ملفات خاصة

 
 
 

"بلوغ" فيلم يصور أشكالا من تمرد النساء على ضوابط المجتمع

حنان مبروك

أيام قرطاج السينمائية

الدورة الثالثة والثلاثون

   
 
 
 
 
 
 

مخرجات ينقلن رؤيتهن لقضايا نسائية يعاني منها المجتمع السعودي.

تركز المخرجات السعوديات على تصوير معاناة المرأة بطرق مختلفة وبأفكار متنوعة، ومنها فكرة فيلم “بلوغ” الذي تشترك فيه خمس مخرجات لكل واحدة منهن أفكارها وثقافتها الخاصة ورؤيتها لواقع المرأة. لكنهن يشتركن في تحررهن من قيود مفروضة على النساء في مجتمعهن، وهو تحرر ينعكس على مشاريعهن السينمائية.

ليس هناك وقت محدد لنصل إلى مرحلة البلوغ وما يترتب عليها من تغيرات جذرية، فكل فرد قد يعيش ليلته المظلمة في ميقاتها الدقيق، ليعلن بعدها عن كسر القيود المكبلة لعقله، وقد يتكرر بلوغه لحظة التغيير، ويعيشها على فترات متباعدة في حياته، فالحياة في جوهرها هي رحلة وعي ونضوج.

هذا الأمر لا ينطبق على الأفراد فحسب وإنما ينسحب أيضا على المجتمعات التي لا تسير منعزلة عن بعضها البعض بل تجد نفسها مهما انعزلت مجبرة على بلوغ مرحلة التغيير.

من هذه الفكرة جاء فيلم “بلوغ” الذي يجمع خمسة أفلام قصيرة لخمس مخرجات سعوديات نقلن بكاميراتهن خمس قصص مختلفة لنساء بلغن درجة الوعي والتمرد على ضوابط المجتمع، وهي قصص تعكس عمق معاناة النساء اللواتي يعشن داخل مجتمعات منغلقة وتحت وطأة المعاناة والقلق والخوف.

وتدور مواضيع الأفلام الخمسة في فلك الوعي والجرأة في اتخاذ قرار التمرد على القواعد العائلية والاجتماعية، فكلهن نساء قررن الثورة وعيش الحياة التي تعجبهن، وبلوغ الهدف الذي رسمنه في لحظة قوة.

يبدأ “بلوغ” بفيلم “كريمة سمية”، وهو من تأليف وإخراج نور الأمير، ويُعتبر من أقصر أفلام المجموعة. ويدور موضوع الفيلم بالكامل حول العروس سمية التي قررت الهرب ليلة زفافها، بينما لا نراها نهائيا، بل نرى والدتها التي ترقص فرحة متزينة وهي تستقبل الضيوف، وتصدم كل مرة بالعروس وهي ترفض فتح باب غرفتها والنزول، إلى أن تكتشف فرارها وتحاول الاستنجاد بابنها للبحث عن أخته، تفشل كل محاولاته، ولا نرى أثر العروس في نهاية الفيلم سوى طرحة عرسها مُعلقة، ونافذة مفتوحة تتطاير ستارتها، وإعلان واضح عن تمرد الفتاة ضد عائلتها.

صحيح أن فكرة هروب العروس “مستهلكة” كثيرا في السينما العربية، لكنها في هذا الفيلم جاءت بطرح مختزل وبسيط، وبسيناريو مباشر وواضح، يجعل المشاهد يضطرب لاضطراب الأم. ومما زاد الفيلم حدة أنه قصير جدا إلى درجة أن المشاهد قد لا يستوعب ما يحدث، ليجد نفسه بسرعة أمام مشهد النهاية، وهكذا هو الأمر بالنسبة إلى من يبلغ فجأة درجة من القوة والجرأة ويقرر الهرب من الأمر الواقع، فيتخذ قرارا مفاجئا للجميع.

ويأتي الفيلم الثاني “الصباح” الذي كتبته وأخرجته سارة مسفر لينقل إلى المشاهد صورة عن عائلة سعودية فقيرة، تضطر فيها المرأة إلى إعالة ابنتيها، مع غياب الأب، إلى حين تقرر البنت التمرد على والدتها، حيث تبلغ درجة من رفض العيش داخل المنزل بضوابط وضعتها الأم تمنعها حتى من تربية الأرنب “أسد” وتجبرها على العمل لمساعدة والدتها على تحضير لوازم نسائية تبيعها في محل تصفيف الشعر النسائي الذي تعمل فيه.

جاء الفيلم شديد الواقعية خاصة على مستوى الصورة والديكور والأداء التمثيلي، حيث تجسد الأم وبناتها صورا شديدة القبح والعنف والاضطراب النفسي، وهي صورة غريبة عن السينما السعودية التي لم تعهد تقديم نماذج منها، خاصة وأن الفيلم يصور البطلة في أوضاع غير مألوفة ومنها المشهد داخل الحمام، وملابسها الشفافة وحديثها بوضوح عن أجزاء من جسد الأنثى.

