ملفات خاصة

 
 
 

ضحك وعنف وحيرة في مسابقة مهرجان برلين

أمير العمري- برلين

برلين السينمائي الدولي

الدورة الثانية والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

يجب أن أعترف أنني لم يسبق لي مشاهدة أي فيلم للمخرج الفرنسي كوينتين دوبيوكس، صاحب الأفلام الكوميدية الخفيفة التي تتعامل مع الأشياء غير المألوفة، والشخصيات الغريبة الأطوار. وقد وجدت فيلمه الجديد “غير معقول ولكنه حقيقي” Incroyable mais vrai الذي عرض ضمن المسابقة الرسمية في مهرجان برلين، طريفا للغاية، ويكشف تناقضات شخصيات تنتمي بشكل مثالي للبورجوازية الفرنسية التي طالما سخر منها العبقري الاسباني لويس بونويل في أفلامه الفرنسية الشهيرة.

أما الطرافة فترتبط بغرابة الموضوع وجدته، وطريقة العرض الصارمة تماما التي قد تكتس بعض المبالغة الكاريكاتورية في بناء المشهد وصياغة الحوار، إلا أنه لا يتخلى عن بعض “الواقعية” مهما بدت غرابة الأحداث والشخصيات.

آلان وماريه، رجل وامرأة في منتصف العمر أو ما بعده، ينتقلان إلى بيت جديد اشترياه مؤخرا في الضواحي. يخبرهما مندوب وكالة العقارات الذي باع لهما البيت بسر غريب يدعوه “جوهرة المنزل”. يأخذهما أولا إلى الطابق التحت أرضي الذي لا يبهرهما قط فهما ليسا من عشاق هذا الطابق السري الذي يقع تحت أرض المنزل عادة ويسمى أيضا بالقبو. ولكن ليس هذا هو السر. بل هناك فتحت مغطاة بغطاء خشبي دائري تؤدي إلى سلم حلزوني، عندما يأخذهما بواسطته إلى أسفل، يجدان انهما قد أصبحت في الحقيقة، في الطابق العلوي م المنزل، أي أن الهبوط (السري) إلى أسفل ينقلك إلى طابق علوي غير واضح من المدخل. ولكن ليس هذا كل شيء.

يجب أن يغلق آخر شخص نفذ عبر هذا المنفذ السري غطاء الفتحة وراءه لكي يكتمل مفعول السحر. وهو أنك بعد ان تهبط تكون قد أصبحت أصغر بعشرة أيام. أي أن النفاذ عبر هذه البوابة الصغيرة السفلية يجعلك تفقد عشرة أيام من عمره. وهو ما سيصبح هاجسا لدى “ماري” التي تهبط وتتأمل وجهها في المرآة، تريد أن تشعر بانها أصبحت أصغر سنا.. بل وتأتي بتفاحة تضعها في مكان ما، ثم تخرجها بعد مرور دقائق لتجد أنها أصبحت متعفنة أي أنها تنتمي للماضي، لعشرة أيام مضت.

ولكن آلان الذي يعمل في شركة للتأمين، يرتبط بصداقة مع رئيسه في العمل “جيجيه” ويدعوه على العشاء مع المرأة الجميلة التي تعيش معه والتي من الواضح أنها تصغره كيرا في العمر. وعلى العشاء يكشف جيجيه لمضيفيه، أنه قام بتركيب عضو جنسي الكتروني يمكنه التحكم في قوته وسرعته وذبذباته عن طريق التليفون المحمول. وتبدو صديقته سعيدة بهذا الاختراع ولا تجد غضاضة في أن جيجيه أجرى عملية جراحية لاستئصال عضوه الطبيعي بهذا العضو، كما أن جيجيه يرى أن الشباب في المستقبل سيتعمدون على هذا الاختراع الالكتروني. ولكن بينما آلان مهموم كثيرا بالزبائن الذين لا يستجيبون لمطارداته لهم، يتعطل العضو الجنسي لدى صديقه ومديره جيجيه الذي يخبره أنه يجب أن يسافر الى اليابان فورا لإصلاح الخلل ويطلب منه عدم ابلاغ عشيقته بالأمر.

من هنا يلمس الفيلم ولو قليلا، ويسخر بالطبع، من الاهتمامات التي تشغل بال الطبقة الوسطى الفرنسية، الجنس والطعام، وأيضا الملكية، من خلال الزهو بفكرة امتلاك منزل في الضواحي، يوفر الراحة والحياة السلسة لكنه مع ذلك يحمل مفاجأة ستصبح فيما بعد، مزعجة تثير الأعصاب.

