ملفات خاصة

 
 
 

7 دروس سينمائية و6 ندوات موازية: الدورة التاسعة لمهرجان الأفلام السعودية

كتب: رامي عبد الرازق

مهرجان أفلام السعودية

الدورة التاسعة

   
 
 
 
 
 
 

على مسرح سوق الإنتاج داخل القاعة الهائلة التى يضمها مركز الملك عبدالعزيز الثقافى (إثراء) بالظهران، تابع ضيوف الدورة التاسعة لمهرجان الأفلام السعودية لقاءً معلوماتيًّا مع مجموعة من القائمين على المهرجان، أبرزهم أحمد الشايب، المدير الفنى، وذلك تحت عنوان قابض على الفضول ومحفز للبحث: «ماذا بعد 1000 فيلم سعودى؟».

لاشك أنه كانت للسؤال صيغة أخرى تلمع فى أذهان الضيوف: «هل هناك 1000 فيلم سعودى بالفعل؟»، هل أنتج صناع الأفلام السعوديون ما يقرب من 1000 فيلم منذ انطلاق أولى دورات المهرجان عام 2008، والتى جاءت كثمرة للتعاون بين الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بالدمام والنادى الأدبى بالدمام، والتى لقيت وقتها ترحيبًا واسعًا من صنّاع الأفلام السعوديين، وأتاحت لهم فرصة عرض أفلامهم، التى بلغت 44 فيلمًا تنافست على جوائز 3 مسابقات فقط آنذاك: مسابقة الأفلام الروائية القصيرة، ومسابقة الأفلام الوثائقية القصيرة، ومسابقة السيناريو.

44 فيلمًا تقدمت للدورة الأولى، وعُرضت بالكامل دون تصفية أو استبعاد، وفازت بجوائزها مجموعة من الأسماء المهمة، التى سوف تتصدر المشهد السينمائى السعودى فيما بعد، وأبرزهم المخرج عبدالله العياف، الذى حاز فيلمه الوثائقى المهم السينما 500 كلم جائزة النخلة الذهبية، والسيناريست هناء العمير عن سيناريو فيلمها هدف، ليعود «العياف» ليتولى عام 2020 رئاسة هيئة الأفلام السعودية، وهى الجهة المنوط بها الإشراف على تأسيس ودعم وتمويل ما يمكن أن نطلق عليه صناعة السينما فى المملكة، بينما أصحبت «العمير» رئيس جمعية السينما، المنظم الأساسى للمهرجان فى دوراته الأخيرة، وصولًا إلى التاسعة.

وكنتيجة طبيعية لربكة المخاض بالنسبة لأى فترة تحولات فى بلد كبير، لم يتم تنظيم الدورة الثانية من المهرجان سوى عام 2015، ولولا التوقف لكان المهرجان يحتفل هذا العام بالدورة السادسة عشرة، ولما بدا سؤال الألف فيلم سعودى مطروحًا بهذا الشكل المحير!، وتدريجيًّا بدأت الملامح الأصيلة للتظاهرة تبرز وتتشكل عبر انتظام دورات المهرجان منذ ذلك التاريخ حتى العام الحالى.

معلومات وأرقام

ظلت الجمعية السعودية للثقافة والفنون تستضيف فى مسرحها البالغ 450 مقعدًا دورات المهرجان عامى 2015 و2016 إلى أن جاء عام 2017 بتوقيع الشراكة مع مركز الملك عبدالعزيز «إثراء»، وهو ما يمكن أن نعتبره الذراع الثقافية لعملاق النفط السعودى أرامكو، ويقع المركز فى مدينة الظهران، حيث المقر الرئيسى لـ«أرامكو» بالمنطقة الشرقية السعودية، ويتخذ من شكل أول بئر بترول تم استخراج النفط منها بالمملكة شعارًا له.

انتقل المهرجان مع دخول مركز إثراء إلى مرحلة جديدة من النمو والحضور اللافت، وكانت المملكة تخطو نحو المرحلة الجديدة بشكل واضح، حيث تقدم للمهرجان فى دورته الرابعة 136 فيلمًا، عُرضت منها 59 فيلمًا بمشاركة 47 مخرجًا و12 مخرجة سعودية، وكان المهرجان منذ دورته الثانية قد أضاف ضمن مسابقاته مسابقة لأفلام الطلبة، وصار يحصد سنويًّا حصيلة ما زُرع، بالإضافة إلى تشكيل سوق الإنتاج التى سوف تصبح لاحقًا عنصرًا أساسيًّا من عناصر البيت المهرجانى بشكل متطور وبصورة تعكس حجم السعى وراء اللحاق بما فات من عمر المهرجان ما بين دورتيه الأولى والثانية.

