**
انتشار كورونا ودخول سلالته الجديدة فرنسا وانقسام الأوساط
السياسية وضغوط المعارضة لفرض إغلاق عام تهدد بعدم إقامة المهرجان في يوليو
للعام الثاني على التوالي، يوجّه فيروس كورونا ضرباته
لمهرجان "كان" السينمائي الدولي، الأكبر والأهم في العالم سنويا، فبعد
إلغاء دورة العام الماضي لأول مرة في التاريخ، اضطر مسئولو المهرجان – "في
ضوء تطوّر الوضع الصحي في العالم" – لتأجيل دورة هذا العام من الربيع إلى
الصيف، وقال بيان رسمي إن "المهرجان الذي كان من المقرر أن يقام من 11 إلى
22 مايو 2021 سيقام من 6 إلى 17 يوليو المقبل".
ورغم ذلك، لا يضمن مسئولو المهرجان إقامة الدورة المقبلة،
التي تحمل الرقم 74، في الموعد الجديد المقترح، ليس فقط في ضوء انتشار
الفيروس ودخول سلالته الجديدة فرنسا بعد بريطانيا، ولكن أيضا على خلفية
انقسام الأوساط السياسية الفرنسية حول سبل التعامل مع الوباء، والضغوط التي
تمارسها المعارضة الفرنسية لفرض إغلاق عام شامل في عموم البلاد، مما يهدد
الحدث السينمائي العالمي الكبير بثاني إلغاء في تاريخه، فلم يتعرض للإلغاء
قبل 2020، وحدث فقط عام 1968 أنه اُختتم قبل خمسة أيام من موعده الأصلي
بسسبب مظاهرات الطلبة وقتها، حيث كان من المفترض أن يمتد من 10 إلى 24 مايو
وتم إنهاؤه يوم 19 مايو.
وكانت الحكومة الفرنسية قد أصدرت، الجمعة 29 يناير الماضي،
عدة قرارات لمواجهة الموجة الثالثة من تفشي الجائحة، منها غلق جميع المراكز
التجارية ومراكز التسوق، ما عدا محلات الأغذية. وأعلنت أن الشرطة ستتعامل
مع المخالفين لقرارات حظر التجول المفروض منذ عدة أسابيع من السادسة مساء
إلى السادسة صباحا. وأكد رئيس الوزراء الفرنسي، جان كاستكس، أنه تم اكتشاف
سلالة فيروس كورونا الجديدة، التي ظهرت لأول مرة في بريطانيا وجنوب
أفريقيا. ووصف الأمر بأنه يشكل خطرا حقيقيا على فرنسا، وإن كانت حكومته لا
تزال تحاول تجنب "إغلاق عام ثالث" على مستوى البلاد.
ومن الإجراءات أيضا، إغلاق الحدود الفرنسية، اعتبارا من 31
يناير الماضي، أمام الرحلات الآتية من الدول غير الأعضاء في الاتحاد
الأوروبي. أما الزوار من دول الاتحاد الأوروبي فعليهم إظهار اختبار سلبي
يؤكد عدم الإصابة بالفيروس. والمعروف أن المطاعم والحانات والمتاحف
ومنتجعات التزلج مغلقة بالفعل منذ أكتوبر الماضي، لكن المدارس ومتاجر السلع
الغذائية لا تزال مفتوحة بقيود على الأعداد المسموح بدخولها.
ويتعرض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لضغوط لفرض الإغلاق
الوطني الثالث، الذي صرح كبير المستشارين العلميين للحكومة، جان فرانسوا
دلفريسي، بأنه بات ضروريا، وأن الفشل في فرضه سيجعل من مارس شهرا صعبا
للغاية، حيث انتشرت السلالة الأكثر عدوى، التي تم اكتشافها لأول مرة في
بريطانيا، بشكل كبير في فرنسا.
