ملفات خاصة

 
 
 

غزة والزلزال يحضران في مهرجان مراكش الدولي للفيلم

عبد الرحيم الخصار

المهرجان الدولي للفيلم بمراكش

الدورة العشرون

   
 
 
 
 
 
 

الجائزة الكبرى للمغربية أسماء المدير عن "كذب أبيض" ولجنة التحكيم تكرم الفيلم الفلسطيني "باي باي طبريا"

لم يكن فوز المخرجة المغربية أسماء المدير (مواليد 1990 في مدينة سلا) بالجائزة الكبرى للمهرجان الدولي للفيلم في مراكش حدثاً مفاجئاً للذين يتابعون مسارها الفني خلال السنوات الأخيرة. فصعودها إلى منصة التتويج مساء أمس السبت، في الحفلة الختامية لمهرجان مراكش السينمائي، كان نتيجة طبيعية لما راكمته من إنجازات مهمة وحضور لافت في فترة قصيرة. ويكفي أنها خرجت من مهرجان "كان" في دورته الأخيرة بجائزتين، جائزة الإخراج في مسابقة "نظرة ما"، وجائزة العين الذهبية للمهرجان.

قبل عشر سنوات فقط دخلت أسماء المدير عالم الإخراج بفيلمها "الرصاصة الأخيرة" 2010، مباشرة بعد تخرجها من الأكاديمية المغربية للسينما، وعقب دراساتها العليا المتخصصة في السينما الوثائقية والإنتاج في جامعة عبد المالك السعدي في مدينة تطوان شمال المغرب، والمعهد العالي للإعلام والاتصال في الرباط، والمدرسة الوطنية لمهن الصورة والصوت في باريس.

ومنذ فيلمها الأول توالت أعمالها بإيقاع منتظم: "ألوان الصمت" 2011، "الحمد لله، إنه يوم الجمعة" 2013، "قطع خشنة" 2015، "هارما" 2016، "الحرب المنسية" 2019، "أم الأكاذيب" 2019، "في زاوية أمي" 2020 و"كذب أبيض" 2023 الذي حظي بالنجمة الذهبية لمهرجان مراكش الدولي. ويعود هذا الفيلم إلى ما يسميه المغاربة "سنوات الرصاص" أو سنوات الاحتدام السياسي، حيث ووجه المتظاهرون في الشارع بالرصاص الحي، مع مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، وتزامناً مع طفولة المخرجة التي نقلت تفاصيل حقيقية من حياتها، يلتقي فيها ما هو شخصي بما هو سياسي.

وتوجت المدير، بالإضافة إلى جائزتي "كان"، بجوائز أخرى من بينها الجائزة الكبرى في مهرجان المرأة الدولي في تورنتو الكندية سنة 2021، والجائزة الكبرى في المهرجان السينمائي لمدينة نوورو الإيطالية في العام نفسه، وجائزة الإخراج في مهرجان العيون للفيلم الوثائقي سنة 2019.

إضافة إلى النجمة الذهبية التي عادت لمخرجة مغربية لأول مرة في تاريخ المهرجان، منحت لجنة التحكيم جائزتها لفيلمي "باي باي طبريا" للفلسطينية لينا سوالم و"عصابات" للمغربي كمال الأزرق. أما جائزة الإخراج فكانت من نصيب السنغالية راماتا – تولاي سي عن فيلمها "بانيل وأداما"، وعادت جائزة أحسن دور رجالي إلى الممثل التركي دوكا كاراكاش عن أدائه في فيلم "المهجع"، فيما فازت الممثلة البوسنية أسيا زارا لاكومدزيا بجائزة أحسن دور نسائي عن أدائها في فيلم "نزهة".

 الزلزال وغزة يخففان من مظاهر الاحتفال

اختار المهرجان الدولي للفيلم في مراكش أن ينظم دورته الجديدة، التي انطلق في 24 من الشهر الماصي، بأقل احتفال ممكن، تضامناً مع ضحايا غزة وضحايا زلزال الحوز، الذي وقع قريباً من المدينة الحمراء. فقد ألغت اللجنة المنظمة فقرة مرور الفنانين على البساط الأحمر في الهواء الطلق وسط جمهور المهرجان، كما ألغت العروض التي كانت مبرمجة في ساحة جامع الفنا، حيث اعتاد سكان المدينة وزوارها على مشاهدة مجموعة من الأفلام في الساحة العريقة للمدينة. واكتفت بإقامة الأنشطة الكبرى للمهرجان في قصر المؤتمرات وسينما كوليزي.

