ملفات خاصة

 
 

وحيد حامد.. "دارس نفسيّة الشعب"

أندرو محسن *

عن رحيل كاتب السيناريو

وحيد حامد

   
 
 
 
 
 
 

أنا في المكان الصح، أنا مع الناس، الناس اللي بقى لها سنين ماقالتش آه”.. بهذه الجملة على لسان شخصية “العميد مجدي” يختم وحيد حامد حوار فيلم “النوم في العسل”، لكن قد تكون هذه الجملة هي أصدق ما يعبر عن الكاتب وحيد حامد نفسه، فهو المؤلف الذي اختار عادة أن يتخذ صف الشعب والمهمشين في كتاباته العظيمة.

من الصعب التعامل مع رحيل السيناريست الاستثنائي وحيد حامد، على مدار مسيرته الممتدة لقرابة 50 عامًا من الإبداع في مجال التأليف.. جمع بأسلوب نادر بين كتابة شديدة التميز للمسرح والسينما والمسلسلات التليفزيونية والإذاعية أيضًا، ليترك الكثير من العلامات التي لا تنسى، العديد من الشخصيات، وعبارات صارت لها قوة الأمثال الشعبية.

من الصعب تخيل المشهد السينمائي دون هذا الأستاذ الفريد من نوعه، والذي يمكن أن نعده دون شك أحد أهم كتاب السيناريو في تاريخ السينما، ليست السينما المصرية وحدها بل في تاريخ السينما عمومًا.

ليس من المعتاد أن نجد اسم كاتب السيناريو محفوظًا ومتداولاً بين الجمهور.. عادة يحصل المخرجون والممثلون على مساحة أكبر من النجومية والشعبية بين الجمهور، لكن أعمال وحيد حامد نجحت في تجاوز هذا الحاجز الصعب، وصارت تُنسب إليه كما تُنسب إلى مخرجيها.

أنا مش عايز أتهان، متهيأ لي دي مطالب لا يمكن أتعاقب عليها

فيلم: الإرهاب والكباب

من الصعب ألا يجد المشاهد نفسه في واحدة أو أكثر من شخصيات وحيد حامد، هذه الشخصيات التي يمكن أن نصفها بـ”العادية”.. مواطنون تقليديون، التجسيد الأفضل لنقيض البطل.. ما الذي يلفت النظر في شخصية أحمد فتح الباب، بطل “الإرهاب والكباب”؟ لا شيء، لا شيء على الإطلاق، لا ملابسه ولا لغته ولا رغباته ولا حتى بقية أسرته.

اختيار هذه الشخصيات لتجسيدها على الورق ثم على الشاشة ليس بالأمر السهل بالتأكيد، الشخصية اللامعة ذات المميزات الخاصة هي التي تلفت نظر المشاهد عادة، بل قد يرى البعض أن السينما تمثل فرصة للهروب من الواقع، فلماذا يذهب المشاهد ليرى نفسه على الشاشة في النهاية؟

لكن وحيد حامد كان يعرف كيف يصنع من كل شخصية من هؤلاء حالة مؤثرة لا تُنسى.. يمكن التوقف عند مسلسل “بدون ذكر أسماء” تحديدًا لرصد هذه الحالة.. فغالبية شخصيات المسلسل كانت من المهمشين، فقراء الحال، بل أقل أحيانًا، بلا طموحات أو أحلام كبيرة..

يبدو أن هذه المساحة الضيقة هي ما يحب أن يُبدع من خلاله وحيد حامد، كتابة المساحات الصغيرة التي تقاس فيها العبقرية بحسن التصرف وإبداعه، فنجده يمنح كل شخصية أبعادها بالكامل، النفسية والاجتماعية والشكلية، ثم نشاهد كيف يحول الأحلام الضئيلة لهؤلاء الأشخاص إلى حدث كبير، فمع شخص مثل رجب الفرخ في “بدون ذكر أسماء” تصير مواصلة الحياة ليوم آخر وفرض السيطرة/البلطجة على منطقته، هي أقصى ما يطمح إليه، لكن سيناريو وحيد حامد يجعلنا نتوحد مع هذه الشخصية، إذ يقدم لنا شخصية مكتوبة بميزان حساس، بها عدة عوامل تجعلنا نكرهها، وأخرى تجعلنا نتعاطف معها، وبالتالي ننجذب للمشاهدة راغبين في الوصول إلى إجابة السؤال: هل سيعيش رجب ليومٍ آخر؟ والأهم من هذا، كيف سيعيش يومه الحالي؟

هذه الكتابة تخرج من مؤلف يحب شخصياته بالفعل، ولا يتعالى عليها أو يكتبها فقط، بل يعيشها.

إحنا دارسين نفسية الشعب المصري

فيلم: عمارة يعقوبيان

على لسان السياسي كمال الفولي تأتي العبارة السابقة، وهو يتحدث عن كيفية إدارة الانتخابات في بلد كمصر. بعيدًا عن السياسة وعن الفولي، كان وحيد حامد بالفعل دارسًا لنفسية الشعب المصري، ليس الجمهور فقط، بل أيضًا الخطوط الحمراء في مصر وكيفية التعامل معها.

اصطدمت عدة أعمال لوحيد حامد بالسياسة والرقابة، وهو أمر متوقع بالتأكيد، لأن أفلامه قد تكون الأكثر تعرضًا للشخصيات السياسية البارزة والوزراء بالنسبة إلى كاتب واحد.. على الجانب الآخر تعرض للوم من البعض، لأن أفلامه تمثل تطهرًا للمشاهد مما يواجهه من قسوة في حياته اليومية، لكنها في الآن ذاته تؤكد أن الصدام مع الحكومة ليس مُجديًا، والنهاية ستكون بالخروج الآمن من مجمع التحرير دون ضحايا أو مكاسب.

