ملفات خاصة

 
 

حُلم حاتم علي…

حُلمنا الذي لم يتحقّق بعد

إبراهيم نصر الله

عن رحيل عراب الدراما

حاتم علي

   
 
 
 
 
 
 

في صيف 2008 اجتمعنا في عمان. كان حلم تقديم رواية «زمن الخيول البيضاء» في مسلسل تلفزيوني، قد أصبح حقيقة؛ حاتم علي الذي قرأ الرواية، جاء إلى عمان متحمّساً، حتى أنه رفض الحديث في أي موضوع ماليّ: «ما دام المسلسل عن فلسطين، سنبدأ العمل، وبعدها نتحدث في التفاصيل المالية». هذا ما قاله لأخي طارق زعيتر، منتج العمل، الذي كان سعيداً في تلك الأيام بالنجاح الكبير للجزء الأول من مسلسل «باب الحارة» الذي أنتجه.

كان أكثر ما يشغلني هو المكان الذي سيجري فيه تصوير الأحداث؛ كنت أميل إلى وجود مكان جميل يمثل قرية «الهادية» وكان حاتم علي يجول في الأماكن بخياله، ويقول لي: أظننا سنجده في ريف طرطوس، هناك سنجد مكاناً معبّراً عن «الهادية».

كان المخطط أن يكون العرض الأول للمسلسل في رمضان 2009 مسلسل ينتمي لفئة المسلسلات ذات الإنتاج الضخم، لكنّ مسألة وجود الخيول التي ستلعب أدواراً حقيقية في المسلسل، كشخصيات، وأهمّها «الحمامة» و»الأدهم» كانت تحدّياً.

لم يطل الوقت قبل الوصول إلى قرار الاستعانة بمدرب خيول إسباني يأتي إلى عمّان، ليبدأ باختيار الخيول المناسبة وتدريبها، في الوقت الذي يكون العمل على السيناريو مستمرّاً، في انتظار بدء التصوير في كانون الأول/ ديسمبر 2008.

كانت شركة زعيتر قد حددت ميزانية كبيرة لكي يتحقق حلم إنتاج الرواية، ولذا راح أخي محمد زعيتر، المدير التنفيذي للشركة، يتنقّل بين العواصم على أمل عقد اتفاقيات مع الفضائيات التي ستقدم العرض الأول.

أعددتُ ملخّصاً للأحداث، وقائمة بالشخصيات، وحجم ظهورها، والأماكن لتي سيتم فيها التصوير، وكتبَ حاتم علي رؤيته للعمل في صفحة واحدة وجدتها لديّ، ليتم عرضها مع الملخص على المسؤولين في الفضائيات العربية. كان الهدف أيضاً من هذا أن تقوم إحدى الفضائيات الكبيرة بالمشاركة في الإنتاج، وبذلك يكون لها حق احتكار العرض الأول.

كتب حاتم علي، وسأُدرج هنا كلمته كاملة، لا لشيء، إلا لأنها تعبّر عن جوهر هذا المخرج الكبير الذي أدمى غيابه قلوب الناس: «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، مقولة روّج لها الغاصب طويلاً، كي يربح التاريخ بعدما ربح الأرض. «زمن الخيول البيضاء» مسلسل ليس عن القضية الفلسطينية، بل عن هؤلاء الذين عاشوا فوق هذه الأرض، يعتمد على الوثيقة المكتوبة والشفهية كي يعيد خلق حياة هؤلاء بتفاصيل ثرية، بدءاً من نهايات العهد العثماني، مروراً بالاستعمار البريطاني، وانتهاءً بالاحتلال الصهيوني عام 1948. من خلال رصد مصائر مجموعة من القرويين الذين يعيشون في قرية «الهادية» القريبة من القدس… مسلسل زمن الخيول البيضاء، يُفصح في جوانبه العديدة عن تفرّد في تقديم الحياة الفلسطينية برؤية جديدة غير مفتعلة وبصياغة بصرية متطوّرة تستخدم آخر التقنيات في عالم صناعة الدراما التلفزيونية، بهدف صناعة عمل جذاب وممتع يتكئ على قضية تشكل وجدان كل مشاهد عربي وينطلق من منظومة قيم عربية أصيلة، تنفرد باهتمامها الكبير بالإنسان والطبيعة.. وانطلاقاً من إيماننا بأن القضايا الكبيرة وحدها غير كافية لصناعة عمل فني كبير، فإن اهتمامنا سوف ينصبّ على أن تواكب الفكرة معالجة درامية تصوغ مصائر الشخصيات بأسلوب شيّق وعميق في آن معاً، عبر معالجات فنية مدعومة بإنتاج قادر على إعادة صياغة المشهد بكل ما يتطلّبه من تفاصيل.

