ملفات خاصة

 
 
 

مهرجان كانّ السينمائي... تطهّر من الوباء

باريس/ العربي الجديد

كان السينمائي الدولي

الخامس والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

تنطلق اليوم الدورة 75 من مهرجان كانّ السينمائي (17 ـ 28 مايو/أيار 2022). ومن المتوقّع أن يحتفي صنّاع السينما حول العالم هذه السنة بالفعالية الفنية العريقة، وسط محاولات واضحة للخروج من تبعات فيروس كورونا وتأثيره الكارثي على قطاع صناعة الأفلام في أوروبا وحول العالم.

في هذا الملف نجوب على تاريخ المهرجان وعلى برنامج هذه السنة في مختلف المسابقات، إلى جانب تسيلط الضوء على التحديات الفنية والاجتماعية التي تواجه هذا المهرجان العريق بعد أكثر من 7 عقود على انطلاقه.

مواد الملف

"أسبوع النقاد"... اختبار الخطوات الأولى

كانّ السينمائي: 75 عاماً من النظر إلى العالم

مهرجان كانّ... أناس من العالم يحتشدون في عشرة أيام

مهرجان كانّ... احتفاء بعيداً عن الكمامات

 

####

 

"أسبوع النقاد"... اختبار الخطوات الأولى

باريس/ العربي الجديد

اختيار "أسبوع النقاد" لتقديمه، في بداية الدورة الـ75 (17 ـ 28 مايو/أيار 2022) لمهرجان كانّ السينمائي، متأتٍّ من أسبابٍ عدّة، أوّلها متمثّل بأهمية هذا البرنامج/المسابقة، في مهرجان مُصنَّف فئة أولى، لاهتمامه (أسبوع النقاد) بالأفلام الأولى والثانية لمخرجين/مخرجات من دول العالم. كأنّ البرنامج/المسابقة (3 جوائز تمنحها لجنة تحكيم، أحدها خاصّ بالفيلم القصير) مدخلٌ إلى المشهد السينمائيّ، صناعة واقتصاداً وفنّاً وثقافة. أهميته تتضاعف لارتباطه بـ"الاتحاد الفرنسي للنقاد السينمائيين"، المُكلَّف بتنظيمه والإشراف عليه، وجعله مرآة تعكس شيئاً، ولو قليلاً، من راهنٍ، لعلّ بعضه يكون تأسيساً لاشتغالاتٍ سينمائية جديدة، ومُجدِّدة.

التعريف الرسمي به واضحٌ ومُختَصر: منذ تأسيسه في الدورة الـ15 (7 ـ 23 مايو/أيار 1962) للمهرجان، يجهد "أسبوع النقاد" في اكتشاف المواهب الجديدة في الصناعة السينمائية. هذا يقول مسائل عدّة: مهرجانٌ منضو في الفئة الأولى، يهتمّ في كشف نتاجاتٍ سينمائية لافتة للانتباه، ومحرِّضة للمُشاهدة والتمتّع، ومُثيرة لنقاشاتٍ مختلفة؛ هذا المهرجان نفسه، المهتمّ بالسينما صناعة وتجارة وتوزيعاً، من دون إغفال الجماليّ والدراميّ والفني فيها، يمنح للنقد السينمائي حيّزاً لممارسة أحد جوانب مهنته الثقافية والصحافية: البحث عن جديدٍ، يتمثّل هنا بمخرجين/مخرجات، لديهم جديد ما. الجديد هنا مزدوج: أي أنْ يكون المخرج/المخرجة في بداية مساره المهني، وأنْ يكون في النتاج شيء من الجديد، على الأقلّ، سينمائياً وجمالياً ودرامياً.

الدورات السابقة تؤكّد أنّ خياراتٍ كثيرة صائبةٌ، فسينمائيون عديدون يختبرون الخطوة الأولى/الثانية في "أسبوع النقاد"، قبل وقتٍ، قصير أو طويل، على إثباتٍ حضورٍ عميق ومهمّ ومختلف ومُجدِّد، في اشتغالاتٍ تفرض أسئلتها وتحثّ على التأمّل والتفكير بها، وتمنح مُتعاً عند مُشاهدتها: كريس ماركر، برناردو برتولوتشي، فيليب كوفمان، جان أوسْتاش، أنييسكا هولاند، مرزاق علواش، أليخاندرو غونزاليس إيناريتو، غاسبار نُوِي، جاك أوديار، وآخرين كُثر.

في الدورة الـ61 (20 ـ 27 مايو/أيار 2022) لـ"أسبوع النقاد"، هناك سبعة أفلام طويلة وعشرة أفلام قصيرة، بالإضافة إلى فيلمي الافتتاح ("عندما تنتهي من إنقاذ العالم" للأميركي جيسي أيزنْبُرغ) والختام ("سُهِ التالية" للكورية الجنوبية جولي جونغ). هناك أيضاً فيلمان طويلان يُعرضان في "حفلات خاصة"، هما"قطرة من ذهب" للفرنسي كْلِمان كوجيتور، و"الجميع يُحبّون جانّ" للفرنسية سيلين دوفو؛ و3 أفلام قصيرة: "آمو" للفرنسي إيمانويل غْرا، وHideous للفرنسي يان غونزاليس، وScale للبريطاني جوزف بيرس.

