فيلم "ناقةأحدث ما عرض من الإنتاج السعودي في 2023، ولا شك أنه فيلم مغاير من حيث الرؤية والطرح وربما كان من المدهش أن يكون المخرج مشعل الجاسر شاب لم يبلغ الثلاثين بعد. ثمة دهشة أخرى كانت من نصيب موضوع الفيلم وهو نسوى بامتياز.

استطاع المخرج توريط المشاهد منذ المشهد الافتتاحي للفيلم، الذي يبدأ عام (1975)، وفيه نتابع أحد الأشخاص أثناء اقتحامه لمستشفى حاملا سلاحا، بينما إحدى النساء تضع مولودها ويتضح من حوار الطبيب أن ذلك المستشفى مخصص للرجال ثم نتبين أن الرجل المسلح هو زوج المرأة وحين يقتحم غرفة الولادة يفرغ طلقاته في الطبيب، لأنه كشف عورته وحرمة بيته عن طريق الزوجة، وما يزيد الطين بلة هو المولود الجديد الذي كان طفلة ستحمل على عاتقها إرث النساء حتى تصل إلى وقتنا الحالي، بداية سير الأحداث مع الطفلة وقد تخطت الأربعين من عمرها.

سجلت السينما السودانية أيضا هذا العام حضورا بارزا بفيلم "وداعا جوليا" تأليف وإخراج محمد كردفاني، وهو أول فيلم سوداني يُعرض في "مهرجان كان السينمائي". ويتناول أزمة انقسام السودان من خلال قصة إنسانية تجمع بين امرأتين تمثلان الجلاد والضحية في الوقت نفسه، حصل الفيلم أخيرا على جائزة مهرجان الجونة السينمائي في مصر خلال دورته السادسة، ويعتبر خطوة جديدة في تاريخ السينما السودانية وهي سينما ذات نكهة مميزة سواء على مستوى الصورة أو المواضيع، لذلك فهي من أكثر الموضوعات تعبيرا عن القارة الأفريقية وزخمها الهائل

السينما المصرية     

من جديد، تُسجل السينما المصرية إيرادات غير مسبوقة في تاريخ شباك التذاكر بفيلم "بيت الروبي" لبيتر ميمي، الذي انتزع اللقب من فيلم "كيرة والجن" لمروان حامد، لكريم عبد العزيز الذي كان متصدرا في العام الماضي. ومن جديد أيضا يُعاود القطاع السينمائي في مصر وضع خطته السينمائية لهذا العام على نسق الأعوام الماضية، والتي ربما تمتد لما يزيد عن عقد لم تأتِ فيه السينما المصرية سوى بأفلام الخلطات المجربة إلا في ما ندر، وهي خلطات تعتمد في أساسها على "التهريج" وليس الكوميديا كفن، حتى إنه يمكن إطلاق مصطلح "الهزلية الجديدة" على هذه الموجة على غرار "الواقعية الجديدة" التي كانت في يوم ما، والفارق بينهما شتان بالطبع.

اقتصرت مشاركة نجوم الصف الأول على نجمين آخرين، بالإضافة إلى كريم عبد العزيز هما محمد هنيدي ومحمد رمضان، فأما الأول فقد عاود إخفاقاته المتتالية من جديد بفيلم "مرعى البريمو" رغم ما سبقه من بروباغندا واعتذار بطله عن تراجع أفلامه الأخيرة. في ما اشترك "رمضان" بفيلمين هما "هارلي" لمحمد سمير و "ع الزيرو" لمحمد جمال العدل، وفي كلتا الحالتين لم تختلف الشخصيتان أو الأداء عما قدمه رمضان سابقا، وإن اصطبغ أداء البطل بشخصية "جعفر العمدة" التي عرضت ضمن الموسم الرمضاني ونالت جماهيرية.  

في التقسيم التالي من الموسم السينمائي نجد ثلاثة أفلام اشتركت على استحياء، لما تقدمه من مغايرة –ولو ضعيفة- عما هو سائد ومعتاد: "وش في وش" لوليد الحلفاوي، و"ب 19" لأحمد عبد الله، وفيلم "ڤوي. ڤوي! ڤوي!" أولى التجارب السينمائية لمخرج الإعلانات عمر هلال، وقد رشح من "نقابة المهن السينمائية" لتمثيل مصر للمنافسة على جائزة الأوسكار لكنه خرج من التصفيات النهائية. نلاحظ في هذه الأفلام الثلاثة عدة مشتركات أولها جمع مخرجيها بين التأليف والإخراج، كما أنها تقدم بطولات لنجوم الصف الثاني مثل محمد فراج وسيد رجب ومحمد ممدوح، وهو ما يتكرر مع أفلام أخرى مثل "يوم 13" لوائل عبد الله، وفيلم "ساعة إجابة" لمصطفى أبو سيف) ويتضمنان مساحة جديدة من البطولة المطلقة لكل من أحمد داود وشريف سلامة. يتشابه معهما فيلم "ابن الحاج أحمد" لمعتز التوني، البطولة المنفردة الأولى للممثل الكوميدي "شيكو"، وكان من الواضح في الأفلام الثلاثة حجم الصعوبة الشديدة في تحمل ثقل البطولة المطلقة.