نطمح من خلال «زمن الخيول البيضاء» إلى إعادة إحياء القرية الفلسطينية ببيوتها وأزقتها، سهولها وكرومها، أناسها وحيواناتها، حيث سيكون للخيول حضور متميز يتجاوز الواقعيّ إلى الدلاليّ، وكذلك لمدينة القدس التي سيكون لها حضور روحي ورمزي وأيضاً واقعي، بشوارعها، وساحاتها ومساجدها. وستتصارع فوق هذه المساحة شخوص مختلفة، تلتقي وتفترق، تحبّ وتكره، عبر مجموعة من الحكايات المتشابكة والممتعة، والتي ستنتمي إلى مواقع مختلفة، من العثماني إلى الإنكليزي إلى الصهيوني إلى العربي الفلسطيني، والمصري، والشامي. وسيقف خلف الكاميرا تقنيون وفنانون، ينتمون أيضاً إلى بلدان مختلفة، يجمع ما بينهم خبرات سابقة مشهود لها، كل ذلك من أجل تقديم مسلسل درامي جذاب وممتع، نأمل أن يُضاف إلى سجل الأعمال الدرامية المتميزة».

حين طُلِبَ مني أن أكتب السيناريو، ترددتُ كثيراً، رغم علاقتي القوية بالسينما التي تجسّدت في كتابين عنها، فقد كنت أريد أن أحرّر روايتي منّي، لكن الأمر أصبح مُلحّاً، فاشترطتُ أن أكتب ثلاث حلقات ترسل إلى حاتم علي، دون أن يقال له إنني من كتبها. قرأ حاتم الحلقات وأخبر المنتج: «سأبدأ من حيث بدأ هذا النص، وأُنهي حيث انتهى تماماً، لن أغيِّر شيئاً فيه». وهكذا امتلكتُ الجرأة لكتابة الحلقات السبع والعشرين التالية. وأعترف الآن أنني، رغم العمل المرهق حقاً في كتابتها، سعدت بالتجربة ذات البناء السينمائي (في كل حلقة 40 مشهداً على الأقل) كما أتيح لي أن أعيد كتابة زمن الخيول بالكاميرا، وهذه تجربة علّمتني الكثير، وستنعكس على كتابتي لرواية «قناديل ملك الجليل» التي كنت أحضِّر لها، كما أنها أتاحت لي أن أُضيف مشاهد كثيرة لم تكن في الرواية، ومضاعفة مساحة وجود بعض الشخصيات المؤثرة، التي كانت أدوارها تنتهي في منتصف العمل، فباتت تحضر حتى نهايته.

حديثنا عن الممثلين الذين سيؤدون الأدوار لم يكن يتوقف، وكلما خطر ببال أحدنا اسم اتصل بالآخرين، لكن حلمنا بدأ يصطدم بواقع مختلف، لم نتخيّله، ويمكنني القول الآن إنه كان البذرة السوداء العميقة لنبتة التطبيع الأشد سواداً التي نراها اليوم. فقد بدأ التملّص من إعطاء وعد بالمشاركة في الإنتاج، أو حتى تقديم العرض الأول، حين استعدَّ المنتج لدفع كامل تكاليف العمل. وبعد التملّص اقترحتْ إحدى الفضائيات الشهيرة السماح لها بتحويل القسم الأول من الرواية إلى مسلسل بدويّ! واشترطتْ أخرى، لا تقل عنها شهرة، تغيير المكان، أي أن لا يكون فلسطين، وسيشاركون في الإنتاج فوراً!

في تلك الأيام، أدركنا للمرة الأولى أن فلسطين غير مُرَّحبٍ بها في الفضائيات العربية.

وبعــــد:

ما دفعني لكتابة هذا المقال، هو توجيه التحية لروح فنان كبير التزم بفلسطين وقدم قضيتها في أبهى صورها، وتوجيه التحية لعشرات الآلاف من القارئات والقراء الذين تأثروا بعمق حين نشرتُ على صفحتي صورة لخبر صحافيّ قديم عن ذلك المؤتمر الصحافي الذي حضره حاتم علي وتمّ فيه الإعلان عن مسلسل زمن الخيول البيضاء، هؤلاء الذي بكوا الراحل الحاضر واحتضنوا بكل ما فيهم من حبّ فكرة هذا المسلسل.

