ملفات خاصة

 
 
 

رحيل موجع لأسطورة لن تتكرر:

سمير غانم.. كل هذا الحزن من أجلك وحدك

كتب هبة محمد على

عن رحيل الفنان

سمير غانم

   
 
 
 
 
 
 

يقولون إنّ كبرَ العمر والمرض الذى يسبق الوفاة عاملان ممهدان للرحيل، يساهمان بشكل أو بآخر فى تخفيف ألم الأحبّة، وتحجيم قسوة الفراق، لكن تلك الجملة تبدو كأسطورة سخيفة لا تحمل أى نوع من الصدق مع رحيل أى مبدع بالغ التأثير، فأى إشارة تصدر من هذا المبدع فى أيامه الأخيرة لتعلن عن اقتراب النهاية يتلقفها محبوه بمزيد من التشبث بالأمل فى البقاء، فرحيله يعنى لهم رحيل جزء من تاريخهم الشخصى وذكرياتهم التى ارتبطت بتاريخ هذا المبدع وإنجازه، وفى حالة النجم الخالد «سميرغانم» فاق الحزن أى وصف، وشَعر كل فرد منا بأن مصابًا جللاً قد حدث داخل بيته، وتحولت مواقع التواصل الاجتماعى على اختلاف روادها إلى سرادُق عزاء كبير، يواسى فيه المحبون بعضهم بعضًا بحزن صادق، لم يتكرر كثيرًا منذ نشأة تلك المواقع.. والسطور التالية ما هى إلا محاولة لفهم اللغز.. لماذا حَزن المصريون على «سمير غانم» كما لم يحزنوا من قبل؟

النهاية الدرامية

جزءٌ كبيرٌ من الارتباط الذى يشعر به الجمهور تجاه كوميديانات الزمن الجميل حتى الآن يرتبط بنهاياتهم المأساوية، تلك المفارقة الكبيرة بين الضحك الذى تسببه أعمالهم، والأسَى الذى تخلفه أخبارُ رحيلهم تخلق نوعًا من التعاطف يزيد من مَحبتهم داخل القلوب بلا شَك، فلا يمكن أن يضحك أحدهم على مَشهد قدّمه «إسماعيل يس» قبل عشرات السنوات، إلا ويتذكر ما تناقلته الأخبار عن أيامه الأخيرة حينما أدار له الزمان ظهره، وانحسرت الأضواء عنه، وتراكمت الديون عليه، حتى قتله اليأس، ولا يمكن أن يردد أى شخص إيفّيه من إفيهات «عبدالفتاح القصرى» الشهيرة إلا ويقفز فى ذهنه قسوة سنواته الأخيرة، حينما أصيب بالعمَى وفقدان الذاكرة، وتلقى الطعنات الغادرة من أقرب الناس إليه حتى رحل وحيدًا، يعانى الفقر والغدر.. والحقيقة أن قائمة الفنانين أصحاب النهايات المأساوية تطول، وفى حالة الفنان الراحل «سمير غانم» شعر الجميع بقسوة تقلب الزمن وغدره، فالراحل حتى أيامه الأخيرة كان يعمل، وفى الموسم الرمضانى الماضى شارك ابنته «إيمى» فى إحدى الحملات الإعلانية، كما شاركت زوجته القديرة «دلال عبدالعزيز» فى مسلسل (ملوك الجدعنة) لتقدم دور «عطية» فتأسِر القلوب بخفة روحها وجمال طلتها المعهودة، كما كان من المنتظر أن يعرض مسلسل (عالم موازى) من بطولة ابنته «دنيا» ليعدل كفة الكوميديا المائلة هذا الموسم، لكن كل هذا تبدد بين يوم وليلة، وتحولت نظرات الإعجاب بتلك الأسرة السعيدة إلى نظرات ترقب وخوف من المجهول، وتعجب من قسوة الزمن وتبدّل الأيام، فسرعان ما أعلن خبر إصابة الفنانة «دلال عبدالعزيز» وابنتها بالفيروس اللعين، مما أدى إلى خروج المسلسل من السباق، ومن ثم الإعلان عن تدهور حالتها الصحية، ثم دخول النجم الراحل إلى المستشفى، وصراعه مع المرض، ثم رحيله دون وداع من شريكة عمره وحبيبته، التى أخفَى عنها المُحبون الخبرَ الحزين خوفًا على صحتها.. كل هذه الأحداث المتلاحقة أضفت دراما من نوع خاص على مشهد الرحيل.