أيزنْبُرغ يُصوّر كوميديا عاطفية، عن أمٍّ وابنها، يظهر أنّ كلّ شيءٍ ضدهما، بينما يشبه أحدهما الآخر، أكثر بكثير من اهتمامهما بالاعتراف بهذا التشابه. أما جونغ، فتروي حكاية التلميذة سُهِ، التي تختار تدريباً مهنياً عملياً، بهدف الحصول على وظيفة جيدة، فتبدأ التمارين في مركز للاتصالات. بعد وقتٍ، تعاني ضغوطاً كبيرة بسبب المهنة، إلى درجة غير مُحتَملة بالنسبة إلى تلميذة ثانوية مثلها، فتموت. المحقِّقة أوه يوو ـ جِنّ، التي لها جانب مشتركٌ مع سُهِ، تبدأ تحرياتها لمعرفة كيفية موتها.

في "قطرة من ذهبٍ"، يمتلك رمسيس (35 عاماً) مركزاً للاستبصار في باريس. متلاعبٌ وذكيّ وشاعرٌ إلى حدّ ما، يؤسّس "شركة مواساة" متينة وفاعلة. ذات يوم، يصل أولادٌ مُراوغون ومحنّكون، لعيشهم طويلاً في شوارع طنجة، فيُهدّدون عمله ويُثيرون فيه قلقاً وارتباكاً. أمّا سيلين دوفو، فتختار جانّ، المرأة التي يُحبّها الجميع، دائماً، لكنّها تكره نفسها، فهي مُثقلة بالديون، وعليها السفر إلى لشبونة لبيع شقّة والدتها، المتوفاة قبل عامٍ. في المطار، تلتقي جان زميلا قديما في الليسيه. فهل تتبدّل حياتها؟

في "آمو" هناك عالمٌ يبدو كأنّه لا شيء، وهناك كائنان حيّان يبدوان كأنهما غير موجودَين إلاّ لتواصل أحدهما بالآخر. مع يان غونزاليس، يُلبّي أوليفر سميث، نجم الـ"بوب"، دعوة إلى المشاركة في برنامج تلفزيوني حواريّ، يتحوّل سريعاً إلى رحلة سريالية مليئة بالحبّ والعار والدمّ (فيلمٌ قصير مؤلّف من 3 فصول). أمّا بيرس، فاختار التحريك أداة لسرد حكاية ويل، الذي يكاد يفقد إحساسه بكلّ شيءٍ، عند قيادته سيارته على الطريق السريعة. مُدمن على المورفين، يُكافح من أجل كشف الأحداث التي أوصلته إلى هذه الحالة، قبل أنْ يضيع نهائياً.

 

####

 

كانّ السينمائي: 75 عاماً من النظر إلى العالم

محمد هاشم عبد السلام

حتّى اللحظة، لم يُعلِن مهرجان كانّ السينمائي الدولي، عن احتفال خاص أو استثنائي بدورته الـ 75. الاحتفال، الذي أُعلن عن الاستعداد له قبل ثلاثة أعوام، تحدّث عنه تييري فريمو، المندوب العام للمهرجان، باقتضابٍ، في المؤتمر الصحافي (14إبريل/نيسان 2022)، قائلاً إنّه سيُحتفى بحاضر المهرجان ومستقبله، ليس بماضيه؛ وإنّه سيُنظِّم نشاطات وندوات عدّة، تتأمّل في مستقبل الفن السابع، في ظلّ المُتغيرات الجارية. لم يُضف فريمو شيئاً على هذا، ولم يصدر عن المهرجان أي بيانٍ يتعلّق بهذا الشأن. ربما، تتكشف الأمور تدريجياً في الدورة الجديدة (17 ـ 28 مايو/أيار 2022).

مسؤولو المهرجان، الذي تنعقد دورته الـ 75 بعد 10 أشهر فقط على انتهاء الدورة السابقة (6 ـ 17 يوليو/تموز 2021)، يأملون في أنْ تُدشّن الدورة الجديدة، فعلاً، عودة الحياة السينمائية إلى طبيعتها، خاصّة أنّه لا يوجد، إلى الآن، ما يُشير إلى فرض أيّ إجراءات احترازية مرتبطة بفيروس كورونا، رغم قول فريمو إنّ العالم يحتاج إلى سنتين ليتعافى بشكل كامل من آثار الوباء. أيضاً، هناك تطلّع إلى أنْ تمتلئ السجادة الحمراء، مُجدّداً، بالنجوم والمشاهير، مع أنّ الشركات الأميركية الكبرى تتردّد كثيراً في الحضور، لأسبابٍ تتعلّق بتبعات الجائحة، وبالأزمة الاقتصادية الحالية، وبالاضطراب الحاصل في أسواق التوزيع السينمائي.

