ترشيحات «غولدن غلوبز» تشغل بال هوليوود

تنطلق من جديد بعد غياب وتغييب

هوليوود: محمد رضا

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

(أوسكار 95)

   
 
 
 
 
 
 

أعلنت جمعية «هوليوود فورين برس» (Hollywood Foreign Press) ترشيحات جوائزها المعروفة بـ«غولدن غلوبز» قبل يومين، وفيها مجموعة كبيرة من الأفلام السينمائية والبرامج التلفزيونية التي سيصوّت الأعضاء عليها خلال الأيام القليلة المقبلة قبل إعلان النتائج في حفل كبير في 10 من شهر يناير (كانون الثاني) المقبل.

إنها المناسبة الثمانين لهذه الجائزة العتيدة والدورة الفعلية الأولى لها بعد عامين من الاحتجاب وشبه الاحتجاب، وذلك إثر ما اتُّهمت به من تجاوزات وأخطاء. بعض تلك الاتهامات كانت صحيحة، مثل سعي البعض للمنفعة المادية على حساب صوابية العمل ونزاهة القرار. البعض الآخر من تلك الاتهامات كان بعيداً عن الصواب مثل أن الجمعية تقبل السفر على حساب شركات الأفلام لإجراء المقابلات، وهي مسألة تخص الشركات أكثر مما هي مسؤولية الجمعية.

بصرف النظر عن هذه الاتهامات الصحيحة منها والخاطئة، أجرت «هوليوود فورين برس» عمليات تغيير واسعة استُقبل خلالها عدد كبير من النقاد والصحافيين بينهم أفرو - أميركانز (أحد انتقادات المنابر الإعلامية خلوّ الجمعية من صحافيّ أسود البشرة) لتوسيع رقعة التصويت. كذلك منعت الأعضاء من قبول أي هدايا كانت شركات الأفلام سعيدة بتوزيعها على الأعضاء من باب التشجيع على انتخاب أفلامها.

ما بين الدراما والكوميديا

هذه التغيّرات وسواها أعادت القوّة والحياة لمؤسسة قيل حينها إنها انتهت وستضمر وتنزوي خصوصاً بعدما امتنعت محطة (NBC) الأميركية عن بث الاحتفال المتواضع الذي نظّمته الجمعية وسط انشغالاتها بالتغييرات الأساسية. لذا، يتوقع كثيرون من أهل المهنة في جميع حقولها وجوانبها إقبالاً كبيراً ولو من باب الفضول، بعد تلك الغيبة وبعد أن تعهدت المحطة الأميركية باستئناف نقلها لوقائع الحفل الكبير الذي سيستضيفه فندق «بيفرلي هيلتون» كما جرت العادة من قبل.

وكالعادة أيضاً، تضمنت الترشيحات أقساماً عدّة تتقدمها، على الجبهة السينمائية، مسابقتا أفضل فيلم درامي وأفضل فيلم كوميدي أو ميوزيكال.

على الصعيد الدرامي 5 أفلام عرضت جميعاً في النصف الثاني من العام الحالي، وهي:

(Avatar: The Way of Water)، فانتازيا مذهلة للمخرج جيمس كاميرون.

(Elvis) لباز لورمن، سيرة حياة المغني ألفيس برسلي وشهرته.

(The Fabelmans) ويدور حول حقبة من حياة ستيفن سبيلبرغ الخاصة.

(Tár) لتود فيلد، الذي عالج موضوعاً فنياً وشخصياً عن قائدة أوركسترا.

(Top Gun: Maverick) الفيلم العسكري الذي أخرجه جوزف كوزينسكي، ومن بطولة توم كروز.

أما على الصعيد الكوميدي - الاستعراضي فالترشيحات رست على:

(Babylon) فيلم العودة لدامين شازيل بعد «لالا لاند»، ويدور حول هوليوود العشرينات.

(The Banshees of Inisherin) كوميديا من مارتن مكدونف حول الصداقة بين رجلين.

(Everything Everywhere All at Once) لدانيال كوان في تشخيصه حالة امرأة تعيش وضعاً خيالياً.

(Triangle of Sadness) فيلم الدنماركي روبن أوستلند الذي فاز قبل أيام بجائزة «الاتحاد الأوروبي».

كل من «جنيّات إنيشيرين» و«كل شيء كل مكان في وقت واحد» نال أكثر من خمس ترشيحات أخرى. الأول جمع 8 ترشيحات والآخر 6.

الممثلون والممثلات

في نطاق التمثيل الدرامي النسائي نجد الأسماء التالية:

كَيت بلانشت عن «تار» حيث أدت شخصية قائدة أوركسترا تواجه اختيارات حاسمة.

أوليفيا كولمن عن دورها الرائع لامرأة في منتصف العمر تقع في الحب من جديد في (Empire of Light).

فيولا ديفيز عن دورها في (The Woman King) مؤدية شخصية قائدة أفريقية تودّ الذود عن وطنها.

آنا دي أرماس، التي لعبت شخصية مارلين مونرو في (Blonde).

وميشيل ويليامز عن «ذا فابلمانز»، وقد أدت دور أم الشاب الذي يرمز إلى ستيفن سبيلبرغ.

رجالياً

أوستن بتلر الذي لعب شخصية ملك الروك آند رول ألفيس برسلي في «ألفيس».

برندان فرايزر عن (The Whale)، لاعباً شخصية الأستاذ البدين الذي يحاول التواصل مع ابنته الرافضة.

هيو جاكمان عن (The Son) في دور رجل يواجه خياراً عاطفياً صعباً بين العودة إلى زوجته الأولى أو البقاء مع صاحبته.

بل نيفي الذي يواجه معضلة صحية في (Living).

وجيريمي بوب عن (The Inspection) مؤدياً شخصية مجنّد يعود إلى الوطن مع مشكلة جنسية يحاول احتواءها.

كلٌّ من أنا دي أرماس، وأوستن باتلر يمثلان شخصيّتين حقيقيّتين (مارلين مونرو، وألفيس برسلي) بينما الباقون يخوضون شخصيات خيالية إلا إذا عددنا ميشيل ويليامز في «ذا فابلمانز» حقيقية وهي ليست بالضرورة كذلك.

كوميدياً

لدينا بين الممثلات ميشيل يوه عن «كل شيء كل مكان في وقت واحد»، ومارغوت روبي عن «بالبلون»، بينما تدخل ليزلي مانفيل المنافسة عن دورها في (Mrs. Harris Goes to Paris)، وآنيا تايلور - جوي عن (The Menu)، وإيما تومسون عن (Good luck to You, Leo Grande).

في التمثيل الرجالي في نطاق أفضل أداء كوميدي أو موسيقي نجد كولِن فارل عن «جنيات إنيشيرين»، ورالف فاينس عن «ذا مانيو»، كذلك دانيال كريغ عن (Glass Onion: A Knives Out Mystery)، ودييغو كالفا عن «بابلون»، وآدم درايفر عن (White Noise).

في سباق التمثيل المساند

نسائياً، نجد أنجيلا باست عن (Pink Panther: Wakanda Forever)، وكيري كوندون عن «جنيّات إنيشيرين»، وجامي لي كيرتس في «كل شيء كل مكان في وقت واحد»، ومن ثم دولي دي ليون عن «مثلث الحزن»، وكارلي موليغن عن (She Said).

رجالياً، يتقدم برندان غليسون وباري كيوغان عن «جنيّات إنيشيرين»، وكي هوي كوان في «كل شيء كل مكان في وقت واحد»، وإيدي ريدماين في (The Good Nurse)، وبراد بيت في «بابلون».

مخرجون وأفلام

كل المخرجين الواردة أسماؤهم في مسابقة أفضل مخرج (التي لا تفرّق بين الكوميدي وسواه)، لديهم أفلام في قائمتَي أفضل فيلم درامي وأفضل فيلم كوميدي- ميوزيكال، وهم: جيمس كاميرون «أفاتار: طريق الماء»، ودانيال كوان ودانيال شاينرت عن «كل شيء كل مكان في وقت واحد»، وباز لورمن عن «ألفيس»، ومن ثَم مارتن مكدونا صاحب «جنيّات إنيشيرين»، وستيفن سبيلبرغ عن «ذا فابلمنز».