بإعادة قراءة هذه الأعمال بنظرة متأنية، أجد نفسي منحازًا إلى أن وحيد حامد تعامل بذكاء ليستغل أقصى هامش متاح للحرية في عصره.. ربما خرج المواطنون من مجمع التحرير دون أي مكاسب في نهاية “الإرهاب والكباب”، ربما وقف الشعب في مواجهة السلطة دون أن نعلم ما سيحدث في نهاية “النوم في العسل”، لكن خلف هذه النهايات كان الكثير من الأفكار التي مرت إلى أذهاننا في هدوء، والكثير من المواجهات الدرامية التي لم تكن ستخرج للنور دون نهايات مفتوحة بهذا النحو.

هذا الفهم لنفسية الشعب المصري هو أيضًا ما جعلنا نشاهد شخصية “محسن”، الموظف البسيط المثالي في فيلم “طيور الظلام”، فحتى عندما كان الصراع سياسيًا بحتًا بين قوتين، لم ينس وحيد حامد أن يرصد من يتأثرون بنحو أساسي بهذا الصراع، “محسن”، الذي لا يملك حتى قرار أن يبقى في عمله أو يبحث عن غيره براتب أفضل.. المشاهد ليس “فتحي نوفل” أو “علي الزناتي”، لكنه “محسن”.

لو أعدنا مشاهدة الفيلم دون مَشاهد “محسن” لما وجدنا أن الحبكة ستختل على الإطلاق، لكن وجود هذه الشخصية أضاف جانبًا آخر إلى الصراع.

كلمة بحبك: عقد

فيلم: اضحك الصورة تطلع حلوة

قد يكون وحيد حامد هو أكثر كاتب سيناريو مصري نحفظ له جملاً وحوارات كاملة، ليست مبالغة إن قلنا إنه في هذا يعادل “شيكسبير” بالنسبة إلى الإنجليز.

في عصر غلبت فيه كتابة التشبيهات المركبة والجمل التي تحاول أن تكون عميقة، نجد أن وحيد حامد كتب عبارات خالدة أهم ما ميّزها هو البساطة.

ينسى بعض كتاب السيناريو أن الحوار يجب أن ينبع من الشخصية نفسها، وكلما كانت العبارة صادقة ونابعة من الشخصية ومنسوجة في المشهد ليست دخيلة عليه، كانت أكثر قدرة على البقاء وأكثر صدقًا.

بينما يجاهد البعض لصناعة جملة حوار عظيمة الأثر، نجد أن جملة في بساطة “إحنا صغيرين أوي يا سيد” من فيلم “اضحك الصورة تطلع حلوة” تترك أثرًا لا يُمحى، لأن الجملة خرجت من شخصية مُسنة بسيطة نازحة إلى القاهرة لتحتك بعالمٍ لم تشاهده من قبل.

لا نُغفل هنا بالتأكيد أداء الممثلين وتوجيهات المخرج التي تجعل المشهد في النهاية متكاملاً، ولكننا نتوقف بالأساس عند الحوار الذي بُني عليه المشهد.

بنفس القدرة على صناعة هذه الجمل البسيطة النابعة من الشخصيات، يستطيع وحيد حامد صناعة جمل أخرى مركبة لكنها ذات تأثير عظيم مثل “إحنا ناس لازم الباطل بتاعها يبقى قانوني”، والتي وردت على لسان شخصية “فتحي نوفل” في “طيور الظلام”، هذه الجملة تأتي قرب نهاية الفيلم، لتجسد خبرة ورحلة “فتحي” بالفعل، هذا الذي تدرج في المناصب من خلال التحايل على القانون، القانون الذي يحفظه جيدًا ويدرك ثغراته، يمكنه أن يقول جملة مثل هذه، لكن لن تكون هذه العبارة مقبولة لو جاءت على لسان “سميرة”، فتاة الليل في الفيلم نفسه، لكننا سنتقبل منها فورًا أن تقول “يا اختي كده ينفع وكده ينفع”.

في كلمته وهو يستقبل تكريمه الأخير في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، قال الراحل وحيد حامد: “أنا حبيت أيامي”.. هذه الجملة شديدة القِصر والبساطة تلخص الكثير عن هذا السيناريست العظيم، في وسط حفلٍ كبير وحضور الكثير من الفنانين المصريين والأجانب، يقف وحيد حامد مستندًا إلى عصاه، يتنفس بصعوبة، يتحدث ببطء، لكنه يعلم كيف يودع جمهوره بعبارة أخيرة لا تنسى.

* ناقد فني

 

موقع "ذات مصر" في

02.01.2021

 
 
 
 
 

وحيد حامد: فارس الابداع الذي حارب «إرهاب الإخوان» بأعماله

كتبت: إسراء النمر

لم ينس وحيد حامد اللحظة التي طرق فيها مكتب يوسف إدريس، ليأخذ منه رأياً، أو اعترافاً، بمجموعته القصصية الأولى «القمر يقتل عاشقه»، إذ يحكي عنها في كل لقاء له، كما لو أنها حدثت للتو، فهي اللحظة التي حددت الطريق التي عليه أن يسلكها، ويمكن تسميتها -في حالته- بلحظة النور، لأن إدريس وضع أصابعه برفقٍ على كنز حامد، كنزه المهجور والمجهول آنذاك، فقد أخبره بأن رؤيته للعالم تصلح أكثر للدراما، وأن استمراره في كتابة القصة قد لا يجعله يحقق فيها شيئاً.

كان من الممكن أن يأسرها وحيد حامد في نفسه، ويعتبر ما حدث محاولة لهدم وسحق موهبته، ويواصل حياته وهو متوهماً بأنه إحدى ضحايا تشيخوف العرب، لكنه عمل بنصيحته، وعكف على كتابة سيناريوهات للإذاعة، وكان عمله الأول «الفتى الذي عاد»، المأخوذ عن مسرحية «مهاجر بريسبان» للبناني جورج شحادة، كفيلاً لأن يشعر الجمهور بأنهم أمام موهبة مغايرة، موهبة تستطيع أن تجعلهم يغيرون مصائرهم أو على أقل تقدير يراجعون أفكارهم.