في المسابقة الرسمية للدورة الـ75، هناك 21 فيلماً، تتنوّع بشكل كبير. هناك أفلام من رومانيا وفرنسا وكوريا الجنوبية واليابان وكندا والسويد وإيطاليا وبلجيكا وإيران وروسيا وبولندا وإسبانيا، منها أربعة أفلام لمخرجين فائزين، سابقاً، بالسعفة الذهبية، وبجوائز مختلفة. خمسة من هذه الأفلام لمخرجات. مخرجون ومخرجات عديدون اختيرت أفلام سابقة لهم ولهنّ في تظاهرة "نظرة ما".

فائزون

هناك الأخوان البلجيكيان لوك وجان ـ بيار داردن، الفائزان بأغلب جوائز المهرجان: لجنة التحكيم الكبرى، وأفضل سيناريو وإخراج، بالإضافة إلى سعفتين ذهبيتين. أحداث جديدهما، "توري ولوكيتا"، تدور في بلجيكا، مع وصول فتى وفتاة مُراهِقَين، بعد سفرٍ لهما بمفردهما إلى أفريقيا. يُبرز الفيلم كيف توطّدت صداقتهما، في مواجهة ظروفٍ قاسية في منفاهما الأوروبي.

أيضاً، من الفائزين سابقاً بجوائز السعفة الذهبية، وأفضل سيناريو وإخراج، الروماني كريستيان مونجيو، المُشارك بجديده "آر. إم. إن". كالعادة، يحضر تاريخ رومانيا المعاصر، من خلال التأمّل في كيفية الارتباط بآخرين قبل معرفتهم، وردود الأفعال إزاء المجهول، والمخاوف والغرائز البدائية، ومدى الإحساس النادر بأنّ التعبير عمَّا يؤمن به المرء حقاً أمرٌ آمنٌ.

من الأعمال المنتظرة: "وسيط"، للياباني هيروكازو كوري إيدا، الفائز بسعفة عام 2018 عن "سارقو المتاجر". ترتكز أحداث جديده على شخصياتٍ تضع رُضَّعاً في صناديق مُخصصة لذلك، خارج المستشفيات، من دون الكشف عن هويتهم، ليتمّ تبنّيهم من آخرين، أو رعايتهم من مُؤسّسات مُتخصّصة.
يُنافس السويدي روبن أوستلوند، الفائز بسعفة عام 2017 عن "المربع"، بفيلم "مُثلث الحُزن"، الذي توقّف تصويره أكثر من مرة في العامين الماضيين، بسبب كورونا. الفيلم كوميديا سوداء، تدور أحداثه في عالم المال والأثرياء، ويتمحور حول زوجين مشهورين في عالم الأزياء وعروضها، يُدعوان إلى رحلة بحرية فاخرة للأثرياء، فيرصد الفيلم ما يحدث لهما من ملابسات
.

هناك تطلّع إلى أنْ تمتلئ السجادة الحمراء، مُجدّداً، بالنجوم والمشاهير.

مخضرمون

يِغِي سكوليموفسكي (وفقاً للنطق البولندي) نال جائزتي لجنة التحكيم الكبرى عن "الصيحة" (1978) و"ضوء القمر" (1982). مع جديده "إيو"، الذي يجمع بين الدراما والكوميديا السوداء، يطمح المخرج (84 عاماً) إلى تتويج مسيرته بالسعفة الذهبية. يرصد الفيلم الأحوال الأوروبية المُعاصرة بعينيّ حمار، يُصادف في رحلاته أناساً طيّبين وأشراراً، ومواقف وخبرات مُؤلمة ومُضحكة.

الكندي ديفيد كروننبرغ من الكبار المُنتظرين. جديده "جرائم المستقبل" عودة إلى أعماله التي تمزج الخيال العلمي بالرعب والدراما العميقة. موضوعه الانطلاق صوب مستقبلٍ، تتعلّم فيه البشرية التكيّف مع محيطها الاصطناعي والتكنولوجي المتطوّر للغاية، ما ينقل البشر إلى ما وراء حالتهم الطبيعية، ويتحوّلون إلى مسوخ، ويتغيّر تكوينهم البيولوجي. فيلم يسعى كروننبرغ به إلى الحصول على السعفة الذهبية، بعد فوز سابق بجائزة لجنة التحكيم الخاصة عام 1996، عن Crash.

بعد نحو 10 أعوام، يُشارك الأميركي جيمس غراي في المسابقة الرسمية، للمرّة الخامسة في تاريخه المهنيّ، بفيلمه الدراميّ "زمن القيامة" (تمثيل أنتوني هوبكنز). غراي، الذي لم يفز بأيّ جائزة من المهرجان، يتناول في جديده مُلابسات نشأة صبي في حيّ في نيويورك، في ثمانينيات القرن الـ20، مستلهماً أحداثه من مُراهَقته، بعيداً عن الخيال الخالص والفانتازيا والفضاء، كما في آخر أفلامه "أد أستر" (2019).
أحد أهم المخرجين الإيطاليين المُعاصرين، ماريو مارتوني، الضيف الدائم في "مهرجان فينيسيا السينمائي"، يعود إلى مسابقة "كانّ" بعد 24 عاماً، بجديده "حنين". كغالبية أفلامه، تدور أحداث جديده في نابولي، مسقط رأسه: يعود البطل إلى منطقته القديمة، بعد 45 عاماً أمضاها في الشرق الأوسط وأفريقيا، لرعاية والدته المريضة، التي تحتضر. يلتقي صديق الماضي، الذي أصبح مجرماً
.

