ملفات خاصة

 
 
 

مهرجان القاهرة السينمائي الدولي (3):

الهم النسوي في أفلام تبحث داخل الذات والتاريخ

7 منها تتناول شخصيات ومواضيع نسائية

القاهرة: محمد رُضا

القاهرة السينمائي الدولي

الدورة الثالثة والأربعون

   
 
 
 
 
 
 

\تتألف مسابقة الأفلام الروائية في الدورة الحالية من مهرجان القاهرة السينمائي من خمسة عشر فيلماً من بينها سبعة تتناول مواضيع وشخصيات نسائية.

أكثر من هذا العدد نجده في تظاهرات وأقسام أخرى من هذا المهرجان العتيد في دورته الثالثة والأربعين. في مسابقة «آفاق السينما العربية» على سبيل المثال هناك ستة وفي قسم «أسبوع النقاد» والأفلام المعروضة خارج المسابقات المذكورة.

أحد أسباب كثرة الأفلام التي تتحدث عن المرأة يكمن في أنها إذا لم تتحدث عن الرجل والمرأة معاً أو عن الرجل وحده، فإن البديل الطبيعي هو التحدث عن المرأة. إلى ذلك، فإن معظم هذه الأفلام هي أوروبية وآسيوية وعربية حيث «القضايا» تسود، في أحيان متعددة، على النوعية والحكايات ليست منسوجة من أفلام ذات نصوص شاملة كما حال الأفلام الأميركية على سبيل المثال.

بالطبع هناك هامش واسع من القضايا النسائية التي يمكن طرحها. هناك حالات مختلفة تنتمي كل منها إلى وضع مغاير سواء أكان إنسانياً محضاً أو اجتماعياً أو سواه. المواضيع غالباً جادّة لا ضحكات فيها ولا هزل. المشاكل المبثوثة عبر الشاشة مهمّة ولو في الظاهر. توفر، في العادة، شخصيات عادية على خلفيات أكبر منها. نساء يحاولن إيجاد موضع قدم لهن في حياة تقع بين الواقع والطموح.

تفعيل منخفض

مثل هذا الشأن نجده في فيلم بيتر كيركس «107 أمهات». هو فيلم سلوفاكي من نوع الدوكيودراما يدور حول سجن نسائي تشغله سجينات لديهن أطفال رضّع في السجن ذاته تحت إشراف مديرته إرينا.

إرينا تبدو في مطلع الفيلم كما لو أنها لا يمكن لها أن تشعر حيال السجينات وأطفالهن بأي قدر ملموس من الاهتمام. تمارس عملها بحزم. تستوجب السجينات بلهجة آمرة ولا تبتسم لأحد منهن. لكنها تملك تحت هذا الستار قلباً حنوناً وتبدي اهتماماً خاصاً لحالة السجينة الشابة أليسا التي عليها أن تختار بين تسليم طفلها للميتم (بعدما بلغ الثالثة من العمر) وإما لوالدتها. هذا ليس اختياراً سهلاً كون علاقتها مع والدتها ليست جيدة.

تنصب الكاميرا على السجينات وهن يُجبن على أسئلة تتعلّق بالجرائم التي ارتكبنها والعاطفة. بعضهن يُظهر ندماً أكثر من بعضهن الآخر لكنهن جميعاً ضحايا الذات والغيرة والعاطفة أكثر مما هن ضحايا ظروف اجتماعية محددة. كذلك عليهن في مشاهد حياتية اعتيادية ضمن الوضع غير الاعتيادي الذي يعشنه.

لفترة يجيد المخرج بيتر كيركس العمل بمنظومة الدوكيودراما. هناك تفعيل منخفض للدراما عبر المواقف التي لا تصل إلى مستوى الأحداث. بعد حين يتبدّى أن الزواج بين «التسجيلي» و«الروائي» ليس متوازياً. «التسجيلي» يطغى على الدراما، وهو لا يفعل ذلك إلا لأن الدراما في الفيلم ليس لديها الكثير مما توفره. هناك جهد مبذول وواضح في معالجة المخرج الكليّة لهذا الفيلم. اختياراته من المشاهد ليست عبثية والحالات التي يوفّرها للسجينات تدعو للاهتمام والمحور الذي يختاره (وضع الشابّة إليسا) يجسّد الوضع برمّته.

منهج مختلف تماماً يوفره المخرج يهوناس كاربينانو في فيلمه «كيارا» حول فتاة تحمل ذلك الاسم تنتمي إلى عائلة تبدو عادية لكن الحقيقة تتبدى أمام الفتاة بعدما اختفى رب العائلة فجأة إثر انفجار سيارة ملغومة. تحريات الفتاة تقودها إلى اكتشاف أن والدها يعمل مع المافيا وأن والدتها تعلم ذلك وتؤازره. هذا ما يجعلها تقف على مفترق طرقات. من ناحية هي تريد معرفة تاريخ أبيها، ومن ناحية يغريها أن تهرب منه ومن ثالثة أن تنصاع له وتواصل العيش في كنف العائلة التي قد تصبح مهددة وسط توتر صراع محتمل.

تختار كيارا (سوامي روتولو) الحل الأول بينما تنتقل عاماً بعد عام من البراءة إلى الشعور بالأنوثة. من سن ما قبل المراهقة إلى الشباب بما يحمله هذا الانتقال من أحاسيس جديدة متلاطمة. التأسيس العام للفيلم جيد. الحبكة التي تسردها كذلك، لكن مشاكل الفيلم تبدأ من بعد وضع هذا التأسيس موضع التنفيذ، خاصّة في نحو نصف الساعة الأخيرة من العرض عندما تبدأ مهمّة البحث عن أبيها المتواري عن الأنظار.

لأداء الممثلة غير المحترفة سوامي روتولو نصيب في تماسك الفيلم. معظم العمل في البداية مشدود الوتيرة، وصولاً إلى حيث لم يعد هناك مجال للتطوير.

بحث في الذات

هناك بحث آخر مختلف جداً في فيلم كوري (جنوبي بالطبع كون الأفلام الكورية الشمالية نادرة وإن وُجدت فهي غالباً منشورات سياسية) عنوانه «انطوائيون» للمخرجة هونغ سونغ - إيون.

تقترح حكايتها وجود شخصية امرأة شابة تعمل في شركة بطاقات تأمين وتعيش وحدها في شقّة وتؤكد لنفسها ولسواها أنها لا تود أن تفرّط في وحدتها تلك لأنها كل ما تملكه. هذا الانطواء يشمل كذلك مواصلة الابتعاد عن أبيها الذي ورث أمّها ولم يكترث لمساعدة ابنته في بناء حياتها الخاصة.

الموضوع ليس هنا، وحكاية الأب تأتي في السياق وليس في الأساس. ما يرد أولاً في هذا الفيلم ملاحظتها لجارها الذي يعيش وحيداً أيضاً. لاحقاً ما سيموت ذلك الرجل وحيداً من دون سؤال أحد عنه وموته سيجعلها تفكر في مصيرها إذا ما استمرت على هذه الحالة.

يأتي هذا الفيلم في الوقت التي تثير مسألة الانطوائيين في المدن الكورية انتباه الحكومة الكورية بعدما لاحظت تزايد عدد حالات الموت بين نساء ورجال اخترن، لسبب أو لآخر، العيش منفردين. الفيلم مثير كحالة أكثر منه إبداعاً فنياً. هذا مصير العديد من الأفلام الحديثة التي تدور في رحى الشخصيات أكثر مما تسرد حكايات أكبر مما تعرضه.

وفي «قمر أزرق» قصّة فتاة شابّة في الثانية والعشرين من عمرها عذراء إلى أن تلتقي برجل متزوّج لتفيق في اليوم التالي وحيدة. كونها تعيش مع أفراد عائلتها يدرك الجميع ما قامت به لكنهم مشغولون عنها بخلافات مستفيضة وعندما يولّونها الاهتمام تتلقى سخطهم وتعاليهم عليها كونها لم تنجز بعد وضعاً اجتماعياً أو دراسياً ما. غمار الأحداث سينقلنا معها من حدث لآخر حالما تبدأ عملية البحث عن هويّتها الذاتية. لا أحد يتركها بسلام ولا الفيلم كذلك. من غير المُتاح، لمن لم يقرأ السيناريو، التعرّف على الشخصيات الكثيرة التي تظهر وتختفي وتعاود الظهور متى أريد لها ذلك سواء أكان هذا مناسباً أو لا. هذا ينطلي على الرجال المتشابهين (كلهم بلحى أوروبية صغيرة وأمارات متشابهة). الفيلم معجوق صوتاً. الجميع يتحدث في وقت واحد ومشاهد الطعام أكثر مما يجب.