وكما هي العادة، لم تخلُ الوجبة السينمائية المصرية من عدد كبير من الأفلام يمكن اعتبارها زائدة عن الحاجة نذكر منها "العميل صفر"، "اتنين للإيجار"، "بعد الشر"، "مغامرات كوكو" وفيلم بعنوان "لف وارجع تاني" والذي ربما يكون عنوانه بمثابة نداء موجّه إلى السينما المصرية في وضعها الراهن.

 

مجلة المجلة السعودية في

30.12.2023

 
 
 
 
 

حصاد سينما 2023 | الأفلام المغربية تحقق تميزاً عربياً ودولياً

الرباط ـ «سينماتوغراف»

نجحت مجموعة من الانتاجات السينمائية المغربية خلال عام 2023، في الحصول على جوائز كبرى، وتحقيق تميز في العديد من المحافل والتظاهرات العربية والدولية، بعدما نجحت في منافسة أعمال عالمية على ألقاب مهمة.

دخلت المخرجة المغربية أسماء المدير تاريخ المهرجان الدولي للفيلم بمراكش في دورته الـ20، بانتزاعها النجمة الذهبية للتظاهرة عن فيلمها “كذب أبيض”، وتعد هذه المرة الأولى التي يفوز فيها فيلم مغربي بالجائزة الكبرى للمهرجان، بعدما كانت النجمة من نصيب الأجانب لعدة سنوات، كما أن الفيلم حصد العديد من جوائز المهرجانات الكبرى، ووصل إلى القائمة المختصرة لأوسكار أفضل فيلم دولي.

وأكدت السينما المغربية على حضور مميز خلال الدورة 76 من مهرجان كان السينمائي، من خلال التويج بجوائز في فئة «نظرة ما» والمشاركة في لجنة التحكيم، حيث نالت السينما المغربية جائزة أفضل إخراج منحت لفيلم «كذب أبيض» للمخرجة المغربية أسماء المدير، فيما فاز مواطنها كمال لزرق بجائزة لجنة التحكيم عن فيلمه «كلاب الصيد»، والذي تدور أحداثه في قالب مضطرب ومثير، وسط بيئة عنيفة في مدينة الدار البيضاء، حول أب وابنه اعتادا على كسب لقمة العيش من قيامهما بعمليات اختطاف لفائدة عصابات الدار البيضاء.

وحصد فيلم "أزرق القفطان" للمخرجة المغربية مريم التوزاني، ثلاث جوائز في مسابقة "جوائز النقاد للأفلام العربية" المنظمة من قبل مركز السينما العربية في مهرجان كان، رغم الجدل الذي خلفه العمل بسبب قصته والمشاهد التي تضمنها.

وحصل كل من مريم التوزاني ونبيل عيوش جائزة أحسن سيناريو، فيما توجت لبنى أزابال بلقب أحسن ممثلة، والبولندي فيرجيني سورج أحسن تصوير .

كما حصل الفيلم المغربي “شظايا السماء” للمخرج عدنان بركات على جائزة أفضل فيلم عربي وثائقي طويل، في الدورة الرابعة من “مهرجان عمان السينمائي الدولي”، بفضل قصته التي تسلط الضوء على محمد الرجل الخمسيني الذي يعيش مع عائلته في خيمة معزولة يبحث عن شظايا نيزك، حيث يمثل فرصة لتغيير حياتهم إلى الأبد وعبد الرحمن العالم المشهور الذي يعتمد على هذه الأحجار في تطوير بحثه عن أصول الأرض والحياة.

وتوج الفيلم المغربي “ميثاق ـ شارت” لمخرجه الحسين حنين بجائزة هباتيا الذهبية لأفضل فيلم عربي، وهي الجائزة الذهبية الكبرى، ضمن المسابقة الدولية للفيلم العربي للدورة التاسعة من مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير.

وكان الفيلم المغربي هو الأول من نوعه فائزا ومشاركا، على مستوى منطقتي الشرق والأوسط وشمالي إفريقيا، في هذه التظاهرة السينمائية العربية والدولية.

ومن الأفلام التي لفتت الانتباه فيلم “أنيماليا” للمخرجة صوفيا علوي، والذي يندرج ضمن خانة أعمال الخيال العلمي، إذ يصور كيف تتطلع”إيطو” الحامل إلى الاستمتاع بيوم من الاسترخاء، في الوقت الذي يغادر زوجها ووالداه الغنيين لحضور اجتماع عمل.

وعرض فيلم “خمسة وخمسين 55” للمخرج عبد الحي العراقي في أول عرض له في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ضمن قسم رؤى البحر الأحمر ضمن مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي.

واستلهم عبد الحي العراقي أحداث شريطه السينمائي من ذكريات المقاومين المغاربة ضد الاستعمار، إذ تدور القصة في صيف عام 1955، قبل أشهر قليلة من حصول المغرب على استقلاله.

 

####

 

بسبب تأجيل أفلام هوليوود الكبرى ..شباك تذاكر 2024 قد يخسر مليار دولار

لوس أنجلوس ـ «سينماتوغراف»

قد يواجه شباك التذاكر لعام 2024 مشكلة هائلة. سيشهد هذا العام إصدار عدد لا بأس به من الإصدارات الجديدة ضمن امتيازات الاستوديوهات الكبيرة، بما في ذلك Dune: Part Two وKingdom of the Planet of the Apes وDeadpool 3 وGodzilla x Kong: The New Empire. ومع ذلك، فقد تأثرت قائمة أفلامها الرائجة بعدة عوامل، بما في ذلك إضرابات هوليوود عام 2023، حيث خرج الكتاب والممثلون إلى خطوط الاعتصام للنضال من أجل الحصول على أجر عادل، مما أدى إلى تأجيل عدد لا بأس به من أفلام 2024 إلى عام 2025.

