ملفات خاصة

 
 
 

أوسكار 2021:

الحلم الأمريكي الغارق مثل تايتانيك

محمد صبحي

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

الدورة الثالثة والتسعون

   
 
 
 
 
 
 

في الفصل الأول من كتاب مارك توين الكلاسيكي مغامرات هاكلبري فين، ترد جملة لا بد أنها حفظت نفسها في ذاكرة أجيال من الأمريكيين، لما فيها من شوق وتوق عظيمين؛"أردت فقط الهرب، أردت فقط التغيير، لم أكن صعب الإرضاء على الإطلاق". الجملة لهاكلبري فين، بطل الرواية، الطفل الباحث عن الحرية والمساواة والمتجنب الماهر للامتثال والانصياع. "روح المغامرة"، هكذا يسمّيها الأمريكيون، روح المغامرة الأمريكية على وجه التحديد، قاصدين بها المضي قدمًا لاستكشاف مساحات من البلاد لا نهاية لها، وتحدّي قوة الطبيعة للتحرك غربًا باستمرار. هذا الشعور بالمغادرة لا يأتي طواعية في كل مرة، كما هو الحال مع المغامر الصغير هاك فين. أحيانًا، يقوم القَدَر بدوره كخادم لئيم، ولا يتبقى أمام المرء سوى خيار وحيد يقضي بترك كل شيء وراءه والابتعاد بسرعة.

ذلك ما يحدث للأرملة فيرن، بطلة فيلم نومادلاند للمخرجة كلوي تشاو، بعد الأزمة المالية لعام 2008، أُغلق منجم للجبس ملحقة به مستوطنة عمال في بلدة إمباير في صحراء نيفادا، وفيرن ذات الـ61 سنة، التي عاشت هناك مع زوجها حتى وفاته، هي آخر من غادر. بدون المنجم، ماتت البلدة الصحراوية، وقامت الشركة المالكة بحلّ المكان، وصار على الموظفين السابقين مغادرة سكن الشركة.

فجأة، تُركت فيرن دون منزل أو مأوى. لا تعرف إلى أين تذهب. تجمع بعض التذكارات وتودعها في شاحنتها ذات اللونين الرمادي والأبيض، التي صارت بيتها منذ ذلك الحين. أضحت مرتحلة، بلا مطالب كبيرة، تنتقل من وظيفة صغيرة مؤقتة إلى أخرى؛ وتصرُّ على أنها "بلا بيت، لكنها ليست بلا مأوى".

تجسّد فرانسيس مكدورماند (63 سنة) هذه الشخصية بطريقة بسيطة تمامًا. في أحد المشاهد، توقف سيارتها وتنزل منها جريًا لتقرفص وتتبوَّل وسط أرض قاحلة لا يُسمع فيها سوى صوت الريح الباردة. وفي لحظة أخرى، لا تستطيع إمساك نفسها، فتقوم على عجل بسحب سروالها في شاحنتها ودفع دلو تحت مؤخرتها. تزمجر بطنها ويتلوّى وجهها أثناء متابعة الكاميرا إتمامها قضاء حاجتها.

تبدو مكدورماند مثل واحدة من الحدائق الوطنية الشهيرة في الولايات المتحدة، جليلة بلا زخارف وأليفة من غير تكلُّف، إنما بوجه ضربته العوامل الجوية فحدَّدت خطوطه وتجاعيده. خارطة مليئة بالقصص.

يوتوبيا أمريكية

يستند نومادلاند إلى كتاب غير خيالي يحمل الاسم نفسه من تأليف جيسيكا برودر، يصف بالتفصيل التدهور الاقتصادي لأولئك الذين أضحوا بلا مأوى من سكّان المقطورات ومنبوذي الحلم الأمريكي، في أعقاب انهيار السوق بفعل الأزمة المالية العالمية، تترجمه المخرجة الأمريكية صينية الأصل في فيلمها إلى فيلمين في واحد: حبكة روائية وتقليدية تنتظم حكاية فيرن وخلفيتها، وخطّ وثائقي يجسد فيه سكان مقطورات/ رُحّل حقيقيون أنفسهم، أو على الأقل نسخًا من حيواتهم.

لكن الفيلم، الذي يعد المرشح الأكبر للفوز بجائزة الأوسكار في نسختها الـ93 بستة ترشيحات (بما في ذلك أفضل إخراج وأفضل ممثلة رئيسية)؛ ليس فيلمًا وثائقيًا. فالرُحّل الحقيقيون الذين تلتقيهم فيرن بشكل متكرر في طريقها يجري تضمينهم بعناية في سرديتها، يوفّرون مادة ملائمة ليوتوبيا غريبة ترصدها المخرجة (وهي أيضًا كاتبة السيناريو)، من خلال مرافقتهم البدوية المبتدئة في بحثها الشخصي عن المعنى بعد فقدان زوجها، والقيام بوظائف استعارية أحيانًا كإشارات وعلامات استدلالية، وأحيانًا كحواجز حماية عاطفية، في هذه المشاهد، تركّز مكدورماند تمثيلها على الاستماع، ويفسح الفيلم المجال أمام شخصياته/موضوعاته (وجميعهم تقريبًا من الأمريكيين البيض) للحديث عن تجاربهم وخبراتهم في العيش المرتحل.

ورغم انزعاجي الشخصي من تلك المشاهد وتوظيفها داخل خطاب الفيلم ككل، فإن الاعتراف بأن تلك المقاربة التمثيلية ربما لا يصلح لها سوى شخص لا يستعير شبابًا اصطناعيًا في يومياته ولا يتعيّن عليه وضع مكياج مبهرج أو زيادة وزنه بضعة كيلوات للقيام بدور مثل هذا. لا يتبادر إلى الذهن العديد من الممثلات اللواتي يمكنهن تصوير ذلك بمصداقية.

وهكذا، يكشف الفيلم بعض أوراقه في لحظة ما مكثَّفة. الأمر كله يتعلق بأمريكا، والآلة الاقتصادية المتعثرة، وضحايا الرأسمالية المتوحشة، وتايتانيك التي تغرق بالفعل. بالأخذ في الاعتبار إدماج كل هذا معًا، يبدو الفيلم مهمًا ومُلحًّا للغاية في بدايته. لكن، للأسف، لا يمكن للمرء إغفال غياب منظور حاسم وواضح عن تلك الارتحالات المصوَّرة والمونتاجية التي يدمنها الفيلم بعد ذلك.