ملامح الدورة التاسعة

يمكن القول إن مهرجان الأفلام السعودية خلال الدورات الأخيرة قد تحول إلى أهم مهرجان محلى/ قومى يُقام فى المنطقة العربية، متجاوزًا بذلك مهرجان طنجة الوطنى فى المغرب، والذى كان يُعد التظاهرة السينمائية المحلية الأبرز فى بداية العقد الماضى، ولسنوات عدة، قبل أن يتراجع نتيجة سوء الإدارة الثقافية على خلفية التخبط السياسى الذى شهده المغرب مع صعود الإخوان إلى الحكم، ومع توقف مهرجان الخليج السينمائى قبل سنوات وانتكاسة المهرجان القومى للسينما المصرية عقب النهضة المؤقتة التى شهدها على يد المخرج الراحل سمير سيف سواء بسبب وباء كورونا أو فشل السياسات الثقافية فى تطويره كنتيجة طبيعية لأولويات الدولة البعيدة عن الثقافة والفنون.

هذا العام تقدم لمهرجان الأفلام 152 فيلمًا، عُرض منها 78 فيلمًا فى مختلف أقسام المهرجان، وأُضيفت جائزة جديدة لأفضل فيلم خليجى قصير وطويل- حصل عليها المخرج الإماراتى نواف الجناحى عن فيلمه مكان فى الزمن والمخرجان العراقيان قتيبة الجنابى عن رجل الخشن وسعد الصباغ عن آخر السعاة، ووصل مجموع جوائز المهرجان إلى ما يزيد على المليون ريال التى تغطى الكثير من عناصر صناعة الفيلم (سيناريو وإخراج وصوت ومونتاج وإنتاج)، بالإضافة إلى وجود سوق إنتاج قوية تحتوى على أجنحة لعشرين جهة تمويل وخدمات ما قبل وبعد الإنتاج سواء للأفلام السعودية أو غير السعودية، وعلى رأسها بالطبع هيئة الأفلام السعودية ومهرجان البحر الأحمر، الذى صار واحدًا من الرعاة الأساسيين، إلى جانب منصات عرض مثل شاهد وmbc وشركات كبرى مثل «أرابيا بكتشرز وسينى ويف ورم بيكتشرز».

هذا العام تأهل 26 مشروعًا لجوائز السوق، التى تجاوزت المليون ونصف المليون ريال لدعم المشروعات فى المراحل الثلاث: التمويل والإنتاج وما بعد الإنتاج، كل هذا بجانب وجود معمل تطوير السيناريو، الذى انقسم هذا العام إلى معمل للفيلم القصير تحت إشراف المخرج العراقى كريم على وآخر للفيلم الطويل بإشراف المطورة الأردنية ديما عازر.

وحافظ مهرجان الأفلام على سياسته فى تدويل لجنة تحكيم المسابقات المختلفة، والتى شاركت فيها أسماء مثل الفرنسى دانيال زيسكايند والتونسية درة بوشوشة والمغربى حمادى جيروم والألمانية كارين تشايلى والعراقية مسيون الباجة جى، إلى جانب الأسماء السعودية البارزة من جيل الشباب: جومانة الزاهد ورضوى الفهد وعبدالرحمن صندقجى وهشام فقيه، ويلاحظ بالطبع المساواة الجندرية بالنسبة للمشاركة السعودية فى لجان التحكيم، ويُعد تدويل لجان التحكيم للمهرجانات المحلية واحدًا من أكثر العناصر التى تضمن الحيادية والتنافسية العالية بالإضافة إلى كونها بجانب دعوة الصحافة الدولية والإقليمية فرصة براقة للتعريف بإنتاجات السينما المحلية سواء من أجل الدعم المعنوى للصُناع أو التسويق والتصدير لمحافل إقليمية ودولية.

