ملفات خاصة

 
 

أفلام من «مالمو» للسينما العربية

تحفة لبنانية وصراع حول من على حق في فيلم تونسي

بالم سبرينغز: محمد رُضا

مالمو للسينما العربية

الدورة الحادية عشرة

   
 
 
 
 
 
 

تبوّأ مهرجان «مالمو» في السويد مكانته منذ مطلع سنواته. أُسس سنة 2011، وعرف سعي رئيسه الفلسطيني محمد قبلاوي لكي يضعه في الصف الأمامي بين المهرجانات العربية المُقامة في أوروبا في تلك السنوات القريبة الفائتة.

كانت الفرصة مُتاحة؛ فمهرجان «باريس للسينما العربية» تعثّر، ومهرجان «روتردام للسينما العربية» توقّف، ثم جاء توقُّف مهرجان «دبي» الذي كان بمثابة بيت للسينما العربية، كتمهيد لنجاح آخر ولو أن قبلاوي كان قد أكد نجاح مساعيه حتى قبل توقف المهرجان الإماراتي.

الآن، وفي مناسبة المهرجان الحادية عشرة، وعلى الرغم من أنّ العروض تُبثّ على الإنترنت لا في رحاب صالات السينما، فإنّ المهرجان يواصل عمله ورسالته، وهذه المواصلة تدعم خيارات السينما العربية التي دوماً ما تبحث عن شاشات تعرض عليها إنتاجاتها. «مالمو» ليس فقط مهرجاناً عربياً، بل مهرجان عربي في مدينة أوروبية رئيسية.

فيلم بيتي

كأي مهرجان آخر، من الطبيعي حدوث ذلك التفاوت بين الأعمال المعروضة. وكالعادة أيضاً، لا يملك الناقد سوى الإيمان بأنّ إدارة المهرجان اختارت أفضل ما عُرض عليها. رغم ذلك، هذا الإيمان المبدئي يتعرّض للشك في كل مرّة يُشاهد فيها الناقد فيلماً من مستوى مناقض لأفلام أخرى (كثيرة) تتميّز بدرجات من الجودة والأهمية.

هذا يحدث، في الواقع، مع كل المهرجانات فيبقى السؤال حول ما إذا كان المُنتخب من الأفلام المعروضة في هذا المهرجان أو ذاك هو -بالفعل- أفضل ما كان متوفّراً.

«جزائرهم» و«نحن من هناك» هما نقطتان في صلب ما نتحدّث فيه هنا. الأول فيلم فرنسي (يمثّل الجزائر التي كثيراً ما تغيب عن دورات المهرجان) من تحقيق ليندا سويلم، والثاني لبناني من تحقيق وسام طانيوس. يشتركان في عنصر آخر هو أنّ كليهما عمل تسجيلي وأنّهما يتناولان موضوعاً عائلياً.

وتقدّم في صفحة السينما ليوم الجمعة الماضي، «نحن من هناك» يتمحور حول المخرج السوري الذي كان قد لجأ إلى لبنان ثمّ فكّر في تحقيق فيلم عن شقيقين من أقربائه يحلمان بالهجرة إلى أوروبا. يتابع استعداداتهما ويوجّه الكاميرا إليهما لتلقي أسئلة عليهما بعضها مؤذٍ في بساطة فحواه. حين يسأل أحدهما: «لماذا تريد الهجرة؟»، هل هناك من جواب عميق لا يمكن لأحد من المشاهدين تخمينه وسط حرب رعناء تدور في سوريا حيث يعيشون؟

لا يخرج الفيلم بمفادات غير منظورة طوال مدّة عرضه لا قبل مغادرة قريبَي المخرج سوريا ولا بعدها. أحياناً تكتشف فيه لمحة مثيرة للاهتمام (مثل قرار الشقيقين حال وصولهما إلى ألمانيا العيش متباعدين)، ولكن...

«جزائرهم» يوازيه في كل ذلك لكن بحرفة أفضل. السر ليس في التقاط الكاميرا لوجه المتحدّث إليها بل فيما لدى المتحدّث قوله وما لدى المخرج عرضه.