مثل تيرانس ماليك، وهو مؤثر أسلوبي وموضوعي في الفيلم، تسحب كلوي تشاو لوحتها القماشية، لتصوّر أراضي أمريكا المترامية بمواجهة أكثر من غروب شمسٍ وردي متلألئ. رغم ذلك، تقتصر "نظرتها الوثائقية" على الملاحظة البحتة. الاستجواب ليس موضوعها ولا شاغلها، وهذا مؤسف. في أحد المشاهد، تقتبس فيرن شكسبير من العدم، سطرًا سطرًا. علمنا أنها كانت تعمل كمعلمة. ألن تكون هذه وظيفة يمكن أن تمنحها الدعم لبداية جديدة؟ وعلى أية حال، كيف يمكن للمرء أن يظل جزءًا من هذا "الكوميونتي" المزعوم دون مسكن ثابت؟ كيف وأين يدفع هؤلاء الناس الضرائب؟ هل يمكنهم التصويت؟ كل هذا لا يُردّ عليه ولا يشغل الفيلم نفسه به إطلاقًا. وبالتالي لا يمكن للمرء إلا التكهّن بنفسه عما إذا كانت الحياة في نومادلاند هي قبول شبه رومانسي أم احتجاج مفتوح ضد الصراع الوجودي للوجود البشري في أمريكا الرأسمالية المحكومة بالدولار.

تايتانيك تغرق طبعًا

في آخر المطاف، مع ذلك، عندما تجد فيرن وظيفة مؤقتة كعاملة موسمية في مركز طرود تابع لأمازون قبل موسم التسوق في عيد الميلاد، لا يسع المرء سوى التفكير لا إراديًا في الولايات المتحدة أثناء الوباء.

30 مليون إصابة، وأكثر من 550 ألف حالة وفاة، وملايين الأمريكيين الذين خرجت حياتهم تمامًا عن مسارها بسبب انهيار الاقتصاد. هذه حصيلة سنة واحدة من تفشي الجائحة. حتى أسابيع قليلة ماضية، كان الكونجرس لا يزال يكافح حول الوسائل التي يجب استخدامها لمعالجة النقص الطبي بسبب الافتقار إلى نظام رعاية اجتماعية مناسب. بعد ذلك، في أوائل مارس/ آذار، أقر الديمقراطيون في عهد الرئيس جو بايدن، حزمة مساعدات أخرى يبلغ مجموعها حوالي 1.9 تريليون دولار من شأنها تعزيز إعانات البطالة وضمان مدفوعات التحفيز وتحفيز المعركة ضد الفيروس.

لكن حزمة الإجراءات تلك ليست مصممة على المدى الطويل، ولا تزال هناك مشكلة كبيرة: في ديسمبر/ كانون الأول، أفاد واحد من كل خمسة أمريكيين بتأخره عن دفع إيجار السكن. تشير التقديرات إلى أن 30 إلى 40 مليون شخص في الولايات المتحدة قد يتعرضون لخطر الإخلاء. تم تمديد التجميد الوطني لعمليات الإخلاء هذه حتى يونيو/ حزيران في أواخر مارس، قبل يومين من الموعد النهائي. بالنسبة للكثيرين، قد يكون هذا كله بعد فوات الأوان. التشرُّد أو العيش بلا مأوى، أيًا كان ما تريد تسميته، ليس مجرد مسألة طارئة في أفلام مثل نومادلاند، بل مشكلة حقيقية. ففي حين تزداد طوابير المحتاجين إلى المساعدة في بنوك الطعام، أضاف أغنى 100 شخص في أمريكا 600 مليار دولار إلى ثرواتهم في عام 2020. أمريكا، وهذا واضح تمامًا، ليست بلدًا جميلًا إذا لم يكن جيبك محشوًا بالمال الكافي.

يُظهر فيلم ساوند أوف ميتال، المرشح أيضًا لستة جوائز أوسكار، مدى صعوبة أمريكا، وإن كان يفعل ذلك لفترة وجيزة فقط، لأن الموضوع الحقيقي للفيلم هو البحث الداخلي عن الوجود. روبن (ريز أحمد) عازف درامز لا يهدأ، ينتقل من مدينة إلى أخرى، مع صديقته ومطربة الفرقة، في مقطورتهما المتنقلة، دائمًا في طريقه إلى الحفلة التالية للثنائي، حتى يعاني فجأة من فقدان السمع، ولا يغطّي التأمين عملية الإنقاذ المفترض. ولأن القصة الأمريكية العظيمة تدور دائمًا حول اللعبة الأبدية للخسارة والفوز، يتعيَّن على روبن أن يأخذ مصيره بيديه ويخاطر بكل شيء في النهاية. الفيلم رائع، لكن دون اهتمام أعمق بقضية العوز والفقر في أمريكا.

حدود وجودية

هيلبيلي إيليجي، الفيلم المقتبس عن رواية للكاتب ورجل الأعمال الأمريكي جيه دي فانس حملت الاسم نفسه يستعيد فيها طفولة مشوّهة في منطقة حزام الصدأ الموبوءة بالمخدرات والمنكوبة بالفقر وتدهور الأحوال الاجتماعية، يتجنّب كذلك طرح الأسئلة المنهجية. الإجابة في دراما رون هوارد الاجتماعية (رُشّحت لجائزتي أوسكار) حول كيفية الخروج من البؤس، تأتي في نسخة أمريكية بامتياز، تبدو مُضلِّلة بقدر تلألؤها: بالعمل الجاد والتضحية الكاملة بالنفس، أمريكا تجعل كل شيء ممكنًا.

يأخذ المخرج الأمريكي-الكوري لي إيزاك تشونج وجهة نظر مختلفة عن جاذبية الحلم الأمريكي في فيلمه الرقيق ميناري (المرشح لست جوائز أوسكار)، حول أسرة كورية مهاجرة مكونة من أربعة أفراد (أب وأم وولدين) تحاول بناء حياة جديدة في أراضي أركنساس القاحلة في الثمانينيات. جاكوب (ستيف يون)، بعد عقد من العمل بوظيفة تحديد جنس الكتاكيت في كاليفورنيا، حصل على ما يكفي من المال لشراء قطعة أرض، بغرض بدء عمله الخاص في إنشاء مزرعة خضروات كورية للتخديم على احتياجات المجتمع الكوري المتنامي في الولايات المتحدة. العملية طموحة، والأحلام كبيرة، وجاكوب لديه ما يكفي من الضغوط في مغامرته في أرض الفرص والأحلام. من المفترض أن تساعده أمريكا على تحسين حياته أولًا، حتى يجد أطفاله في يوم من الأيام مستقبلًا أفضل.