صعد نجم وحيد حامد بهدوء، ومن عمل لآخر، كان اسمه يضرب بجذوره في الأذهان، حتى صار الفنانون والمخرجون يحلمون بالعمل معه، وصار أيضاً الروائيون وكُتّاب القصة يحلمون بأن يحوّل أعمالهم الإبداعية إلى أعمال درامية سواء كانت مرئية أو مسموعة، من بينهم إدريس، الذي كان كلما قابله مازحه قائلاً: «يا واد .. دا أنا اللي شاورتلك على الطريق».

فى الندوة التى أقيمت له على هامش مهرجان القاهرة السينمائى، اعترف وحيد حامد بنبرة تشى بالندم بأنه لم يستطع أن يسدد دينه ليوسف إدريس، وأنه يتمنى أن يسدده بدلاً عنه ابنه المخرج مروان حامد، الذى شكل معه ثنائية قوية فى فيلم «عمارة يعقوبيان/ 2006»، ولكتابة سيناريو هذا الفيلم حكاية لابد من سردها، فقد كان وحيد حامد -ولا يزال- متحمساً للسيناريست تامر حبيب، باعتباره واحداً من تلاميذه، وفى يوم أعطاه رواية علاء الأسوانى التى تحمل نفس اسم الفيلم، وطلب منه أن يقرأها ويكتب من خلالها نصاً سينمائياً، لكن حبيب رأى أن الرواية أكبر من خبرته حينها، وأنه ليس هناك سوى أستاذه الذى يستطيع فعل ذلك.

حقق عمارة يعقوبيان (سيناريو وحيد حامد، وإخراج مروان حامد) نجاحاً ساحقاً، فقد كان صاحب أعلى إيرادات فى تاريخ السينما المصرية حينها، وتم اختياره ليمثل مصر للترشح بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية، وأُدرج ضمن قائمة أهم مائة فيلم عربى حسب استفتاء مهرجان دبى السينمائى الدولى فى دورته العاشرة، كما حقق بالتوازى جدلاً هائلاً، لتسليطه الضوء على التغيرات التى طرأت على فكر وسلوك المجتمع، لا أحد بإمكانه مثلاً أن ينسى مشهد عادل إمام -الذى قام بشخصية زكى الدسوقى العاشق للنساء والخمر- حين وقف فى ميدان طلعت حرب فى ساعة مبكرة صارخاً: «إحنا فى زمن المسخ».

عبارات وحيد حامد مثل رصاصات، تخترق من يسمعها، وتستقر بداخله، لكنها رصاصات لا تميت، إنما تُحيى، مثل عبارة «كلمة أنا بحبك عقد.. اللمسة عقد.. النظرة عقد.. الوعد بالجواز دا أكبر عقد» من فيلم اضحك الصورة تطلع حلوة، وعبارة «أقسم بالله العظيم أن أحترم هذه الصدفة.. أن أحترم هذه الغلطة التى جعلتنى وزيراً.. وأن أحسن استغلالها» من فيلم معالى الوزير، وعبارة «أنا المسكين فى هذا الزمان.. أنا المحاط بالأوهام.. أنا الذى إذا جاع نام» من فيلم اللعب مع الكبار، وغيرها من العبارات التى يرددها الناس كتعويذة، أو صلاة.

يقول فى الندوة التى حضرها المئات: «لم أتبن فى أعمالى الدرامية والسينمائية سوى القضايا التى أؤمن بها، ولم يحدث أنى انحدرت بمستوى الفن، حتى النصوص الكوميدية التى كتبتها لم أقصد بها الإضحاك، أو الإسفاف، لقد تعاملت باحترام وإخلاص، وربما بقدسية مع ما أفعله، وكنت كلما تقدمت فى العمر التصقت أكثر بالمخرجين والكُتّاب الشباب لأجدد فكرى، ولا أصاب بالجمود، والحق أقول إننى تعلمت منهم أضعاف ما تعلموه منى».

يحب وحيد حامد أن يعدد أفضال الآخرين عليه، ليرسخ فى وجدان من حوله قيمتى الامتنان والتواضع، فيذكر دائماً أن الناقد يوسف شريف رزق الله كان أول من اصطحبه إلى مهرجان كان، وأن المخرج الإذاعى مصطفى أبو حطب أول من علمه كتابة جملة حوارية رشيقة وجذابة، وأن نجيب محفوظ وعبد الرحمن الشرقاوى أصقلا موهبته، وأنه لولا فنانون مثل عادل إمام وأحمد زكى ويسرا ومخرجون مثل سمير سيف وشريف عرفة وعاطف الطيب ما كان استطاع أن يترك بصمة، إنه يصر على أنه الذى عاش فى زمانهم، وليس هم الذين عاشوا فى زمانه.

لكن يظل الناس هم أصحاب الفضل الأكبر عليه، فقد كان حريصاً أن يحتك بهم طيلة الوقت، ليعرف قضاياهم ومشاكلهم، وليعرف أيضاً اللغة التى يستخدمونها، إن كثيراً من الحوارات التى جاءت فى أعماله حقيقية، وأصر على نقلها كما هى، فمهمة السيناريست هى هضم الواقع وإعادة طرحه بشكل فنى مبهر، وربما لهذا تعامل النقاد مع أعماله باعتبارها نبوءات، لكنه يرى أن السينما ليس بإمكانها أن تتنبأ، إنما فقط أن تتوقع وتُلمح وتعرى.