في مطلع الفيلم هناك ذلك المشهد المفترض أن يكون عابراً، لولا أنه يعكس أسلوب المخرج في سرد حكايته: تسقط المفاتيح فتنزل الكاميرا من وجه بطلة الفيلم إرينا (أووانا شيتو) إلى الأرض لتصاحب وقوع المفاتيح وحركة يد إرينا لالتقاطها ثم تصعد لوجهها مرّة ثانية. لا تمنح اختيارات المخرجة إلينا غريغور لحركات الكاميرا الفيلم قيمة استثنائية. هي كاميرا محمولة تدور بلا كلل فوق كل شيء وتحمل زخماً بتخطيط مسبق هو مقبول بحد ذاته لكنه لا يضيف شيئاً.

كل واحدة من بطلات هذه الأفلام لديها ما تبحث عنه. هو الذات في مختلف الأحوال سواء أكان محور هذا البحث عن الأب أو عن تاريخ الجار أو عن المستقبل. لكن في «خلية» لبلرتا باشوللي هو بحث عن التاريخ.

مفقودون

هذا فيلم جيد يتولى سرد حكاية امرأة استرعت حياتها اهتمام المخرجة فقررت تحقيق هذا الفيلم الجيد حولها. هنا تؤدي بطلة الفيلم (بيكا غاشي) دور المرأة الأربعينية التي اختفى زوجها خلال الحرب اليوغوسلافية بين كوسوفو وصربيا ولم يعد. من المرجّح أنه ميت، لكن بطلة الفيلم لا تود الاستسلام لهذا الاحتمال.

تعيش حياتها بصعوبة وفي بالها أن ما هو مهم هو التمسّك بالأمل، ولهذا السبب سنراها تؤسس لجمعية نسائية تريد حث المسؤولين على المطالبة بمعرفة مصير المخطوفين والمفقودين في تلك الحرب. لا نعرف مستقبل هذه الخطوة لكننا سنتابع في موازاتها حياة امرأة في الأربعينات من عمرها وهي تقوم بعمل زوجها في رعاية خلايا النحل لبيعها في الأسواق. سنراها بوجه لا يعرف الابتسام وهي تحاول تأمين تكاليف المعيشة لها ولولديها ولوالد زوجها المقعد.

الفيلم هادئ النبرة ربما أكثر مما يجب. مأساة بطلته تطغى على أي جانب آخر. الثمن الذي تدفعه المخرجة مقابل ذلك هو تجاهلها لباقي الشخصيات (القريبة من حياة فاريا أو البعيدة). ليس هناك تطوير حتى بالنسبة لابنة فاريا الثائرة على أمها، والفصل الأخير من الأحداث هو تحصيل حاصل لا يتساوى مع المتوقع لفيلم يطرح مشكلة عميقة.

وما يشترك به مع الأفلام الأخرى حقيقة أن ممثلته غاشي تستحق جائزة أفضل تمثيل نسائي، كذلك بطلات الأفلام المذكورة بلا استثناء.

 

####

 

المشهد: ما لا نملكه

> من السهولة بمقدار كبير نقد الآخرين. ونحن نحب النقد في كل اتجاه وتوجه وفي كل فترة وحين ومع كل شاردة وواردة. ننتقد في مختلف شؤون الحياة. المهم ألا ننتقد أنفسنا جدياً وإذا فعلنا فالنقد عام يتوقف عند حدود الجماعة وليس الأفراد.

> في السينما نحن سادة نقد الآخرين: هذه مشاريع مدسوسة وتلك أفلام معادية وخلفها تكمن مؤامرات تهدف لتحطيمنا وتدمير ذواتنا. الغرب يتربّص بنا. يشوّه تقاليدنا. لكن أليس ما يعرضه حقيقي ولو إلى حد كاف لتأليف نصوص حوله؟.

> ممن ينتقدونه اليوم هو الأوسكار. يكتب البعض أو يتصل ليقول: «الأوسكار لا يهمنا» أو «لماذا كل هذا الاهتمام بالأوسكار؟». والتهمة التي انتشرت في زمن مضى ما زالت راسية وهي أن أكاديمية العلوم والفنون السنيمائية التي تقيمه تختار الأفلام الأنجح تجارياً لتمنحها الجائزة رغم أن عكس هذا ما يحدث في الكثير من الأحيان وحين يفور فيلم كبير فإن «البوكس أوفيس» هو آخر ما يهم.

> لكن قبل أن نرشق الأوسكار بالحجارة هل نستطيع أن ندّعي أن لدينا ما هو أفضل منه؟ هل لدينا محفل عربي جاد يوزع جوائز على غرار الأوسكار؟ لننسى الأوسكار. هل لدينا محفل يوزع جوائز سنوية فعلية غير بعض مهرجاناتنا؟

> ما لدينا، خارج دول الخليج ومن دون حسبان ظرف الوباء الطارئ، أسواق مغلقة وصالات مهجورة وإنتاجات لأفلام غالبها متوسطة القيمة.

م. ر

 

####

 

شاشة الناقد

2 طلعت حرب

> إخراج: مجدي أحمد علي

> مصر (2021)

> دراما اجتماعية | عرض خاص

(جيد)

يميل المخرج مجدي أحمد علي في كافة أفلامه إلى بناء كلاسيكي المقام يمنحه ثبوت الإيقاع وطرح المضامين بسرد لن يتسابق مع الزمن أو يقفز بين ألوان من المعالجات الجديدة. هذا البناء الكلاسيكي يمنح أعماله تميّزاً عن سواه (أو معظم سواه) من الأعمال السينمائية كما يوفر للمشاهد نمطاً من سرد الحكاية بتتابع رصين وثابت.

«2 طلعت حرب» لا يختلف في هذا الإطار لكنه يختلف عن أعماله السابقة في قليل من اتجاهاته. هو عبارة عن أربع حكايات متتابعة في إطار فيلم واحد وعلى خلفية زمنية طويلة. الغاية سرد الحكايات المتصلة بعضها ببعض بشخصياتها وبمكانها (عمارة رقم 2 شارع طلعت حرب) لتحكي ما هو خاص، في المقدّمة، وما هو عام في الخلفية.

تقع الحكاية الأولى في عهد الرئيس جمال عبد الناصر ونلتقي فيها بابن البوّاب شعبان كولد صغير. وهي تبدأ بمشاهد وثائقية لخطب الرئيس ولعناوين الصحف ولبعض المشاهد العامة قبل أن تأخذ أحداث الحكاية دورتها. إنه جزء مصوّر بالأبيض والأسود وفيه نتعرف على الولد شعبان، ابن بوّاب البناية، الذي يساعد الطبّاخ لتحضير صحون العشاء لمجموعة من الضيوف في منزل تقطنه امرأة واقعة في حب طبيب نفسي. تبدو المجموعة في سلوكها وما تتبادله من حوارات كما لو كانت آتية من فيلم «المذنبون» أو «الكرنك» من حيث موقع هذه الشخصيات البعيد عن نبض الأحداث حولها.

صاحبة المنزل لطيفة وسعيدة لولا أنها ترتاب في تصرّفات من تحب. تراه يغادر الحفل عند منتصف الليل معتقدة أنه على علاقة بامرأة أخرى. لكن ما نراه نحن، ويغيب عنها، هو معالجته لرجل يحتل مكانة مهمّة تجعل عناصر المخابرات ترتاب في انتمائه. عندما يتم جلب الطبيب بالقوّة لتوقيع شهادة وفاة مزوّرة يأبى ذلك وتنتهي الحكاية لتنقتل إلى الفترة الساداتية.

هذه تبدأ كما بداية الحكاية الأولى: وثائقيات ومشاهد للرئيس محمد أنور السادات والخطوة التي قام بها عندما زار الكنيست الإسرائيلي ووقع معاهدة السلام. يستخدم المخرج هنا الألوان ليسرد حكاية شاب لبناني اسمه نديم يصل إلى منزل صديقه المصري الذي يملك دكان أقمشة. يرحب به الصديق ويسكنه في منزله. لكن الشاب المصري والشاب اللبناني يختلفان. الأول منفتح على العلاقات الجنسية مع أي فتاة يلتقي بها ولو أن قلبه يفوح حباً ببائعة لديها «كيوسك» في مقابل دكانه. حين يتعرّف اللبناني عليها يقعان في الحب، مما يغيظ صديقه المصري.

اللبناني الآن يريد العودة إلى لبنان التي تعاني من الحرب الأهلية في مطلع الثمانينات. إذ يفعل ذلك تنتهي الحكاية برسالة تصل بعض أشهر إلى الصديق من والد نديم يعلمه فيها بمقتل ابنه في تلك الأحداث.

هاتان الحكايتان هما الأقدر على ترجمة مكوّنات الفترة السياسية والاجتماعية مقارنة بالحكايتين الثالثة، التي تدور في سنة 2004 (فترة الرئيس حسني مبارك)، والرابعة التي تقع في فترة الرئيس الحالي (تبدأ في سنة 2012).

