ملفات خاصة

 
 

قبضة صغيرة تلكم وجه العالم فى «مالمو» بدورته الـ 13

المهرجان حمل قراءة مختلفة عبر برامجه لإنتاجات السينما العربية خلال عام

كتب: رامي عبد الرازق

مالمو للسينما العربية

الدورة الثالثة عشرة

   
 
 
 
 
 
 

فى الفيلم السورى «نزوح» تلقى زينة ذات الأربعة عشر شتاء بحجر إلى أعلى بلدتها المدمرة إثر الحرب، فيقفز الحجر فوق السماء التى لا تزال تحتفظ ببعض تماسكها، كأنه على سطح الماء الذى لم يعد يهبط إلى الأرض، وفى المغربى «ملكات» ترى الابنة الخنفسات الملونات يصعدن من جثة أمها التى قتلت على طريق الهرب من وجود شائك لم تختره، لكن فرض عليها عبر مجتمع ضاغط وغير منصف، وفى المصرى «19 ب» تبدو ابنة بواب الفيلا العجوز هى العنصر الإيجابى الوحيد الذى يقاوم محاولات السائس البلطجى أن يسيطر على الجدران التى تحمل رائحة الزمن الآخر.

وضمن مجموعة الأفلام التى عرضت خلال الفترة التى شهدتها مسابقات الدورة الـ 13 لمهرجان مالمو للسينما العربية بالسويد ثمة خيط ملون يخص العلاقة ما بين البنت/ الابنة والعالم الذى تقاوم خشونته إما بالخيال أو بقبضتها الصغيرة فى وجهه العكر.

18 فيلما طويلا و27 فيلما قصيرا من 12 دولة عربية تابعها جمهور المدينة الإسكندنافية الهادئة، كما اعتادوا منذ انطلاق المنصة الكبرى لعرض الأفلام العربية فى أوروبا، يجتاز المهرجان الشاب خطوات عقده الثانى بهدوء وتوازن، لا يدعى أكبر من إمكانياته وعاما بعد آخر يشكل قراءة مختلفة عبر برامجه لإنتاجات السينما العربية خلال عام/ موسم مهرجانى كامل.

رغم أن غالبية الأفلام التى عرضت ضمن مسابقات الأفلام القصيرة والطويلة والتسجيلية سبق لها أن عرضت متفرقة على شاشات المهرجانات العربية والدولية خلال العام المنصرم إلا أن برنامج مالمو منحنا فرصة طيبة لإعادة قراءة هذه التجارب عبر مقاربتها ضمن شاشة مسابقة واحدة.

ومن بين 12 فيلما عرضت فى مسابقة الأفلام الطويلة، ثمة 7 أفلام لمخرجات عربيات بعضهن يقدم تجاربه الأولى مثل المغربية ياسمين بن كيران بفيلمها ملكات، واللبنانية رينى رزوق بفيلمها «خط فاصل» الحائز على جائزة أفضل وثائقى، والجزائرية عديلة بن مراد بفيلمها الملكة الأخيرة- الفائزة بجائزة أفضل ممثلة- والسودانية سارة سليمان الفائزة بجائزة الجمهور عن فيلمها الوثائقى الأول «أجساد بطولية»، والتونسية أريج سهيرى بفيلمها «تحت الشجرة» الحائز على تنويه خاص من لجنة التحكيم.

إلى جانب التجارب الثانية لمخرجات مثل السورية سؤدد كعدان بفيلمها «نزوح» واللبنانية نورا كيفوركيان بفيلمها الوثائقى «بطاطا» الفائز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة.

بالطبع ثمة بعض التجارب التى أنجزها مخرجون مثل الفيلم المصرى «19 ب» لأحمد عبد الله، والفيلم القصير «ماما» للمخرج المصرى ناجى إسماعيل الحائز على جائزة أفضل فيلم قصير، والتى تحتوى على ذلك التلويح الأسطورى لقبضة الابنة الصغيرة وهى تلكم الواقع بمنتهى الصلابة- والهشاشة فى ذات الوقت- فى الحقيقة فإن كلا من ناهد السباعى بلكمتها لأحمد خالد صالح فى «19 ب» ومى الغيطى فى إخفائها جثة أمها طوال شهور حتى تبلغ سن الرشد الذى يمكن لها الحصول على الوصاية على أخيها، نقول صحيح كلتا الفتاتين تمثلان جوهر اللكمة التى نتحدث عنها، إلا أن المساحة الكبرى للخيط الملون الذى يربط بين التجارب المعروضة فى مالمو تربط ما بين تجارب من صنع مخرجات بالأساس.