انحيازه للواقع، جعل البعض يتخوف من موقفه من الأعمال القائمة فقط على التخييل، والتى تصدرت المشهد فى السنوات الأخيرة، لكنه حسم ذلك قائلاً: «أنا مع الإبداع بكل أشكاله، ومن حق أى كاتب أن يطور من رؤيته للعالم والفن، ويطأ أرضاً جديدة.. السيناريست أساساً لابد أن يكون خياله خصباً وقوياً، وإلا لن يستطيع التعامل مع القضايا الاجتماعية والسياسية، لأن هذه القضايا بالتحديد يجب تناولها بذكاء وعذوبة وإحساس عال حتى يشعر المشاهد أنه يكتشف جانباً آخر من الحياة».

يمتلك وحيد حامد من المرونة والأريحية ما يجعله يعيد كتابة السيناريو مع المخرج، إلى أن يخرج بالشكل الذى يرضى جميع الأطراف، وبالشكل أيضاً الذى لا يخل بمعنى الفيلم ورسالته، كما أنه يمتلك من الدهاء ما يجعله يفلت من الرقابة بأقل الخسائر، فقد أفشى سر الصنعة أمام زملائه والجمهور ورئيس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية الدكتور خالد عبد الجليل: «الاصطدام بالرقابة أمر لا مفر منه، وأنصحكم بالتحايل عليها، عن طريق وضع مشاهد فارغة وغير مهمة، مثل مشاهد التقبيل، حتى ينشغلوا بها، ويتركوا المشاهد الأصعب، والتى لا مجال لحذفها». مضيفاً بخفته المعهودة: «فكوها شوية.. وخلوا الناس تتكلم».

لم تتوقف جرأة أفلام وحيد حامد على كشف الفساد والظلم الذى يقع على فئات بعينها، وإنما أيضاً على مواجهة الإرهاب والتطرف الدينى وجماعة الإخوان الإرهابية، فكانت له فى سنوات التسعينيات، التى تصاعدت فيها وتيرة الاغتيالات، ثلاثة أفلام من بطولة عادل إمام وهى «اللعب مع الكبار» و«الإرهاب والكبابً» و«طيور الظلام»، وكان له أيضاً فيلم «دم الغزال/ 2005» بطولة نور الشريف ومنى زكى، إذ ركز فى هذه الأفلام على أن الفقر والجهل والبطالة أكبر شركاء للإرهاب، فالجماعات المتطرفة تستقطب دوماً أولئك الذين بإمكانها أن تغسل عقولهم وتسلب إرادتهم.

وفى 2010، خاض وحيد حامد مواجهة جديدة مع الإرهاب، بكتابته للجزء الأول من مسلسل الجماعة الذى تناول فيه نشأة جماعة الإخوان على يد حسن البنا والصراعات التى خاضها ليفرض نفسه على المجتمع، وفى 2017 عُرض الجزء الثانى من مسلسل الجماعة الذى تناول تاريخ الإخوان بعد فترة حسن البنا فى ظل حكم الرئيس جمال عبد الناصر، وهى الفترة التى سيطر فيها حسن الهضيبى وسيد قطب على الجماعة، وفى مطلع 2020 صرح وحيد حامد لأحد البرامج بأنه يعكف على كتابة الجزء الثالث، الذى سيقول فيه بوضوح إن السبعينيات هى التى أتت بالتيارات والجماعات الإسلامية المتشددة التى أرهبت المجتمع وأرعبت الناس.

يواصل: «لم يكن لديّ يوماً أية حسابات، ولم أخش أحداً، أو جهة، فقد قررت من البداية أن أهب حياتى للفن والناس، والدليل أننى لم أحصل على منصب أو عطية، ولم أكسب مليماً واحداً إلا بجهد حقيقي».

من أبرز مغامرات وحيد حامد أيضاً فيلم «الراقصة والسياسى»، المأخوذ عن قصة لإحسان عبد القدوس، والذى قدمت فيه نبيلة عبيد دور راقصة «استعان بخدماتها أحد أجهزة الدولة السرية عن طريق الضابط المخابراتى المكلف بشئون الفرفشة والأنس والليالى الحمراء الذى تحول لسياسى مهم فى البلد» وقد أدى دوره صلاح قابيل، فى الفيلم الذى أنتج عام 1990 إشارة واضحة ومبكرة لأن دولة الفساد ستنهار لا محالة، كما فيه تظهر براعة وحيد حامد فى تحويل الأعمال الأدبية إلى سينمائية.

وقد أفشى أيضاً سر براعته، وهو خلقه لروح مغايرة عن روح النص الإبداعى الحقيقية، ولكى يحدث ذلك، «يجب أن يقرأ السيناريست القصة أو الرواية أولاً ويستوعبها جيداً ثم يكتب السيناريو وفق رؤيته الخاصة، فمن حقه تغيير بعض عناصر العمل الإبداعى، ومثلما قال نجيب محفوظ «الرواية موجودة بالمكتبة، لكنّ الفيلم السينمائى ملك صاحبه، لهذا ينبغى أن يمتلك روحه الخاصة»، «كما يجب أن يتوحد السيناريست مع شخصياته، ويتقمص أدوارهم، ويتخيل ردود أفعالهم»، فقد كان يظن البعض أن وحيد حامد مجنون لفرط ما كان يحدث نفسه وهو سائر بالشوارع أو جالس فى الأماكن العامة والمقاهى.

كان الشباب الأكثر حضوراً فى ندوة مهرجان القاهرة السينمائى، سواء كانوا فنانين أو محبين أو طلاباً فى معهد السينما، ويدل ذلك على شيئين، أولهما أن الزمن لم يمحُ الرغبة الملحة لدى المرء فى أن يكون له أستاذ ومرشد وملهم، وثانيهما أن أعمال وحيد حامد ستظل حية لأنها تناولت قضايا تهم كل الأجيال، لهذا كانوا يتطلعون لأن يقدم لهم نصيحة، كما فعل معه يوسف إديس فى بدايته، فاسترسل قائلاً:

«لقد ولدتم فى عصر التكنولوجيا التى فرضت أشياء جديدة، وخلقت حالة من الاستهتار.. أوصيكم أن تستمدوا معرفتكم من الكتب، فالثقافة الرفيعة تتحقق من خلال القراءة والعلوم، وإذا كنا سنستخف بالأمور وننغمس فى الثقافة الرديئة فسوف نخسر كثيراً.. ابحثوا عن قضاياكم الخاصة.. وامنحوا لمن هم مثلى عمراً جديداً».

