ملفات خاصة

 
 
 

«برلين السينمائي» ضاع بين خيارين أحلاهما مرّ

وجّه معظم جوائزه إلى النساء في دورة متواضعة

لوس أنجليس: محمد رُضا

برلين السينمائي الدولي

الدورة الثانية والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

«كئيب» هو الوصف الذي ذكره معظم التقارير الصحافية الواردة من مهرجان برلين الذي انتهت دورته الثانية والسبعين قبل يومين. كلمة تصوّر حال مهرجان كبير عندما يختار أن يواصل مسيرته كحدث يؤمّه الجمهور والضيوف والإعلاميون كما كان الحال في سنواته السبعين السابقة، فقط ليجد أنه مِثل مَن وجّه دعوة إلى حفلة ساهرة ولم يلبِّها أحد.

في عام 2020 قدّم المهرجان الألماني دورته الكبيرة الأخيرة. كان وباء «كوفيد» ما زال قابلاً للصرف بلا خوف كبير منه. في صالة مكتظة تتسع لأكثر من 1600 مشاهد التقطنا ثلاثة أشخاص فقط بكمامات. الكراسيّ كانت كلها مشغولة. لا خوف ولا قلق، والاهتمام باحتمال انتشار الداء كان لا يزال في مطلعه.

في عام 2021 أُصيب المهرجان الكبير نفسه بالداء: الحكومة الألمانية التي تؤمِّن القِسْم الأكبر من الميزانية رفضت السماح بأن تُقام الدورة على أرض الواقع لأن مخاطر الوباء باتت مشهودة. البديل كان واحداً من اثنين: إلغاء الدورة كليّاً، أو تحويلها إلى «النت» يشاهد أفلامها المشتركون. اختارت إدارة المهرجان الحل الثاني وحققت الدورة نجاحاً لا بأس به من حيث عدد المشتركين ونوعية الأفلام التي استجابت للوضع.

الدورة الأخيرة التي بدأت في العاشر من هذا الشهر وانتهت في السادس عشر منه، كان لا بد لها أن تعود إلى قواعد ومبادئ العروض الفعلية. لا تستطيع، والوباء ما زال الضيف الأول في حياتنا، أن تبقى خفيّة عن الأعين تعرض أفلامها على الهواء الافتراضي كما لو كانت نادياً سينمائياً صغيراً. مرّة واحدة، لا بأس. لكنْ مرّتان ستكونا بحكم القضاء على مستقبل المهرجان.. أو هكذا تم الاعتقاد.

خيارات محدودة

لكنّ المشكلة كانت أكبر من أن يحتويها فعل العودة إلى القواعد الأساسية. ما أراد المهرجان إثباته هو أنه لن يستسلم للداء المستجد، بل سيواجهه. المشكلة كانت في الأسلحة المتوفرة: تقليص الدورة من 10 أيام إلى 6 أيام فقط. الالتزام باستقبال الملقحين وحدهم (وتحبيذ أن يكون الداخل إلى الصالة أتمّ اللقاح الثاني)، وفرض التباعد بين الجالسين بحيث يتم ملء نصف الصالة أو أقل.

الذي حدث أن الكثيرين قرأوا التعليمات المذكورة (وهناك سواها) ووجدوا أن السفر إلى برلين لأسبوع واحد لا يقل فداحة عن تعذر الحضور. وازَنوا بين مشاقّ السفر، في هذه الأيام، والجهد البدني والتكلفة المادية واختاروا البقاء في ديارهم.

بذلك انقلبت المعادلة على من قام بها. بكلمات أخرى، إذ قرر المهرجان تقليص فترته إلى ستة أيام، منح الكثيرين عذراً لعدم الحضور. وفي الوقت ذاته، لم يبدد، عبر إصراره على كل هذه الإجراءات الاحترازية بخصوص الوباء، فإذا بالسحر ينقلب على الساحر.