هل هناك فرصة لتحقيق حلم حاتم هذا.. حلمنا؟ لن نفقد الأمل.

 

####

 

أويس مخللاتي يثير الجدل والغضب أثناء حضوره عزاء حاتم علي- (صور)

“القدس العربي”:

تعرض الفنان السوري أويس مخللاتي لموجة من الانتقادات بسبب صور نشرها عبر حسابه الخاص على تطبيق “إنستغرام”، التقطها خلال حضوره مراسم عزاء المخرج السوري الراحل حاتم علي التي أقيمت في الإمارات العربية المتحدة.

وتواجد في العزاء، الذي أقامته شركة الإنتاج السورية “كلاكيت ميديا” في مدينة دبي تكريما لإنجازات الراحل في مجال الفن، نخبة من نجوم سوريا من أبرزهم باسل خياط، مها المصري، عابد فهد، ديما بياعة، والعديد من النجوم الذين عبروا عن حزنهم الشديد لوفاة الراحل.

وأثار أويس مخللاتي حالة من الجدل والغضب من قبل الجمهور، حيث تعرض للانتقادات بعد نشره مجموعة صور له من العزاء وكأنه خضع لجلسة تصوير في مناسبة حزينة فيما تبدو خلفه صورة المخرج الراحل، وكتب معلقا: “لم نتمكن من الوقوف إلى جانب جثمانك الطاهر في عملية إخراجك لمشهدك الأخير في سوريتك … لكن روحك الجميلة التي رافقتنا في عزائك هنا في الإمارات العربية المتحدة أثبتت أنك وأعمالك وتاريخك وفنك وحبك وحب الناس لك لم ولن يفارقنا ولم ولن يفرقنا أبداً”.

وأضاف: “الرحمة لروحك الطاهرة حاتم علي ولنا وللجميع أهلاً وأحباباً وأصحاباً الصبر والسلوان… مع الشكر الخاص لمن قام بتنظيم هذا العزاء وساعد الحاتم على إعادة لم الشمل”.

وانتقد الجمهور تصرف مخللاتي معتبرين أن ما فعله هو حب ظهور، خاصة أنه ظهر في الصور في وضعيات خاصة للتصوير، مع ابتسامة تعلو وجهه، كما حرص في العزاء على التقاط الصور مع عدد من نجمات سوريا، وهو ما اعتبره الجمهور قلة احترام للمناسبة الحزينة، واتهموه باستغلال اسم حاتم علي ووفاته للظهور.

وكان مخللاتي قد شارك في عمل واحد من إخراج حاتم علي وهو مسلسل العراب، والجدير بالذكر أنه كان دور ثانوي وصغير.

وبدأت شهرة مخللاتي من خلال شخصية صخر شيخ الجبل شقيق جبل شيخ الجبل “تيم حسن” في سلسلة “الهيبة” الشهيرة، وهو العمل الذي تسبب بانتشار مخللاتي بشكل واسع عربيا.

 

القدس العربي اللندنية في

06.01.2021

 
 
 
 
 

مات في غرفة فندق

سما حسن

كان الأجدر به أن يعتني بقلبه؛ لأنه عزيزٌ على أحبَّته. كان عليه أن يهتمَّ بصحته؛ لأن فراقه سيوجعهم. وربما لأني من مدمني النصائح الطبية التي أقرأها هنا وهناك، فأذكر دراساتٍ كثيرة كشفت أن الرجال يموتون بقلوبهم أكثر من النساء، فعلى الرجال أن يسمعوا تلك النصيحة الخرقاء التي لن تمنع قدرًا، ولكنها تحمل حذرًا: اعتنِ بقلبك، ولو أن جدَّاتنا الحكيمات قلن قديمًا: الرجل يحمل ولا يلد .. وحين تلتفت، بكلِّ استغراب؛ لتسأل الجدَّة عن تفسير ذلك القول الغريب، تقول بحكمة: نحن النساء نبكي، ونشعر بالراحة بدموعنا، لكن الرجال يكتمون آلامهم وحزنهم في قلوبهم، ولذلك يموتون فجأة، والتفسير الطبِّي الجاهز لحادثة موت أحد الرجال المفاجئة أزمة قلبيَّة حادَّة.