 العطاء المستمر

على مدار ستة عقود عمل خلالها فى الفن عاش «سميرغانم» ليُمتع المصريين دون توقّف، وما يتعجب منه البعض أن «سمير غانم» كانت له تجربة مسرحية العام الماضى لم تستمر طويلاً بعنوان (الزهر لمّا يلعب)؛ حيث بدأ عرض المسرحية فى نهاية يناير 2020، وتوقفت سريعًا بسبب انتشار فيروس كورونا، وإذا كان العمل المسرحى يحتاج إلى مجهود كبير؛ فإنه فى حالة «سَمُّورَة» يحتاج إلى مجهود مضاعف، فهو مَلك التفاصيل على خشبة المسرح، ومن يقرأ شيئًا عن كواليس مسرحياته الناجحة يجد أنه كان شريكًا أساسيّا فى كل عناصر المسرحية، يضيف من خبرته فى السيناريو والإخراج والاكسسوارات والملابس، ولعل هذا العطاء الإبداعى الذى لم ينقطع كان سببًا فى أن يشعر البعض بصدمة عندما أُعلن عمره الحقيقى مقرونًا بخبر الوفاة، فالرجل أمام الكاميرا ينسى أنه قد تجاوز الثمانين، ويتحول سريعًا إلى شاب فى العشرينيات من عمره.

التجدد ومواكبة العصر

أفُول نجم أى فنان سببه الجُمود وعدم مجاراة العصر، وكثير من الفنانين الذين انحسرت عنهم الأضواء وتوقفوا عن العمل فى سنواتهم الأخيرة حدث لهم ذلك لأنهم لم يعوا تلك الحقيقة، لكن «سمير غانم» كان يعيها جيدًا، لذلك تعامل مع غالبية النجوم الشباب دون تنظير، أو استخفاف بموهبتهم أو بما يقدمونه، ودون فرض حواجز بمنطق الأستاذية وفَرق الخبرات، لذا تجده قد منح فرصًا من ذهب للعديد من الوجوه على مدار مشواره الفنى الطويل، وفى السنوات الأخيرة، عندما تغيرت معادلة الكوميديا فى مصر، التقط ذلك بذكائه وفطرته، فتعامل مع غالبية شباب «مسرح مصر» فى أعماله الأخيرة، وغيرهم من الوجوه الجديدة، بالإضافة إلى أنه لم يتوانَ يومًا فى لقاءاته المتعددة أن يمتدح الناجح منهم.. هذا التواصل الدائم كان سببًا فى بقائه حاضرًا وبقوة فى ذاكرة كل الأجيال حتى الأحدث منها.

 تحديد الهدف

فى بداية حياة «سمير غانم» الفنية، وعندما كان واحدًا من نجوم (ثلاثى أضواء المسرح) بمشاركة «چورچ سيدهم والضيف أحمد» كتب لهم الإذاعى المعروف «أحمد سعيد» مسرحية سياسية بعنوان (مطلوب ليمونة)، وكانت المسرحية بها جرأة فى انتقاد الوضع السياسى القائم آنذاك، فتدخلت الرقابة لمصادرتها سريعًا، وبعد تلك الواقعة بسنوات طويلة، قدّم «سمير» من تأليف «وحيد حامد» مسرحية ذات مغزى سياسى تحمل عنوان (جحا يحكم المدينة) حذفت الرقابة معظمها عندما عُرضت على شاشة التليفزيون، مما جعله يفكر طويلاً قبل تقديم تجربة مشابهة، وفى السينما قدم فيلمًا ميلودراميّا وحيدًا بعنوان (الرجل الذى عطس) من تأليف «لينين الرملى»، ورُغم روعة الدور ومغزاه؛ فإن الراحل صرّح بأنه لا يحب هذا الدور، ولا يشعر أنه يشبهه، ولعل هذا ما يميز «سمير» عن غيره من الفنانين، فهو لا يذهب إلا إلى ما يشبهه، لا يدّعى العمق، ولا يتظاهر الإلمام بأبعاد الأمور، وبالتالى لم يتساءل الناس عن موقفه من الثورات، ولم يشغلهم معرفة رأيه فى الأحداث السياسية العديدة التى مرت بها مصر، فقط هو يمتلك خلطة سحرية تسعد الناس فيقدمها لهم ليستمتعوا بها.