ليس من ذِكر للمخرج الدنماركي روبن أوستلند ولا تَسلل فيلمه «مثلث الحزن» إلى قائمة الأفلام الأجنبية. هذه تألفت من الفيلم الألماني (All Quiet on the Western Front)، والفيلم الأرجنتيني «أرجنتينا، 1985»، والبلجيكي (Close)، كما الكوري الجنوبي (Decision to Leave)، ومن ثَم الفيلم الهندي (RRR).

تلفزيون

في الجانب التلفزيوني من هذه الترشيحات، قاد (The Crown) بأربع ترشيحات، إذ ورد في سباق أفضل مسلسل تلفزيوني درامي، وفي نطاق أفضل ممثلة (إميلدا ستونتون)، وأفضل ممثلة مساندة (إليزابيث ديبيكي)، وأفضل ممثل في دور مساند (جوناثان برايس).

وحظي المسلسل الشائع (House of the Dragon) بترشيحين فقط، الأول في نطاق أفضل مسلسل درامي، والآخر في نطاق أفضل ممثلة في مسلسل درامي (إيما دارسي). أما مسلسل «أوزارك» فقد دخل ثلاث مسابقات كأفضل مسلسل درامي وأفضل ممثلة في مسلسل درامي (لورا ليني)، وأفضل ممثلة مساندة (جوليا غارنر).

غياب

لا تتسع المسابقات المذكورة (وسواها) لأكثر من 5 أسماء أو عناوين في كل مسابقة، لذلك من الطبيعي أن يتخلّف عن الترشيحات عدد من الأسماء المعروفة، ومن التلقائي أن تشير المنصّات الإعلامية إلى من أُغفلوا من تلك الترشيحات.

على سبيل المثال، فيلم «توب غن: ما فيريك» موجود في سباق أفضل فيلم درامي، لكن بطله الأول توم كروز ليس في عداد الممثلين الدراميين. هل كان يجب أن يكون؟ لا. الآخرون في تلك المسابقة أولى ولو أن بعض المواقع ذكر أن الجمعية تنتقم بذلك التغييب من رد كروز الجائزتين اللتين كان قد فاز بهما سابقاً إثر الاتهامات التي نالتها.

في الإطار نفسه، لوحظ غياب أي مخرجة من قائمة المخرجين المتنافسين. السنة الحالية كان هناك حضور جيد للمخرجات مثل ساره بولي (Women Talking)، وماريا شرادر (She Said) من بين أخريات.

على صعيد الأفلام نفسها، غابت مجموعة من الأفلام التي نالت تقدير النقاد الأميركيين مثل (Nope) و(Caueway)، و(Women Talking)، لكن مسألة ضيق المساحة ووقوفها عند خمسة أسماء هي السبب الوجيه لذلك. في نهاية الأمر هو اقتراع واسع (من أكثر من 100 ناقد وصحافي)، وعلى الجميع القبول بمبدئه.

 

####

 

«أفاتار 2»... إبهار بصري «غير مسبوق» تحت الماء

عرض الفيلم الأميركي بدأ في مصر بالتزامن مع دول أوروبية

القاهرة: انتصار دردير

بدأ، الأربعاء، عرض الجزء الثاني من الفيلم الأميركي الشهير «أفاتار» تجارياً في مصر، تزامناً مع عرضه في عدد من الدول الأوروبية، من بينها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والسويد وبلجيكا والدنمارك، متقدماً بيومين عن موعد عرضه في هوليوود. وشهد العرض الخاص للفيلم في مصر حضوراً لافتاً من الفنانين وصناع الأفلام المصريين، من بينهم: بشرى، ومحمود عبد المغني، ولقاء الخميسي، وأحمد مجدي، والمخرجان: محمد دياب، وعمرو سلامة.

قبل 13 عاماً، أحدث فيلم «أفاتار»، (عُرض في 18 ديسمبر «كانون الأول» 2009)، للمخرج الأميركي جيمس كاميرون، زلزالاً في صناعة السينما، بما قدمه من إبداع تكنولوجي رفع سقف الإبهار البصري إلى آفاق جديدة، وشهد ذروة تفوق السينما ثلاثية الأبعاد، محققاً إيرادات هائلة على مستوى العالم، بلغت 2.8 مليار دولار، كما حصل على 3 جوائز «أوسكار» لفئات: أفضل سيناريو، وأفضل إخراج، وأفضل مؤثرات بصرية.

ومن خلال «أفاتار 2» يعود المخرج الأميركي بتحفة جديدة يستعيد فيها عالم كوكب «باندورا» بكائناته المتخيلة المخيفة، ليلقي الضوء على أولاد «جايك ونيتيري»؛ حيث يضطر «جايك» لطلب اللجوء، حماية لعائلته المتماسكة بشكل مثير، ويتعاضدون في مواجهة «جماعة السماء» التي تبحث عن «جايك» للانتقام منه، ويتعرض أولاده للاختطاف، وتتصدى «نيتيري» مؤكدة أن والدها أعطاها القوس لحماية الشعب، لينتقل الفيلم بأحداثه بعد ذلك من الوجود البري إلى عالم البحار، ليؤكد أن المياه تربط كل الأشياء من الحياة إلى الموت.

وأثار عرض الفيلم بين الحضور حالة من الإبهار، لتفوق وتجانس كافة عناصره الفنية، من تصوير وموسيقى ومؤثرات وأداء أبطاله، ومن بينهم زوي سالدانا، وميشيل يوه، وكيت وينسلت، وسيغورني ويفر. وعلى الرغم من أن أحداثه تدور على مدى أكثر من 3 ساعات تواصل عرضها دون توقف، فقد ظل حضور العرض الخاص يتابعونه بانبهار حتى مشهد النهاية.

وأبدى المخرج محمد دياب إعجابه الشديد بالفيلم، قائلاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «أهم شيء أثار دهشتي، هو قدرة المخرج جيمس كاميرون على تقديم دراما متطورة، بعد 13 عاماً من عرض الجزء الأول. وأعجبني الجزء الثاني بشكل أكبر، ليس انبهاراً بالـ(غرافيك)؛ لأنه عبارة عن إنفاق مالي وتكنولوجي، ولكن لتطوير القصة وقدرتها على التأثير فينا، من خلال 10 شخصيات ملهمة».

ويضيف دياب: «الفيلم في بدايته كان يسير ببطء؛ لكن بعد ذلك تسارع بشكل كبير، لدرجة أحببت فيها كل لقطة، وقبل ذلك كنت متشككاً مما يقوله المخرج جيمس كاميرون عن تقديمه أجزاء عدة؛ لكن بعدما شاهدت الجزء الثاني أتمنى أن يواصل تقديم الأجزاء الأخرى».

اعتمد جيمس كاميرون على استخدام تقنية رقمية ثلاثية الأبعاد، وتم تصوير الفيلم جزئياً تحت الماء، في ظل أحداثه التي تجري في المحيط الشاسع المليء بالوحوش. وفي الواقع تم تصوير أغلب المشاهد في محيط سعته 900 ألف غالون ماء، في حوض بلغ قطره 13 متراً، تم تصميمه محاكياً لتيارات ودوامات المحيط وأمواجه المتلاطمة.

وكشفت شركة «ديزني» المنتجة للعمل، عن أن الفيلم تطلب سنوات من البحث التكنولوجي، لتصميم أجهزة تسجل أدق حركات وتعبيرات الممثلين تحت الماء.

وعبّرت الدكتورة ميرفت أبو عوف، أستاذة الإعلام بالجامعة الأميركية، عن انبهارها بالفيلم، مؤكدة لـ«الشرق الأوسط»: «أعجبتني القصة جداً؛ لأن بها دراما متكاملة، وبراعة غير مسبوقة في استخدام تقنيات عالية لم نألفها من قبل، كما أن نظارة مشاهدة الفيلم جعلت المتفرج جزءاً من العرض، عبر حوارات متميزة ورسائل عديدة يحملها العمل، عن الأسرة وروح التضامن بين أفرادها. وأنا مع استمرار عرضه دون استراحة حتى لا يقطع استرسال المتلقي، ولا يزيد من وقت العرض».