تقابل ليندا سويلم، المولودة في فرنسا، جدتها وجدّها وأباها وتستعين في مطلع الفيلم بأفلام بيتاكام صوّرت سنة 1992 قبل أن تدلف إلى رسم ملامح حياة عادية تربط العائلة، تتحوّل سريعاً، إلى ملامح غير أليفة. فبعد نحو 60 سنة على زواج والدَي والدها (الذي تمّ في الجزائر قبل نزوحهما إلى بلدة تقع في منطقة تتوسط فرنسا) قررا الانفصال. تشكو الجدة من أنّها اكتفت من العمل «كل يوم أنظف البيت وأطبخ وأغسل الصحون».

الوضع غريب، لكنه ليس بالغرابة الكافية لكي تنصرف المخرجة لتحويل مسألة عائلية إلى فيلم. مرّة أخرى، ما قد يبدو مهمّاً لصانع فيلم من هذا النوع قد لا يكون مهمّاً على الإطلاق لسواه، هذا إلا إذا أُمسك جيداً بقضية تدفع المشاهد إلى تقدير هذا الكشف الخاص. والقضية هنا تبقى أقل قدرة على تحريك أكثر من اهتمام مرحلي يمتد لساعة و12 دقيقة. ربما لتسخين الموضوع اختير عنوان يبدو كاتهام («جزائرهم») ومنح مشاهد في النصف الثاني من الفيلم لكي يتحدّث فيه الجد والجدة عن الجزائر كما عرفاها قبل نزوحهما، ولاحقاً، حديث الجد عن الموضوع ذاته مع أصحابه.

لكن لا شيء ثميناً ينبثق من هذا العمل على الرّغم من أنّه أفضل حرفة من «نحن من هناك».

«ولا قرش»

من حُسن الحظ أن هناك فيلمين لبنانيين آخرين «يرفعان الرأس»؛ أحدهما يرفع الرأس كثيراً بالفعل. عنوانه «قلتلّك خلص» لإيلي خليفة، الآخر «تحت السماوات والأرض» لروي عريضة.

«قلتلك خلص» هو المفاجأة الأفضل ليس بين هذين الفيلمين فقط، بل على صعيد أفلام الدورة كلها. فيلم «غير شكل» لجمهور «غير شكل»، بمعنى أنّ غالب الجمهور السائد قد يكتفي بالإعجاب المتدرّج بين المقبول والجيد، لكن من يبحث في الأفلام عن سمات الإبداع سيجد في هذا الفيلم مجالاً رحباً لم تعمد إليه من قبل سوى حفنة من الأعمال اللبنانية.

إنه عن إيلي خليفة ذاته. هو المخرج وهو البطل وباسمه. رجل بشعر رمادي منكوش وعينين حائرتين ووجه لا يحمل تعابير تواكب كلماته ومشاعره. هو شبيه بالممثل الأميركي جون تورتورو وحركات جاك تأتي في حيرته وملامح بستر كيتون التي يدور تحت جمودها كل ما يتفاعل داخلها صمتاً.

على المرء هنا معرفة شيء عن ماضي المخرج الذي هو ماضٍ مختصر: قبل 11 سنة قدّم فيلمه الروائي الأول «يانوسك» (عرضه مهرجان دبي) وبعد ذلك غاب. الفيلم الجديد عن بعض فترات هذا الغياب. يتحدّث فيه المخرج عن سيناريو ما زال يكتبه منذ سنوات. يغيّر فيه. يتّخذه عذراً لعدم تواصله مع الحياة ومع المرأة التي يحب. ما زال نحيف العود وعندما تغادره صديقته في مشهد يكشف من البداية عمّا يشغل باله (يقود سيارته معها في طريق جبلي ثم يتوقف فجأة تاركاً إياها في السيارة منشغلاً برؤية الطبيعة) يبقى وحيداً... ليس وحيداً تماماً، فما نراه على الشاشة هي الشخصيات النسائية التي كتبها في السيناريو الذي يحاول إنجازه بالكامل. والنساء في نصّه جميلات وحادات ومتذمّرات من أنّه لا يفهمهن أو يمنح بعضهن مشاهد غير لائقة.