على هذا النحو، الفيلم هو بانوراما لتاريخ ولشخصية شعبان الذي ينطلق ولداً ويصبح شاباً ثم رجلاً وينتهي عجوزاً. ما لا يعمل بنفس الكفاءة أو حسب ما هو منشود حقيقة أن الفيلم لا يستطيع أن يكون من وجهة نظر الشخصية المحورية، وبذلك يفقد قدراً من ترابطه الدرامي المفترض.

مشكلة ثانية لا تقل أهمية، هي أن الحكايات المختارة ليست متساوية الأهمية، ولا تبعث على اهتمام متساوٍ يسودها جميعاً. الحكاية الأولى تمر سريعاً. الثانية هي الأكثر نبضاً واقعياً والأفضل في الدلالات المستوحاة. الثالثة تهبط في ركن منخفض من الأهمية، والرابعة تختم الحكايات بتقديم صاحب العمارة للمرّة الأولى (سمير صبري) الذي يجمع في منزله المشرف على المظاهرات فرق التصوير التلفزيونية ويتعرّف على فتاة شابّة تعتقد أن من تحب هو بين المتظاهرين لكن الحقيقة التي لا يستطيع كشفها لها أنه قُتل في المواجهات.

لكن الفيلم، وسط تفاوت مستويات الدراما، يحافظ على أسلوب عمل متقن في التفاصيل الشخصية وطموح لكي يعكس الفترات المتعاقبة من حياة مصر الحديثة عبر مراحلها ورؤساء جمهورياتها من الستينات وإلى مطلع حكم الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي.

أمر آخر أهم هو نجاح المخرج في إيصال نهاية كل حكاية إلى مفاد يعكس أحلاماً مجهضة. هي عاطفية في الحكايات الأولى والثانية والرابعة لكنها تعبّر جميعاً عن طموحات لبناء اجتماعي لا يجد المخرج أنه وقع على النحو المأمول. نهاية الحكاية الرابعة هي وحدها التي تحمل الأمل في قدرة مصر على تجاوز إحباطات المراحل السابقة.

Titane

> إخراج: جوليا دوكورناو

> فرنسا (2021)

> رعب | عروض: «كان» وتجارية

(وسط)

نتعرّف على أليكسيا في مطلع هذا الفيلم وهي تجلس في المقعد الخلفي من سيارة يقودها والدها. تصدر أصواتاً تزعجه. يطلب منها خفض الصوت لكنها تأبى وحين تنصاع بعد قليل تبدأ برفس المقعد الذي أمامها، يصرخ فيها والدها منشغلاً عن القيادة وسريعاً ما تستدير السيارة حول نفسها وتصطدم بجدار. المشهد التالي لها في المستشفى وقد تم زرع قطعة معدنية في رأسها الصغير الذي تعرض للعطب.

بالحكم على الفيلم عبر أحداثه اللاحقة يطرح الفيلم ذلك السؤال الذي لم تكترث المخرجة جوليا دوكورناو للإجابة عليه: هل نقرأ في طيات العمل نقداً موجهاً ضد العلم بمعنى أن ما يحدث لأليكسيا بعدما بلغت سنوات الأنوثة الكاملة هو بسبب تلك القطعة المزروعة في الدماغ؟ لا يمكن الوثوق بذلك لكن لا يمكن أيضاً التأكيد حتى مع وجود تشوّه فوق الأذن اليمنى يذكرنا دوماً بمشهد زرع القطعة في الرأس.

ما هو مؤكد أن الأحداث التي تسردها المخرجة جوليا دوكورنيو لا تحوي السبب الصحيح لتصرفات بطلتها بعدما بلغت أنوثة جاذبة تستخدمها لقتل ضحاياها من رجال ونساء. إنها قاتلة متسلسلة بلا رادع ولا واعز ولا سبب فعلي كذلك. الفيلم لا يحتوي على دوافع من أي نوع. لا دوافع اجتماعية ولا دوافع نفسية ولا عائلية. يقدّم الحالة ويعمل على تزويدها بحكاية تنتقل من مشهد عنيف إلى آخر.

تعمل أليكسيا (أغاثا روسيل) في نادٍ ليلي راقصة وتخرج منه لترتكب جريمتها الأولى، ويستمر منحاها على هذا النحو إلى أن تضطر لإخفاء هويتها فتدخل حماماً وتلف نفسها بقماشات لاصقة لإخفاء مكامن أنوثتها. لكنها حبلى في الوقت ذاته ولا نعلم (ولا هي تعلم) مِن مَن.

هنا تلفت اهتمام رجل متوسط العمر اسمه فنسان (فنسنت ليندون) يفتقد ابنه ويعتقد - لحين - أن أليكسيا هو إياه، أو يستطيع أن يحل مكانه. هذا لوحده غريب ويستمر على هذا النحو حتى من بعد أن عرف فنسان حقيقتها. هو الآن حريص على وهمه وسيساعدها على إخفاء هويتها. هذا السبب غير المقنع في تفاصيله ليس أغرب من كيف صاغت المخرجة علاقة أليكسيا بالسيارات. فحوى تلك العلاقة هو أنها تجد في السيارة عشقاً لا يُقاوم. السيارة هي الشيء الوحيد الذي تحب ولا تؤذي. الإيحاء أن الكائن الذين في بطنها هو نتيجة علاقة بينها وبين سيارة كلاسيكية كانت أوت إليها.

يذكّر فيلم دوكورنيو بأفلام لاري كووَن وديفيد كروننبيرغ. كووَن داوم أفلام الرعب البيولوجية (تلك التي تعتمد على خصائص جسدية متوحشة) وكروننبيرغ عمد إليها إلى حين قبل عزوفه عنها. لكن دوكورنيو ليست في مجال التقليد، بل تبتكر حالة ضوضاء وفوضى بصرية وأسلوبية تعمد من خلالها إلى تطويع المؤثرات البصرية المباشرة لخدمة مشاهد دموية فادحة.

تدفع المخرجة الفيلم ليكون متميّزاً بحكايته، خصوصاً عندما تربط مصير بطلتها بمصير رجل الإطفاء فنسان الذي يريد أن يتوهم بأن الفتاة هي ابنه أدريان ويقدّمه لرجال الإطفاء على هذا النحو. هناك ما يشي بأن فنسان مثلي (وهناك من رجال الإطفاء من يهمس لزميل له بذلك) لكن هذا المشوار من الأحداث شائك وغير مريح ليس بسبب الموقف الحاصل بالضرورة، بل أساساً في أن لا شيء ناضج يأتي من تلك العلاقة ولا هي منسابة أو موحى بها بطريقة فنية صحيحة.

حين نتحدّث عن الفن فإن الفيلم في نهاية مطافه عبارة عن فيلم رعب ينتمي إلى النوع (The Genres) أكثر من انتمائه إلى أي شيء آخر. وكلما حاولت المخرجة تمييزه فشلت بعد مشهد لاحق أو سواه في المحافظة على هذا التميّز، وفي النهاية تستولي شروط «الجنر» على شروط التميّز لتخلق فيلماً ناشزاً بالقصد وبالنتيجة.

هذا ما يجعله فيلماً بلا خريطة وصول إلى جمهور ما. في الواقع من المبهم ما جال في بال دوكورنيو وهي تكتب الفيلم وتحققه. يبدو الفيلم عالقاً بين الرعب الناتج عن التعذيب والألم والدموية (لا تخفي أليكسيا ساديّتها قبل قتل واحدة من ضحاياها) وبين الرغبة في تسجيل موقف تبقى صفحته داكنة بحيث لا يمكن قراءة كلماتها كونها داكنة أيضاً.

 

####

 

دفتر ملاحظات

مهرجان يتأرجح

> مع عودة المخاوف الناتجة عن الوباء الذي لا نهاية قريبة له، يقف مهرجان برلين على حافة اتخاذ واحد من قرارين: إقامته مهما كلّف الأمر وعلى نحو حضور فعلي كامل ومن دون تحويل الدورة المقبلة - من 10 إلى 20 فبراير (شباط) - إلى مناسبة إلكترونية كما حدث في مطلع هذا العام.

القرار الثاني هو تأجيله إلى شهر يونيو (حزيران) المقبل، وهو الموعد الذي كان عليه قبل نقله إلى الشهر الثاني من كل سنة، وذلك من 1979 وصاعداً.

لكل اختيار حسناته وسيئاته. القيام بإنجاز دورة فعلية في الشهر الثاني يحمل خطورة أن لا يشهد المهرجان، وسط الإجراءات الصحية الكثيفة التي تعيشها ألمانيا اليوم، النجاح المأمول. إلى جانب عروض المسابقة، وتلك الموزعة خارجها هناك تلك السوق السينمائية الشاسعة التي انطلقت فاعلياتها قبل أكثر من عقد وأثبتت ضرورتها لكل منتج وموزع وسينمائي حضر الدورات السابقة.