وبحلول الموعد النهائي، من المتوقع أن ينهار شباك التذاكر المحلي بنسبة هائلة تبلغ 11٪ في عام 2024، لينخفض بمقدار مليار دولار أقل من إجمالي 9 مليارات دولار تقريبًا لعام 2023. العامل والدافع الرئيسي في هذه التوقعات هو حقيقة أن هناك 107 أفلام فقط من المقرر أن تصل إلى عام 2024، مقارنة بـ 124 فيلمًا تم عرضها لأول مرة طوال عام 2023.

وفي النهاية، سيحتاج عام 2024 إلى بعض الأفلام الناجحة إذا كان هناك أي أمل في مواكبة شباك التذاكر المحلي لعام 2023. وهذا ليس مستبعدًا تمامًا، حيث شهد عام 2023 نفسه عددًا من النجاحات المفاجئة التي حطمت الأرقام القياسية. كان هذا هو الحال بشكل خاص مع عطلة نهاية الأسبوع التي شهدت الإصدارات المتزامنة لباربي وأوبنهايمر مما أدى إلى صعود كلا الفيلمين في النهاية إلى المراكز الثلاثة الأولى على مستوى العالم لهذا العام.

وقد يكون من الصعب التنبؤ بالأفلام القادمة التي ستحقق نجاحًا كبيرًا، كما أثبتت الإخفاقات الصارخة لأفلام 2023 مثل Indiana Jones وDial of Destiny على مدار العام.

ومع ذلك، هناك عدد من العناوين التي يمكن أن تكون بمثابة دفعة كبيرة لعام 2024. وهذا يشمل أفلام الرعب القادمة من Blumhouse Night Swim وImaginary.

ومن الممكن أن تحقق أفلام 2024 الأخرى نجاحات مفاجئة أو أداء أفضل من المتوقع. على سبيل المثال فيلم Deadpool 3 القادم يمكن أن يحقق نجاحًا ساحقًا، لأنه يعيد شخصية X-Men المحبوبة Wolverine (Hugh Jackman) بالإضافة إلى كونه الشخصية الرئيسية الشهيرة، و الكثبان الرملية: الجزء الثاني يمكن أن يتفوق بشكل كبير على النسخة الأولى.

 

####

 

توقعات أوسكار 2024 – الهدوء الذي يسبق العاصفة

لوس أنجلوس ـ «سينماتوغراف»

ستحدد الأسابيع القليلة المقبلة سباق الأوسكار، للأفضل أو للأسوأ. وبالنظر إلى الرسم البياني المرفق، يمكننا أن نستنتج كيف ستكون الترشيحات النهائية. وبالنظر إلى أن التصويت قد تغير بشكل كبير في جوائز الغولدن غلوب والبافتا والأوسكار، فإن الإحصائيات تقرب الصورة تماماً مع ما أعلنته النقابات الكبرى في خضم التصويت على جوائز الأوسكار، والمواعيد التالية تؤكد ذلك..

جوائز غولدن غلوب – 7 يناير

ترشيحات نقابة المخرجين ونقابة ممثلي الشاشة – 10 يناير

يبدأ التصويت لجوائز الأوسكار – 10 يناير

ترشيحات نقابة المنتجين – 12 يناير

جوائز اختيار النقاد – 14 يناير

ينتهي التصويت لجوائز الأوسكار – 16 يناير

ترشيحات أكاديمية السينما البريطانية – 18 يناير

ترشيحات الأوسكار – 23 يناير

ومن خلال التصويت على فئة أفضل صورة الموجود في جدول الرسم البياني المرفق، نكتشف مدى التطابق هذا العام، وإلى أي مدى ستكون ترشيحات الأوسكار النهائية التي سيعلن عنها 23 يناير 2024.

 

####

 

حصاد سينما 2023 | الأفلام الأوربية تنتصر للمشاعر الإنسانية

«سينماتوغراف» ـ متابعات

تعرف السينما الأميركية باهتمامها بالإثارة والتشويق ودفع الأدرينالين في عروق مشاهديها، لكن الأفلام الأوروبية تستهدف نوعا آخر من المشاعر والأفكار، وتجبر المشاهد على إعادة قراءة حياته وتقييم أهدافه.

ويبطئ "الفن السابع" في أوروبا من ركض المشاهد خلف الإيقاع المتسارع للأيام، ويدفعه لتقدير علاقات يعتبرها تحصيل حاصل، فيدعوه مثلاً لتذوق متعة الطعام الشهي، أو الخوف من الاكتئاب الذي يعزله عن محيطه، والتوقف عن البحث عن الدافع وراء كل شيء، وتفهم عشوائية العالم.

وقد قاومت أبرز الأعمال السينمائية الأوروبية تيار اللهاث والسرعة نتيجة لمواقع التواصل الاجتماعي والمآسي والحروب التي نتابع أحداثها لحظة بلحظة، واخترنا أدناه أفضل الأفلام الأوروبية خلال عام 2023 التي تستحق المشاهدة:

1- أوراق متساقطة (Fallen Leaves)- فنلندا

يُعد المخرج الفنلندي أكي كاوريسمكي أكثر أبناء جيله من المخرجين الأوروبيين موهبة وشاعرية، وقد اشتهر بعدم اهتمامه بالتغطيات الإعلامية لأفلامه خلال مسيرته التي بلغت 20 عملاً، تناول خلالها قصص أبناء الطبقة العاملة في حكايات تبدو اعتيادية للغاية، لكنه مزج فيها بين حب الحياة والهلع من قسوتها.

