ملفات خاصة

 
 
 

أحمد شوقي يحكي:

الأفلام العربية في كان.. وجدل “المرأة السوداء المحجبة

كان السينمائي الدولي

السادس والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

اندلع نقاش موسع، غاضب أحيانًا، بين المخرجين والنقاد العرب المشاركين في الدورة السادسة والسبعين لمهرجان كان السينمائي الدولي، والتي أقيمت في الفترة بين 16 و27 مايو الماضي، وشهدت حضورًا قياسيًا للأفلام العربية بمشاركة 9 أفلام طويلة و4 أفلام قصيرة في أقسام المهرجان المختلفة. النقاش سببه تغريدة كتبها مخرج مصري شهير، له حضور دولي معتبر، تناقش صورة المرأة العربية في أفلام المهرجان ويتساءل عن اليوم الذي ستتوقف فيه المهرجانات الدولية عن اختيار أفلام عربية يتضمن الأفيش الخاص بها صورة “امرأة سوداء محجبة”.

الكلمات لاذعة بالطبع، تحمل الطابع الذي صرنا نفهمه لكتابات مواقع التواصل الاجتماعي، التي قد تحمل النبرة فيها بعض المبالغة النابعة من دفقة الشعور التي كُتبت الكلمات خلالها. لكننا لو نحينا النبرة جانبًا ونظرنا للرأي نفسه، سنجد أن له وجاهته، التي لا يمكن تلخيصها -كما رأي البعض- في مخرج يشعر بالغيرة لغيابه عن أكبر مهرجان سينمائي، وإنما تتعلق بنسبة معتبرة من إنتاجات السينما العربية، لا سيما خلال العقدين الأخيرين، عصر التنوع العرقي وعدالة التمثيل والحضور المكثف لسينما العالم الثالث في كان وفينيسيا ونظرائهما.

نظريات المؤامرة

يجب أن نشدد هنا أن المخرج صاحب التغريدة ليس من المهووسين بنظريات المؤامرة، أو الأحاديث الممجوجة عن المهرجانات وصناديق الدعم التي تمول الأفلام التي تُظهر المشكلات وتشوه سمعة البلاد، وإنما هو فنان حقيقي، موهوب ومهموم، وراغب في الانخراط في الرأي العام السينمائي والاشتباك معه، بما يجعله أنبل من كل من يختبئون وراء شعار هلامي كـ “أخلاقيات المهنة” التي تُكبّل الفنان وتمنعه من إبداء رأيه، وكأن حرية ممارسة الفن لابد وأن تقترن بالتنازل عن حرية إبداء الرأي في الفن، المحلي.

لم يُخطئ المخرج إذن بممارسة حريته في التعبير عن رأيه، وربما لم يُخطئ بعض المخرجين المشاركين في كان عندما أغضبتهم التغريدة ووجدوا فيها إفساد لفرحة اختيار أفلامهم في المهرجان العريق، لكن الأكيد أننا لو حاولنا تنحية المشاعر، سنجد أن بإمكان ذلك التعليق البسيط وما أثير حوله من نقاش أن يخبرنا شيئًا عن أنفسنا، عن المهرجانات، وعن التحدي الأكبر لأغلب صناع الأفلام العرب.

لنعرف أكثر

أول ما تخبرنا به التغريدة حقيقةٌ تحمل داخلها ردًا على الاستنكار: أن أغلب النساء في العالم العربي حاليًا محجبات، وسواء في دول عُرف عنها الميل للمحافظة، أو دول تمتعت تاريخيًا بهامش أكبر من حرية المرأة، فقد غدت تلك هي صورة أغلب النساء، وبالتالي إذا حاول أي فيلم سرد أي حكاية لها نصيب من الواقعية، لا تشبه المسلسلات المصرية التي اعتاد معظمها أن يدور في قاهرة افتراضية خالية من المحجبات غير موجودة إلا في مواقع التصوير، فإن الفيلم سيضم بطبيعة الحال شخصيات تشبه ملايين البشر في الشوارع، محجبات سمراوات.

يلفت الأمر نظرنا أيضًا لحالةٍ أخرى تتعلق بالمهرجانات السينمائية العالمية، وما يبحث عنه مبرمجوها عندما يشاهدون الأفلام الآتية من دولنا للاختيار من بينها. بداهةً، لا توجد قصدية مسبقة ولا مؤامرة كونية، ولكن ثمّة رغبة في اكتشاف عالم مختلف، في التفتيش عن أعمال تضرب أكثر من وتر معًا، أفلام وأشياء أخرى؛ وفي أغلب الأحوال لا يكفي للتأثير في مهرجانات الغرب أن يصنع فنان العالم الثالث فيلمًا جيدًا، بل يجب أن تقترن تلك الجودة ببعض التعليم، أو قليل من الإيضاحات الثقافية، وحبذا لو أُضيفت ملعقة من الدفاع عن الحريات والقضايا الكبرى كي تكتمل الوجبة المُشبعة التي يصعُب رفضها.

