“ستاشر”
يحصد ذهبية “كان”.. جيل جديد يبني الأمل
هبة الله يوسف
“جنود
السينما المقاتلة” توصيف ينطبق بدقة على صناع فيلم «ستاشر» أول فيلم مصري
يحصد جائزة السعفة الذهبية من مهرجان «كان» أحد أهم المهرجانات السينمائيه
و أقدمها، فعلي الرغم من المعاناة المريرة التي تواجه هذا اللون من السينما
(الروائية القصيرة) إلا أن صناعة نجحوا في تحقيق أكبر وأهم إنجاز عالمي
للسينما المصرية.
فمن
بين 3810 فيلم تقدمت بهم 137 دولة تتنافس علي جوائز مسابقة الأفلام
القصيرة لمهرجان «كان» في دورته التي حملت رقم 73، نجح الفيلم المصري
I am afraid to forget your face
أو «أخشي أن أنسي وجهك» وفقا لعنوانه باللغة الإنجليزية للمخرج سامح علاء،
في التفوق علي أحد عشر فيلما وصلت معه للتصفيات النهائية في تلك المسابقة
التي شهدت عرضا محدودا بسبب جائحة كورونا.
وعلى الرغم من أهمية هذه الجائزة إلا أنها ليست الأولي التي
حصدها الفيلم، فلقد سبق و فاز بجائزة أفضل فيلم قصير من مهرجان موسكو
الدولي في دورته الأخيرة (42)، و مؤخرا نال جائزة نجمة الجونة لأفضل فيلم
عربي قصير من مهرجان الجونة السينمائي، إضافة لمشاركات عديده في مهرجانات
دولية هامة من بينها «سان سبستيان» في أسبانيا و «نامور» للفيلم البلجيكي
وغيرها.
سينما لا تكذب ولا تتجمل
الفيلم والذي تدور أحداثه في 15 دقيقة لا يعد انتصارا كبيرا
للسينما المصرية فحسب، ولكنه انتصار لجيل جديد من السينمائين الشباب لا
يبحثون عن «إفيه» يداعب الغرائز و يحلل ثمن التذكره، أو «قبلة» ضلت طريقها
من مقص الرقيب، ولكنهم يؤمنون بأن السينما عالم من السحر تتلاشى فيه
المسافة بين الشاشة ومقاعد المشاهدين، «رحلة حكي» مهمومه برصد الواقع
وتأمله واكتشاف الذات وكل ما علق بالروح من هزائم وانكسارات، أحلام
وطموحات، سينما أكثر نضجا لا تنتصر فقط للتقنيات ولكنها تنبض بالمشاعر
والأحاسيس، السرد فيها محكم ومفعم بالتفاصيل، باختصار سينما لا تمتلك إلا
أن تنتمي لها و بحميمية.
المؤكد أن «ستاشر» إشراقه أمل وسط مشهد سينمائي مرتبك فشلت
خلاله كيانات إنتاجية كبرى ليس فقط في تحقيق إنجاز مماثل، ولكن على أقل
تقدير في طرح أعمال تحترم عقل ووجدان المشاهد وتحتفظ بمكانتها في ذاكرة
السينما، فصناعه شباب حالم بغد أفضل وتمكنوا بالإيمان والاجتهاد والدأب
والسعي من تحويل الحلم لواقع ملموس بالرغم من كل التحديات التي تعيق صناعة
الفيلم الروائي القصير وفي مقدمتها «الإنتاج»، لذا كان علي مخرجه سامح علاء
البحث عن جهة إنتاج تؤمن بأهمية السينما ودورها على حد توصيفه، ومن ثم جاء
تعاونه مع كل من محمد تيمور، مارك لطفي، و بمشاركة أحمد زيات والفرنسي
مارتن جيروم والذين نجحوا في توفير مصادر لتمويل الفيلم من بينها الدعم
المقدم من مؤسسة الدوحة للأفلام.
أما عن الفيلم فتدور أحداثه حول رحلة مراهق لا يتجاوز عمره
ستة عشر عاما يبحث عن حبيبته بعد أكثر من 80 يوما من الغياب، تلك الرحلة
التي نكتشف من خلالها الكثير من المسكوت عنه اجتماعيا وقبل أن يصل للموقف
الفصل في حياته، وقد لعب بطولة الفيلم سيف الدين حميدة ونورهان عبد العزيز
في إطلالتهما السينمائية الأولى.