مات في غرفة في فندق، في أثناء نومه. هذا هو ملخَّص خبر وفاة المخرج حاتم علي. وبذلك طوينا صفحة إخلاص ووفاء، أمام الخيانة والغدر، والتطبيع المهين المهدر لقضية العرب، وهي قضية فلسطين. وأكاد أجزم أن كثيرين مثلي قد سارعوا إلى مشاهدة التغريبة الفلسطينية، من جديد، وأنهم شعروا بأنهم يشاهدونها، كما لم يفعلوا ذلك، في المرَّة الأولى، ولسان حالهم يقول إن هذه التغريبة العربية، وليست الفلسطينية فقط، فكأنما كان المؤلف وليد سيف والمخرج حاتم علي يقرآن مستقبل الأمة العربية المهين، وحيث تحوَّلت الشعوب إلى قوارب لاجئين، ويوم أن هُجِّر الشعب الفلسطيني من أرضه، في عام 1948، كان يسطّر الحلقة الأولى لحلقاتٍ تاليةٍ من التهجير، وكلُّ واحدٍ ترك خلفه متاعًا، وحمل مفتاحًا، مثلما فعلت جدَّاتنا، وحيث أودعت أمُّ أحمد، في مسلسل التغريبة، مفتاح بيتها في صدرها، ودقَّت عليه بكفِّها؛ لتطمئن على وجوده، في أمان؛ أملًا بعودةٍ قريبة، وطال الأمل، ورحل الكبار، وتناقل الصِّغار مفتاح الدار.

ترك خبر وفاة المخرج حاتم علي سؤالين؛ أحدهما لا يحتمل عدة توقعات: كيف مات في غرفة في فندق، بعيدًا عن بلده، وقد تنقَّل بين منفى ومنفى، وعاش التغريبة مرَّتين؟ أما السؤال الأهم الذي يحتاج إجابة عملية: مَنْ يكمل بعده المشوار، بعد أن قدَّم "التغريبة الفلسطينية"، قبل ستَّةَ عشر عامًا؟ ففي أثناء تشييع جثمان الراحل، صاحت امرأة دمشقية، بأعلى صوتها: كثِّر خيرك يا حاتم. والحقيقة أننا يجب أن نشكره، كثيرًا وطويلًا؛ لأنه لو كان كلُّ رصيده الفنِّي مسلسل التغريبة الفلسطينية فهذا يكفي؛ لأنه أعاد صناعة الوعي الفلسطيني والعربي بالقضية الفلسطينية، وأمسك بتفاصيل حياة الفلسطيني، زمن النكبة، فكأنما يروي حكاية كلِّ لاجئ.

مات حاتم علي بقلبه، وغيره كثر من القادة والسياسيين والشعراء والكتَّاب الذين ماتوا في غرف فنادق غريبة، وظلَّ السؤال حائرًا: من قتل فلان؟ وربما قتله الخذلان، والخذلان أقوى مفعولًا من سُمٍّ مدسوس، أو عقارٍ مُذابٍ في شراب، وتبقى الحقيقة غائبة، ولكن حاتم علي مات بقلبه المثخن بحنين، وقلَّة حيلة على الفراق.

قلب حاتم علي خذله، كما قلوب كثيرين، أُثقِلوا بهموم أوطانهم، ولم يعتنوا بقلوبهم؛ فوقعوا ضحية موتٍ، بسكتةٍ قلبية، في الجزء الأخير من الليل، كما يفسِّر العلماء ذلك، وينامون مطمئنِّين لتفسيراتهم. وبالمناسبة، كلَّما مات رجلٌ بالغٌ أشدَّه بقلبه، أتذكَّر حادثةً مؤلمة، ففي صغري، تطيَّر الناس من حولي، من سيدة توفي زوجاها الاثنان، تباعًا، أمام التلفاز. وفي كلِّ مرِّة، تكون القصة المختصرة لحادثة الوفاة: أنَّ الزوج قرَّر أن يمضي سهرته، أمام التلفاز، مع زوجته، فغافله النوم، وظنَّت زوجته أنه نائم، وتابعت مشاهدة التلفاز، حتى إذا ما قرَّرت أن توقظه؛ ليخلدا إلى سريرهما، اكتشفت أنه قد مات، وقد تزوَّجت زوجها الثاني، وهو شقيق زوجها؛ لتتكرَّر معه القصة نفسها، وفي العمر نفسه تقريبًا، حتى كشفت دراسة أميركية أنَّ من أسباب الموت، في أثناء النوم، عواملَ وراثية مرتبطة بكهرباء القلب، ولكنك لا تستطيع أن تمسك بكلِّ شخص في الجوار، وتشرح له هذا التفسير العلمي، لتُبرِّئ الزوجة المتَّهَمة بأنها "وشّ نحس".