نسيت أن أذكر عاملًا مشتركًا آخر بين الأفلام السابقة: الشخصية الرئيسية في جميع الأفلام المذكورة بلا استثناء امرأة سمراء، محجبة أو منقبة!

وإذا نظرنا إلى الأفلام العربية التي شاركت في مهرجان كان الأخير سنجد قاسمين مشتركين يجمعان أغلبها: الجودة الفنية واستيفاء الشرط المذكور في الفترة السابقة. تصيغ التونسية كوثر بن هنية فيلمًا هجينًا بين الروائي والتسجيلي في “بنات ألفة” عن قصة حقيقية لامرأة تعرضت للقهر طيلة حياتها ثم صُدمت بانضمام اثنتين من بناتها إلى تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا. ينسج السوداني محمد كردفاني صراعًا شكسبيريًا خلفيته الاقتتال الأهلي والصراع العنصري بين شمال السودان وجنوبه في فترة ما قبل الانفصال. تروي المغربية أسماء المدير حكاية شخصية عن ماضي عائلتها قبل أن تكشف ارتباط الماضي بما عُرف باسم “ثورة الخبز”، الحراك الشعبي الذي قمعته قوات الحسن الثاني بعنف. أما الأردني أمجد الرشيد، فيكشف عنوان فيلمه “انشالله ولد” عن معاناة البطلة التي يموت زوجها فجأة، فتزعم حملها على أمل أن تضع ولدًا يضمن لها حقها الشرعي في ميراث الأب.

نسيت أن أذكر عاملًا مشتركًا آخر بين الأفلام السابقة: الشخصية الرئيسية في جميع الأفلام المذكورة بلا استثناء امرأة سمراء، محجبة أو منقبة!

وضع ملتبس

هل هي مصادفة؟ لا أعتقد، فجميع الأفلام نتاج منظومة إنتاجية واحدة: مخرج ومنتج مستقلان يتحركان بميزانية محدودة، يخاطبان جهات الدعم الدولية والإقليمية بملف يحاول إقناع الداعمين بأهمية المشروع الفنية والثقافية (والاجتماعية والسياسية ربما)، ليتشكل تدريجيًا فريق كل فيلم من منتجين مشاركين وجهات داعمة عديدة، فيكون الناتج النهائي عمل واحد له مخرج ومنتج رئيسيان، وعدد من المنتجين المشاركين ودول الإنتاج/ الدعم التي تصل في بعض الحالات إلى خمس أو ست دول.

أيعني ذلك أن كوثر بن هنية باعت روحها لشيطان الجهات الداعمة؟ أو أن أمجد الرشيد قرر ممارسة بونوغرافيا البؤس misery porn ليجد من يموّل فيلمه ويضمن مكانه في مهرجان كان؟ الإجابة بالقطع لا، فالغالبية العظمي من صناع الأفلام العرب هم فنانون مخلصون، يعبرون عن همومهم الخاصة والعامة في أفلامهم، ويعانون من أجل إتمام الفيلم الواحد في ظروف عسيرة ودعم وطني غائب ومشكلات تطرأ على مدار الساعة، فيستغرق كل فيلم سنوات من أعمارهم بما لا يعانيه مخرجو العالم الأول. ولكل قاعدة استثناءات بالطبع سواء في الشرق أو الغرب.

المهرجانات وجهات الدعم تفعل خيرًا بمساعدة أفلام لم تكن لتخرج للنور لولا هذا الدعم، لكنها في المقابل تدفع الفنانين بطريق غير مباشر أن يسلكوا الطريق الأسهل ويمارسوا فلترة ذاتية

لكن سيكون من السذاجة بمكان أيضًا أن نفترض الطوباوية من كل الأطراف، أو أن نؤكد أن كل الجهات الداعمة ساندت الفيلم لقناعتها الفنية الخالصة بموهبة صانعه، وأنها ستكرر الدعم لو اختار الفنان أن يكون فيلمه المقبل كوميديا رومانسية، أو فيلم حركة، أو حتى دراما نفسية لا علاقة بها بقضية اجتماعية أو سياسية ولا تتلامس مع حقوق جماعة مقهورة أو فئة مهمشة.