من غير المنصف طبعا أن نعتبر برمجة الأفلام بـ«مالمو» هذا العام تميل للتحيز الجندرى، بالطبع هناك تنوع جغرافى واضح يغطى 12 دولة عربية، بل إن التجارب الأبرز فى حصد الجوائز هذا العام ذهبت لمخرجين رجال، حيث فاز العراقى «جنائن معلقة» لأحمد الدراجى بجوائز أفضل فيلم وسيناريو وتمثيل رجال لحسين محمد جليل، وفاز الفلسطينى «علم» بجائزة أفضل مخرج لفراس خورى، وفاز ناجى إسماعيل بجائزة أفضل فيلم قصير.

«زهرة وفراشة»

ثمة محيط خشن، مقبض وغير مريح، ثمة واقع جحيمى منفر وبلا مخرج، على الحدود اللبنانية السورية تقود ماريا الفلاحة السورية اللاجئة جرارها الزراعى فى طريق ممتد وهى تتساءل إلى متى سوف تظل هكذا تعيش فى خيمة بلا زوج ولا أسرة ولا وطن؟، هل قدر عليها أن تعيد هى وأسرتها وشعبها مأساة الفلسطينيين الذين طردهم الإسرائيليون من بلدهم الجميل؟، وتتساءل لماذا كل بلد جميل يأتى من يطرد أهله منه سواء كان محتلا أجنبيا أو وطنيا؟!، ينتمى فيلم «بطاطا» إلى ما يسمى بتسجيلية المعايشة، حيث صورته مخرجته طوال أكثر من 10 سنوات، وتابعت فيه قصة الحب ما بين عائلة الفلاح السورى أبو ماريا وبين العم موسى صحاب المزرعة الذى سبقهم إلى تيه النزوح عندما جاءت عائلته من أرمينيا فى بداية القرن العشرين فرارا من مذابح الأتراك.

تبدو ماريا مثل زهرة برية تنبت فى إصرار كلما دهستها الأقدام، فلا الفقر ولا المطر الذى يغتال دفء الخيام المرتبك ولا موت العم الراعى موسى رغم حزنها عليه، استطاعا أن يكسرا عودها الأخضر الممتلئ بعصارة الحياة، وهنا لا فرق بينها وبين خيال زينة فى «ملكات»، التى تعيد إنتاج أسطورة عيشة الكنديشة فى رحلة هروبها مع أمها المسجونة التى تكتشف ابنتها فى النهاية أنها هى نفسها الكنديشة، ولكن بعد أن تصاب بطلق نارى وتخرج من صدرها آلاف الخنافس الملونة فى مهرجان سحرى مؤلم.

وما الفرق بين عصارة ماريا الداخلية المفعمة بالحياة وبين أن تتخذ فراشة مثل مى فى فيلم «ماما» قرارا بإخفاء جثة أمها من العم والمجتمع الذى يرغب فى التحصل على شقيقها من أجل أن يتمدد نفوذه على الشقة التى تؤوى الأخوين؟، بل إننا يمكن أن نرى ماذا يمكن أن يحدث حين تتقشر بتلات الوردة فتنزف رحيقها ويتغضن عمرها الطرى، ونحن نتابع نيكول الفتاة اللبنانية التى يسحقها ميراث الجيل الثانى من أبناء الحرب الأهلية، فترسم جناحين بالوشم على ظهرها كفراشة، لكن غبار المخدرات يسحق كل محاولاتها لكى تطير أو ترفرف بهم، ويكفى أن نضع لقطات رغبتها فى التعافى عام 2011 التى صورتها لها المخرجة رينى رزوق- وهى ابنة خالتها فى الوقت نفسه- فى بداية فيلمها «خط فاصل»، ثم مدى انكماش النور فى عينيها عقب 10 سنوات من التعاطى المستمر لكل ما هو سام وموحش وأسود، من مخدرات وعلاقات وأزمات أفقدتها هوية روحها وبوصلة جسدها وضوء ابتسامتها الملونة.

