ملفات خاصة

 
 
 

أيام قرطاج السينمائية.. رهان لا يخيب

ناهد صلاح

أيام قرطاج السينمائية

الدورة الثانية والثلاثون

   
 
 
 
 
 
 

أكدت الدورة 32 لأيام قرطاج السينمائية قدرة المهرجان على الثبات في موقعه ومكانته، ليس سهلًا على مهرجان سينمائي يقام في هذه الظروف، فيروس كوفيد وتوابعه الصحية والاقتصادية، أن ينجح في مهمته ويحقق طموحاته، أو بعضها على الأقل، لكن هذه الدورة أفضت إلى تأكيد حضور المهرجان في المشهد العربي والإفريقي والدولي، ومن هنا فإن الرهان على حيوية أيام قرطاج السينمائية لا يفشل، إنه رهان يتطلع إلى الجديد السينمائي، وكذلك يلتفت إلى بعض القديم المستمر في ضخ المشهد السينمائي، من زاوية التنوع وهذه إحدى ميزات هذه التظاهرة العريقة التي أسسها السينمائي التونسي الطاهر شريعة عام 1966.

كل شيء في الدورة الـ 32 بإدارة المخرج رضا الباهي التي رفعت شعار "نحلم لنحيا"، كان يعبر الدوائر إلى فضاء أوسع يرسخ مساره كامتداد للبعد العربي والإفريقي ونظرته على سينما دول العالم الثالث، محاولًا بنفس نضالي أن يسهم في تفعيل التواصل مع الجمهور والأفلام، بما تحتويه من تجارب وهموم فكرية وأساليب كتابية وصنيع بصري وكل ما له صلة بالشأن الإبداعي، يقول رضا الباهي:"لقد قربتني باستمرار مسيرتي المهنية كمخرج سينمائي من جمهور فريد ومتطلب ومحب للسينما، يستحق مثل هذا الجمهور أن نرقى إلى مستوى توقعاته وتطلعاته".

بهذا الاعتبار جاهد المهرجان في رفع مستوى الاهتمام بالإنجاز العربي والإفريقي، كما بدا واضحًا محاولاته في التوسع والتواصل مع السينما العالمية، فثمة أفلام عالمية شاركت، بينما تم التركيز في هذه الدورة على السينما البلجيكية ممثلة لبلدان الشمال، كبرهان على الانفتاح كما يقول الناقد كمال بن وناس المدير الفني للمهرجان، مشيرًا إلى أن هذا الحضور الشمالي يدرأ فكرة أن اهتمام المهرجان بسينما دول الجنوب هو إنغلاق على الذات، ومن هذا المنطلق أيضًا أقيمت البرامج المستقلة وورش العمل بموازة المسابقة الرسمية، وأتيحت الفرصة لأسماء جديدة للمشاركة في مسابقة "أصوات واعدة" التي ضمت أفلامًا عربية وإفريقية وربح فيها الفيلم السعودي "من يحرقن الليل" للمخرجة سارة مسفر الذي يسلط الضوء على المراهقات في السعودية.

على صعيد آخر، فإن المهرجان حتى الثواني الأخيرة فتح الكثير من أبواب التواصل والنقاش الذي تجاوز الجدل السياسي في الشارع وفي الأفلام إلى انفتاح على الفن، وبدت صالات مدينة الثقافة والفنون، وصالات العرض في شارع الحبيب بورقيبة والشوارع المنبثقة عنه كمفاتيح ضوء تصنع الخيال وتنهض عبرها كل الاحتمالات المفتوحة على التغيير حسب إيقاع السينما بصور متعددة ولغات مختلفة، توزعت بين أفلام مخرجين صاعدين اقتنصوا جوائز هذه الدورة، وفيلم الافتتاح "روابط مقدسة" للمخرج التشادي المعروف محمد صالح هارون، فيلم شديد الحساسية عن المرأة في مجتمع يهملها ويتجاهل حقوقها، لا يراها سوى من زاوية واحدة، وهي زاوية الإدانة التي تحاصر أم عزباء تكافح في ظروف قاسية كي تعيش مع ابنتها، ثم يضيق الحصار عندما تكتشف الابنة أنها حاملًا بعد ما اغتصبها رجلًا عجوزًا، وهنا تتغير الحكاية، حيث تقرر الأم أن تدفع الظلم عن ابنتها.

