مسابقة كان 74 (5): أداءات تمثيلية مميزة في ختام أفلام
المسابقة
أحمد شوقي
نختتم في هذا المقال تغطيتنا النقدية الخاصة لأفلام مسابقة
الدورة الرابعة والسبعين من مهرجان كان السينمائي الدولي. 24 فيلمًا تتنافس
على السعفة الذهبية التي سيتم إعلان الفائز بها خلال ساعات، تباينت في
المدارس والأساليب وبالطبع في المستوى. نترك تحليلنا الموجز لها هنا في خمس
مقالات لعله يكون مرجعًا لمحبي السينما بعد إعلان المتوجين بالجائزة الأرفع
في العالم.
ميموريا
Memoria –
أبيشاتبونج ويراسيثاكول (تايلاند)
حوار مدته حوالي عشر دقائق يدور بين شخصيتين تتحدثان بهدوء
شديد، بمعدل ستة جمل في الدقيقة تقريبًا، عن الأحلام وما يراه كل منهما
خلال نومه، وعندما يقول الرجل أنه لا يحلم خلال النوم يتفقان على أن يجرب
للتأكد، فيستلقي على الأرض منتظرا النوم بينما تتابعه المرأة بهدوء حتى
يتملكه النوم.
إن كنت ممن يمكنهم تحمل مشهد كهذا على الشاشة دون أن يزول
صبرك فتغادر القاعة ساخطًا على صناعه، محاولا التفكير في الأمر ومنحه قراءة
تتسق والأفكار التي رصدتها في الفيلم، فأنت بالتأكيد من القلة الفريدة التي
يخاطبها صانع الأفلام التايلاندي أبيشاتبونج ويراسيثاكول بفيلمه الجديد
"ميموريا".
الفيلم يمثل عودة أبيشاتبونج الأولى إلى مسابقة كان منذ توج
بسعفة المهرجان الذهبية عام 2010 عن فيلمه الشهير "العم بونمي الذي يتذكر
حيواته السابقة"، وفيه يغير من بوصلته تماما بمغادرة بلده وقارته والاتجاه
بعيدًا إلى كولومبيا، حيث صوّر فيلمه الذي تلعب بطولته (وتظهر في أغلب
مشاهده) النجمة تيلدا سوينتون.
أي محاولة لتخليص القصة تبدو بلا معنى: عالمة نبات تسافر
كولومبيا لزيارة أختها المريضة، وهناك تبدأ في سماع صوت دقات عنيفة مفاجئة
(نسمعها معها مرارًا طوال الفيلم) فتحاول التفتيش عن السبب، وخلال رحلة
البحث تقابل عددًا من الشخصيات، مهندس صوت وعالمة حفريات ومنظف أسماك يمتلك
قدرات عقلية خاصة.
لا يحاول أبيشاتبونج من الأساس البحث عن منطق، مكتفيًا
بالاشتغال على الحالة الشعورية المستمدة من عوالم الزن اليابانية: الكثير
من الصمت والتأمل، والحوار البسيط يوحي بمعانٍ أعمق متروكة لمن يريد أن
يزيل غبار الركود من على السطح وينبش أكثر بحثًا عن تفسيرات لما يراه.
أسئلة بحجم حيز الواقع والحلم، العلاقة بالطبيعة والتواصل بين البشر، ماضي
الإنسان وما يبقى بعد آلاف السنين من وفاة الفرد، وحدود الوعي واللاوعي.
"ميموريا"
قد يبدو عملًا مزعجًا جدًا لمن يحبون متابعة الحكاية في الفيلم، يكاد صانعه
يناصب هؤلاء العداء لحساب فهمه الخاص للسينما، لكنه عمل نخبوي مصنوع من أجل
مشاهدي الهامش، جميل إذا قرأناه من منطقه الخاص وتفهمنا معادلاته السردية.