أضف إلى كل هذا أن مهرجان الأفلام يُعد فى الوقت الراهن الجهة الكبرى على مستوى المنطقة العربية فى عدد الكتب السينمائية المنشورة سنويًّا ضمن فعاليات دوراته، والتى تُعد إضافة قوية ورائعة للمكتبة السينمائية العربية، صحيح أنه ليس مستغربًا على مهرجان يديره شاعر بحجم أحمد الملا أن يكون منصة نشر راقية وزخمة العناوين، ولكن بلا شك أن ثمة دعمًا حقيقيًّا يقدم لرؤية «الملا» فى الزيادة السنوية لعدد الكتب المنشورة- العام الماضى 12 كتابًا والعام الحالى 17 كتابًا- والعناوين والموضوعات وأسماء الكُتاب المشاركين- تأليفًا وترجمة وإعدادًا- وفى هذا العام تشارك مصر ضمن مجموعة الكتب المنشورة بكتابين للناقدين أمير العمرى عن المخرج الأمريكى وودى ألان وعصام زكريا عن تاريخ الفيلم السعودى.

وتبقى الإشارة إلى أن عدد دروس السينما هذا العام مع الخبراء المحليين والدوليين وصل إلى 7 دروس بجانب 6 ندوات موازية عن صناعة الأفلام فى المملكة، أبرزها لقاء مع القائمين على رسم وتنفيذ سياسات الجهة الأبرز، إلى جانب احتضان الدورة الثانية من جلسات ملتقى النقد السينمائى، الذى انطلق فى جدة قبل شهرين، ووصل إلى الظهران فى جولته الثانية بالتزامن مع مهرجان الأفلام، ومن المنتظر أن يمر بمحطات فى تبوك وأبها وحائل وصولًا إلى الرياض فى نوفمبر القادم.

ماذا بعد 1000 فيلم؟

تبدو الأرقام قوية- عدد الأفلام والكتب المنشورة وجهات التمويل وقيمة الجوائز- ولكن ماذا حقًّا بعد ألف فيلم سعودى تقدمت للمهرجان خلال عقد ونصف العقد تقريبًا؟!. الأفلام الفائزة هذا العام لجوائز النخلة الذهبية تؤطر حالة النمو الواضحة فى الكثير من مراحل تشكيل الفيلم تقنيًّا وإنتاجيًّا، فلدينا الفيلم الطويل (عبد)، من إخراج منصور أسد، والذى حصد جوائز أفضل فيلم وأفضل مونتاج وأفضل سيناريو، بجانب القصير والوثائقى الذى استحوذ على جوائزهما الإخوة سعيد (حسن وعلى ومجتبى)، وهم عائلة فنية سعودية تستحق التوقف أمامها بالدراسة، حيث حصل «حسن» و«على» على جوائز أفضل فيلم قصير (ترياق) كتابة وإخراجًا ولجنة التحكيم الخاصة عن الوثائقى الطويل (قصة ملك الصحافة)، بينما حصل أخوهما الثالث «مجتبى» على النخلة الذهبية لأفضل وثائقى (تحت سماء واحدة)، فى حين برز اسم المخرج الشاب حسين المطلق بفيلمه القصير دافئ العذوبة (زبرجد)، الحائز على جائزة لجنة التحكيم، وحصلت المخرجة الشابة سلمى مراد على جائزة عبدالله المحيسن للعمل الأول عن فيلمها النفسى القصير كبريت.

ولكن تظل الملاحظة الأبرز عما ينقص الأفلام السعودية، بعد أن قطعت هذا الشوط العنيف لإثبات الذات، هى الحاجة إلى تأصيل فن كتابة السيناريو بصورة أكثر قوة وعلمية، وبناء ذهنية درامية تحمى صناع الأفلام من هوس الشطحات التقنية أو كسل التقليد وأصداء الخبرات المسترجعة من تجارب الآخرين دون تمييز، إن أشد ما يؤخر نضج الحالة السينمائية فى المملكة هو هشاشة تأصيل الكتابة وغياب الإيمان بأن النقد هو طرف لا سبيل لتجاهله فى معادلة النمو والحراك، الكثير من التجارب التى عُرضت خلال الدورة التاسعة لا تنقصها الجودة التقنية ولا التصميم الإنتاجى الجاد، ولكنها تفتقد وبشدة لفهم واعٍ لفلسفة السيناريو وشعرية الكتابة بالصورة، ومع كل الجهد الذى يبذله القائمون على نشرة سعفة التى يصدرها المهرجان، إلا أن الحراك العام يتطلب جهدًا مؤسسيًّا وثقافيًّا أكبر من مجرد مطبوعة المهرجان بكل زخمها.