فيلم الافتتاح أعاد طرح سؤال العلاقة الجمالية بين الصورة والموضوع، فالصنيع البصري كشف خبايا مجتمع يموج على قضايا شرسة، منها الإجهاض، الختان، الاستخفاف الاجتماعي بحضور المرأة، وهذه العلاقة الجمالية يمكن قراءتها بأشكال شتى في أفلام المهرجان، أفلام متناقضة الأشكال والمضامين والسمات الجمالية، لكن عناوين عدة في الدورة الـ 32 عبرت عن قضايا عامة من منظور ذاتي، وأثارت نقاشات نقدية سليمة، وحضور جماهيري يقر أن على هذه الأرض جمهور يستحق السينما: الوقوف في الصفوف الطويلة والازدحام أمام صالات العرض بصورة مذهلة، متابعة جميع الأفلام دون تمييز بين الوثائقي والروائي، الأنفاس التي تُحبس حين تنطفئ الأضواء في الصالة المخملية الحمراء، حتى الهمهمة والأصوات الخافتة التي تسري أحيانًا فيما تمتزج العتمة والضوء، كل شيء ينقل الحياة من ملل أن تكون عادية إلى فضاء يتمدد على الأمل، ويجعل لأيام قرطاج السينمائية تميزًا يخصها مع جمهورها الذي يحول الفاعلية من حدث سينمائي إلى ظاهرة اجتماعية، ما يدل على وعي بالسينما وشغف مرهف للوصول إليها، ذلك على الرغم من الأزمة الاقتصادية التي باتت لا تخفى عن أحد، وأثرها واضح في الشارع التونسي لا يختلف عليه إثنان.

الأزمة صارخة في العالم كله، والسينما تحاول أن تتجاوزها بطريقة وأخرى، ومنها التونسية التي شاركت بأفلام في مسابقات المهرجان المختلفة، وحصلت على التانيت البرونزي للفيلم القصير"في بلاد العم سالم" للمخرج سليم بالهيبة، كذلك التانيت البرونزي الوثائقي الطويل "عصيان" للمخرج الجيلاني السعدي، وتنويه لديكور فيلم "فرططو الذهب"، الفيلم الرابع للمخرج عبدالحميد بوشناق بعد الوثائقي – الروائي الطويل "قديما كركوان"، الروائي القصير "كعبة حلوى"، ثم "دشرة".

وفي رأيي أن الحضور الساطع للأفلام المصرية هو شكل من أشكال التعبير عن ضرورة إجتياز هذه الأزمة الكونية، هذا من ناحية تخص الإنتاج كمًا وكيفًا، ومن ناحية أخرى أن بعض هذه الأفلام أثارت جدلًا قبل عرضها في قرطاج، كما حدث مع "ريش" للمخرج عمر الزهيري الذي حصد على أربعة جوائز: التانيت الذهبي للأفلام الروائية الطويلة، التانيت الذهبي للعمل الأول (جائزة الطاهر شريعة)، جائزة أفضل سيناريو للزهيري وأحمد عامر، جائزة أحسن ممثلة لدميانة نصار، بينما حصل فيلم أ"ميرة" على تنويه خاص في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، وتنويه خاص أخر لفيلم "كباتن الزعتري"، إخراج علي العربي، في مسابقة العمل الأول، إذ أن كل فيلم فيهم له حالته الخاصة والمثيرة للتساؤلات، بما يستحق الكتابة عنه بشكل منفرد لاحقًا.

الحضور الفلسطيني كان له نصيب في الجوائز، فحصلت الفلسطينية سماهر على التانيت البرونزي، عن فيلمها التسجيلي الطويل  "كما أريد"، أما المخرج عبد الله الخطيب فقد حصل على التانيت الذهبي عن فيلمه "فلسطين الصغرى" وجائزة تي في سانك للعمل الأول، في حين تعددت الجوائز لتشمل تجارب أخرى عديدة كما الفيلم التسجيلي القصير  الحائز على التانيت البرونزي" لاترتاح كثيرًا" للمخرجة اليمنية شيماء التميمي المهتمة بموضوعات الهجرة وثقافة الهوية، والروائي القصير الحاصل على التانيت الذهبي "الحياة على القرن" للمخرج الصومالي مو هرواي، والروائي اللبناني القصير الحاصل على التانيت الفضي"كيف تحولت جدتي إلى كرسي" للمخرج نيكولا فتوح، وجوائز أخرى مثل جائزة أفضل ممثل التي ذهبت إلى عمر عبدي عن دوره في الفيلم الصومالي "زوجة حفار القبور" للمخرج خضر إيدروس، وجائزة أفضل موسيقى لفيلم "علّي صوتك" للمخرج المغربي نبيل عيوش، لكن من جوائز المهرجان الكبرى في وجهة نظري هو تكريم الناقد التونسي خميس الخياطي، فالحركة النقدية أيضًا تحتاج إلى تقدير.

وتبقى الأفلام في هذه الدورة سواء حصلت على جوائز أو لم تحصل، هي أعمال رواغت بالصورة والكلمة الواقع، وقامت بسرد تحاولاته عبر صور تثير معان كثيرة، بالضبط كما مهرجان أيام قرطاج السينمائية الذي يلعب دورًا مهمًا، يتجاوز حالات الانكسار العامة ويشرع نوافذ الأمل على مجتمع بالرغم من تعثراته؛ فإنه متعطش للسينما والتغيير، وهو دور مهم يجب أن تقوم به مهرجانات السينما عمومًا وأن تتمتع بزخم فكري إبداعي واضح، يسهم في مواجهة التحديات في المجتمع والثقافة وصناعة الصورة وعلاقة الفيلم بالواقع، وبتحويل المهرجان من مجرد حدث فني إلى منبر فاعل يناضل السينمائيون من خلاله للتطور وتبادل الخبرات والتجارب والرؤى.