رغم الأداء الجيد من جانب مجمعة الممثلين، والضحك الذي ينتج عن السخرية التي تنبع من الجدية التي يتعامل بها الجميع مع المواق فالمختلفة، إلا أن مشكلة الفيلم شأن أفلام أخرى كثيرة بالطبع، أن السيناريو لا ينجح في تطوير الفكرة بل يظل يدور من حولها، من دون أن يراوح مكانه، كما أن لمساته التي تنتقد فكرة الموظف البيروقراطي البورجوازي وعبوديته للوظيفة، أو وبلعه الشديد بالحياة الجنسية الممتدة، لا يتم تعميقها ومدها على استقامتها كما ينبغي بل سرعان ما يتركها الفيلم ويدخلنا في تفاصيل أخرى تدور حول نفس الهواجس.

أما الفيلم المكسيكي “رداء الجواهر” Robe of Gems أول أفلام المخرجة لوبيز غارالدو، فهو يعاني أيضا من مشكلة سيناريو يفشل تماما في تجميع أطراف قصة تقوم على تصوير معاناة ثلاث نشاء من طبقات اجتماعية مختلفة في المكسيك. الأولى إيزابيل التي انتقلت حديثا الى منزل كان ملكا لأسرتها، ومارتا التي تعمل في خدمتها وقد اختفت شقيقتها في ظروف غامضة، والثالثة روبرتا، مديرة الشرطة المحلي التي تحقق في اختفاء شقيقة مارتا. النساء الثلاث في منتصف العمر. ومارتا تخفي أنها تعمل سرا لحساب عصابة لتهريب المخدرات، أما روبرتا فهي تقمع ابنها بشدة، تخشى أن ينضم لعصابات المخدرات.

تتجمع مصائر الشخصيات الثلاث، لكن ليس على محو ما نتمنى نأمل ونتوقع، بل يقتضي الأمر الكثير من المشاهد المليئة بالعنف، قبل أن ندرك أن النساء الثلاث ضحايا مجتمع يضطهد المرأى عموما، ويغيب القانون ويتعاون رجال الشرطة مع العصابات الاجرامية، والدولة نفسها تبدو متواطئة، وعمليات الاختطاف تجري على قدم وساق، إما لطلب فدية أن لطلب المتعة. وعندما يجري اختطاف إيزابيل وسرقة سيارتها، لا ينقذها من الموت سوى أن زعيم العصابة لا يحب الشقراوات، فيطلق سراحها مجردة تماما من ثيابها، ويأخذ في اطلاق الرصاص لدفعها الى الجري في اتجاهات مختلفة إلى أن تتمكن من النجاة.

شخصيا لم أجد متعة في هذا الفيلم ذي النوايا الحسنة لمخرجته، فهي تستغرق وقتا طويلا قبل الوصول إلى الكشف عن سر معاناة كل من هذه الشخصيات، كما أن الفيلم يعاني من مشكلة في المونتاج، في الانتقال بين الأحداث، لدرجة أننا نشعر بغرابة الانتقالات في المكان والزمان. والفيلم يبدأ بمشكلة بين ايزابيل وزوجها، ثم لا يكمل ولا يعود قط لمتابعة الموضوع الى أن نعرف أنها تستعد للطلاق. وهكذا.

حتى الآن تعاني المسابقة من الضعف العام، بل إن فيلم المخرجة الفرنسية “كلير دونيس” الذي يدور حول اضطراب العاطفي الذي تعاني منه امرأة في منتصف العمر تقوم بدورها جوليت بينوش، لم يشبع موضوعه كما ينبغي. ولكني سأتوقف أمامه في مقال آخر.

 

موقع "عين على السينما" في

11.02.2021

 
 
 
 
 

مهرجان برلين السينمائي: مشاعر المرأة الجياشة

أمير العمري- برلين

قليل جدا من الأفلام التي نشاهدها في الدورة الحالية من مهرجان برلين السينمائي، كما في كل مهرجانات الجزء الشمالي من العالم الذي اخترع السينما وعرفها قبلنا وتمكن مخرجوه وسينمائيون عموما من صنع تحف فنية خالدة على مر العصور، الذي لا يستخدم الجسد البشري العاري في التعبير، والمقصود، مشاهد الجنس الجريئة الصريحة للتعبير عن الحب. ولا أتذكر الآن من هو المخرج المرموق الذي دافع عن تصوير الجنس في السينما باعتباره أحد أهم النشاطات البشرية عبر العصور منذ أن خلق الله الإنسان على سطح كوكب الأرض. ومن الجنس تحديدا تمكن عالم النفس العظيم فرويد من تحليل الكثير من الظواهر والسلوكيات البشرية. وعلى أي حال فالسينما الإيرانية- “المحجبة”- شبه غائبة تماما عن عروض المهرجان!