هناك فيلمٌ منتظر، بعنوان "قرار المُغادرة"، للكوري الجنوبي البارز بارك تشان ووك، الذي حقّقه بعد 5 أعوام على آخر فيلمٍ له، "الخادمة" (2016). في "قرار المُغادرة"، يسقط رجلٌ من قمّة جبل، ويموت. يلتقي المُحقّق المسؤول زوجة الرجل الميت. بينما تدور الشبهات حولها، يجد المُحقّق نفسه مهتّماً بها.

للعام الثاني على التوالي، وفي ثالث مُشاركة له في المسابقة الرسمية، ينافس الروسي كيريل سيريبرينيكوف بـ"زوجة تشايكوفسكي"، الذي يعود إلى القرن الـ19، ليروي فصولاً من سيرة الموسيقيّ المشهور بيوتر تشايكوفسكي.

سيريبرينيكوف مُنِعَ من السفر في الأعوام الثلاثة الماضية، وعُرض فيلماه الأخيران، المميّزان جداً فنياً، "صيف" (2018) و"حمى بيتروف" (2021)، في المسابقة نفسها، لكنّ من دون حضوره. هذا العام، يُرجّح تواجده في الدورة الجديدة، بعد انتقاله مُؤخّراً إلى برلين، حيث يعيش.

بعد فيلمه التاريخي الجريء "حرية" (2019)، في قسم "نظرة ما"، يُشارك الإسباني ألبرت سيرا في المسابقة للمرّة الأولى، بأطول فيلمٍ فيها، إذْ تبلغ مدّته 163 دقيقة، بعنوان "صُلح". يتناول الفيلم، الناطق بالفرنسية، علاقة حبّ غريبة ومليئة بالتناقضات، تجمع بين أديبة، باتت مشهورة، وسفير في وزارة الخارجية، في ظلّ تهديدٍ بتجارب نووية تُجريها الحكومة الفرنسية.

مُشاركة فرنسية

تُشارك أربعة أفلامٍ من إنتاج فرنسيّ بالكامل، في مسابقة هذا العام، من أصل 66 فيلماً فرنسياً في البرنامج الرسمي، وهذا يُعتَبر أكبر حضور لبلدٍ في "كانّ الـ75".

"أخ وأخت"، لآرنو دِبْلُشان، المُشارك مراراً في هذه المسابقة، في ثلاثة عقود، من دون الحصول على أي جائزة. دراما تناقش كيف تجمع المأساة مُدَرِّساً وشاعراً بشقيقته المُمثّلة، بعد قطيعة بينهما لأكثر من 20 عاماً. فهل يفلح موت والدهما في ردم الهوّة السحيقة بينهما، أم لا؟

تدور أحداث "شجرة اللوز"، للفرنسية الإيطالية فاليريا بروني تِديشي، في فرنسا، نهاية ثمانينيات القرن الماضي. 4 أصدقاء في عشرينياتهم، يؤدّون امتحان القبول في مدرسة تمثيل معروفة. في إطار درامي كوميدي، تتناول المخرجة الحياة والعاطفة والحبّ والنضج، وكيف يختبرون معاً نقاط التحوّل في حياتهم، ومأساتهم الأولى أيضاً.

أما حبكة الدراما الرومانسية "نجوم الظهر"، لكلير دوني، فتتناول وقوع رجل أعمال إنكليزي غامض وصحفية أميركية عنيدة في قصّة حبّ مُلتهبة، أثناء ثورة 1984 في نيكاراغوا، وكيف تورّطا في متاهةٍ خطرة من الأكاذيب والمؤامرات، ما يدفعهما إلى مُحاولة الهروب من البلد. الفيلم، كغالبية أفلام دوني المأخوذة من نصوص أدبية، مقتبس من رواية بالعنوان نفسه للأديب الأميركي الألماني دنيس جونسون، صدرت عام 1986.
"
الأخ الصغير"، أو "أم وابن" وفقاً للعنوان الإنكليزي، لليونور سِرَاي، يستعرض قصة حياة أمّ أفريقية، منذ ثمانينيات القرن الـ20 إلى الآن، تنتقل مع طفليها إلى إحدى ضواحي باريس. يُذكر أنّ هذا الفيلم ثاني روائيّ طويل للمخرجة، بعد "امرأة شابة"، أو "أهلا بكم في مونبرناس" (2017)، الفائز بجائزة "الكاميرا الذهبية"، في مسابقة "نظرة ما
".