 

####

 

أشهر كلمات وإبداعات الراحل « وحيد حامد» على لسان أبطال أفلامه.. فيديو

محمد فاروق

فقدت الأوساط الثقافية والفنية في مصرمبدع من الطراز الفريد واحدا ممن أثروا فى السينما والدراما المصرية بأعمال، ستبقى محفورة في الذاكرة الفنية لمصر والعالم العربي ، الكاتب الراحل وحيد حامد، الذي توفي صباح السبت عن عمر 76 عاما بعد تدهور حالته الصحية في أحد مستشفيات القاهرة.

حملت أفلامه جملا كثيرة تتسم بالعمق والاختزال لذلك ظلت جمله الحوارية في السينما المصرية، في ذاكرة الجمهور العربي، لكونها اختزلت العديد من المواقف والمشاعر التي تعبر عن أبطالها ، ويتم تداولها حاليا ويضرب بها الأمثال ويستشهد بها الناس في مواقفهم الحياتية وذلك نابع من صدق الكاتب الراحل وحيد حامد وقربه من الشارع فعبر عن همومه وعن أفراحه ومشاكله.

تستعرض بوابة أخبار اليوم، فى الفيديو أشهر كلمات وإبداعات الراحل وحيد حامد على لسان أبطال أفلامه:

ومن أعماله السينمائية، طائر الليل الحزين، فتوات بولاق، غريب في بيتي، البريء، أرزاق يا دنيا، الراقصة والسياسي، الإنسان يعيش مرة واحدة، الغول، أنا وأنت وساعات السفر، معالي الوزير، آخر الرجال المحترمين، الهلفوت، الإرهاب والكباب، المنسي، اللعب مع الكبار، ديل السمكة، عمارة يعقوبيان.

 

####

 

مروان حامد: تربيت في بيت سينمائي.. فيديو

محمد طه

رحل الكاتب والسيناريست الكبير وحيد حامد، صباح اليوم، عن عمر ناهز الـ77 عامًا بعد تعرضه لأزمة صحية.

وتحدث المخرج مروان حامد عن والده في تصريحات تلفزيونية سابقة قائلا: "تربيت في بيت سينمائي ولدينا حرية في منزلنا وقدرة كبيرة على النقاش والتفاهم.. فهو فتح لي باب معرفة بعالم السينما استفدت من خلاله".

وتابع: "وحيد حامد قدم العديد من الشخصيات في صناعة السينما مثل شريف البنداري في "الجماعة 2" وتامر محسن في "بدون ذكر أسماء" ومحمد ياسين في "الوعد ومحامي خلع".. ودائما أكون فرحان باستفادة زملائي منه في الصناعة مثلما استفدت أنا".

يذكر أن الكاتب وحيد حامد من مواليد يوليو 1944 في مركز منيا القمح بمحافظة الشرقية، وأقام بالقاهرة منذ العام 1963 لتبدأ رحلته الفنية.

قدم وحيد حامد، عشرات الأعمال المهمة في سجلات السينما والدراما، أبرزها أفلام: «طائر الليل الحزين، وغريب في بيتي، والبريء، والراقصة والسياسي، والغول، والهلفوت، والإرهاب والكباب، واللعب مع الكبار، واضحك الصورة تطلع حلوة، وسوق المتعة»، إضافة إلى مسلسلات: «البشاير، والعائلة، والدم والنار، وأوان الورد، والجماعة».

 

####

 

محمد قناوي يكتب:

وحيد حامد لم يمت

من الذي قال أن وحيد حامد مات ؟ صحيح أننا صحونا صباح  اليوم  علي خبر يقول أن " الانسان وحيد حامد وافته المنية فجر اليوم إثر أزمة قلبية،  اثناء تواجده فى العناية المركزة بأحد المستشفيات بالقاهرة والتي دخلها قبل ايام قليلة  إثر أزمة صحية طارئة " ؛ ولكن وحيد حامد الأديب والمفكر والفيلسوف وفلاح مصر الفصيح لم يمت .. فسيظل عمره طويلا في تاريخ الفن والثقافة بل في التاريخ المصري المعاصر ؛ وحيد حامد ليس مجرد مجرد سيناريست أو كاتب أفلام سينمائية ومسلسلات تليفزيونية وإذاعية، بل كان ضمير هذه الامة وعاش طوال حياته هموم الوطن وحملها فوق رأسه؛ كان مواطنا مصريا وطنيا حتي النخاع عاش بين الناس واحس بهم وترجم احلامهم وامانيهم علي الشاشة ؛ التزم في أعماله بالحق والعدل وكان يقول دائما " كل قرش دخل جيبى من قلمى، ولم أتكسب أى شيء على الإطلاق، الإ بجهد حقيقى، وماكنتش مستنى حاجة من حد، لا عطية ولا منصب، وأنا بِعت نفسى للناس، وعشت وسطهم ".. هل كاتب وانسان بهذه المواصفات يمكن ان يموت ؟؛ من الممكن أن يرحل كجسد ولكن سيبقي ويبقي كل مشهد كتبه في فيلم سينمائي أو مسلسل تليفزيوني او اذاعي ؛ واضعا أما عينيه المواطن المصري وهمومه وامنياته واحلامه 