 

المصري اليوم في

21.05.2023

 
 
 
 
 

عن الأفلام الفائزة في مهرجان الأفلام السعودية

رامي عبد الرازق

من بين 78 فيلما شكلوا ملامح الدورة التاسعة لمهرجان الأفلام السعودية (4-11مايو) عرضت شاشة مركز الملك عبد العزيز الثقافي (إثراء) ستة أفلام فقط ضمن مسابقة الأفلام الطويلة التي تمثل واحدة من أربع مسابقات أساسية للمهرجان الذي انطلقت دورته الأولى عام 2008 ولم ينتظم سنويا إلا عام 2015.

 شاركت المملكة بأربعة أفلام من أصل الأفلام الستة هما “عبد” للمخرج منصور أسد و”أغنية الغراب” لمحمد السلمان و”طريق الوادي” لخالد فهد و”المكان المهجور” لجيجي حزيمة – وهي المخرجة الوحيدة وسط مجموعة المخرجين الذكور- بجانب فيلمين عراقيين هما رجل الخشب لقتيبة الجنابي وأخر السعاة لسعد الصباغ.

لم يغادر أي من الأفلام الستة ليلة الختام دون ان يصعد صناعها جميعهم إلى مسرح إثراء لتسلم النخلات الذهبية في مختلف المجالات التنافسية! وكأن لجنة تحكيم المسابقة التي ضمت كل من المنتج الفرنسي دانيال زيسكانيد والمنتجة التونسية درة بوشوشة والممثل والمنتج السعودي هشام فقيه انحازت لفكرة التشجيع او الدعم المعنوي اكثر مما انحازت إلى الأصالة الفنية التي لم تتسم بها بعض الأفلام المشاركة بالمسابقة.

يكفي أن فيلم خافت البريق مثل المكان المهجور لجيجي حزيمة والذي يحاول ان يحكي قصة امرأة تعيش في اغتراب وعزلة عاطفية ووجودية بأكبر قدر من الكليشيهات لم يغادر قبل أن يحصل على جائزة افضل تصميم صوت رغم وجود فيلم غنائي استعراضي مثل طريق الوادي رغم تواضع حكايته ونمطية صورته- إلا أن اللجنة أثرت ان تمنحه جائزة افضل ممثلة للشابة أسيل عمران بدلا من منحه جائزة تقنية في اكثر العناصر التي تفوق فيها بجانب التصوير وتصميم المناظر والموسيقى.

فيلم “حزيمة” نفسه لولا انه موجود في المسابقة لما ادرك أي مشاهد أنه فيلم سعودي- المخرجة تبدو امريكية من اصل سعودي وفيلمها مصور في امريكا بل انه من الطريف ان بطلة الفيلم تظهر شبه عاريه في بعض المشاهد في حين أن في اللحظات التي تتطلب بوح حميمي للأجساد بينها وبين حبيبها نجدها تقبله في جبهته مثل أم رؤوم بعد ان يطلب منها هو في بنوة وتواضع جسدي أن تقبله هي لا ان يتخذ هو المبادرة بشكل طبيعي ودون افتعال.

كذلك تم منح جائزة افضل فيلم خليجي للفيلمين العراقيين أخر السعاة ورجل الخشب ! ليس مناصفة كما اعلنت لجنة التحكيم! بل ان تُمنح الجائزة كاملة لكلا الفيلمين! – أي ثلاثون ألف ريال لكل فائز- وهي سابقة غريبة لم نشهدها من قبل! وتحتوي على قدر كبير من المجاملة غير المفهومة وغير المطلوبة أيضا، فالمهرجانات تبني جانب مهم من سمعتها التنافسية عبر قوة لجان التحكيم المكتسبة من تنوع التخصصات وأصالة الذائقة  والمنطقية الفنية للحيثيات التي تؤطر عملية منح الجوائز، كما أن التزام لجنة التحكيم بلائحة المهرجان هو جزء من مصداقية أي لجنة مع الاحتفاظ بحق الاقتراح والتوصية- مع العلم اننا لا نعرف الكثير من المعلومات عن اللائحة وهي فرصة لكي ننبه القائمين على المهرجان عن ضرورة نشرها على موقع المهرجان وتضمنيها في الكتالوج/الدليل الخاص به- ولكن أن تطلب لجنة التحكيم من الإدارة منح جائزة كاملة لفيلمين متنافسين على جائزة واحدة هو استثناء يبدو ضرره اكثر من منفعته، سواء كانت تشجيعية او داعمة، خاصة أن كلا الفيلمين لا يملكان من الجدارة الشعورية او قوة العاطفة – ناهينا عن خفوت المحتوي البصري- ما يجعلهما حالة خاصة تستحق الخروج عن النص بهذا الشكل، والذي لا يرجو أي من المؤمنين بجدوى ومغزى واهميته التظاهرة ان تتكرر.