وعُرض أحدث أفلامه "أوراق متساقطة" في مهرجان كان السينمائي، وحاز على جائزة لجنة التحكيم، وقدمته فنلندا لتمثيلها في أوسكار أفضل فيلم دولي، وقد وصل إلى القائمة القصيرة بالفعل. ويعتبر "أوراق متساقطة" أحدث إضافة إلى سلسلة أفلامه المعنونة "بروليتاريا" والتي بدأها عام 1986.

وتعمل بطلة العمل الشابة بشكل غير ثابت في أحد المتاجر، وفي أمسية تتعرف على عامل بناء يعيش مثلها على هامش المجتمع، ويدفن ملله وحزنه في شرب الخمور، وتبدأ علاقة رومانسية تنسج خيوطها بينهما على الرغم مما يقاسيانه على المستوى المادي والاجتماعي.

ويمثل "أوراق متساقطة" أفضل ما تقدمه السينما الأوروبية الحديثة، في قصص لا تبحث عن الإثارة والتشويق، بل نثرات من الحياة الحقيقية بكل اعتياديتها ومللها وحتى متاعبها التي تحمل بداخلها سحرا خاصا، مثل علاقة حب غير متوقعة تنقذ البطل من إدمانه، والبطلة من خوائها العاطفي.

2- طعم الأشياء (The Taste of Things)- فرنسا

ومن الحياة الاعتيادية الفنلندية التي يبحث أبطالها عن بعض الدفء في الحب مقابل برودة الطقس، ننتقل إلى فرنسا نهاية القرن الـ19 وعلاقة آسرة بين طاهية طعام وذواق محترف، يعملان جنبا إلى جنب لمدة 20 عاما، يتذوقان طعم الحياة في كل شيء حولهما، في الخضراوات القادمة مباشرة من الحديقة إلى المأكولات البحرية الطازجة، ويخترع هو الوصفات وتطهيها هي كما لو أنها جنية تحقق أحلامه، وعندما تمرض يطبخ لها لأول مرة قائمة طويلة من أشهى الأطباق التي أتقناها سويا من قبل.

"طعم الأشياء" دراما تاريخية فرنسية من إخراج وتأليف آن هانج تران، وقد عُرض خلال المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي، وفيه فاز بجائزة أفضل مخرج، وقام بدور الطاهية يوجين الحائزة على الأوسكار جوليت بينوش، بينما أدى بينواه ماجيميل دور الذواق دودين الفائز بجائزة أفضل ممثل من مهرجان كان عام 2001، ويمثل الفيلم فرنسا في أوسكار أفضل فيلم دولي.

ويصطحب "طعم الأشياء" المشاهد إلى ماضي أكثر هدوءا ورقة باستخدام التصوير والإضاءة الطبيعية أغلب اللقطات، مما يبرز جماليات الحياة التي يعيشها كل من يوجين ودودين. ومثل "الأوراق المتساقطة" لا يقدم الفيلم إلا قصة حب بسيطة للغاية ولكن ما يحتاجه المتفرج في عصرنا الحالي شديد السرعة لدرجة تحرمنا من متعة التذوق.

3- حياة سيئة (Bad Living)- البرتغال

وبينما يستمتع أبطال "طعم الأشياء" بتذوق الحياة تعاني بطلة فيلم "حياة سيئة" انعدام إحساسها بأي شئ سوى حزن مستمر لا تعرف سببه. فيلم "حياة سيئة" البرتغالي من إخراج جواو كانيجو وبطولة آنابيل موريرا وريتا بلانكو، وعُرض خلال فعاليات مهرجان برلين السينمائي، وحصل على جائزة لجنة التحكيم، ويمثل بلاده في أوسكار أفضل فيلم دولي.

وتجري أحداث "حياة سيئة" في فندق على ساحل البرتغال، تديره وتعيش فيه عدة أجيال من نساء نفس العائلة، وينكشف مدى تدهور العلاقات التي تجمعهن عندما تصل الحفيدة التي فقدت والدها مؤخرًا. وتعاني الأم بيادين من اكتئاب مزمن، وقد توقفت عن محاولة مداواته منذ عقود، فتعيش مستسلمة لموات مستمر، ويبرز التصوير هذه العزلة بتصويرها على الدوام من مسافة بعيدة وحيدة وسط كادرات واسعة، أو يفصل بينها وبين المشاهد وباقي الشخصيات فواصل من الزجاج أو جدران وأبواب.

مرة أخرى، لا يرصد سيناريو "حياة سيئة" سوى الحياة الاعتيادية لنساء يشبهن غيرهن من ملايين الأمهات والحفيدات والجدات اللواتي تضغط عليهن الظروف الشخصية والاقتصادية والاجتماعية.