 النقاء وتصدير المَحبة

فى حياة «سمير غانم» لا مكان للغيرة، ولا خلافات تؤثر على المَحبة، لا مشاعر عدائية لأحد، وحتى الخلاف الذى حدث بينه وبين «چورچ سيدهم» بعد أن أفصح له عن رغبته فى الانفصال عن الفرقة، والاستقلال بنفسه سرعان ما تلاشَى بمرض الأخير الذى تسببت سرقة أخيه له فى مرضه، فانتصرت العِشرة والمَحبة فى النهاية، وظلت المودة هى التى تغلف حديث الطرفين عن بعضهما، ولا أحد ينسى أن «سمير» كان سببًا فى أن يلقى الجمهور على «چورچ» نظرة الوداع فى 2014 عندما أقنعه بالظهور فى إعلان إحدى شركات المشروبات الغازية بعد طول غياب، وهو الظهور الذى لم يتكرر إلى أن وافته المنية فى مارس 2020، أمّا «سمير» فقد ذكر فى ندوة تكريمه بمهرجان القاهرة السينمائى عام 2017 أن أكثر ما أسعده بهذا التكريم هو رسالة «چورچ سيدهم» له، التى قال له فيها: (حبيبى سمير.. تكريمك هو تكريمى لمشوار عشناه معًا، فعندما تتوّج لجائزة فاتن حمامة فهى تطوّق عُنقى).

 الحياة بلا صخب

أجمل ما فى أسرة «سمير غانم» أنها أسرة تشبه كل المصريين، تتبع القواعد ذاتها التى يتبعها البيت المصرى الذى من أولى مقوماته أن تظل مشاكله بداخله، لذلك كان من الصعب وعلى مدار 37 عامًا منذ زواج الثنائى أن يُنشر خبرًا عن خلاف نشب بينهما، أو مشكلة ألمّت بهما، وهو أمر توارثته «دنيا وإيمى» اللتان يتعامل معهما الجمهور باعتبار موهبتهما فقط، فلم يشعر الجمهور أن تواجدهما القوى على الساحة الفنية سببه الواسطة، أو أن والدهما قد استغل نفوذ نجوميته لفرضهما، كل هذا حقق قربًا من نوع خاص بينه وبين الجمهور، بالإضافة إلى القرب الذى تحقق نتيجة عدم انعزال الراحل عن الناس، لدرجة أنه صرّح من قبل أن إفّيهاته الخالدة معظمها مستقى من أناس شاهدهم بنفسه، وتعامل معهم عن قرب، واحتفظ بعباراتهم المميزة فى ذاكرته الإبداعية ليستخدمها وقت الحاجة، لذلك كان من الطبيعى أن يبادله الجمهور هذا القرب، ليشعر الناس أنه فرد منهم، عاش مثلهم، وتحدّث بلسانهم، وساهم فى إسعادهم، فمَلك قلوبهم.

 

####

 

الأستاذ.. مزيكا

كتب محمد شميس

بلا شَكّ يُعَد الفنانُ «سمير غانم» واحدًا من أهم الممثلين الكوميديين فى التاريخ الفنّى العربى، إن لم يكن أهمهم، ولكنه أيضًا يُعتبر من ضمن قلائل استطاعوا تقديم الأغانى بشكل أكثر من رائع، مع «إسماعيل يس»، و«عبد المنعم مدبولى» اللذين لديهما تجربة غنائية شديدة التميز.