ويسجننا الفيلم الثالث “حتى نرى النور”، الذي كتبته وأخرجته فاطمة البنوي، مع بطلته داخل سيارة احتجزت في مأوى للسيارات، ولم تستطع صاحبتها مغادرته لتقل ابنها في يومه الدراسي الأول، وتحملنا لقطات الفيلم الواقعية نحو معاناة المرأة مع مسألة القيادة، معاناة عاشتها المرأة السعودية طوال عقود، وهي حتى وإن استنجدت بأي رجل كي يساعدها على إيجاد حل، لم تلق آذانا صاغية بل تجاهلا ولا مبالاة، إلا أنها بدعم وإرشاد ابنها الصغير استطاعت أن تغادر المأوى وتقود سيارتها بكل حرية، في إشارة إلى قيادة المرأة للسيارة كفعل ثوري على الحياة في السعودية.

ويصور الفيلم العلاقة بين الأم وابنها على أنها علاقة غير تقليدية، بل تقوم على الحوار والمشاركة، والحوار البسيط مع الابن هو من سيعلم المرأة درسا لا ينسى، فحين قال لها “تحركي حتى نرى النور” هدأت وتعلمت أن تحركها هو من سيخرجها إلى النور، والتحرك الهادئ هو بالفعل من أخرج المرأة السعودية من الظلام إلى النور.

ويأتي الفيلم الرابع “المرخ الأخير”، وهو من تأليف منال العويبيل وإخراج هند الفهاد، ليقيم مقارنة بين العلم والموروث الشعبي أو تحديدا الطب الشعبي، حيث يصور قصة أم إبراهيم المرأة المسنة المداوية بالطب الشعبي والأعشاب، والصيدلانية مها الحاصلة على الماجستير في طب الأعشاب، والتي تضطر بضغط من زوجها إلى التداوي عند أم إبراهيم رغبة في الإنجاب، إلى أن تصاب المعالجة بالزهايمر وتنسى كل شيء حولها ما عدا قدرتها على المداواة.

وتقول الفهاد في تقديمها للفيلم “كل مشاهد سيرى الحكاية وفقا لمنظوره وأفكاره، لكنني أردت الاشتغال على العلاقة الإنسانية دون إظهار شخص منتصر على حساب الآخر، والترجمة التي وضعناها لعنوان الفيلم باللغة الإنجليزية هي ‘انفرغوتابل هاند’ (الأيادي التي لا تنسى)، واليد في الفيلم كانت هي أداة البطلة أم إبراهيم في التواصل مع مرضاها، وهي الأداة التي نشطت لها ذاكرتها جزئيا بعد إصابتها بالزهايمر”.

ويبدو هذا الفيلم أكثر الأفلام تماسكا ضمن الأفلام الخمسة، بسيناريو محكم وبأداء تمثيلي جيد، لكنه جاء منحازا إلى العلم على حساب الموروث ولم يقدم إلى المشاهد شرحا لعالم المداواة بالأعشاب على الطريقة التقليدية، بل اكتفى بتصوير الصراع بين البطلتين ومحاولاتهما الفاشلة للتقارب والتواصل.

وغير بعيد عن قصص النساء وتمردهن ضد الموروث والمجتمع، يأتي الفيلم الخامس والأخير تحت عنوان “مجالسة الكون”، وهو من كتابة نورة المولد وإخراج جواهر العامري، ليصور قصة فتاة يشجعها حوار ساخر مع خالتها المتحررة على التمرد على أسرتها، فبمجرد إعلانها عن “بلوغها” تجد نفسها أمام مصيرين لا ثالث لهما، إما تزويجها قاصرا وإرغامها على ارتداء النقاب أو اختيارها مواصلة الحياة كما تريد هي، لينتهي الفيلم بوقوف الفتاة أمام المرآة لتعلن رفضها أن تعيش مصيرا مشابها لبنات جنسها.

ويأتي هذا الفيلم بحوار قد يبدو مزعجا للبعض، تطغى عليه السخرية والاتهام المباشر للعائلة بالسيطرة والتحكم في مستقبل الفتيات بمجرد بلوغهن، وهو حوار يبدو ظلاميا ينظر إلى المرأة على أنها إما عدوة للمرأة أو هي مشجعة لها على التمرد منذ الصغر، ما يجعل الشخصيتين (الخالة والأم الحاضرة – الغائبة) تبدوان افتراضيتيْن وغير واقعيتيْن.

وكل الأفلام الخمسة، رغم تباينها على مستوى الجودة في صياغة السيناريو والتصوير، أظهرت مواهب متقاربة ومتشابهة؛ فكل المخرجات رغم اختلاف سيناريوهات أفلامهن ومواضيعها، اخترن العمل بطاقم نسائي ينتصر لقضايا المرأة، وكادرات تصوير متشابهة، أغلبيتها تعتمد على اللقطات القريبة جدا، وتركز على الحركات الجسدية وملامح الوجه وانفعالاته، وهي في أحيان أخرى تقوم بتتبع المرأة، بطلة الفيلم، لترصد اضطرابها وبلوغها مرحلة الثورة ضد كل أمر مفروض عليها، فرضه المجتمع والعادات والتقاليد.