هي مشكلة عويصة لم يكن لينقذها سوى الأفلام ذاتها. لكن بالنظر إلى ما تم عرضه في المسابقة وحدها (على الأقل) بات ثابتاً، بشهادة نقاد ومتابعين مستقلين، أن دورة هذا العام كانت متواضعة النجاح ومحدودة الاختيارات أيضاً.

بدايةً، كانت هناك بصمة الوباء منتشرة على بعض الأفلام المشتركة. نذكر في العام الماضي أن الفيلم الذي انتزع ذهبية المهرجان حينها (الفيلم الروماني Bad Luck Banging) حوى مشاهد لأشخاص يستخدمون الكمامات. حسب ذلك الفيلم (ذي القيمة المتوسّطة) تسير بطلة الفيلم طويلاً في شوارع بوخارست مرتدية كمامة. مَن تمر بهم من ناس في الشوارع يرتدونها كذلك. لكن هذا كان انعكاساً للواقع، إذ تم تصوير الفيلم في بداية فورة «كورونا» في أوروبا.

المسألة هذا العام تختلف. ليس على صعيد ازدياد عدد الأفلام التي تُظهر أشخاصاً بكمامات، بل على صعيد أن عدداً لا بأس به من الأفلام الجديدة، سواء من بين ما عرضه مهرجان برلين أو تلك التي لم تشهد عروضها بعد في أي مهرجان آخر، اضطرت إلى تقليص أحجامها تبعاً للداء. أفلام مثل «جانبا النصل» لكلير دَني، و«المنظمة» لغراهام مور، و«بيتر فون كانت» لفرنسوا أوزون (وكلها من عروض المسابقة)، لم تتمتع بكل ما كان سيتاح لها من إمكانيات وذلك بسبب إملاءات الوقاية. ويتبدّى ذلك حتى من خلال اختيار ممثلين غير معروفين، إذ آثر عدد كبير من ذوي الشهرة والنجومية حماية أنفسهم من الداء المنتشر بتقليل ظهورهم عموماً وقبول الأدوار خصوصاً.

يقول المخرج أوزون إن الكثير من المخرجين الفرنسيين خلال الأزمة الصحية وفي مواجهة القرارات الصارمة التي اتخذتها الحكومة وجدوا أنفسهم غير قادرين على العمل أو اضطروا لاختزال ساعاته والكثير من مشاهده رضوخاً للوضع. بالتالي، فرض الوباء اختيارات البعض للأفلام التي بصدد تحقيقها.

فيلمه «بيتر فون كانت»، على سبيل المثال، جاء نتيجة تفضيل فرنسوا أوزون العمل ضمن الوضع عوض الانكفاء في البيت. النتيجة أنه اختار تحقيق مسرحية كان المخرج الألماني راينر فرنر فاسبيندر قد حققها سنة 1972 بعنوان «الدموع المرّة لبترا فون كانت».

أوزون يفتتح ولا ينال

في حالات أخرى أدّت إصابة بعض الممثلين والعاملين إلى تأخير الأفلام، ما هدد برفع ميزانياتها. أحد هذه الأفلام «جانبا النصل» لكلير دَني، الذي تعذّر عليه الانتهاء من التصوير في الموعد المحدد. تقول المخرجة الفرنسية دَني إنها كانت قد فكّرت بالممثل الأميركي روبرت باتنسن لبطولة فيلمها المقبل «نجوم النهار»، لكنها اضطرت لاستبعاده بعدما أُصيب باتنسن بالوباء خلال تصوير فيلمه الجديد «The Batman» في بريطانيا، ما أوقف تصوير هذا الفيلم المكلف لحين شفائه. باتنسن في كامل عافيته الآن، لكن ما حدث له ولفيلم ريدلي سكوت «المبارزة الأخيرة» عندما توقّف التصوير بسبب المخاوف من انتشار الوباء بين العاملين فيه، كافٍ لتذكيرنا بالزمن الذي كانت فيه ميزانية أي فيلم محددة بآلياته وأماكن تصويره وضرورياته اللوجيستية والفنية والتقنية. الآن تمّت إضافة بند جديد يأخذ في الحسبان احتمال توقف التصوير بسبب إصابة هذا الممثل أو ذاك أو أي أحد من عناصر الفيلم الأساسيين.