البداية كانت من خلال فرقة «ثلاثى أضواء المسرح» مع «الضيف أحمد» و«چورچ سيدهم» فى بداية ستينيات القرن العشرين، وبمتابعة كل الأعمال الغنائية لهذه الفرقة مع الوضع فى الاعتبار الفترة الزمنية التى شهدت نشاطهم الفنّى، وبالمقارنة مع طريقة الغناء السائدة والمسيطرة على الساحة فى نفس التوقيت، سنجد أننا أمام فريق «متمرّد» بكل ما تحمله الكلمة من معنَى!

ورُغم أن الفريق لم يكن يقوم بكتابة كلماته وألحانه بنفسه كما هو الحال دائمًا مع أغلب الفرق الغنائية فى مختلف دول العالم؛ حيث كنا نرى أسماءً لامعة تعمل على صناعة أغانيهم مثل الموسيقار «محمد الموجى»، وموسيقار الأجيال «محمد عبدالوهاب»، بالإضافة إلى «چورچ» و«سمير» طبعًا، ولكن رُغم كل هذا التنوّع حافَظ الفريق على شخصية غنائية واحدة متميزة، وهذه المعادلة يصعب تحقيقها؛ لأن ما كانوا يقدّمونه من أغنيات يستحيل تقديمها بأصوات فنانين آخرين.

إذا كنا نتحدث عن بدايات ستينيات القرن العشرين فمن المؤكد أن السائد فى هذه الفترة هو الغناء العاطفى؛ بل إنه لا يزال مسيطرًا على الساحة الغنائية حتى الآن، والتمرّد الذى تحدّثنا عنه فى السطور السابقة، نستطيع أن نستدل عليه من خلال الموضوعات التى ناقشها «الثلاثى» فى أغنياته، مثل الغناء للأسماك مثلاً فى (جمبرى مشوى)، مع العلم أن الغناء للسّمَك واستخدام أنواعه فى الغَزَل أصبح «موضة» الآن فى الكثير من أغانى المهرجانات.

وكذلك أغانى النقد الاجتماعى التى ناقشها «الثلاثى» فى الكثير من أعماله، مثل «بص شوف مين» عن «المعاكسات»، وأغنية «لو كانوا سألونا» وهى بطبعية الحال متمرّدة على الكثير من الأوضاع مثل «الزيادة السكانية، وعمالة الأطفال فى أعمال غير مشروعة»، وبعيدًا عن مضمون الكلمات، فـ«الثلاثى» كان متأثرًا بشكل كبير بأغانى فريق الروك الشهير «The Beatles»، وهذا التأثر يظهر بوضوح فى أغنية (Can>t Buy Me Love) التى تمر تمصيرها من خلال «ثلاثى أضواء المسرح» فى «كيوبيد للبيع» الذى عُرض فى فيلم (شاطئ المرح)، وبمجرد سماعنا للأشكال الغنائية والتناوُل الموسيقى لتوزيعات الألحان للأغانى السائدة فى هذا التوقيت ومقارنتها بـ «كيوبيد للبيع» وشكل موسيقى الروك سندرك مدَى التمرد الذى كان يحمله هذا الثلاثى.

بعد وفاة «الضيف أحمد» واستمرار التعاون الثنائى بين «سمير غانم» و«چورچ  سيدهم»، سنجد أن «سمير» هو الذى استمر بمفرده فى تقديم الأغنيات، وهو ما يعطى لنا دلالة أنه هو العقل المدبّر لأغنيات «الثلاثى»؛ لأن المنهج نفسه استمر فى أغنياته التى قدّمها بشكل منفرد، فإذا كنا تَحدّثنا عن تمصير الأغانى الشهيرة، فالأمر نفسه تكرّر مع «سمير» فى أعمال كثيرة نذكر منها «مانا مانا»، وهى النسخة المصرية من «Mahna Mahna»؛ بل إن «سمير» كتب ولحّن أغنية كاملة بهوية موسيقية يونانية من حيث طريقة الغناء والألحان والتوزيع بالاستعانة بفرق «الحياة»، بكلمات ليس لها أى معنى مفهوم بشكل كوميدى، وهو ما يؤكد لنا ثقافته الموسيقية واطلاعه على الجديد فى كل بقاع العالم، وأنه ليس ممثلاً كوميديّا فقط، والدليل على ذلك فى استعراض «احنا احنا» الذى قدم فيه ميدلى أشهَر الأغانى العربية فى الفترة من نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، ولكن بهوية «سمير غانم» وبشخصيته هو، ولم نشعر بأنه يقلد أى مُغنٍ من المُغنين الأصليين أصحاب الأغانى الموجودة فى الميدلى.