ما أحاول قوله هنا إن الوضع أعقد بكثير من أي تفسير سطحي يحاول اختزال الأمور وتصنيف البشر بين مخطئ ومصيب. المهرجانات وجهات الدعم تفعل خيرًا بمساعدة أفلام لم تكن لتخرج للنور لولا هذا الدعم، لكنها في المقابل تدفع الفنانين بطريق غير مباشر أن يسلكوا الطريق الأسهل ويمارسوا فلترة ذاتية لاختيار المشروع الذي يسهل إقناع الممولين به. وصناع الأفلام يصنعون أفلام تشغلهم ويؤمنون بها حقًا، وليس ذنبهم أنهم مضطرون لطرق كل الأبواب كي يتكمنوا من استكمال أفلامهم، لكن لا ضمانة إطلاقًا لأنهم في ظرف مثالي متخيل سيقدمون على صناعة الفيلم نفسه شكلًا ومضمونًا.

شاهد تريلر فيلم “وداعا جوليا

المعيار الباقي

في النهاية، تبقى المعايير الوحيدة الممكنة حتى إشعار آخر هي الصدق والموهبة، قدر الصدق الذي يمكننا أن نلمسه في الفيلم، وموهبة المخرج في تقديم موضوعه بصورة خلاقة. وتظل وحدة القياس هي الفيلم الواحد، فلا يمكن تعميمُ حكمٍ على شكل كامل من السينما أو حتى على مسيرة مخرج برمتها، وإنما نشاهد كل فيلم على حدة ونحلله باذلين، جهدًا نحاول أن يوازي الجهد المبذول في صناعته.

أما بالنسبة لسؤال المخرج الذي بدأنا به المقال، فنؤكد أن طرحه ملائم وله وجاهته، لكنه يُبشر بلحظة لن تأت أبدًا، تارة لأن من البديهي كما أوضحنا أن تتضمن أي قصة صادقة تعبر عن الواقع العربي امرأة سمراء محجبة (أو ما يوازيها ثقافيًا)، وتارة لأن ذلك أقصى ما تسمح به الظروف الحالية لصناعة السينما في منطقتنا السعيدة.

 

موقع "شهرزاد" المصري في

31.07.2023

 
 
 
 
 

بعد فوز فيلمها (تشريح السقوط) بالسعفة الذهبية في مهرجان كان:

أحب أن آخذ المشاهد إلى أفق معقد ومحير!

ترجمة: عدوية الهلالي

بعد ثلاثة أشهر من حصوله على السعفة الذهبية في مهرجان كان، عُرض فيلم "تشريح السقوط" للمخرجة الفرنسية جوستين تريت في دور العرض في اواخر شهر آب الفائت، والفيلم مقتبس من فيلم للمخرج أوتو بريمينغر بعنوان (تحليل جريمة قتل) في عام 1959.وهكذا أصبحت جوستين تريت ثالث مخرجة تفوز بالجائزة المرموقة، بعد جين كامبيون عام 1993 وجوليا دوكورنو عام 2021.

ويروي الفيلم قصة محاكمة امرأة متهمة بقتل زوجها، حيث يتم العثور على جثة الاب ملقاة على الثلج بالقرب من شاليه بعيد، ويتم اتهام الام الألمانية المولد ساندرا بقتل زوجها. وقد تم تصوير الفيلم بين وادي جبال الألب وقاعة المحكمة. ويُظهر الفيلم تحقيقًا للشرطة ولكن قبل كل شيء يغوص في عذاب الزوجين ويعمل على تشريح ادق المشاعر المشرقة منها والمعتمة. وتعكس شخصية ساندرا في الفيلم صورة لبطلة مؤثرة وغامضة. كما ان أداء الممثلة يترك مجالا للشك، ويبقى للمشاهدين مهمة تجميع قطع اللغز المليئة بالفروق الدقيقة.

تعيش الكاتبة من أصل ألماني ساندرا (ساندرا هولر) معزولة في الجبال لمدة عام مع صموئيل (صموئيل ثيس)، مدرس جامعي وابنهما دانيال البالغ من العمر 11 عامًا والذي يعاني من ضعف البصر. وبعد أن ينبهها ابنها، تكتشف وفاة زوجها بعد سقوطه من الطابق الثالث من الشاليه الخاص بهم. وعلى الرغم من الشك بين الانتحار والقتل، فقد تم اتهامها، لكنها تركت حرة مع ابنها، تحت إشراف موظف العدل، وتم تسمية دانيال كشاهد. وأثناء المحاكمة، يتم تشريح الحياة الزوجية لساندرا وصموئيل. وتقوم جوستين تريت بكتابة سيناريو الفيلم بالتعاون مع آرثر هراري، وهو أيضًا ممثل ومخرج، والذي شارك في كتابة سيناريوهات فيلميها السابقين،(فيكتوريا) في عام 2016 و(سيبيل) في عام 2019.