ضمن مسابقة الدورة الـ72 من مهرجان برلين السينمائي الدولي، عرض الفيلم الفرنسي الذي يحمل أكثر من عنوان، فالعنوان الفرنسي الأصلي له هو Avec amour et acharnement  أي “بالحب والعزم”، والعنوان الإنجليزي له هو Both Sides of the Blade أي “نصلا الشفرة”، إلا أن الترجمة العربية الأفضل للعنوان هي في رأيي “اللعب على الحبلين”. أو الانتقال بين الحبيبين. أما العنوان الانجليزي الذي سيعرض به الفيلم في الأسواق العالمية وأهمها بالطبع السوق الأمريكية فهو “نار” Fire.

في المشاهد الأولى في الفيلم الذي أخرجته المخرجة الفرنسية الشهيرة كلير دونيس (76 عاما)، مشهد حب يدور في الماء بين البطل والبطلة، أي بين جوليت بينوش وفنسنت ليندون، ثم مشهد آخر يدور على الفراش داخل منزلهما بعد عودتهما مباشرة من العطلة الجميلة التي قضياها معا على شاطيء البحر. وتريد المخرجة من خلال هذه المشاهد الحميمية التي تتكرر في الثلث الأول من الفيلم، أن تؤكد لنا بشكل واقعي ملموس تماما، حميمية العلاقة بين “ساره” (بينوش) و”جون” (ليندون). كلاهما في منتصف العمر. وهي تقيم معه من دون زواج وظلت تنتظره كما سنعرف، تسع سنوات كاملة قضاها في السجن بعد أن تورط في عملية لا يشرحها الفيلم، وليس مهما أن نعرفها فليس هذا من الأفلام البوليسية. لكن المسألة ذات صلة بعلاقة عمل كانت تربطه في الماضي بـ”فرانسوا” (جريجوار كولن)، ولكن الآن يكفي أن نعرف أن جون يحب ساره بجنون، وهي أيضا تحبه بشكل غير معقول لدرجة أنها تكرر كلمة “حبيبي” كثيرا جدا وهو يطارحها الغرام على الفراش، مرة ومرات.

هذا “التأكيد” على حميمية العلاقة بينهما أساسي في الفيلم وسنعرف السبب بعد قليل. وفي مشاهد تالية نعرف أيضا أن “جون” لديه ابن، في الخامسة عشرة من عمره، أنجبه فيما يبدو من سيدة افريقية الأصل، سوداء، بالتالي الإبن “ماركوس” وهو أسود أيضا، يعاني من أزمة هوية في المجتمع الفرنسي رغم أن والده يحبه ويريده أن ينجح في الحياة ويدرس ويصبح ذا شأن في المجتمع ولا يدخل السجن كما حدث له. ولكن لأن ساره تقيم مع جون، فماركوس يقيم مع جدته، والدة جون. وما يحدث أن جون يتلقى عرضا للعمل مع “فرانسوا” الذي كان الحبيب السابق لساره.

وفي حوار بديع على الفراش بين ساره وجون، تذكره ساره كيف كان لقاؤهما الأول، ولماذا قررت هي أن تهجر فرانسوا وتقرر العيش معه. هي تحبه دون شك، لكن مجرد عودة فرانسوا الى الزهور بعد كل تلك السنين يشعل جذوة الحب في قلبها مرة أخرى، تعود فتلتقي به ويعود الهيام والولع والحب، لدرجة أنها تمارس معه الجنس رغم ما في ذلك من خيانة لحبيبها الحالي “جون”، لكنها بسبب حيرتها واضطرابها العاطفي الشديد، تقع في هذا المحظور الذي لا تشعر بأنه محظور بل تنساق إليه بفعل العاطفة القديمة التي أعيد إحياؤها مجددا بكل قوة. لكنها لا تريد أن تفقد جون، بل تنكر ما يلاحظه هو عليها من تغير وميل واضح الى فرانسوا.