صحافية تونسية

 

العرب اللندنية في

15.11.2022

 
 
 
 
 

أيام قرطاج السينمائية أو عندما يذهب اللّب ضحية التفاهة

منيرة يعقوب- تونس

في ظلّ تنامي ثقافة الbuzz والسّباق المحموم لنشر والتّعليق على الهوامش والسّعي لهدم كلّ المكتسبات التي تحقّقت في كلّ المجالات وبالاعتماد على منصّات التّواصل الاجتماعي التي بات معها سهلا الخوض في كلّ القضايا والمواضيع بمجرّد”تدوينات

وتعليقات من وراء شاشة هاتف ذكي،تعليقات قد لا ترتقي حتّى لدردشة في الشّارع او مقهى ،في ظلّ كلّ هذا نرى اليوم اناس يسمحون لانفسهم بالافتاء في مدى اهميّة الثقافة والفنون بالنّسبة للبلاد اعتمادا فقط على صورة لا تروق او لا تتماشى مع ذوق عام بات والحقّ يقال يميل اكثر فاكثر لعدم تقبل الاختلاف والضيق بكلّ ما لا يتناسق مع مفاهيم محافظة بل متخلّفة ورؤية ماضويّة للثقافة عموما والفنون تخصيصا.

آخر تمظهر لهذه الآفة هو ما لحق”ايام قرطاج السّينمائيّة”من انتقادات وتقزيم لعمل الفريق الذي تولّى ادارة الدّورة 33 .

بوضوح شديد، تقييم هذه الدّورة لا يجب ان يقع على اساس من ادار المهرجان فالسيدة سنيا الشّامخي استاذة وسينمائيّة جديرة بكلّ الاحترام وكذلك الشّان بالنسبة لعدد من فريقها(على الاقل من اعرفهم)، التّقييم يجب ان يتحرّر بداية من كلّ نزعة للشّخصنة ومن كلّ خوض في الهنات على انها ناتجة عن وجود فلان(ة) وغياب فلان(ة) على قائمة الفريق العامل فالاشخاص،على اهميّتهم، لا ترتقي ادوارهم لاهميّة المؤسّسات وتوجّهاتها وخياراتها.

الاهم،في رايي المتواضع القابل للخطا، هو طرح سؤال منهجي وجب على الجميع وخاصّة صاحبات واصحاب المصلحة في ديمومة ايام قرطاج السينمائيّة،هذا السؤال هو هل نريد لها البقاء بداية؟ليتفرّع عن هذا السؤال ،وفق الاجابة،عدد من الاسئلة الاخرى.

طبعا الاسهل هو البدأ بالجواب بلا !في هذه الحالة ليكن لدى الجميع القدر الكافي من النّزاهة والشّجاعة للتّصريح بذلك والمضيّ بوجه مكشوف وخطاب واضح لتقديم مشاريع لمهرجانات اخرى تدخل سباقا(غير مضمون النّجاح) مع مهرجانات تحتكم على امكانيّات ماديّة يصعب ايجادها في تونس.

اما اذا جاءت الاجابة معبّرة عن تمسّك بايام قرطاج السينمائيّة كواحدة من “الجينات”الثّقافيّة للبلاد فعلينا جميعا البدء حالّا ودون حسابات شخصيّة او جمعيّاتيّة اوتكتّلات مهنيّة ضيّقة في عمل سيكون صعبا لكنّه جدير بالقيام به.

لا يمكن لاحد ان ينكر انّ الوقت حان لتقييم التّظاهرة والوقوف بجديّة ونزاهة على الهنات دون، كما قلت سابقا،الشّخصنة وتحميل مدير او مديرة بعينها كلّ الذنوب ! ودون الخطابات الماضويّة التي يمكن ان توضع تحت عنوان”يا حسرة على قبل”!فأيّام قرطاج السّينمائيّة تظاهرة فنيّة لا يمكن بايّ حال من الاحوال ان تبقى جامدة في محيط فنّي متحوّل وظرف تاريخي وسياسي محلّي ودولي متحوّل.

ايّام قرطاج السّينمائيّة كما اسلفت اصبحت برغم كلّ المصاعب والهنات احد اهمّ العناوين الثّقافيّة لتونس والبلاد الافريقيّة والعربيّة ولسائر دول”الجنوب” وقد يُجيب البعض هنا بانّ مياها كثيرا سالت منذ زمن التّاسيس لكنّ من يوسّع دائرة نظره لتشمل ما يحدث في العالم عموما وما تشهده المجتمعات الانسانيّة،ايّا كانت الدّول وطبيعة انظمتها وتوجّهاتها الاقتصاديّة والاجتماعيّة وما تفرزه من منظومات ثقافيّة،يلمس دون عناء ما شهده العالم من حركات مقاومة ثقافيّة لماكينات العولمة ومحاولاتها لتنميط الثّقافة لتتماهى مع مقتضيات السّوق العالميّة ويمكن هنا التّذكير بمقولات”الاستثناء الثقافي”والقوانين الحمائيّة للمنتوجات الثّقافيّة والفنيّة في فرنسا مثلا

اذا لو سلّمنا بضرورة التمسّك بايّام قرطاج السينمائيّة مع حتميّة اصلاح ما شابها ويشوبها من هنات ناتجة عن تغيّرات تتراوح بين التّاريخي والسّياسي(في مفهومه الاوسع) دون القفز لا على طبيعة هذه التّظاهرة الفريدة ولا على التّنكّر لواقع تونسي كان فيه دور ريادي للفاعلين والفاعلات الثّقافيّين والثّقافيّات في الدّفاع وتوسيع مساحات حريّة الابداع والتّعبير عندما كان صعبا،بالادنى، التجرّؤ على تقديم انتاج فنّي لا يتماهى مع طروحات النّظام ولا فائدة من التّذكير بالرّوح التحرّريّة والنضاليّة الثّقافيّة العالية التي واجه بها فنّانون وفنّانات نعتزّ بانتمائهم وانتمائهنّ لهذا الوطن كالمرحوم عرّالدّين قْنون وفضاءه الحمرا (تجربة تستحقّ لوحدها مقالات عدّة للحديث عنها) وفضاء التّياترو مع الفنّان توفيق الجبالي والمرحومة زينب فرحات والمسرح الجديد وخليفته شركة فاميليا للانتاج ودار بن عبداللّه مع المسرحيّين الكبيرين نورالدّين الورغي وناجية الورغي دون ان نغفل تجارب كمسرح فو للمرحومة رجاء بن عمّار ومنصف الصّايم وتجارب لشركات انتاج سينمائي تركت بصماتها كشركة ضفاف بادارة الرّفيق الرّاحل نجيب عيّاد وسيني تلي فيلم لمؤسّسها حميّد عطيّة والقائمة طويلة لفاعلين وفاعلات ضاقت بابداعهم مؤسّسات الدّولة وضاقوا من جهتهم باعباء تدخّل الدّولة