«بيتر فون كانت» (Peter von Kant) كان فيلم الافتتاح، وقد استُقبل بترحاب شديد وإن لم يمنع ذلك من تجاهُل لجنة التحكيم، بقيادة المخرج الأميركي م. نايت شيامالان، الذي منحه واحدة من الجوائز الأولى. على ذلك، هو اختيار مناسب لمهرجان ألماني، كونه يستلهم من فيلم المخرج الراحل فاسبيندر مادته. يستلهم الفيلم نصّاً مسرحياً ألمانياً من ناحية، ولو أن التقارير ذكرت، حتى من قبل عرضه في برلين، أن أوزون عدّل وغيّر في ذلك النص حتى بات أقرب لأن يكون من كتابته أساساً. الفيلم الجديد يضع إيزابل أدجياني في دور البطولة وهي التي لم تستطع الحضور لكي تستلم شهادة تقدير لأعمالها بسبب إصابتها بـ«كورونا».

في المسابقة أيضاً فيلم مختلف جداً عن عالم المسرح أو النص المقتبس أو مرامي المخرج أوزون. إنه «رداء الجواهر» للمكسيكية نتاليا لوبيز غالاردو. محوره هو جرائم الاختطاف والقتل الشائعة في المكسيك اليوم والتي تداعت أخبارها عبر الوكالات أكثر مما شوهدت في مواضيع سينمائية.

هناك حكايتان في هذا الفيلم، واحدة حول امرأة أرستقراطية تنتقل للعيش في فيلا ورثتها عن والدتها ومعها ابنتها الشابة، والأخرى عن خادمتها. كلتا الحكايتين لديها أحداث خاصة بها بحيث يسير الفيلم على خطّين شبه متوازيين لا يلتقيان إلا عبر نهاية لا تُزيل الغموض المحيط بما يقع. في وسط كل هذا يقدّم لنا الفيلم انتشار الجريمة وعصاباتها المنظّمة جنباً إلى جنب فساد البوليس (المتمثّل بشخصية شرطية هي أُمّ لأحد شبان العصابة).

حصل «رداء الجواهر» على الجائزة الثالثة في حفل الختام في السابع عشر من الشهر. اللافت أن الجائزة الذهبية نالها فيلم «الكاراس» الذي هو من إخراج نسائي وكذلك «رداء من الجواهر». إلى جانبهما هناك فوز نسائي آخر تَمثّل بجائزة أفضل سيناريو (نالتها ليلى شتيللر عن فيلم بعنوان «ربيعة تقاضي جورج بوش الابن»). كما أن جائزة أفضل تمثيل ذهبت إلى ملتم قبطان عن دورها في الفيلم ذاته. كما فازت المخرجة كلير دَني بجائزة الإخراج عن فيلم «جانبا النصل».

الأرض

«ألكاراس» للإسبانية كارلا سيمون، يدور حول عائلة كبيرة بشخصيات متعددة والرغبات المختلفة لعدد من هذه الشخصيات. بعض أفرادها من الشبّان يريدون استغلال جزء منها لزرع القنّب. البعض الآخر يريد استخدام نظم علمية حديثة وأب العائلة متمسّك بالحفاظ عليها كما هي. تبعاً لكل هذا فإن الخلاف يهدد معيشة الجميع فوق تلك الأرض، لكنّ الخطر الأكبر هو أن الجد الراحل كان قد اشترى تلك الأرض في الأربعينات من دون أن يوقّع على أوراق تؤكد ملكيّته لها. كان هذا عندما كان العرف السائد، لدى أبناء القرى، الاكتفاء بالمصافحة كما لو أنها عقد مبرم. لكن اليوم يختلف عن الأمس وخطر خسارة الأرض جاثم.