وفي هذا السياق، استضاف المهرجان 740طفلاً من منطقة الحوز، تضررت عائلاتهم من الزلزال، في فقرة "الجمهور الناشئ"، فأتيح لهم أن يشاهدوا ويناقشوا 6 أفلام من المغرب واليابان وكندا وفرنسا ولوكسمبورغ وإيران. أما القضية الفلسطينية فكانت ممثلة بفيلم "باي باي طبريا" للمخرجة لينا سوالم، المشارك في المسابقة الرسمية. ويعرض هذا الفيلم الوثائقي موضوعة الاغتراب عن البلاد، والعودة إليها، ونظرات أربعة أجيال إلى الوطن منذ 1948 إلى لحظتنا الراهنة. فالفيلم هو بمثابة سيرة ذاتية للمخرجة لينا سوالم، تشارك فيه والدتها الممثلة هيام عباس التي غادت البلاد في شبابها من أجل تحقيق حلمها في التمثيل، واستقرت في باريس حيث ولدت لينا لتكبر في المغترب، وتنقل حكاية أمها وحكاية أسلافها لجمهور الفن السابع، وتستعرض موضوعة الهوية والاغتراب والاحتلال. اعتمدت المخرجة على أرشيف والدها الممثل الجزائري زين الدين سوالم، إضافة إلى ما التقطته والدتها من صور، وإلى محكيات متوارثة من جدة والدتها. تم عرض الفيلم في قصر المؤتمرات، وقد وقف الجمهور للتصفيق مطولاً بعد نهاية عرضه، في أجواء ذات طابع تضامني.

تنوع في الجغرافيا والمواضيع

قسمت الدورة الأخيرة برنامج عرض الأفلام إلى عدة أقسام: المسابقة الرسمية، العروض الاحتفالية، العروض الخاصة، القارة الحادية عشرة، بانوراما السينما المغربية، عروض الأفلام للجمهور الناشئ، فضلاً عن الأفلام التي تم تقديمها في فقرات التكريم. وقدم المهرجان على مدار أيام دورته العشرين 75 فيلماً عالمياً تمثل 36 دولة. وتميزت الدورة بتشجيعها للمخرجين الشباب، فاختارت لجنة التنظيم 14 فيلماً للمسابقة الرسمية، 10 أفلام منها هي الأعمال الأولى لمخرجيها. وراهنت على مقاربة النوع، فأعطت الأولية لنساء الفن السابع، فشاركت في المسابقة الرسمية 8 مخرجات.

تبارت ضمن المسابقة الرسمية أعمال سينمائية من مختلف القارات، واللافت هذه الدورة هو أن كل الأفلام المتبارية، باستثناء "الهدير الصامت" للبريطاني جوني بارينكتون، مشتركة الإنتاج بين بلدين أو ثلاثة إلى ستة: "بانيل وأداما" لراماتا - تولاي سي (فرنسا- السنغال – مالي)، "باي باي طبريا" للينا سوالم (فلسطين – فرنسا – بلجيكا- قطر)، "مدينة الرياح" لغاكفدولام بوريف- أوشيرا (فرنسا – منغوليا- البرتغال – هولندا – ألمانيا – قطر)، "ديسكو أفريقيا" للوك رازاناجاونا (فرنسا – مدغشقر – موريسيوش)، "المهجع" لنهير تونا (تركيا – ألمانيا – فرنسا)، "نزهة" لأونا كونجاك (البوسنة والهرسك – كرواتيا – صربيا – فرنسا – النرويج – قطر)، "كذب أبيض" لأسماء المدير (المغرب – مصر – السعودية – قطر)، "عصابات" لكمال الأزرق (المغرب – فرنسا – بلجيكا – قطر – السعودية)، "عالمنا" للوانا باجرامي (كوسوفو – فرنسا)، "الابن الآخر" لخوان سيبستيان كويبرادا (كولومبيا – فرنسا – الارجنتين)، "سجن في جبال الأنديز" لفيليبي كارمونا (التشيلي – البرازيل)، "الحصيلة" لكارولينا ماركوفيتش (البرازيل – البرتغال) و"يوم الثلاثاء" لداينا أو. لوسيتش (أميركا – بريطانيا).

تنوعت تيمات الأفلام المتبارية في المسابقة الرسمية بين التخاطرات الروحية في المجتمع المادي، والحب وأعراف المجتمع، والمراهقة وإثبات الذات، والفساد السياسي، والحياة في الأحياء الشعبية، والاعتقال وغيرها من المواضيع التي تتسم بالراهنية، وتفتح نقاشات متشعبة تهم الحياة الخاصة والعامة على السواء.