فرانسوا بعد ان يستبد به الأمر، دون أن نعرف هل يريد الانتقام من الرجل الذي اختطف منه فتاته قبل عشر سنوات، أم أنه يريد حقا إعادتها إليه، يذهب إلى جون ويكشف له أوراقه كاملة باستثناء أنه لم يحدثه عن مطارحة ساره الحب على الفراش.. ويطلعه على رسائلها النصية التي تفيض هياما. ويقع الصدام الذي كان مؤجلا بين جون وساره التي تبدو متمسكة تماما بجون رغم أنها تحب فرانسوا، ولكنها تحب أيضا جون. وتتحول العلاقة الرومانسية الملتهبة بين جون وساره، إلى علاقة توتر وهياج عصبي ومشاحنات وصراخ وتصل إلى أن يطلب منها أن ترحل وتتركه ولا تعود إليه. لكنها تتمسك بكل قوتها بالبقاء معه، تبرر وتشرح وتحاول العثور على أي شيء يحفظ علاقتهما رغم اعترافها بأنها وقعت في الخيانةـ لكنها تقول إنها لم تكن تخونه بل كانت تخون نفسها!

الفيلم في الحقيقة عن المشاعر الغامضة للمرأة عندما تقع في الحب: هناك منطقة رمادية تقع فيها المرأة أحيانا، حينما تصبح مشاعرها متضاربة متناقضة، لا تعرف كيف تتحكم فيها تماما، بل يمكن أن تنجرف وتفقد السيطرة عل مشاعرها، تتوق إلى الحب القديم خصوصا بعد أن تكون قد عبرت مرحلة الشباب، ودخلت في عمق أزمة ما بعد منتصف العمر، ولكنها تود في الوقت نفسه الاحتفاظ بالرجل الذي يمنحها الحب بكل صدق. بل هو رغم كل ما حدث يظل على استعداد لأن يكمل معها لو أنها استطاعت حسم موقفها وتحديد اختيارها. ولكن هل تقدر؟

تصوير رقيق مرهف في النصف الأول من الفيلم. شخصيات واضحة، علاقة مشروحة بعمق بين الأب وابنه الواقع في أزمة هوية، وتصوير يميل إلى الانتقال بين اللقطات الكبيرة للوجوه لأن المخرجة تريد أن تقربنا كثيرا من مشاعر الشخصيات، كيف تتفاعل مع المواقف المختلفة، ثم في الانتقال من الهدوء والإشباع، إلى القلق والشعور بانعدام الوزن. فساره تقاوم الانجراف في مشاعرها تجاه فرانسوا، لكنها لا تنجح وفي الوقت نفسه تريد أن تقهر مشاعرها، لكنها تصبح أكثر انجرافا. وعندما يواجهها جون تنكر في صدق أنها عادت الى فرانسوا رغم أنها عمليا ذهبت الى الفراش معه.

ما يجعل من هذا الفيلم عملا كبيرا، ليس موضوعه الذي يمكن أن نكون قد شاهدناه من قبل كثيرا: الثلاثي التقليدي الرجل والمرأة والحبيب، أو امرأة بين رجلين، بل أولا تلك الكيمياء التي تجمع بين جوليت بينوش وفنسنت ليندون، ونجاح المخرجة في خلق تلك الألفة فيما بينهما رغم أنها المرة الأولى التي يشتركان معا في فيلم سينمائي. ولا شك أن الخبرة الكبيرة التي يتمتع بها كلاهما، ساهمت في خلق ذلك الأداء العبقري بحيث أن المشاهد لا يمكنه أن يتخيل أصلا تدخل المونتاج أو التوقف والانتقال بالقطع من لقطة الى أخرى، فالأداء يتدفق بين الاثنين، ولا شك أن المصور كان يلهث وراء الشخصيتين في مشاعرهما مشاحناتهما لكي يرصد ادق الخلجات من دون أن تأثير سلبي على الممثلة أو الممثل. هذه سينما خالصة حقيقية على الرغم نت الحوارات الطويلة في النصف الثاني من الفيلم. لكن الحوار في حد ذاته، أساسي لخلق التباين بين الشخصيات. وثانيا: أنه لا يصدر أحكاما أخلاقية على الشخصية الرئيسية بل يعرض لحالتها ومشاعرها المتضاربة دون الحكم عليها، وهو أمر صعب كثيرا في الدراما. ولكنه يترك للمتفرج أن يقرر بنفسه ولنفسه

ربما أنت تدرك أن فرانسوا يخدع ساره ويسوقها للعودة إليه لكي ينتقم من جون، وجون نفسه يشعر بالجرح لكن حبه الكبير لساره يجعله يميل الى التسامح، لكن يتعين على ساره ان تقرر ما الذي تريده.. لكن ساره لا تعرف لأنها تمر بمرحلة توهج عاطفي ناتج عن العيش في الذكرى القديمة التي لا تستطيع أن تغادر ذهنها.. وهو هروب من مواجهة الواقع الذي يقر بأن عشر سنوات قد مضت من العمر. ولكن هذا الحلم المستحيل باستعادة الماضي، ماضي الشباب، يراودنا جميعا. والشاطر من يتمكن من تجاوز الذكرى وخلق حاضر أجمل من الماضي.