العبد والغراب

يمكن القول أن المنافسة الحقيقية هذا العام على مستوى الأفلام الطويلة انحسرت في فيلمي عبد لاسد منصور وأغنية الغراب لمحمد سلمان، وكلاهما عمل اول لمخرجه الشاب بعد تجارب في الفيلم القصير، وكلاهما سبق وأن عرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر في دورته الثانية، وإن كان نصيب الغراب من العروض الدولية افضل نسبيا من عبد، حيث نافس مؤخرا ضمن مسابقة الأفلام الطويلة بمهرجان مالمو في دورته ال 13 (28 ابريل-4 مايو) وأعتُبر الترشيح الرسمي للسعودية ضمن منافسات أفضل فيلم أجنبي بالأوسكار من بين انتاجات 2022.

وقد فاز الفيلم بجائزة أفضل ممثل لبطله عصام عواد الذي قدم اداء مميزا بحق في دور الشاب المصاب بورم في المخ يجعله يدخل في عوالم سوريالية يتقاطع فيها الواقع مع الوهم، وحاز ايضا على جائزة لجنة التحكيم الخاصة التي يمكن اعتبارها النخلة الفضية، بينما حاز عبد على جوائز أفضل مونتاج وأفضل سيناريو منفذ بالإضافة إلى النخلة الذهبية كأفضل فيلم بالمهرجان في دورته التاسعة.

من الملاحظ أن كلا الفيلمين يلعبان في مساحة التجارب التي تحاول التحرر من شكل السرد التقليدي، ولكن بينما يتخذ الغراب من العبث والسوريالية توجه سردي – إلى درجة الغموض احيانا- يصل إلى حد تساقط الامخاخ من السماء على رأس البطل، يبدو عبد منحازا إلى العبث بشكل اقل ولكن مع تفتيت واضح للزمن من خلال لعبة العود على بدء، أي العودة بالزمن لنقطة معينة ثم البدء من جديد في محاولة إصلاح البطل ما يفسده في كل مرة من أجل أن ينال بركة المجتمع الافتراضي ويتعمد بالماء المقدس لللايكات والقلوب والمتابعين.

لا يقلل العبث من شأن اغنية الغراب لكن منحاه السوريالي المتأثر بسينما الأوربي العتيد ويس اندرسون جعله غربيا واغترابي لدرج تحمل الكثير من التشوش لذهن المتفرج، ما يجعل تلقي الفيلم عملية صعبة، وهو ليس بالشأن الشعوري ولا الذهني الجيد لأن الفكرة الغامضة تتساوى امام صعوبة التلقي مع اللا فكرة – ربما يحتاج صانع الفيلم إلى أن يشاهد تجارب المخرج المصري الراحل رأفت الميهي في التعاطي مع العبث بصورة اكثر محلية وتماسكا-. في حين يحاول عبد أن يبدو فكريا اقل تعقيدا، وذلك انطلاقا من تجارب هوليودية اشهرها تجربتي كليك وأثر الفراشة.

لكن كلا الفيلمين لم يتمكنا من القفز فوق الفخ الاعتيادي للعمل الاول؛ وهو رغبة الصانع في مناقشة وطرح وتصوير الكثير من المعطيات الفكرية والذهنية في محاولة لأضافة ثقل متخيل إلى فيلمه ليحوز صفات العمق والتأثير وتعدد مستويات القراءة، في حين ان الاعمال الأولى ربما لا تحتاج أكثر من البساطة والأصالة والتخفف من الاحمال الفكرية لصالح جماليات الأسلوب واكتشاف الذات ومحاولة الوصل ما بين قلق الفنان وبين طمأنة الجمهور انه يشعر به ويستوعبه.