الأمر الذي يطرح السؤال على لجنة سبايك لي، وهو المخرج المشغول بالتواصل مع
المشاهدين قدر جرأته السينمائية ومحبته للتجريب. فهل يأتي تجريب أبيشاتبونج
ويراسيثاكول على موجة فهم سبايك لي وذائقة أعضاء اللجنة؟ أما سيمر عليهم
كما مر على الكثيرين دون إحداث أثر يُذكر؟
فرانس
France –
برونو دومون (فرنسا)
لا يتوقف المخرج الفرنسي برونو دومون عن العمل وتقديم تجارب
جديدة مختلفة في كل مرة، أحدثها هذه المحاولة لتقديم وجهة نظر في فرنسا
المعاصرة ممثلة في إعلامها ومشاهيرها المحركين للرأي العام، عبر حكاية تدور
في أروقة عالم التلفزيون وبرامج التوك شو.
النجمة ليا سيدو التي حرمتها الإصابة بسلالة دلتا من فيروس
كورونا من حضور دورة استثنائية شاركت فيها في بطولة أربعة أفلام منهم ثلاثة
في المسابقة تلعب هنا أهم أدوارها خلال الدورة. فرانس دو مور الصحفية
ومذيعة البرامج الحوارية اليومية التي اختار لها برونو دمون أن تحمل اسم
الدولة، بما يترتب على ذلك منطقيًا من أن كل مرة يتم فيها ذكر اسم البطلة
يحدث ارتباط فوري بين ما يقال وبين البلاد.
اختيار مباشر؟ بالطبع هو كذلك، والفيلم كله يلعب في هذه
المساحة، مساحة تقديم رؤية تحمل الكثير من السخرية اللاذعة لعالم الإعلام
المعاصر، فإذا كان فيلم "الرسالة الفرنسية" للمخرج ويس أندرسون يقدم تحية
للصحافة على الطريقة الكلاسيكية الباحثة عن القصة الأصيلة، ففي "فرانس"
يوجه دومون أصابع الاتهام للصحافة الحالية التي لم تزد أحدًا إلا تعاسة،
وعلى رأسهم البطلة نفسها.
فرانس محبوبة الشعب الفرنسي، تمتلك من النجاح والشعبية ما
يجعلها في المشهد الأول تلقي سؤالًا عنيفًا على الرئيس ماكرون لينشغل هو
بالرد بينما تمزح هي ضاحكة مع مساعدتها، في مشهد تم استخدام اللقطات
الأرشيفية للرئيس لتركيبه وجعله قابلًا للتصديق (واحدة من الممارسات التي
نحسد الغرب دومًا على إمكانية تنفيذها بأريحية كموقف طريف يؤسس لشخصية
الفيلم الرئيسية دون أن تثير أي حساسيات أو تتسبب في أي مشاكل).
تعيش المذيعة حياة مثالية مع زوجها الروائي وابنها الوحيد،
وتقدم كل ليلة حواراتها الساخنة الممزوجة بتقارير تعدها من أرض الواقع في
مناطق الحروب تلقي فيها أسئلة عاطفية ساذجة مؤيدة لفرنسا على ضيوفها، فتلقى
المزيد من النجاحات والشعبية. حتى يأتي يوم وتصدم فيه فرانس شخصًا فقيرًا
بسيارتها، ليهرع الجميع لنشر الخبر والتنكيل بها، فتكتشف لحظتها أنها
تعيسة، وأن حياتها بحاجة للتغيير.
إلا أن "فرانس" ليس فيلمًا عن مذيعة تعيسة رغم نجاحها وإن
كانت سيدو تظهر في كافة مشاهد الفيلم تقريبًا، ولكن جوهر الفيلم يكمن في
طريقة تقديم دومون لتطورات حياة فرانس، وكثير منها نظريًا مؤثر وعاطفي
وصالح لتحريك دراما قوية وتعاطف مع الشخصية، لكن دومون يختار تقديم كل شيء
على طريقة تغطية البرامج التلفزيونية للأحداث: رصد يتظاهر بالتعاطف فيبدو
مفتعلًا، ونبرة تتراوح طيلة الوقت بين الجدية والسخرية، كأن صاحبها يتظاهر
بالاهتمام لكنه يخفي داخله ضحكة ساخرة، تمامًا كما تفعل فرانس وفريقها طول
الوقت.