من غير المنصف أن نتصور أن أفلام مالمو جاءت لتحتفى بوجع الفراشات أو اهتزاز قبضاتهن فى وجه ريح الزمن القاتم، بل بقليل من التروى يمكن أن نلمس أسئلة كثيرة خلف كل رحلة اجتازتها أو حاولت تجتاز أميالها الخشنة كل فتاة/ ابنة من بطلات الأفلام، سؤال الخيال والحرب كما فى «نزوح» أو سؤال الأم والوصاية كما فى «ماما» و«خط فاصل» و«ملكات»، أو سؤال الثورة كما فى «أجساد بطولية» و«19 ب»، إن ما يجمع كل هؤلاء البنات حقا هو تلويحهن بقبضات صغيرة فى محاولة الإجابة عن كل الأسئلة الكبيرة الصعبة والمغلقة.

 

المصري اليوم في

10.05.2023

 
 
 
 
 

مهرجان مالمو للسينما العربية.. التمدد أفقيا بعد إضافات وإلغاءات

د. أمل الجمل

وصلتني ليلة أمس رسالة عبر الإيميل من مهرجان مالمو للسينما العربية تطلب مني تقييم الدورة الثالثة عشر والتي امتدت بالفترة بين ٢٨ أبريل - ٤ مايو ٢٠٢٣. تضمن الاستبيان أسئلة عديدة تراوحت بين البحث عن الإيجابي والسلبي، والمميز لهذه النسخة، إضافة للمقترحات التي قد تضيف للدورات المقبلة. أعتقد أن الرسالة وصلت لجميع المشاركين بهذه الدورة من ضيوف سواء كانوا نقاد أو صناع أفلام.

شخصياً، أرى أن المهرجانات والأشخاص الجادين الطموحين الساعيين للتطور، والراغبين في التميز دائما يفعلون ذلك، يبحثون عن السلبي أكثر من رغبتهم في الاستماع للجيد أو العظيم في عملهم، لأن معرفة الأخطاء هو الذي يدفع لتلافيها وتطوير جوانب الضعف.

التطور كان واضحاً لي، عبر المقارنة. فقد حضرت دورتين سابقتين من مالمو للسينما العربية، في الأولى شاركت في التحكيم الوثائقي، والثانية ساهمت بدراسة ونقاش في لقاء جمع بين النقاد العرب ونظرائهم من الدول الاسكندنافية. غبت عدة أعوام ثم عدت للمشاركة في التحكيم على المشاريع القصيرة في مرحلة التطوير. كانت تجربة ثرية، شعرت بفارق كبير في البرمجة، وفي البرامج الموازية للعروض.

أرى بوضوح، أن المهرجان الآن يهتم بالصناعة، بالدعم، بمحاولة التشبيك بين الأطراف العربية والموزعين أو المنتجين الأوروبين. هذا لا يقلل من أهمية العروض خصوصاً إذا كانت تثير نقاشات عقب العروض، لكن، للأمانة، لاحظت أن الجمهور كان حضوره متفاوتا بين عرض وآخر، ومشاركاته في النقاشات - على الأقل بالأفلام التي حضرتها - لم تكن أسئلته أو تعليقاته لافتة أو على قدر مستوى بعض الأفلام أو كما أشاهد بمهرجانات أوروبية، مما أحبط بعض صناع الأفلام، كان هذا واضحاً في الكواليس. لذلك أقترح أن يضع منظمو المهرجان نصب أعينهم فكرة الاهتمام بالجمهور.

الحقيقة، في تقديري الشخصي، أن الجانب الخاص بالصناعة الذي يهتم به رئيس مهرجان مالمو المخرج والمنتج محمد قبلاوي، هو الأهم في تقديري، ليس لأنه يُقدم دعماً مالياً، فهذه الحصة ضعيفة جداً، لكن الأهمية تنطلق من كونها قد تفتح أبواباً جديدة للمشروع الفائز، فيتمكن من الحصول على دعم أفضل من جهة ذات وزن ثقيل.

كذلك تتجلى أهمية الدور الذي يلعبه المهرجان في النقاشات التي تدور من حول المشاريع المتقدمة سواء من أعضاء لجنة التحكيم الذين تتنوع خبراتهم بين النقد والإخراج والإنتاج أو التوزيع، أعتقد أنها مفيدة جدا لتطوير مشاريع السيناريوهات، لأن صناع المشروع يحتكون مباشرة مع أطراف من الواقع والعملية الفنية. كذلك اللقاءات التي أتاحها المهرجان هذا العام بين صناع الأفلام والخبراء من الدول الأوربية، لقاءات فردية وثنائية، وأحيانا جماعية. كان شيئاً جميلاً يشبه خلية النحل، وأعتقد أنه أفاد صناع الأفلام.