يُشار إلى أن المخرج جيمس كاميرون صوّر 95 في المائة من الجزء الثالث «أفاتار: حامل البذرة» الذي تقرر عرضه في 20 ديسمبر 2024، أما الجزء الرابع فيأتي بعنوان «أفاتار: تولكون»، وتحدد عرضه في 18 ديسمبر 2026، بينما يعرض الجزء الخامس «أفاتار: البحث عن أياوا» في 22 ديسمبر 2028.

الجديد الذي أُعلن، الثلاثاء، في هوليوود، ما قاله المنتج جون لانداو، من أن الجزء الخامس المخطط له بالفعل، سيشمل محور ذهاب زوجة «جايك» إلى الأرض، لفتح أعين الناس، وفتح عيون «نيتيري»، لكي تفهم أنه ليس كل البشر مثل من أرادوا استغلال الموارد الطبيعية لكوكبها الأصلي «باندورا»، وتعرف أنه ليس كل الناس سيئين، كما أن كل «النافي» ليسوا جيدين.

ويقول الناقد الفني أحمد سعد الدين، لـ«الشرق الأوسط»: «الفيلم متقدم عن السينما العالمية بمراحل، والمخرج جيمس كاميرون يقف في مكانة متفردة، فهو يعشق تصوير الـ(D3)، لذلك أعاد تقديم فيلم (تايتانك) بهذه التقنية، وهناك تفوق كبير في (أفاتار 2) للعناصر الفنية في التصوير و(الغرافيك)، وماكياج الشخصيات، واختيار ألوانها. كما أن الأداء التمثيلي كان في أعلى حالاته، متضمناً إبداعاً غير عادي، لذا أتوقع أن يحقق في مصر إيرادات كبيرة مع الإبهار البصري الذي يجذب جمهور الشباب».

 

الشرق الأوسط في

15.12.2022

 
 
 
 
 

"بينوكيو" ديل تورو... الطفل الخشبي متأملاً تمثال المسيح

لينا الرواس

يوصد غييرمو ديل تورو الأبواب على كائناته المخيفة، ويطلق العنان هذه المرة لأكثر أفكاره رقة وحساسية، عبر إعادة إنتاج حكاية "بينوكيو" الشهيرة، في نسخة فيلمية تحريكية من إنتاج "نتفليكس"، تتجاوز الساعتين من الرقص والغناء والحوارات المؤثرة، المستمدة من قصة المؤلف الإيطالي الكلاسيكي كارلو كولودي، والبعيدة عنها في آن.

يصطحب مروض الوحوش الأكثر شراسة في تاريخ الشاشة الكبيرة تيلدا سوينتون وديفيد برادلي وإيفان مكريغور معه في رحلته العاطفية هذه، تاركًا أمر وجهتها للطفل غريغوري مان، وهو مؤدي صوت "بينوكيو" في النسخة الناطقة بالإنكليزية التي أخرجها ديل تورو بالتشارك مع المخرج مارك غوستافسون، في الوقت نفسه الذي عمل فيه على كتابة وإخراج فيلم Nightmare Alley وسلسلة الرعب Guillermo del Toro's Cabinet of Curiosities.

أطلق ديل تورو وغوستافسون نسختهما عن "بينوكيو" على الرغم من وجود كمّ هائل من الأعمال السينمائية والتلفزيونية التي تعالج القصة نفسها، أقدمها نفذته شركة ديزني عام 1940. لكن النسخة الجديدة تعد الأولى التي تقدم حكاية كولودي بتقنية التحريك، ما استلزم صناعة عدد من الدمى الخشبية لـ"بينوكيو"، أحدها يتجاوز حجمه حجم الإنسان البشري، وأخرى لا تتجاوز بطولها عدة ميليميترات، تناسبًا مع الإطارات السينمائية المتنوعة عبر الفيلم.

أما التجديد الأهم، فيأتي على صعيد القصة ومضمونها، إذ اتكأ ديل تورو، بالتشارك مع عدد من الكتّاب الآخرين، على كتاب كولودي الصادر عام 1883 كمرجع لموضوعات القصة الأساسية، لكنه نقل أحداث الفيلم إلى أوائل القرن العشرين، تحديدًا خلال حكم بينيتو موسوليني لإيطاليا ما بين 1922 و1943، حين طغى شبح الموت على أوروبا وهددت الفاشية شتى بقاعها.

أين كان يلعب الأطفال حين تجاوزت أعداد المقابر المدارس؟ وكيف يكبرون ويتعاملون مع الفقد والخسارات الحتمية خلال الحروب، حتى وإن كانوا، مثل بينوكيو، محصنون ضد الموت؟ جُبل "بينوكيو" بأحزان النجار العجوز"جيبّيتو" الذي لم يحتمل خسارة ابنه "كارلو" في قصف الحرب العالمية الأولى، فقرر بعد سنوات اقتلاع شجرة الصنوبر التي كان قد زرعها بنفسه فوق قبر ابنه ونحت دمية صغيرة من أخشابها، آملاً أن تعيد إليه ذكرى "كارلو" الراحل. وبالفعل، تفنى حياة، وتزهر أخرى، إذ تبث جنية متعاطفة مع "جيبيتو" الروح في نسيج اللحاء الصنوبري، وتجعل صرصاراً كان يسكن في قلب جذع الشجرة وكيلاً على حياة الولد الخشبي وحامياً لها.

مع إشراقة صباح اليوم التالي، تبدأ رحلة "بينوكيو" في المشاكسة وطرح الأسئلة وحب كل شيء، من دون الحاجة إلى فهمه، لكن الطفل الخشبي سرعان ما يشعر بالخذلان ممن حوله، ويسأل أباه متأملاً تمثال المسيح الخشبي في الكنيسة: "كلانا مصنوع من الخشب، لماذا يحبونه ويكرهونني؟". يسخر الأطفال من بنية "بينوكيو" الخام والمجردة، كمشاعره، ويشيرون إلى مساميره البارزة عوضاً عن المفاصل، ويخدعونه بالاقتراب من النار كي تلتهم قدميه، أما قادة الجيش فيريدون تحويله إلى جندي أبدي، يحيا ويموت مرات لا حصر لا في ساحات القتال، في حين يستغله منظم السيرك "كونت فولبي" (كريستوف والتز) لجني النقود والترفيه عن القادات الفاشية.

يصاغ فيلم "بينوكيو" بتساؤلات الأطفال، ويحمل كثيراً من براءتهم ومن مشاعرهم الدافئة ومغامراتهم الأولى في الحياة، لكن فيلم ديل تورو ليس فيلماً موجهًا للأطفال كما فعلت النسخ السابقة التي قدم غالبها دروساً أخلاقية نمطية، عبر الدعوة إلى نبذ الكذب والمشاكسة والعناد، وضرورة إخضاع تلك الصفات للصنفرة، كما لو أنها جزء مادي من جسد "بينوكيو" الخشبي.

بدلاً من العبر الخالصة والإيماءات الساذجة، يتأرجح فيلم ديل تورو بين ما هو وحشي ورقيق، ويحتفي بالعصيان والعشوائية وبخرق القواعد، ويسعى إلى تقديم نقاشات جادة حول الحياة والموت والأبدية، باحثاً في آليات الدفاع البشرية لمواجهة الوحدة، طوعية كانت أم مفروضة على أولئك الذين يرفضون ثوابت المجتمع ويسخرون من وجودها.

يطرح فيلم "بينوكيو" سؤالاً عما يعنيه أن يكون المرء "بشرياً حقيقياً"، ويتطرق إلى الروابط المتبادلة والمعقدة بين الآباء والأبناء من خلال ثلاث علاقات مختلفة أيضًا، الأولى هي علاقة "جيبيتو" بـ"بينوكيو"، فالأول يريد لابنه أن يغدو شيئاً آخر عما هو عليه، أي صورة عن كارلو الراحل المحب للعلم والملتزم بقواعد الانضباط، في حين يريد الأخير أن يحيا كما يحلو له، من دون عواقب أو تفكير يدفعه إلى الجبن.