في المشهد الافتتاحي للفيلم، يذهب الزوجان إلى بيتهما الجديد في سيارتين منفصلتين. على حافة قطعة أرضه التي اشتراها حديثًا في وسط اللا مكان، تربض حاوية منتصبة على عجلات، ستكون منزل الأسرة الجديد، حيث سيتعيّن عليهم نسيان وسائل الراحة النموذجية لحياة المدينة. كمُشاهِد، يتطلَّب الأمر قدرًا كبيرًا من الخيال والكثير من الاستبصار لتخيُّل ذلك الحقل الأجرد وقد استحال مساحات خضراء مورقة ستغذّي أربعتهم يومًا. على الفور، تساور زوجة جاكوب، مونيكا (هان يي ري)، شكوك. خاب أملها في زوجها، الذي تراه أكثر سذاجة من الحالمين، وأقل ذكاء من روّاد الأعمال الناجحين.

فوق كل ذلك، وهذا هو جوهر ميناري الأساسي، هذا الرجل المغامِر المنذور للفشل، من بين عديد من القصص الأمريكية المماثلة، يغيب عن نظره، في أثناء انغماسه لتحقيق حلمه الأمريكي، كلّ من زوجته وطفليه وحتى حماته، التي انضمت إليهم لضبط أشرعة سفينة الأسرة في مواجهة ضربات متتالية. يفقدون بعضهم البعض أثناء بحثهم عن هوية ومسارٍ خاص في أرض أجنبية. رغم ذلك، فلدى جاكوب شيء لا يمكن لهاكلبري فين ولا فيرن نومادلاند ولا أبطال الأفلام الأخرى التمسُّك به وقت حاجته: عائلة. العائلة أسطورة مركزية مؤسسة في فكرة الحلم الأمريكي والتجربة الأمريكية ككل. هنا أيضًا، تغذّي العائلة ميلًا أمريكيًا قديمًا وقائمًا، كركن أساسي في تشييد ملحمة اجتماعية سينمائية على طراز جون فورد، المعلم الأمريكي القديم المحافظ والرائد.

لكن في بحثه عن نبرة ودودة تظهر فيها الدعابة بشكل منتظم، يتجنّب المخرج الخوض في جوانب معينة كان من الممكن أن تجعل القصة أكثر قسوة. مثلًا، بالكاد نشهد علاقة الأسرة بجيرانهم، وعندما يحدث ذلك، يأتي في صورة "كيوت" من فرط مودتها وبراءتها، كما لو لم يكن هناك تحيزات في ذلك الوقت تجاه المهاجرين، في وقت انطبعت فيه أمريكا بأفكار رئيسها اليميني رونالد ريجان وشهدت صعود نزعات قومية معادية للأجانب والمهاجرين. بالمثل، لا يعطي الفيلم أي لمحة طوال مدته إلى تجربة الأطفال في المدرسة. يتجنب ميناري أيضًا استكشاف المسؤولية السياسية في أسباب صعوبة أن تكون فقيرًا تبحث لنفسك ولأسرتك عن قطعة أرض في الولايات المتحدة.

قبل سنتين، غادرني أحد أصدقائي إلى الولايات المتحدة بعد حصوله على الجرين كارد؛ أسباب الخروج من مصر كثيرة وغير خافية، لكن ما أثار اهتمامي أكثر من غيره كان اختياره أمريكا موئلًا مستقبلًا لعيشه وحياته؛ أخبرني صديقي برغبته في الابتعاد عن "الخرابة الكبيرة اللي اسمها مصر" وشمّ هواء جديد في بلدٍ "كبير وواسع ومتنوّع" ومفتوح أمام الاحتمالات... بالتأكيد تطوَّرت الولايات المتحدة جغرافيًا منذ فترة طويلة، لكن الحلم الأمريكي الآن لم يعد يختبر سوى شيئًا واحد فقط: حدوده الوجودية.

 

موقع "المنصة" في

24.04.2021

 
 
 
 
 

The Mole Agent: عجوز بأيامه القليلة وكاميراه السرية

محمد استانبولي

ربما تكون الطريقة التي تُلخّص عبرها أحداث فيلمٍ ما مفتاحية اليوم، أكثر من أي وقت مضى، في تحديد مصيره. فبينما لا تزال التوصيات الشخصية وآراء النقاد وغيرها تلعب دوراً في عملية الاختيار، إلاّ أنّ أولى خطوات البحث الجاد تبدأ عند ذلك المربع الصغير الذي يعرضه محرك "غوغل" صانع الحقائق الأكبر اليوم، وما يمكن أن يلعبه من دورٍ في جذب أو نبذ مشاهد ما، فيكون اختيار تلك الكلمات القليلة اليوم جزءاً لا يمكن إغفال أهميته ضمن عملية التسويق بالمجمل.

تنطبق المقدمة السابقة بالكامل على The Mole Agent الوثائقي التشيلي لمخرجته مايتي آلبيردي، والمرشح لجائزة الأوسكار عن أفضل فيلمٍ وثائقي، إذ حالما يقرأ المشاهد الملخص عن العجوز الذي سيدخل داراً للمسنين متخفياً ليبحث عن أيّ دلائلٍ على إساءة المعاملة هناك، سيفترض أنّه أمام ذلك النوع من الأعمال الجادة التي تنتهي مقولاتها أو كشوفاتها عند حقائق ملموسة وإجراءات قضائية، وهذا بالطبع ما لن يجري.

وعوضاً عن ذلك، سيجد المشاهد نفسه أمام اكتشافاتٍ أكثر عرضة للتأويل وتأملاتٍ عن التقدم في السنّ والوحدة والدراما نفسها، في فيلمٍ لا يخادع مشاهده عبر نتائج البحث وحسب، بل عبر التصنيف والنوع الدرامي أيضاً.

ماذا يجري في الفيلم؟

يبدأ الوثائقي عند إعلانٍ في صحيفة، يطلب رجالاً تتراوح أعمارهم بين 80 عاماً و90، يتمتعون بالاستقلالية والسرية والقدرة على التعامل مع التكنولوجيا، لصالح وكالة تحريات خاصة. وبعد عملية انتقاءٍ، يقع الاختيار على سيرخيو، الذي يبلغ من العمر 83 عاماً. نعرف بعد ذلك أنّ سيرخيو سيدخل المصح متخفياً للتأكد من سلامة مقيمة هناك تدعى سونيا، والتأكد من أنّها لا تتعرض لأيّ إساءة، بناءً على طلب الموكلة التي تكون ابنتها. يتناقش سيرخيو بالمهمة مع ابنته التي تبدي تخوفاً من التبعات القانونية لهذه المهمة، ويبدو أن تخوفاتها لا تشكل نداً لرغبة أبيها في تحرير ذهنه والانشغال بشيءٍ يصرفه عن التفكير في زوجته التي فقدها منذ أربعة أشهر. يجهَّز عميلنا السري بقلمٍ ونظارة طبية مزودتين بكاميرات، لكي يعمل متخفياً، ويتفق على مجموعة شيفرات وبروتوكولات مع المحقق الخاص ليسهل تزويده بالتقرير اليومي عما سيراه هناك.