وتوزعت محاور ندوات الدورة العشرين على مواضيع تهم الفن السابع، كالخزانات السينمائية وأفلام الإثارة والتحقيق، والمتخيل في السينما، عبر قراءة وتحليل لنماذج سينمائية عربية وغربية. وقد اختارت اللجنة المنظمة أن تكرم اسمين بارزين في السينما الراهنة، هما المخرج المغربي فوزي بنسعيدي والممثل الدانماركي مادس مكيلسن. وأشرفت على دورة جديدة من برنامج "ورشات الأطلس" الموجه لدعم السينمائيين الشباب من بلدان أفريقيا والشرق الأوسط.

 

الـ The Independent  في

03.12.2023

 
 
 
 
 

المنسقون لـ «المهرجان الدولي للفيلم بمراكش»

بالأرقام .. الدورة الـ 20 استثنائية على جميع الأصعدة

مراكش ـ «سينماتوغراف»

أكد المنسق العام للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، علي حجي، أن الدورة العشرين لهذا الحدث الكبير الذي اختتمت فعالياته مساء أمس السبت، تعد “نسخة استثنائية على الأصعدة” سيما وأنها “شهدت بروزاً أكثر قوة للسينما المغربية”.

وقال حجي على هامش حفل اختتام الدورة إن السينما المغربية التي كانت حاضرة هذه السنة بمهرجان “كان” السينمائي بأربعة أفلام، شهدت بروزاً أقوى في المهرجان الدولي للفيلم بمراكش “وهو ما لمسناه من خلال جميع الأفلام المغربية التي تم عرضها”.

وأشار إلى أن هذه الدورة شهدت عرض تسعة أفلام حظيت بدعم “ورشات الأطلس”برنامج الصناعة والتطوير للمهرجان، من ضمنها خمسة أفلام مغربية تتوزع على فيلمين شاركا في المسابقة الرسمية للمهرجان وهما “كذب أبيض” لأسماء المدير، و”عاصابات” لكمال الأزرق، وثلاثة أخرى شاركت في أقسام أخرى، هي “أنيماليا” لصوفيا العلوي، وفيلم “شيوع” لليلى كيلاني، وفيلم ”مروكية حارة” لهشام العسري، في إطار البانوراما المغربية.

وبحسب المنسق العام للمهرجان، فإن هذه السنة كانت مهمة جداً بالنسبة لفريق “ورشات أطلس” لأنه أتاح له رؤية جميع المشاريع المدعومة منذ فترة طويلة، مثل عمل المخرجة المغربية أسماء المدير، التي حصلت على جائزة الأطلس للتطوير سنة 2019، وجائزة الأطلس لمرحلة ما بعد الإنتاج عام 2021.

وأضاف أن “الأمر نفسه ينطبق على المخرج كمال الأزرق، الذي نعرفه منذ عدة سنوات، منذ أن حظي فيلمه (عصابات) بدعم برنامج ورشات الأطلس لتطوير المواهب”.

وفي تصريح مماثل، قال المدير الفني للمهرجان، ريمي بونوم، إن هذه الدورة العشرين من المهرجان الدولي للفيلم بمراكش كانت “غنية جداً من حيث برنامجها”، تماما مثلما كان عليه الأمر طيلة الدورات السابقة للمهرجان، حيث جمعت بين برمجة الأفلام وسلسلة من الحوارات مع أسماء كبرى في مجال السينما من ممثلين ومخرجين قدموا إلى المدينة الحمراء ليتقاسموا حب السينما ويكشفوا عن أسرار صناعة الأفلام بالنسبة لهم.

وأشار بونوم من جهة أخرى، إلى أن هذه التظاهرة الدولية كرمت في دورتها هذه شخصيتين سينمائيتين كبيرتين”، وهما الممثل الدانماركي مادس ميكلسن والمخرج والممثل المغربي فوزي بنسعيدي، الذي جعل حفل تكريمه مثيرا”.

وأضاف المدير الفني للمهرجان “أعتقد حقاً أن العاطفة كانت في قلب هذه الدورة من خلال الأفلام، ومن خلال بعض اللقاءات ومن خلال مداخلات المخرجين التي لامست قلوب العديد من رواد المهرجان”.