أما العلاقة الثانية فهي بين القائد العسكري الفاشي "بوديستا" وابنه "كاندلويك"، وفيها يحاول الأب السيطرة على ابنه وإجباره على أن يغدو جندياً، وليس ابناً فحسب، فارضاً عليه الأيديولوجية الفاشية لتلك المرحلة، إلى حد يدفعه إلى إطلاق النار عليه حين يرفض الخضوع لمعتقداته.

أما مدير الحلبة "كونت فولبي" وخادمه القرد "سباتاتورا"، والذي تؤدي همهماته المضحكة الممثلة كيت بلانشيت ببراعة، فيعبران بعلاقتهما غير المتكافئة عن أنماط الاستغلال العاطفي، وتلك الروابط غير الصحية التي قد تنشأ بين الفرد وذويه، وتجبره على الثبات في مكانه، بدلاً من المضي قدماً في رحلة النمو الفردي.

كتب ديل تورو، الملقب بصانع الخرافة المعاصرة، نصوص معظم كلمات الأغاني الساحرة المقدمة عبر الفيلم، وترك أمر تلحينها وتوزيعها للمؤلف الموسيقي الفيلمي أليكساندر ديبلات، فقدم الأخير قصة موازية عبر الموسيقى، تدعم النص وتحركه إلى الأمام، مستخدماً تشكيلة واسعة من الأنماط والآلات الموسيقية والأداءات الغنائية المنفردة والجماعية لتلك الغاية.

ولعل الثناء على تكامل المشهد البصري غدا بديهياً عند الحديث عن نتاجات ديل تورو للشاشة، فهو دائم الحرص على تحقيق الإذهال البصري والسمعي، مستخدماً كل ما في حيلته من خدع وتقنيات متطورة، إذ يقدم صورة مشبعة بالضوء واللون والتفاصيل، ويضبط الإضاءة بوصفها راوياً إضافياً للأحداث، وكأن الضوء هو التنوير والكشف عن الحقيقة وحجبها أحياناً، وصولاً إلى التصميم المذهل لدمى الشخصيات التي تمنح بانقلاباتها الحركية والحجمية نكهة خاصة، لا نجدها في الرسوم المتحركة المرسومة باليد.

استهلم ديل تورو وغوستافسون سينوغرافيا الفيلم وشخصياته من أعمال الفنان غريس غريملي الذي منحنا كتابه الصوري لعام 2003 تأويلًا مختلفًا لأعمال كولودي المكتوبة، فبدلًا من رسم الأطراف الرخوة والوجه المستدير البشري لـ"بينوكيو"، كما في نسخة "ديزني"، ينحت غريملي "بينوكيو" في أبسط تصميم ممكن، تاركًا صنعته اليدوية المتواضعة بارزة بشكل واضح، من دون ثياب تغطي "عيوب" جسده أو تحاول جعله أكثر قرباً للهيئة البشرية واستِساغة لذائقتها.

يكثر النقاش حول كون نسخة "بينوكيو" الجديدة، هي الأجمل والأكثر ابتكاراً من بين سابقاتها، حتى أن بعضهم يعتبرها واحدة من أفضل أعمال التحريك المعاصرة على الإطلاق، مع أنها أولى تجارب المخرج ذي الثمانية والخمسين عاماً في تقنية Stop motion خلال مسيرته كصانع أفلام يعمل منذ أكثر من ثلاثين عاماً. يجتاز ديل تورو تحدياً جديداً بامتياز، ويجعلنا نتساءل بحماس عما ستكون مغامرته المقبلة.

 

العربي الجديد اللندنية في

16.12.2022

 
 
 
 
 

«Avatar» لقطات استثنائية كثير من المشاعر وقليل من الحوار

كتب: سها السمان

تتفاوت قدرة صناع السينما على خلق عوالم جديدة تنبض بالحياة، بعضهم يمتلك موهبة تجعل المشاهد يعيش فى هذا العالم كما لو كان جزءًا منه ويرتبط بتفاصيله وشخصياته ويتذكر أسماءهم مهما مر الوقت، وهو ما نجح فيه جورج لوكاس حينما قدم سلسلة حرب النجوم star wars فى نهاية السبعينيات من القرن الماضى، والأمريكى تيم بيرتون فى أغلب أفلامه، خاصة التى قدمها مع الممثل جونى ديب، والإنجليزى كرستوفر نولان الذى يبهرنا فى كل فيلم بقدرته على ربط المشاهد بأبطاله كما لو كانت شخصيات نعرفها عن قرب، والنيوزلندى بيتر جاكسون الذى حول عالم الكاتب ج. ر. ر. تولكين إلى أفلام رائعة فى سلسلة The Lord of the Rings، وأيضًا المخرج الكندى جيمس كاميرون الذى ينجح فى إبهارنا بقدرته على تحويل الخيال لصورة قريبة من الواقع بدرجة مذهلة.

والأسبوع الماضى كان بداية عرض فيلم Avatar: The Way of Water للمخرج جيمس كاميرون وذلك بعد 13 سنة من عرض الجزء الأول Avatar، وهو الفيلم الذى انتظره صناع السينما لمشاهدة كيف سيغير جيمس كاميرون صناعة السينما للمرة الثانية؛ فعندما صدر الجزء الأول من عام 2009 كان أول فيلم يستخدم تقنية D 3 فى عالم السينما ووصلت تكلفته لـ237 مليون دولار وظل أول فيلم تتخطى ميزانيته 200 مليون دولار حتى عام 2019، وحقق رقمًا قياسيًّا فى مبيعات شباك التذاكر فى الولايات المتحدة وكندا تقدر بنحو 278 مليون دولار فى أسبوع العرض الأول، وبعد 10 أسابيع من طرحه فى دور العرض تجاوز Avatar حاجز 2 مليار دولار، ووصلت إيراداته حتى اليوم إلى 2.9 مليار دولار.

يعود جيمس كاميرون فى الجزء الثانى من أفاتار إلى كوكب باندورا، حيث يستقر جاك سولى وسط سكانه «النافى»، ويصبح لديه أسرة وأطفال هجين من زوجته «نيترى»، لكنه يضطر للهرب وأسرته والإقامة لدى قبيلة أخرى من سكان كوكب باندورا بسبب ملاحقة البشر له وهجماتهم على سكان باندورا وللحياة عليه.

الدعاية التى سبقت Avatar: The Way of Water كانت ضخمة، خاصة مع الإعلان عن تطوير شركة سونى لكاميرا D Sony Venice 3 لتلبية احتياجات جيمس كاميرون فى التصوير تحت الماء، بنظام يعرف باسم D Rig3 ويعتمد على فكرة التقاط صور للعين اليسرى واليمنى ثم تركيبها على الشاشة للحصول على الإحساس بالأبعاد، كما أصر كاميرون على تصوير كل تفصيلة لحركة الممثلين تحت المياه ليضمن صحة فيزياء الحركة تحت الماء وظهورها بشكل واقعى، وهو ما جعل النجمة كيت وينسلت التى تشارك فى الجزء الثانى من أفاتار تقول إنها كسرت الرقم القياسى لتوم كروز الذى بقى تحت الماء لست دقائق فى فيلمه Impossible - Rogue Nation لتحقق رقم سبع دقائق و14 ثانية تحت الماء.

المؤثرات البصرية فى فيلم Avatar: The Way of Water مبهرة بحق وربما كان الإحساس بجمال الصورة سببًا فى طول مدة عرض الفيلم الذى وصل إلى 3 ساعات و12 دقيقة، استعرض فيها جيمس كاميرون بشكل مبالغ فيه مهاراته فى خلق عالم جديد على شاشة السينما، مدة استعراض المؤثرات البصرية التى تجاوزت الساعة فى النصف الأول من الفيلم تسببت فى حالة الملل؛ خاصة فى ظل غياب حوار قوى، أو قصة تدخلنا فى قلب الأحداث مباشرة، بل كانت بعض المشاهد تتكرر، أو يتم استدعاؤها من أفلام أخرى كما فى مشهد غرق السفينة قريبة الشبه جدًّا بمشاهد غرق السفينة فى فيلم تيتانيك الذى قدمه كاميرون عام 1997، وكأن جيمس كاميرون صانع كل هذه الجودة البصرية يصعب عليه ألا يعرضها فى الفيلم.