4- أنا كابتن (Io Capitano)- إيطاليا

تبدأ قصة فيلم "أنا كابتن" في أفريقيا على الرغم من جنسيته الإيطالية، فهو يتناول قصة شابين من السنغال يحاولان الهرب من الفقر في بلادهما عبر رحلة ملحمية إلى إيطاليا، يتنقلان خلالها بين عدد من دول القارة، ويختطف قطاع الطرق أحدهما قبل أن يجتمع شملهما، ويصيح البطل "أنا كابتن" معلنا إمساكه بزمام حياته لأول مرة.

وجاء العرض الأول لفيلم "أنا كابتن" بالمسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي، وفاز عنه المخرج ماتيو غاروني بجائزة أفضل مخرج والأسد الفضي، وبطله سيدو سار بجائزة أفضل ممثل شاب، ووصل إلى القائمة القصيرة لأوسكار أفضل فيلم دولي.

وتوحي قصة "أنا كابتن" بمغامرة كبيرة يخوضها البطلان، لكنه في حقيقته فيلم بسيط عن الصداقة والتضحية في أكثر صورها براءة بين اثنين من الشباب اللذين لم يتجاوزا بعد سن المراهقة وتلوثهما المصالح الشخصية وقيم المنفعة والنزعات الفردية، وأبرز ما ميزه تصوير مشاهد الصحراء على قسوة الأحداث التي دارت خلالها، وتمثيل البطلين سيدو ساو ومصطفى فال.

5- تشريح سقوط (Anatomy of a Fall)- فرنسا

كيف تحول قصة البحث عن قاتل إلى درس مطول في تعقيدات علاقة الزواج؟ تلك كانت المعضلة التي واجهتها المخرجة والمؤلفة جاستين تريت في "تشريح سقوط". ولأنها استطاعت حبك فيلمها لتصل به إلى هذه النتيجة، فقد فازت عنه بالسعفة الذهبية لمهرجان كان، ووصلت إلى القائمة القصيرة لأوسكار أفضل فيلم دولي.

يبدأ فيلم "تشريح سقوط" بعائلة صغيرة منعزلة في إحدى القرى الفرنسية، الأم كاتبة ناجحة بينما الأب يعلم في إحدى المدارس وقد هجر طموحه ككاتب بعد فقدان ابنه بصره نتيجة لإهماله.

لا يرى المشاهد من الأب إلا جثة ملقاة على الثلج بعدما سقط من الشرفة العلوية للشاليه والتي كان يرممها، وتبدأ الشكوك تحوم حول الزوجة التي تصبح المتهمة الرئيسية، وللدفاع عن نفسها تضطر إلى تشريح علاقة الزواج المعقدة التي جمعتها بالراحل، ومعاناته من الاكتئاب وغيرته من نجاحها من ناحية، وخياناتها واستغلال موهبته من ناحية أخرى.

ويتأرجح المشاهد في البداية بين إدانة البطلة وتبرئتها، قبل أن يكتشف أن تلك ليست خدعة من المخرجة لجذبه للفيلم، فلا يحمل القاتل أي أهمية، بل الأهم تلك النظرة الثاقبة لحياة البرجوازية الأوروبية المثقفة.

ومثل الكثير من الأفلام التي تدور أحداثها في قاعات المحاكم، فإن البطل الحقيقي للعمل هو الحوار، لكن هنا انضم إليه كذلك التصوير الذي قدم أبطال القصة بين الفضاءات الثلجية الواسعة، في إشارة إلى العزلة التي يعيشها الإنسان المعاصر.

وتمثل أفلام هذه القائمة جزءا من موجة أفلام أوروبية عُرضت عام 2023 تحاول إبطاء ليس فقط إيقاع السينما، لكن حياة المشاهدين وتجعلهم يتأملون في حياة هؤلاء الأبطال الذين قد يمثل بعضهم إسقاطا على حياتهم الشخصية.

 

موقع "سينماتوغراف" في

30.12.2023

 
 
 
 
 

ليونارد بيرنشتاين على حقيقته في فيلم يظهر موهبته المذهلة

مع عرض شريط "مايسترو" المتقن من بطولة برادلي كوبر على "نتفليكس" نغوص في الحياة العاطفية المتناقضة والمليئة بالإثارة لتلك الأيقونة الثقافية

ديفيد بنديكت 

صحيح أن النجم الأميركي برادلي كوبر أول ممثل يجسد دور [المايسترو والمؤلف الموسيقي وعازف البيانو] ليونارد بيرنشتاين المهيب على الشاشة، ثمة أيضاً من يدعي بأحقيته في هذا اللقب. تقريباً.

في عام 1990، أدى كارل ديفيس، المؤلف الموسيقي لمقطوعات كثيرة، بدءاً بموسيقى ملحمة شبكة تلفزيون "آي تي في" مسلسل "ذا ورلد آت وور "The World at War  (العالم في حالة حرب)، وموسيقى المسلسل المحبوب على "بي بي سي" "برايد آند بريجيديس" Pride and Prejudice (فخر وتحامل)، أدى دور المايسترو أو قائد الفرقة الموسيقية خلال جلسة تصوير في الاستوديو مخصصة لتسجيل ألبوم متنوع تشارك فيه أوركسترا كاملة ونجمتا الأوبرا لوسيا بوب وريناتا فون تراب. بوب وتراب كانتا، بالطبع، الثنائي الكوميدي [داون] فرينش و[جنيفير] سوندرز. كان اسكتش أغنية الغلاف الممتعة "لا بد من أني محظوظة جداً" يسخر من الفيلم الوثائقي الشهير لكريستوفر سوان حول كواليس تسجيل النسخة الأوبرالية من المسرحية الموسيقية "ويست سايد ستوري" West Side Story (قصة الحي الغربي) في سبتمبر (أيلول) 1984، وهو مشروع شغوف ابتكره وأداره ملحنه ليونارد بيرنشتاين.