حين يقابل إيلي داخل الفيلم على المنتج (جورج كعدي) داخل دكان حلاقة ليسأله رأيه في السيناريو الذي سبق وأرسله إليه يبادره ذاك بالنقد: «إنت أفضل واحد يكتب سيناريوهات غير مُرضية». متسائلاً عن السبب في أن شخصياته النسائية لا تتكلم. يرد إيلي بأنّ المنتج في نسخة سابقة شكا من كثرة الحوار. يتقدم إيلي من أذن المنتج ويهمس له، فيصيح ذاك رافضاً: «ولا قرش».

مشهد كوميدي آخر يقع عندما يعرض أستاذ مدرسة على التلاميذ فيلماً من إخراج إيلي خليفة. الأستاذ كله تقدير وابتسامات ومودّة لكنّه يقدّم المخرج الواقف إلى جانبه على أنه «إيلي خلّوف» ولا يعتذر حين يصحح له خليفة بل يهز برأسه. غنيٌّ عن القول إن الأستاذ خطف من المخرج فرصة الإجابة عن الأسئلة التي طُرحت من تلميذ أو اثنين.

بعد ذلك إلى نموذج ثالث: رجل (بزنس مان) يطلب إيلي خليفة لمشروع عمل ويخبره بأنّه يريد التوسّع في أعماله. على إيلي (الذي ينظر إليه صامتاً) تدبير مجموعة من الشابات الطامحات للعمل. يريد فيلماً نسائياً و«تستطيع أنت الإشراف خلال التصوير... بس من بعيد».

كل هذا وسواه ويد إيلي خبيرة في التقاط نَفَس مدينة من السيارات والمباني في زحمة الحياة الهادرة مقابل طبيعة لا يلتفت إليها إلا القلة أمام الكاميرا أو خلفها. فيلم خليفة توازيه أفلام غربية عديدة عن تجارب مخرجين مع أفلامهم، لكن معالجة إيلي خليفة الممتعة والممعنة معاً تجعله في مصافّ بعضها الأفضل.

صدام من طرف واحد

«تحت السماوات والأرض» (الذي سبق وفاز بجائزة سعد الدين وهبة في دورة مهرجان القاهرة الأخيرة)، هو تمويل فرنسي مع مشاركة «الصندوق العربي للثقافة والفنون». متقن في تنفيذه وجديد في حكايته بالمقارنة مع معظم ما نراه من أفلام لبنانية: روي عريضة يوفّر لمشاهديه دراما تشويقية عن مجموعة من الغطّاسين تحت قيادة محترف اسمه «ألان» (يؤديه ألان نجم) يريد أن يتجاوز عمق المائة متر تحت سطح الماء إلى الـ300 متر مع ما يحفّ ذلك من مخاطر جمّة.

لماذا؟ يسألونه فيجيب بأنّه يريد الغوص لذاته. يخبره أميركي أنّه لا يفهم هذه الرغبة خصوصاً أن «ألان» لا يريد لا دخول «غينيس» ولا تحويل المهمّة التي يقوم بها إلى مناسبة رابحة تجارياً تؤمّنها إعلانات تجارية. هناك كذلك المرأة في حياته (الفرنسية نتالي جابيو) التي تؤمن بقدراته وطموحاته، لكنّها تريد أن تأخذه معها إلى فرنسا. لا يرى في هذا العرض أي مستقبل له ويفضّل البقاء.

بعد غطس «ألان» لنحو 150 متراً، على أن يقْدم على الغوص الأعمق بعد أيام، يبدأ الشك يراوده فيما إذا كان يريد فعلاً تعريض حياته للخطر. لم يعد يشعر بالثقة (خصوصاً بعد وفاة أحد أفراد طاقمه) وفي النهاية يقلع عن المهمّة التي كان على وشك إتمامها.

يجد روي عريضة حكاية متينة كانت ستنتج فيلماً محدوداً تحت يد مخرجين أقل طموحاً وإدراكاً. واضح أنّ المخرج درس السينما في معهد غربي وتعلّم منه كيف يؤمّ العمل بتخطيط سليم ودراية شاملة وتنفيذ شبه متقن طوال الوقت. ليست مهام سهلة خصوصاً أنّه يُكمل هذه العناصر بسحب الفيلم خارج المعالجة اللبنانية في جمالياتها من ناحية ولغتها التعبيرية من ناحية أخرى إلى فرنسية لا يخونها إلا تمثيل ولهجة لبنانيّان.