ويمكن تفسير عنوان الفيلم(تشريح السقوط) بتشريح حياة الزوجين في المحكمة حيث يلعب انطوان رينارتز دور المدعي العام بمواجهة سوان أرلود، صديق ساندرا المحامي،ويسلط الاتهام الضوء على إحباطات صموئيل وتوبيخه لرفيقته الكاتبة المتعثرة بينما تنشر بانتظام. وتعد خيانات ساندرا مصدرًا للصراع وقد تبرر جزئيًا عملها الإجرامي.

وتتمتع جوستين تريت أيضًا بالذكاء اللازم لإخراجنا من قاعة المحكمة، خلال مشاهد أكثر حميمية، وهو الاختلاف الرئيسي مع فيلم أوتو بريمينغر حيث تكون المحاكمة عمليًا هي المكان الوحيد في الفيلم. ويحيط بنا التشويق من البداية إلى النهاية حتى الحكم النهائي، وذلك بفضل السيناريو الجيد والممثلين الموهوبين والاخراج الديناميكي.

وقد اجرى موقع فرانس انفو حوارا مع المخرجة جوستين تريت جاء فيه:

·        "تشريح السقوط" هو فيلم بوليسي وفيلم تجريبي ودراما عائلية. ما هو التصنيف الأصح له؟

- إنه قبل كل شيء فيلم عن زوجين. فالمحاكمة هي ذريعة لتشريح الجوانب المشرقة والقاتمة من حياة الزوجين. وهذا الفيلم ليس فيلماً متشائماً بل يتحدث أبطاله مع بعضهم البعض، ويحاولون فهم بعضهم البعض، وهذا ليس هو الحال عندما لا يكون هناك حب.. ربما يكون العيش معًا وإنجاب الأطفال أمر معقد، لكني أؤمن بالحب والشهوة، ولا أقول أن هذا أمر مقزز. أحب أن آخذ المشاهد إلى أفق معقد ومعذب، حيث نغوص في أعماق الموضوعات. فالسينما هي المكان الذي نقول فيه الأشياء التي لا يمكن تلخيصها في تغريدة.

·        أثناء المحاكمة، غالبًا ما تتخذ جلسات الاستماع نبرة معادية للنساء ضد المتهمة ساندرا. هل يجب أن يُنظر إلى هذا على أنه نداء نسوي؟

- الفيلم نسوي لأنني امرأة، انا أكتب قصصًا عن النساء وأناصرهن. كما إن ساندرا، شخصية الفيلم الرئيسية، تتحكم في حياتها. إنها تعمل بشكل جيد ككاتبة ولاتعتمد على زوجها. وبما أننا لا نملك أدلة لاتهامها، فإننا نلاحظ طريقة حياتها. والقضاء هو المكان الذي يفرض الأخلاق على البشر. فعندما يكون هناك عنصر أو دليل مفقود في سياق المحاكمة، فإن طريقة حياة الناس هي التي يتم الحكم عليها هناك ولذلك أظهرت هذا الانجراف السائد تجاه هذه المرأة التي تتعرض للانتقاد لكونها حرة أكثر من اللازم.

·        فهل هذا أيضًا انتقاد للنظام القضائي؟

- عندما كنت أصغر سناً، اعتقدت بسذاجة أن الحقيقة تظهر أثناء المحاكمات. ثم من خلال حضور جلسات الاستماع، أدركت أن هذا نادرًا ما يحدث. إنه بالأحرى مكان لسرد القصص، حيث يتولى الآخرون حياتنا ويغيرونها.

·        يعتمد وقت المحاكمة بأكمله على أداء الممثلين. كيف اخترتهم؟

- عرضت الدور على سوان أرلود (الذي يلعب دور محامي الدفاع) لأنه يعكس الهشاشة على عكس النموذج الأصلي للمحامي الرجولي الذي نراه غالبًا في السينما. على العكس من ذلك، يجسد أنطوان رينارتز (الذي يلعب دور محامي الطرف المعارض)شخصية الشرير، الذي سيعذب بطلتي وهولايترك فريسته أبدًا. كما أضاف الفكاهة إلى شخصيته في نفس الوقت وكان ذلك واضحا.وهناك ساندرا هولر التي تحمل نفس اسم شخصيتها والتي يثير تمثيلها الشكوك حتى النهاية وقد كتبت لها هذا الدور لأن ساندرا هي الممثلة الأكثر مراوغة التي أعرفها، ولا أعرف من، باستثناءها، كان بإمكانه إعطاء هذا البعد لهذا الدور. فالشك جزء من الفيلم بأكمله. ولكي يستمر الأمر ولا نشعر بالملل، يجب أن نسأل أنفسنا باستمرار: هل هي مذنبة؟ هل يمكنها أن تفعل ذلك؟ لذا تقدم ساندرا أداءً مزدوجاً، ومثاليًا.