جاء إيقاع النصف الثانى من الفيلم سريعًا وكأن الفيلم فعليًّا يبدأ بعد ساعة من عرضه، فالمشاهد تبدو أكثر قوة وحيوية وتأخذنا إلى منطقة أفلام الملاحم التى تظهر لحظات الهزيمة والضعف الإنسانى، وفقد الأعزاء وإعادة تنظيم الصفوف، كما أن مشاهد القتال فى اللقطات الواسعة كانت فرصة لإظهار الصورة المبهرة بشكل أكبر فى فيلم ملحمى، وبمصاحبة موسيقى سايمون فرانجلين الذى سبق أن قدم موسيقى الجزء الأول من أفاتار، وأيضًا موسيقى فيلم تيتانيك.

وإذا كان جيمس كاميرون أظهر فى الجزء الأول Avatar إسقاطات حول تدمير البيئة، ففى Avatar: The Way of Water عرض بشكل أكثر وضوحًا ومباشرة توحش الإنسان وعدم اكتراثه بأى شكل إلا بمصلحته الشخصية، وهو ما ظهر فى مشاهد صيد الحيوانات البحرية من أجل الحصول على ملء زجاجة من مادة تكافح الشيخوخة وقيمتها تبعًا لما قاله «الصياد» فى الفيلم 8 ملايين دولار، وبعدها يلقون بالحيوان بالكامل فى البحر، كذلك مشاهد إحراق الغابات، وإطلاق النار على الحيوانات البحرية وهى المشاهد التى تذكرنا بما يحدث على الأرض من عنف تجاه البيئة.

بعد العرض الأول لفيلم Avatar: The Way of Water والذى أقيم للنقاد العالميين فى لندن كتب إريك ديفيس من موقع Fandango: «الفيلم استثنائى وهو أكبر وأفضل من الجزء الأول، والمشاهد فيه تخطف الأبصار، كما أن الجزء العاطفى والتركيز على المشاعر أكبر من الجزء الأول».

أما المذيع Josh Horowitz فقد قال «إن جيمس كاميرون فى هذا الفيلم يقول لصناع السينما كيف يصنعون الأفلام ويقدمون عملًا ملحميًّا ضخمًا وعاطفيًّا».

وعلى الرغم من طول مدته فالحوار كان قليلًا جدًّا، وليس بقوة الصورة، كما لم تتح الفرصة لخلق حالة من الارتباط بالشخصيات ومتابعة تطورها كما فى حالة الأفلام الملحمية، وحتى لا توجد تفسيرات واضحة لطبيعة بعض الشخصيات مثل «كيرى»، لكنه لم يخل من اللقطات الإنسانية مثل غيرة النساء وشحنهن للأزواج، مسؤولية الأخ الأكبر تجاه إخوته، مسامحة الآخرين مهما كانت أخطاؤهم تجاهنا، والأهم أن المواقف الصعبة تقربنا من بعض وتجمعنا، وكيف تتحول الأرض التى تضم رفات عزيز علينا إلى وطننا.

فيلم Avatar: The Way of Water يقوم ببطولته سام ورثنجتون، وزوى سالدانا، وسيجونى ويفر، وانضمت إلى أبطال الجزء الأول النجمة كيت ونسليت فى ثانى تعاون لها مع المخرج جيمس كاميرون بعد فيلم تيتانيك، ووصلت ميزانية الفيلم إلى 350 مليون دولار، وحقق حتى كتابة هذه السطور 15.8 مليون دولار عالميًّا.

 

المصري اليوم في

18.12.2022

 
 
 
 
 

"مثلث حزن" لروبن أوستلند..

الوضوح القاتل ضد الرأسمالية وحياة الأوليغارشيين

محمد صبحي

"لا يمكن تحقيق المساواة الحقيقية بين الرجل والمرأة إلا في إطار عملية التحوّل الاشتراكي للمجتمع بأسره." - ماو تسي تونغ

في دورة مهرجان كانّ السينمائي لهذا العام، حصد السينمائي السويدي روبن أوستلند (1974) بفيلمه الأخير "مثلث حزن"(*) جائزة السعفة الذهبية للمرة الثانية في مسيرته، في مفاجأة لم يتوقّعها أحد مسبقاً. لكن حين النظر للأمر بقليل من التمعّن، يتناسب تتويج الفيلم (الهجائي والواضح جداً في هذا الصدد) مع مسارٍ احتفائي رافق أبرز الإنتاجات الإسكندنافية في عروضها المهرجانية كما في شباك التذاكر، في السنوات الأخيرة.
لنفكّر، على سبيل المثال، لا الحصر، في "
المربّع" لأوستلند نفسه، أو "جولة أخرى" للدنماركي توماس فنتربيرغ ، أو "أسوأ شخص في العالم" للنرويجي يواكيم ترير؛ ومن ثمّ، بالطبع، لنفكّر في عالمنا الراهن المطبوع بشيوع النقد المتشابه في خلاصاته (وإن بدأ من منطلقات مختلفة ومتنافرة أحياناً)، لذلك فهذا النوع من النقد الأساسي/السطحي موضع ترحيب دائماً لأنه، ببساطة، يشعرنا بقليل من التحسّن والرضا عن أنفسنا.
وهذا هو المكان الذي يحرز فيه فيلم روبن أوستلند الجديد أعلى النتائج، بتقديمه نقداً أساسياً لظروفنا الحالية، واحتدامه ضد الرأسمالية ككلّ، واستهدافه على وجه الخصوص السطح الخرساني لعالم الموضة والأزياء، وحياة اليخوت المليئة بأوليغارشيين وأثرياء آخرين معدومي الشعور والإحساس، وموضعة أحداثه في سيناريو تقليدي حول مجموعة منتقاة من البشر في جزيرة نائية مقطوعة لإظهار ما أشار إليه سيغموند فرويد قبل وقت طويل في دراسة تعود للعام 1915، وويليام غولدينغ في روايته "إله الذباب"، وما فعله 
بونغ جون-هو تقريباً في فيلمه "طفيلي
" قبل ثلاث سنوات: "تيتانيك" تغرق بالفعل، وزخرف الحضارة رقيق وناحل، والسلطة/القوة فاسدة، والفقراء، بالطبع، ليسوا أفضل من يتولّى زمام الأمور.

لكن أوستلند يجمع هذه الأفكار والخواطر والسيناريوهات في صورة مرحة وصاخبة، ويجهّزها بشكل أنيق ولامع بحيث يبدو كل شيء في هذه الكوميديا-التراجيدية الساخرة جديداً ومعاصراً، كما يلحّ مراراً وتكراراً على تقديم "نزوات راديكالية" لتوضيح ما هو واضح بالفعل، كما، على سبيل المثال، في مشهد القرد في فيلم "المربع". نزوة "مثلث حزن" الراديكالية هي مشهد القيء والبراز المطوّل بشكل جذري، في الفصل الثاني من الفيلم، حيث تلعب الممثلة سوني ميليس ببراعة ما يحاول أوستلند إخبارنا به هنا. والشخصية التي تؤدّيها الممثلة السويسرية كانت ستكفي في حدّ ذاتها لبيان وجهة نظر المخرج، وربما تتباين بشأنها آراء المتفرجين، كإيماءة مرحة أو كتهريج مثير للاشمئزاز، اعتماداً على ذوق المتفرج وتاريخه النفسي والاجتماعي.