قد يتبادر للاذهان سؤال، كلّ الاسئلة مشروعة،ما علاقة كلّ هذا بايام قرطاج السينمائيّة وبمستقبلها خاصّة؟

اجابتي وقد تصدم البعض هي لا يمكن تجاهل كلّ هذا الارث في خوض مسار اصلاحي ثقافي عموما وسينمائي تخصيصا !

عندما تأسّست ايام قرطاج السّينمائيّة كان الوضع السّياسي يتميّز بداية بارادة التاسيس وكان هناك مسؤولون سياسيّون، ولو في اطار حكم الحزب الواحد،منفتحون على الحركة الثّقافيّة التي وان لم”تُعلن”بعد عن تمشّيها المستقلّ عن منظومة الحكم فعلى سبيل المثال مؤتمر سوسة لحركة نوادي السينما الذي انبثقت عن اشغاله”ارضيّة العمل الثّقافي”وما حدّدته من اهداف ثوريّة انعقد سنة 1975 بينما اولى دورات ايام قرطاج السينمائيّة كانت سنة1966 .

هذا على المستوى الوطني،امّا دوليّا فقد كانت السّاحة الفكريّة والثّقافيّة والفنيّة تعيش مرحلة مدّ الفكر اليساري التقدّمي بسبب خارطة دوليّة يعرفها الجميع وليس المجال هنا مواتيا للتّذكير بمجرياتها

هنا يبرز تفرّد ايّام قرطاج السّينمائيّة بما توفّره من فرص لسينما خارج الطّوق المضروب على الفكر التقدّمي وتمظهره السّينمائي من قبل الشّركات الكبرى(الامريكيّة خاصّة) في مختلف المراحل من الانتاج الى التوزيع الى الاستغلال وفي منصّات العرض الكبرى كمهرجان كان…ايام قرطاج السينمائيّة نشأت اذا بل ولدت وفق هذه النّظرة والتوجّه :كلّ شعوب العالم لها ثقافاتها وتعبيراتها الوفيّة لموروثها وواقعها ومن حقّ السّينمائين العرب والافارقة خاصّة ودول الجنوب ان تكون لديها تظاهرات يشاهد فيها جمهورها ما توصّل اليه مبدعوها ومبدعاتها مع فتح الباب لمناصرين ومناصرات من كلّ اصقاع الدنيا للحضور والنّقاش والتّفاعل،اي ولتقريب الصّورة للشّابات والشباب الذي لم يعايش تلك الفترة،دورات ايّام قرطاج السّينمائيّة كانت اشبه ما تكون ب le forum social ولم يكن لهذه الاسباب وغيرها تتعلّق بغياب شبه كلّي في بلادنا الافريقيّة والعربيّة لمقولات النّجوميّة وما تبعها !

تبعا لكلّ هذه الاعتبارات الهامّة،دائما وفق رايي المتواضع،يجب تثمين وتثبيت هذه التركيبة الجينيّة ان صحّ التعبير لايام قرطاج السينمائيّة وتخليصها من كلّ الاعباء التي تثقلها وخاصّة ماسستها في جسم مستقلّ عن السّلطة وادواتها وضمان ان لا تكون ايضا في خدمة اي طرف،شخصا كان او منظمة او تشكيلات مهنيّة…كيف ذلك؟

منذ سنوات،كانت هناك نقاشات(منها حتّى ما انتظم بمقرّ نقابة المنتجين بالاتحاد التونسي للصناعة والتجارة) وبحضور مخرجين وموزّعين واصحاب قاعات وطبعا منتجين من مختلف الاجيال والخلفيّات… والتوجّه العام كان ميّالا لتكوين جمعيّة او مؤسسة خاصّة بايام قرطاج السّينمائيّة،تضمّ “جلستها العامّة”كلّ المتداخلين بالقطاع،اما التّسيير فهو نوعان:ادارة قارّة بعدد قليل من الموظفين والموظّفات، لهم تكوين صلب في الادارة والماليّة والتّوثيق ،امّا ادارة الدّورات فتخضع لما هو معمول به في ادارة المؤسّسات اي الجلسة العامّة تنتدب مديرة او مديرا لعدد من الدّورات المتتالية على اساس برنامج يقدّمه امام الجلسة العامّة وتصحبه بالضّرورة قائمة في من تودّ او يود انتدابهم لمساعدتها او مساعدته…هذه بعض الخطوط العريضة حتّى اتجنّب مزيدا من الاطالة.