 

####

 

عن العائلة التى خطفت القلوب وأذهلت العقول: «آل غانم».. الحب وحده يكفى

كتب آلاء شوقى

لطالما احتوى عالم الفن والسينما على فنانين وممثلين من أسرة واحدة، لكن نادرًا ما يكون هناك عائلة كاملة موهوبة بالفطرة، ترسم الابتسامة على وجوه المُشاهدين بشكل تلقائى، والأجمل هو تلك الضحكة التى تأتى من القلب، إن اجتمعوا فى كادر واحد. ببساطة نتحدث عن عائلة الفنان الراحل «سمير غانم»، الذين يُعتبرون من الفصيلة الفنية النادرة، التى تُشعر المُشاهد- فى الوقت ذاته- بأنه فرد من أسرتهم، نتيجة لتلقائيتهم وتواضعهم وخفة ظلهم.

وتُعتبر أسرة «آل غانم» من الأسَر الناجحة على المستوى الفنّى والأسَرى، إذ أظهروا طوال السنوات الماضية روح التماسُك والحب والإخلاص فيما بينهم، ناهيك عن كونهم دائمى الابتسام والمرح والانفتاح على الفن من أوسع أبوابه، لذلك  خيّم الحزن على المصريين بعد رحيل نجم الكوميديا «سمير غانم»، عن عمر ناهز 84 عامًا، بعد أن أصيب بفيروس كورونا.

يُعتبر الفنان الراحل «سمير غانم» أحد أبرز العلامات الفنية الكوميدية فى السينما المصرية، فقد ميّز نفسَه بلون خاص من الكوميديا الكلامية والحركية، كما التزم فى مسرحياته بفلسفة خاصة به فى الضحك وإطلاق النكات.

ولكن، خلف الكاميرات كان «سمير» رب أسرة فريدًا من نوعه، فطوال سنوات حياته، لم تتوقف زوجته وابنتاه عن ذكر اسمه فى أى حديث، سواء كان رسميّا أو غير رسمى، فكان الغائب الحاضر بين نسائه، اللاتى أظهرن كيف كان لهم الأب، والأخ، والصديق، والحبيب، كيف كان كل الحياة بالنسبة إليهن، وهو ما ظهر بوضوح فى ملامح ابنتيه، وعيونهما التى حكت الكثير أثناء تشييع جنازته، وإقرارهن بعدم إبلاغ زوجته بأن رفيقها قد رحل.

التقى «سمير» برفيقة عمره «دلال عبدالعزيز»، بعد أن رشّحها «چورچ سيدهم» للمشاركة فى مسرحية (أهلاً يا دكتور)، وقد شَعر- حينها- بإعجاب من جانبها، فصار الـ(جينتل مان) الذى يحرص على توصيلها من وإلى المسرح، وجلب زهور الفُل لها يوميّا عقب انتهاء العرض، وغير ذلك من علامات الاهتمام، أدت إلى إصرارها على الزواج منه، رُغم فارق العمر الكبير بينهما.

وبالفعل، تزوج النجمان فى عام 1984، ليأخذ كل طرف بيد الآخر، من أجل استكمال طريق النجاح. فقد أثرت «دلال» ذات الابتسامة والوجه البشوش فى الجمهور سريعًا؛ خصوصًا مع مرور السنوات، إذ صار المُشاهد يشعر عند رؤيتها على الشاشات الكبيرة، أو الصغيرة أنها أخته أو أمّه لحميميتها والطيبة الظاهرة على ملامحها

واستمر الزوجان- لسنوات- يتحدثان عن بعضهما باحترام شديد، إذ دائمًا ما قالت «دلال» أن «سمير» هو مُلهمها، بينما وصف الأخير زوجته- مرّات- بأنها أساس كل شىء، وإنصافًا لهذه العائلة، لم تتمكن منهم شائعات الانفصال، أو أحاديث (مشاكل العائلة)، كالتى سمعها كثيرون عن بعض أسَر الفنانين الآخرين.