قف على ناصية الحلم وقاتل
الطريف
أن معظم صناع الفيلم لم يدرسوا الفن والسينما بالأخص دراسه أكاديميه
باستثناء بطل الفيلم سيف الطالب بالمعهد العالي للفنون المسرحية بأكاديمية
الفنون المصرية، (بعد 3 سنوات من دراسة علوم الكمبيوتر قبل أن يتمكن من
تحقيق حلمه بدراسة التمثيل).
سيف أعرب عن سعادته بهذه المشاركة والتي حتما ستضعه في بؤره
المشهد الفني كما يأمل، أما عن كيفية اختياره للبطولة فيؤكد أنها تحققت بعد
لقاء جمعه بمخرج الفيلم لم يتجاوز 10 دقائق من خلال أحد مكاتب «الكاستنج«.
أما مخرج الفيلم سامح علاء فقد بدأ في دراسة السينما بعدما
انتهى من دراسته للأدب الألماني حيث سافر إلى مدرسة السينما
famu
في براغ بجمهورية التشيك لدراسة الإخراج، بعدها انتقل إلى باريس ونجح في
الحصول على درجة الماجستير من
EICAR Film
فيما المنتج مارك لطفي ومحمد تيمور ومطور سيناريو الفيلم
محمد فوزي جميعهم هجروا عالم الهندسة للسينما، حيث أسس الأول شركة
«ستوديوهات فيج لايف» بمسقط رأسه بالإسكندرية قبل خمسة عشر عاما، والتي
لعبت دورا في إطلاق الكثير من التجارب السينمائية الناجحة والتي حلقت بعيدا
عن «التجاريه» ومعظمها عرض في مسابقات رسمية بمهرجانات مصريه وعالميه، وإلى
جانب «ستاشر» الذي اقتنص السعفة الذهبية اختير له أيضا فيلم «سعاد» للمخرجة
أيتن أمين في المسابقه الرسمية للفيلم الطويل وبنفس الدورة.
بكلمات قليله عبر مارك عن سعادته بهذا الإنجاز والذي لم
يفقد الأمل يوما في تحقيقه منذ داعبه شيطان الفن، وبالرغم من هذا لا زال في
حالة عدم إدراك بأن الحلم تجاوز المستحيل للممكن وبدلا من عمل واحد شارك
بعملين في أحد أهم المهرجانات السينمائية؛ ما يعد انجازا كبيرا للسينما
المصرية لم تفلح في الاقتراب منه كيانات إنتاجية كبرى
.
السينما عمل جماعي كما يؤكد محمد فوزي مطور السيناريو،
مؤكدا أن حالة التوافق الفكري والصداقة التي جمعت معظم صناع الفيلم ألقت
بظلالها على هذه التجربة، والتي بدأ العمل فيها قبل عامين، مشيرا لأن
المقصود بتطوير السيناريو هو الوصول به لأفضل نسخة تترجم رؤية مؤلفه والذي
هو نفسه مخرجه، تحديدا كل ما يتعلق بتطور الشخصيات والمواقف وتتابع المشاهد
وتنقيح الحوار، مؤكدا أنه لولا الصداقة التي جمعته بالمخرج سامح علاء والتي
امتدت لما يقرب من عشر سنوات لما نجحا في الوصول لهذه الحالة من التوافق
والتناغم.
فيلم «ستاشر» تكلف ما يقرب من 200 ألف جنيه وفقا لما أكده
محمود تمور المنتج الفني للفيلم، مؤكدا أن رحلة البحث عن تمويل للفيلم كانت
هي المرحلة الأصعب نظرا لمحدودية الجهات التي تمنح الدعم للأفلام القصيرة،
وعدم حماس الجهات الرسمية لإنتاج هذا المصنف الفني، فيما تصوير الفيلم لم
يتجاوز بضعة أيام.
مرة أخري فيلم «ستاشر» بمثابة طاقة نور فهل سيسهم في تحريك
المياه الراكدة ويفتح الباب الموصود أمام أحلام أجيال من المبدعين لا
يزالون يقفون على ناصية الحلم ويقاتلون كما يقول شاعرنا محمود درويش “بتصرف”.. |