لم يكن ديفيس يؤدي دور الرجل [المايسترو بيرنشتاين] فعلياً، ولكن حقيقة أنه بعد مرور 33 عاماً، ما زال لتلك المحاكاة الساخرة وقعها الكبير للغاية، تعطس شهادة على قوة المادة الأساس التي تستند إليها، وكذلك نفوذ برنشتاين في هذه الصناعة. في الحقيقة، اختياره مغنيتي أوبرا غير مناسبتين لتسجيل تحفة مسرحية موسيقية ينظر إليه الآن إلى حد كبير على أنه خيار خاطئ، ولكن في ذلك الوقت، كان برنشتاين البالغ من العمر 66 سنة نجماً كبيراً إلى حد أن شركة التسجيلات الشهيرة "دويتشه غراموفون" انضمت إليه. وفي هذه العملية، حقق الطرفان مبيعات ملحمية. بعد مرور عقود من جلسة التسجيل تلك (التي عادت إلى العرض الآن على خدمة "بي بي سي آي بلاير" BBC iPlayer)، يظل "ويست سايد ستوري" العمل الأكثر شهرة للملحن، ويرجع الفضل في جزء منه إلى نسخة الفيلم بتوقيع ستيفن سبيلبرغ. وعلى رغم أن الأخيرة التي تبلغ كلفتها 100 مليون دولار تباهت بالملذات بما في ذلك سيناريو لتوني كوشنر (الشهير بتأليفه "إنجيلز إن أميركا" Angels in America "ملائكة في أميركا") وصنعت من أريانا ديبوز نجمة في تجسيد شخصية أنيتا النارية، بيد أنها أثارت ضجة إعلامية أكثر مما حققت إيرادات في شباك التذاكر، ما يتناقض بشكل حاد مع النسخة السينمائية المحبوبة الأصلية عام 1961 [احتلت طوال سنوات المركز الأول بين أكثر الأفلام إيرادات].

فاز فيلم الجريمة "روميو وجولييت في نيويورك" الذي تفيض حوادثه رقصاً وغناء وحيوية وحماسة، والمأخوذ من المسرحية [قصة الحي الغربي] من إنتاج عام 1957، بـ10 جوائز "أوسكار"، من بينها أفضل فيلم. يصح القول تماماً إن المنازل وموجات الإذاعة الأميركية كانت مفعمة بصوت برنشتاين، نظراً إلى أن الموسيقى التصويرية الحائزة جائزة "غرامي" وتصنيف البلاتيني الثلاثي اعتبرت أحد الألبومات الأكثر مبيعاً في ذلك العقد. لقد احتلت المركز الأول في قوائم "بيلبورد" طوال 54 أسبوعاً، في أطول مدة تشغيل لأي ألبوم في التاريخ، وهو رقم لم ينافسه سوى ألبوم مايكل جاكسون "ثريلر" Thriller (تشويق). إن كل ما سبق صنع المعجزات لغرور برنشتاين (الكبير) ورصيده البنكي (الكبير أيضاً). والأكثر روعة أن التأليف لم يكن عملاً يومياً بالنسبة إليه.

قبل عقود من صياغة هذا المصطلح، أصبح ليونارد بيرنشتاين، الذي كان مدخناً شرهاً ويعيش حياة مرفهة، والمولود عام 1918، شخصاً متعدد المجالات. في تعريف موجز عنه، يصفه المخرج البريطاني همفري بيرتون (الأكثر اطلاعاً وذكاء بين كتاب سيرته الذاتية الكثيرين) بأنه "ملحن، وعازف بيانو، ومؤلف، ومدرس تلفزيوني، ومحاضر في ’جامعة هارفارد‘، وأيقونة ثقافية، وإنساني، وقائد فرقة موسيقية لا نظير له". وعلى رغم أن هذا الكلام يبدو منمقاً، غير أن المخرج البريطاني لم يبالغ. في الواقع، لم يكتف برنشتاين بإتقان كل من هذه التخصصات فحسب، بل نظر إليه عالمياً باعتباره مفكراً عاماً رائداً وأحد أهم الشخصيات الثقافية في أميركا. "رسائل ليونارد بيرنشتاين"، 600 صفحة رائعة منتقاة من عشرات الآلاف من الرسائل، تحتوي على قائمة من الشخصيات تشمل الجميع من آرون كوبلاند إلى فرانسيس فورد كوبولا مروراً بلورين باكال، وفرانك سيناترا، وإنغمار بيرغمان، وجاكي كينيدي. وبالتالي، كل من يبحث عن شخصية من ثقافة القرن الـ20 لن يحتاج إلى البحث عنها في أي موضع آخر.

للحق، امتلك بيرنشتاين موهبة مذهلة وشهية نهمة، وبدا واضحاً في مشاعره وميوله، إذ كان أسلوبه الجامح في القيادة يرمز إلى مشاعره العاطفية تجاه الموسيقى التي يعشقها. وقاد برنشتاين نفسه والمحيطين به إلى أقصى الحدود وحقق مستوى من الشهرة لا يطوله هذه الأيام سوى أساطير السينما والبوب. لم يكن من قبيل المصادفة أن اختارت الابنة الكبرى بين أبنائه الثلاثة لسيرتها الذاتية الواضحة الرؤية عنوان "فتاة الأب الشهير"، علماً أنها أحد المصادر الكثيرة لفيلم "مايسترو" من بطولة كوبر.