مخاطر الاحتمال الثاني هو أنه سيقع في شهر مزدحم. فقبله بقليل مهرجان كان، وبعده بقليل مهرجان فينيسيا (الوحيد بين الثلاثة الذي تحدّى مصاعب الوباء واستمر بلا انقطاع). في هذا الشأن، سيحمل قدراً من المنافسة الشديدة مع المهرجانين الآخرين ربما كان لمصلحته، لكن قد يجد نفسه بين القوّة الجاذبة لمهرجاني كان وفينيسيا بحيث يخسر وجوده بينهما.

مهرجان برلين ليس الوحيد الذي يضع يده على قلبه خشية عواقب التأجيل، بل يدور الهمس إلى أن مهرجان «كان» المفترض إقامته في مايو (أيار) قد يجد نفسه مضطراً لتأخير دورته إلى شهر يوليو (تموز) كما فعل في العام الماضي.

وكانت إدارة جائزة الفيلم الأوروبي السنوية أعلنت إلغاء حفلتها الفعلية المقررة في الحادي عشر من هذا الشهر، والذي كان من المفترض إقامتها في برلين كذلك، بسبب الوباء.

فلسطيني بفيلمين

> يعرض المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي في مهرجان القاهرة السينمائي المقام حتى الخامس من هذا الشهر فيلماً بعنوان «مفكرة شارع جبرائيل» ثم ينتقل بفيلم آخر إلى مهرجان «البحر الأحمر» في مدينة جدة بفيلمه الأحدث «الظهر إلى الجدار».

في «مفكرة شارع جبرائيل» يقدّم مشهراوي فيلماً صوّره خلال فترة فرض الحظر في باريس خلال سنة 2020 بسبب الوباء. وجد نفسه في الشارع الذي يعيش فيه ومعه الهاتف فبدأ استخدامه لتصوير عمل لم يكن يعرف ما سيحتويه ولا كيف سينهيه. لكنه في النهاية فيلم موقوت في ظرف صعب تلتقي فيه الذكريات الفلسطينية وتلك الفرنسية في موقع من العزلة.

الفيلم الآخر، «إستعادة» عمل تسجيلي رائع يستند فيه إلى مقابلة والعديد من الوثائقيات. والمحور هو مدينة يافا قبل الاحتلال والثراء الاجتماعي والثقافي والفني الذي كان لها إلى أن داهمتها القوّات الإسرائيلية واحتلتها قبيل حرب 1948.

احتمالات نقدية

> بدءاً من الأسبوع المقبل تنطلق في الولايات المتحدة جوائز الجمعيات النقدية المختلفة في عموم البلاد. ففي كل عاصمة لولاية أميركية هناك جمعية مستقلة بذاتها. لكن الاهتمام منصب على جوائز The National Board of Review.

الأفلام الخمسة الأكثر احتمالاً لنيل إحدى الجوائز الممنوحة للأفلام الأميركية والعالمية هي:

The Power of the Dog و«بيتزا عرق السوس» في إطار الأفلام الأميركية.

في السينما التسجيلية يبدو أن التوجه صوب «الموجة الديدة» و«فال» وكلاهما من إنتاج منصّات العروض المباشرة على النت.

أما على صعيد الأفلام الأجنبية فالمتقدم منها أكثر من سواه فيلم بدرو ألمودوفار «أمهات متوازيات» (إسبانيا) و«أسوأ شخص في العالم» للمخرج يواكيم تراير (نرويج).

 

الشرق الأوسط في

04.12.2021

 
 
 
 
 

أوراق مهرجان القاهرة: “من القاهرة” و”أبو صدام

أمير العمري

يمكن القول بثقة أن الدورة الـ 43 من مهرجان القاهرة السينمائي (26 نوفمبر- 5 ديسمبر)، كانت دون شك، دورة أفلام “انتقام المرأة” من الرجل، فهناك عدد كبير من الأفلام، العربية والأجنبية، التي تركز على العلاقة المعقدة بين الرجل والمرأة، وكيف أن المرأة، التي تظهر من البداية كضحية للرجل، تنتفض وتستعيد قوتها ثم تتمكن أيضا من توجيه لطمة قوية للرجل، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

هذا الموضوع واضح تماما- على سبيل المثال- في فيلم “خلية النحل” Hive من كوسوفو للمخرجة بليرتا باشوللي: امرأة قتل زوجها في الصراع المسلح الذي نشب في الإقليم في أواخر التسعينيات، تعتقد هي أنه مفقود وتنتظر عودته، ولكن غيابه فرض عليها أن ترعى بمفردها، عائلتها الصغيرة، وتقوم ببعض الأعمال البسيطة: جمع العسل من المنحل و”تخليل” الفلفل الأحمر.. وغير ذلك. ولكنها تتعرض للتحرش من جانب الرجل، كما تتعرض لكثير من الإساءات المتكررة من جانب رجال القرية الذين يشيعون أنها عاهرة لرفضها مسايرتهم والخضوع لقوانينهم، فهي لا ترتدي الحجاب، ولا تجلس في البيت بل تعمل بمفردها، تشتري سيارة تقودها بنفسها وهو ما يجدونه غريبا على امرأة قروية، وتنتظر عودة زوجها المفقود الذي ستعرف في النهاية أنه قتل وأن عليها مواصلة الحياة من دون الرجل.

من القاهرة

الموضوع نفسه واضح بقوة أيضا في الفيلم التسجيلي المصري “من القاهرة” لهالة جلال. فهي تتوقف أمام سيدتين مصريتين، أصبحتا يعتمدان تماما على أنفسهما من دون الرجل بعد تجربتهما المريرة معه بالطبع، ومن البداية تتضامن وتتعاطف معهما المخرجة التي ترغب في توجيه رسالة قوية من خلال تلك الصورة المتحدية للمرأة المصرية، ضد التحرش وضد الثقافة الذكورية السائدة، طارحة نموذجين لامرأتين نجحتا في الصمود، وتحقيق الذات رغم قسوة المجتمع الذكوري. طبعا في الفيلم مشاكل كثيرة تتعلق بالاستطرادات والتكرار والإطالة والتعليق الصوتي المليء بالثرثرة والذي يخلو من الشاعرية، وكلها عوامل تخل بالإيقاع العام للفيلم وتجعله يفتقد التماسك الفني، الى جانب- بالطبع- غياب الهارموني أو التجانس أو حتى صلة الوصل بين الشخصيتين النسائيتين اللتين اختارتهما المخرجة لفيلمها.

هناك أيضا ارتباك في البناء وعدم انسجام في السياق السينمائي الذي بدا عشوائيا يسير من دون خطة محددة محكمة، وهذا ناتج عن الرغبة في حشو الفيلم بلقطات ومشاهد متنافرة والاستطراد في مشاهد أخرى كثيرة لا تضيف شيئا (مثلا: الأم وهي تردد على ابنتها كلمات باللغة الإنجليزية لكي تتعلمها.. الخ)، والانتقالات غير الموفقة بين شخصيتين لا يجمعهما شيء في الواقع!

ومع ذلك، يمكن اعتبار الفيلم فيلما عن المخرجة نفسها، عن محاولتها لفهم ذاتها- كما تقول هي في الفيلم- من خلال الاقتراب من هاتين الشخصيتين اللتين وجدت فيهما ما يشبهها. ولكن رغم كل ما ذكرته، إلا أن في الفيلم الكثير من المشاهد والأفكار الجميلة التي تتمتع بالتلقائية والبساطة، وبعض العلاقات البصرية الموحية بين الصور، ولمحات لا تخلو من الامتاع.

أبو صدام

لنذهب الآن إلى العمل الذي كان منتظرا من المخرجة نادين خان، التي لم تقدم فيلما جديدا منذ فيلمها الأول “هرج ومرج” قبل نحو عشر سنوات.

الفيلم الجديد “أبو صدام”، ولا علاقة له بالطبع بصدام حسين ولا بأبيه وأبنائه، ولكن للعنوان دون شك، دلالة في السياق، هي أننا أمام بطل آخر مأزوم، هو سائق شاحنة (أو ما يسمونه تريلا) ضخم الجثة، يطلقون عليه “أبو صدام” رغم أننا سنعرف أنه لم ينجب أطفالا، وبسبب انكساره الداخلي لهذا السبب وغيره، فهو فظ، غليظ، صدامي، عنيف، يقول عن نفسه إنه “ملك الطريق”، وهو بالتالي أقرب إلى “البلطجي”.

الواضح أن هذا البطل الوحيد في الفيلم (يقوم بدوره محمد ممدوح) غادر السجن مؤخرا بعد أن قضى فيه فترة، عقابا على جريمة لا يتطرق الفيلم الى تفاصيلها، وإن كان أبو صدام نفسه يقول للشاب الصغير الذي التحق به في اليوم الأول للعمل كـ”تباع” أي كمساعد له، أنه كان يعمل على ميكرباص (غالبا للتهرب من ذكر مسألة السجن).