لكن التحدي هو إمكانية متابعة فيلم يفوق زمنه الساعتين لا
يتعاطف مع بطلته ولا يحاول الدخول ولو خطوة واحدة داخل نفسيتها، مكتفيًا
بمعاملتها على الطريقة التي يعامل بها الإعلام موضوعاته. الأمر الذي يبدو
فكرة براقة أجاد المخرج الكبير تحقيقها، لكن نتيجتها كانت صعوبة التوقف عن
مشاهدة الفيلم من الخارج والانغماس فيه في أي لحظة، الأمر الذي يتحول مع
الوقت عبئًا يزيد من الشعور بطول الفيلم المبالغ فيه، ويترك انطباعًا
نهائيًا غير مرضي رغم تفهم كافة أبعاد التجربة.
علّي صوتك
Casablanca Beats –
نبيل عيّوش (المغرب)
معرفة أفلام المخرج السابقة قبل مشاهدة أي فيلم هي دائمًا
أداة جيدة لفهم أعمق للتجربة، وربط بين العمل الجديد وبين الأسلوب الذي
يمتد من فيلم لآخر، حتى لو أراد المخرج أن يغير من نفسه. لكن في حالة
المخرج المغربي نبيل عيّوش فإن معرفتنا – وحبنا – لأعماله السابقة قد سبب
بعض الشعور بالظلم أن يكون هذا الفيلم هو أول مشاركة له في مسابقة كان
الرسمية، فقد كانت أفلام مثل "علي زاوا" و"يا خيل الله" أجدر بهذه المكانة
الخاصة، لولا أن صاحبها احتاج أن يبنى اسمه وشهرته الدولية أولًا قبل أن
تفتح مسابقة كان له ذراعيها.
"علّي
صوتك" تجربة خاصة، تبدو في مجملها غير متماشية مع النسق العام للمسابقة،
فيها يعيد عيوّش خلق تفاصيل حقيقية وقعت له عندما أسس منشأة ثقافية في حيّ
"سيدي مؤمن" الفقير في الدار البيضاء، مع الاستعانة بأنس البسبوسي، مغني
الراب المعتزل الذي تحوّل معلمًا يدرب شباب المنطقة على الراب، ويشرح لهم
أهميته كموقف ناقد من الحياة ومساحة يفتش من خلالها الفنان عن حريته.
البسبوسي يظهر بشخصيته الحقيقية، كذلك كافة الشباب والبنات
الذين يدرسون معه ويتدربون على الغناء، مشكلين مجموعة متجانسة رغم تنافرها،
يتمتع أصحابها بكاريزما واضحة، وطاقة متفجرة تتماشى مع أعمارهم ومواهبهم،
لترصد الكاميرا نقاشاتهم ومصادماتهم أحيانًا، وتمر على الموضوعات التي
يمرون بها: الحجاب وملابس الفتيات، المد الديني وتحريم الفن (حي سيدي مؤمن
عُرف لفترة بتفريخ الإرهابيين وناقش عيّوش الأمر من قبل في "يا خيل الله")،
وغيرها من الحوارات التي لا تختلف كثيرًا في شكلها أو مضمونها عن عشرات
النقاشات التي نقرأها يوميًا على مواقع التواصل الاجتماعي.
الشباب مفعم بالطاقة، والأغنيات التي يقدمونها ممتعة فعلًا،
وعلاقتهم المتنامية مع معلمهم تستحق الإعجاب، إلا أن شيئًا ما يظل منقوصًا
في هذا الفيلم؛ ربما لأن المخرج تعامل مع المادة المتاحة فصرنا لا نشاهد
اللحظات الحقيقية المؤثرة في حياة الشخصيات ونكتفي بمشاهدة ما يترتب عليها،
أو ربما لأن سطحية الجدالات وتكرارها تخلق مسافة بين الفيلم وبين المشاهد
العالم بطبيعة المنطقة العربية، أو ربما للتعمد الواضح في غياب النقد
السياسي، وكأن وضع المنطقة وأزمات هؤلاء الشباب منفصل تمامًا عن الوضع
السياسي للبلاد.
لا نقول بالطبع أن على الفيلم أو أي فيلم أن يكون مسيسًا،
لكن الخطبة الرنانة التي يلقيها البسبوسي على طلابه بأن الراب أسلوب للحياة
والحرية والرفض، لا يتماشى تمامًا مع تجاهل الملف برمته.