إلا أن أوستلند لا يرضى بديلاً عن إفاضة الشاشة بمزيج البطون المستفرغة، مزخرفاً هذه "الفورة" البرازية بشلالات لفظية مماثلة عن الرأسمالية يلقيها قبطان اليخت الأميركي الماركسي توماس سميث (وودي هارلسون) ورفيق شُربه الأوليغارشي الروسي المناهض للشيوعية ديميتري (زلاتكو بوريتش)، وهي مشاهد ممتعة بالفعل بسبب تمكّن هارلسون وبوريتش من تجسيد التسامي الفاحش المتغطرس والقوة الغاشمة اللطيفة، على الترتيب، لكن بعد ذلك تخفت الموجة تماماً مسيَّجة بإطار المعروف والمعلوم بالضرورة، ليصير الوقت المتبقي من الفيلم (الممتد لساعتين وثلث الساعة) ممطوطاً ومتوقعاً.

لا يختلف الأمر كثيراً عن نقد أوستلند للعلاقات القائمة بين الجنسين، حيث تُعرض أيضاً في مشاهد مطوّلة يفسد تأثيرها بإهدار الوقت في تظهير ديناميكياتها.

هناك، على سبيل المثال، ذلك المشهد الافتتاحي في المطعم، على طاولة الثنائي النموذجي كارل (هاريس ديكنسون) ويايا (شارلبي دين كريك)، عارضي الأزياء اللذين يستكشفان حدود علاقتهما؛ والمستند إلى تجربة شخصية لأوستلند، كما قال في مقابلة صحافية: "لم أكن مع سينا [شريكته] لفترة طويلة وقتذاك، وكنّا في مدينة كانّ، وأردت إبهارها، وخرجنا لتناول عشاء فاخر، ودفعت الحساب، بالطبع. كان الأمر كذلك في الليلة الأولى، والثانية، وحتى الثالثة. ثم فكّرت: انتظر لحظة، ثمة خطأ ما هنا. أحبُّ طريقتها كثيراً في إيقاعنا في تلك الأدوار النمطية." وبقدر عادية ما يقوله أوستلند في المقابلة، تخيَّلَ المشهد أيضاً، إلا إنه يمثّله على الشاشة بحسٍّ نسبوي-ما بعد حداثي للحقيقة، مختصراً أمسياته الثلاث إلى أمسية واحدة بين بطلي فيلمه، ما يعطي هذا المشهد طابعاً متكرراً دون داعٍ وبلا أي قيمة مضافة درامية. يتشابه الوضع في مشاهد الجزيرة (الفصل الثالث من الفيلم) بعد أن ينعكس ميزان القوى بين الناجين: هنا أيضاً، لا يثق أوستلند في روايته الأوليّة للبنى الأساسية؛ هنا، أيضاً، يجب أن تحدث الأمور أكثر من مرة، وأن تُعاد التلميحات والإيماءات والرمزيات.
يؤدي هذا في النهاية إلى نفي التعقيد والالتباس عمّا يُفترض غامضاً وقابلاً للتأويل، الأمر الذي لا يفيد "مثلث حزن" بأي شكل، فالفيلم يظلّ ينبح حتى نهايته، من دون أن يعضّ قطّ (على عكس، مثلاً، "طفيلي"، الفائز مثله بالسعفة الذهبية، الذي فعلها أكثر من مرة بطريقة لاذعة ومؤثرة).

هناك سبب آخر لذلك التواضع الذي ينتهي إليه الفيلم المتوّج مؤخراً بـ6 جوائز من جوائز الفيلم الأوروبي لهذا العام. فعلى عكس فيلميه الأخيرين، "قوة قاهرة" و"المربّع"، حيث استطاع أوستلند إخفاء الإطار النظري لنقده وراء سردية مكثّفة عن أشخاص يعانون في خضم تحوّلهم/انسلاخهم، وهي عملية، في حالة أوستلند، دائماً ما يسبقها تغيُّر جوهري ضمن إطار مجموعة بشرية تعيش أزمة، وبالتالي تؤثّر فينا (كمشاهدين) بالفعل؛ أما هنا فلم نعد نتعامل مع بشر حقيقيين/ شخصيات حقيقية ومآسيهم الوجودية، بل مع عناصر نائبة للعديد من التركيبات النظرية في وقتٍ واحد، ووفقاً لهذا الترتيب تلعب ضد بعضها البعض. تستحيل الشخصيات حوامل أفكار، فيتحوّل السيناريو وأحداثه لعبة رمزية سخيفة عن النفاق البشري والصراع الطبقي والعلاقات الإنسانية والمعايير المقلوبة.

هذا النهج الدوغمائي المتأصّل كافٍ على الأقل للإضحاك والإدهاش وإشعار المتفرّج (الغربي غالباً) بقدرته على إدراك البنية الأساسية للبؤس الغربي وأيضاً لفهم نفسه بشكل أفضل قليلاً، بلا أن يوجّه دعوة عاجلة للعمل فوراً، كما كان معتاداً في زمن ماو صاحب الاقتباس الافتتاحي لهذا المقال. وهذا مهمٌّ، على الرغم من أن أوستلند لا يخبرنا حقاً بأي شيء جديد هنا، لأن انحرافات حضارتنا (أو الحضارة الغربية تحديداً) لا تُقدَّم بشكل وافٍ أو مبتكر. وبالنسبة لفيلم متوّج بجوائز كثيرة ومرموقة، هذا سقف منخفض جداً.

(*) عُرض الفيلم مؤخراً في بيروت ضمن فعاليات الدورة السادسة من" مهرجان مسكون" لسينما الرعب والفانتازيا والخيال العلمي.

يُعرض حالياً في سينما "زاوية" في القاهرة.

 

المدن الإلكترونية في

18.12.2022

 
 
 
 
 

ستريمينغ

ديل تورو خطف «بينوكيو»... وأبهرنا

شفيق طبارة

مخلصاً لأسلوبه الراقي الذي يخرج من أحلك زوايا الحكايات الخيالية، استحوذ غييرمو ديل تورو بصحبة مارك غوستافسون، على القصة الأسطورية التي كتبها كارلو كولودي عام 1883 حول الصبي المنحوت من الخشب، لتُصبح خاصته. رواها بتقنية إيقاف الحركة (Stop motion) وقدمها بطريقة ساحرة وجذابة بقدر ما هي داكنة وأحياناً شريرة.

«بينوكيو» من يد وعقل ديل تورو، مختلف تماماً عن الأفلام العائلية النموذجية. القصة المليئة بموسيقى وأغنيات الحائز أوسكار ألكسندر ديبلات، لا تبتعد عن الظلام والحزن، لكن بقوة موازية تحتوي أيضاً على الكثير من اللحظات الخفيفة والمبهجة. نجح ديل تورو في تحويل قصة رويت آلاف المرات إلى قصة جديدة ومبدعة ومدهشة ورائعة. خطف ديل تورو «بينوكيو» وقدمه بشخصيته البصرية والروائية، والنتيجة فيلم متطرّف، متحد، مظلم، وحشي، مأساوي، متمرد بطبيعته وعلى علاقة كبيرة بالموت والسياسة. نعرف أن الصبي الخشبي الذي نحته غيبيتو العجوز والذي تم إحياؤه بأعجوبة، تعلّم معنى أن تكون إنساناً في رحلة مليئة بالمغامرة. لكن مع ديل تورو، تعلم أكثر من ذلك، إذ عرّج به المكسيكي إلى معنى الموت والحرب والفاشية وأيضاً معنى الحب والصداقة. بين الحكاية الخيالية والرواية الخارقة للطبيعة، يقع فيلم «بينوكيو» الذي لا يصل إلى مستوى إنجازات المخرج في «متاهة بان» (2006) و«شكل الماء» (2018)، إلا أنّ في «بينوكيو» قوة صورة لا يمكن إنكارها، ومثل بطلها يظل الفيلم مخلوقاً صغيراً وغريباً يستحق كل الحب والافتتان.