وزادت ضغوط المعارضة الفرنسية التي انتقدت الإجراءات
الوقائية الجديدة التي أعلن عنها كاستكس، وقالت إنها "جاءت متأخرة". وأشارت
بعض الأحزاب إلى أن الحكومة فضلت حماية الاقتصاد على حساب صحة الفرنسيين.
وهاجمت مارين لوبان، زعيمة حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، في تغريدة
على حسابها على تويتر، تراجع معهد "باستور" عن إنتاج لقاح ضد الفيروس
قائلة: "كل الدول الأعضاء في مجلس الأمن تمكنت من تطوير لقاح لمجابهة
كوفيد-19 إلا فرنسا". أما النائب في الجمعية الوطنية، إريك سيوتي المنتمي
إلى حزب "الجمهوريين" المعارض، فقال: "استغرق أمر غلق الحدود الجوية
الفرنسية سنة كاملة. كم ضيعنا من الوقت!".
اليسار الفرنسي انتقد أيضا قرارات كاستكس. وقال أوليفييه
فور، الأمين العام للحزب الاشتراكي: "التقرير الذي قُدم لرؤساء الأحزاب
يُظهر أن هناك مخاوف من أن يصل عدد الإصابات بحلول أبريل المقبل إلى 250
ألف حالة يوميا".
وإذا تم إلغاء مهرجان "كان" مرة ثانية، ستتلقى السوق
السينمائية العالمية ضربة موجعة لن تستطيع التخلص من آلامها بسهولة.. فهو
ليس مجرد مهرجان سينمائي مثل غيره، بل أهم حدث سنوي لإطلاق الأعمال الجديدة
لكبار السينمائيين حول العالم، والترويج والتسويق لها وتسليط الضوء عليها،
خاصة إذا فازت بجوائز ولو فرعية من هذا المهرجان الأشهر والأكبر، مما ينعكس
فورا على فرص تسويقها وتوزيعها وبيعها بأعلى الأسعار وأفضل الشروط.
وفي محاولة للقيام بالحد الأدنى من هذا الدور، أُقيمت سوق
"كان" الشهيرة للفيلم رقميا على الإنترنت خلال الفترة من 22 إلى 26 يونيو
الماضي برئاسة جيروم بايار، المدير التنفيذي للسوق، وبتعاون ومشاركة العديد
من الخبراء حول العالم، واستهدفت محاكاة السوق الحقيقية التي تُقام سنويا
كجزء رئيسي من مهرجان "كان"، حيث أتاحت لقاءات مباشرة – عن طريق تطبيقات
التواصل الاجتماعي الإلكترونية بالطبع – بين صناع الأفلام والموزعين ورجال
الصناعة الدوليين لتسهيل عمليات بيع وشراء الأفلام وعرضها للمهتمين بها
وبمخرجيها.. كما أتاحت "أجنحة إلكترونية" أو افتراضية للمؤسسات والشركات
عرضت فيها منتجاتها من الأفلام بمختلف أنواعها واتجاهاتها كما يحدث في
السوق الحقيقية كل عام.
كما عاد "كان" إلى مقره الشهير في قصر المهرجانات بالمدينة
الفرنسية الجنوبية لإقامة "حدث مصغر" خلال الفترة من 27 إلى 29 أكتوبر
الماضي. وشهد "الميني مهرجان"، خلال هذه الأيام الثلاثة، عرض أجزاء من
البرنامج الرسمي لدورة 2020 الملغاة على الجمهور العام بمسرح "لوميير"
الشهير بقصر المهرجانات، حيث تم عرض مقتطفات من أربعة أفلام روائية طويلة
من الاختيار الرسمي، وجميع أفلام مسابقة الأفلام القصيرة، وجميع أفلام
مسابقة الطلبة. وتم اختيار لجنة تحكيم لمنح جوائز المسابقتين، حيث فاز
الفيلم المصري "ستاشر" بالسعفة الذهبية لأفضل فيلم قصير. |