والفيلم كله يدور في يوم وليلة، وهو من أفلام الطريق، أي أننا نقطع مع سائق الشاحنة ومساعده الصغير، رحلة طويلة في شمال البلاد، من الدلنجات إلى العلمين في الساحل الشمالي لمصر. وصاحبنا متوجه لحضور زفاف قريبة للعائلة وتوصيل أشياء لا نفهمها بالضبط، ربما مبلغ من المال موجود في حقيبة صغيرة، وقد ترك الرجل زوجته خلفه في البيت وحظر عليها الخروج ومنعها من الذهاب لزيارة قريبتها التي تتزوج، وظل طول الفيلم يتصل تليفونيا بزوجته فقط لكي يسبها بأقذع لألفاظ ويوجه لها من الكثير من الاهانات والتهديدات والتحذيرات.

تقتضي أفلام الطريق عادة، سياقا أو بناء دراميا قويا يمكنه أن يستولي على انتباه الجمهور لمدة ساعة نصف، مع حبكة قوية، وتداعيات تضيف الى الحبكة، وتعمق من فهمنا للشخصية خصوصا وان فيلمنا هذا هو عبارة عن “دراسة لشخصية”، كيف ولماذا أصبح هذا الشخص على ما هو عليه.. إلا أننا لا نعرف عنه الكثير سوى أنه غليظ وعنيف.. هكذا من دون سبب. هل هو غاضب لكونه لا ينجب؟ أم لأنه يعاني رغم قوته العضلية الهائلة، من الضعف الجنسي كما سنرى في أحد المشاهد. كما تقتضي أيضا وجود أحداث ومواقف درامية قوية تحدث خلال الرحلة على الطريق. وهذا ما يفتقده الفيلم بكل أسف.

نادين خان لديها صور جميلة من ابداع عبد السلام موسى، بدت أحيانا، كبطاقات سياحية مدهشة. ولكن لا بأس. فنحن في حاجة لتغيير الصورة الكئيبة الشاحبة الباهتة التي نراها في كثير من الأفلام “المستقلة” المسلوقة. وإخراج نادين خان لكثير من المشاهد، وتمكنها من السيطرة على التصوير داخل الشاحنة من زوايا صعبة، وانتقالاتها من الليل للنهار، ومن الداخل إلى الخارج، كلها تؤكد أنها تمتلك أدواتها التقنية.

اما مشكلة الفيلم فتكمن تحديدا في السيناريو الذي كتبه محود عزت، والذي يقتبس من أفلام أجنبية مماثلة كثيرا في الحبكة، ولكنه لا يطور السياق ولا يتوقف بنا خلال الطريق أمام ما يمكنه أن يصبح صورة للواقع الذي تسير في قلبه هذه الشاحنة. فالهدف الأساسي بل والوحيد، هو أن نرى كيف أن أبو صدام هذا، عنيف شرس، فهو يكاد يفتك بسيارة تقودها فتاة لمجرد أنها أرادت أن تتجاوزه ونجحت في ذلك بصعوبة. وهو أيضا لا يتورع عن محاولة الاعتداء على ضابط شرطة أوقفه بعد أن استخدمت صاحبة السيارة التي تجاوزته نفوذ أقاربها غالبا، وأبلغت عنه. والحقيقة أن صورة الشرطة في الفيلم صورة مثالية، فأمين الشرطة يقوم بتطبيق الإجراءات بكل صرامة (لا يمد يده قط لقبض رشوة!)، والضابط يتغاضى عن محاولة الاعتداء الفظ عليه ويترك أبو صدام يرحل بشاحنته بعد أن تأكد من انه لم يكن سكرانا أو متعاطيا للمخدرات!

لا بأس أيضا.. ولكن المشهد الرئيسي في الفيلم وهو مشهد حفل الزفاف، تستغرق المخرجة طويلا في تصويره بحيث يصبح مشهدا صاخبا يفوح بالفولكلور والمشهيات الجارية المألوفة (السائق يرقص مع الراقصة)، كما يبتعد عن الطابع الواقعي العام للفيلم، فليس من المعقول أن يرش أبو صدام الذي عاد لتوه للعمل، كمية كبيرة من الأوراق المالية على جسد الراقصة، ثم يلتقطها ويضاجعها ويفشل على ما يبدو في إرضائها، وعندما تريد أن تغادر الشاحنة يحاول اغتصابها بالقوة لكنها تلقنه درسا قاسيا وتصفعه “صفعة الفيلم” أو الرسالة التي أرادت نادين خان توجيهها، وهي مرة أخرى: أن الرجل قذر وعنيف عل الفاضي، وأن المرأة لا يجب أن تكون ضحية بل يجب أن تواجهه وتتصدى له وترد له الصاع صاعين أيضا!

حاولت نادين مرة واحدة فقط الخروج عن السياق الخارجي لفيلم الطريق بسبب فقر المادة الواقعية، فدفعت أبو صدام لاستدعاء الخيال عندما أخذ يقص على مساعده قصة مختلقة بالطبع، تعبر عن فحولته الجنسية وقدراته الخارقة. ولكن القصة كلها بتفاصيلها “الشعرية” عن الحورية الفاتنة التي تخرج له من البحر.. الخ، تتناقض تماما مع تركيبة أبو صدام المعادية للرومانسية أصلا. وربما كان يمكن أن تنسجم مع روح الفيلم لو جاءت القصة أكثر فجاجة وشهوانية وفظاظة.

هناك كثير من الاستطرادات والحشو لمليء الفراغ، مما أدى إلى ارتباك الرؤية والاستيعاب. وعلى سبيل المثال يحاول مساعد السائق- أو يقوم بالفعل- بسرقة المال الموجود في الشاحنة وينقله من حقيبة صغيرة الى حقيبة أخرى معه، ثم يهبط ويتصل بشخص لا نعرف من هو، لكنه يعود بعد قليل لكي يعيد المال مرة أخرى إلى حقيبة أبو صدام ثم يضع الحقيبة الصغيرة داخل الصندوق العلوي، ويتكرر هذا الأمر مرات عدة دون أن يكون هناك أي دلالة درامية، ولو حذفت مثل هذه المشاهد المتكررة من الفيلم لما أثرت سلبا عليه، بل ربما أنقذته من هبوط الإيقاع. لكن الفن اختيار بالطبع.

نهاية الفيلم، رغم اللقطة البديعة التي ترتد فيها الكاميرا إلى الوراء وتصعد إلى أعلى تدريجيا الى أن تصبح الشاحنة نقطة صغيرة على الطريق، هي نهاية ضعيفة. صحيح أنها تترك الباب مفتوحا عل كافة التأويلات، لكن فيلما كهذا كان يحتاج إلى نهاية أكثر درامية. ولكن الفنان حر بالطبع في اختياراته الفنية.

في المقال القادم سأتوقف أمام أحد أفضل أفلام المسابقة وهو الفيلم الأردني “بنات عبد الرحمن” وكيف نجح مخرجه في توجيه صفة أكثر بلاغة من المرأة إلى الرجل!

 

موقع "عين على السينما" في

04.12.2021

 
 
 
 
 

سيد محمود سلام يكتب:

"بنات عبدالرحمن".. فيلم مزج المعاناة بالفكاهة

قد يبدو فيلم "بنات عبدالرحمن" المشارك في المسابقة الدولية لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، عاديا، من منطلق أن الحكايات النسائية التي طرحت في سياقه الدرامي، سبق طرحها حتى في أفلام مصرية، ولكن إن نظرنا إلى كل شخصية من الشخصيات الأربع التي قدم من خلالها المخرج زيد أبو حمدان فيلمه سنكتشف أنه تعامل معها على أنها فيلم قائم بذاته، تعب كثيرا في أن تكون عوالمهن متباعدة جدا، وكلما أسهب في السرد، بالغ في تفكيك العلاقات بينهن، ليضع المشاهد في حيرة، لماذا يقدم لنا المخرج فيلما عن التفكك الأسري؟!

وكل هذا الكم من التناقضات بين كل شخصية، حتى الشخصية الرئيسية التي بدت لنا وكأنها العمود الفقري والتي تمتلك ماستر سين الفيلم منذ أول مشهد وهي "زينب" التي أجادت في تجسيدها الممثلة البارعة فرح بسيسو، لم تكن سوية، تعاني العنوسة، والوحدة، وهي من تتولى رعاية الأب بعد وفاة الأم.

يعد الفيلم من أفضل ما قدمت السينما العربية خلال السنوات القليلة الماضية، يذكرنا باللغة السينمائية التي تميزت بها سينما المخرج الراحل محمد خان، منذ "أحلام هند وكاميليا" و"بنات وسط البلد"، وحتى فيلم "في شقة مصر الجديدة"، فهناك لغة مشتركة بين المخرجين.

المخرج زيد أبوحمدان نجح في حبك الحكايات وتفاصيلها لكنه يقودنا ليصل بنا كعادة السينما العربية إلى الميلودراما في طرحه للحلول الجماعية وليست الفردية، فهو لم يقدم لنا حلولا لنتفاءل بأن مصير كل من الشقيقات الأربع هو حل لمعاناتهن، بل استمر في التفكك باستمرار العانس، عانس، وطلاق الأخت الثانية، واكتشاف الثالثة لخيانة الرفيق، وبقاء الصغرى في مصير غير محتوم غير أنها حصلت على رضا الأب.