 

المدى العراقية في

13.09.2023

 
 
 
 
 

الثلاثة الكبار: 10 أفلام لا تفوت من كان وبرلين وفينيسيا 2023

أفلام في مهرجانات سينمائية كبرى (كان، برلين، فينيسيا) لعام 2023: past lives, fallen leaves, poor things

حسام فهمي

بنهاية شهر سبتمبر/ أيلول، يُسدل الستار على آخر المهرجانات السينمائية الثلاثة الكبرى في عام 2023، المكانة التاريخية للمهرجانات الثلاثة الأوروبية لم تأتِ فقط بسبب تواجدها في ثلاث دول مهمة جغرافياً وثقافياً وسياسياً على المستوى الأوروبي والعالمي، ولكن أيضاً بسبب القيمة السينمائية التاريخية للمهرجانات الثلاثة.

مهرجان برلين الذي يؤرخ لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية مع فرص لصعود أسماء لامعة جديدة في المشهد السينمائي العالمي، مهرجان كان بتقاليده الكلاسيكية ومحاولته لجمع أكبر الأسماء في عالم السينما، ومهرجان فينيسيا الذي تحول مؤخراً للحدث الأهم قبيل موسم الجوائز الأوسكاري. المهرجانات الثلاثة موزعة بشكل يبدو وكأنه مرتب مسبقاً ليحتل برلين الثلث الأول من العام، كان الثلث الثاني، وفينيسيا الثلث الأخير.

في القائمة التالية نرشح لكم 10 أفلام من حصيلة المهرجانات الثلاثة في دورات عام 2023، قد تكون سمعت عن بعض هذه الأفلام من قبل، وقد تزداد شهرة بعضها تدريجياً مع نهاية العام الحالي، وقد تلحق الشهرة بأحدها ربما بعد سنين من عرضه الأول، الشهرة ليست المعيار الأهم عزيزي القارئ، لكن الأهم هو أن يمنحك أحد هذه الأفلام بعض اللحظات الجيدة في يوم صعب.

1. Poor Things

الفيلم الأحدث لليوناني الفريد من نوعه يورغوس لانثيموس، سينما لانثيموس لا تشبه أحداً، سينما أصلية، يجدها البعض مزعجة، يجدها البعض في غاية المتعة، لكنها بالتأكيد طازجة.

في فيلمه الجديد يجمع لانثيموس طاقماً تمثيلياً مثيراً للاهتمام، فنجد إيما ستون رفقة مارك روفالو وويليام ديفو ورامي يوسف، حكاية فتاة تعود للحياة، عالم فانتازي مليء بالألوان والأحداث الغرائبية.

الفيلم حصد جائزة الأسد الذهبي لأفضل فيلم في مهرجان فينيسيا 2023.

2. Anatomy of a fall

فيلم الفرنسية جوستين ترييه المتوج بالسعفة الذهبية لأفضل فيلم في كان 2023 لا يستحق المشاهدة فقط بسبب كونه يمثل تتويج امرأة بجائزة احتكرها الرجال في 73 مرة من 76 دورة للمهرجان، لكنه يستحق المشاهدة قبل هذا كونه يمثل واحداً من أفضل سيناريوهات العام وأكثرها إنسانية.

بعض الأفلام تفتح لنا نوافذ على حيوات لم نعشها، وبعضها يضعنا كمشاهدين في ديلمة وسؤال أخلاقي يجعلنا نعيد التفكير في ما نؤمن به، هذا فيلم سيجعلك بالتأكيد تفكر طويلاً بعد مشاهدتك له.

حكاية تبدأ بامرأة متهمة بقتل زوجها، وابن كفيف هو الشاهد الوحيد، كيف تنتهي؟

3. Past Lives

الترتيب المنطقي عزيزي القارئ أن تجد فيلم دب برلين الذهبي في المرتبة الثالثة، لكن اختيارنا هنا يقع على فيلم المخرجة الكورية الكندية سيلين سونج، والذي يحمل اسم “حيوات سابقة”، الفيلم هو الأول لسونج كمخرجة، وبالتالي هو المرشح المثالي ليمثل الحصان الأسود الذي قدمته برلين لنا هذا العام.