اشتعلت هذه الشهرة من طريق بث مباشر واحد. في عام 1943، ومن دون أي إشعار أو بروفات، حل برنشتاين محل قائد الأوركسترا الأسطوري برونو والتر الذي تغيب لإصابته بالإنفلونزا. بثت شبكة "سي بي إس" الحفلة على الهواء مباشرة من قاعة "كارنيغي هول" [في نيويوك] في مختلف أنحاء البلاد، وقبل عقد من سيطرة موسيقى "روك أند رول"، تصدرت الحفلة الصفحة الأولى من صحيفة "نيويورك تايمز" في اليوم التالي. تجلت هذه اللحظة في الافتتاحية الشجاعة لفيلم "مايسترو"، إذ نشاهد برنشتاين يقفز عارياً من السرير، ويتوقف هنيهة ليصفع مؤخرة عشيقه الذكر، ثم نراه يندفع بسلاسة أمام الكاميرا كقائد للفرقة. يبدو المشهد رائعاً بقدر ما يبدو سريالياً، ويحدد في حينه بأنه يتوجه للكبار لما يتسم به من جدية وشهوانية.

وتوفرت هاتان الصفتان بكثرة، سواء في أعماله أوحياته الشخصية الفوضوية. على رغم زواجه في عام 1951 من الممثلة فيليشيا مونتيليغري التي، وفق الفيلم الذي يمتاز بالبحث العميق، دخلت في العلاقة وهي متيقظة تماماً، أبقى برنشتاين في الوقت نفسه على علاقاته بالرجال التي لم تكن موقتة بل طويلة الأمد ومهمة جداً. في مرحلة كان لا بد فيها من الحفاظ على خصوصية الحياة الجنسية المثلية للشخصيات العامة، طرح ما اشتملت عليه تلك الحالة من خداع ضروري ومشكلات غير ضرورية غالباً، عواقب على جميع المعنيين، لا سيما أولاده جيمي وألكسندر ونينا.

ولكن في المجال العام، فإن تفاني برنشتاين في الموسيقى حقق له نجاحاً مذهلاً في شتى أنحاء العالم، إذ تكشف لقطات له خلال العمل تمتد لساعات عن أنه لا يصنع الموسيقى بقدر ما يتبحر فيها، إضافة إلى ديناميكيته المطلقة. لم يحل للبعض أن يدفع برنشتاين بالمقطوعات الموسيقية حتى الحدود القصوى من التعبير، لكن دفاعه المتحمس المحموم عن الملحنين المهملين بعض الشيء، خصوصاً غوستاف ماهلر المتقد، وضعهم على رأس الأجندة الثقافية.

لولا برنشتاين، لما حظينا بسوندهايم

وعلى رغم تاريخه الموسيقي المسجل المهول الذي يساوي قروناً من المخزون الكلاسيكي، فإن عمل برنشتاين كملحن أكثر ما أثار إعجاب قائد الفرقة الموسيقية البريطانية والمفضل لدى "بي بي سي برومز" جون ويلسون. وبحسب ويلسون، "هذا لا يقلل من مكانته كقائد أوركسترا، لكنه يعني لي كثيراً كمؤلف".

وأضاف ويلسون، "لم يكتب أي شيء إلا إذا كانت في جعبته فكرة ملهمة، الأمر الذي ضمن عرض أعماله طوال الوقت. كان في المقدمة وعنصراً محورياً في ما تعلق بتضييق الفجوة بين الأوبرا والمسرح الموسيقي. هكذا، قدم للشكل ما قدمه بوتشيني من أجل التكامل الدرامي في الأوبرا. إذ تخدم كل مقطوعة موسيقية في "ويست وايد ستوري" غرضاً درامياً. لولا برنشتاين كمؤلف موسيقي، لما كنا سنحظى بستيفن سوندهايم كمؤلف للنص". وتعتري ويلسون حماسة في شأن دأب برنشتاين على تحطيم المعتقدات الموسيقية. "لقد هدم جدراناً كثيرة. لا يسعك التقليل من أهمية تقديمه باقة متنوعة من الفنون وكيف ساعد ذلك في إضفاء الشرعية على أشكال فنية معينة". ويضاف إلى ذلك شغف ويلسون بمؤلفات برنشتاين الكلاسيكية التي تولى إدارتها في جميع أنحاء أوروبا والمملكة المتحدة. ويشير إلى "مزامير تشيشيستر" Chichester Psalms، وهو العمل الكورالي والأوركسترالي المميز تماماً والحيوي والمتحمس الذي كتبه لنصوص عبرية لكاتدرائية "تشيتشيستر" في عام 1965.