 

موقع "عين على السينما" في

12.02.2021

 
 
 
 
 

رغم كل المحاذير والمحظورات مهرجان برلين يتحدى الأخطار!

طارق الشناوي

فى كل خطوة تشعر أنك كائن يحتمل أن يصبح مصدر خطر، لنفسه وللآخرين، وهكذا تشعر بأهمية ورقة التطعيم الكامل المعتمدة رسميا، حيث صار العالم يطبق قواعد صارمة فى كل البلاد، والأمل أن تصدق التوقعات ويصبح الخوف الذى ينشب مخالبه، فى كل لحظة، مجرد كابوس، حتى الآن وصلت العديد من دول العالم وبينها مصر للجرعة الثالثة المعززة، بعض الدول تعاملت مع الرابعة.

وفى كل الأحوال الوضع المصرى بالقياس للعديد من الدول العربية والإفريقية يعتبر جيدًا نسبيًّا، وعلينا أن نصطحب جواز السفر فى كل خطوة، ليس فقط فى ساحة المهرجان ودور العرض، ولكن فى المحال والمقاهى تكشف عن جواز السفر، لم أتعود أن أحتفظ بالجواز فى جيبى إلا فقط وأنا فى طريقى للمطار، الآن هو أهم سلاح تدافع به عن وجودك.

أغلب الأصدقاء المصريين والعرب والأجانب الذين اعتبرتهم فى السنوات العشر الأخيرة من ملامح المهرجان لم أعثر عليهم، بسبب كثرة التعقيدات، واحتمالات الإصابة، آثروا السلامة، المهرجان شبه منزوع النبض الجماهيرى، الناس هم روح مهرجان، وعندما يتضاءل عدد النقاد والصحفيين والإعلاميين إلى أكثر من النصف، ويختصر المهرجان من أيامه ثلاثة- أى حوالى 30 فى المائة من زمنه- نشعر مؤكدًا بالتراجع، تقلصت كثيرا قوة الكارنيه بسبب الجائحة، ولم تعد هناك تذاكر فى اليد ولكن مجرد حجز على أثير (النت)، المهرجان ألغى الحضور (بكارنيه) الصحافة والذى كان يكفى فى نصف عدد الأفلام على الأقل.

الآن بات عليك الحجز مسبقا، وعلى الصحفى أو الناقد أن يراجع نفسه عدة مرات، لأن عدم الالتزام إذا تكرر سيضع الصحفى فى حرج، أقول قولى هذا مع سعادتى قطعا بإقامة مهرجان واقعى رغم الصعوبات، الكل كان يراهن طوال شهر يناير على أن القرار الذى يتم تدارسه سرا هو الإلغاء بدلا من الاقتراب من هذا اللغم القادر على الانفجار فى أى لحظة، وانتصر الرأى الذى أعلن انحيازه للعرض الواقعى مهما كان ثمن التحدى.

على مدى يقترب من عشر سنوات كنا نلتقى العديد من الصحفيين فى الطابق الأول بفندق (جراند حياة)، حيث المركز الصحفى، وتبدو فرصة للنقاش واختيار الفيلم الجدير بالمشاهدة، والبعض أيضا من الممكن أن يخطط لفيلم يشارك فى مهرجان بلده، حيث تعوّد مديرو المهرجانات وفريق العمل، على التواجد فى الكواليس مما يمنح المهرجان زخما أكبر، هذه المرة لا حس ولا خبر ولا يحزنون، ربما هناك يحزنون.

المهرجان ليس أفلاما جيدة ولكن طقس، غاب الطقس فى العديد من تفاصيله الرائعة، على الجانب الآخر هناك إرادة لكى يظل المهرجان يتنفس، خاصة أن المهرجانين المنافسين (كان) و(فينسيا) أقيما واقعيا فى العام الماضى.