 

العربي الجديد اللندنية في

06.01.2021

 
 
 
 
 

جنازة الذاكرة أو نهاية سوريا حاتم علي

محمد سامي الكيال

يصعب على معظم «السوريين» تكوين فكرة عامة عن الأحداث السياسية والاجتماعية، التي تجري حالياً في سوريا، فباستثناء عدد من المتخصصين بالشأن السوري، من صحافيين وباحثين وسياسيين، يبدو كثير من السوريين فاقدين الرغبة والقدرة على استيعاب الوقائع السياسية والميدانية المتفرّقة، وتذكّر أسماء وانتماءات الميليشيات المتحاربة المتعددة، ومتابعة التعقيدات الإقليمية والدولية، المتعلّقة بالمسألة السورية. فضلاً عن أن تعبير «سوريين» إشكالي للغاية، ما يستلزم وضعه دوماً بين قوسين، فنحن نتحدث هنا عن مجموعة من السكان، يعيشون ظروفاً شديدة التشتت والاختلاف، وانعدام أدنى مقومات المتحد السياسي، ويشارك عدد منهم في حرب أهلية طاحنة، ضمن البقعة الجغرافية التي ما زالت تُعرف، في الوثائق الرسمية للأمم المتحدة، بـ«الجمهورية العربية السورية» إضافة إلى مئات الآلاف من النازحين واللاجئين حول العالم، الذين يحملون وثائق، تدلّ على أنهم كانوا، يوماً ما، من مواطني تلك الجمهورية.

ما يجعل تعبير «سوريين» أقرب لمصطلح إداري، من كونه مفهوماً سياسياً أو اجتماعياً. وضمن هذا الشرط تلعب الثقافة واللغة، والذاكرة على وجه الخصوص، الدور الأساسي في الإبقاء على مدلول ما لكلمة «سوريين» ولكن أي ذاكرة؟

يكتسب السؤال الأخير أهمية بالغة لدى الحديث عن وفاة المخرج السوري حاتم علي، وردود الأفعال، التي اتسمت بنوع من الإجماع على رثائه ورثاء زمنه، فالذاكرة الجمعية مفهوم يتسم بكثير من النسبية، وهي لا توجد إلا عبر عملية استرجاع معينة، تقوم بها كل فئة من موقعها الاجتماعي الخاص، خاصةً عندما تغيب المؤسسات الأيديولوجية المهيمنة، المعنية بإعادة إنتاج الذاكرة والموروث الشعبي، وبالتالي فإن ذاكرة «السوريين» عن بلادهم وحياتهم فيها، قبل عام 2011، شديدة التناقض والاختلاف، ويجب بالأحرى الحديث عن ذاكرة سورية متعددة ومتناحرة. إلا أن المنتجات الثقافية، التي لاقت في زمنها كثيراً من الإجماع والشعبية، تصلح لأن تكون وثائق عن الذاكرة السورية، أو بالأصح، كيف قدمت فئات معينة، كانت منظوراتها الأيديولوجية ومزاجها الثقافي سائداً في يوم من الأيام، عوالمها وذواتها، فنياً وثقافياً واجتماعياً، وكيف تسترجع هذه الفئات الآن، ومع اختلاف الظروف، منظورها القديم عن الذات، وترثي، بكثير من الحنين، زمنها وعالمها الضائع. وربما تكمن هنا الأهمية الأساسية لعمل حاتم علي وذكراه.

قدّم علي في أوج شهرته، واحدة من أفضل الصياغات، وأكثرها إتقاناً، للتصور الذاتي لفئات سورية معينة، عن وجودها الاجتماعي، وموقفها من السلطة والتاريخ والحاضر، إلا أنه من الخطأ، في الوقت نفسه، اختزال أعماله بوظيفتها الأيديولوجية، فهي تتسم بدرجة من الغنى الفني، الذي يتيح لها اتخاذ مسافة كاشفة عن الأيديولوجيا، التي صدرت عنها. فما الذي يمكن لمسلسلات حاتم علي أن تكشفه عما تبقى من الذاكرة والثقافة السورية المعاصرة؟