من زاوية أخرى، كانت هناك نقاشات ثرية حول الاقتباس في السينما والاختلاف عن الرواية، أو بالأحرى ضرورة خيانة الرواية لصالح السينما، وتقديم دراسة حالة عن فيلم «بركة العروس»، والاحتفاء بتجربة السوداني «وداعاً جوليا» الذي سيعرض في مهرجان كان بعد أيام قليلة، والحقيقة أن جميع الأطراف المشاركين بهذه النقاشات كانوا على مستوى يليق بالنقاش من زاوية نقل خبراتهم والإجابة بموضوعية وتفهم على كافة التساؤلات، بإيقاع متوازن جيد.

بشكل عام، سعدت بتجربة حضور هذه الدورة، لذلك صبيحة يوم الختام التقيت رئيس المهرجان محمد قبلاوي، وطرحت عليه بعض التساؤلات عن التحديات فقال: منذ اليوم الأول لتأسيس المهرجان يظل التحدي الأول هو كيف نؤمن الميزانية.

·        رغم أنك صنعت مكانة للمهرجان في المنطقة الاسكندنافية لازلت قلقا بشأن الميزانية؟

قبلاوي: لأن هناك روتين محدد، في كل دورة لابد أن تُعاد هذه العملية كأننا نبدأ مهرجاناً جديداً. يمكننا أن ننظم مهرجان بأضعف الإيمان، لكن دائما طموحنا أن نكون أفضل وأكبر. التحدي الأكبر أننا كنا نعمل بميزانية 2019 أي ما قبل كورونا، لكن بأسعار 2023.

·        أسعار ما بعد الكوارث التي حدثت في العالم من حروب وكورونا وتضخم مالي

قبلاوي: نُصر على الجودة، نبحث عن اختصار لا يُؤثر في الجودة. مثلاً تقليل عدد الضيوف، لأن الفنادق وتذاكر السفر تستهلك الكثير من الميزانية. أخذنا بعين الاعتبار ملاحظات الضيوف بالدورات السابقة، فالبعض لم يستطيع حضور كل الأفلام بسبب الضغط الكبير في العروض. كان هناك أربع قاعات. هذا العام خصصنا قاعتين وأحياناً ثلاثة صالات، ثم جعلنا العروض تبدأ في المساء بعد انتهاء أيام مالمو لصناعة السينما التي خصصت لها الفترة الصباحية حتى منتصف النهار، لأنه هناك ناس لديهم رغبة في حضور الندوات و«البيتش» Pitch، وقمنا بتمديد العروض حتى الواحدة بعد منتصف الليل. هذا يصنع فارقا، نستطيع أن نقول المهرجان أصبح كبير أفقيا. وهذه السنة كان حضور الجمهور أفضل من السنة الماضية.

·        الفيلم السوداني «وداعا جوليا» الذي سيعرض في مسابقة كان بعد أيام قليلة، حصل على الدعم في قسم ما بعد الانتاج «البوست برودكشن»، لماذا هذا العام اختفى هذا القسم؟

قبلاوي : «وداعا جوليا» تحصل على دعم في مرحلة التطوير، ثم عاد مرة آخري وتحصل على دعم في البوست برودكشن. التوقف له علاقة بالميزانية، لأنه كان يستهلك جزءاً كبيراً جدا من ميزانية المهرجان والسوق، لذلك ركزنا على موضوع التطوير، خصوصا أن هناك أمر - كنت أتحفظ أن أقوله إعلاميا لكنني سأقوله هذه المرة - أغلب الجوائز في «البوست برودكشن» تكون خدمات، وفي بعض الأحيان لم تكن الجوائز تحقق الغاية منها، بسبب بُعد المسافة بين الفائز والبلد التي تقدم الجائزة، مثلا لو هناك صانع أفلام لبناني تحصل على جائزة لعمل الصوت في تونس، هنا صانع الفيلم سيتكلف أكثر إذا سافر إلى تونس، من هنا سوف ستفقد الجائزة معناها.

·        هل هذا قرار بالتوقف الدائم للجائزة؟

قبلاوي: لا.. هناك إعادة تفكير، في العام القادم سنعيدها، لكن ستكون الجوائز - «كاش» - أموال مدفوعة وليست جائزة خدمية.. حتى العام الماضي كان هناك جائزة خدمية في التطوير لكن هذا العام قمت بإلغائها.