ويبقى الحديث عن فيلم افتتاح المهرجان (بيتر فون كانت)، الفيلم الفرنسى للمخرج فرانسوا أوزون، وبطولة دينيس مينوشيه وإيزابيل أدجانى، الفيلم قراءة أخرى مغايرة، أو هو بمثابة الوجه الآخر لفيلم المخرج الألمانى الكبير الراحل إحدى أهم أيقونات السينما الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية، راينر فاسبندر، قدمه قبل نحو 50 عاما عن امرأة سحاقية، ولكن فى المعالجة الجديدة صار رجلا، الفيلم تغلفه أجواء مسرحية حيث المكان الواحد الذى تدور فيه الأحداث، وفى يوم عيد ميلاد البطل المثلى جنسيا نرى الأجيال الثلاثة فى علاقتها به الابنة والأم.

الفيلم عن علاقة مثلية جمعت بين المخرج الشهير ووجه جديد يتناول الحب والمنفعة والاستحواذ والاستغلال، الأحداث تجرى فى مرحلة الستينيات، وهناك مساحة من التقبل فى المجتمع الأوروبى للعلاقة المثلية، تختلف درجتها، كما أن هناك أيضا مساحة من الرفض، تختلف شدتها، الشريط السينمائى فى المفهوم الأوروبى يتجاوز كل هذه الاعتبارات التى يعتبرونها خارج النص.

مثل هذه الأفلام لا تعرض فى أغلب المهرجانات العربية وبينها قطعا مصر، وأى محاولة للحديث عن الفن تقابل قطعا برفض وجدانى عنيف، فلا مجال للحديث عن أى تفاصيل أخرى لأنها مستهجنة مسبقا.

فى العالم تحكمهم معايير أخرى، حتى فى التقييم الفنى للفيلم لن يتوقف أحد أمام المثلية، ولكن سيتناولون تقنيات الفيلم، وتلك قضية شائكة جدا فى القراءة العربية بوجه عام، الفيلم يتنافس داخل المسابقة الرسمية مع 17 فيلمًا آخر، أداء بطل الفيلم، دينيس مونوشيه يرشحه لجائزة أفضل ممثل!!.

tarekelshinnawi@yahoo.com

 

المصري اليوم في

12.02.2021

 
 
 
 
 

الفرنسي أوزون يعيد إحياء فاسبيندر بعد نصف قرن في برلين

بيترا أصبحت بيتر في فيلم يسترجع أجواء السبعينيات بقسوة أقل

هوفيك حبشيان

بعد مرور عشر سنوات على فيلم بونوا جاكو "وداعاً للملكة"، تعود السينما الفرنسية إلى مهرجان برلين السينمائي 10 – 20 فبراير (شباط) لتفتتح الدورة الثانية والسبعين، مساء الخميس الفائت. هذه المرة فرنسوا أوزون هو الذي يتولى مهمة تمثيل فرنسا في المسابقة من خلال أحدث عمل له "بيتر فون كانت". وأوزون، هذا السينمائي النشيط للغاية الذي لا يتوقف عن العمل، يقدم تقريباً فيلماً جديداً كل عام. عمله السابق "كل شيء كان جيداً" شاهدناه في مهرجان كان في يوليو (تموز) الماضي، وها هو ذا يعود إلى ثالث أهم تظاهرة سينمائية في العالم بعد نحو ستة أشهر على عرض آخر فيلم له. 

أوزون من السينمائيين الذين دعاهم مهرجان برلين كثيراً في تشكيلته الرسمية، ليصل عدد المرات التي شارك فيها في الـ"برليناله" إلى خمسة، وفاز خلالها أيضاً ببعض الجوائز. فقط في السنوات القليلة الماضية عرض له في برلين فيلمان، كان آخرها "بفضل الله" (جائزة لجنة التحكيم الكبرى) عن قضية التحرش بالأطفال داخل الكنيسة. يومها صحيح أنه لم يفتتح المهرجان، لكن من حيث أهمية الموضوع الذي طرحه، منحنا الانطباع بأنه مدشن العرس السينمائي الكبير الذي يجري في عاصمة ألمانيا.