أحلام خائبة

نال علي جانباً كبيراً من شهرته العربية، مثل عدد آخر من المخرجين السوريين، بوصفه مخرجاً بارعاً للأعمال التاريخية، إلا أنه حقق، إضافة لهذا، إنجازاً صعباً في الشرط السوري، وهو تقديم أعمال اجتماعية معاصرة. والصعوبة تكمن في كيفية صياغة دراما عن الحياة اليومية، في بلد تم إغلاق حيّزه العام بشكل كامل، ولا يمكن فيه طرح أي قضية شائكة بحرية. الحل السائد، آنذاك، كان الأعمال الاجتماعية الكوميدية الخفيفة، التي تناقش بعض القضايا الأسرية والمعيشية، للفئة الوسطى المدينية، بشكل «نقدي» وقد برع علي في هذا النوع من الأعمال، رغم أنه لا ينتمي، من حيث النشأة، إلى تلك الفئة، فقدم مع الفنان ياسر العظمة، نسخة عام 1998 من مسلسل «مرايا» الذي يعبّر، بشكل كاركاتيري، عن نظرة بقايا البورجوازية الدمشقية لنفسها، ولبقية فئات المجتمع السوري، كما أخرج مسلسل «الفصول الأربعة» الذي يقدم عائلة، تتحدث اللهجة السورية «البيضاء» تعيش في مكان ما وسط العاصمة دمشق، ويسود بينها، رغم كل المشاكل، نوع من التضامن والمحبة. إنها «العائلة السورية» كما تحب أن ترى نفسها، والتي يتمنى أن يؤسس مثلها، أو يعيش فيها، كل من ينشد الترقي الاجتماعي والطبقي. وربما كان الحنين المعاصر لهذه العائلة توقاً لمثال، أكثر مما هو تذكر لشرط اجتماعي واقعي، عاشته فئة سورية، كان لديها بعض الملكية المالية والعقارية والأمن الاجتماعي.

إذا وافقنا على أن أعمال حاتم علي تعبّر عن الذاكرة السورية، الأقرب للتيار الأساسي، فهي قد تمتلك إذن القدرة على توحيد «السوريين» في ظروفهم الحالية الصعبة، على الأقل على الصعيد الثقافي.

في «أحلام كبيرة» المسلسل الأكثر تعقيداً وتراجيدية، يفارق علي نسبياً كليشيهات الفئة الوسطى، ليتحدث عن ثيمات مثل انكسار وقتل الأب، وثنائية الابن البار والابن العاق، من خلال تقديم سيرة أبناء تاجر دمشقي مُفلس. ورغم أن المسلسل امتلأ بالصراعات والمواقف غير المثالية، ولمّح بقوة للتعقيدات الطائفية، والعنف الأسري في سوريا، إلا أن علي استمر فيه بتقديم تصورات مرضية عن الذات، للسوريين الأقرب للتيار الأساسي، ممتزجة بكثير من الشجن والحساسية المفرطة، فهم أصحاب أحلام كبيرة وخائبة دوماً، وضحايا لظروفهم الصعبة، ويسلكون غالباً بمنطق رد الفعل، في عالم لم تعد قيمه واضحة للغاية. ولعل دور المرأة – الأم، الذي جسّدته الممثلة سمر سامي باقتدار، أفضل نموذج عن صورة الذات المشتهاة، فنرى امرأة شديدة الرقة والحنان، لا خصوصية أو ذاتية لها سوى العناية بالرجال الخمسة، الذين يحيطون بها طيلة الوقت، والخوف عليهم، رغم أنها لا تفتقر للذكاء والثقافة، إنها الأم – المثال، وربما الوطن، الذي حلم به كثير من سوريي حاتم علي.

من الظلم اعتبار أعمال علي بسيطة، أو ضعيفة الشكل والمحتوى، ولا يمكن نقده، بالتأكيد، لأنه لم يعالج أوضاع طبقات وفئات اجتماعية أخرى، ولكنه قدم صوراً سهلة الهضم، ومنزوعة الأشكلة، لعالم سوري انتهى الآن، وقد يكون الحزن الشديد عليه حنيناً لصورة هذا العالم، ولزمن كان من الممكن فيه، لمن وجدوا في الفن سبيلاً للترقي الاجتماعي والثقافي، أن يعيشوا حياتهم، ويقوموا برثاء ذاتهم، بدون مواجهة أسئلة شديدة الصعوبة، مثل التي يعيشونها اليوم.