إضافةً إلى ذلك، تنجح المخرجة في إقناع الدار بالتصوير داخلها بحجة إعداد وئائقي عن دور المسنين، لكي يتسنى لها تتبع سيرخيو هي الأخرى، وهو ما يجري بعد أن يدخل سيرخيو دار الرعاية. هناك، يبدأ سيرخيو باكتشاف المحيط بحذر وتمهل، بحثاً عن هدفه. يتعرّف أثناء ذلك على النزيلات والنزلاء، الذين يبلغ عددهم 40 امرأة وأربعة رجال، بمن فيهم هو. عند هذه النقطة، يبدو أنّ The Mole Agent يمضي في خطين، ونوعين دراميين مختلفين، يحاكي أولهما عملاً كلاسيكياً من أعمال الفيلم نوار، بينما يأخذ الآخر إيقاعاً أكثر هدوءاً، إذ يتفحص حيوات النزلاء في الدار.

هناك، يتعرّف سيرخيو ومعه المشاهد على القصص المختلفة التي تكوّن كل نزيلٍ أو نزيلة. هناك الشاعرة، ومهووسة السرقة التي تعتقد أنّ أمها ستأتي قريباً لاصطحابها، وهناك من يخشون فقدان الذاكرة أو من يبحثون عن حبٍ جديد. وبينما يعتمد سيرخيو على كلّ هؤلاء لإعداد تقاريره اليومية بداية الأمر، سرعان ما يجد نفسه قد فقد هذا الحياد، وبات جزءاً من قصصهم وأيامهم التي تمر ببطء. لكنّه يبقى مركّزاً على الهدف، سونيا، التي يصل إليها نهاية الأمر، ويبدأ بالتأكد من مجريات يومها.

تمرّ ذكرى افتتاح الدار، وبعدها عيد ميلاد سيرخيو الرابع والثمانين. تعترف إحدى النزيلات بحبها لسيرخيو، الذي كان لا يزال ينعى فقدان زوجته، ويتواصل مع المحقق الخاص ليؤمن له صور أسرة إحدى النزيلات التي تخاف أن تنسى وجوههم. وقرابة نهاية الفيلم، تموت الشاعرة ويصل سيرخيو في تقريره الأخير إلى أنّ الأمر الوحيد الذي تعانيه سونيا هو الجفاء، الذي دفع ابنتها - بفعل الإحساس بالذنب - إلى إرسال المتحري بالمقام الأول عوضاً عنها. ومع نهاية تقريره، يخرج سيرخيو من الدار ويعود إلى حياته السابقة، حيث تنتظره أسرته.

ها هو المحقق، أين القضية؟

متسلحاً بانطباعٍ عام، عما سيقدمه الفيلم، سيفاجأ المشاهد بالطريقة التي تبتدئ بها الحكاية. مكتب المحقق الخاص وكلّ المَشاهد التي تتعلق بهذا القسم، تبدو محاكاة ساخرة لأفلام النوع وموسيقاها التي ستميّزها الأذن فوراً. عند هذه النقطة، سنسأل أنفسنا: هل من اللائق للتحقيق بادعاءٍ كإساءة معاملة مسنين أن يُقدَم بهذه الطريقة؟ وهل هذا فيلم وثائقي أساساً؟ لا يجيب الفيلم عن هذه الأسئلة دفعةً واحدة، إلاّ أنّه يبدأ بتركيز أنظارنا على ما يريد تقديمه بالفعل. فمنذ مشاهدتنا اختبار تحديد الجاسوس الأمثل، لا يسعنا إلاّ أن نتساءل: ما الذي يدفع أشخاصاً بهذه السن للتقدم إلى عملٍ كهذا؟ بالطبع سيكون الدافع المالي واحداً من الأسباب (وإن لم يكن حاضراً في الفيلم)، إلاّ أنّ عوامل أخرى تلعب دورها هنا.

إنّ كلّ المتقدمين الذين ينتمون للشريحة العمرية نفسها يتشاركون الإحساس بأنّ لا شيء جديداً يجري في حيواتهم، وبأنّ أفضل الأيام قد مرّت وما تبقى هي محاولات يائسة للحاق بركب زمنٍ سريع. ولا شيء يعبّر عن هذا كمحاولة هؤلاء إظهار قدرتهم على استعمال هواتف آيفون، بكلّ ما تثيره هذه المحاولات من كوميديا بدايةً، ومن ثم تعاطف. وها هي فرصة لبعض الإثارة، لقليل من الإحساس بشيءٍ مهم كالعمل خفيةً. والواقع أنّ سيرخيو يتحدث عن هذه النقطة صراحةً مع ابنته، وللمفارقة فقد تكون هذه هي المرة الأولى التي يبدو فيه دار المسنين المكان الذي يوفر هذا الإحساس لمن سيدخله. سرعان ما يتغير الإيقاع داخل الدار وينتقل التركيز نحو النزلاء الذين يبدون تشككاً في تجسس الكاميرات عليهم، وعند هذه النقطة سيبدأ المُشاهِد بتوقع اختلاف في مسار الرحلة، ولن يكون الفيلم بالضرورة معنياً باكتشافات قاسية.

في الواقع، يبدو أنّ الفيلم هنا لا يبحث عن اكتشافٍ معين، بقدر ما يحاول التقاط وجمع الحكايات من عالمٍ قلما نلقي عليه بالاً، نحن الأحرار. وكي لا نبدأ بالتوهم، علينا أن نشير إلى أنّ الفيلم بشكله الحالي هو نتاج تصوير أكثر من 300 ساعة، ربما كانت مخرجته في البداية معنية فعلاً بالبحث عن وجود حقيقة مؤلمة أم لا، إلا أنها عندما اختارت ما تريد أن ترويه عبر 90 دقيقة، اعتمدت هذا الأسلوب الذي يتجنّب التشويق الرخيص ويبدو أكثر أمانة. وإذا ما تركنا بطلنا سيرخيو قليلاً، فإنّ الفيلم ينجح في تصوير هذا المجتمع المصغر، المتديّن، الذي تشكل النساء غالبية تعداد نزلائه.

ثمة تراتبيات معينة هناك، قد تكون الاستقلالية - بمعنى القدرة على تلبية احتياجات الذات - أهم ركائزها وشبكة علاقات خاصة وقصص لكلّ شخصٍ يعرف الفيلم كيف يتوقف عندها، مثلما يفعل حين يعرض أمل إحدى النزيلات بعودة أمها، وكيف يضطر العاملون إلى الاتصال بها من هاتفٍ آخر وإقناعها بأنّ الأم قادمة لا محالة... أو حين يعرّفنا على الشاعرة حين تختار قصيدة ترفع فيها نخب حياةٍ سعيدة، حيث يسود الحب ولا يشعر أحد بألمٍ أو أذى، وينجح الصدق والعمل في جلب السعادة إلى جنس البشر.