على كلّ، أثمر زواج «سمير غانم»، و«دلال عبدالعزيز» ابنتين موهوبتين «دنيا، وإيمى» اللتين ورثتا جينات الفن والإبداع، وقبل أى شىء التواضع والتلقائية والسَّير على درب النجاح، إذ دخلت الفتاتان الوسط الفنّى اعتمادًا على موهبتهما، دون مساعدة والديهما، مثل بعض قرنائهما.

فوجد الجمهور أن «دنيا» تملك صوتًا جميلًا كمُغنية، وليست مجرد مؤدية، كما فوجئ المشاهدون أيضًا ببراعتها فى التقليد، وتقمص شخصيات متنوعة، عبر إتقانها للهجات عديدة، وطريقة كلام وإلقاء مختلفة، بداية من تجسيدها الطبقة الفقيرة إلى الطبقة الغنية، والفتاة الشعبية، إلى الأرستقراطية. ولم تتوقف عند هذا الحد؛ بل توجت براعتها بمسلسلات تليفزيونية كوميدية، حققت من خلالها نجاحًا كبيرًا خلال السنوات القليلة الماضية.

أمّا «إيمى» فلم تكن بدايتها مرتبطة بسماتها الشكلية، كما وجدها الجمهور فى أدوار بنت البلد بصورة أكبر، ولكنها أبرزت خفة ظل، وحركات مرحة، ورثتها عن أبيها، مما لفت أنظار المنتجين والمخرجين إليها؛ لتصنع مجدها الخاص، وتبدأ مرحلة البطولة فى المسلسلات والأفلام؛ لتخلق لونها الخاص من الكوميديا مثلما فعل أبوها الراحل من قبل.

وخلال رحلة هذه الأسرة الفنية الطويلة، استعان «سمير غانم» بأفراد أسرته فى بعض أعماله الفنية، كما استعانوا هم به أيضًا؛ ليستمدوا منه الدعم والإلهام. وفى هذا الإطار يمكن الانتباه لما قامت به «دنيا» تحديدًا، بإصرارها على ظهور «سمير» فى مسلسلاتها فى دور الأب، وكأنها ترفض أن يتم استبداله، حتى وإن كان على مستوى التمثيل.

فنجد فى سلسلة مسلسلات (الكبير أوى)، التى بدأت عام 2010، من بطولة «أحمد مكى»، و«دنيا»، أن الفنان الراحل «سمير غانم» قد قام بدور والد «هديّة - دنيا»، كما ظهرت الفنانة «دلال عبدالعزيز» فى بعض أجزاء السلسلة كضيفة شرف.

وأيضًا مسلسل (لهفة)، الذى عُرض عام 2015، وتدور أحداثه حول فتاة تطمح طوال حياتها بالعمل فى مجال التمثيل، ولا تريد أن تتحول فى النهاية إلى مجرد كومبارس مثل والدها، وقد لعبت «دنيا» دور «لهفة»، فيما كان «سمير» يلعب دور والدها «الحلوانى»، كما ظهرت أيضًا «إيمى»، و«دلال» كضيفتَى شرف فى المسلسل.

والأمر نفسه لمسلسل (بدل الحدوتة 3)، الذى عُرض فى رمضان 2019؛ حيث يدور حول ثلاث شخصيات بقصص مختلفة، إذ لعب فيها «سمير غانم» دور الأب، فى حين شاركت «دلال عبدالعزيز» كضيفة شرف بدور الأم.