من تونس فيلم جيد بحدود. عنوانه باللهجة التونسية «الهربة» وبالفرنسية «تسرّب» وبالإنجليزية «المأزق»‪. اختر ما تريد فليس منها ما يبدو متّصلاً بأهم مفادات الفيلم وهو المواجهة.

الفيلم من إخراج غازي زغباني مكتوب كما لو كان مسرحية: شخصان في غرفة وثالثهما الكاميرا وحوار دائم ضمن وضع مثير في نصّه ومواقفه. سلفي هارب من الشرطة (غازي زغباني) يلجأ إلى بيت مومس. عند هذا الحد هناك ما يفتح عيني المُشاهد وذهنه على وضع يطفو فوق التناقضات. السلفيّ لا ينظر إلى المرأة وهو يرجوها قبول لجوئه إلى غرفتها وهي لا ترفض له الطلب. سنُمضي ساعة ونصف في سجال بينهما حول كل منهما وعمله ودوره وحياته.

تخون الكتابة الفيلم خصوصاً بعد أن أغوت المرأة الرجل (بدأ الإغواء بتفّاحة حمراء) والفيلم يتبدّى كترتيب ذهني لوجهة نظر المومس (نادية بوستة) وصاحب النص (حسن ميلي). كلاهما يمسك بزمام النقاش الدائر. هناك منطقان متضادان، هي والمؤلّف يملكان المنطق الأقوى. في المقابل لا يملك السلفي أي منطق بالفعل. هو على خطأ والمرأة التي يأوي إليها مستعيذاً بالله طوال الوقت ستمنحه النظرة المختلفة للحياة، أو «ستلده» كما قالت له في أواخر دقائق الفيلم.

كان من الأفضل للفيلم منح السلفي منطقه الذي يدافع عنه تمهيداً لتحوّله، ما دامت هذه هي الرغبة. كان ذلك سيزوّد الفيلم بشحنة أعلى من النقاش عوض أن يبقى السلفي قابعاً في صندوق قناعاته الضعيفة طوال الوقت.

 

الشرق الأوسط في

12.04.2021

 
 
 
 
 

مهرجان مالمو السينمائي يعالج مشكلات المرأة العربية في فيلم واحد

لمى طيارة

خمسة أفلام تعرض في مهرجان مالمو للسينما العربية تستند في فكرتها إلى تقارير صادرة عن الأمم المتحدة حول قضايا العنف المسلّط على المرأة في المنطقة العربية.

تتعرّض المرأة في الوطن العربي للكثير من العنف جسديا كان أو لفظيا أو نفسيا لكنها غالبا ما تتقاعس عن الدفاع عن حقوقها لأسباب كثيرة قد يرتبط بعضها بشعورها بلامبالاة المجتمع والعائلة والقانون. من هنا تُبدي بعض الهيئات العربية والمنظمات الدولية رغبتها في تقديم أفلام عن واقع المرأة العربية بهدف إلقاء الضوء على تلك المعاناة من خلال تقديم نماذج تمثل المجتمع وتعبّر عنه.

 مالمو (السويد)تواظب مكاتب الأمم المتحدة على تقديم تقارير وإحصائيات حول واقع المرأة في الوطن العربي مركّزة على ما تتعرّض له من عنف، ولكن تلك التقارير التي غالبا ما تبقى حبيسة المكاتب والنشرات الصحافية والمواقع الإلكترونية والهيئات والعاملين فيها والمختصين بشؤونها، باتت اليوم تشكل نقطة انطلاق لتقديم أعمال درامية تلفزيونية وسينمائية تستوحي منها حبكاتها.

ويأتي فيلم “أفلامُهنّ” الذي يعرض في مهرجان مالمو للسينما العربية ضمن عروض “الليالي العربية” إلى جانب فيلمين آخرين الأول روائي طويل بعنوان “قلت لك خلص” من لبنان، والثاني فيلم سعودي بعنوان “أربعون عاما وليلة”، كواحد من تلك الأفلام الروائية الهامة التي تسلّط الضوء على قضايا المرأة.