اختيار الماسسة في هيكل مستقلّ سيمكّن من اضفاء مزيد من النّجاعة والشّفافيّة في التّسيير ويؤدّي ايضا وخاصّة من تسهيل تمويل التّظاهرة بعيدا عن البطئ الاداري وتحديد المسؤوليّات على جميع الاصعدة،كما ان استقلاليّة التّظاهرة، في حدود خطّها التّحريري المتّفق عليه بين كلّ المتدخلين والمتدخّلات والوفي لماهيّة ايّام قرطاج السّينمائيّة،سيعفينا من مشاهد خلناها رحلت دون عودة وشبيهة،بالنّسبة لجيلي،لصعود وزير الثّقافة الأسبق المرحوم محمّد اليعلاوي لركح مسرح قليبية(صيف 1979 ) لافتكاك ورقة نصّ بيان لجنة التحكيم الدّوليّة من ايادي الرّفيق الرّاحل نجيب عيّاد لعدم موافقته على مقدّمة النصّ وهندام لجنة التّحكيم…ما اشبه اليوم بالبارحة فالحركة الاحتجاجيّة لمساندة السّينمائي السّجين عصام بوقْرّة ولبس الاقمصة ووضع احدها على الرّكح من قبل الفنّان الرّائع غانم الزرلّي وتوجّه السّينمائيّة نادية الفاني بكلمة مساندة للنساء الايرانيّات هي من وجهة نظري واحدة من اهمّ ميزات ايام قرطاج السّينمائيّة ولمن نسي،شهدت دورات سابقة(بدايات الايّام)حركات احتجاجيّة لمساندة سجناء رأي ولحركة مقاطعة الايّام من قبل اهمّ الجمعيّات السّينمائيّة

وبالنّسبة حتّى للمغرمات والمغرمين بمقولات من نوع هذا مهرجان ولامجال لتلويثه بالسّياسة فساسمح لنفسي بتذكيرهنّ وتتذكيرهم انّ حتّى مهرجان كان شهد السّنة الفارطة تدخّلا مباشرا عن بعد للرّئيس الاوكراني وشهدت دورات اخرى سابقة احتجاجات منذ حركة ماي 1968…ايّام قرطاج السّينمائيّة انبنت على فكر مقاوم لهيمنة السّينما التي تنتجها شركات عظمى لتكتم انفاس اي فكر تحرّري محمول بصور تشبهنا

بقي الآن ان اعرّج على مسائل جانبيّة،دائما حسب رايي المتواضع،تتعلّق بحفلات الافتتاح والاختتام و”لعنة”السجّاد الاحمر. بداية تعدّد”المسؤولين”على التّنظيم وربّما اختلاف نظراتهم لكيفيّة التنظيم وخاصّة خضوع كلّ واحد منهم لجهة(وزارة الثّقافة،مدينة الثّقافة،المركز الوطني للسّنما والصّورة وادارة المهرجان)وربّما،اقول ربّما،انعدام التّجانس بينهم جميعا جعل المسالة التنظيميّة موزّعة بين عدّة”قبائل”وفي النّهاية وحدها مديرة الدّورة وفريقها يواجهون التّبعات ليقع ما وقع على سبيل المثال من احتلال لواجهة التعليقات والتّقييمات او ما شابه.

امّا بخصوص السجاد الاحمر فعلاوة على انّه مستحدث بل ودخيل على الايّام فقد حاول الرّفيق الرّاحل نجيب عيّاد ان يوظّفه باعادة احقيّة السّير عليه لفرق الافلام المعروضة خصوصا وبذلك اوصل رسالة هامّة مفادها ان النّجوم الاول هم الافلام وصانعاتها وصنّاعها من مختلف الاختصاصات ومن باب الملاحضة الشّخصيّة فقط،لم افهم واتفهّم خيار البساط الاصطناعي في بلاد الزّربيّة والكليم المصنوع بايادي حرفيّاتنا وحرفيّينا.

امّا من حيث الافلام والتكريمات واسماء اعضاء لجان التّحكيم فلم ارى فيها اي مساس باساسيّات ايّام قرطاج السيّنمائيّة،كلّ ما في الامر انّه وبفعل التّركيز على ما وجب تجاهله من ممارسات وتعبيرات طفيليّة ،نسي عدد كبير اللبّ: الافلام والانتاجات والاضافات للسّاحة السّينمائيّة الافريقيّة والعربيّة والنّوافذ التي فتحت على سينماءات اخرى وتعلّق بالهوامش وجعل من النّكرات مشاهير…ممّا سهّل على السلطة رآسة دولة ووزارة التدخّل المفضوح والفاضح في مصير الايام بتغيير دوريّتها والحكم عليها بالموت البطيء ومن وراءها كسر النّسق التّصاعدي للانتاج السّينمائي التّونسي بحرمانه من منصّة تعريف غاية في الاهميّة

قرار جعل الدّوريّة لسنتين عوضا عن السّنة واقولها دون مواربة هو اجرام في حقّ الايّام والسّينما التّونسيّة والافريقيّة وحرمان جمهور السّينما في تونس من فرصة تنفّس السّينما والتحلّق للنقاشات والاختلاط الاجتماعي.