·        لماذا؟

قبلاوي: لأنه ربما تكون الجائزة المالية أقل لكنها ستكون فعَّالة، فمثلا 15,000 دولار هي جائزة تعني شيئا مع صانع أفلام يبدأ حياته، كذلك أيضا 6000 دولار كاش إذا تحصل عليها صانع الأفلام في مرحلة «البوست برودكشن»، قد تعني له شيئا أفضل من الخمسين ألف دولار التي تقدم على شكل خدمات لكنها ربما لن تتحقق.

·        هل توضح أكثر؟

قبلاوي: أنا ابن المهنة، أحيانا الناس تصبح مدينة بثلاثة آلاف دولار حتى تُكمل فيلمها. فإذا تحصل على 5000 دولار سوف يُسدد ديونه ويتحصل على 2000 زيادة.. ففي رأيي أن الجائزة المالية الكاش هي أكثر فائدة لصانع الأفلام. الأهم أنه أحيانا ينشأ خلاف حولها، وهذا يحدث في جوائز التوزيع فمثلا يوم أن تقدم المشروع للجائزة وربحها كان بمستوى معين، لكن عندما ينتهى الفيلم أحياناً يُصبح مستواه أعلى فيتلقى عرضاً أكبر للتوزيع، فنحن بذلك سوف نتسبب في خسارة صانع الفيلم. من ثم يرفض المخرج الجائزة الأولى وهنا تظهر المشاكل. لذلك أرى أنه من الأفضل لصانع الأفلام أن ينتظر فلا يتقدم لجوائز التوزيع حتى ينتهي من «البوست برودكشن»، ليختار بشكل أفضل ولصالح الفيلم، لأنه ربما يتحصل على جائزة قيمتها 20,000 دولار لكن عندما ينتهي من الفيلم قد يحصل على عرض توزيع يعادل 100,000 دولار. هناك تفاصيل كثيرة أشعر أننا في غنى عنها فنبحث عن حلول وبدائل أخرى، فمثلا بعض الشركات أعطت جائزة مونتاج لمشروع ما بخمسين ألف دولار، لكنها فيما بعد أغلقت لسبب ما، فمن سيكون المسؤول أمام الفائز أو صناع الفيلم.. فنحن ليس لنا دخل، لكن الفائز سيأتي إلينا لأنه حصل على جائزة في مهرجان مالمو، اكتشفنا وجود تفاصيل ومشاكل أحيانا يصعب التحكم فيها فمن الأفضل البحث عن بدائل أخرى تُفيد صناع الأفلام.

·        فماذا عن طموحك للدورات القادمة؟

قبلاوي: عندي طموح أعمل عليه منذ عامين تقريبا، له علاقة بإقامة صندوق إضافي له علاقة بالإنتاج، ليس بالتطوير أو ما بعد الإنتاج.. ويكون مختص بسينما الأطفال.

·        تريد أن تنتج سينما للأطفال؟ هل دور المهرجان أن ينتج؟

قبلاوي: لا.. ليست الفكرة أن نقوم نحن بالإنتاج، لكن أن نعطي جائزة مثلا 50,000 دولار، لمشروع للأطفال فيبدأ الإنتاج. لانه للأسف نحن نعاني من عدم وجود سينما للأطفال في الوطن العربي. هناك أفلام يُمثل فيها الأطفال لكنها للكبار ولا تخاطب الطفل. تجارب السينما الموجهة للأطفال أو التي تخاطب الأطفال في الوطن العربي معدودة واعتبرها تجارب مريرة.. بينما أنا أعيش في منطقة بها اهتمام شديد بسينما الأطفال، منطقة السويد النرويج الدنمارك.. فأغلب سينما الأطفال والشباب واليافعين تأتي من هذه المنطقة أساسا. البعض يقول أنه لدينا مهرجان أطفال وأنا أرد: إذا كان لديك مهرجان للأطفال فليس عندك فيلم عربي واحد يخاطب الأطفال.. أنت تُحضر الأفلام من أوروبا وتعرضها في المهرجان الذي تنظمه كل عام الماضي، فأنا حضرت مهرجانات للأطفال ووجدت أفلاماً أنا كنت عرضتها في مهرجان مالمو، حتى الآن أتسائل، وأريد أحداً يشرح لي: لماذا لا يوجد لدينا سينما للأطفال؟ لماذا لا نُنتج سينما تخاطب الأطفال؟ لماذا؟

 

موقع "مصراوي" في

13.05.2023

 
 
 
 
 

"الجنائن المعلقة": تداعيات الغزو الأميركي للعراق

علي لفتة سعيد

حصل الفيلم العراقي "الجنائن المعلقة" على ثلاث جوائز في الدورة الثالثة عشرة لمهرجان مالمو للسينما العربية، التي اختتمت أخيرًا، منها جائزة أفضل فيلم روائي طويل، وجائزة أفضل سيناريو، وجائزة أفضل ممثل. وهو ما يعني كما يقول بعضهم اتجاه السينما العراقية نحو العالمية إذا ما توفرت لها الظروف ووسائل إنتاج ودعم متواصل.