تبدو الأمور أكثر جدية عند سيرخيو، لكنّه هو الآخر يبدأ بإدراك القسوة الفعلية تدريجياً، ويكشف شخصيته الحقيقية كإنسانٍ عذب وعطوف ومسؤول، ولو أنّ بعض صفاته تتقاطع مع محققي أفلام تلك الحقبة الذين يرتدون المعاطف الطويلة، كالعلاقة المعقدة مع الماضي. وفقاً لسيرخيو، فإنّ غياب الأسر وإهمالها هما الجريمة الفعلية الواقعة على نزلاء هذا الدار، ما يجعله مهتماً بهم كلّهم لا بسونيا فقط، وهو ما يتقاطع أحياناً مع غرض مهمته الرئيسية وربّ عمله (وهو صراع مألوف، بين المحقق الميداني وذاك الذي يجلس في المكتب)، وبين تأثره بالجهد المبذول في عيد ميلاده وبكائه، ومن ثم مشهد جنازة الشاعرة، فإنّ سيرخيو يبدو وقد فهم ديناميكية المكان بالكامل، وبات يتعامل مع أسرة وأصدقاء حقيقيين، وهو الدافع وراء تسجيل "الواتساب" الأخير لربّ عمله، الذي يلعن فيه الوحدة ويدعو الابنة إلى التعايش مع ذنبها وإصلاح الأمور.

إنّ The Mole Agent (الاسم الأصلي بالإسبانية El Agente Topo، ومعناه المحقق الكسلان، نسبة إلى حيوان الكسلان المعروف ببطئه) بلعبه على الأنواع وبمشاهده التي تثير الضحك أحياناً، والدموع أحياناً أخرى، ليس الفيلم الوحيد، أو الأبرز، الذي يقترب من مواضيعٍ حساسة، ومخيفة حقيقةً، عن هذه المرحلة العمرية التي نخافها أنفسنا ونخشى كيف سيعيشها أولئك الذين نحبهم. فعلى الجهة الأخرى، ينال فيلم The Father، الذي حاز ستة ترشيحات، وتطرّق هو الآخر إلى موضوعات شبيهة، حصته من النقاش اليوم، لكل الأسباب الصحيحة.

في مجتمعٍ مثالي، لن يُنبذ أحد بعد أن يُستهلَك عمره ويكف عن كونه "منتجاً"، أو يمضي ما تبقى من أيامه خائفاً منها أو وحيداً. لكن هذا ما لا يحدث في الواقع دائماً، وإن كانت جائحة فيروس كورونا الجديد قد حرّضت نزعاتٍ "داروينية" وموازنات بين شرائح بحدّ ذاتها وفتح السوق، فإنّ هؤلاء كانوا أبرز المتضررين منها. ومثل كثير من الأفلام، كان The Mole Agent معداً لتجربة تلقٍ مختلفة، في عالم ما قبل كوفيد-19، إلاّ أنّ هذا التغيّر اليوم لم ينتج تأويلاً مختلفاً أو يفقد الفيلم شيئاً من راهنيته، بل أكّد أنّنا بحاجة إلى أعمالٍ كهذه.

 

####

 

أوسكار العرب

أنس أزرق

يدي على قلبي بينما أنتظر ليلة الأحد 25 إبريل/ نيسان لحضور حفل توزيع جوائز أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة (أوسكار)

لن أكون قلقاً تجاه 22 أوسكاراً من أصل 24 جائزة، توزّع في تلك الليلة، أو ذلك الفجر بالنسبة إلى توقيت الدوحة. قلقي وانتظاري سيكون محصوراً في جائزة أفضل فيلم بلغة اجنبية، وفي جائزة أفضل فيلم قصير

السبب، ببساطة، أنّ فيلمين عربيين وصلا إلى الترشيحات النهائية في هاتين الفئتين، وليَ صلة ما بكلا الفيلمين

خمسة أفلام تتنافس في فئة الأفلام باللغة الأجنبية، ومنها فيلم "الرجل الذي باع ظهره" الذي أنتجته شركة "ميتافورا" بالشراكة مع "تينيت فيلم"، ويحكي قصة شاب سوري، سام (قام بالدور يحيى مهايني)، باع ظهره لفنان (قام بالدور ديا ليان)، ليرسم عليه فيزا شنغن، وتحول، بعقد معه ترعاه وكيلة أعمال الفنان (قامت بدورها مونيكا بلوتيشي)، إلى لوحة تعرض في متاحف وصالات العرض في العالم

حاز الفيلم الذي أخرجته التونسية المبدعة كوثر بن هنية، عشرات الجوائز. والأمل في أن يُتوّج بأول أوسكار لفيلم عربي روائي.  

ربما اعترض بعضهم على قولي "أول أوسكار عربي"، بالقول إنّ الفيلم الجزائري "Z" قد نال الأوسكار عام 1970. ولكن من شاهد الفيلم يعرف أنه ناطق بالفرنسية، وأنه لمخرج يوناني فرنسي (كوستا غافراس) ويحكي عن اغتيال سياسي ديمقراطي يوناني، وأنّ معظم ممثليه وفنييه ليسوا جزائريين، لكنّه جزائري بتمويله وبمكان تصويره فقط

لفيلم "الرجل الذي باع ظهره" حظوظ بالحصول على الأوسكار. إلا أنّ فوزه ليس سهلاً، في مقابل أربعة أفلام هي "جولة أخرى" من الدنمارك، المرشح أيضاً لأفضل إخراج ويتحدث عن إدمان الكحول وتأثيره في حياة مجموعة مدرسين أصدقاء، و"أيام أفضل" من هونغ كونغ، الذي يدور حول التنمر في المدارس، و"عمل جماعي" من رومانيا، وهو وثائقي يرصد الفساد بالخدمات الصحية في مشافي رومانيا، و"إلى أين تذهبين يا عايدة؟" من البوسنة والهرسك الذي يرصد مأساة مترجمة بوسنية لدى الأمم المتحدة خلال مذبحة سربرنيتشا عام 1995

لا تنبع لهفتي على الأوسكار فقط من كونه (الرجل الذي باع ظهره) فيلماً عربياً ينافس أربعة أفلام مهمة، وليس من إسهامي الصغير فيه، بل أيضاً من كونه انتصاراً لمأساة وطني، سورية. فقد ترشّحت، وبفخر، عدة أفلام سورية للأوسكار، لكّنها كانت وثائقية، وفاز منها فقط فيلم "الخوذ البيضاء" عام 2017، وهو من إخراج البريطاني أورلاندو فون أينشيديل