لجنة التحكيم التي ترأستها كريستين ستيورات تجاهلت هذا الفيلم، ولكنه حصد احتفاءً نقدياً مذهلاً، لدرجة جعلته الفيلم الروائي الأعلى تقييماً على موقع Metacritic النقدي طوال العام.

فيلم سيلين سونج يذكرنا في لحظات بسينما ريتشارد لينكلاتر، تسكع رفقة أحباء سابقين، لكنه يحمل داخله ذكريات أصالة حكاية جيل جديد من المهاجرين في عالم يبدو أكثر تقبلاً لكنه يظل بشكل ما تائهاً في الترجمة.

4. Coup de Chance

الفيلم الخمسين لصانع السينما التاريخي وودي آلن، وفيلمه الأول وهو ابن 87 عاماً بلغة غير الإنجليزية، الفيلم الذي تدور أحداثه في باريس ويجمع فريقاً تمثيلياً فرنسياً تم عرضه بشكل خاص خارج المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا، آلن يعود هنا لأرض هو خبير فيها لكنه يزورها مرة كل بضع سنوات، أرض أفلام الخيانة والجريمة.

يتعرض آلن منذ سنوات لحملة مكارثية داخل هوليوود، حملة تعتمد على قضية وحيدة تم تبرئته منها مرتين، لكنها لا تهتم بالحقائق قدر اهتمامها بذبح الرجل وإرضاء التريند، لكنه كصانع السينما المستقل – ربما الأكثر إنتاجاً عبر التاريخ – يستمر ويجبر حتى كارهيه على نشر مراجعات نقدية عن هذا الفيلم واصفةً إياه بأنه أفضل أفلامه منذ 10 سنوات.

5. Fallen leaves

فيلم المخرج الفنلندي أكي كوريسماكي المتوج بجائزة لجنة التحكيم في كان يحببنا في رحلة لشخصين يلتقيان في أحد ليالي هلنسكي ويحاولان أن يجدا حبهما الأول.

أفلام كوريسماكي تعمل على مهل، تبدو وكأنها ليست مصنوعة في عصرنا الحالي، لكنها تظل قادرة على اعتصار لحظات من الحياة في شريط سينمائي.

هذا الفيلم قد تم اختياره أيضاً من الاتحاد الدولي لنقاد السينما “فيبريسي” كأفضل أفلام عام 2023.

6. El Conde

ماذا لو أن ديكتاتور تشيلي الأشهر مجرد نسخة من مصاص الدماء الأشهر الكونت دراكولا، الفيلم الأحدث للمخرج التشيلي بابلو لارين والحائز على جائزة أفضل سيناريو في فينيسيا يقدم نسخة مثيرة للاهتمام من الأبيض والأسود من حكاية الديكتاتور التشيلي أوجستو بينوشيه.

بابلو لارين تربى في عائلة لها انتماء واضح لليمين السياسي في فترة حكم الديكتاتور، لكنه شخصياً صنع شهرته كمخرج وصانع أفلام من خلال أعماله التي تنتقد فترة بينوشيه بأثر رجعي.

رغم هذه المعلومة التي قد تغير رأيك في أعمال المخرج، فإن هذا الفيلم بخياراته الإخراجية وفكرته الفانتازية يستحق مكانة في قائمة مشاهدات هذا العام.

7. Afire

منذ 3 أعوام بدأ المخرج الألماني كريستيان بيتزولد ثلاثية العناصر الرئيسية، في Undine اختبرنا عالم الماء، هنا نختبر النار. فيلم Roter Himmel أو سماء حمراء كما يبدو العنوان الأصلي والمتوج بجائزة لجنة التحكيم الكبرى في برلينالي 2023 يبدو في نصفه الأول وكأنه من كتابة وودي آلن، سخرية ذكية وكوميديا ممتعة عن كاتب لا يجد ما يكتب عنه.

لكنه في نصفه الثاني يعيدنا لثلاثية بيتزولد، حيث يبحث البشر عن الحب، ويعيدون اكتشاف العناصر الرئيسية في الحياة، فيلم تختلط فيه الضحكات بالدموع، ويقدم أداءً تمثيلياً مميزاً كالعادة في أفلام بيتزولد.

8. The zone of Interest

حتى الرجل الذي أشرف على قتل آلاف الأبرياء في معسكر العمل القسري النازي في أوشفيتز كان يحاول أيضاً أن يعيش رفقة زوجته في منزل بحديقة جميلة لأسرته وأطفاله.