سيناريو الفيلم والإخراج لأحمد ياسين الدراجي، وهو بإنتاج ودعم عراقي وبريطاني وفلسطيني ومصري وسعودي. يعكس الفيلم صورة الواقع السياسي الذي يعيشه العراق في مرحلة ما بعد الغزو الأميركي عام 2003. وفكرة الفيلم، كما قال المخرج ذاته، ردّة فعل على مشاهدته لفيلم أميركي يسيء إلى العراق، ويظهر أميركا كقوة عظمى، لذا حمل فيلمه سرياليةٌ واضحةُ، خاصة أن المخرج درس صناعة الأفلام في كل من بغداد ولندن، من ضمن مجموعة غادرت العراق للدراسة في فرنسا، أو إنكلترا، أو ألمانيا، أو كندا، أو هولندا. الفيلم ينتمي إلى الأفلام السياسية، والعنوان كان سخرية من الواقع العراقي الذي كان جنائن معلّقة ذات مرة... وتدور القصة حول رحلة ستة أيام عندما يستيقظ أسعد (11 عامًا)، وطه (28 عامًا)، مع أول دعوة للصلاة لشق طريقهما إلى الطمر الصحي (جنائن معلقة)، وهي عبارة عن خليط سام من تلال النفايات التي تحشو معدة الأرض، وتحتضن مئات العائلات، ليعثر المراهق أسعد على روبوت دمية أميركية بحجم إنسان، ويعرضها على طه كهدية لإشباع رغبته العاطفية، ليهاجمه طه بتهمة خرق الأعراف والقوانين الأخلاقية. وبالصدفة، يكتشف أمير (18 عامًا) الدمية، وعلى الفور يعي قدرتها، ليجبر أسعد على العمل معه بالشراكة. تنجح تجارتهما، وتدر كثيرًا من المال عليهما، ليدرك أسعد أنه مستغل. تختطف الدمية بدوافع الغريزة، فيخاطر أسعد بحياته لإنقاذها، متخفيًا من عيون وألسنة المجتمع التي تطارد طه وتطالبه بالتصرّف وغسل العار. يهرب أسعد محاولًا حماية الدمية إلى ناقلة الجنود الأميركية المهجورة، ملجأه في الجنائن المعلقة. لكن الأوان فات، ودفنت الدمية مع جميع أحلامه، ليبدأ أسعد رحلة بالبحث عن دميته المخطوفة.

الفيلم الذي هو من تمثيل حسين محمد جليل (أسعد)، ووسام ضياء (طه)، وأكرم مازن علي (أمير)، وجواد الشكرجي (جمعة)، يناقش التابوات الثلاثة بزوايا مختلفة، من خلال تجار الخردة والموت.

"الفيلم يناقش الأحداث التي وقعت في العراق بعد عام 2003، وما صاحبها من احتلال ومقاومة وعصف في يوميات الأسرة العراقية، معتمدًا أسلوبًا جمع بين الواقع والفانتازيا"

هذه الفيلم يعالج أيضًا أزمة وجود الأميركيين في العراق إثر غزو البلد، وما حصل بسببهم، فبسبب اليتم، ونقص الحنان، تكون الدمية المعادل الموضوعي لوجود ثقافة غربية أميركية تحديدًا في الواقع العراقي الجديد، وبالتالي فهو يبحث عن رؤية عراقية لما حوله، وليس استنساخ التجارب. وهذا ينطوي، كما صرح مساعد المخرج وارث كويش، على جانب سياسي "فقد أردنا أن نشيد بضحايا ثورة تشرين؛ معظمنا شارك في تلك الثورة، ولا يمكننا أن ننسى كيف تعرض الشباب للاضطهاد والقتل من قبل الميليشيات والقوات الخاصة العراقية، فقط لأنهم وقفوا مطالبين بحقوقهم، وبمجتمع أفضل، وبالقضاء على الفساد".