وكأن المخرج أراد أن يؤكد لنا أن الهدف هنا هو إعادتهن لحضن الأب المفقود، بعد أن عثرن عليه بجوار قبر الأم، مع أنه كان بديهيا أن تذهب "زينب" الأخت الكبرى إليه في هذا المكان.. فيلم "بنات عبدالرحمن" هو التجربة الثانية للمخرج زيد أبو حمدان بعد فيلمه الأول " بهية ومحمود" الذي قدمه في عام 2011، وهو بالمناسبة عن الخلافات الأسرية، به لغة سينمائية قلما نجدها في أفلام المخرجين العرب، إذ مزج الفكاهة بالمعاناة، واستغل موهبة الممثلة حنان الحلو، التي أسهمت في بث روح المرح لدى المشاهدين، فكانت كفواصل مريحة وناعمة بين كل مشهد.

الأب عندما شاهد ابنته التي تقوم برعايته وهي ترتدي فستان زفاف من الفساتين التي تقوم بحياكتها، شعر أن هناك شيئا ما يحتمي به سيغادره بلا رجعة، مع أنها كانت مجرد حالة تمنٍ..ترك الأب المنزل، لتبدأ رحلة البحث عنه، زينب الأخت الكبرى "فرح بسيسو" ثم قدوم الأخت الأكثر تحررًا حنان الحلو، والثالثة وهي الصغرى مريم الباشا، ومع انضمام الأخت الرابعة صبا مبارك والتي تقوم بدور المنتج المنفذ تبدأ رحلة تعرية حياة كل منهن لحياة الأخرى.

قدم المخرج صورة جمالية لمدينة عمان بالأردن، وموسيقى هادئة معبرة، مع مونتاج يشعرك بنعومة حركة الكاميرا، وبخاصة في المشاهد الخارجية التي تم تصويرها بالسيارة، ومشهد انفعالي شديد لكل من زينب وهي تكشف أسرار الحارة والشارع من المتلصصين على حياتها، وصبا مبارك وهي تقف في وجه الزوج المتزمت لتنهي علاقتها معه بالطلاق..ومع عودة الود والوئام بينهن يهتدين لفكرة العثور على الأب بجوار مقبرة الأم.

ما قدمه الفيلم يعد تجربة سينمائية مبهرة، كونه يقدم كوميديا سوداء نابعة من مكاشفات عائلية، برغم الخطابة التي سيطرت على أداء بعض بطلاته وبخاصة فرح بسيسو، لكنها كانت الأكثر تعبيرًا عن هموم المرأة العربية.

 

بوابة الأهرام المصرية في

04.12.2021

 
 
 
 
 

خاص الشروق |

الموسيقار العالمي إي أر رحمان: السرديات العربية يجب أن تصل هوليوود

حوار- محمد بصل:

·        "الشروق" تبحث عن الوصفات الخاصة للفائز بالأوسكار مرتين: الإنسانية مصدر إلهامي الأول

·        منصات الترفيه الجديدة تمنح المبدعين المحليين فرصة ذهبية.. وتعيد اكتشاف أعمال ظلمها التسويق

·        تغيير الصورة النمطية للعربي في الأفلام الأمريكية بداية طريق نشر الإرث الثقافي والموسيقى.. وركزوا على الإنتاج المشترك

·        الانتشار في هوليوود يحتاج انتشارا اجتماعيا والفوز بالأوسكار ليس كافيا

·        أنا الناقد الأول لنفسي.. وقدمت هذا العمل حبا في رسول الله

·        أعتز بتجربة الإكسبو.. ومنفتح للتعاون مع المبدعين العرب

في فيلم The Hundred-Foot Journey (رحلة المائة خطوة) يتمكن حسن الشاب الهندي عاشق الطبخ والمزج بين الثقافات المختلفة في أطباقه، من صنع أسطورته الذاتية بعد رحيل مروّع من بلاده إلى أعماق الريف الفرنسي. وصفاته المتفردة نقلت عائلته بالكامل إلى مستقبل أجمل، ومن خلالها عثر على حب حياته، ومهنيا حمل نجمة ميشلان حلم كل "شيف" في العالم.

الموسيقار الهندي الشهير A.R. Rahman أي. أر. رحمان وضع موسيقى هذا الفيلم الذي أُنتج عام 2014، وثمة نقاط التقاء بينه وبين البطل حسن، كهذا الانتقال الأسطوري -مع فارق المجال- والوصفات السحرية المتطورة التي تمزج النكهات والروائح بالابتسامات والدموع وتأثيرات مصادر لم تلتق من قبل.
فقبل عام 2008 عندما ظهر موسيقى فيلم Slumdog Millionaire (المليونير البائس) لم يكن أحد خارج الهند يعلم شيئا عن رحمان البالغ آنذاك 41 عاما. ربما كان المتابعون من بعيد يعتقدون أنه مجرد موسيقي هندي آخر لا يخرج عن التقاليد المعروفة في "بوليوود" يحافظ على "الريتم" نفسه والتنويعات المستقاة من الاحتفالات الشعبية لدى البنجاب والتاميل
.

لكن تفرد الشريط الموسيقي للفيلم قاد رحمان إلى جائزتي أوسكار، أحسن موسيقى تصويرية وأحسن أغنية، ولفت نظر العالم إلى إمكانياته الاستثنائية في ابتكار موسيقى مناسبة لكل البشر، تنطلق من أزقة قرى ومدن الهند بتقاليدها المنوّعة، والتي باتت أقرب للمتابعين بفضل رحمان، مع تأثيرات شرقية وغربية حديثة.
حل رحمان ضيفا على مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، قدم فيلما جديدا وضع موسيقاه وشارك في إنتاجه No Land’s Man (رجل بلا وطن) وتحدث في ندوة مفتوحة بصحبة الموسيقار هشام نزيه، وبعدها التقته "الشروق" في حوار قصير، بحثا عن "وصفاته الخاصة" لموسيقى مشبِعة في عالم يتغير سريعا.. أنماط ونغمات استجدت، والسينما دخلت البيوت على نطاق أوسع من خلال منصات التسلية الرقمية وعززت جائحة كورونا ذلك
.

يرى رحمان أن "نتفليكس وأخواتها تفتح طريقا واسعا للسينما المحلية في العالم كله، بما فيها الهندية والمصرية، لتعرض نفسها على الجميع وتصل بشكل أكبر، بعيدا عن متطلبات هوليوود وسيطرة أفكار معينة على الإنتاج هناك".

أن يشاهد الأمريكي أو الأوروبي سينما مصرية أو عربية أو هندية محلية، ليس هذا الهدف النهائي، بل أن تنتشر الثقافة والقيم الحقيقية لجميع الشعوب، في شكل قصص وصورة وموسيقى تقرب البشر من بعضهم.

وصفة النجاح في هوليوود:

"لا فرصة لتحقيق انطلاقة كبيرة للموسيقى العربية/المصرية في هوليوود إلا إذا تغيرت صورة العربي نفسها في الأفلام الأمريكية" يستطرد رحمان: "في الغالب الأعم العربي يكون الشخصية الشريرة في الفيلم، عضو العصابة، والنماذج السلبية أكثر من الإيجابية.. الحل في إنتاج مشترك عربي/مصري مع منتجين من هوليوود ودول أوروبية، يقدم قصصا وسرديات مختلفة، وشخصيات تعبر عن الطبيعة الحقيقية للمجتمعات المحلية وليس كما يرغب الآخرون في رؤيتهم.. الموسيقى والقصص يجب أن تكون جديدة ومعبرة عن الإرث الثقافي".

يقول رحمان بخبرة المجرّب: "لا أحد سيصنع ذلك.. الصناع العرب/المصريون هم من يمكنهم بدء هذا الاتجاه".

سألته عن تجربة الموسيقار اللبناني الفرنسي غبريال يارد في هوليوود، فهو العربي الوحيد الذي فاز بالأوسكار عن فيلم The English Patient (المريض الإنجليزي) ولماذا لم يفتح هذا الأمر الباب لانتشار عربي أوسع؟

فوجئ رحمان بأن يارد مولود في بيروت "أحب عمله كثيرا لكن لم أكن أعرف أنه عربي.. لم أتحدث معه حول هذا الأمر ولكن لكي تنتشر في هوليوود يجب أن تتمتع أولا بعلاقات وثيقة بالمنتجين والمخرجين والصناع، وتحضر الحفلات والمناسبات، وتتصل بالبعض لتقول أهلا أنا موجود.. وهذا يمكن أن يتحقق بشكل شخصي لكن لا يضمن انتشار كل الموسيقيين من نفس جنسيتك".