"أفلامهنّ" روائي طويل يجمع خمسة أفلام روائية قصيرة من خمسة بلدان عربية، تتطرّق إلى قضايا المساواة بين الجنسين

خمسة أفلام وخمس رؤى

أفلامهنّ” البالغ من الزمن 100 دقيقة هو فيلم روائي طويل يجمع بداخله خمسة أفلام روائية قصيرة آتية من خمسة بلدان عربية، تحديدا من مصر والمغرب وتونس والأردن ولبنان، وكان قد أنتج في العام 2020 في إطار الدورة الأولى من البرنامج الإقليمي لمنظمة اليونسكو، (تنمية قطاع أفلام تستجيب لقضايا النوع الاجتماعي في منطقة المغرب والمشرق/ميد فيلم) بتمويل وشراكة مع الاتحاد الأوروبي، ويعتبر هذا البرنامج جزءا من برنامج تطوير القدرات “فيلم أنطولوجيا: المرأة في منطقة المغرب والمشرق”.

وكانت الأفلام الخمسة التي استندت في فكرتها على تقارير صادرة عن الأمم المتحدة حول قضايا العنف المسلّط على المرأة في المنطقة العربية قد قامت بإخراجها وكتابتها خمس مخرجات لتقديم قصص حول شابات وسيدات وطفلات، هنّ ديانا ولطيفة وهدى وأميرة وكاميليا، قادمات من أجيال وعواصم عربية مختلفة، لكنهن يشتركن في كونهن يواجهن بشكل عام إما عنفا اجتماعيا أو أسريا أو جسديا أو حتى حصرهن بصورة نمطية.

وكانت قد أشرفت على عملية إنتاج تلك الأفلام بدءا من الكتابة وانتهاءً بالعرض الهيئة الملكية الأردنية للأفلام مع المخرج الأردني محمود مساد والمنتجة الأردنية عزة حوراني.

الفيلم الأول بعنوان “ديانا” وهو فيلم أردني من كتابة وإخراج ميسون خالد ومن إنتاج جني زين الدين، ولعبت دور البطولة فيه الفنانة الشابة ركين سعد إلى جانب صهيب نشوان ومحمد غسان وكرم غصاب، ويستند في فكرته الأساسية إلى التقرير الصادر عن الأمم المتحدة في العام 2017 حول جرائم الشرف، والذي يشير إلى أن واحدة من كل اثنتين من الجرائم المرتكبة بحق النساء كانت على يد أحد أفراد أسرهنّ.

ويسرد الفيلم قصة ديانا، وهي شابة من أسرة ريفية فقيرة تعمل مع والدها في الحقل، ولديها أحلام جد متواضعة قد لا تتجاوز على سبيل المثال رغبتها في الخروج من القرية إلى العاصمة لزيارة المولات التجارية، لكن مصيرها سيكون الموت، فقط لأنها تجرّأت وأحبّت شابا كان بإمكانه ربما تحقيق البعض من أحلامها. والعمل يؤكّد على فكرة حماية القانون لما يطلق عليه جرائم الشرف التي تودي بحياة مئات الشابات دون أي ذنب حقيقي في الواقع.

أما الفيلم الثاني فهو قادم من تونس بعنوان “كارفور السعادة” من تأليف وإخراج آمنة النجار ومونتاج صابر القبلاوي، بينما تلعب دور البطولة فيه خديجة بكوش ومهذب الرميلي، وهو فيلم يقتبس فكرته أيضا من نتائج إحدى الدراسات التي تؤكّد على أن 30 في المئة من النساء المتزوجات تعرّضن لشكل معين من أشكال العنف الجسدي أو الجنسي على يد شركائهنّ.

وتدور أحداثه حول زوجة شابة تعاني من عنف الزوج، وكل طموحها في هذه الحياة أن تنجب طفلا أو أن تتبناه، لكنها تفشل فشلا ذريعا في إقناع زوجها العنيف والضعيف في الوقت ذاته، فتحاول أن تستبدل حياتها الحقيقية بحياة مزيّفة أو بالأحرى مقنّعة.

ويأتي فيلم “شكوى” من لبنان ليطرح موضوعا مميزا وصعبا، ألا وهو الاغتصاب الزوجي؛ فهدى السيدة الشابة التي تعلب دورها فانيسيا مغمس تتعرّض يوميا للاغتصاب من قبل زوجها، وحين تلجأ إلى الشرطة تكتشف أنها أصبحت بدورها مذنبة، فتفضل السجن على العودة إلى واقعها المرير. وسبق أن حصلت بطلته على جائزة أفضل ممثلة من مهرجان هوليوود السينمائي الدولي للتنوّع.