ثمة من يجادل أنّ هذه الأفلام ليست سوريّة بمعنى الصناعة، وهذا صحيح إلى حدّ ما. ولكنها أفلام تروي مأساتنا. وستظل المأساة السورية، كحال الأحداث التراجيدية الكبرى في التاريخ، منبعاً لروايات ومسرحيات ومسلسلات ورسم تشكيلي وموسيقى وغناء وأفلام، منها ما سيُنسى، ومنها ما سيبقى خالداً

أما الفيلم العربي الآخر، "الهدية" المرشح لجائزة الأفلام القصيرة، فهو من إخراج الفلسطينية فرح النابلسي وإنتاج الصديق أسامة بواردي الذي تشاركنا معه بإنتاج فيلم "واجب" للمبدعة آنا ماري جاسر

الفيلم القصير يحكي قصة أب فلسطيني، يوسف (قام بالدور صالح بكري)، وابنته ياسمين (لعبته بإبداع الطفلة مريم كنج)، يريدان مفاجأة الأم نور (أدت الدور مريم كامل)، بهديّة، هي عبارة عن ثلاجة (برّاد) يشتريانها من إسرائيل، لكن لا تسمح حواجز الجيش الإسرائيلي المحتلّ بالسماح لفرحتهم بأن تكتمل. بالمناسبة، يمكن مشاهدة الفيلم على "نتفليكس". 

المشاركة العربية في جوائز الأوسكار ضعيفة، والملاحظ أيضاً قلّة عدد الأفلام العربية التي تصل إلى القوائم النهائية، رغم إقبال بعض الدول العربية، أخيراً، على ترشيح أفلامها للجائزة

أكثر البلدان العربية التي رشحت أفلاماً للمسابقة هي مصر، بدأتها عام 1958 بفيلم "باب الحديد" ليوسف شاهين. ومن ثم الجزائر، الأكثر وصولاً إلى القوائم الأخيرة، فلبنان وبعدها المغرب وفلسطين. في حين أنّ دولاً عربية أخرى لم تفعل ذلك حتى الآن، ومنها سورية التي رُشّحت أفلاماً منها، ولكن بشكل مستقل، بعد الثورة السورية عام 2011

ننتظر الأوسكار، رغم إدراكنا أنّ صناعة السينما في عالمنا العربي ضعيفة، وأنّ هذه الصناعة لا تزدهر إلا بأجواء الحرية، الضيّقة، بل تكادُ تكون معدومةً في بلداننا.

 

العربي الجديد اللندنية في

22.04.2021

 
 
 
 
 

الأوسكار... أفضل فيلم أجنبي يلقي الضوء على الجانب المظلم للبشرية

نيويورك - لندن: «الشرق الأوسط»

قسوة البشر تجاه بعضهم كانت الموضوع الرئيسي لقصص الأفلام المرشحة في فئة أفضل فيلم أجنبي في جوائز الأوسكار هذا العام، حيث عرضت معظم الأفلام المرشحة من 5 بلدان، منها اثنان لأول مرة، قصصاً عن الإبادة الجماعية والفساد والتنمر.

وكان الفيلم الدنماركي الكوميدي «جولة أخرى» (آناذر لايف) الاستثناء الوحيد بينها، حيث قدّم قصة معلمين يتفقون على شرب نوع معين من الكحوليات يومياً، أملا في أن يساعدهم على اجتياز أزمة منتصف العمر، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.

وهذا الفيلم هو الأكثر توقعاً بنيل الجائزة في الحفل الذي يقام الأحد، لا سيما أن مخرجه توماس فينتربرج، المشارك في تأسيس حركة «دوجما 95» لصناعة الأفلام الطبيعية بميزانية منخفضة، مرشح أيضاً لنيل جائزة أفضل مخرج. أما بقية الأفلام المرشحة في هذه الفئة فلها مضمون مظلم، لكنها تبث أيضاً رسائل أمل.

وتخوض رومانيا السباق لأول مرة هذا العام بفيلم «جماعي» (كولكتف) الذي يدور حول كارثة حريق مميت في ملهى ليلي، وهو مرشح أيضاً في فئة أفضل فيلم وثائقي. ويقدم الفيلم قصة الصحافية كاتالين تولونتان التي تكشف تحقيقاتها أن الضحايا الذين أصيبوا بحروق بالغة يعالجون في أوضاع بائسة في المستشفيات وباستخدام منتجات تنظيف ارتبطت بالكثير من الوفيات. وقال مخرج الفيلم ألكسندر ناناو إن ترشيح الفيلم لجائزتين يعني أن الحريق الذي وقع عام 2015 وفضيحة الرعاية الصحية التي أعقبته «لن تنسى أبداً».

ويدور الفيلم البوسني «إلى أين تذهبين يا أيدا؟» (كوى فاديس أيدا؟) عن المحاولات اليائسة التي تبذلها امرأة لإنقاذ زوجها وأبنائها خلال مذبحة سربرنيتشا في 1995. وإذا فاز بالجائزة سيكون ثاني فيلم من البوسنة يحقق ذلك بعد فيلم «الأرض المحرمة» (نو مانز لاند) في 2002.

وتقول مخرجة الفيلم ياسميلا جبانتش: «هذا الفيلم لا يهدف لتقسيم الناس ووضعهم في مواجهة بعضهم وإنما العكس، لفهم بعضنا بعضاً على نحو أفضل».

وفيلم «الرجل الذي باع جلده» (ذا مان هو سولد هيز سكين)، وهو أول فيلم تونسي يرشح لنيل جائزة أوسكار، هو دراما ساخرة تدور حول لاجئ سوري يوافق على أن يصبح عملاً فنياً حياً على أمل نيل تأشيرة إلى أوروبا.

ويدور فيلم «أيام أفضل» (بتر دايز) من هونغ كونغ حول طالبة مدرسة ثانوية تتعرض لتنمر وتخوض امتحانات صعبة للالتحاق بالجامعة. وحقق هذا الفيلم 230 مليون دولار عند عرضه في دور السينما الصينية في 2019. ويقول مخرجه ديريك تسانغ: «يحمل الفيلم رسالة إيجابية للغاية و(التنمر) أمر يتعين مناقشته».

 

الشرق الأوسط في

24.04.2021

 
 
 
 
 

جوائز الـ"أوسكار" غداً: التحضيرات الاستثنائية والتوقعات

لوس أنجليس/ العربي الجديد

حرص منظمو احتفال توزيع جوائز الـ"أوسكار" الذي يقام حضورياً مساء غداً الأحد على تفادي أي مجازفة في ما يتعلق بجائحة "كوفيد-19"، فاكتفوا بسجادة حمراء "صغيرة جداً"، ولم يوجهوا دعوات إلى أبرز أقطاب هوليوود، وجعلوا للكمامات دوراً "مركزياً".