تبقى هنا الإشارة لتشابهات أسلوبية كبيرة نجدها بين "علّي
صوتك" وأفلام مثل "ميكروفون" لأحمد عبد الله السيد في التناول
الدوكيو-درامي لفنون الهامش (مع حضور أبرز للنقد السياسي في فيلم عبد
الله)، ومثل "السيد باخمان وفصله
Mr. Bachmann and His Class"
لماريا سبيث في تخصيص جانب من الفيلم في رصد العلاقة بين معلم ملهم وطلابه.
نذكر هذه التشابهات على محمل إيجابي وليس سلبي، ففي النهاية لكل فيلم ومكان
خصوصيته، ولكن للتأكيد على أن حتى التجربة الفيلمية التي أقدم عليها عيّوش
لا يمكن اعتبارها فريدة بما يبرر وضع الفيلم ضمن أكبر مسابقة سينمائية في
العالم.
نيترام
Nitram –
جوستن كورزيل (أستراليا)
من أبرز التحديات التي قد تواجه أي صانع أفلام هي سرد حكاية
يعرف الجميع مسارها. فلا يحتاج الإنسان أن يكون أستراليًا ليذكر مذبحة بورت
أرثر التي وقعت عام 1996، عندما قام شاب غير متزن بفتح النيران على
المتواجدين في موقع بورت آرثر الأثري بجزيرة تاسمانيا، ليقتل 35 شخصًا
ويصيب 23 آخرين. الحادثة التي ينتهي بها فيلم "نيترام" للمخرج جوسين كورزيل.
الفيلم يتعمد ألا يذكر اسم بطله، مكتفيًا بالإشارة للقب
"نيترام" الذي اعتاد زملائه في المدرسة مناداته به من باب السخرية (فهو
مقلوب حروف اسمه الأصلي مارتن)، في إشارة واضحة لكوننا نتحدث عن شخص هو
نقيض البطل كليًا، شخص احتاج ارتكاب المذبحة الأبشع في تاريخ أستراليا
الحديث كي ينتبه العالم لوجوده على قيد الحياة!
يبدأ الفيلم بلقطات أرشيفية للقاتل الحقيقي في طفولته نهاية
السبعينيات، عندما كان بين أطفال أصيبوا بسبب الألعاب النارية، وعندما
يسأله المحاور عما إذا كان سيتوقف عن اللعب بهذه الأشياء الخطيرة، يجيب
بتلقائية وابتسامة ودون تردد أنه لن يتوقف عن استخدام الألعاب النارية.
الشريط الحقيقي لا يرسم فقط قوس أول يُغلق في نهاية الفيلم بارتكاب المذبحة
باستخدام لعبة نارية أخرى أكثر خطورة، وإنما يمثل التمهيد الأول لشخصية
نيترام، والذي نراه في المشهد التالي شابًا بالغًا يمارس نفس الألعاب رغم
شكاوى الجيران ومحاولة الوالدين إيقافه.
أداء مذهل يقدمه كاليب لاندري جونز في دور هذا الشاب
الملفوظ اجتماعيًا، افتقاره للمهارات الأساسية للتواصل وعنفه الواضح جعلا
منه حملًا على كل من حوله، وأولهم الأب والأم اللذان يرصد الفيلم في خلفيته
معاناتهما في محاولة التعايش مع وضع أصبحا بمرور السنين متأكدين من استحالة
إصلاحه.
وبينما تشعر ببعض الشفقة تجاه الشاب العاجز عن فعل أي شيء
صحيح، والذي يجعل رفضه وتجنبه من قبل الآخرين أمرًا طبيعيًا، فإن جوستين
كورزيل يتفادى الإفراط في هذا الشعور؛ فلا أحد يرغب في أن يقع في حب قاتل
أو يتفهم دوافعه، لكن الفيلم يقدم دراسة حالة، مسلطًا من خلالها الكثير من
الأصابع الاتهام نحو تجاهل العلاج النفسي والتعامل السليم مع شخص غير متزن،
وبالطبع قوانين بيع السلاح في أستراليا، والتي رغم تعديلها فور وقوع
الحادث، إلا أن تترات الختام تشير لأن المواطنين الأستراليين يملكون الآن
أسلحة أكثر مما كانوا يمتلكونه في 1996!
الفصل الثالث من الفيلم، والذي يشهد فيه نيترام تحولًا
جسديًا يتماشى مع بلوغه ذروة الجنون وصولًا لتنفيذ جريمته، قد يكون الأداء
التمثيلي الأبرز في كافة أفلام المسابقة. الأمر الذي يجعلنا نتوقع (أو ربما
نتمنى) أن تذهب جائزة التمثيل إليه.