فيلم جوناثان جلازر لا يحاول سرد التاريخ ومداعبة العواطف، لكنه يحاول أن ينقل لنا مشهداً اعتيادياً في أحد أكثر اللحظات سوداوية وغير اعتيادية في تاريخ البشرية.

الفيلم حصد جائزة لجنة التحكيم الكبرى في كان، بالإضافة لجائزة الفيبريسي لأفضل فيلم في مسابقة كان الرسمية.

9. Disco boy

في بداية العام وحتى أثناء مهرجان برلين ربما لم يحظَ هذا الفيلم بالتقدير الكافي، لكن مع حصاد المهرجانات الكبري يبدو أنه ترك أثراً في الذاكرة. الفيلم هو الروائي الطويل الأول لمخرجه الإيطالي جياكومو أبوروزي

الفيلم من بطولة فرانز روجوفسكي الذي يقدم بورتريه عن رجل يأتي من شرق أوروبا ليبيع روحه لكتيبة الأجانب في الجيش الفرنسي، الكتيبة الحقيقية التي تستخدمها الجمهورية الفرنسية حتى اليوم للقيام بأعمال خطرة ومظلمة في عديد من الأحيان خصوصاً في الدول التي لا تزال تستنزفها فرنسا داخل أفريقيا.

حالة أشبه بالحلم، موسيقى ورقصات تقوم بدور مهم على مستوى السرد، وأداء على قدر التوقعات من روجوفسكي، وتتويجاً لهذا حصدت مديرة التصوير الفرنسية إيلين لوفار جائزة الإبداع الفني عن سينماتوغرافي ديسكو بوي في ختام برلينالي 2023.

10. Hit man

فيلم ريتشارد لينكلاتر الجديد لا يحوي أحباء سابقين ولا أطفالاً يمرون بسنوات مراهقتهم كاملة أمام الشاشة، لكنه لا يزال يحمل لمسته الرقيقة في صنع فيلم يشبه الحياة خارج الصالات، الأمر هنا ليس بالسهل خصوصاً أنها في نوع فيلمي «هوليوودي» بشكل كبير، وهو نوع القتلة المأجورين، الفيلم يبدأ برجل يدعي أنه قاتل مأجور ليساعد الشرطة على القبض على القتلة المأجورين، لكنه يقع في الفخ رويدا رويداً ويصبح ما يدعيه.

فيلم لينكلاتر عُرض خارج المسابقة الرسمية في فينيسيا، لكنه يظل أحد أفضل مفاجآت المهرجان الإيطالي العريق.

أفلام يجدر الإشارة لها:

ما يجدر الإشارة له هو فيلم الدب الذهبي في برلينالي 2023 Sur l’Adamant للفرنسي الخبير نيكولا فليبير، والذي تدور أحداثه في شكل تسجيلي عن مركز علاج نفسي يرتكز بشكل رئيسي على العلاج بالفن، بالرسم، بالموسيقى، ومشاهدة الأفلام.

يضاف له فيلم Totem الفيلم الثاني لمخرجته المكسيكية ليلا أفيليز. الفيلم حصد جائزة لجنة تحكيم الإيكومينكال Ecumenical خلال فعاليات برلينالي 2023. وتدور أحداثه عن أسرة مكسيكية، نرى دواخلها في معظم فترات الفيلم من وجهة نظر الطفلة سول ابنة السبعة أعوام، التي تحضر رفقة الجميع في منزل الجد لحفلة مفاجئة لوالدها.

ومن مهرجان كان لا ننسى فيلم Killer of the Flower Moon، ولكن هل تحتاج لإشارة لفيلم مارتن سكورسيزي الجديد رفقة ديكابريو ودينيرو أو فيلم ديفيد فينشر الجديد The Killer في فينسيا رفقة فاسبندر؟ هذه الأفلام وما على شاكلتها تظهر في المهرجانات الثلاثة الكبرى كنوع من الاحتفاء، احتفاء يساعد على إلقاء ضوء على بعض الأفلام العظيمة التي لا تعرف أسماء صناعها حتى الآن.

 

موقع "إضاءات" في

30.09.2023

 
 
 
 
 

تجربة مهرجان كان والوعي بقيمة اكتشافات ودعم المواهب

خالد محمود

دون شك تشكل تجربة «برنامج الإقامة» الذى ينظمه مهرجان كان السينمائى لشباب السينمائيين، حدثا مهما وملهما وداعما لمبدعى السينما الجدد من مختلف الجنسيات والتيارات.