 

اليوم السابع المصرية في

09.11.2021

 
 
 
 
 

(أم ماريو) والتانيت الذهبى

طارق الشناوي

(كنت أصلى وأقول يا رب نجّحنا)، هكذا قالت (أم ماريو) عندما سألوها قبل نحو ثلاثة أشهر بنفس الكلمات التقليدية عن إحساسها بعد أن فاز فيلم (ريش) بجائزة مهرجان (كان)، فى قسم (أسبوع النقاد).

هذه المرة فى (قرطاج)، لم يكن الأمر متعلقًا فقط بما هو شعور السيدة الرائعة، بنت الصعيد، (دميانة نصار) أو (أم ماريو)، كما تعود أن يُطلق عليها أهل البلد؟ أتصورها قد شاهدت التليفزيون المصرى شاشة (نايل سينما) وهى تنقل ليلة السبت الماضى مباشرة حفل توزيع الجوائز، واسمها يقترن بلقب أفضل ممثلة، وهى تستمع إلى تصفيق الجمهور التونسى.

هذه السيدة البسيطة، التى لا توجد لديها سابقة فى التعاطى مع الفن، اقتنصت (التانيت الذهبى)، وما أدراك ما (التانيت)؟ استطاع المخرج عمر الزهيرى أن يضعها على طريق الإحساس لأداء شخصية الزوجة المقهورة أمام زوجها، وهى مُصْغِية له وعينها يسكنها الخضوع، إلا أنها عندما تتحمل المسؤولية، تقاتل من أجل الحفاظ على أطفالها وبيتها، ونرى نظرة التحدى وقد سكنت العين.

أتصور أنها لحظة إعلان الجائزة لم تدرك على وجه الدقة ما المقصود بكل تلك الحفاوة، صحيح أنها قبل نحو أسبوعين شاركت فى مهرجان (الجونة)، وسارت على السجادة الحمراء، مرتدية فستانًا رائعًا يليق بأهلنا فى الصعيد، وأُجرى معها أكثر من حوار، إلا أنها هذه المرة قفزت إلى منطقة أبعد، تلك الجائزة كانت حلم كثيرين من النجوم المصريين، وحصل عليها عدد محدود منهم مثل فاتن حمامة وسعاد حسنى ويحيى الفخرانى وعزت العلايلى وأحمد زكى، وهكذا دخلت تاريخ الجوائز من أوسع أبوابه، ومن أعرق مهرجان دولى عربى إفريقى، هل تدرك السيدة (دميانة نصار)، 38 عامًا، ما الذى يعنيه لها هذا التكريم، هل تظل الأبواب الفنية مفتوحة أمامها، أم أن الأمر ارتبط فقط بدور ومخرج آمن بها وراهن عليها، وعرف كيف يوجه مفاتيحها إلى الإبداع؟

أن تُرشَّح للجائزة، مجرد أن يتردد اسمها فى الجلسات المغلقة للجنة التحكيم يُعتبر إنجازًا، والسر هو أن أعضاء اللجنة السبعة- مسابقة الأفلام الروائية- وبينهم كاتب هذا السطور، كل منهم لديه مؤكد ثقافته، وقانونه الخاص فى تقييم أداء الممثل، إلا أن التلقائية لا يختلف عليها أحد.

لا أذيع أسرارًا، ولا يجوز البوح بالتفاصيل، إلا أن حالة من الدهشة استوقفت عيون الزملاء، وسألنى بعضهم عن تاريخها، حيث إن (الكتالوج) المصاحب للمهرجان لم يوضح الكثير عن الأفلام ولا الممثلين، ورأيت الدهشة تصرخ بها عيونهم، وأنا أقول إنها بلا تجربة سابقة، ولا تقرأ ولا تكتب، وضجَّت القاعة بالضحك عندما أضفت أنها غالبًا لأول مرة تسمع عن مهرجان (قرطاج)، من خلال متابعتى لها فى بعض اللقاءات التى أُجريت معها فى (الجونة)، كانت إجابتها تؤكد أن بداخلها رغبة حقيقية لاستكمال المشوار.

المخرج عمر الزهيرى ضرب نموذجًا للمخرج القادر على توظيف ممثليه، فى أدق لحظات إبداعهم، عندما ينسى الممثل نظريًّا كل قواعد التمثيل.

البعض سألنى من الصحفيين بعد إعلان الجوائز: هل كانت تؤدى دورها؟ أجبت بالنفى، إلا أنها من فرط الصدق صدّقنا أنه دورها الحقيقى، وهذا هو ذروة فن التمثيل!!.

tarekelshinnawi@yahoo.com

 

المصري اليوم في

09.11.2021

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004