بلا راحة
The Restless –
خواكيم لافوس (بلجيكا)
من المفترض أن يكون الأب في حياة الابن معادلًا لفكرة
الأمان والحماية والدعم، فما الذي يحدث عندما يصير العكس هو الصحيح فيغدو
الأب مصدرًا للخطر والإزعاج والإحراج؟ وماذا لو كان الأمر خارجًا عن
إرادته، يتم رغمًا عنه ولا يملك أحد إلا محاولة السيطرة عليه وجعل اليوم
يمر بسلام؟
الأسئلة السابقة يطرحها فيلم المخرج البلجيكي خواكيم لافوس،
والذي يشارك في مسابقة كان الدولية للمرة الأولى بفيلم تم تصويره في فرنسا
بممثلين فرنسيين وحكاية صالحة لأن تدور في أي مكان بالعالم. حكاية بطلها
الحقيقي هو المرض النفسي الذي يتفاقم لدى الرسام داميان (داميان بونار)
فيحول حياة زوجته ليلى (ليلى بختي) وابنه أمين (جابريل ميرز شاماه) جحيمًا
دائمًا.
وبالرغم من أن ملف الفيلم الصحفي وملخصه في كاتالوج
المهرجان يشير لأن الأب مصاب بالاضطراب ثنائي القطب
bipolar disorder،
فإن الكلمة لا يرد ذكرها في الفيلم إلا في الدقائق الأخيرة خلال مواجهة
تنفجر بين الزوجين تعبر فيه ليلى عن سخطها من تحول حياتها إلى سلسلة من
محاولات حماية الابن من خطر أبيه والتصرف كأم للاثنين معًا. فالأهم من
تسمية المرض هو الفكرة العامة لغياب الأمان مع البشر الذين يفترض أن يكونوا
مصدره.
الفيلم يجيد رسم تصاعد حالة داميان من فرط حركة واضح
لتصرفات غير عقلانية كأن يترك ابنه على متن قارب في وسط بحيرة ويطلب منه
العودة بالقارب وحده بينما سيسبح هو نحو الشاطئ، إلى حدود من المعاناة التي
يعيشها ومن حوله بعدما يفقد السيطرة كليًا على تصرفاته، بصورة يمكن أن
تذكرنا بتطورات أفلام الإدمان التي انتشرت في العالم وفي مصر خلال القرن
الماضي، مع الكثير من النضج في تناول الحالة ورصد ردود أفعال من حولها
بطبيعة الحال.
قد لا يكون أداء بطلي الفيلم كلًا على حدة هو الأفضل بين
أدوار المسابقة الرئيسية، لكن وجودهما معًا يخلق هارمونية مدهشة حتى في
أقصى لحظات الخلاف (هارمونية افتقدها شون بين مع ابنته الحقيقية مثلًا في
فيلمه "يوم العلم"). إحساس مسيطر بحاجة كل منهما للآخر حتى في اللحظات التي
كان يجب فيها منطقيًا أن تقرر ليلى الانسحاب وترك زوجها ليواجه مصيره وحده.
يمكن أن يكون نوع الحكاية تلفزيونيًا بعض الشيء في ظل سيادة
المشاهد الداخلية والمواجهات الحوارية، لكن اختيار وقوع الأحداث في زمن
الجائحة (هو فيلم المسابقة الوحيدة بالمناسبة الذي يدور في العام الأخير أو
يضع الكوفيد في اعتباره) يمنح الأمر بعدًا أعمق بكون الانعزال مع أب وزوج
غير متزن صار أمرًا حتميًا لا فكاك منه بسبب قواعد الغلق الصحي. كذلك كون
البطل رسامًا يستفيد من حالته النفسية في خلق لوحات أفضل أمر يضفي المزيد
من الأبعاد للحكاية.
ومثل كل الأفلام الجيدة التي تنتمي لهذا النوع، يتركك "بلا
راحة" بمزيج من الشفقة على أبطاله والذعر من أن عدم تعرضك أو أي شخص تحبه
لمتاعب مماثلة هو فقط مجرد حسن حظ قدري لا يمكن ضمان استمراره. |