يستضيف البرنامج لعام 2024 خمسة مخرجات ومخرجًا واحدًا، سيقيمون فى باريس لمدة أربعة أشهر ونصف ويتلقون دعمًا شخصيًا للمساعدة فى كتابة سيناريو الفيلم الروائى الأول أو الثانى، بالقطع سوف تلهم أجواء مدينة النور أفكارهم التى ربما تشكل موجة سينمائية جديدة وتوقظ أحلام ربما كانت تخشى الكشف عن نفسها.

وقد سعدت بوجود المخرجة المغربية أسماء المدير، ضمن قائمة المختارين وهى إحدى المواهب العربية البارزة استطاعت بفيلمها «أم الأكاذيب» الذى تقاسم العام الماضى جائزة L'Oeil d'or (العين الذهبية) لأفضل فيلم وثائقى مع فيلم «بنات ألفة» للمخرجة كوثر بن هنية، أن تلفت الأنظار إليها ليخطفها المهرجان فى رحلة تبنى للإبداع.

المشاركون الآخرون ليس من بينهم أمريكى ولا حتى فرنسى وهو ما يعنى عدم الانحياز لجنسية، فقط للذين يملكون القدرة على الإبهار والتجديد فى إطار رحلة الاكتشافات، فالقائمة تضم أندريا سلافيتشيك من «كرواتيا»، تشاو هاو «الصين»، جيسيكا جينيوس «هايتى»، ديانا كام فان نجوين «الجمهورية التشيكية / فيتنام»، ميلتيس فان كوالى «بلجيكا».

فكر مختلف، فانتاج هؤلاء سيكون تحت رهن مهرجان كان وتكون العروض الأولى على شاشته، بالاضافة إلى التأثر بالثقافة الفرنسية، حيث مازالت فرنسا تؤمن ان الغزو الأول والاهم لوجدان العالم هو الغزو الثقافى.

برنامج «إقامة كان» جرى إنشاؤه فى عام 2000 على يد بيير فيوت» شغل منصب مستشار كبير فى محكمة التدقيق الفرنسية» وجيل جاكوب «المديرالاسبق لمهرجان كان»، وترأسته فى البداية سيلفى بيراس بينما تديره الآن ستيفانى لاموم والتى تقول «أن هذا العام، برزت خمسة مخرجات ومخرج واحد جميعهم لديهم الرغبة فى تنفيذ مشروعهم فى تلك الاقامة، من خلال الاستفادة من مساحة المعيشة هذه مدينة باريس، التى تعد موقعًا أسطوريًا للإبداع فى تاريخ السينما».

استضاف البرنامج حتى أكثر من 250 مخرجًا سينمائيًا من حوالى 60 دولة، كثير من المشاركين من قبل أكدوا أن تجربة الاقامة على المستوى الشخصى والمهنى، كانت أساسية بالنسبة لهم، ومن بين صانعى الأفلام السابقين الذين اجتازوا برنامج الإقامة فى كان، المخرجة اللبنانية نادين لبكى وكتبت سيناريو فيلمها الطويل الأول «كراميل» خارج البرنامج. وفازت بجائزة سيزار لعام 2019 عن فيلم «كفر ناحوم»، وكذلك اسماء مثل لوكريسيا مارتيل، وكورنيل موندروتشو، وسيباستيان ليليو، وأنطونيو كامبوس، وجوناس كاربينيانو.

سيقام المهرجان فى الفترة من 14 إلى 25 مايو، ومنذ إنشائه، كانت إحدى دعوات مهرجان كان هى استكشاف الإنتاج السينمائى من جميع أنحاء العالم والمساهمة فى تجديده، وعلى مر السنين، تم وضع عدد من المبادرات. اليوم، توفر هذه المبادرات عددًا من الفرص الرائعة للمهنيين الذين يعملون لصالح الإبداع الشبابى.

أكتب عن هذه التجربة وأتمنى أن تتحقق فى القاهرة يوما ما، فهى تستحق وأراها «مدينة نور» أيضا بتراثها ونيلها، وأدعو المؤسسات الإنتاجية ورجال أعمال لدعم تمويل التجربة اذا ما تحقق الحلم وقمنا بدعوة عدد من مواهب العالم السينمائى من الشباب وقمنا بدعوتهم للعيش بالقاهرة لمدة خمسة أشهر على الاقل لغزل أفكارهم وسيناريوهاتهم الجديدة، هنا سنعيد روح ثقافتنا وتاريخنا وكياننا الجغرافى إلى الواجهة عبر شاشات هؤلاء، وذلك سيعد نجاحا كبيرا.. هل يمكن أن يحدث ذلك قريبا.

 

الشروق المصرية في

08.10.2023

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004