تحتوي قصة ديل تورو على كل ما نعرفه عن الرواية الأساسية، وطبعاً الفيلم الأول عنه الذي قدمته «ديزني» عام 1940، من شخصيات رئيسية وتطورات درامية وحوادث، ولكن مع بعض الإضافات التي تضفي مظهراً جديداً مقارنة بالعدد الهائل الذي رويت فيه هذه القصة. العلاقة بين الأب والطفل، بين النجار غيبيتو (ديفيد برادلي) وبينوكيو (غريغوري مان) هي طبعاً جوهر القصة، يسبقها عمق المأساة بموت ابن غيبيتو في الحرب العالمية الأولى وسقوط الوالد في الاكتئاب والسكر، ما يجعله يريد أن يخلق ابنه من جديد بنحته على شكل دمية خشبية. بفضل جنية الأخشاب (تيلدا سوينتن)، تنبعث الحياة في هذا الهيكل الخشبي. يحمل الجانب المرئي والفني بأكمله أسلوب ديل تورو السينمائي والاجتماعي والسياسي، تماماً مثل المعنى النصي، إذ حددت القصة أثناء صعود الفاشية في إيطاليا، حيث تم تصوير موسوليني (توم كيني) بطريقة كاريكاتورية، مع كون بينوكيو مركز رواية مجازية حول الحياة وجنية الموت (تيلدا سوينتن أيضاً) والحرية وطرق الزهد والفداء والتضحية بالنفس. بينوكيو بحدّ ذاته شخصية معقدة ومع ديل تورو، يزداد الأمر تعقيداً مع أرضية أخلاقية أكثر إثارة للجدل، وأقل جاذبية للأطفال، على الرغم من أنه متوازن في القصة مع شخصيات أخرى مثل راوي القصة الجرادة سيباستيان (إيوان مغريغور) والقرد سبازاتورا (كيت بلانشيت) والكونت ڤولبي (كريستوف والتز) الشرير. وعلى الرغم من المجاز والخيال المعقد والشخصيات الخرافية التي يخلقها ديل تورو لهذا الفيلم وأسلوبه الذي لا يصلح دائماً للأطفال، إلا أنّ «بينوكيو» يتناسب جيداً مع إطار السينما العائلية. هذا الاندماج البريء للقصة مع عالم الخيال الذي يثير به ديل تورو «بينوكيو»، خلق فيلماً مثيراً للإعجاب يناسب الجميع.

يعرف ديل تورو أنّ داخل كل أسطورة وحكاية شعبية وخيالية قسوةً تظهر بمجرد خدش سطحها، وأن كل قصة تحمل معاني أكبر من تلك الواضحة التي قد تبدو أحياناً تافهة ومباشرة. لذلك كرس المكسيكي جزءاً كبيراً من فيلمه لإظهار هذه الحقيقة المخفية لنا. وكما يفعل غالباً، لم يقتصر عمله على تشويه عناصر القصة الرئيسية وإضافة عناصر أخرى لها، ولكن أيضاً أعادها إلى أصلها، إلى الرواية القاتمة والأخلاقية لكارلو كولودي لتذكيرنا بأن العديد من عناصر هذه القصة لا تعتبر جميلة وخفيفة للأطفال فقط، بل تحمل الكثير من الموت والعنف بدرجة مناسبة ليتعلم منها القصّر. بهذه الطريقة، قدم ديل تورو مخلوقاً مشوهاً في بعض الأحيان غير مرغوب فيه، بعيد كل البعد عن عوالم «ديزني». إن الدمية الخشبية هذه ليست شخصية رائعة، بل كارثة خشبية تمشي على أرجل. يقدم ديل تورو العصيان صفةً مركزية في رحلة هذه الدمية بصفتها كائناً حراً يبحث عن الحب حيناً، ويرفض الخضوع لأنظمة غير عادلة أحياناً، بل يرفض الخضوع لمنظومة الأسرة ويستعمل القسوة والأكاذيب سلاحاً رئيسياً للبقاء.

القصة التي تدور أحداثها في إيطاليا موسوليني، مليئة بالرموز المسيحية وبعناصر روحية أحياناً مرعبة. ولأن الفيلم من توقيع ديل تورو، فإنّ التصميم المبهر للبيئة التي خلقها والمخلوقات التي ابتكرها لتتماشى مع الشخصيات الأصلية ــــ ومع أنها مسرفة في بعض الأحيان بدءاً من الدمية الخشبية التي يصبح نطقها مزعجاً وحتى شريراً ــــ تسير باتجاه إعادة التفكير في المقارنات الدينية والسياسية والتحيزات الاجتماعية للتعاليم الرئيسية في ما يتعلق بما يعنيه أن يصبح بينوكيو إنساناً. هذه النسخة الجديدة من «بينوكيو» عمل جريء، ليس فقط للرسوم المتحركة والستوب موشن، ولكن للسينما بشكل عام. إنه أكثر تعقيداً مما يبدو عليه، من دون أن يتخلى عن وضوحه للبحث عن الترفيه وإيصال ما يريد للجمهور العام. «بينوكيو» ملائم جداً لديل تورو، جعله خاصاً به، أعطاه طابعه وصاغه وفقاً لهواجسه الخاصة بما في ذلك بعض الذي يأتي من الطفولة. ولكن ديل تورو لا يزال ديل تورو، ولا يزال هذا الفيلم فيلماً للأطفال لا يأخذهم على أنهم أغبياء، لذلك توجد في الصورة مساحة أكبر للشعر والفكاهة مقارنة بالرعب، خاصة في ما يتعلق بالجرادة سيباستيان وطموحاته الأدبية والموسيقية التي يتم سحقها بطريقة فكاهية كلما حاول التعبير عنها.

تجري أحداث القصة أثناء صعود الفاشية في إيطاليا

تقنية إيقاف الحركة لا تتناسب كثيراً إلا مع المبدعين الموهوبين بسبب صعوبتها التقنية والفنية. لذلك يشارك في الفيلم مارك غوستافسون، المعلم الحقيقي لهذه التقنية، ما يجعل الفيلم مليئاً بالرموز المرئية، من بينها استخدام الظلال المشوهة على الجدران كإسقاط مذهل للأحداث، والتي ستكون ثابتة طوال الرحلة، ما يسمح للغمزات المجازية أن تأخذ مساحتها. تأخذ نسخة ديل تورو حياة خاصة بها، وتصبح هذياناً بصرياً لذيذاً بديناميتها الخاصة ولحظاتها التي في بعض الأحيان تأخذ طريقاً بعيداً عن القصة الرئيسية.
«
بينوكيو» الجديد ليس القصة الكلاسيكية التي نعرفها، بل إنها إعادة ابتكار مناسبة جداً للعديد من التيارات الأيديولوجية التي تعود في وقتنا الحاضر كالفاشية. نحن هنا لا نتحدث عن مراجعة تاريخية، بل عن مراجعة لخيالنا الجماعي الجديد. «بينوكيو» بشكل لا لبس فيه، منسجم جداً مع عالم أفلام مخرجه. ديل تورو يروي بجرأة وطموح وحماس قصة سمعناها آلاف المرات، حافظ على روحها ولكنه قلبها رأساً على عقب، وضعها تحت مجهر وضوء جديدين، أعاد تركيز أولوياتها، وكتابة نهايتها، والتف كثيراً للوصول إلى خاتمتها
.

* «بينوكيو» على نتفليكس

 

####

 

«أفاتار2»... وليمة عامرة للحواسّ ولكن!

شفيق طبارة

بالنسبة إلى كثيرين، كان «أفاتار» (2009) تجربة لا تنسى. يُعد الفيلم ثورة في التجربة السينمائية في القرن الحادي والعشرين. قدم مفهوماً جديداً للأبعاد الثلاثية، انتظر وقتها المخرج جيمس كاميرون التكنولوجيا لتكون متاحة لبدء التصوير، واخترع هو وفريق عمله لغةً محكية جديدة خاصة بالفيلم. والنتيجة: فيلم ضخم، من حيث الإنتاج والتقنيات الجديدة، بميزانية بلغت 237 مليون دولار. ولغاية اليوم، يحتل المرتبة الأولى على قائمة شباك التذاكر بإيرادات وصلت إلى أكثر من مليارَي دولار. منذ ذلك الحين، يعمل كاميرون على التكملة. أربعة أجزاء لنكون أكثر دقة. وصلنا اليوم الجزء الثاني من السلسلة هو «أفاتار: طريق الماء» بميزانية وصلت إلى حدود 400 مليون دولار. ومن المحتمل أن يقضي كاميرون بقية حياته المهنية لإكمال الأجزاء الثلاثة الأخرى المعلنة. في انتظار ما سيأتينا في المستقبل، دعونا نغوص بما يمكن مشاهدته اليوم في الصالات السينمائية.