أما الفيلم الفائز بالجائزة الثانية والذي نجا من تبعات سياسة تعزيز الوجود النسائي في المهرجان وجوائزه، فهو «المؤلّفة» للمخرج الكوري الجنوبي هونغ سانغسو: دراما حول مؤلفة روائية تواجه حالة فقدان الإلهام. عقلها ما عاد يفكّر في ابتداع رواية جديدة. تتأمل وضعها وتقرر أنها سوف تصبح مخرجة. ليس لديها الموضوع بعد لكنها ستحاول وضع العربة قبل الجياد على أي حال فهي لديها مدير التصوير ولديها الممثلة التي ستقوم ببطولة الفيلم المجهول.

سوق مهرجان برلين وحده ربما كانت أكثر نشاطاً من الأفلام التي عُرضت في جوانبه. فحسب مجلات صدرت لمتابعة أحوال تلك السوق (التي وفّرت أفلامها افتراضياً لمن رغب) شهدت السوق التجارية عمليات بيع وشراء ومنافسة على بعض الأفلام المعروضة وذلك على عكس ما شهدته أفلام المسابقة من ركود.

 

الشرق الأوسط في

18.02.2021

 
 
 
 
 

سيطرة نسائية على جوائز "برلين 72" و"الدب الذهبي" إلى كتالونيا

أفلام عن المساواة بين الرجال والنساء ودمج المهاجرين والسيولة والهوية

هوفيك حبشيان

انتهى، أمس، الجزء الأول من مهرجان برلين السينمائي بين 10 و20 فبراير (شباط) المخصص للمحترفين والإعلام والوسط السينمائي، بتوزيع الجوائز على الفائزين في فئات مختلفة. وكان "الدب الذهبي"، أرفع الجوائز التي تسند في هذه التظاهرة السينمائية الألمانية، من نصيب المخرجة الإسبانية (الكتالونية) كارلا سيمون عن فيلمها "ألكاراس" الذي يروي من ضمن ما يرويه، التأثير السلبي للتطور الصناعي في المجتمع الزراعي وذلك في منطقة كتالونيا التي تتحدر منها المخرجة. هذا أيضاً أول فيلم ناطق باللغة الكتالونية يفوز بهذه الجائزة. 

تتمحور أحداث الفيلم حول عائلة سوليه التي لطالما كان أفرادها يمضون عطلتهم الصيفية في قطف الدراق في بستانهم بقريتهم الصغيرة. يبدأ الفيلم في اللحظة التي يدركون فيها أن محصول هذا العام قد يكون آخر محصول لهم، إذ إنه يطلب منهم إخلاء المكان بسبب المشروع الجديد الذي "سيحتل" الأرض. أشجار الدراق الجميلة سيتم اقتلاعها واستبدالها بألواح الطاقة الشمسية. هذا كله سيفضي إلى تصدع داخل العائلة التي كانت متماسكة إلى الآن. للمرة الأولى، ثلاثة أجيال من عائلة واحدة ستسكن في هذا المكان البديع، لتواجه مستقبلاً مجهولاً، علماً أن الخسائر لن تكون مادية فقط.

هذا ثاني فيلم لكارلا سيمون البالغة من العمر 36 عاماً. في عام 2017، عرضت في برلين ضمن قسم "أجيال"، باكورتها الروائية "صيف 1993" عن فتاة صغيرة تذهب لتعيش مع عملها وعائلته بعد وفاة أمها ووالدها بسبب مرض الإيدز. وكان الفيلم قد فاز بجائزة العمل الأول في البرليناله، إضافة إلى 30 جائزة فاز بها حول العالم. في "ألكاراس"، مرة جديدة تعتمد سيمون على تجربتها في الحياة الريفية، حيث النشاط البشري هو جزء من دورة تحكمها المواسم في مناخ متقلب، في حين أن ديناميكيات الأسرة مشوشة دائماً بسبب المخاوف الاقتصادية. ولكن هناك أيضاً اختلافات في كيفية ارتباط كل فرد بعامل الوقت.