الفيلم العربي الوحيد

بعد تألّقهما اللافت للانتباه، عام 2018، في "نظرة ما"، يعود الإيراني علي عباسي والبلجيكي لوكاس دونت إلى المسابقة الرسمية، الأول بروائيّه الثالث "عنكبوت مُقدّس"، بعد فوزه بجائزة "نظرة ما" عن فيلمه المتميّز "حدود" (2018)؛ والثاني بروائيّه الثاني "قريب". في "عنكبوت مُقدّس"، متطرّفٌ ديني يسعى إلى تطهير مدينة "مشهد" المقدّسة من المومسات، فيقتل عدداً منهنّ، قبل أنْ يشعر باليأس وانعدام التقدير لما يقوم به من "مهام إلهية". أما دونت ـ الفائز سابقاً بجائزتيّ النقّاد والكاميرا الذهبية (أسبوع النقاد) عن "فتاة" (2018) ـ فيطمح مع "قريب" إلى الفوز بـ"السعفة الذهبية": مفهوم الصداقة الوثيقة بين مُراهقين بلجيكيين، وتبعاتها عليهما وعلى أسرتيهما.

"صبيّ من الجنّة"، للمصري السويدي طارق صالح، الفيلم العربي الوحيد في المسابقة، الذي يُرجّح أنْ يثير جدلاً دينياً وسياسياً كثيراً، لتناوله قضية دينية، ومنصباً دينياً ـ سياسياً، أي شيخ الأزهر. فيلمه السابق، "حادثة النيل هيلتون"، مُنع عرضه في مصر، كما مُنع تصوير "صبيّ من الجنّة".

"استعراضٌ للتباهي"، للأميركية كيلي رايكارد، دراما كوميدية مُعاصرة، في عالم الفنّ والإبداع: نحّاتةٌ تحاول المُوازنة بين حياتها الإبداعية والمهنية، ومتاعب الحياة اليومية للعائلة والأصدقاء، في غمرة استعدادها لافتتاح معرضها الجديد.

"الجبال الثمانية"، للبلجيكيّين فيليكس فان غروننغن وشارلوت فيندرميرس، أوّل تعاون بينهما، مأخوذ عن رواية بالعنوان نفسه للأديب الإيطالي باولو كونيتي، صادرة عام 2016. يتناول الفيلم عمق الصداقة الحقّة ومفهومها، ويتأمّل في أبدية الصداقة، من خلال علاقة مُمتدّة من مرحلة الطفولة إلى فترة النضج، بين اثنين من أبناء قرية جبلية صغيرة في إيطاليا.

أخيراً، لا تتوفّر معلومات عن قصّة "أشقاء ليلى"، للإيراني الشاب علي روستائي. لكنّ أفلامه الروائية السابقة تعاين، غالباً، أحوال المرأة في المجتمع الإيراني، وتحقيق العدالة الاجتماعية، كما في "6،5 فقط (2019)، المعروض في تظاهرة "آفاق" في مهرجان فينيسيا السينمائي، الذي لفت الأنظار إلى موهبة صانعه.

 

####

 

مهرجان كانّ... أناس من العالم يحتشدون في عشرة أيام

نديم جرجوره

يبقى مهرجان كانّ السينمائيّ مَعبراً لأفلامٍ كثيرة إلى العالم. اختيار فيلمٍ لعرضه في المسابقة الرسمية، أو في أقسام وبرامج ومسابقات أخرى، كافٍ بالنسبة إلى مخرجه/مخرجته والعاملين/العاملات فيه. وَسْمُ فيلمٍ آخر بـ"الاختيار الرسمي" رغبةٌ تُلحّ على صنّاع الفيلم أيضاً. أيّ لمسة من المهرجان تمنح الفيلم وفريق العمل، برمّته، مكانةً ثابتة في تاريخهما. الجوائز هدفٌ، إذْ إنّها تُشكِّل إضافةً أساسية للأفلام وفرق العمل فيها، وتُساعد على انتشارٍ دولي أوسع وأهمّ، وتُخفِّف- ولو قليلاً- من عوائق، تحول عادةً دون حصولٍ سهل على إنتاجاتٍ مختلفة. لكنّ فائزين/فائزات بها حاضرون بقوّة في المشهد السينمائي الدولي، وغير محتاجين إلى دفعٍ إضافي لتسهيل بلوغهم إلى جهة إنتاجية. الجائزة تُسهِّل طرق الإنتاج أمام سينمائيين/سينمائيات جدد، تحديداً.