عن جريدة الشارع المغاربي الالكترونية- 15 نوفمبر 2022

 

موقع "عين على السينما" في

18.11.2022

 
 
 
 
 

أيام قرطاج السينمائية.. كيف تعطل مسيرة مهرجان؟

ناهد صلاح

مازال السجال حول أيام قرطاج السينمائية قائمًا، فبعد ختام الدورة الثالثة والثلاثين (29 أكتوبر : 5 نوفمبر)، أعلنت وزيرة الثقافة التونسية حياة قطاط القرمازي عقب لقائها بالرئيس التونسي، أن المهرجان سينظم مرة كل عامين، وهو الأمر الذي أثار الكثير من القلق والأسئلة حول مصير المهرجان العريق، لا سيما أنه على أرض الواقع لم تتخذ خطوة فعالة حتى الآن صوب أيام قرطاج السينمائية، تؤكد استمراريتها على موعدها السنوي، أو العودة لما كانت عليه قبل العام 2015.

لأنه لو صح أنها ستعود لتقليدها القديم، فهذا قرار عشوائي غير مدروس، يؤدي إلى موت المهرجان بحسم وبلا رحمة، دون مبرر حقيقي يستدعي ذلك أو يحرض عليه، فليس من المنطقي دفع مهرجان راسخ إلى الاحتضار، بدلًا من دعمه وتطويره ليواصل مسيرته وحضوره السنوي، خصوصًا أن هذا الحضور تحقق بعد عناء شديد وإنجاز لا يمكن تجاهله، وخصوصًا أيضًا أن الدورة الثالثة والثلاثين كان فيها قدر كبير من الجهد والدأب، واحتواء فعاليات وعناوين سينمائية ذكية ومتجددة، بما يستلزم المواصلة والدوام وليس الوقوف عند نقطة "محلك سر"، بل الانكفاء إلى الخلف، إثر انتقادات هي في أغلبها شكلية ومنها ما تعلق بالسجادة الحمراء وتعارضها مع هوية المهرجان، وقواعده التي أرساها مؤسسه الناقد الكبير الطاهر شريعة، فمهما كانت وجاهة المنتقدين أو درجة الخلافات، لن يكون في مصلحة أحد تعطيل وعرقلة مسيرة المهرجان.

كما يصعب في هذا الإطار أن نتغافل عما تضمنته هذه الدورة من ثراء وتنوع في برمجة الأفلام، حيث شهدنا نحو 50 في المائة من الحضور الافريقي و50 في المائة من الحضور العربي، وهو ملمح لم يحدث منذ فترة، بما أتاح لنا التعرف على تجارب جديدة ومتميزة، ورسخ فكرة المهرجان الرئيسية كمنصة للتواصل مع سينمائيين محليين وعرب وأفارقة، بمشاركة نحو 72 دولة من بينها 23 دولة افريقية من جنوب الصحراء، و17 دولة عربية، حيث تنافس 44 فيلمًا في المسابقات المختلفة، إضافة إلى وجود أقسام جديدة مثل أسبوع النقاد، وأيام قرطاج للصناعة السينمائية التي وفرت عبر برنامج "تكميل" دعمًا ماليًا لسبعة أفلام في مرحلة ما بعد الانتاج، هذا غير إعادة إحياء قرطاج سينما الشارع بالأفلام والعروض الموسيقية، وأيام قرطاج السينمائية للأطفال، وخروج العروض من قاعات السينما في العاصمة إلى بنزرت ومدنين وقابس، ومواصلة العروض في السجون والثكنات.

 وفي إطار النقاش الجدي المتعلق بأحوال السينما ومجتمعاتنا عقدت هذه الدورة ندوتها الرئيسية بعنوان "السينما: خلق طريق للمقاومة.. كيف تستطيع السينما أن تفسر العالم وأن تغيّره وتعالج أوجاعه؟"، التي شرفت بالمشاركة فيها، وتحدثت عن الحضور الافريقي في السينما المصرية، ضمن تحديات الواقع التي تواجه الصناعة في بلداننا الافريقية.

من تحديات هذه الدورة أيضًا، تظاهرة: "فوكيس فلسطين" عائد إلى الوطن"، عُرض خلالها 6 أفلام تناولت القضية الفلسطينية: "عائد إلى حيفا"، للعراقي قاسم حول، "جبهة الرفض"، للبنانية جوسلين صعب، "مملكة النمل"، للتونسي شوقي الماجري، و3 أفلام أخرجها فلسطينيون: "حكاية الجواهر الثلاث"، لـ ميشيل خليفي، 3 آلاف ليلة، لـ مي مصري، و: حتى إشعار آخر، لـ رشيد مشهراوي، كما احتفى المهرجان كذلك بالسينما الاسبانية عبر عرض أفلام لمخرجات إسبانيات من أجيال مختلفة.

حتى حضور السينما السعودية كضيف شرف هذا العام، في تصوري هو ضروري لتشجيع سينما جديدة، والتواصل معها ومشاركتها تجربتها الإبداعية الحديثة، وحراكها في التغيير المجتمعي.