سيرة كارلا سيمون الشخصية غير عادية، فهي عانت في طفولتها من فقدان والديها بمرض الإيدز عندما كانت في السادسة. حكاية "صيف 1993" هي حكايتها بالتفاصيل وقد صور الفيلم في المكان الذي نشأت فيه، أي في مدينة غاروشا الواقعة في شمال كتالونيا. هذه المتخرجة في جامعة برشلونة المستقلة، والتي درست أيضاً السينما في جامعة لندن تنال مع "الدب الذهبي" اعترافاً دولياً بموهبتها من واحد من أهم المنابر السينمائية في العالم، ومن يد المخرج الأميركي أم نايت شيامالان الذي ميز فيلمها من بين 18 فيلماً آخر، كاشفاً عن اهتمام بسينما بعيدة جداً من السينما التي ينجزها.

جائزة لجنة التحكيم الكبرى ذهبت إلى المخرج الكوري الجنوبي هونغ سانغ سو المعروف بسينماه ذات الطابع الحميمي، حيث يكثر الكلام وتتكرر المواقف، وهي دائماً بالأسود والأبيض وبمدة عرض لا تتجاوز الدقائق الـ90. هذا الذي اعتاد أن يعرض أفلامه في كان وبرلين (فاز في الأخير بجوائز عدة)، لم يغير أسلوبه هذه المرة في جديده "فيلم الروائية"، إذ يعرفنا على كاتبة تدعي جونهي تلتقي بسيدتين من معارفها: الأولى تخلت عن التأليف لتفتح مكتبة ولم تبد أي رأي في أعمالها، والثانية مخرجة كان من المفترض أن تقتبس إحدى رواياتها لكن هذا لم يحصل. على الرغم من المرارة التي تشعر بها حيال هذين الأمرين، فمشكلة جونهي هي أنها لم تعد قادرة على الكتابة منذ فترة، لكونها تعبر في مرحلة شكوك ومساءلة للذات. يمكن القول، إن سانغ سو أراد فيلماً عن "تأثير الزمن في الحيوات المكرسة للفن". والنتيجة لا تختلف كثيراً عما اعتدنا أن نراه في أفلامه السابقة. 

المخرجة البوليفية المكسيكية ناتاليا لوبيز غالاردو نالت جائزة لجنة التحكيم عن فيلمها "ثوب الجواهر". القصة: تستحوذ إيزابيل وعائلتها على فيلا والدتها في ريف المكسيك وتعاود الاتصال بمدبرة المنزل ماريا. لكن كل الأمور تغيرت منذ رحيل والدتها. المنزل الذي كان نموذجياً في السابق أصبح مهجوراً ومهملاً. في وسط هذه الأجواء، تضع المخرجة كاميراتها في أول عمل روائي طويل لها. العنف حاضر لكنه صامت، وحضوره نفسي أكثر منه جسدياً. غالاردو التي سبق أن عملت مونتيرة لسينمائيين مكسيكيين معروفين مثل آمات إسكالانته وكارلوس ريغاداس، مزجت بين الواقعية والأحلام والاستعارات حيث تتعرض الشخصيات لدرجات متفاوتة من الفقد والتخلي. جائزة أفضل إخراج ذهبت إلى المخرجة الفرنسية الكبيرة كلير دوني (75 عاماً) عن فيلمها "بحب وضراوة" عن مثلث غرامي بين فنسان لاندون وجوليات بينوش وغريغوار كولان على خلفية حب وخيانة وغيرهما من المشاعر المرهفة والعنيفة التي تعرف دوني عادة كيف ترويها. الفيلم ثالث تعاون لدوني مع الكاتبة المشهورة كريستين أنغو. بينوش في الفيلم مرنة بشكل استثنائي بحيث يصبح جسدها أرضاً لمسرح آسر من الأضداد العاطفية.