رغم ارتباكات عدّة، يُعانيها في فترات مختلفة من سيرته المديدة، في اختيار أفلامٍ وتشكيل لجان تحكيم وتوزيع جوائز، يُثير مهرجان كانّ حماسة كثيرين/كثيرات للحضور فيه: مشاركة أو متابعة أو حشرية. هناك من ينتظر ساعاتٍ للحصول على بطاقة تُتيح له مشاهدة فيلمٍ، في عرضٍ دولي أول له، وبعض هؤلاء غير مُتردِّد عن "تسوّل" بطاقة دخول من أناسٍ يخرجون من "قصر المهرجانات والمؤتمرات" المقرّ الرئيسي لـكانّ السينمائيّ (ولنشاطات ثقافية وفنية أخرى). فالأساس، بالنسبة إلى هذا البعض، كامنٌ في المُشاهدة.
هناك من يتسلّى بالتجوّل بين فنادق ومطاعم وأمكنة سهرٍ وصالات عرض، كي يُلقي نظرةً، ولو عابرة، على نجم/نجمة، إنْ يكن يحبّهما أم لا، فالحشرية مُسلّية أيضاً، أو كي يجهد في الحصول على توقيعٍ أو صورة، وهذان غير سَهلَين دائماً
.

في كانّ السينمائيّ، هناك مسائل غير مرتبطة بالسينما، مُشاهدةً ونقاشاتٍ وتوزيعاً ومشاريع. ما يدور حول هذا كلّه يجذب كثيرين/كثيرات إلى معاينته مباشرة، إنْ يتمكّن أحدهم من ذلك. الشاطئ مليء بأمكنةٍ، يرتادها نجوم الفنّ السابع في حفلات ليلية، وبعض الأمكنة مُخصَّص لعروضٍ تُقام في منتصف الليل. المطاعم الفخمة تمتلئ بأناسٍ معروفين، وبمتلصّصين يريدون نظرة أو توقيعاً أو صورة. الطرقات الأساسية تغصّ أحياناً بأناسٍ، يأتون إلى المدينة الجنوبية في فرنسا، من مدن أوروبية متفرّقة، لسياحةٍ تترافق وأضواء المشاهير واستعراضاتهم. الشحّاذون مختلفون، هم أيضاً، بكيفية طلب المال، ومنهم من يوهم المارّة بأنّه يبيع أشياء ثمينة. بعضهم يبغي فرجةً من خلف قناع الشحّاذ، فلعلّ هذه متعة خاصة به. يُقال إنّ عاملات الجنس يزداد عددهنّ، فالأيام الـ10 في كلّ دورة تحشد أناساً من العالم، تحتاج غالبيتهم الساحقة إلى هذا النوع من السهرات، التي يتردّد أنّ صخبها عظيمٌ، إلى درجةٍ، يصعب وصف بعضها، على الأقلّ.

في الصالات، الموزّعة في أحياء عدّة في المدينة، تُروى حكاية أخرى. الصالة الكبرى في "قصر المهرجانات والمؤتمرات"، التي تحتوي على 2300 مقعد، واسمها "صالة لوميير"، تشهد -صباح كلّ يوم- عرضين لفيلمين يُشاركان في المسابقة الرسمية. أحياناً، يأتي أعضاء من لجنة التحكيم للمُشاهدة مع نقّاد وصحافيين سينمائيين، تمتلئ الصالة بهم/بهنّ، لكنّ الصمت يحلّ مع إطفاء الأضواء، وفتح الستارة، وبثّ إشارة المهرجان.

التجربة رائعة: مُشاهدةُ جديدِ السينما في أول عرضٍ دولي له. تجربة، يُظَنّ أنّها ستنتهي في مشاركات لاحقة. لعلّ هذا صحيح. لكنّ المُتابع السنوي للمهرجان يحتفظ، ولو بعد أعوامٍ طويلة من المشاركة السنوية، بكثيرٍ من هيبة اللحظة، وجمال الحضور، ومتعة المُشاهدة. أمّا النقد والتحليل والنقاش، فتحدث كلّها لاحقاً: في مقهى قريبٍ لاستراحةٍ سريعة، أو في مطعمٍ لتناول الطعام، أو في سهرةٍ لن تكون صاخبةً إلّا بكلامٍ يبدأ من السينما، قبل أنْ يبلغ مرتبة النمائم والنكات والمقالب بين أصدقاء ومعارف.

يحصل هذا في مهرجانات أخرى أيضاً، كما في برلين وفينيسيا، المُصنَّفَين مع كانّ في الفئة الأولى؛ وفي مهرجانات أخرى، عربية وأجنبية. لكنْ، لمهرجان كانّ سحرٌ غريبٌ، تصنعه الـ"كروازيت"، بشاطئها ومرفئها وناسها وطقسها الجميل في مايو/أيار، وإنْ يتساقط مطرٌ قليلٌ أحياناً.

 

####

 

مهرجان كانّ... احتفاء بيعداً عن الكمامات

سعيد المزواري

تنعقد الدورة الجديدة (17 ـ 28 مايو/أيار 2022) لمهرجان كانّ السينمائي في ظرفٍ استثنائيّ، يُحتّم على المنظّمين توجّهين، يتناقض أحدهما مع الآخر، إلى حدّ ما: الاحتفال بالذكرى الـ75، بإعطائها زخماً احتفائياً يُحاكي برامج الدورات التي أحيت هذا النوع من الذكرى سابقاً، كما في الدورتين الـ50 (7 ـ 18 مايو/أيار 1997) والـ60 (16 ـ 27 مايو/أيار 2007)؛ والعودة إلى نسق الدورات العادية، بالنسبة إلى عدد الأفلام، بعدما سجّلت الدورة الماضية (6 ـ 17 يوليو/تموز 2021) رقماً قياسياً للأفلام المُبرمجة، بلغ 150 فيلماً، للتعويض عن دورة عام 2020، التي أُعلن عن إلغائها بسبب كورونا، قبل تنظيمها في صيغة مُصغّرة (27 ـ 29 أكتوبر/تشرين الأول).