وحسب المنظمين، فقد عرفت هذه الدورة مشاركة أعداد كبيرة من الجمهور التي شاهدت عروض الأفلام وحضرت مختلف فقرات المهرجان. حيث تم اعتماد ما يقارب 21000 مشاركاً حصلوا على بطاقاتهم الإلكترونية بشكل مجاني. وكما هو الحال في كل سنة، عرف المهرجان مشاركة ما يقارب 8000 طالب وطفل ومراهق من المنطقة، حضروا عروض الأفلام المبرمجة في قسم “سينما الجمهور الناشئ”، من بينهم 750 طفلاً ينحدرون من منطقة الحوز التي أصابها الزلزال.

وككل عام منذ 2018، عرفت “ورشات الأطلس”، حضور أزيد من 300 خبير مهني دولي من أجل 25 مشروعاً وفيلماً في مرحلة التطوير أو في مرحلة التصوير من 11 دولة. على مدى دوراتها الستة، قامت “ورشات الأطلس” بمواكبة 136 مشروعا وفيلما سينمائيا، منها 57 مشروعاً وفيلماً مغربياً، وثلاثة من الأفلام المتوجة هذه السنة.

كما عرفت هذه الدورة مشاركة متميزة للمهنيين المغاربة الذين بلغ عددهم 900 مهني، وتغطية إعلامية مهمة، حيث تم اعتماد 163 منبرا إعلاميا، وحضور 518 صحفيا ومصورا، وصحفيا مراسلا مصورا، ومشاركة مصورين مغاربة وأجانب حضروا من جميع القارات.

وتميزت هذه الدورة كذلك، والتي نظمت تحت شعار الرزانة، بمشاركة قوية لعشاق السينما، وبلقاءات حميمية بين المهنيين السينمائيين والجمهور، وذلك خلال اللقاءات الحوارية والنقاشات التي أعقبت عروض الأفلام. كما ركز المهرجان هذه السنة على تنوع التجارب السينمائية العالمية، وساهم في الكشف عن مواهب جديدة، ومنح للمهرجانيين فرصة اللقاء بأسماء كبرى من السينما العالمية.

وبذلك تكون الدورة العشرون للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش “قد أوفت بكل وعودها، حيث ركزت أكثر من أي وقت مضى على السينما كلغة كونية من أجل زيادة الوعي وتحقيق التقارب بين الشعوب”.

 

موقع "سينماتوغراف" في

03.12.2023

 
 
 
 
 

شعلة السينما المغربية متقدة وحية أكثر من أي وقت مضى

"اندبندنت" تحدثت مع ثلاثة وجوه سينمائية مغربية من أجيال مختلفة

ليلى عمار

في وقت يكرم فيه "مهرجان مراكش للفيلم الدولي" في نسخته الـ20، أحد أشهر مخرجيه فوزي بنسعيدي، تبرز شخصيات جديدة في السينما المغربية إلى الواجهة من جيل الشباب، وتبعث برسالة قوية إلى العالم.

بنسعيدي المخرج المغربي ذو الشهرة العالمية - الذي حصد جوائز في مهرجاني "كان" و"البندقية" عن أفلامه - حاز في الدورة الـ20 لـ"مهرجان مراكش للفيلم الدولي" جائزة "النجمة الذهبية" تقديراً لإنجازاته المهنية. وكانت مناسبة للمهرجان لعرض أحدث أفلامه "الصحارى" الذي عرض في إطار "أسبوعا المخرجين" Director’s Fortnight (المخصص لعرض الأعمال الأكثر فرادة للسينما المعاصرة) في مهرجان "كان السينمائي" في وقت سابق من هذه السنة، إضافة إلى بعض أعماله البارزة السابقة مثل "وليلي" Volubilis أو "ألف شهر" Mille Mois.

في أحدث أعمال بنسعيدي التراجيدية الكوميدية، المنسوجة بمزيج من السرد والدراما، يتتبع المخرج زميلين له يعملان في وكالة تحصيل في مدينة الدار البيضاء. ويكشف الفيلم عن مساعيهما غير المجدية لتحصيل الديون من القرويين في مختلف أنحاء البلاد. وقد أتيحت لـ"اندبندنت" فرصة التواصل مع أحد ألمع الكتاب والمخرجين المغاربة.