بعدما ألغيت جائزتا أفضل ممثل وأفضل ممثلة بدءاً من العام الماضي ليتم استبدالهما بجائزتي أفضل تمثيل في دور رئيس وأفضل تمثيل في دور ثانوي من دون تمييز بين المرشحين على أساس جنسي، نالت التركية ملتم قبطان جائزة أفضل تمثيل عن دورها في "ربيعة كرناز ضد جورج بوش" للألماني أندرياس درايسن الذي استحق أيضاً جائزة السيناريو الذي وضعته ليلى ستيلر. والفيلم عن سيدة تركية تعيش في ألمانيا ونضالها من أجل تحرير ابنها المتهم بالإرهاب والقابع في سجن غوانتانامو، غداة هجمات 11 سبتمبر (أيلول). أما جائزة أفضل تمثيل في دور ثانوي فاقتنصتها الممثلة الإندونيسية لورا باسوكي عن دورها في "نانا" لكاميلا أنديني. 

جائزة بارزة أخرى قدمتها لجنة التحكيم وهي "أعظم مساهمة فنية" كانت من نصيب المخرج الكمبودي المقيم في فرنسا ريثي بان عن "كل شيء سيكون أوكي" حيث يصور شخصيات من عرائس في "نوع" سينمائي كان أطلقه في "الصورة المفقودة"، عالماً خيالياً سيطرت عليه الحيوانات بعد قرن كامل من الإبادات الإيديولوجية والتدمير. 

قد يستغرب البعض سيطرة العنصر النسائي على قائمة جوائز المهرجان الذي يستمر إلى العشرين من الجاري. لكن مذيعة الحفلة نفسها اعترفت بكل فخر أن "برلين لطالما كانت تظاهرة سياسية"، وهذا المد السياسي تطور في السنوات الأخيرة ليشمل "سياسات الهوية" في أجواء من الصواب السياسي، فأصبح مهرجان برلين نتيجة هذا كله رأس حربة حقيقية في قضايا المساواة بين الرجال والنساء ودمج المهاجرين والسيولة والجنسية. ولكن، هل لا يزال هناك مكان للفن الخالص داخل هذا كله؟ السنوات المقبلة حاسمة وكفيلة بالرد على هذا الهاجس الذي يعيشه كثر من السينمائيين الذين لا يتعاطون السياسة والقضايا كملفات وبأسلوب مباشر. 

 

الـ The Independent  في

17.02.2021

 
 
 
 
 

مهرجان برلين الـ72: جائزة "الدبّ الذهب" تنتصر للريف

المصدر: "النهار" - هوفيك حبشيان

هذه المرة الأولى توزَّع فيها جوائز مهرجان برلين السينمائي (١٠ - ٢٠ الجاري) بهذا الشكل: أربعة أيام قبل الختام سلَّمت مساء الأول من أمس لجنة تحكيم برئاسة المخرج الأميركي أم نايت شيامالان التماثيل، من دببة ذهب وفضّة، إلى مَن رأتهم أهلاً لها. لكن المهرجان لم ينتهِ، فهو مستمر إلى الأحد المقبل، كلّ ما في المسألة ان الفترة المخصصة للعروض العالمية الأولى شارفت نهايتها، أما بقية الأيام فهي للجمهور فقط. هذا إجراء استثنائي ارتضته إدارة المهرجان لتقليص عدد أيام التظاهرة لعله يحد من انتشار وباء الكورونا. وباء لم تتجاوزه ألمانيا بعد، بالرغم من ان كثرة من البلدان المجاورة، ومنها النمسا، أعلنت رفع القيود أو خففتها.

الدورة الثانية والسبعون من برلين ضمّت ٢٥٦ فيلماً عُرضت في مجمل الأقسام التي أضيف اليها أخيراً قسم "لقاءات" التنافسي (يضم أفلاماً ذات نَفَس تجريبي أو جديد)، ١٨ منها في المسابقة الرسمية، وفي النهاية فازت المخرجة الكاتالانية كلارا سيمون بـ"الدبّ الذهب" عن فيلمها "ألكارّاس"، أول عمل ناطق بلغة كاتالونيا الإسبانية يفوز بهذه الجائزة. الفيلم عن ضرر الثورة الصناعية على سكّان احدى القرى التي تجري فيها التطورات الدرامية والتي تصوّرها المخرجة البالغة من العمر ٣٦ عاماً بحساسية بالغة.