أمّا مسلسل (نيللى وشريهان)، الذى عُرض فى رمضان 2016؛ فرُغم عدم تجسيد النجم الراحل لدور الأب؛ فإنه قام بدور الجد، بشخصية «جدو ميكى»، فيما جسّدت «دنيا» دور فتاة ثرية تدعى «نيللى»، وجسّدت شقيقتها «إيمى» شخصية فتاة فقيرة تدعى «شريهان»، إلى جانب كونهما ابنتَى عم، كما شاركت «دلال عبدالعزيز» أيضًا كضيفة شرف بشخصية «بطة».

ومن جانبها، لم تنسَ «إيمى» أن تستعين أيضًا بوالديها، وإن لم يكن بنفس قدر أختها الكبرى.. ففى مسلسل (سوبر ميرو) الكوميدى، الذى عُرض فى رمضان 2019، قام «سمير غانم» بتجسيد دور الأب فى شخصية «زكى طفطف»، والد «أميرة»، أو «سوبر ميرو»، كما شاركت أيضًا الفنانة «دلال عبدالعزيز» كضيفة شرف؛ حيث لعبت دور «سوبر توحة»، والدة البطلة.

كما شارك والدها الراحل- قبلها بعام- فى بطولة مسلسلها الكوميدى  (عزمى وأشجان)، الذى عُرض عام 2018.

يُذكر أن هذه الأسرة اجتمعت سويّا لأول مرّة فى عمل واحد فى عام 2005، ولكن ليس بصورتهم؛ بل بأصواتهم فقط فى مسلسل رسوم متحركة، عُرف باسم (عيلة أستاذ أمين)، الذى يدور حول رب أسرة يواجه مشكلات يومية اقتصادية ومعيشية مع عائلته، ويحاول طيلة الوقت التغلب على هذه المشكلات.

لقد أثبتت أسرة «آل غانم» كم كانوا متحابين، مترابطين، ومتماسكين، سواء أمام الكاميرا أو خلفها، وقد تميزوا بالإبداع كأسرة فنية، مثلما تميزوا بالسمعة الطيبة كأسرة مصرية

رحل «سمير غانم» عن عالمنا بعد مشوار من العطاء الفنّى الجميل، لكنه باقٍ بأعماله، وباقٍ فى روح وصورة ابنتيه.. فحقّا أثبت النجم الراحل حقيقة ما يقال فى المَثل الشعبى، إن: «اللى خلّف مامتش».

 

مجلة روز اليوسف في

30.05.2021

 
 
 
 
 

«كورونا» تلتهم كبار نجوم الفن

كتب – خيرى الكمار

عام كامل مر على رحيل الفنانة رجاء الجداوي والذي تعاطف معها معظم الشعب العربي بعد إصابتها فى آخر أيام تصوير مسلسلها «لعبة النسيان» الذي عرض فى رمضان 2020، وأعتبر الكثيرون أن هذه الإصابة جرس إنذار لكل الفنانيين وبالتحديد الشباب بضرورة عدم التسرع فى قبول أعمال لعدم تأمين البلاتوهات والفوضى الكبيرة التي تسببت فى إصابات بالجملة نتيجة الزحام والإختلاط.

«الزعيم» توقع المعاناة

قبل إصابة الفنانة رجاء الجداوي بفيروس «كورونا» فجر عيد الفطر 2020، تحدثت إليها لأسالها عن ذكرياتها مع «الزعيم» عادل إمام بمناسبة عيد ميلاده، وتحدثت معي وذكرت أنه كان سببا فى نجوميتها ودائم التحفيز لها، وشكلت معه ثنائي مختلف فى العديد من الأعمال، وهو من أزال الخوف بداخلها عندما وقفت على خشبة المسرح، ويكفيها «إفيه»: «يا شماتة أبلة زازة فيا»، ثم قالت لي: «أنا دائمة التواصل مع (الزعيم)، ومنذ أيام كلمته وقال لي (خلي بالك من نفسك فى التصوير أول ما تخلصي تصوير منتظرك)»، وأنتهت من التصوير ونشرت الصور بصحبة أبطال العمل وبعدها بساعات دخلت المستشفى إلى أن فارقت الحياة.