احتفال الـ"أوسكار" الـ93 المناسبة الأولى التي تجمع أهم شخصيات هوليوود منذ أكثر من سنة. وقال منتجه المشارك، ستيفن سودربيرغ، إنه يستمر 3 ساعات، و"لن يكون كأي شيء أقيم سابقاً". وسيكون في إمكان المرشحين المدعوين أن يتخالطوا في الهواء الطلق، في فناء محطة "يونيون ستيشن" الشهيرة للقطارات في لوس أنجليس، على أن يتناوبوا بعد ذلك دخولاً إلى القاعة وخروجاً منها خلال الاحتفال.

حفل حميم بعيداً عن "زوم"

حفل توزيع الجوائز لن يحضره إلا المرشحون وشركاء حياتهم ومقدّمو الاحتفال، والسجادة الحمراء التقليدية ستكون أصغر بكثير من ما هي عادة، في حين أن قائمة الضيوف محدودة. وأمل سودربيرغ في أن تقدم جوائز الـ"أوسكار" للعالم "لمحة عما سيكون ممكناً عندما يتلقى معظم الناس اللقاح، وعندما تكون القاعدة إجراء اختبارات سريعة ودقيقة ورخيصة الثمن". وأكّد أن الكمامات "ستؤدي دوراً مركزياً وبالغ الأهمية" في الاحتفال.

أبقى سودربيرغ وزميلاه، المنتجان جيسي كولينز وستيسي شير، الكثير من التفاصيل طي الكتمان، لكنهم اعتبروا أن الطابع غير المألوف الذي "يؤمل أن يكون مميزاً" لاحتفال "أوسكار" في زمن الوباء "أفسح بالتأكيد الفرصة لتجربة بعض الأمور التي لم تُختبر سابقاً". وأشار سودربيرغ إلى أن الاحتفال سيتسم "بجمالية الفيلم السينمائي"، ولن يكون مجرّد "برنامج تلفزيوني"، عبر استخدام لقطات ذات طابع سينمائي مصورة "بكاميرا على الكتف من بين الجمهور"، وتنسيقات عالية الدقة مخصصة للشاشات الكبيرة.

سودربيرغ: الاحتفال سيتسم بجمالية الفيلم السينمائي

ومن المتوقع أن يحضر معظم المرشحين الاحتفال شخصياً، فيما أقيم موقعان في لندن وباريس يتيحان للأوروبيين الذين لن يتمكنوا من الحضور إلى لوس أنجليس المشاركة في الاحتفال، ولكن فقط عبر وصلات الأقمار الاصطناعية المتوافقة مع المعايير المطلوبة، لا بواسطة تطبيق "زوم".

ولم يعلن عن أي مقدّمين له، لكنّ هؤلاء الذين وصفوا بأنهم "طاقم الممثلين في الاحتفال"، سيتولون "تأدية شخصياتهم، أو نسخة من شخصياتهم". ومن بين المقدّمين هاريسون فورد وبراد بيت وريس ويذرسبون. وسيُطلب من المرشحين أن يرووا قصصاً شخصية خلال الاحتفال.

كذلك سيُقدم عرض موسيقي قبل الحفل عنوانه "أوسكارز: إنتو ذا سبوتلايت". وأعلن المنتجون أيضاً عن عرض بعد الحفل عنوانه "أوسكارز: أفتر دارك"، سيجمع كبار الفائزين خلال الأمسية مع التماثيل الذهبية التي نالوها، إلى جانب مقابلات مع النجوم.

والأغنيات المرشحة لـلـ"أوسكار" ستقدم من أعلى "متحف الأفلام" في لوس أنجليس ومن مدينة في أيسلندا.

التوقعات

شارك الناقدان السينمائيان في وكالة "أسوشييتد برس"، جيك كويل وليندسي بار، توقعاتهما للأفلام والممثلين والممثلات المرجح فوزهم خلال حفل توزيع الجوائز مساء الأحد.

الأعمال المرشحة للفوز بجائزة "أوسكار" أفضل فيلم هي: "ذا فاذر" The Father، و"جوداس أند ذا بلاك ميساياه" Judas and the Black Messiah، و"مانك" Mank، و"ميناري" Minari، و"نومادلاند" Nomadland، و"بروميسينغ يونغ وومان" Promising Young Woman، و"ساوند أوف ميتال" Sound of Metal، و"ذا تريال أوف ذا شيكاغو 7" The Trial of the Chicago 7 أشار كويل إلى أن فيلم Nomadland يبدو كأنه الفيلم المرجح أكثر للفوز بالجائزة، خاصة بعدما حصد جوائز "غولدن غلوب" و"بافتا" وجوائز نقابتي المنتجين والمخرجين.

الممثلات المرشحات لنيل جائزة أفضل ممثلة: كاري موليغان (Promising Young Woman)، وفرانسيس ماكدورماند (Nomadland)، وفيولا ديفيس (Ma Rainey's Black Bottom)، وفانيسّا كيربي (Pieces of a Woman)، وأندرا داي (The United States Vs. Billie Holiday). قالت بار إن التوقعات صعبة في هذه الفئة، ففيولا ديفيس فازت بجائزة "نقابة ممثلي الشاشة"، وأندرا داي بجائزة "غولدن غلوب"، وفرانسيس ماكدورماند بجائزة "بافتا". استبعدت فوز ديفيس بجائزة "أوسكار"، وقالت إن كاري موليغان جديرة بالفوز.

التوقعات ترجح فوز "نومادلاند" لكلوي تشاو بجائزة "أوسكار" أفضل فيلم

الممثلون المرشحون لنيل جائزة الـ"أوسكار" أفضل ممثل: ريز أحمد (Sound of Metal) وهو أول مسلم يرشح لنيل الجائزة، وتشادويك بوزمان (Ma Rainey's Black Bottom)، وأنتوني هوبكنز (The Father)، وغاري أولدمان (Mank)، وستيفن يون (Minari). قال كويل إنه أحب أداء المرشحين كلهم عن هذه الفئة، لكنه رأى أن الجائزة تنتمي لتشادويك بوزمان في أداء العظيم والأخير، متوقعاً أن يصبح ثالث ممثل يحصد هذه الجائزة بعد وفاته، على درب هيث ليدجر (The Dark Knight) وبيتر فينش (Network).

المرشحون لنيل جائزة أفضل إخراج: كلوي تشاو (NomadLand)، ولي أيزاك تشانغ (Minari)، وديفيد فينشر (Mank)، وإيميرالد فينيل (Promising Young Woman)، وتوماس فينتربرغ (Another Round). قالت بار إن تشاو هي المرشحة الأبرز للفوز بالجائزة، متمنية لو كانت ميراندا جولاي (Kajillionaire) بين المتنافسات.