هذه النظرة السريعة للدورة 32 لأيام قرطاج السينمائية، بما احتوته من محاولة لتحريك نشاط سينمائي لمهرجان متأصل، هو الأقدم أفريقيًا وعربيًا، منذ أسسه الطاهر شريعة في العام 1966، ليكون ملتقى يُعبّر عن السينما العربية والأفريقية، تعيدنا إلى السؤال عن جدوى تنظيم أيام قرطاج السينمائية كل عامين، ولمصلحة من التراجع إلى نقطة تم تجاوزها منذ 7 سنوات تقريبًا؟

لأيام قرطاج السينمائية بريقها منذ بدايتها سواء محليًا وتناوبها مع أيام قرطاج المسرحية كل عامين، في محاولات لتكريس التنوير الثقافي والفني في تونس، أو عربيًا وتبادلها مع مهرجان دمشق السينمائي في موعده انعقادهما، بما يشبه الاتفاق المتعارف عليه بين السينمائيين العرب، اليوم يغيب عنا مهرجان دمشق بسبب الأزمة والحرب السورية منذ العام 2011، وبقدر ما نحتاج لعودته كواحد من المهرجانات العربية الكبيرة، وما يحتويه من حيوية ثقافية وفنية، نتمنى تثبيت الموعد السنوي لأيام قرطاج السينمائية، فالتباعد بين دوراته ليس حلًا لمشاكله، ولن يعزز من مكانته أو من إنجازه، فالتطور الطبيعي للنهوض بالسينما الأفريقية والعربية ألا نفقد منصة وملتقى مهم لهما مثل قرطاج، وجعلها متأرجحة مرة كل عامين.

 

اليوم السابع المصرية في

29.11.2022

 
 
 
 
 

السوري عبداللطيف عبدالحميد:

إعجاب الجمهور هو الجائزة الأكبر لأي عمل سينمائي

نضال قوشحة

فيلم "الطريق" يعرض في سوريا بعد تتويجاته في مهرجان قرطاج السينمائي.

بعد مسيرة سينمائية طويلة يقدم المخرج السوري عبداللطيف عبدالحميد فيلما سينمائيا جديدا كتبه مع الأديب الراحل عادل محمود، وحقق به قبل فترة وجيزة حضورا لافتا على ناصية التتويج في أيام قرطاج السينمائية، حيث نال الفيلم ثلاثة جوائز. وبعد تتويجه يطلق الفيلم في أوبرا دمشق ضمن فعاليات الاحتفال بيوم وزارة الثقافة في سوريا.

انهض يا عادل محمود، انهض من غيبوبتك فلقد فزنا أيضا بجائزة أفضل سيناريو عن فيلمنا ‘الطريق’ في مهرجان قرطاج السينمائي. اسمح لي بأن أهديك هذا الفوز… انهض يا عادل أرجوك”. بأمنيته تلك خاطب مخرج فيلم “الطريق” عبداللطيف عبدالحميد صديقه وشريكه عادل محمود، وهما صاحبا تجربة إبداعية انتهت بإنجاز فيلم روائي سوري طويل، حمل اسم “الطريق”، أنتجته المؤسسة العامة للسينما في سوريا.

عادل محمود الصحافي والشاعر والروائي الذي رحل قريبا كتب في روايته الأشهر “إلى الأبد ويوم”، التي فازت عام 2007 بجائزة دبي للإبداع، ما هدف إلى فتح خزائن جراح وذكريات شخوص عاشوا أجواء فوضى سياسية واجتماعية في سوريا في مرحلة ماضية، حيث تتشابك مصائر الناس وتصير الصراعات والآلام سمة الحياة اليومية، تظهر فيها مكاشفات عن صراعات أيديولوجية عصفت بأصحابها بين قيم اليسار العربي ومواجهاته مع قوى مخالفة، مستعرضة براغماتية البعض الذي راح يتباهى بقدرته على القفز فوق الثوابت والمبادئ، بهدف تحقيق مكاسب غالبا ما تكون شخصية.

فيلم "الطريق" لا يقدم أفكارا كبيرة تتراءى في مقولات بعينها، بل يهتم برصد تفاصيل حياة يافع يعاني من التفكك الأسري

عادل محمود بتاريخه الصحافي العاصف بين الصحافة الثائرة الفلسطينية والصحافة في سوريا وعمان، وبرصيده الشعري ثم الروائي كان صاحب خطو ملازم لمخرج الفيلم عبداللطيف عبدالحميد. سكنا في توجهات إبداعية واحدة، جعلت منهما نبضا واحدا في تجربة إبداعية واحدة عنوانها فيلم “الطريق”، الذي عاد فيه عبدالحميد إلى التوهج الريفي الذي برز فيه بسلسلة من الأفلام بدأها عام 1989 بفيلم “ليالي ابن آوى” الذي أوجد به شكلا سينمائيا مضافا إلى المشهد السينمائي في سوريا.

في فيلم “الطريق” يكتب عادل ثم يتابع عبداللطيف وتكون المسافة بينهما وبين ثراء البساطة صفرا، وينتظران معا نتيجة تلك المغامرة، وتكون جائزة السيناريو في أيام قرطاج السينمائية في دورته التي انتظمت في أكتوبر الماضي، لكن القدر لم يترك له فرصة للاحتفال بجائزته، فباغته الموت وهو يصارع المرض في غيبوبة أرخت أسوار أحزانها حوله بقسوة النهايات المؤلمة، ليحتفي عبدالحميد وحيدا بفيلمه في إطلاقه بعرض دمشقي، بغياب عادل محمود جسدا وحضور طيفه. لم يمهل القدر الأديب عادل محمود الوقت لكي يفرح بجائزة السيناريو التي نالها في أيام قرطاج السينمائية، فرحل في اليوم الثاني الذي تحققت فيه.