المثير أن «الزعيم» أبتعد تماما عن الساحة الفنية ورفض الظهور أو الإختلاط، وهو ما فعلته رغدة أيضا، وعندما كنت أتحدث إليها هاتفيا قبل شهور قالت لي: «أعيش خارج القاهرة فى مكان مفتوح ولن أعود نهائيا إلا بعد القضاء على الفيروس، وأرفض المشاركة فى أي عمل تمثيلي لإنني أريد أن أبتعد عن أي نسبة تقربني من الإصابة به».

ميرفت أمين 

لم يستوعب معظم النجوم الكبار الدرس، وبعدها بشهور توجدوا فى مهرجان «الجونة»، وبعضهم صور في مسلسلات خارج رمضان، والآخر تعاقد على إعلانات ومسلسلات رمضانية، ووجدنا أسماء تصاب تباعا، أولها هادي الجيار، الذي أصيب أثناء تصوير مشاهده فى مسلسل «الاختيار 2»، ورحل، وأيضا يوسف شعبان الذي رحل متأثرا بإصابته بفيروس «كورونا»، ولم يكمل مشاهده فى مسلسل «ملوك الجدعنة». والراحل القدير سمير غانم الذي غادر عالمنا متأثرا بفيروس كورونا أيضا. 

في تلك الأثناء كنت على موعد مع الفنانة الكبيرة ميرفت أمين للحديث معها عن أحدث أفلامها «أعز الولد»، عندما شاهدتها وجدت معها طبيبة وقامت بتعقيم المكان - رغم تعقيمه مسبقا - وتضع «ماسك» كامل على وجهها، ومن ضمن حديثنا كانت نقطة مهمة عن إمكانية تواجدها، حيث قالت: «عرض علي التواجد، لكن لا يمكن في زمن (كورونا) أن أتواجد لأي سبب، حتى فيلم (أعز الولد) أنتهيت من تصويره قبل (كورونا)، ويكفي أن رجاء الجداوي الله يرحمها كانت (كورونا) سببا في وفاتها، وطبعا هي ودلال أعز أصدقائي»، ورغم نصائح ميرفت، إلا أن دلال عبد العزيز قررت التواجد في رمضان، وسافرت لبنان رغم المخاطرة لتصور مشاهدها في مسلسل «ملوك الجدعنة»، ثم عادت لتصور مع أبنتها دنيا مشاهدها في مسلسل «عالم موازي»، الذي خرج من السباق بعد إصابة  الرباعي إيمي ودنيا ودلال وسمير، والأخير لم يبتعد هذا العام، حيث تواجد في إعلان تليفزيوني، قبل أن يغادر عالمنا، حيث أصبحت حالته أكثر تدهورا مع الوقت، ودلال لم تتعافى بشكل نهائي من «كورونا». 

الأزمة الكبرى 

يبقى السؤال الذي احتار فيه الكثيرون، عن سبب إصابة العديد من النجوم من مختلف الأعمار أثناء التصوير رغم توفير المنتجين كافة الإجراءات الإحترازية، وهذا حقيقي، والسبب واضح جدا، أن الإلتزام يكون في أيام التصوير الأولى فقط، بعد ذلك ضغط التصوير والرغبة في إنجاز عدد الساعات - لأن كل المسلسلات دخلت التصوير متأخرة - يجعل معظم الإجراءات الإحترازية «هشة»، وتغيب أي سيطرة، وكما نقول «يكون الشغل بالبركة»، فمثلا مسلسل «عالم موازي» توقف تصويره لإصابة 6 من صناعه، وتدهورت حالتهم، مما جعل استكمال التصوير أمر مستحيل، أضف إلى ذلك أن الكثير من الأخبار خرجت عن تصوير نجوم شباب مشاهدهم الأخيرة وهم مصابين بالفيروس، وهنا تكمن الكارثة، أن الأعراض قد لا تظهر، أو تكون مؤثرة على الشباب، لكن إذا تواجد نجم كبير ونقلت له العدوى لن يفلت منها بسهولة، وهذا ما زاد من عدد الوفيات، لذلك يجب على نجومنا أن يبتعدوا عن الساحة إلى أن تستقر الأمور.. لأن حياتهم فى خطر.

 

بوابة أخبار اليوم المصرية في

01.06.2021

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004