الأندلس تضيع دوماً

ما أثارته وفاة حاتم علي من مشاعر الفقد، ورثاء بلد وزمن ضائعين، يتفق مع ثيمة عمل عليها كثيراً في مسلسلاته التاريخية، وهي الأرض المفقودة، سواء كانت الأندلس، الفردوس الضائع في الأيديولوجيا القومية العربية المعاصرة، أو فلسطين ما قبل النكبة، أو حتى ديار الإسلام في زمن قادة عرب ومسلمين، بالغي العدل والجبروت، مثل عمر بن الخطاب وصلاح الدين الأيوبي. وعلى الرغم من أن علي لم يسقط في معالجات مبسّطة للأزمنة الخالية، بل استطاع، بالتعاون مع كتاب سيناريو مميزين، تقديم صور متعددة الجوانب عن الأرض الضائعة، إلا أنه كان من أهم من أعادوا إنتاج التصورات الأيديولوجية السائدة عن الماضي، في الثقافة الجماهيرية العربية في العقود الأخيرة.

وعلى الرغم من أن الفردوس المفقود ثيمة أساسية في الفكر الإنساني، ومن المتوقع أن تزداد أهميتها في السياق العربي، الذي لم تنقطع فيه موجات النزوح واللجوء منذ عقود طويلة، إلا أن إعطاءها أهمية مركزية، في السياقات السورية المعاصرة، قد لا يكون أفضل فعل ثقافي ممكن، لأنه قد يعطّل القدرة النقدية لثقافة، شهدت ظروف التحلل الاجتماعي، والحرب الأهلية، والاطلاع على ثقافات وتجارب مجتمعات أخرى. بهذا المعنى فإن التذكر، غير النقدي، لفراديس حاتم علي الضائعة، قد يساهم في بقاء الإنتاج الثقافي، لمن كانوا «سوريين» في حالة الجمود والتكرار، التي يراوح فيها منذ سنوات.

موحّد السوريين؟

إذا وافقنا على أن أعمال حاتم علي تعبّر عن الذاكرة السورية، الأقرب للتيار الأساسي، فهي قد تمتلك إذن القدرة على توحيد «السوريين» في ظروفهم الحالية الصعبة، على الأقل على الصعيد الثقافي.

إلا أنه من الممكن نقد هذا الطرح من عدة جوانب، أولها أن تلك الذاكرة إقصائية إلى حد كبير، تستبعد ذاكرات أخرى عن البلاد وتجربة الحياة فيها؛ وثانيها أن مساحة المسكوت عنه فيها شاسعة للغاية، وستبرز دوماً أصوات تعكّر سلامها الداخلي؛ وثالثها أن الحرب السورية نفسها اندلعت نتيجة تراكم إقصاءات شبيهة، وهي لم تنته حتى الآن.

لا يمكن لوفاة حاتم علي، أو غيره، أن توحّد «السوريين» على أي صعيد، والأجدى أشكلة أعماله، والبحث في تناقضاتها الكامنة، أو بالأصح، ما أخفته كي تبني استقرارها وثباتها الظاهري، وربما يكون هذا أفضل تكريم للراحل، فهو قد خلّف لنا تراثاً غنياً من منتجات الثقافة الجماهيرية، الصالحة، نظراً لمستواها الجيد، لإعادة القراءة والتأويل، للتوصل لاستعادة، أكثر نقدية، للذاكرة السورية، التي لا ينقصها الميل لرثاء الذات والماضي، بقدر ما تنقصها القدرة على طرح الأسئلة. كما أن الحديث عن أحادية التصورات، التي قدمها علي، ليست إهانة لذكراه، بل قد يساهم بجعل عمله واحداً من أسس جدل عمومي، لا يسعى لتوحيد «السوريين» بقدر مساهمته بفتح مجالات ثقافية أرحب لهم.

 

القدس العربي اللندنية في

07.01.2021

 
 
 
 
 

صور.. جلسة تصوير لممثل سوري داخل عزاء المخرج حاتم علي

كتب: خالد فرج

أجري الفنان السوري أويس مخللاتي جلسة تصوير أثناء أدائه واجب العزاء في المخرج السوري حاتم علي بإمارة دبي.

وكشف مخللاتي عن صور الجلسة عبر حسابه الرسمي بتطبيق «انستجرام»، وعلق عليها بقوله: «لم نتمكن من الوقوف إلى جانب جثمانك الطاهر في عملية إخراجك لمشهدك الأخير في سوريتك، لكن روحك الجميلة التي رافقتنا في عزائك هنا في الامارات العربية المتحدة أثبتت أنك وأعمالك وتاريخك وفنك وحبك وحب الناس لك لم ولن يفارقنا ولم ولن يفرقنا أبدا».