والفيلم من كتابة وإخراج فرح شاعر ومن إنتاج لوسيان بورجيلي، وقام بدور البطولة إلى جانب مغمس كل من جان بول حاج وحسين حجازي، واعتمد في محوره الأساسي على تقرير صادر من الأمم المتحدة يؤكّد على أن 10 في المئة فقط من النساء اللاتي يتعرّضن للعنف يطلبن المساعدة.

قضايا المرأة الطفلة

أما ما يميّز هذه الأفلام فهو الحضور القوي لقضايا المرأة الطفلة، ومن تلك الأفلام يأتي فيلمان، الأول من مصر بعنوان “مائدة الرحمن”، وهو من كتابة وإخراج تغريد عبدالمقصود ومن إنتاج معتز عبدالوهاب، وبطولة الطفلة فريدة هاني التي تلعب دور أميرة إلى جانب مجموعة من الممثلين. وتدور قصته حول قضية عمالة الأطفال التي باتت منتشرة بشدة في الدول العربية وخاصة في مصر، والتي يقدّر تقرير للأمم المتحدة أن عددهم قارب 28 مليون طفل، أي ما نسبته 26 في المئة من إجمالي الأطفال، وهي نسبة تعتبر كبيرة وخطيرة في حال تم الاستهتار بها.

ويأتي فيلم “مائدة الرحمن” ليشرح تلك العمالة من خلال الطفلة هدى التي تعمل على التوك توك في أحد الأحياء الشعبية لتعيل نفسها وجدتها، والتي تتعرّض لمواجهة الشرطة ولمصادرة التوك توك مصدر رزقها. وهو فيلم جدير الوقوف عنده، ليس فقط بسبب موضوع العمالة الذي يطرحه واستغلال الأطفال في تلك السن المبكرة، وإنما لأن مسألة قيادة المركبات في تلك السن (أقل من عشر سنوات) تعتبر غريبة، وتشكّل خطرا مضاعفا على حياة تلك الطفلة وأمثالها وأمرا غير مشرّع قانونيا.

فيلم "كارفور السعادة" التونسي تدور أحداثه حول زوجة تعاني من عنف الزوج، وكل طموحها في الحياة أن تنجب طفلا أو أن تتبناه

أما الفيلم الثاني فهو بعنوان “لعبة”، وهو فيلم مغربي من كتابة وإخراج ريم مجدي وإنتاج نبيل مروش، وقام ببطولته الأطفال آية كوبيس وعبدالمغيث البركاوي ومريم الجراري ومهدي مليح وهبة كنيري وغيرهم، وتدور قصته حول الطفلة كاميليا التي تلعب دورها آية كوبيس بأداء جميل وعفوي، والتي تتعرّض للتحرش الجنسي تحت عين أحد الأطفال الذي سينشر الخبر لدى الباقين، الأمر الذي سيعرضها لضغط نفسي كبير لتجد حلا له بنصيحة من والدتها، وقد استند الفيلم أيضا إلى تقارير الأمم المتحدة.

هذا وقد سبق لفيلم “أفلامُهنّ” أن عرض كاملا مجتمعا وأن حصل على العديد من الجوائز العالمية منها جائزة أفضل فيلم روائي قصير في مهرجان “من خلال عيون المرأة” السينمائي الدولي الذي تزامن افتتاحه مع الاحتفال بيوم المرأة العالمي، بالإضافة إلى عدة جوائز أخرى، بينما حصل فيلم “شكوى” التونسي منفردا على جائزة أفضل إخراج وأفضل فيلم روائي قصير في مهرجان سولت هاوس السينمائي الدولي الإبداعي.

كاتبة سورية

 

العرب اللندنية في

12.04.2021

 
 
 
 
 

جوائز الدورة الحادية عشرة لمهرجان مالمو للسينما العربية عام 2021

عدنان حسين احمد

أُختُتمت فعّاليات الدورة الحادية عشرة لمهرجان مالمو للسينما العربية التي استمرت للفترة من 6- 11 أبريل/ نيسان 2021. وقد استضافت مكتبة مالمو المركزية حفل الاختتام الذي تم فيه إعلان جوائز المسابقات الرسمية حيث نال فيلم "الرجل الذي باع ظهره" للمخرجة التونسية كوثر بن هنية جائزة أحسن فيلم، فيما أُسندت جائزة الجمهور التي تمنحها بلدية مالمو بقيمة 25 ألف كرون سويدي لفيلم "حظر تجول" للمخرج المصري أمير رمسيس وقد قدمتها رئيسة اللجنة الثقافية في مدينة مالمو السيدة فريدا ترولمير.