عائلة سوليه التي اعتادت منذ سنوات ان تمضي عطلتها في بيتها الصيفي لقطف الدرّاقن، تجد نفسها أمام استحقاق جديد: مغادرة المنزل لافساح المجال أمام مشروع جديد يرغب في احتلال أرضها لتركيب ألواح طاقة شمسية. وداعاً شجر الدرّاقن والمحصول السنوي الذي سيصبح ذكرى من الماضي. هذا كله ستكون نتائجه كارثية على سكّان القرية، وسرعان ما سيفضي إلى تصدّع داخل العائلة التي كانت متماسكة حتى الأمس القريب. للمرة الأولى، ثلاثة أجيال من عائلة واحدة، ستجد نفسها في المجهول، ولن تقتصر الأضرار على الماديات، بل ستكون ذات طابع نفسي.

هذا ليس أول فيلم تشارك فيه كارلا سيمون في الـ"برليناله". ففي العام ٢٠١٧ اختير باكورتها "صيف ١٩٩٣" في قسم "أجيال" حيث فازت عنه يومذاك بجائزة العمل الأول. سيمون التي درست في كلاتا من جامعة برشلونة ومدرسة لندن للسينما، كانت حكت في عملها التأسيسي الأول فصلاً من سيرتها الذاتية المؤلمة التي لا تشبه سيرة أخرى. فعندما كانت في السادسة من العمر، توفي والداها بداء السيدا، ما اضطرها للعيش مع عمّها وعائلته في غاروشا. في كلا الفيلمين، الأول والثاني، استوحت من التجربة التي عاشتها في الريف، بهدف تقديم شيء أصيل غير مفبرك على طاولة المنتجين التجّار. يقول الملف الصحافي للفيلم ان الريف الكاتالاني يشهد "نشاطاً بشرياً" وهو جزء من دورة تحكمها المواسم في مناخ متقلّب، في حين ان ديناميكيات الأسرة مشوشة دائماً بسبب المخاوف الاقتصادية. ولكن هناك أيضاً اختلافات في كيفية ارتباط كلّ فرد بعامل الوقت”.

لا شك ان جائزة كـ"دبّ" برلين الذهبي، إنجاز لا يضاهيه أي إنجاز آخر بالنسبة لسينمائية شابة في السادسة والثلاثين، خصوصاً انها (الجائزة) تأتي من لجنة تحكيم يرأسها سينمائي كبير كشيامالان لطالما أظهر فرادة في الرؤية. تكريسه لفيلم من على أحد أرفع المحافل السينمائية في العالم، يضعه في عداد الفنانين الذين يقدّرون أعمالاً نقيضة لأعمالهم. تيمة "محاربة التطور الصناعي والرأسمالية من جماعة أضعف نفوذاً"، تيمة ذات نكهة سياسية تعجب الذين يقفون في المرصاد لهذا الموضوع الذي أعطى عدداً من الأفلام الجيدة، علماً ان فيلما آخر كان معروضا في المسابقة أيضاً عن مسألة مشابهة: الصيني "عودة إلى الغبار" للمخرج لي رويجون الذي يتطرق إلى اختفاء الحياة الزراعية في احدى القرى الصينية.