لا يمكن أن يموت من  يقول في فيلمه "الإنسان يعيش مرة واحدة"علي لسان بكري حارس المدرسة "الفنان علي الشريف" موجها حديثه لعادل إمام ويسرا قائلا :"الدنيا يا ولدي ليها وشين.. أبيض وأسود.. لما تبقى بيضا قدامك افتكر الأسود عشان تسلك، ولما تبقى سوده افتكر الأبيض عشان تقدر تعيش لبكرة .. وعلي لسان "حسن بهلول"- عادل امام-  في "اللعب مع الكبار" أنا عين الشعب .. مش عين الحكومة" ؛ وفي فيلمه "طيور الظلام " علي لسان شخصية فتحي نوفل يقول الكثير من الجمل الحوارية المحفورة منها : "القانون زي ما بيخدم الحق بيخدم الباطل.. واحنا الباطل بتاعنا لازم يكون قانوني"، وجملة أخرى محفورة يرددها الكثير من الناس :"البلد دي اللي يشوفها من فوق غير اللي يشوفها من تحت " وفي فيلمه "الراقصة والسياسي" قال علي لسان الراقصة سونيا -نبيلة عبيد- وهي تخاطب صلاح قابيل: "إيه حكاية رقاصة.. رقاصة.. ما احنا الاتنين زي بعض يا عبدالحميد.. كل واحد فينا بيرقص بطريقته.. أنا بهز وسطي وأنت بتلعب لسانك".
ولن نجد اعذب من العبارة التي قالها سيد غريب "أحمد زكي "المصور الفوتوغرافي البسيط الذي هاجر من بلدته إلى القاهرة مع أمه وابنته التي التحقت بكلية طب القصر العيني، وعاشوا تجربة لم تكن بسيطة عليهم:في فيلم"اضحك الصورة تطلع حلوة ": "كلمة أنا بحبك عقد.. اللمسة عقد.. النظرة عقد.. الوعد بالجواز دا أكبر عقد"، ولا يمكن ان يكتب هذه الجملة الرنانة"أحنا في زمن المسخ " الا وحيد حامد في فيلم"عمارة يعقوبيان"؛ وما هذا الجمال في  كلمات قسم حلف اليمين في الوزارة  قالها أحمد زكي في فيلم "معالي الوزير": "أقسم بالله العظيم أن أحترم هذه الصدفة.. أن أحترم هذه الغلطة التي جعلتني وزيراً.. وأن أحسن استغلالها"
هو "وحيد حامد بس" ولن يكون أحد مثله فهو ليس مجرد كاتب وسيناريست ولا مؤلف سينمائى فقط؛ بل هو "الفلاح المصرى الفصيح"الذى أخذ على عاتقه مهمة مناقشة قضايا الوطن كمواطن مصرى غيور وشخص مهموم طوال حياته ببلده ووطنه وأبناء وطنه؛ فقد استطاع من خلال مشواره فى الكتابة للسينما والدراما والاذاعة والمسرح أن يضيف قيمة كبيرة إلى لقب "السيناريست"، فاكتسبت المهنة بفضله رونقاً وأهمية أكبر، وهو أيضاً منتج مهم، استطاع أن يحافظ على أصول المهنة، جميعنا نحفظ تاريخه ولا يمكن ان ننساه بداية من أول افلامه «طائر الليل الحزين» والذى طرح خلاله قضية مراكز القوى التى عانى منها المصريون فى حقبة الستينيات مرورا بـ «فتوات بولاق» و«غريب فى بيتى» و«أرزاق يا دنيا»، والفيلم السياسى «الغول» و«العربجى» و«التخشيبة» و«فى لم بنات ابليس» و«آخر الرجال المحترمين» الذى انتقد فيه بيروقراطية المجتمع والدولة ثم يقدم «الهلفوت» ويطرح خلاله اشكالية قهر الانسان؛ ثم «حد السيف» و«ملف فى الآداب» ثم يلتقى بعاطف الطيب وأحمد زكى ليقدم هذا الثلاثى الرائع واحدا من أهم الأفلام فى تاريخ السينما المصرية وهو فيلم «البرىء» بعده يقدم فيلما رومانسيا «كل هذا الحب» وفى نفس العام يقدم فيلماً سياسياً هو «ملف سامية شعراوى» ليعود للدراما الاجتماعية فى اطار بوليسى كوميدى فى فيلم «الدنيا على جناح يمامة»؛ ثم يقدم فيلما ذا طابع سياسى «الراقصة والسياسى» بعده «مسجل خطر» وفى اوائل التسعينيات يكون اللقاء الأول مع الثلاثى الشهير وحيد حامد، عادل امام، المخرج شريف عرفة ليقدموا عدداً من أهم الأفلام السياسية اولها «اللعب مع الكبار» ثم «الارهاب والكباب»؛ ثم «المنسى» 1993 الذى طرح فيه قضية من أخطر القضايا فى المجتمع وهى قضية التفاوت الطبقى بعدها يقدم الثلاثى «طيورالظلام» والذى قدم صرخة ضد فساد السلطة والجماعات الدينية التى تتاجر باسم الدين ثم فيلم «النوم فى العسل» الذى طرح قضية العدالة وغلبة القهر والظلم على غالبية الشعب وقدم «كشف المستور»، ثم «اضحك الصورة تطلع حلوة»؛ و«سوق المتعة» و«محامى خلع» و«ديل السمكة» الذى رصد التحولات الهائلة فى المجتمع بعدها قدم «معالى الوزير» تلاه «عمارة يعقوبيان» وكان آخر افلامه «دم الغزال
»

وحيد حامد رجل علم أجيال واجيال كيف تحب السينما؛ علمهم كيف يحبون الوطن؛ علمهم كيف يكونوا غيورين على هذا الوطن ومهمومين بقضاياه لا يمكن ابدا أن يموت ابدا .

 

####

 

وحيد حامد.. الرجل الذي يعود دائماً

كتب- محمد الشماع

لا تصدقوا أن هذا الرجل الذي غاب عن الدنيا أمس، قد مات عجوزا اقترب من الثمانين. بل هو باق في أعماله التي كتبها بروح شاب في داخله، يحمل قلمه وأوراقه في كل مكان يذهب إليه. كان يحلم كالشباب، ويضحك مثلهم، ويختار منهم أبطال أفلامه ومخرجيها.