الثابت والمتغير

يقوم عبد على فرضية أن هناك كرات ملونة( بللي) تمكن من يبتلعها بالعودة لمدة 48 ساعة فقط لكي يصلح من شأن الماضي من أجل تغيير المستقبل، وهي الموتيفة التي انطلقت منها افلام مثل اثر الفراشة – قدرة ميتافيزيقية غير مفسرة تمكن البطل من العودة للماضي بمجرد ان يقرأ اليوميات التي كتبها وهو طفل- او كليك – جهاز يتحكم في العالم فيمكن البطل من السيطرة على كل معطيات حياته بضغطة زر- وهي الأفلام التي تم اقتباسها مؤخرا في الفيلم المصري الكوميدي ساعة رضا والمسلسل الرمضاني المصري الصفارة.

في عبد يمزج السيناريو بين فكرة العودة لتصحيح الماضي – والماضي هنا هو تصوير فيديو لا يحقق المشاهدات والاقبال المطلوب- وبين عبودية مبدأ الشهرة والتعميد كمؤثر في العالم الافتراضي، وهي تركيبة جيدة وبها قدر من تطوير الفكرة على مستوى شرائح الجمهور المستهدف من الشباب الذي تمثلهم الشخصية الرئيسية (سكر) بكسر السين ومعناه باللهجة العامية (أغلق)، وهو اسم غريب يليق بشاب يدور في حلقة غرائبية مفرغة يحاول فيها تغيير ما يظن انه ثابت- أي الماضي- لكي يحقق نتائج مختلفة في المتغير الذي هو المستقبل، فلا تفضي بنا هذه الرحلة سوى إلى اكتشاف أن الماضي هو المتغير لكن المستقبل ثابت مهما حاول ان يغيره، لان المبدأ خاطئ من الأساس، فصناعة محتوى لارضاء كل الأذواق هو مسألة مستحيلة خاصة لو انطلقت من فراغ داخلي، او ايمان بواحدة من اكثر المفاهيم المغلوطة في عصرنا وهو ان الشهرة هي الموهبة، بمعنى طالما أنت مشهور فهذا يعني بالضرورة انك ناجح وموهوب حتى ولو لم تكن كذلك.

هذه المعالجة الطريفة ذات العمق المقبول دون ادعاءات تتقاطع مع خط ميلودرامي يتمثل في محاولة أحدى المحققين من رجالات الحكومة أن يعيد تغير الماضي مرارا من اجل ان يعيد إنتاج مستقبل ابنه الذي لا يريد أن يعمل كطبيب بل ممارسة إرادته الحرة في أن يكون طباخا.

يلتقى المحقق بسكر عقب أول فيديو فاشل يصنعه، وبعد ان يتهم من خلال اهل زوجته بتشويه السمعة – وهي التي تشاركه الفيديوهات كممثلة ومصورة- ويعرض عليه ان يبتلع واحدة من الحبات من اجل ان يغير الماضي لكي يصل إلى نتيجة مستقبلية مختلفة.

مع العلم أن متعاطي الحبة هو فقط من يتذكر أو يعرف أنه قادم من المستقبل لكي يغير ماضيه وماضي من حوله، في حين لا يدرك الأخرون بما فيهم المحقق نفسه ذلك، ودون الإشإرة بالطبع إلى مصدر هذه الحبات أو سر تركيبتها التي تمنح هذه القدرة على السفر إلى الماضي ولماذا قبل 48 ساعة فقط!

 لا يحتاج المتلقي في مثل هذه السياقات إلى فهم سر الحبة او كيفية تفاعلها، بل يحتاج إلى ان يصيغ له الفيلم البيئة الايهامية التي تقنعه بأن هذا يحدث، ثم يلتزم بالمنطق الذي يفرضه على نفسه، فلا نجد شخصية تدرك ما يحدث سوى العائد إلى الماضي او ان تصبح العودة نفسها ضرورية بشكل حتمي، صحيح أن العمل يدور في إطار هزلي يحتمل بساطة الأسباب او طرافتها، ولكن كلما اجاد صناع الفيلم تأطير الأسباب التي تدفع إلى العودة بصورة حتمية، وتدفع المحقق بالأساس إلى أن يمنح سكر الحبة؛ كلما كانت نتائج رحلة سكر اكثر اقناعا وتأثيرا حتى على مستوى تقبل الطرافة والهزل والضحك من اثر النتيجة الوحيدة للمحاولات العديدة.

ما يبدو غير مفهوم او منسجم مع تكرار رحلة سكر هو الخط الخاص بالمحقق وابنه، وهو كما اشرنا خط ميلودرامي باهت يحقق الفرضية من بدايتها! فلا نعود في حاجة إلى أن نتوحد مع رحلة سكر الطريفة التي تبدأ هزلية وتنتهي بكوميديا سوداء.