فوزي بنسعيدي

كانت كلمات بنسعيدي أثناء تكريمه على مسرح قصر المؤتمرات في مراكش معبرة، إذ قال "عندما كنت في الـ25 من عمري، قلت في قرارة نفسي: ’لقد انتهيت، فقد أخرج أورسون ويلز فيلم المواطن كين Citizen Kane وهو في الخامسة والـ20 من عمره، وأنا هنا، بعيد البعد كله عن أي أمل في صنع فيلم يوماً ما‘. في تلك اللحظة، كنت على المسرح لحسن الحظ. ومع ذلك، فإن الحلم الأساس الذي من شأنه أن يحدد هويتي ومصيري، والسبب الوحيد الذي أرسلني الله من أجله إلى هذه الأرض، كان السينما، وكان تحقيق ذلك يبدو بعيد المنال".

إن هناك ارتباطاً عميقاً مع السينما ينبع من حبي لله. يمكنني أن أعيد الصياغة بهذا القول: "أنا من أهوى ومن أهوى أنا... أنا والسينما روحان حللنا بدنا".

يرى المخرج المغربي فوزي بنسعيدي أن إخراج كل فيلم جديد هو أشبه باستكشاف منطقة مجهولة. ويقول للـ"اندبندنت عربية"، "أنا أؤمن بالدهشة الدائمة. يجب أن نكون دائماً على استعداد للمفاجأة إذا أردنا أن نفهم شيئاً ما حقاً".

ويضيف "الكاميرا تشكل أداة قوية لالتقاط حتى ما هو غير مرئي في بعض الأحيان، لكن يمكنها أيضاً التقاط الأشياء بطريقة مباشرة ومسطحة، وبالنتيجة قد لا تحصل على أي شيء استثنائي".

ويعتقد بنسعيدي أن الجيل الصاعد من المخرجين المغاربة في استمرارية للقديم، لأن "هناك أساس أنشئ، ويوفر لهم الفرصة لدفع مهاراتهم نحو آفاق جديدة". ويضيف "إنهم يدفعون الحدود إلى أماكن أبعد... ويستكشفون حرية الأسلوب، ويصنعون أفلاماً لأنفسهم، ويتبنون طموحاً متزايداً وأقوى للتعمق في مختلف أنواع الأفلام".

في فيلمه الأخير "الصحارى" هناك إحساس بأن تلك العلاقة بالعالم المادي تثير اهتمام بنسعيدي، أو في أقل تقدير، تدفعه إلى طرح تساؤلات مثل: "ما أهمية الإنسان في مواجهة الممتلكات المادية؟" في فيلم "الصحارى"، على سبيل المثال، نشهد السيد زموري، وهو شخص ثري ومحاط بالوفرة، بينما تجد شخصية أخرى، لا تملك سوى الشجاعة. يبدو أن موضوع العلاقة بالممتلكات واضح ويتردد صداه ليس فقط في فيل "الصحارى" بل أيضاً في أعماله السابقة.

في هذا الصدد يقول بنسعيدي "نعم، في الواقع، لديَّ ارتباط بالأشياء المادية. المال، بالنسبة إليَّ، ليس هو الاهتمام الأساس، لكن مثل أي شخص آخر، لديَّ مخاوف عملية كدفع بدل الإيجار في نهاية الشهر، إلا أن ذلك لم يكن أبداً القوة الدافعة بالنسبة إليَّ وراء صناعة الأفلام. لذا، نعم، هناك علاقة شخصية بهذا الجانب يمكن لمسها في عملي. في بعض الأحيان، لا أقوم بذلك عن قصد".

وحول حرية التعبير في أفلامه يقول بنسعيدي "عندما أفكر بمسيرتي المهنية، هناك جانب واحد أفتخر به، وهو أنني لم أستكن أبداً. أعتقد أنني تمتعت دائماً بالحرية في طريقة التعبير والقيام بالأشياء، وكي أكون صريحاً مرة أخرى، لم أتعرض للرقابة أبدا. لم تكن هناك لحظات اعتبرت نفسي فيها ’غير قادر على القيام بأمر ما‘. قد يحدث ذلك يوماً ما، من يدري. لكن حتى الآن، استمتعت دائماً بحرية تناول المواضيع التي أرغب بها".

صوفيا العلوي

تجد فكرة الاستمرارية - كما ناقشها بنسعيدي - تجسيداً مثالياً لها في أعمال المؤلفة والمخرجة الفرنسية-المغربية صوفيا العلوي، ولا سيما في فيلمها "أنيماليا" Animalia الذي كان واحداً من أكثر العروض المنتظرة في المهرجان. فبعد الإشادة الدولية بفيلمها القصير من نوع الخيال العلمي عام 2020 الذي كان بعنوان "لا يهم إن نفقت البهائم" So what if the goats die، ترجمت علوي موهبتها بمهارة إلى فيلم "أنيماليا" الآسر الذي صور في جبال الأطلس، وأكسبها بجائزة "لجنة التحكيم" في "مهرجان صاندانس" السينمائي المرموق.