يضرب رحمان مثالا بالموسيقار الأمريكي من أصل صيني دون تان الفائز بالأوسكار عن فيلم Wo hu cang long (النمر الرابض، التنين المختفي): "أبدع موسيقى عظيمة وفاز بالجائزة (2001) لكنه لم يكن مندمجا مع هوليوود فلم يظهر كثيرا فيما بعد".

خلال الندوة؛ اعتبر رحمان فوزه بالأوسكار محطة مهمة وشهادة اعتماد دولية، لكن التقدير من الأكاديمية لا يغير طبيعة الفنان وكذلك لا يفتح له كل الأبواب المغلقة لأن العلاقة الوطيدة بالمخرجين والمنتجين هي الأساس: "بقيت أعمل ما أحبه.. الموسيقى محيط كبير ومهما حققت فيه تشعر أنك نقطة صغيرة، وأن إنجازاتك غير كافية".

وصفة موسيقى لا تعرف الحدود:

يقول رحمان: "أول ما أسأل عنه عندما أتسلم أي عمل سينمائي لأكتب له الموسيقى القصة والسردية والأشخاص من وجهة نظر المخرج والمؤلف.. فحص هذه المكونات هو ما يولّد بداخلي الأفكار".

سألته عن المؤثرات المتنوعة التي يبني عليها مشاريعه وكيف تطورت عبر مسيرته الممتدة لأكثر من 30 عاما؟
يجيب رحمان: "الإنسانية، والموسيقيون القدامى والشعبيون من جميع الدول، والبسطاء الذين يمنحون السعادة للآخرين دون أن ينتظروا المقابل.. كل هذا يساهم في صنع موسيقى غنية وكريمة مع المستمع، بلغة عالمية يفهمها الجميع، وتلعب دورا كبيرا في تحسين حياة الناس، في شفاء أرواحهم وعلاج جراحهم
".

ويعتبر رحمان نفسه الناقد الأول لأعماله "هي عادة لم تنقطع ولم أغيرها أبدا، أنا المستمع الأول لأعمالي، إذا لم يعجبني ما فعلته ألقيه جانبا وأبدأ من جديد، حتى لو كنت قد قطعت فيه شوطا كبيرا".

خلال الندوة؛ سُئل عن فترات الفراغ التي يمكن أن يواجهها المبدع في مسيرته، فقال: "كل شيء يمكن أن يتغير بشرارة إلهام واحدة يجب على الفنان الإمساك بها والبناء عليها".

في حب الرسول محمد:

ولد رحمان في مدراس بالهند لعائلة هندوسية من التاميل ثم تحول إلى الإسلام في مقتبل العشرينيات، وخلال ندوة مهرجان القاهرة توقف عن الإجابة على سؤال إنصاتا لأذان العصر، في لفتة دالة على تدينه الشخصي. ابنته خديجة ترتدي النقاب بينما الأخرى رحيمة لا ترتدي أي حجاب. وهو بشكل عام متأثر بالصوفية، وينعكس هذا على كلمات بعض أغانيه المستقاة من آيات قرآنية أو أبيات شهيرة لأقطاب التصوف بالهند والعالم العربي.

في عام 2015 مر رحمان بتجربة صعبة عندما صدرت فتوى من بعض شيوخ الهند المسلمين ضده وضد المخرج الإيراني الشهير مجيد مجيدي، بسبب فيلم "محمد رسول الله" الذي جسد لأول مرة نبي الإسلام بشكل جزئي وهو طفل، دون إظهار ملامح الوجه وسماته الجسمانية، حتى أن الأزهر الشريف دعا لوقف عرض الفيلم، لكنه عُرض في طهران وبعض العواصم الغربية وانتشر لاحقا عبر الإنترنت.

سألته عن هذه التجربة، تنهد وضحك وهو يتذكر الفتوى، لكنه لم يخف فخره الشديد بهذا العمل: "المخرج مجيد مجيدي "سوبر ستار" في الهند ودول كثيرة، والأجيال الجديدة من صناع السينما الهنود والآسيويين نشأوا على أفلامه، وتحديدا Colour of Paradise (لون الجنة) و Children of Heaven (أطفال السماء) الذي رُشح للأوسكار".

"عندما عرض عليّ المشاركة في فيلم عن الرسول، وجدت ذلك شرفا كبيرا وتحمست، كان مجيدي قد عمل في التصوير والمونتاج لمدة عام تقريبا، وقدم لي السيناريو، وبدأت التنقيب عن أفكار متماشية مع روح الفيلم والشخصيات وثراء الفترة المبكرة من حياة الرسول" يضيف رحمان أنه عرض على المخرج أفكارا مختارة ثم انتقى منها الأفضل ليبدأ تنفيذ الموسيقى في عدد من الدول.

"موسيقى الفيلم حفلت بتأثيرات عديدة هندية وعربية ومصرية وإيرانية وغربية، وصوفية بالطبع، لكن أهم ملهم بالنسبة لي كان حبي لرسول الله صلى الله عليه وسلم" وبالاستعانة بعدد من المطربين والعازفين من جنسيات عدة منهم سامي يوسف، وعازف الطبول المصري الشهير حسام رمزي، أثمرت هذه التوليفة موسيقى مختلفة أكثر حداثة ومزجا للثقافات من موسيقى الأفلام الدينية والتاريخية الكلاسيكية التي اعتادتها الآذان.

ساحات جديدة للإبداع:

يعتبر رحمان أن هذا الفيلم ظُلم لعدم عرضه في الدول العربية، حتى أن شرائح واسعة من معجبيه حول العالم لا يعرفون عنه شيئا، وكذلك "بعض الأفلام الأخرى التي لم تُروّج بشكل جيد، مثل The Hundred-Foot Journey المشار إليه سلفا، وفيلمه الموسيقي الصادر منذ عامين 99 Songs (99 أغنية) والذي يدور عن قصة حب مؤلف أغاني شاب قبِل تحديا لتأليف 100 أغنية قبل الزواج من حبيبته.

"بعض الأفلام التي لم يتم التسويق لها موجودة الآن على منصات إلكترونية مثل "نتفليكس" وهو أمر ممتاز أن يتمكن الجميع من إعادة اكتشاف إبداعات ظُلمت، وهذه المنصات أيضا فرصة لعرض الأفلام المحلية منخفضة التكلفة والتعرف على ثقافات أخرى".

من المساحات الجديدة لعرض إبداع رحمان إكسبو دبي الأخير، الذي يعتز للغاية بمشاركته فيه بإخراج وإنتاج البيئة الموسيقية الكاملة للحدث، من موسيقى للعروض الحية، وخلفيات بعض الأجنحة والفعاليات والأماكن المخصصة للضيوف "تعاونت مع موسيقيين عرب كُثر من سوريا ولبنان والإمارات" أما الإنجاز الأبرز فهو "أوركسترا الفردوس" الذي ضم 50 من العازفات المتميزات من 23 جنسية بقيادة المايسترو ياسمينا صباح، وبمشاركة ابنته المنتقبة خديجة.

وضمن فعاليات الإكسبو سيخرج للنور في يناير المقبل عرض غنائي بعنوان Why (لماذا؟) تعاون فيها رحمان مع المخرج الهندي شيخار كابور.

ولكن هل من مشروعات جديدة للتعاون مع موسيقيين عرب معروفين خاصة وأن الشعوب العربية تعشق المزاج الموسيقي الهندي؟

"أنا منفتح على جميع أوجه التعاون مع مطربي وموسيقيي العالم العربي، وأستمع باهتمام إلى ما يصادفني من إنتاجهم.. كان هناك مشروع مقتضب للتعاون مع المطربة آمال ماهر برعاية المستشار تركي آل الشيخ، وإذا وجدت فكرة مناسبة سأشارك بحماس".

 

الشروق المصرية في

04.12.2021

 
 
 
 
 

إمير كوستاريتسا: أضبطُ الفيلم على دقّات قلبي!

علياء طلعت

لم يكن حدثاً عادياً من بين فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الثالثة والأربعين.. الحديث هنا عن "ماستر كلاس" المخرج الصربي الكبير إمير كوستاريتسا، وتواصل لساعة ونصف الساعة، استمع واستمتع الحضور من صناع السينما الشباب والمخضرمين والنقاد والصحفيين وهواة الأفلام إلى إمير وبما قاله، خاصة أنه يعلم تماماً كيف يستحوذ على انتباه جمهوره، وما الذي يرغبون في سماعه، وما هي التصريحات التي يجب أن يُلقيها لتصبح العناوين الرئيسية للمقالات التي ستُكتب عنه فيما بعد.

يمكن أن نقول عنه بشكل موجز إنه "مخضرم"، فخلال حضوره عشرات المهرجانات السينمائية، ولقاءاته الكثيرة مع الجمهور والصحفيين وعمله في صناعة الأفلام، تدرّب إمير كاستوريتسا على جذب الجمهور إلى جانبه وترويضه أيّاً كان الوضع، وهو خليط مما أسماه "قدرته على التمثيل في الحياة أفضل من السينما"، و"السحر" الذي يجب أن يمتلكه المخرج السينمائي ليستطيع إقناع وتسيير طاقم أعماله حتى لو كانوا من البطّ أو الخيل كما في أفلامه.