ويؤكد عبداللطيف عبدالحميد خصوصية علاقته بعادل محمود قائلا “عادل صديق قديم أعرفه منذ وقت طويل، صداقتي معه تمتد لفترات ومسافات، هو شخص مبدع عمل في الصحافة والرواية والشعر، استهاب أمر الكتابة في السيناريو أولا عندما طلبت منه ذلك في مشروع فيلم ‘الطريق’، ورفض المهمة أولا، لكنني شجعته على أن يقوم بالمحاولة، واتفقت معه على أن يضع المادة الخام التي نريدها، ثم أعمل عليها سينمائيا بدءا من السيناريو. وهذا ما كان فعلا، فكتب الخطوط العامة والمحاور ثم تابعت. كان مزهوا بأنه شارك في كتابة سيناريو فيلم سينمائي وكان ينتظر نتائجه، لكن القدر لم يمهله لكي يصل إلى مبتغاه، فحالَ موتُه دون أن يعلم بالجائزة التي نالها في أيام قرطاج السينمائية وتحقيق حلمه”.

ما بعد قرطاج

تربط السينما السورية بأيام قرطاج السينمائية في تونس علاقة قديمة وعميقة، تعود إلى بداية سبعينات القرن العشرين عندما حققت ثلاثية “رجال تحت الشمس” من إخراج نبيل المالح ومحمد شاهين ومروان المؤذن جائزة التانيت الفضي، ثم حقق فيلم “المخدوعون” إخراج توفيق صالح جائزتي التانيت الذهبي والنقاد، ثم تتالت تتويجات السينما السورية في أيام قرطاج السينمائية لتبلغ سبع عشرة جائزة حتى عام 2013 خلال خمسين عاما من عمر المؤسسة العامة للسينما التي كانت منتجة كل هذه الأفلام.

وفي تاريخ أيام قرطاج السينمائية سلسلة من الجوائز السورية للمؤسسة العامة للسينما وسواها، منها: فيلم “كفر قاسم” للمخرج برهان علوية ونيله التانيت الذهبي وجائزة منظمة التحرير الفلسطينية، و”بقايا صور” لنبيل المالح، وفيلما “أحلام المدينة” و”الليل” للمخرج محمد ملص و”وقائع العام المقبل” لسمير ذكرى، وفيلم “نجوم النهار” لأسامة محمد، و”رؤى حالمة” للمخرجة واحة الراهب.

وكانت للمخرج عبداللطيف عبدالحميد حصة من التتويج بجوائز أيام قرطاج السينمائية من خلال فيلم “صعود المطر”؛ فقد حقق عام 1995 جائزتي أفضل إنجاز سينمائي وجائزة النقاد، ليعود بعد سنوات ويحقق في أحدث دوراته للعام الحالي ثلاث جوائز هي جائزة الجمهور والسيناريو مع عادل محمود وأحسن تمثيل لموفق الأحمد.

عن فوز فيلمه بثلاث جوائز في أيام قرطاج يبيّن عبداللطيف عبدالحميد “أيام قرطاج السينمائية من أهم المهرجانات العربية، له نكهة خاصة، كونه موجودا في بلد شعبه متذوق للسينما بشكل غير طبيعي، في تونس أستشعر بوضوح أن الجمهور يهتم بالمهرجان وأفلامه التي تعرض فيه. أنا سعيد جدا بأنني حصلت على جائزة الجمهور، وهي جائزة عزيزة على قلبي وتعادل الذهبية في رأيي، لأنني أرى أن المخرج يقدم الفيلم كي يشاهده الجمهور، وأن تأتي بمئة مشاهد للتفرج على فيلم سيكون أفضل من مئة جائزة يحققها الفيلم”.

الهوية والبيئة

لا يقدم فيلم “الطريق” الكثير من الشخصيات، ولا يقدم أفكارا كبيرة تتراءى في مقولات بعينها، بل يهتم برصد تفاصيل حياة يافع يعاني من التفكك الأسري نتيجة ظروف الحياة؛ فأمه توفيت وتزوج الأب من امرأة أخرى. ويقوم على تربيته جده لوالده، الذي يفاجأ في لحظة من اللحظات بأن حفيده مطرود من المدرسة لأن مستواه التعليمي منخفض، لكن الجد يرفض ذلك التقييم ويدأب على القيام بأي فعل لكي يثبت للآخرين أن المزيد من الاهتمام بشبابنا ومراعاة ظروفهم سيجعلان منهم أناسا ناجحين.

وتبرز في الفيلم شخصيات نادرة، لا تظهر كثيرا في الحياة المدنية اليومية؛ فهناك الشاعر الهائم والمريض المتسكع والزوجة الشرسة والمدرسون الجادون المؤمنون بقضية الجد، وهناك أيضا ظهور طريف لمجموعة من الغاضبين يتوجهون إلى العراك، ونراهم عائدين مثخنين بالجراح، ليقرروا مجددا التعبير عن غضبهم ويدخلوا في عراك آخر تكون نتيجته هزيمة جديدة.

فكان “الطريق” فيلما يحكي بلغة ريفية بسيطة تفاصيل حياتية حارة وكامنة.

والفيلم الذي أنتجته المؤسسة العامة للسينما قام بالتمثيل فيه: موفق الأحمد وغيث ضاهر ومأمون الخطيب ومحمد شمّا وأحمد كنعان ورباب مرهج ورند عباس وتماضر غانم وماجد عيسى ونبراس ملحم وعدنان عربيني وراما الزين وعلاء زهر الدين وهاشم غزال وخالد رزق.

كاتب سوري

 

العرب اللندنية في

03.12.2022

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004