لعلّ السعي إلى التخلّص التدريجي من تداعيات فيروس كورونا على قطاع السينما، وشبح عدم انعقاد المهرجان للمرّة الثالثة في مساره، الغنيّ بالمنعرجات والتقلّبات، يُذكّر بمحطّات بارزة، بدءاً من تأسيسه عام 1939، بمبادرة من وزير التربية الوطنية والفنون الجميلة، الفرنسي جان زاي، كردٍّ على تدخّل الحكومتين، النازية والفاشية، في ألمانيا وإيطاليا، في انتقاء أفلام مهرجان فينيسيا السينمائي (لا موسترا) حينها. لكنّ انعكاسات بوادر الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945) حالت دون تنظيم الدورة الافتتاحية، التي تأجّلت إلى عام 1946.

تدريجياً، يغدو المهرجان قِبلةً للسينما العالمية، بفعل جاذبية أجواء المدينة وشطآن الريفييرا، ومُساندة غير مشروطة من أقطاب السينما الغربية، وعلى رأسها أميركا، والوضع الامتيازي لفرنسا، كمهدٍ للسينما وتقاليدها الراسخة في النقد والـ"سينفيليا".

يتخلّل مسار تكريس المهرجان، كأهمّ تظاهرة سينمائية في العالم تحظى بأكبر تغطية صحافية بعد الأولمبياد وكأس العالم لكرة القدم تواريخ مهمّة، منها ابتكار "السعفة الذهبية"، كأسمى مكافأة لتعويض الجائزة الكبرى للمهرجان، عام 1955؛ ثمّ إنشاء أول سوق للأفلام، لتسهيل معاملات صناعة السينما؛ وخفض الاعتبارات الوطنية في اختيار الأفلام، عبر اعتماد لجنة انتقاء في بداية سبعينيات القرن الـ20، ليصبح "كانّ" الوجهة المُفضّلة لأفلام ألمع مخرجي السينما، كالإيطاليين فديريكو فيلّيني ومايكل أنجلو أنتونيوني، والسويدي إنغمار برغمان، والإسباني لويس بونويل.

عام 1962، دُشِّن "أسبوع النقاد" كأول قسمٍ موازٍ للمهرجان، يعرض الأفلام الأولى والثانية لمخرجيها. تلاه قسم "أسبوعا المخرجين"، الذي نشأ بمبادرة من بيار هنري دولو، عن مجموعة مخرجي الأفلام، تحت شعار "السينما الحرّة". تبرز أيضاً محطة "أيار 1968" (انطلق "أسبوعا المخرجين" في ظلّها)، حين اكتشف المنظّمون ـ في صدمةٍ أجبرتهم على إيقاف الدورة الـ21 في 19 مايو/أيار، قبل موعد انتهائها (10 ـ 24 مايو/أيار) ـ أنّ المهرجان، على غرار فرنسا كلّها، يحتاج إلى دماء جديدة في شرايينه.

في العقدين الموالين، اكتسب الحدث الفني الأبرز عالمياً تموقعاً ذكياً يوازن، بدقّة وصعوبة، بين الرهان الضروري والأساسي على الجانب الفني، وطلائعيّة الدور الذي يلعبه المهرجان في هذا الجانب، بفضل اختياراته وجوائزه، من دون إغفال مسألة إفساح المجال أمام أفلامٍ تتناول القضايا السياسية والإنسانية التي تشغل العالم، ومراعاة متطلّبات الانتشار الإعلامي، من خلال الاحتفاء بالنجوم والسينما الجماهيرية أيضاً، متميّزاً بفضل ذلك عن مهرجان فينيسيا (لا موسترا)، المعروف بمنحه حيّزاً أكبر للأفلام المتطرّفة في النوع والبحث، على مستوى الشّكل، وعن مهرجان برلين (برليناله) الذي اعتاد تغليب الوازع السياسي في اختياراته.

يظلّ جيل جاكوب، الذي شغل مهمة المندوب العام لأكثر من عقدين، أبرز شخصية طبعت المهرجان، بتركيز اختياراته على السينما في بُعدها الكوني المنفتح على العالم بأسره، بما في ذلك البلدان الصغيرة، وعبر تسليط الأضواء على الممثلين والمخرجين أكثر من المنتجين والسياسيين.