لا تصدقوا أنه مجرد سيناريست أو كاتب أفلام سينمائية ومسلسلات تليفزيونية وإذاعية، وحيد حامد بل هو أديب ومفكر وفيلسوف وعالم اجتماع ونفس وقائمة أخرى من العلوم تتشعب في رأسه وتتفرع إلى ما لا نهاية. لكنه في الوقت نفسه لا يخجل أن يجري اتصالا بشخص آخر أكثر تخصصاً ليأخذ منه معلومة دقيقة. لا يخجل أيضاً أن يضم فريقاً كاملاً من الشباب ليعاونوه على البحث عن قضية أو إشكالية تاريخية أو اجتماعية سيناقشها في أعماله بطريقته الخاصة، والتي لا ينازعه فيها أحد.

يمتن وحيد حامد في بدايته للكاتب الكبير يوسف إدريس، الذي ما إن قرأ مجموعته القصصية الأولى «القمر يقتل عاشقه» منتصف الستينيات، نصحه بالكتابة للدراما. لم يكذب وحيد خبر إدريس، بل بدأ بالفعل يكتب للإذاعة، فخرجت إلى النور ملحمة «الفتى الذي عاد» عن رائعة الأديب اللبناني الكبير جورج شحادة «مهاجر بريسبان»، وبطولة كرم مطاوع وأمينة رزق.

لم يهتم الجمهور - ذو الثقافة الرفيعة وقتها - بأطراف الحكاية وصلبها، بل لفتت أسماعهم جملة حوار ذكية لامعة، لكاتب سيكون صاحب رؤية ورأي في سنوات قليلة. وفعلاً لم يخيب وحيد رأي هذا الجمهور الواعي، فتواصلت أعماله الإذاعية، وبدأت حكايته مع السينما مع «طائر الليل الحزين» في 1977.

ظن الجميع أننا أمام موهبة سينمائية متفجرة، لكنه خدع الجميع، وكتب للتليفزيون في العامين التاليين (1978 - 1979) مجموعة من العلامات الكبرى في تاريخ الدراما العربية، أولها مسلسل «أنا وأنت ورحلة العمر» مع نور الشريف وإخراج محمد السيد عيسى، وثانيها «أحلام الفتى الطائر» مع عادل إمام وإخراج محمد فاضل، و»أوراق الورد» مع النجمة الكبيرة وردة وإخراج محمد شاكر.

مرت علاقة عادل إمام ووحيد حامد بمرحلتين، مرحلة أولى وهي مرحلة الثمانينيات، حيث قدما سوياً عدداً من الأعمال لم تنل حظاً كبيراً من النجاح الجماهيري والنقدي. منها مثلاً «الهلفوت» و»انتخبوا الدكتور سليمان عبدالباسط» و»الغول» و»الإنسان يعيش مرة واحدة». ربما لتعدد المخرجين والرؤى والاتجاهات، وربما لشعبية عادل إمام الذي كونها في أفلام بسيطة التناول في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، حيث لم يكن جمهوره يحب أن يراه إلا من خلالها.

هذه المرحلة كان وحيد ينجح مع نور الشريف وسمير سيف في «آخر الرجال المحترمين» و»غريب في بيتي».

البعض يؤرخ للنجاح الجماهيري لأفلام وحيد حامد وقت عمله مع عادل إمام في المرحلة الثانية، والتي تعاون فيها الثنائي (الذي لم يوفق في المرحلة الأولى) مع مخرج شاب وقتها اسمه شريف عرقة، تلك المرحلة التي صنعت فيها أفلام «اللعب مع الكبار» و»الإرهاب والكباب» و»طيور الظلام» و»النوم في العسل».

بالتأكيد نجحت تلك الأفلام جماهيرياً بفضل الثلاثي الذي حقق المعادلة الصعبة لكل الجمهور، فجمهور عادل إمام ينتظر فيلما كوميديا وجرعة ضحك مقبولة، في حين ينتظر جمهور وحيد (الذي بدأ يتكون قبلها بقليل) فيلماً مهماً يناقش قضية اجتماعية وسياسية بشكل جاد ومحكم مهنياً، في حين كان هناك جمهور الشباب المنحاز لابن الجيل، شريف عرفة، متنظرا منه المزيد بعد فيلمين فشلا جماهيرياً لكنهما نجحا نقدياً وهما «الأقزام قادمون» و»سمع هس».

صار الثلاثي وقتها على كل لسان. صارت مرحلة مهمة في تاريخ السينما، أحد أبطالها وحيد حامد.

ولكن كيف تشكل جمهور وحيد حامد؟. ربما قبل مرحلة (عادل إمام وشريف عرفة) بقليل، إذ يعتبر نجاح وحيد النقدي والمهني الحقيقي مع المخرج الراحل عاطف الطيب، وتحديداً في أفلام «ملف في الآداب» و»البرئ» و»الدنيا على جناح يمامة» و»كشف المستور».

البعض تساءل هل كاتب «الراقصة والسياسي» مع نبيلة عبيد، و»اضحك الصورة تطلع حلوة» مع أحمد زكي، و»سوق المتعة» مع محمود عبدالعزيز، يقبل أن يعمل مع جيل هاني رمزي وهاني سلامة وآسر ياسين وروبي ومنة شلبي ومحمد فراج. الإجابة نعم، وبغرابة شديدة دخل وحيد عالم السينما الجديد أستاذاً أيضاً. صنع أفلام كوميدية ورومانسية مثل «محامي خلع» و»الأولة في الغرام» و»ديل السمكة». تعاون مع أجيال أقل منه في السن والمكانة والمكان. فعل وحيد ما عجز كثيرون من جيله أن يفعلوه، ولكنه وحيد حامد.