في السنوات الأخيرة، حالفنا الحظ بأن نشهد على مراحل تطور سينما أوزون. رأينا كل تحولات الرجل، نزواته، عطشه المتواصل للتصوير فيلماً بعد فيلم. يمكن القول إنه كبر بالعمر والأهمية على مرأى منا. كثر منا يذكر بداياته، ويستطيع أن يعدد على الأقل نصف أعماله. أنجز 22 فيلماً في 22 عاماً، طال خلالها أنواعاً سينمائية مختلفة. هذا ليس بالقليل لمخرج لم يتجاوز الخمسين إلا بأربع سنوات. شق طريقه الخاص داخل سينما فرنسية لطالما قاومت التجديد ونبذت التقليد. الديناميكية التي يمتلكها أوزون ميزة يحسد عليها، أما الأنواع السينمائية التي يستعين بها فهي شديدة التنوع، وتراوحت بين الثريللر النفسي والكوميديا والميوزيكال والبوليسي. حتى اسمه (أوزون تعني حرفيا ’نتجرأ’ باللغة الفرنسية)، يحمل إشارات إلى جرأة لا نلمسها عنده على صعيد الشكل والمضمون بقدر ما تتمظهر في قدرته على القفز من هم إلى آخر، مما جعله ينجز أفلاماً غير متوقعة، مليئة بالحياة والوجوه المعبرة والشغف واللؤم. هناك دائماً ما يثيرنا في كل جديد له. حتى لو لم يعجبنا الفيلم بكامله قد نعجب بالتمثيل أو الإخراج أو البنية السردية أو ببساطة النحو الجذاب الذي يحملنا بواسطته إلى حقب وأماكن مختلفة.

عذر فني وتاريخي

بصرف النظر عن أهمية أوزون كسينمائي، هناك سبب صريح لوجود فيلمه "بيتر فون كانت" في برلين. هناك "عذر" فني وتاريخي جعل إدارة برلين تختاره للافتتاح. وهذا العذر لا يقلل من قيمة الفيلم، لكنه يمنح شرعية تساعد الإدارة في الدفاع عن خيارها. فقبل 50 عاماً بالتمام والكمال، قدم المخرج الألماني الراحل راينر فرنر فاسبيندر (1945 - 1982) "دموع بترا فون كانت" في المهرجان نفسه، مقتبساً مسرحية كان ألفها بنفسه لا تظهر فيها سوى كاراكتيرات نسائية. عرض فيلم أوزون، الذي يمكن اعتباره اقتباساً حراً لفيلم فاسبيندر، يأتي في المكان نفسه بعد مرور نصف قرن، علماً أن هذه ليست المرة الأولى يقتبس فيها من المخرج الألماني، إذ سبق له أن أفلم مسرحية غير معروضة له في عنوان "قطرات ماء على حجارة ساخنة" في بداياته. ومن يمعن في عوالم المخرجين، لا بد أن يلاحظ بعض التقارب بينهما الذي كان سيفضي عاجلاً أو آجلاً إلى "لقاء"، فأوزون يعرف كيف يصور النساء مثل زميله الألماني، وعلى غراره أيضاً يميل في قصصه إلى المنحى الميلودرامي بدموع سخية. 

في "بيتر فون كانت" يتطرق أوزون إلى موضوع غير بعيد من أفلامه السابقة: ضرورة الحب واستحالته في الحين نفسه، إضافة إلى العطش للسلطة والتحكم الذي لدى الفنانين. يستبدل بترا التي كانت تضطلع بدورها مارغيت كارستنسن ببيتر (يلعب دوره الممثل الموهوب دوني مينوشيه الذي شاهدنا أكثر من مرة في أفلام أوزون). يجسد هذا الأخير شخصية مخرج يقع في حب ممثل شاب يدعى أمير (خليل غربية) يقوم بأولى خطواته داخل عالم السينما. لكن هذا الشغف يعاكس بيتر ويولد عنده مشاعر الغيرة لما يأخذ أمير استقلاليته على مرأى من ملهمة بيتر التي تلعب دورها إيزابيل أدجاني. وعلى سبيل التحية، تعود الممثلة هنا شيغولا الحاضرة في فيلم فاسبيندر، في دور أم المخرج، وهذا كله سيشكل مناسبة لأوزون كي يصور فترة السبعينيات الأحب إلى قلبه، ويتوجه إلى السينما برسالة حب. 

من خلف ستار الجمال والفن والبحث عن المشاعر، يسترق أوزون النظر إلى حقائق أخرى في محاولته للغوص في أرواح من يصنعون الجمال. إنها محاولة لشرح عذابات بيتر فون كانت الذي سيواجه اليأس عندما يفهم أن الحب الطاهر وهم بوهم، وغير موجود إلا في خياله. 

بين المخرج  والممثلين

أدخل أوزون إلى الفيلم الأصلي بعض التعديلات. فإذا كانت الحكاية لا تزال تدور في عام 1972 كما في النسخة الألمانية، إلا أن المكان انتقل من بريم إلى كولونيا، في حين بترا التي كانت تعمل مصممة أزياء حل مكانها مخرج باسم بيتر، وهو يشبه فاسبيندر من حيث الشكل والسلوك. أما العلاقة التي كانت تربط بترا بعشيقتها فأضحت علاقة بين المخرج وممثله.