سينما ما بعد الغزو

يقول الباحث الدكتور حسين الهنداوي إن هذا النجاح يعزز انطلاق السينما العراقية نحو العالمية، بعد أن حققت أفلامًا خلال العقدين الأخيرين على أيدي نخبة من الفنانين الموهوبين، في مقدمتهم المخرج محمد الدراجي، عبر عدد من الأفلام من بينها "ابن بابل"، و"الموصل"، و"الرحلة"، والذي فاز بجائزة في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي، والمخرج قتيبة الجنابي بأفلامه: "رجل الخشب"، و"أرض الخراب"، والمخرج مهند حيال وفيلم "شارع حيفا" الحائز على جائزة أفضل فيلم في مهرجان بوسان السينمائي الدولي، والمخرج حيدر عرفان رشيد الذي عرض فيلمه الروائي الخامس "أوروبا"، ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، بعد أن كان قد عرض عالميًا في الدورة الرابعة والسبعين لمهرجان كان السينمائي، والمخرج قاسم عبد مع أفلام عدة أشهرها "حياة ما بعد السقوط"، والمخرج رعد مشتت مع فيلمه "صمت الراعي" الحائز على جائزتي أفضل مخرج، وجائزة لجنة التحكيم في "مهرجان عين لندن" للسينما العالمية، والمخرج مهند حيال مع فيلمه الروائي "شارع حيفا" الحائز على جائزة أفضل فيلم في مهرجان بوسان السينمائي الدولي، وجائزتي أفضل فيلم عربي، وأفضل أداء تمثيلي من مهرجان القاهرة السينمائي، وكذلك فيلمه القصير "عيد ميلاد"، والمخرج حيدر عرفان رشيد وفيلم "أوروبا" ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، والمخرجة ميسون الباجه جي التي فاز فيلمها "نهرنا... سماؤنا" بجائزة الفيلم المسكوني لعام 2023 في ألمانيا، والمخرج علي كامل وفيلمه الوثائقي "ظلال الذاكرة"، والمخرج عباس فاضل مع فيلم "يارا"، والمخرج علي هاشم حسين في فيلمه الروائي الوثائقي "روح السينما"، والمخرج علي عساف وفيلمه "أنا هي... أنا هو"، والمخرج جمال أمين مع فيلمه "فايروس"، والمخرج فاروق داود مع فيلمه "ذاكرة وجذور".

قالوا في الفيلم

يقول الناقد السينمائي علي حمود الحسن إن الفوز في حدّ ذاته يعد دعمًا لسينما لم تجد بوصلتها بعد.وأضاف أن الفيلم سبق أن فاز بجائزة النسر الذهبي في مهرجان البحر الأحمر في عام 2022، وشارك في مهرجان فينيسيا السينمائي بدورته الـ79، وقصته تناقش الأحداث التي وقعت في العراق بعد عام 2003، وما صاحبها من احتلال ومقاومة وعصف في يوميات الأسرة العراقية، معتمدًا أسلوبًا جمع بين الواقع والفانتازيا، من خلال قصّة نبّاشي نفايات يعملون في جمع المواد البلاستيكية والعلب الفارغة، وبيعها إلى متعهّدي معامل التدوير، يعثر صبي على لعبة من السيليكون بحجم كبير في موقع أميركي لمكبّ النفايات يحتفظ بها لتبدأ المشاكل والصراع بين الصبي، وبين تاجر القمامة، مشيرًا إلى أن الدمية تنفتح على أكثر من تأويلٍ رمزي، فالطفل الصغير يتصورها أمه وآخرون اهتموا بها إيروسيًا.

ويقول الكاتب والفنان محسن عواد: إن اختيار عنوان الفيلم "جنائن معلقة" جاء تهكّميًا فاضحًا لما آل إليه وضع العراق، حيث يتحوّل اسم الجنائن التي بناها نبوخذ نصر لحبيبته الفارسية، وأصبحت من عجائب الدنيا السبع، إلى أكوام القمامة الهائلة عند قاعدة أميركية مهجورة، وهو ما يرمز إلى التردّي الفاضح لوضع العراق، ويحمل رمزيةً غاية في العمق والجمال.