في السنوات الثلاثين الماضية لم يهتز المجتمع مثلما اهتز مع مسلسل «العائلة»، حيث ناقش وحيد في عمله قضية الإرهاب، وأبكى الملايين ووضعهم في خندق واحد ضد هذا الخطر الأعمى. كذلك فعل في جزئي «الجماعة»، حيث ناقش أصل جماعة الإخوان ومنشأها والظروف التي هيأت لها المناخ أن تنمو وتتصاعد في المجتمع. فعل وحيد ذلك في عز وجود الجماعة وسيطرتها على النقابات واتحادات طلاب الجامعات قبل ثورة يناير 2011.

لم يخش وحيد حامد أحد. عارض السلطة - ولو شكليا - وفند فسادها في «عمارة يعقوبيان» «والنوم في العسل» و»المنسي»، إلا أن قضيته الكبرى كانت توعية المجتمع من أخطار أكبر، كان يراها بعقله وضميره.

وحيد قد غير عنوانه منذ ساعات، لكنه سيبقى طوال الوقت بجماهيريه وشعبيته وأفلامه ومسلسلاته التي لن تغيب عنها الشمس، ولن تدفنها الأيام.

 

####

 

رصيده 40 فيلما و30 مسلسلاً.. و«القمر يقتل عاشقه» أولى إبداعته

بوابة أخبار اليوم

يعتبر الكاتب الكبير وحيد حامد، أحد أشهر نجوم الكتابة في مصر والعالم العربي، وتعاون مع كبار نجوم التمثيل والإخراج، وقدم للسينما عشرات الأفلام المتميزة والمهمة، وناقش العديد من القضايا المهمة، وبلغ إجمالي ما قدمه طوال مشواره أكثر من 40 فيلماً، وحوالي 30 مسلسلاً تلفزيونياً وإذاعياً.

ولد وحيد حامد، فى 1 يوليو 1944 بقرية بني قريش مركز منيا القمح بمحافظة الشرقية، وتوجه إلى القاهرة عام 1963 لدراسة الآداب قسم الاجتماع، وتخرج من قسم الاجتماع بكلية الآداب جامعة عين شمس عام 1967، ليبدأ بالتوازي رحلة البحث عن تحقيق حلمه في كتابة القصة القصيرة والمسرحية، فكانت أولى إصداراته مجموعة قصصية بعنوان «القمر يقتل عاشقه»، ولكن فجأة تغير المسار، وتحول الاهتمام لكتابة الدراما بنصيحة من الكاتب الكبير يوسف إدريس، لتنطلق رحلة السيناريست وحيد حامد بين جدران ماسبيرو مطلع السبعينيات، بكتابة الدراما الإذاعية فقدم العديد من الأعمال الهادفة، وبعد ذلك اتجه إلى التليفزيون والسينما، حيث قدم مجموعة كبيرة من الأفلام والمسلسلات الناجحة.

وعمل الكاتب الراحل على تثقيف نفسه وظل سنوات مطلعا على الكتب الأدبية والفكرية والثقافية وزائرا للمكتبات والسينما والمسرح أملاً في أن يصبح كاتباً مميزاً للقصة القصيرة والمسرح الذي عرفه عن طريق شكسبير.

وتمتع الكاتب الراحل بقدر كبير من الموضوعية والجرأة، وبرع في تقديم أعمال اجتماعية ذات بعد سياسي تناقش قضايا المجتمع، وتعاون مع عدد كبير من المخرجين أبرزهم سمير سيف، وشريف عرفة وعاطف الطيب، وحظت أعماله بإعجاب الجمهور والنقاد، كما حظت بإشادات من مختلف المحافل المحلية والدولية وحاز عنها على العديد من الجوائز.

وبرع الكاتب الراحل وحيد جامد، في كتابة المقال السياسي والاجتماعي في عدد من الصحف ويحظى بجمهور كبير من القراء، كما أشرف على ورشة السيناريو بالمعهد العالي للسينما لمدة 4 سنوات متتالية أخرج منها عدداً من أفضل كتاب السيناريو الحاليين.

وكتب الراحل وحيد حامد العديد من الأعمال للسينما منها «طائر الليل الحزين، فتوات بولاق، غريب في بيتي، البريء، أرزاق يا دنيا، الراقصة والسياسي، الإنسان يعيش مرة واحدة، الغول، أنا وأنت وساعات السفر، معالي الوزير، بنات إبليس، آخر الرجال المحترمين، الهلفوت، الإرهاب والكباب، المنسي، اللعب مع الكبار، مسجل خطر، الدنيا على جناح يمامة، طيور الظلام، النوم في العسل، اضحك الصورة تطلع حلوة، عمارة يعقوبيان، دم الغزال، واحكي يا شهرزاد».

ومن أبرز ما قدمه وحيد حامد في الدراما مسلسلات «شياطين الليل، البشاير، العائلة، الدم والنار، كل هذا الحب، الناس سنة 2000، أوراق الورد، أحلام الفتى الطائر، آوان الورد، الجماعة، وبدون ذكر أسماء».

وفي الدورة الأخيرة من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي حصل السيناريست الراحل على جائزة الهرم الذهبي التقديرية لإنجاز العمر وذلك تقديراً لمسيرته المهنية الممتدة لأكثر من 5 عقود.

ولاقى تكريم وحيد حامد في مهرجان القاهرة السينمائى ترحيبا كبيراً من الفنانين والنقاد، حيث شهدت لحظة تكريمه بكاء العديد النجوم والنجمات مثل يسرا، إلهام شاهين، ليلى علوى، لبلبة، نيللي كريم، منة شلبى، وعلا رشدى، مع تصفيق حار من قبل الحضور بمجرد صعوده على خشبة المسرح.

 

بوابة أخبار اليوم المصرية في

02.01.2021

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004