مع جاكوب، بدأ القَطع مع عادة منح رئاسة لجنة التحكيم لشخصيات من خارج مهنة السينما- وساند حرية تعبير المخرجين- وإعطائهم فرصة عرض أفلامهم الممنوعة في بلدانهم الأصلية، لأنّها تنتقد أنظمة سلطوية أو مُضطهِدة. كما اتّخذ قرارات جريئة ومُجدِّدة، كابتكار جائزة "الكاميرا الذهبية"، التي تكافئ أفضل فيلم أول، وخاصة قرار فتحها على كلّ الأقسام، في محاولة لسحب قليلٍ من أسبقية اكتشاف المواهب الجديدة من "أسبوع النقاد"، قبل أنْ يُحدِث، عام 1978، قسمه الثانوي الخاص، باسم "نظرة ما"، لاستقبال أفلامٍ أكثر هشاشة وخصوصية من تلك المتواجدة في المسابقة الرسمية، أغلبها لمخرجين مبتدئين، تمنح المنظّمين شبكة أمانٍ، تتيح إفلات أقلّ عدد ممكن من الأفلام الفارقة والمتفرّدة، وفاءً لتقليد منافسة شديدة وغير معلنة بين الجناحين الرسمي والموازي للمهرجان، تصبّ ـ في نهاية المطاف ـ في مصلحة هذا الأخير.

أمّا تييري فريمو، فطَبع ـ عند تسلّمه الإدارة الفنية عام 2003، قبل اختياره مندوباً عاماً منذ عام 2007 ـ برمجة "كانّ" باختيارات "سينفيلية" قوية، أهمّها تدشين فقرة "كانّ كلاسيك" عام 2002، فلاقت نجاحاً وإقبالاً كبيرين، ثم إعطاؤه مكانة أكبر لسينما التحريك وأفلام النوع، تكلّلت بحصول أفلامٍ ـ مُتجذّرة في مقاربة النوع الفيلمي ـ على "السعفة الذهبية"، في الأعوام الأخيرة. كما حرص على منح الفيلم الوثائقي حيّزاً أهمّ، بإنشاء جائزة "العين الذهبية"، بالتعاون مع جولي برتوتشيلي، عام 2015.

لم يخلُ تاريخ مهرجان كانّ كذلك من حوادث وفضائح وقراراتٍ، ملأت الإعلام وشغلت الصحافة، مُساهمة في إشعاع الحدث وذيعان صيته. ولعلّ أكثر أشكال الجدل ثباتاً ذاك الذي يتلو الإعلان عن جوائزه، فتختلف حدّتها من مجرّد خلاف على الأفلام ومدى حقّها في الجوائز، إلى اتّهاماتٍ لأعضاء اللجنة بالانحياز، أو تغليب المصلحة الذاتية، وحتّى تضارب المصالح. هذا الاتّهام الأخير امتدّ إلى انتخاب إيريس كنوبلوك رئيسةً جديدة للمهرجان، خلفاً لبيار لوسكور، ابتداءً من الدورة الـ76، بحكم ترؤسها الفرع الفرنسي لمجموعة Warner Brothers الأميركية، لـ15 عاماً.

تحدّيات جديدة سيواجهها الثنائي كنوبلوك ـ فريمو، أوّلها تجدّد نقاش المناصفة بين الجنسين في ظل حراك نسوي تتوسع وتتشعب آثاره المجتمعية، والصيغة التي ينبغي أنْ يأخذها الحرص على رفع التمثيل النسائي، من دون الإضرار بالمستوى الفني وشرط الجودة؛ ثم التغيّرات العميقة التي تعرفها عادات المُشاهدة، في الأعوام الأخيرة، مانحةً ثقلاً ونفوذاً أكبر لمنصّات العرض التدفّقي، ومؤجّجةً الجدل حول المكانة التي ينبغي أنْ تُمنح لها في المهرجان، بعد إصرارها على تجاهل شرط الخروج في الصالات حتى يتمّ انتقاؤها، وحزم مجلس إدارة المهرجان في عدم التنازل عن هذا الشرط. متغيّرات عصر جديد، ليس هناك ما يدلّ عليها أكثر من الشراكة التي تمّ عقدها مع "تيك ـ توك"، لتقديم محتويات من يوميات المهرجان وكواليسه إلى المشتركين في الشبكة.

مياهٌ كثيرة تدفّقت تحت جسور المهرجان، منذ فكرة إنشائه، حفاظاً على حرية الإبداع في مواجهة تنامي الفاشية، منذ منتصف القرن الماضي، إلى الدورة الـ75 هذه، حيث تجد السينما نفسها في مفترق طرق مُحيّر، ومتغيّرات عصرٍ تهدّد بالعصف بطقس المشاهدة الجماعية في الصالات، الواقع في قلب تصوّرها الفني والجمالي. جدلٌ شائك ومُقسِّم، سيكون مهرجان "كانّ"، من دون شكّ، مسرحاً له في الأسبوعين الأخيرين من الشهر الحالي، وستلعب نتائج هذه الدورة الجديدة وهوية الفائزين، ومخرَجات نقاشاتها، دوراً في تشكيل معالم سينما القرن الـ21.

 

العربي الجديد اللندنية في

17.05.2022

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004