تجري الأحداث في فضاء واحد، شقة بيتر، فتشكل مناسبة لأوزون كي يضع لمساته الخاصة متخلصاً من "الكيتش" لمصلحة ألوان صارخة وأجواء مصطنعة عن قصد، يعرف كيف يفرضها على الفيلم من خلال عمل مدير التصوير البلجيكي مانو داكوس. وهذه الألوان بفقاعتها تحية مباشرة إلى فاسبيندر. أحد شروط نجاح الفيلم الذي تجري فصوله في مكان واحد، هو التمثيل. والحق أن دوني مينوشيه ممتاز في دور يبث مشاعر وحالات مختلفة في أرجاء البيت، مؤكداً ارتباطه الوجداني بفاسبيندر.

تختلف الأشياء تلقائياً ما إن يجمع الفيلم نساء ورجلاً، خلافاً للنسخة السابقة حيث لا نرى سوى نساء. الفيلم أخف سوداوية وأقرب إلى الدعابة. كما قال الناقد البريطاني بيتر برادشو في الـ"غارديان"، لقد حذف أوزون الدموع المرة من العنوان وكذلك من الفيلم نفسه. الفرنسي يؤمن بسينما لا تحتاج إلى قسوة كي تترك أثراً عند المشاهد. هي أيضاً مسألة تطور في المفاهيم. زمننا الحالي يختلف كلياً عن سبعينيات القرن الماضي، فما كان يثير الريبة والشكوك في الماضي ما عاد اليوم سوى مصدر للتسلية تدعو إلى ابتسامة. "بيتر فون كانت" هو في النهاية هجاء لعالم المشاهير، يقدمه أوزون ببعض العاطفة والكثير من التفهم لشخصياته.

 

الـ The Independent  في

12.02.2021

 
 
 
 
 

«رابي».. فيلم ألماني يجسد مآسي غوانتانامو في «برلين السينمائي»

الوكالات ـ «سينماتوغراف»

يشارك المخرج الألماني أندرياس دريزن في مهرجان برلين السينمائي الدولي (برليناله) بفيلم جديد يستند إلى واقعة سياسية تتعلق بـ «مراد كورناز»، السجين السابق في معتقل «غوانتانامو» الأمريكي.

وقال دريزن إنه تابع قصة كورناز في التلفزيون آنذاك والمقابلات التي أجراها مع وسائل الإعلام بعد عودته من جوانتانامو.

وأضاف دريزن أن منتجاً أصدر بعد ذلك الكتاب الذي وضعه مراد كروناز، “خمس سنوات من حياتي.. ويجب أن أقول بصراحة إن هذا كان ضربة موجعة لأنه هز إحساسي بالعدالة بشدة“.

وتابع دريزن: “عندما تسمع عن التعذيب، في الغالب ما يكون هذا راجعاً إلى زمن بعيد أو أنه يحدث في ظل أوضاع شمولية وتقول في تفكيرك: لحسن الحظ أن كل شيء مختلف تماماً اليوم وهنا، غير أن قصة موراد كورناز حدثت في وقت كنت أجوب فيه برلين سعيداً مع أصدقائي. ولا يزال معتقل جوانتانامو قائماً. إنه لفضيحة لا يمكن تصديقها أن يكون مثل هذا الشيء ممكناً في ظل الديمقراطية في دولنا“.

يذكر أن كورناز، الألماني من أصول تركية، والذي نشأ في مدينة بريمن، اعتقل في جوانتانامو في الفترة بين 2002 حتى 2006 بدون توجيه تهمة، ويروي المخرج الألماني دريزن قصته في الفيلم من وجهة نظر أم كورناز.

ويحمل الفيلم اسم “رابي (اسم الأم) كورناز ضد جورج دبليو بوش“.

وأوضح المخرج أنه كان من الصعب جداً بالنسبة له أن يحكي عن جوانتانامو بشكل مباشر ” فهذا شيء لا يمكن احتماله في ظل كآبته ويأسه“.

وأضاف أنه التقى كثيراً مع كورناز -عمره الآن 39 عاماًـ في بريمن وتعرف في أثناء ذلك على والدته أيضاً «وهي شخص رائع للغاية» مشيراً إلى أنه من هنا جاءت فكرة أن تكون الحكاية من وجهة نظر الأم ” أم تكافح من أجل ابنها وتسترده في النهاية.

 

موقع "سينماتوغراف" في

12.02.2021

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004