وأضاف: «الرحمة لروحك الطاهرة حاتم علي ولنا وللجميع أهلا وأحبابا وأصحابا الصبر والسلوان.. مع الشكر الخاص لمن قام بتنظيم هذا العزاء وساعد الحاتم في إعادة لم الشمل».

وتعرض مخللاتي لانتقادات من متابعيه عبر «انستجرام»، حيث علق أحد المتابعين قائلاً: «مع احترامي لحضرتك بس رايحين علي عزاء ولا تتصور ومع ابتسامات، وين الحزن علي القامة العظيمة حاتم علي واحترام قدسية الموت»، فيما علق آخر بقوله: «أنت رايح تعزي ولا تعمل فوتو شوت».

وتوفي المخرج السوري حاتم علي، قبل أيام، داخل أحد الفنادق الكبري بالقاهرة، حيث عثر عمال الغرفة علي جثته داخل غرفته، وتم نقل الجثمان إلي مشرحة زينهم، حيث أمرت النيابة العامة بتشريح الجثة لبيان سبب الوفاة، وهو ما قوبل بالرفض من أسرة الأخير، إلا أن القنصل السوري في القاهرة حسم المسألة وطالب بتنفيذ قرار النيابة العامة دون النظر إلي أي طلبات أخرى.

ورافق الجثمان الفنان السوري جمال سليمان والفنانة أصالة والفنان سامر المصري حتى وصوله إلي مطار القاهرة، وبعدها تم شحنه على متن طائرة متجهة إلي دمشق، حيث وارى جثمانه الثرى هناك داخل مقابر العائلة.

 

####

 

10 معلومات عن السوري أويس مخللاتي بعدما أثار الجدل في عزاء حاتم علي

كتب: ضحى محمد

أثار الممثل السوري أويس مخللاتي، جدلا واسعا بعدما أجري جلسة تصوير في أثناء أدائه لواجب العزاء في المخرج حاتم علي، بإمارة دبي.

وفي التقرير التالي نعرض أبرز المعلومات عن أويس مخللاتي:

- ولد في دمشق، وبدأ العمل والاعتماد على نفسه بسن مبكرة.

- عمل في محل تحف وهدايا بعمر الخامسة عشرة، وكانت مهمته نقل البضاعة من وإلى المحل، إلى أن أسس عمله الخاص.

- كان يشتري قطعا بالجملة، ويعيد توزيعها على المحلات، مستخدما دراجته الهوائية.

- عند بلوغه السابعة عشرة من عمره ترك منزل والديه بعد مواجهات طويلة معهم، واستأجر غرفة بحي باب توما في دمشق، وهناك وخارج أوقات العمل أصبح مهووسا بالقراءة، فأسس مكتبة صغيرة من مجموعة كتب كان يشتريها من على البسطات الموجودة تحت جسر الرئيس.

- تخرج من قسم التمثيل في المعهد العالي للفنون عام 2012، وبدأ العمل بالدوبلاج وهو طالب، وحينها كان السبب ماديا.

- شارك في الكثير من الأعمال التركية المدبلجة.

- انطلاقته الفعلية كانت في مسلسل «نص يوم»، مع المخرج سامر برقاوي بشخصية «جابر».

- في رمضان 2017 قدم الشخصية الأبرز في مسيرته، وهي «صخر شيخ الجبل»، في مسلسل «الهيبة».

- عندما ساءت الأوضاع الأمنية في سوريا، اضطر إلى أن يغادرها إلى لبنان بشكل نهائي.

- في نوفمبر 2017، شارك في برنامج «ديو المشاهير» الموسم الخامس، على شاشة إم تي في اللبنانية، لدعم إحدى الجمعيات الخيرية.

وتعرض «مخللاتي» لانتقادات من متابعيه عبر «انستجرام»؛ إذ علق أحد المتابعين قائلا: «مع احترامي لحضرتك بس رايحين علي عزاء ولا تتصور ومع ابتسامات، وين الحزن علي القامة العظيمة حاتم علي واحترام قدسية الموت» فيما علق آخر بقوله: «أنت رايح تعزي ولا تعمل فوتو شوت».

 

الوطن المصرية في

07.01.2021

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004