من البداية تقريبا – مشهد ما قبل التيترات- ندرك فشل الأب في اقناع ابنه أن يتخلى عن فكرة أن يعمل طباخا، ثم عبر علاقته بسكر ندرك كم المحاولات التي بذلها من أجل ذلك دون جدوى، فلماذا إذن يصر على اعطاء سكر الحبات كي يغير الماضي! هل هي محاولة لأن يرى احدهم ينجح فيما فشل فيه هو! ربما! لكنه ليس بالسبب المقنع او القوي لكي يفرط في منح سكر كل هذه الحبات بصورة مجانية رغم انه يعلم بحكم تجربته مع ابنه انه لا جدوى منها!

وفي النهاية حين يلتقي بالأبن نجد الكاميرا تتعمد ان تصور حضوره – أي الابن- مخفيا دون أن ندرك سببا لذلك – فلا سبب بصري او درامي- بل يصل بنا الأمر إلى تصور اننا سوف نرى سكر نفسه يجلس امامه لكننا نعود لنرى الابن بصورة عادية في المصعد مع اباه بعد ان أعاد له اخر حبة كان قد احتفظ بها من قبل أن يهجره.

هنا نصل لأكثر نقطة متناقضة مع المنطق الذي الزم به السيناريو نفسه وهو ان المحقق الذي من المفترض أنه لا يعلم شيء عن سكر الراقد في المستشفى بعد محاولة انتحاره امام الكاميرا أملا في تحقيق مشاهدات – وهي ذروة العبودية للشهرة في العالم الافتراضي- نجده يرى سكر في وجوه كل من حوله يطالبونه بحبة كي يغيرون الماضي، طيب من أين علم المحقق عن سكر الذي ما إن يعود للماضي فإن علاقته بالمحقق تنقطع ولا يعود يعرف عنه شيئا ولا يذكره ! وهو نراه في مشاهد اقتحام سكر لسيارته ومطالبته بحبة، في حين لا يذكر المحقق انه منحه أيا منها من قبل!

ثم إذا بالمحقق يذهب فجأة إلى المستشفى حيث يرقد سكر بين الحياة والموت فيعطي لزوجته أخر حبة كي تعود إلى قبل يومين وتلحقه قبل انتحاره، مما يعني أنه يضحي بلقاء ابنه لأنه هو الأخر سيعود قبل يومين من هذا اللقاء!

الخروج عن منطق السيناريو هو اكثر العناصر الهادمة لتماسك البناء الدرامي والذي لا يبرره لا هزل ولا قلة خبرة او كون العمل تجربة اولى! هذه اساسيات هندسية لا يجوز خرقها إلا بعد هضمها، ولا يمكن هضمها إلا عقب عدة تجارب وتحت ظروف المغامرة المحسوبة لا بحكم التساهل أو الظن بإن الجمهور لن يتوقف امامها، لأن التلقي بالأساس قائم على عملية تحليل وتفكيك معقدة يعمل بها الوعي واللاوعي والذاكرة بصورة متشابكة تجعل من السهل العثور على الثغرات وبالتالي هبوط اسهم المتعة إلى اقل درجاتها في رأس المشاهد.

تبقى الإشارة إلى أن التجربة رغم تصدع بنائها الدرامي إلا انها تحتوي على قدر لا بأس به من الالتزام بالنوع الكوميدي فيما عدا الأغنية الأخيرة التي نسمعها على مشهد انتحار سكر وهي اغنية مباشرة وثقيلة الظل الشعوري كنا نامل ان يقطعها افيه من نوعية رفض احدى المعلقين لأسلوب موت سكر من باب (حتى الموته مش عارف تموتها) كما عودنا سياق المحاولات الفاشلة في الفيلم، لكن المخرج يختار أن يكملها على لقطات للمستشفى وسكر الراقد على حافة الحياة، بما لا يمنحنا التعاطف بقدر ما يشعرنا بالذنب لأننا نريد هنا ان نضحك على رفض المجتمع الافتراضي لمحاولة الانتحار الفاشلة فتتجلى الفرضية بصورة اكثر قوة وتأثيرا دون استدرار لدموع او ادعاء لانفعال.

 

موقع "عين على السينما" في

20.05.2023

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004