"الهدية" يخطف جائزة أحسن فيلم قصير

تضمّن مهرجان هذا العام مسابقتيّ الأفلام القصيرة والطويلة التي تضم أفلامًا روائية ووثائقية. وقد ارتأت لجنة تحكيم الأفلام القصيرة التي تألفت من خمسة سينمائيين ونقّاد وهم: المخرجة والمنتجة اللبنانية مانو نمّور، والمخرجة والمنتجة المصرية ماجي أنور، والناقد الجزائري فيصل شيباني، والناقد البحريني طارق البحار، والممثل الإماراتي منصور الفيلي أن ينوّهوا بفيلمين قصيرين ويمنحوا شهادة تقدير لكل فيلم وهما "الست" للمخرجة السودانية سوزانا ميرغني، وفيلم "توك توك" للمخرج المصري محمد خضر. أما جائزة أحسن فيلم قصير وقيمتها 15 ألف كرون سويدي فقد ذهبت لفيلم "الهديّة" للمخرجة الفلسطينية فرح النابلسي.

أمّا في مسابقة الأفلام الطويلة فقد ارتأت لجنة التحكيم المؤلفة من خمسة سينمائيين وهم: المخرجة الفلسطينية نجوى نجار، والممثلة والمخرجة السعودية فاطمة البنوي، والباحثة السينمائية المغربية ليلى شرادي، والإعلامية اللبنانية ريّا أبي راشد، وكاتب السيناريو المصري تامر حبيب أن يمنحوا جائزة أحسن سيناريو للسينارست والمخرج التونسي غازي الزغباني عن فيلم "الهِربة" The Dilemma، فيما أسندت جائزة أحسن ممثل لسليم ضو عن دوره في فيلم "غزة مونامور" للمخرجَين الفلسطينيين عرب وطرزان ناصر. أما جائزة أحسن ممثلة فكانت من نصيب نعيمة لمشاركي عن دورها في فيلم "خريف التفاح" للمخرج المغربي محمد مُفتكر . فيما ذهبت جائزة أحسن إخراج للسعودي عبد العزيز الشلاحي عن فيلمه المعنون "حدّ الطار". أما  جائزة لجنة التحكيم الخاصة وقيمتها 15 ألف كرون سويدي، فقد مُنحت لفيلم "جزائرهم" للمخرجة الفرنسية من أصول جزائرية فلسطينية لينا سويلم. بينما أُسندت جائزة أحسن فيلم، وقيمتها 20 ألف كرون سويدي لفيلم "الرجل الذي باع ظهره" للمخرجة التونسية كوثر بن هنية. أما جائزة الجمهور التي تمنحها بلدية مالمو بقيمة 25 ألف كرون سويدي، فقد ذهبت لفيلم "حظر تجوّل" للمخرج المصري أمير رمسيس.

نجاح المهرجان رغم صيغته الإليكترونية

لابد من الإشارة إلى أنّ الدورة الحادية عشرة لهذا المهرجان قد تمّت إليكترونيًا وبنجاح تام حيث شاهدنا أفلام المسابقتين القصيرة والطويلة بواقع 12 فيلمًا طويلاً، و17 فيلمًا قصيرًا، و 3 أفلام طويلة في برنامج الليالي العربية. وقد اُختتم المهرجان في مكتبة مالمو المركزية في تمام الساعة مساء من يوم 11 أبريل حيث تمّ عرض فيديو يتضمن أهم المحطات في الدورة، ثم تلتهُ كلمة ترحيبية من قبل السيد تربيون نيلسون، رئيس مكتبة المدينة، وأعقبتهُ السيدة ماغنوس لونديرغويست، رئيس اللجنة الثقافية لمقاطعة سكونة بكلمة أخرى، ثم جاء دور محمد قبلاوي، مؤسس ورئيس المهرجان حيث ألقى كلمة وافية لخّص فيها وقائع الدورة وتحدياتها في ظل جائحة كورونا، ثم وجّه تحية للراحل محمد قدورة، أحد المشاركين في تأسيس المهرجان، وتمّ عرض فيديو تحية لذكراه العطرة، وثناء لجهوده التي قدّمها لمهرجان مالمو.