تغوص المخرجة في هذا العمل في الديناميكيات المثيرة للاهتمام بحيث تظهر الحيوانات سلوكاً غريباً من شأنه أن يؤثر في البشر ويحفز استكشافاً عميقاً للمعتقدات ووجودنا الكوني. ومن خلال هذه الرحلة السينمائية، يسلط الفيلم الضوء على تداعيات الرأسمالية والطبقة الاجتماعية على المجتمع.

وتعترف العلوي في لقاء حصري مع "اندبندنت عربية" بأنها كانت تشعر بالقلق قبل عرض فيلمها في بدلها الأصلي (المغرب) وذلك على رغم حصولها على جائزة لجنة التحكيم في "مهرجان صاندانس" السينمائي.

وتقول العلوي، "كنت قلقة حقاً لأنني أعتقد أننا نصنع الأفلام كي يكون لها صدى في اهتمامات الناس، لكنني أعتقد أن الفيلم أثار بعض الجدل، فقد جعل الناس يخوضون في نقاشات حوله لفترة بعد مشاهدته، وهذا يعد أكثر أهمية بالنسبة إليَّ من سماع شخص يقول إنه أحب فيلمي. إن معرفتي أن عملي يثير النقاشات، هي ما يجعلني أرغب حقاً في صناعة الأفلام".

وتتفق العلوي أن الخيال العلمي كما في فيلمها "أنيماليا" يساعد في التطرق إلى المواضيع التي يصعب التعبير عنها بالنهج التقليدي "لكن في هذا الفيلم فإن المحتوى هو الذي فرض الأسلوب، إذ لم أكن يوماً من هواة الخيال العلمي، لكنني أطرح على نفسي بعض الأسئلة حول بعض الأمور، وهذا التساؤل أدى إلى هذا النوع من الفن السينمائي بشكل بديهي وطبيعي".

وتضيف أن فيلمها يطرح مواضيع عدة وعلى رأسها "المجتمع الرأسمالي الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمال" مع ما تشهده هذه البيئة من صراعات طبقية عديدة، لافتة أن "’أنيماليا‘ هو فيلم يدعو الناس إلى فحص ذاتهم ومساءلة أنفسهم قبل الإقدام على التذمر أو إلقاء الملامة.

وحول رمزية تعددية اللغات في أفلامها تقول العلوي، "في الواقع، بالنسبة إليَّ إن استخدام اللغات يعكس ما ناقشناه للتو حول الصراعات الطبقية والخلافات في العلاقات".

وتشرح أنها نشأت في المغرب وارتادت المدرسة الفرنسية، لكنها لاحظت أن "هناك اتجاه سائد هنا يقول إن من الرائع التحدث بالعربية الفصحى لأن من المفترض أن يقربنا ذلك من الشرق الأوسط. لكن في الحقيقة، هناك ازدراء حقيقي للغة الأمازيغية. اسمي العلوي، وهو اسم عربي في العمق، وقوي جداً في هذا السياق، لكن في الواقع، أنا أمازيغية. وفي كثير من الأحيان، كنت أشاهد الناس وهم يحاولون الاستهزاء بالأمازيغيين أمامي، من دون أن تكون لديهم أدنى فكرة عنهم".

وتختم بالقول "أجد أن من الخطر للغاية أن يكن أحد مثل هذا الازدراء الذاتي، لأن المغرب بلد أمازيغي في الأساس، وهذا يدل على افتقار عميق للثقافة التاريخية! لم أفهم قط هذا الفخر باللغة العربية على حساب الأمازيغية التي هي لغة وطنية".

ليلى كيلاني

وكما هي الحال في فيلم "أنيماليا" للمخرجة العلوي، فإن التنوع اللغوي الذي ظهر في فيلم "أرض الطيور" للمخرجة المغربية ليلى الكيلاني – وقد عرض ضمن برنامج "بانوراما" Panorama في المهرجان - كان بمثابة استكشاف غامر آخر للتاريخ الغني للمغرب. فعلى خلفية مدينة طنجة في شمال البلاد، يروي الفيلم قصة مراهقة بكماء لديها شغف بالطيور، تستخدم باستمرار وسائل التواصل الاجتماعي للتحدث عن زوال ملكية أسرتها، ما يحمل في طياته عواقب وخيمة على جميع القرويين المعنيين.