معظم الجوائز ذهبت إلى سينمائيات. ما عادت مستغربةً سيطرة النساء على لائحة الجوائز في كلّ المهرجانات. ففي كانّ الماضي فازت الفرنسية جولي دوكورنو بـ"السعفة الذهب" عن "تيتان"، وبعده بفترة قصيرة تسلّمت أودريه ديوان "أسد"(ها) في البندقية. وها ان "دبّ" يُسنَد إلى برلين كارلا سيمون (المخرجات الثلاث في تجربتهن الإخراجية الثانية). هذا يموضع المرأة على خريطة السينما في خطوة واضحة لدعهمهن بعد سنوات من التمييز. قرار سياسي لا يخفي المهرجان حماسته له، مع بعض المبالغة التي تميز الألمان عندما يتعلّق الأمر بمواضيع تشمل الجندرية والسيولة الجنسية، أي كلّ ما يتصل بـ"سياسات الهوية" التي تناقش حالياً في مناخات شديدة "الصوابية" أحياناً، لسوء حظ المخرجين الذين يملكون هموماً لا تنسجم لا شكلاً ولا مضموماً مع الأوصياء على هذه السياسات.

الكوري الجنوبي هونغ سانغ سو، أحد المشاركين في برلين باستمرار، كانت له جائزة أيضاً: "لجنة التحكيم الكبرى". وقد فاز بها عن "فيلم الروائية"، حول كاتبة تريد الانتقال إلى السينما وتعيش مرحلة شكوك حول قدراتها الكتابية. سانغ سو حافط على أسلوبه المعتاد في إنجاز فيلم: صورة بالأسود والأبيض، كلام كثير قد يبدو ثرثرة، حكايات ثانوية. الرجل مخلص لأشياء جعلته يفوز بأكثر من جائزة في برلين نفسها.

مخرجة بوليفية مكسيكية تُدعى ناتاليا لوبيز غالاردو، أنجزت فيلمها الأول وفازت عنه بجائزة لجنة التحكيم. الفيلم عنوانه "ثوب الجواهر" ويبدأ من إيزابيل التي تستحوز على فيللا والدتها في ريف المكسيك، فتكتشف ان الأمور تغيّرت منذ رحيل الأخيرة، وأصبح المكان مهجوراً ومهملاً. غالاردو التي اشتغلت على توليف أفلام لسينمائيين مكسيكيين، تعتمد في الفيلم على العنف النفسي بدلاً من الجسدي.

المخرجة الفرنسية القديرة كلير دوني أُسندت إليها جائزة الإخراج عن "بحب وضراوة" حيث يتقاسم كلّ من فنسان لاندون وجوليات بينوش وغريغوار كولان البطولة. هؤلاء ناس عاديون يعيشون الحبّ والخيانة وغيرهما من الأحاسيس التي اشتهرت مخرجة "عمل جميل" في سردها.

جائزة التمثيل تسلمتها التركية ملتم قبطان عن دورها في "ربيعة كرناز ضد جورج بوش" للألماني الشهير أندرياس درايسن حيث لعبت دور أمّ تسعى إلى تحرير ابنها المتّهم بالإرهاب من سجن غوانتانامو السيئ الذكر. الفيلم نفسه استحق كذلك جائزة السيناريو حازتها مؤلفته ليلى ستيلر. أما جائزة أفضل تمثيل في دور ثانٍ فأُعطيت للأندونيسية لورا باسوكي عن دورها في "نانا" لكاميلا أنديني. يُذكر ان جائزتي أفضل ممثّل وأفضل ممثّلة أُلغيت بدءاً من العام الماضي ليتم استبدالهما بجائزتي أفضل تمثيل في دور رئيسي وأفضل تمثيل في دور ثانوي من دون تمييز بين المرشحين على أساس جنسي.

أخيراً، التفتت لجنة التحكيم إلى عمل المخرج الكمبودي الفرنسي ريثي بان عبر اعطائه جائزة باسم "أعظم مساهمة فنية" عن "كلّ شيء سيكون أوكي" حيث يستعيد تجربة أحد أفلامه السابقة، ”الصورة المفقودة”، (تصوير شخصيات عبارة عن عرائس)، ليخلق منها عالماً خيالياً عن سيطرة الحيوانات على البشر، بعد قرن كامل ساد فيه القتل من أجل العقائد.

 

النهار اللبنانية في

18.02.2021

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004