ثلاثة أفلام أخرى تستحق الإشادة والتنويه

على الرغم من أهمية فيلم "الهدية" لفرح النابلسي والدور الجميل والمعبِّر للفنان صالح بكري وهو يجسّد معاناة الفلسطينيين في المعابر الإسرائيلية إلاّ أنّ هناك ثلاثة أفلام لا تقل أهمية عن هذا الفيلم أو الفيلمين المنوّه بهما وهما "الست" لسوزانا ميرغني و "توك توك" لمحمد خضر، وهذه الأفلام تباعًا هي "الحمّام" للمخرجة التونسية أنيسة داود، و "عايشة" لزكرياء نوري، و "سهرة مع ليلى" لهيا الغانم. ففيلم "الحمّام" يعالج قضية الاعتداء الجنسي على الأطفال أو ما يسمى بزنا المحارم وهي ثيمة نفسية واجتماعية وأخلاقية خطيرة تعاني منها المجتمعات العربية وتستحق المزيد من التأمل والفحص والدراسة. كما أن فيلم "عايشة" لزكرياء نوري يتمحور على فكرة بيع الجسد التي لمسناها في اللحظات الأخيرة من الفيلم حينما نزلت عائشة إلى الشارع لتلتقي سائق الشاحنة وتذهب معه، ومع صديقه لاحقًا، إلى مكان ما لكي تعود محمّلة بالطعام الذي تسد به رمق الوالدة المريضة. أمّا الفيلم الثالث فهو "سهرة مع ليلى"، هذه الفنانة والملحنة الكويتية التي أبدعت أجمل الأغاني الخليجية وعلى رأسها أغنية "وشعلامك بالأسمرانية" التي أصبحت علامة فارقة في التراث الغنائي الخليجي.

وفيما يتعلق بجوائز الأفلام الطويلة فقد ذهبت لمستحقيها فعلاً إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن فيلم "الرجل الذي باع ظهره" لكوثر بن هنية قد حصد العديد من الجوائز في مهرجانيّ فينيسيا والجونة وترشح في خاتمة المطاف للأوسكار عن جدارة. أما فيلم "حظر تجول" لأمير رمسيس فهو يستحق جائزة الجمهور، وسبق للنجمة السينمائية إلهام شاهين أن نالت عن دورها فيه جائزة أفضل ممثلة في مهرجان القاهرة السينمائي هذا العام لكن أعضاء لجان التحكيم في معظم المهرجانات يتناسون الدور المهم الذي لعبته الفنانة أمينة خليل وتألقت فيه طوال مدة الفيلم.

أفلام سعودية جريئة تناقش ثيمات حسّاسة

تسجّل السينما السعودية على قلّة إنتاجها طفرة في فيلميها الجريئين "حدّ الطار" للمخرج عبدالعزيز الشلاحي الذي يناقش قضيتي "الطقّاقة" و "السيّاف" والنظرة الدونية لمن يمتهن الرقص والغناء. وفيلم "أربعون عامًا وليلة" للمخرج محمد الهليل الذي يتناول مسألة الزواج السريّ، والتفكّك الأسري، وطبيعة العلاقات الشائكة، والموروثات الدينية التي ترجّح كفة الرجل على المرأة.

نخلص إلى القول بأن مهرجان مالمو للسينما العربية قد نجح هذا العام أسوة بالأعوام السابقة ولعله يزداد تألقًا كلما استقطب عددًا مهمًا من الأفلام الإشكالية الجريئة التي قد لا تجد طريقها إلى الشاشات العربية بسبب حساسية الثيمات والموضوعات التي تعالجها. ولابد من الإشادة بطاقم العمل التنظيمي والإعلامي لهذا المهرجان وهم يواصلون عملهم الدؤوب من أجل إظهار المهرجان بهذه الحُلة الجميلة الناصعة التي تخطف الألباب.

 

صحيفة المثقف في

12.04.2021

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004