ويقول المخرج والممثل السينمائي المقيم في السويد باسم صباح الباسم: إن الفيلم امتاز بطرحٍ جريء تجاوز فيه كثيرًا من الحدود، وتابوات الجنس والدين والسياسة، التي قد تكون مناطق ملغومة بالاعتراض والتأويل الخاطئ التي قد توصله إلى تفسيراتٍ بعيدةً عن الرسالة الاجتماعية للعائلة، من خلال خوضه لمناطق شائكةٍ، منها سطوة المتديّنين كذبًا. ولفت إلى أن اختيار عنوان الفيلم "جنائن معلقة" جاء بطريقةٍ تهكمية تقابلها أكوام القمامة الهائلة عند قاعدة أميركية مهجورة، ويقصد بها التردّي الفاضح لوضع العراق، لكن بصورةٍ  تخلو من الجمال. وأعرب عن تمنيه لو أن الفيلم يمثل السينما العراقية بطريقةٍ أقلّ قسوةٍ، وكان على المخرج النظر إلى العراق بطريقةٍ أقل تشنجًا لكي تعود للسينما العراقية إلى بهائها.

 

ضفة ثالثة اللندنية في

14.05.2023

 
 
 
 
 

الغلاف بريشة التشكيلية السعودية نور هشام السيف

تقديم كتاب "المرأة مستقبل السينما العربية" من مالمو

البلاد/ مسافات

شكّلت الدورة 13 لمهرجان مالمو للسينما العربية الذي يقام سنويا في السويد مشاركة سينماية مميّزة كانت هذا العام بـ45 فيلما من 12 دولة من بينها المملكة العربية السعودية.

يعدّ المهرجان، تواصلا متفرّدا مع المهتمين بالسينما في كل المجالات ومنها البحثية حيث أطلق على هامش فعالياته الباحث اللبناني إبراهيم العريس كتابه الجديد بعنوان "المرأة مستقبل السينما العربية"، طرح فيه بشكل كرونولوجي تاريخ السينما العربية المؤنثة التي طوّرتها مخرجات عربيات انطلق البحث مع أول فيلم عربي "ليلى" من إخراج عزيزة أمير وكان التناول البحثي مركّزا على التقنية والتفاعل البصري والرؤية الاخراجية والتحدي الجمالي الذي كسر فكرة الحدود الاجتماعية التي قد تعيق الابداع أو ترمي إلى التحفظات البصرية نوعا ما من حيث الانطلاق بحرية نحو الفكرة الاخراجية ذات التطلعات المتجدّدة وهو الحضور الذي تكامل معه مسار الإخراج للمرأة إلى يومنا هذا.

وتجدر الإشارة إلى أن أغلفة الكتاب صمّمتها الفنانة التشكيلية السعودية نور هشام السيف والتي كانت حاضرة ضمن فعاليات المهرجان والتي تعتبر من بين الفنانات البارزات في الساحة التشكيلية السعودية المعاصرة حيث لها حضور فني كثيف وشامل وإطلاع معمّق على السينما بالتوازي مع الفنون التشكيلية لها مقالات سينمائية معمّقة ومشاركات ومعارض تشكيلية مميّزة فردية وجماعية داخل وخارج المملكة. 

كان الطرح الذي تناوله العريس مبنيا على التأريخي ومتبوعا بالتحليلي خاصة وهو يحيط التجربة بالأنموذج المصري المفتوح على التجريب والمركّز على الانفتاح على فكرة السينما وهو ما بدأبه القسم الأول المرأة في تاريخ السينما العربية.

ثم وفي طرح مواز اختار أن يضع تجربة سينما المرأة الفلسطينية على محك الاحداث والوقائع والتطلعات الأخرى التي تكون ممزوجة بالأرض والحضور والمقاومة وهنا ركّز على تحوّلها مع كل تلك العلامات والرموز من حضور إلى ذات وكيان قادر على صناعة رؤيته بعيدا عن التصنيف بين مسمى سينما المخرجين والسينما النسوية.

كما ركّز العريس في قسم آخر من حضور السينما الفلسطينية على "سينما الوارثات أو جيل ما بعد التأسيس.

وفي قسم آخر طرح سينما المرأة اللبنانية مشيرا إلى سرعة تحوّلها من محلية إلى عالمية من خلال التكريمات الدولية التي حصلتها ومشاركاتها ضمن فعاليات مهرجان كان السينمائي.

ثم أشار في بحثه وتحليله إلى السينما السعودية وسينما المغرب العربي تونس والمغرب.

قدّم العريس بحثه بشكل سلسل ولغة متواترة بين التاريخ والحدث وبين الفكرة والفيلم وبين الشخصية والمحتوى فكان بحثا متمايزا وطرحا استطاع ان يفتح أكثر من أفق وتساؤل ممهّدا الطريق لبحوث أكثر تعمّقا وتخصصا.

 

البلاد البحرينية في

14.05.2023

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004