ويصور عمل كيلاني، الذي لا يشكل نقداً مؤثراً لتأثير الرأسمالية على البيئة فحسب، بل أيضاً تصويراً لا تأسف فيه للاضطرابات العائلية، من خلال استخدام المشهد اللغوي الفريد لمنطقتها: التجانس السلس في استخدام اللغات العامية والعربية والإسبانية والفرنسية.

وتلجأ كيلاني في فيلمها "أرض الطيور" ليس فقط إلى اللغتين العربية والفرنسية التي تعودت عليها السينما المغربية لكن أيضاً الإسبانية، مشيرةً إلى إن اللغة "هي سلاح مذهل في السياسة والهوية الإنسانية".

وتشرح قائلة "لقد قمنا بالتصوير في شمال المغرب، حيث نتحدث الإسبانية أيضاً، وذلك لتسليط الضوء على علاقتنا بالعالم، وعلى ميلنا إلى ارتكاب السوء لأننا نمزج كل شيء بصورة اعتباطية، ومن دون اعتذار على الإطلاق. لذلك، أبدو حساسة تجاه مسألة استخدام اللغات في جميع أفلامي".

وتلفت كيلاني النظر إلى أن وقائع الفيلم تجري في منطقة مختلطة تشكلت من خلال عوامل مؤثرة عدة، مضيفةً "نحن نتحدث بلغات عدة هناك، ولا أحد يسأل نفسه ما إذا كان ينبغي علينا أن نتخلى عن أي منها عندما نتحدث".

وتوضح بالقول "في البداية، لا بد من الإشارة إلى أن اللغة العامية في شمال المغرب تنبض بالكلمات الإسبانية، لذا واجهنا تحدياً حقيقياً في الإنتاج عندما قررنا ألا نختار لغة ’صافية‘، بالاعتماد على لغة واحدة فقط، سواء كانت الفرنسية أو العربية، أو حتى الإسبانية".

وتذكر كيلاني وجود مخاوف محتملة من أن يؤدي هذا الخليط اللغوي إلى إثارة قلق بعض المستثمرين الذين قد يعتقدون أنه سيكون من الصعب على المشاهدين فهم الفيلم، من خلال التساؤل عن اللغة التي تتداولها الشخصيات التي تستخدم اللغة التي نتحدث بها نحن المغاربة هناك!" لكن الفيلم بحسب المخرجة يجب أن يعكس الواقع كما هو.

صحافية وناقدة سينمائية 

 

الـ The Independent  في

04.12.2023

 
 
 
 
 

"كذب أبيض" أول فيلم مغربي يفوز بالنجمة الذهبية لمراكش السينمائي

الفيلم نجح في المزج بين البُعدين الشخصي والتاريخي بشكل متقن مما أضاف إلى الحكاية عمقًا وزاد تأثيرها على الجمهور.

مراكش (المغرب)فازت المخرجة المغربية أسماء المدير بالنجمة الذهبية في المهرجان الدولي للفيلم في مراكش عن فيلمها “كذب أبيض”، وهي المرة الأولى التي يفوز فيها فيلم مغربي بالجائزة الكبرى للمهرجان الذي بدأ دورته العشرين في 24 نوفمبر الماضي واختُتم مساء السبت.

وتستكشف المخرجة البالغة 32 عاما في هذا الفيلم الوثائقي ماضيا مجهولا لعائلتها. وفي هذه القصة تزور أسماء منزل والديها في الدار البيضاء لمساعدتهما على الانتقال إلى منزل آخر. ومع بدئها فرز الأغراض التي كانت تملكها خلال طفولتها، عثرت على صورة جعلتها تبدأ التساؤل عن الأكاذيب الصغيرة التي أخبرتها بها عائلتها.

وقد نجح فيلم “كذب أبيض” في المزج بين البُعدين الشخصي والتاريخي بشكل متقن، مما أضاف إلى الحكاية عمقًا وزاد تأثيرها على الجمهور. فمن خلال تصوير تطور الشخصيات يمكن للمشاهد أن يرى كيف تتفاعل الشخصيات مع تفاصيل الماضي العائلي المعقد. وتُظهر لنا التجارب الشخصية كيف يؤثر التاريخ الشخصي على نمو الشخصيات وتطورها، وكذلك كيف يشكل الجزء الأساسي من هويتهم.