بحسب ويلسون، "لقد غرس [برنشتاين] في أعماله شخصية مميزة. وبعثت شدتها الذهول في نفسي دائماً. وليس استخدامه لموسيقى الجاز والبوب في أعماله تفصيلاً شكلياً لا ينطوي على أية أهمية. لقد كان رائداً في نواح كثيرة. إذ قدم لنا المؤلف الأميركي آرون كوبلاند موسيقى المساحات المفتوحة الواسعة في أميركا، وأعطانا المؤلف الموسيقي الأميركي جورج غيرشوين صوت مانهاتن. أما برنشتاين فيمزج هذين العالمين معاً ويصنع منهما عالماً خاصاً به". يتجلى هذا المزيج بشكل رائع في موسيقى فيلمه السياسي المتوهج "أون ذا ووتر فرونت" On the Waterfront (على الواجهة البحرية) للمنتج والمخرج [الأميركي من أصل يوناني] إيليا كازان. تضيف موسيقى برنشتاين وحشية ورفعة وحسرة. وعلى رغم فوزه بترشيح لجائزة "أوسكار"، فإن الفيلم تخلى عنه فوراً لأنه أراد أن يكتب موسيقى مستقلة بذاتها. ومع ذلك، يمكن القول إن دوره كمعلم يبقى أكبر من دوره كملحن. مثلاً، الموسيقار أندريه بريفين الذي لا يقل انتقائية، وهو أحد أهم خلفائه الموسيقيين تقريباً، حظي بمشاهدة زهاء نصف سكان المملكة المتحدة في العرض الميلادي "موركامب آند وايز" عام 1971، ذلك أن بريفين أصبح معروفاً بسبب ظهوره على التلفزيون حيث قدم الموسيقى الكلاسيكية وتحدث عنها. لقد سار عن قصد على خطى برنشتاين الشهيرة.

في يناير (كانون الثاني) 1958، بعد مرور أسبوعين على توليه منصب مدير الموسيقى لـ"أوركسترا نيويورك فيلهارموني"، أقام برنشتاين أول حفلة متلفزة للشباب. وعلى مدى 14 عاماً، عرف جيلاً كاملاً على الموسيقى الكلاسيكية من خلال 53 حفلة موسيقية بثتها أكثر من 40 دولة. وفي وقت لاحق، وصف الحفلات الموسيقية والمحاضرات التي تحظى بشعبية كبيرة بأنها "من بين الأنشطة المفضلة والأكثر قيمة في حياتي". وتبقى سلسلة محاضراته الست المتلفزة الجريئة فكرياً والمتعمقة موسيقياً التي ألقاها في "جامعة هارفارد" الأميركية عام 1973 بعنوان "السؤال الذي بقي بلا إجابة" (ما زالت متاحة على الإنترنت) درساً رفيع المستوى في جعل النقاشات حول الموسيقى كلغة متوفرة في قالب ممتع ومثير للاهتمام.

إن "مهمته" المعلنة في التثقيف والإلهام جعلت الحدود بين الثقافة والسياسة تتلاشى. في ستينيات القرن الـ20، حرض على إجراء تجارب أداء "عمياء" [بمعنى إخفاء هوية المؤدي عن الحكام منعاً لأي تحيز] في "أوركسترا نيويورك الفيلهارمونية" تشجيعاً للموسيقيين من ذوي البشرة الملونة. "الأناقة الراديكالية" radical chic مصطلح صاغه الكاتب والصحافي الأميركي توم وولف في عام 1970 في مقالة له نشرتها مجلة "نيويورك" على الغلاف الأمامي تصف حفلة سيئة السمعة، وفق ما جاء فيها، أقامه ليونارد وفيليسيا في شقتهما من أجل إذكاء الوعي وجمع الأموال دفاعاً عن أعضاء حركة "الفهود السود" Black Panther movement [حركة حقوقية لسود الولايات المتحدة نشأت بعد مقتل مالكوم إكس وما عقبه من توترات راح ضحيتها أكثر من 300 مواطن أسود].

بلغ المزيج المميز الذي اكتنزه برنشتاين من العاطفة والسياسة والموسيقى ذروته قبل تسعة أشهر من وفاته في عام 1990.

في يوم عيد الميلاد عام 1989، بعد ستة أسابيع من سقوط جدار برلين واليوم التالي لفتح بوابة براندنبورغ بين الشرق والغرب الذي سمح لنصف مليون من سكان برلين بالعبور ذهاباً وإياباً، كان برنشتاين البالغ من العمر 71 سنة في المدينة. وبعد أن اقتطع بنفسه قطعة من الجدار ليأخذها إلى عائلته، وأضاء شموع الـ"هانوكا" أو [عيد الأنوار لدى اليهود] في أقدم معبد يهودي في المدينة، أقام حفلة موسيقية بلغت ذروتها مع الحركة الأخيرة (الجزء الأخير) من "السيمفونية التاسعة" لبيتهوفن. والأخيرة معروفة بكورالها الختامي "أنشودة الفرح" Ode to Joy للشاعر الألماني فريدريش شيلر ولكن في هذه المناسبة، غير برنشتاين كلمة Freude بالألمانية (أو joy بالإنجليزية وتعني الفرح) إلى Freiheit بالألمانية أو Freedom بالإنجليزية (وتعني الحرية). لقد أثارت الفكرة في البداية الإزعاج، لماذا عبث بتحفة فنية؟ ولكن البث حول العالم أثبت تماماً صحة تدخل برنشتاين. شأن اللحظات الثقافية التي لا تعد ولا تحصى في حياته التي تفيض بالحوادث، كانت تلك لفتة جريئة نموذجية استحوذت على الحقيقة العميقة وعبرت عنها.

عرض فيلم "مايسترو" Maestro على "نتفليكس" (20 ديسمبر)

© The Independent

 

الـ The Independent  في

30.12.2023

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004