أما في فئة الأفلام الأجنبية، فتتجه الأنظار نحو الدنماركي Another Round، علماً أن الفيلم التونسي "الرجل الذي باع ظهره"، للمخرجة كوثر بن هنية، مرشح عن الفئة نفسها.

من يختار الفائزين؟

تضم "أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة في لوس أنجليس" حالياً 9362 عضواً مصوتاً. تنقسم عضوية الأكاديمية إلى 17 فرعاً ــ ممثلين ومخرجين ومنتجين ومصممي أزياء وما إلى ذلك ــ ويجب أن يكون المرشحون نشطين أو "حققوا تميزاً" في صناعة السينما.

يجب رعاية المتقدمين من قبل عضوين في الأكاديمية يمثلان فرعهم. يعتبر الفائزون والمرشحون لجوائز الـ"أوسكار" تلقائياً أعضاء إذا تقدموا، ولا يحتاجون إلى رعاة.

تُراجع الطلبات مرة واحدة سنوياً من قبل مجلس حكام الأكاديمية الذي له القول الفصل في من ينضم إلى مجموعة النخبة.

اعتاد الأعضاء التمتع بحقوق التصويت مدى الحياة، لكن منذ عام 2016، اقتصرت "حالة التصويت" على 10 سنوات، وهي قابلة للتجديد لتجنب وجود ناخبين لم يعودوا نشطين في المجال.

نفاد مساحات الإعلانات

أعلن قسم مبيعات الإعلانات في "ديزني"، الخميس، أنها باعت كل مخزون الإعلانات لحفل توزيع جوائز الـ"أوسكار" الثالث والتسعين الذي تبثه شبكة "إيه بي سي" يوم الأحد. وستعرض علامات تجارية مثل "فيرايزون" Verizon و"إكسبيديا" Expedia و"إير بي أن بي" Airbnb و"كاديلاك" و"غوغل" و"روليكس" و"آبل" إعلاناتها غداً.

شركة "كانتار ميديا" كشفت أن متوسط تكلفة إعلان مدته 30 ثانية في الحفل، عام 2020، بلغت 2.15 مليون دولار أميركي، بزيادة قيمتها 9 في المائة عن عام 2019.

تنوع أكثر

قد تكون جوائز الـ"أوسكار" هذا العام، الأكثر تنوعاً، بفضل الإجراءات التي طاولت صناعة السينما خلال السنوات الأخيرة، إضافة إلى وباء "كوفيد-19" الذي قلب هوليوود رأساً على عقب، وفق ما يقول خبراء.

أدخلت "أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة"، المانحة لجوائز الـ"أوسكار"، إصلاحات عدة جذرية على عضويتها في السنوات الأخيرة، إذ رحبت بمجموعات من الناخبين الجدد الذين يعكسون تنوع المجتمع بشكل أفضل، بعد الكثير من الانتقادات لقاعدتها التي يسيطر عليها الرجال من العرق الأبيض.

العام الماضي كانت سينثيا إيريفو الممثلة الوحيدة من غير البيض المرشحة لنيل جائزة الـ"أوسكار" بين 20 ترشيحاً، لكن هذا العام تضم الترشيحات الأبرز الممثل الراحل الأسود تشادويك بوزمان (Ma Rainey's Black Bottom)، والممثل البريطاني الأسود دانييل كالويا (Judas and the Black Messiah)، والنجمة الكورية الجنوبية يون يو-جونغ (Minari). فيولا ديفيس التي تمثل إلى جانب بوزمان في Ma Rainey's Black Bottom تتنافس على جائزة أفضل ممثلة، بينما ترجح التوقعات فوز كلوي تشاو، المولودة في بكين، بجائزة أفضل إخراج.

في يناير/كانون الثاني عام 2015 أُطلقت حملة #OscarsSoWhite (جوائز أوسكار شديدة البياض) على وسائل التواصل الاجتماعي، للتنديد ولفت الانتباه إلى أن الغالبية العظمى من المرشحين الذين تكافئهم الأكاديمية عاماً بعد عام هم من البيض. حينها كان 93 في المائة من أعضاء الأكاديمية، البالغ عددهم 6 آلاف، هم من البيض، و76 في المائة من الذكور. بحلول عام 2020، ضاعفت الأكاديمية عدد النساء والأعضاء غير البيض، لتصل إلى الثلث من الإناث و19 في المائة من "الأقليات الممثلة تمثيلاً ناقصاً".

كما أن حملة #MeToo (أنا أيضاً) المناهضة للتحرش والاعتداء الجنسي التي أثارها الكشف عن جرائم المنتج الهوليوودي المدان، هارفي وينستين، أدت إلى تصاعد الدعوات بشأن منح النساء مزيداً من التمثيل في المهن السينمائية كافة.

اكتسبت هاتان الحملتان زخماً قوياً خلال السنوات الأخيرة، لكنهما اصطدمتا عام 2020 بتغير دراماتيكي وغير متوقع: وباء "كوفيد-19". أدت الجائحة إلى إغلاق دور السينما وتأخير إنتاج بعض أبرز الأفلام. لكن الجائحة أدت إلى تحقيق مزيد من التنوع، إذ قال بروفيسور العلوم الاجتماعية التي تركز على العرق، دارنيل هانت، لوكالة "فرانس برس"، إن الارتفاع السريع لمنصات البث أثناء الإغلاق العام "هو بالتأكيد جزء من القفزة الشاملة إلى الأمام في التمثيل، إذ أصبح التلفزيون أكثر تنوعاً بشكل أسرع من الأفلام". هانت هو المؤلف الرئيسي لتقرير هوليوود للتنوع السنوي في "جامعة كاليفورنيا" في لوس أنجليس.

وسط إعادة فتح كاليفورنيا مع تسارع وتيرة إعطاء اللقاحات، قد تعود هوليوود إلى ما كانت عليه العام المقبل، مع قائمة أقل تنوعاً من المرشحين في السنوات المقبلة. لكن هانت لا يتوقع عودة كاملة إلى "ما كان الوضع عليه قبل الوباء". وقال لوكالة "فرانس برس" إن "الإشارات تشير إلى الاتجاه الصحيح"، موضحاً أنه بالإضافة إلى تغييرات العضوية، تقدم الأكاديمية معايير الأهلية لأفضل المرشحين الذين يشملون الحد الأدنى من التمثيل للأقليات والنساء والمثليين ومخرجي الأفلام. وأضاف: "أعتقد أن كل هذه الاعتبارات مجتمعة تبشر بالخير".

 

العربي الجديد اللندنية في

24.04.2021

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004