ويعكس الأسلوب الفني للمخرجة تنوعًا ملحوظًا، حيث تمزج بين العناصر المتنوعة والمتداخلة. وبفضل هذا الأسلوب تتمكن القصة من الانتقال عبر مستويات مختلفة من التفسير والفهم من خلال استخدام الدمى والصور والرموز، وتعبر المخرجة عن إعادة إحياء للقصة التي حاولت عائلتها التعتيم عليها. ويقوم هذا الأسلوب بمنح الأحداث التاريخية أبعادا جديدة ويرتبط بها من خلال تجربة بصرية فريدة.

وقالت أسماء المدير بعد فوزها “أنا سعيدة جدا بالحصول على النجمة الذهبية الأولى للمغرب”.

وأعربت المخرجة في كلمة خلال حفل اختتام الدورة العشرين للمهرجان عن شكرها وامتنانها للعاهل المغربي الملك محمد السادس “أب المغاربة جميعا”، قائلة “لقد خلقت لنا أكاديمية كرة القدم فوصل أبناؤك إلى نصف نهائي كأس العالم. ولقد خلقت لنا أيضا مؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، ثم ورشات الأطلس، وها نحن اليوم، أبناء ورشات الأطلس، نزأر في مراكش ونفوز بنجمتنا الأولى، نهديها لك”.

واستحضرت خريجة ورشات الأطلس، وهو برنامج للصناعة السينمائية وتطوير المواهب أطلقه المهرجان الدولي للفيلم بمراكش سنة 2018، في هذا الصدد قصتها مع هذا البرنامج بقولها “كنت أجري وراء عتبات ‘بلدي كاونتري كلوب’ الذي يستضيف الورشات بدفاتري، أبحث عن المخرج وأطلب من ريني بونوم: من فضلك أريد سويعة واحدة مع المبرمج ومع الكاتب لكي لا أضيع أي فرصة في ورشات الأطلس”.

وفاز المخرج المغربي أيضا كمال الأزرق بجائزة لجنة التحكيم عن فيلم “عصابات” مناصفة مع المخرجة الفلسطينية لينا سوالم عن فيلمها “باي باي طبريا”.

أما جائزة أفضل إخراج فذهبت إلى السنغالية راماتا – تولاي سي عن فيلمها “بانيل وأداما”، في حين فازت آسيا زارا لاغومدزيا بجائزة أفضل أداء نسائي عن دورها في فيلم “نزهة” ودوغا كراكاش بجائزة أفضل أداء رجالي عن دوره في فيلم “المهجع”.

وكانت السينما المغربية حاضرة بقوة خلال هذه الدورة من المهرجان بإجمالي خمسة عشر فيلما شاركت في مختلف أقسام المهرجان، من ضمنها مجموعة مختارة من خمسة أفلام روائية ووثائقية من آخر الإنتاجات السينمائية الوطنية ضمن قسم “بانوراما السينما المغربية”. وتميزت هذه الدورة أيضا بتكريم المخرج المغربي الموهوب فوزي بنسعيدي ومنحه النجمة الذهبية للمهرجان.

وأكد المنسق العام للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش علي حجي أن الدورة العشرين لهذا الحدث الكبير تعد نسخة استثنائية على مختلف الأصعدة، لاسيما وأنها “شهدت بروزا أكثر قوة للسينما المغربية”.

وأشار إلى أن هذه الدورة شهدت عرض تسعة أفلام حظيت بدعم “ورشات الأطلس” برنامج الصناعة والتطوير للمهرجان، من ضمنها خمسة أفلام مغربية تتوزع على فيلمين شاركا في المسابقة الرسمية للمهرجان، هما “كذب أبيض” لأسماء المدير و”عاصابات” لكمال الأزرق، وثلاثة أخرى شاركت في أقسام أخرى، هي “أنيماليا” لصوفيا العلوي وفيلم “شيوع” لليلى كيلاني وفيلم “مروكية حارة” لهشام العسري، في إطار البانوراما المغربية.

وبحسب المنسق العام للمهرجان كانت هذه السنة مهمة جدا بالنسبة إلى فريق “ورشات الأطلس” لأنه أتاح له رؤية جميع المشاريع المدعومة منذ فترة طويلة، مثل عمل المخرجة المغربية أسماء المدير، التي حصلت على جائزة الأطلس للتطوير سنة 2019 وجائزة الأطلس لمرحلة ما بعد الإنتاج عام 2021.

 

العرب اللندنية في

04.12.2023

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004