نعلم جيداً أن جيمس كاميرون يحب المشاريع الطموحة، ولا أحد يستطيع أن ينكر موهبته أو مساهمته في تاريخ السينما. هو مخرج بصري بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. «أفاتار: طريق الماء» دليل جيد على ذلك، ويجب أن نبدأ بهذا الجانب الذي ركّزت عليه أعلى التوقعات. فيلم مذهل بصرياً، لم يسبق له مثيل والمناظر الطبيعية تخطف الأنفاس، والمخلوقات جميلة والطريقة التي يعمل بها العالم الذي خلقه كاميرون ساحرة، والتجربة غامرة. فيلم يمكنك مشاهدته بطريقة عادية أو بالأبعاد الثلاثة أو IMAX 3D وحتى 3D 4DX، بغض النظر عما تعنيه هذه الأحرف والأرقام. مرة أخرى، يقدم لنا كاميرون وليمة للحواس، تجربة يجب أن نعيشها في السينما، إذا كنا نريد الهروب من الواقع لمدة ثلاث ساعات وربع.

فيلم كاميرون الجديد مجنون، يصل إلى حدود غير متوقعة ويتجاوزها، وبهمجية مرئية يهاجمنا. إلى هنا متفقون، ولكن هذا سيف ذو حدين، ما يمكن أن يكون نقطة قوة، هو أيضاً نقطة ضعف. هذه الدقة الكاملة للتأثيرات الخاصة، والجمال المعقّد للصورة التي تمنحها حدة شديدة تجعلها في بعض الأحيان تبدو كأنها لعبة فيديو، من السهل التعوّد عليها، وتفقد بريقها وإبهارها لأنها ببساطة مثالية. وعلى مستوى آخر، هذا الكمال البصري سيكون دائماً غير متوازن مع بقية عناصر الفيلم، وهنا نأتي إلى المضمون، وتعود المشكلة التي عانى منها الفيلم الأول. «افاتار: طريق الماء» فارغ كسابقه، يسمح لنفسه برفاهية تلقيننا قصة من دون أن يعرف كيف يقنعنا. يبيع لنا فلسفة مبسّطة مكررة لا حاجة لنا لها. صحيح أن كاميرون كان هنا أكثر تأهباً من الفيلم الأول، وسعى جاهداً إلى إدخال العديد من المكونات الجديدة لجعل هذا الماء أكثر طعماً وليس مجرد ماء ملون، ولكن بمجرد أننا نعرف أن هذا الفيلم ما هو إلا جزء صغير من شيء أكبر سوف يمتد إلى سنوات، وأن هذه الصراعات الجديدة والشخصيات ستنتهي على أقساط مستقبلية، يجعل هذا التجربة كلها غير مكتملة، وما هي إلا نقطة انطلاق لشيء لا نعرف أو نفهم كيف سيكون أضخم! من الواضح أن كاميرون وفريقه واضحون جداً بشأن ما يريدون من القصة وأين يريدون توجيهها، نعلم أنه يرغب في تقديم فيلم بسيط يخاطب الجميع، بما في ذلك آخر أبله على الكوكب. نجح في المرة الأولى، فلماذا يجب أن يغير شيئاً الآن؟ ليس هناك شيء لإصلاحه.

القصة هي في الأساس نفس قصة الجزء الأول: جيك سولي (سام ورثنغتون)، تم استيعابه بالفعل كأحد سكان كوكب باندورا، اليوم لديه عائلة مع الأميرة المحاربة نيتيري (زوي سالدانا). تبدأ القصة بعد عقد من الزمن بعد الفيلم الأول. لدى جيك ونيتيري ثلاثة أطفال بيولوجيون وعدد قليل من الأطفال بالتبني. بعد صد هجوم البشر بنجاح في الفيلم الأول، سرعان ما عاد البشر لاحتلال الكوكب من جديد. قبل مواجهة هذا المصير مرة أخرى، غادر جيك وعائلته الغابات وهربوا إلى الجزر الاستوائية في المحيط. مرة أخرى، يجب عليهم أن يتعلموا العادات الجديدة، والعيش بسلام ولكن بالطبع كما هو متوقع، لا يمكن الهرب من مصيرهم والحرب الجديدة. بينما يأخذ كاميرون وقته ليبيّن لنا بالتفصيل الجانب الجديد من الكوكب والحياة الجديدة، الذي لا يختلف كثيراً عن ذلك الذي قدمه لنا في الأصل، إلا أن في قاع البحر حياة أخرى، مخلوقات فسفورية، حيوانات مفترسة وخطراً ينتظر في كل زاوية.

يمزج الفيلم الكثير من المواضيع في سرد غير منتظم، بعد الفصل الأول الذي ثبت فيه أنّ الفيلم سيتعامل مع الاستغلال الاستعماري لباندورا من قبل البشر، تم التخلي عن هذا الموضوع طوال الفصل الثاني الطويل الذي يركز على الظروف الجديدة للأبطال ويذكرنا بأزمة المناخ العالمية، والهوس بالحياة الأبدية، والصيد الجائر في البحار، والاندماج في بيئة جديدة مع سكان المدينة الأصليين، والمخلوقات البحرية المبهرة. فوق هذا، لم تتحسن موهبة كاميرون في الكتابة والحوارات، إذ غالباً ما تذهب الحوارات بين الشخصيات إلى كلام ساذج بسيط لا علاقة له بالقصة. وإذا أضفنا بعض مشاهد الحركة غير الجذابة، ينتهي الفيلم والحبكة بسبب الطول المفرط وعدم التركيز على شيء معين. يقف الفيلم منذ البداية مع الشخصيات القديمة والجديدة وفكرة المدينة والعائلة، ويكمل فقط من خلال قوته السمعية البصرية. تمكن كاميرون من استخدام ترسانته الفنية بالكامل، ولكنه تعثر كما في السابق في بناء قصة وشرح المشكلة. نعم، النهاية هائلة، سريعة تتخللها جرعات كبيرة من التوتر الأسري والتشويق الحربي، والباقي كلاسيكي من أجل المصالحة والنظرة إلى المستقبل.

جيمس كاميرون ذو حسّ بصري استثنائي، لكنه يكافح عندما يتعيّن عليه بناء حبكة

جيمس كاميرون مخرج يتمتع بحس بصري استثنائي، لكنه يكافح عندما يتعين عليه بناء قصة وحبكة مع عدد كبير من الشخصيات. الصراعات تبدو نمطية للغاية، وفي بعض الأحيان يواجه الفيلم مشكلات في التوفيق بين طاقم الشخصيات الواسع. نعم أبهرنا كاميرون، ماذا بعد؟ وهنا نتحدث عن مصير السلسلة، إذا كانت الأفلام الباقية سوف تُعرض كما هو مخطط كل عامين، فكيف يمكن الحفاظ على هذه القصة الفارغة وإكمالها لأربع حلقات؟ «افاتار: طريق الماء» ليس الفيلم الذي سيجعلنا نحسب أيام العامَين المقبلين. سوف نتذكره على أنه أحدث جنون تكنولوجي سينمائي، وهذا أقل ما نتوقعه مع ميزانية كهذه. الجزء الثاني من «افاتار» يجب مشاهدته على الشاشة الكبيرة لأن هذا هو المكان الذي ينتمي إليه. فيلم سوف يبهرك ويسحبك بصنارته الطويلة ولونه الأزرق، ولكن احذر، فهذه الصنارة سوف تخترق رقبتك وبينما تسحبك نحو الماء، سوف تخبرك كم هو ممل الفيلم، طويل، ساذج وما نراه هو مجرد بريق زائف. «أفاتار» الجديد سيجذب كل من يذهب نادراً إلى السينما، ولكن إذا كان هذا فقط هو مستقبل التجربة والتطور السينمائيَّين، فهذا عار.

* «أفاتار: طريق الماء» في الصالات اللبنانية

 

الأخبار اللبنانية في

19.12.2022

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004