بدأ "الماستر كلاس" بفيديو مونتاج لأجزاء من أفلام إمير الشهيرة، وبعد مشاهدتها أطلق إحدى دعاباته بالقول إنه في الأحوال العادية كان من الممكن أن يبكي بعد هذا الفيلم القصير، لأنه يعطيه انطباعاً أنه شخص ميت، أو هذا تأبينه، وهو البكاء الذي يقوم به العجائز طوال الوقت، ولكنه بصحة جيدة أكثر مما يتيح له الانجراف في ذلك، مذكراً نفسه والجمهور أنه أصبح بالفعل جزءاً من زمن سابق، وهي الحقيقة التي أكدها بطرق مختلفة خلال الندوة، عندما تحدث مطولاً عن صناعة الأفلام، وكيف اختلفت على مرّ السنين، حتى أصبحت صناعة فقط بلا فن.

لم يكن مستهجناً ذلك السؤال الشائع حول إنتاج أفلام لمنصات مشاهدة إلكترونية مثل "نتفلكس" و"آبل" و"أمازون" لو أتيحت الفرصة، خاصة أن المخرجين وصناع السينما، اليوم، باتوا منقسمين إلى متعاونين مع هذه المنصات أو رافضين لها، البعض مثل مارتن سكورسيزي وألفونسو كوارون وتشارلي كوفمان قدّموا أفلاماً عظيمة لـ"نتفليكس"، على سبيل المثال، بينما البعض الآخر، ومنهم إمير كوستاريتسا، يرون أن هذه المنصات هي نهاية السينما كما نعرفها الآن.

وبحكمة المخرج الذي شارف على السبعين، حلّل كوستاريتسا الأسباب التي تدفع المشاهدين للاتجاه إلى المنصات بدلاً من السينما، منها أن الإنسان كسولٌ بطبعه، ويُفضِّل أن تتاح له المتعة في المنزل بدلاً من البحث عنها خارجاً، وكذلك المبرّر الاقتصادي؛ فتذكرة فيلم سينما واحد توازي اشتراكاً شهرياً في إحدى هذه المنصات التي تتيح آلاف المواد البصرية من أفلام ومسلسلات.

ولكن السبب الأهم من وجهة نظره أن الإنسان المجبول دوماً على التحكم فيما حوله امتلك مؤخراً فقط هذه القدرة بالنسبة للسينما، فبعدما كان يجلس صغيراً معدوم الحيلة أمام الفيلم السينمائي على الشاشة العملاقة تغير الوضع مع المنصات، وأصبح هو المتحكم الوحيد، الذي يختار الأفلام ومتى يوقفها، والسرعة التي تُعرض بها، واللغة التي يستمع إليها وشكل وحجم خط الترجمة، وكل هذه الحرية ستجعله مع الوقت ينبذ الذهاب إلى السينما التي يظل عاجزاً أمامها.

وعند سؤاله عن كيفية ضبط إيقاع الفيلم، أجاب بشاعرية، على عكس كلماته الأخرى المليئة بالسخرية الذكية، "أضبط الفيلم على دقات قلبي".. يجب أن ترتبط الأعمال بدقات قلب صنّاعها، وعلى إيقاعها تُبنى موسيقى الفيلم التي يرى أنها يجب أن تأتي قبل حتى كتابة السيناريو، فهي المحرك الأساسي للعمل والتي تدفعه للأمام.

وخلال التسعين دقيقة، تتقل كوستاريتسا ما بين موضوعات مختلفة، عن صناعة الأفلام والعالم الذي يتغير من حولنا، عن أفلام تُصنع من قصص الطبقة المخملية، وأخرى تلامس آلام الطبقات الأكثر فقراً، عن التنوع العرقي والجنسي الذي تشهده السينما في الوقت الحالي، وتختلف عن الزمن الذي عاشه، وكيف يستطيع الوصول إلى حالة من التوازن ما بين تلك التغيّرات بذكاء ووعي.

 

####

 

رشيد مشهراوي.. عن كورونا و"يوميّات شارع جبرائيل"

رام الله – "منصة الاستقلال الثقافية":

عُرِضَ في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، مساء أمس، العرض العالمي الأول للفيلم الوثائقي "شارع جبرائيل"، وهو جديد المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي كان قد اتَّجَه في الفترة الأخيرة إلى الأفلام الروائية، بحيث عُرِضَ له قبل سنوات "الكتابة على الثلج"، ويُعِدّ لفيلم جديد.

عن "شارع جبرائيل"، وظروف الخروج بالفيلم وإنتاجه، قال مشهراوي: كنتُ أعدّ لفيملي الروائي الطويل "أحلام عابرة" بعد عرض فيلم "الكتابة على الثلج"، وما حقَّقَهُ من نجاحات في أكثر من دولة ومهرجان، لتهبّ رياح "كورونا" فجأةً، فتُجْلِس العالم كله محاطاً بقيود العزلة، وما كان منّي إلا أن استسلمت للذاكرة، لتبوح بما لديها من أفكار وحكايات وصور من طفولتي، عبر "نوستالجيا"، كنت أنتظر اللحظة التي أقدمها فيها للجمهور، فقلت في نفسي "فيروس بيصحي فيروس".

"الحكاية بدأت بعد أن تعطّلت الأحلام، أقصد أحلام عابرة"، أضاف مشهراوي في حديث لنشرة المهرجان في عددها السادس، ليتابع: عشتُ مع عزلتي، بعدما أغلقتْ السلطات الفرنسية حدودها، وأهبطت طائراتها، وحجزت مواطنيها في منازلهم، ونشرت الشرطة في الشوارع. كنت، حينذاك في باريس، وبدأت رفقة هاتفي المحمول القديم أتجوّل في حكاياتٍ منها ما هو معاش في باريس ومنها ما منحته الذاكرة، فأنا من يافا وعشتُ في غزة، والاحتلال يقيّدنا في حظر التجول عشرات المرّات. حدث الشيء نفسه في باريس، ولكن بسبب "كورونا"، فأصبحت أتنقّل ما بين حظر وحظر، بحيث مزجت ما بين يوميّاتي الفلسطينية والباريسية، وفي أرقى الأحياء (مونتمارتر)، كلّ الصور تداعت لترسم هذا الفيلم.

وكشف مشهراوي: هذا الفيلم هو من اختارني لأصنعه، فقد حوّلني إلى مخرج ومنتج ومونتير ومصوّر والبطل صاحب الحكاية أيضاً.. لا أملك سوى "موبايل" قديم كنت أصوّر به المشاهد التي أحتاجها، مع رصد ما تستدعيه الذاكرة، وقمتُ بتنفيذ المونتاج عبر حاسوب محمول (لابتوب) في منزل، لذا أعتبره "شارع جبرائيل" من أجمل أعمالي، حيث باتت له معزّة خاصة لديّ.

"لا أحب التعليق على أعمالي، أو أن أكون الراوي، بل يمكن وصفُ ما حدث بأنه تفكير بصوت مرتفع.. تفكير بالصورة، أو بعبارة رومانسية (بوح)، حيث اللهجة العاميّة الفلسطينية وليست اللغة العربية الفصحى".

مدة الفيلم ساعة ودقيقتان، لكن المكان ما بين فلسطين وباريس، أمّا الزمان فيمتد ليعكس حالاتٍ مررتُ بها في فلسطين وأخرى في باريس، أكّد رشيد.

ولفت مشهراوي إلى أن ما قيل بعد تفشي الفيروس بأن "الإنسان واحد"، دفعني للتساؤل: لماذا لا يتم الالتفات إلى الفلسطيني الذي يقاتل من يحتل أرضه؟.. فجأةً نصبح كلّنا واحداً، وبسبب الفيروس، ومن هنا قلت عبارتي "فيروس بيصحي فيروس".

وختم مشهراوي: مهرجان القاهرة هو بيتي السينمائي،فقد سبق أن فاز فيلمي "حتى إشعار آخر" بجائزة الهرم الذهبي، ثم حصل أيضاً على جائزة من مهرجان "كان" السينمائي، وبعدها حصل فيلمي "حيفا" على جائزة أفضل فيلم عربي في المهرجان، وكان يترأّس المهرجان، وقتها، الكاتب الكبير سعد الدين وهبة.. أعتز بالمهرجان الذي يحتفي به دوماً.. مشاركة فيلم "شارع جبرائيل" جاءت بناءً على مكالمة بيني وبين الناقد رامي عبد الرزاق، الذي شاهد الفيلم، ومن ثم أسعدني أن تمّ برمجته للمشاركة في مسابقة آفاق عربية.

 

منصة الإستقلال الثقافية في

04.12.2021

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004