ملفات خاصة

 
 

وهج الكتابة:

هل تنبّأ فريد رمضان برحيله؟

بقلم: عبدالحميد القائد

عن رحيل عراب الهوية

فريد رمضان

   
 
 
 
 
 
 

ماذا يمكن أن يقال عن الراحل الغالي فريد رمضان، وكيف نودّع أصحاب الحرف الحقيقي غير المداهن، ماذا يمكن أن نقول عن الذي غادرنا في لحظة عبث عظيمة. عن رجل كان دائمًا واقفًا... شاهقًا كالنخلة. أشياء كثيرة يمكن أن تقال، ولكن كلها لن تفي هذا الرجل حقه. كان من المفترض أن يزورني في مكتبي بشارع المعارض لكي نتحدث عن وضع سيناريو لروايتي الثانية. كان ذلك من أكثر من شهر تقريبًا، لكنه اعتذر ووعدني بأنه سوف يأتي بعد أن تتحسن صحته، وكنت أتوقُ لزيارته لأننا لم نلتقي منذ فترة، ولكن القدر كان بالمرصاد، وأغلق الأبواب وأنزل الستائر.

قبل خمس وعشرين سنة كان لنا لقاء في عمل مشترك عبارة عن عمل جرافيك اسمه «نوران»، كان عملاً فنيًا ضخمًا مبدعًا يشتمل على لوحات أو استكتشات جميلة بالحفر على النحاس للفنان الجميل جمال عبدالرحيم. اعتمد العمل أو استضاء برواية «نوران» لفريد رمضان وكان دوري ترجمة النص إلى اللغة الإنجليزية وانتهى العمل وأنجز على أكمل وجه وخرج للنور وما زال معي نسخة منه أحتفظ به في مكتبي.

وفي مكالمة هاتفية لي مع صديقه المقرّب الفنان الصديق جمال عبدالرحيم بعد الانتهاء من دفن الفقيد، أخبرني بأنه كان قد قرر مع الراحل قبل عدة أشهر تنفيذ عمل جديد بعد مرور ربع قرن على «نوران»، والدخول في تجربة أخرى بعد أن تطورت الرؤى وتغيرت أحوال الدنيا وانصهرت الروح في بوتقة مختلفة. كان العمل المفترض هو إنجاز مشروع جرافيك مع الراحل اسمه «طريق الحج» وهو عبارة عن عمل صوفي دنيوي أو وجودي حسب قول جمال عبدالرحيم. فالحج موجود في جميع الأديان والمذاهب إلى أماكن مقدسة. وفي هذا الصدد أنهى جمال حوالي 81 اسكتشًا حول الموضوع وسلّمها للفقيد لكي يقوم بالكتابة على ضوئها انطلاقًا من رؤية جمال بأن اللوحة هي التي تخلق النص وليس العكس وبأن اللوحة تُخرج النص من التابوت وتمنحه الحياة. الغريب في الموضوع أن فريد قال لجمال أثناء بلورة فكرة العمل «ربما يكون هذا آخر عمل لي وبعده سأموت». قلب المبدع (أحيانًا) دليله. 

يعتقد جمال بأن الراحل قد بدأ بالكتابة بالفعل ولكنه لا يعلم إلى أين وصل بالضبط. كان الموت أسرع مما توقع الفقيد، ولم يكمل العمل، لكن جمال يخطط لإصدار العمل بالقدر الذي انتهى منه الفقيد عرفانًا وتقديرًا لمسيرة الصداقة التي جمعتهما معًا سنواتٍ طوال.

في الأشهر الأخيرة عانى الفقيد كثيرًا مع مرض «السكلر» الذي يكابد منه منذ طفولته، هذا المرض الذي كان يضطره إلى ملازمة المستشفى لتغيير دمه كل شهرين أو ثلاثة، ويحتاج بعدها إلى أسبوع آخر لكي يتأقلم مع الدم الجديد. هكذا كانت حياة الراحل، ولم يكن يشكو أو يعبر عن وجعه المستديم، بل كان مبتسمًا دائمًا وكأنَ الدنيا بخير ولكنها لم تكن كذلك بالنسبة إليه، واستمر في تجربته الروائية ومشروعه السينمائي الطموح بالرغم من كل الألم، حريصًا على تكملة تجربته الإبداعية. لم يكن فريد ضالعًا أبدًا خلال حياته ورحلته الإبداعية في أية شلة من شلل «شيلني وأشيلك» بل ظل يبدع ككاتب وأديب ملتزم ذي مبادئ إنسانية راقية تاركًا خلفه كل الترهات لأنه كان مبدعًا حقيقيًا يحمل لواء المحبة في كل مكان. 

أطلق عليه النقّاد «كاتب الهويّات» لأنه تناول في رواياته هويات مختلفة. كانت رواية «المحيط الإنجليزي» الصادرة عام 2018 آخر رواية مطبوعة له حسب علمي، ولا علم لي إذا كان قد بدأ برواية أخرى أم لا فهو رجل لا يتوقف إبداعه. كان قبل وفاته يجري الاستعدادات لطباعة كتابه الأخير «عطرٌ أخير للعائلة» في الكويت لدى دار الفراشة للصحافة والنشر لصاحبها الأستاذ فهد الهندال. ربما كان هذا الكتاب يمثل نوعًا من الوداع وعطر أخير فعلاً لأحبائه، وهو كان عطرًا أينما حل بسبب نقائه العميق ووهج قلبه الذي لا يذبل. في هذا الكتاب يتحدث فريد عن تجربته وعلاقته بالعائلة ومعاناته الطويلة والمريرة مع المرض. ربما كان يحس بدنو نهايته وقرب النجاة من عذاباته التي كان يخفيها في قلبه الصغير/الكبير... قلب بحجم هذا الوطن الذي كان يعشقه. فيا أيها الموت تماديت كثيرًا ففي كل يوم تختطف عزيزًا... تقتلع نجمة من نجوم القلب.

لروحك السلام أبا محمود.

Alqaed2@gmail.com

 

####

إلى آل فريد.. ما مات لكنه آثر الرحيل في أزمة العرب الصعبة!

كتب: أحمد سلامة

الكاتب الأردني والمستشار الإعلامي السابق لديوان ولي العهد 

تلقيت خبر وفاته من زهرة وفتنة صبايا العرب أجمعين، بنيتي نورين الذوادي. 

وبزغ حزني في فراقه بتبادل الذكريات مع بوابة الطيب والوعي الجامع في البحرين (عصمت الموسوي)....

وأثار حفيظة دمعي عليه (مصاحبتي لنادر كاظم في الذي ابن وابد فيه فريد) 

كم كنت التذ بوضاءة وجهه الطفولي (نادر كاظم اعني) 

كنت لا أقاوم حركة عينيه اللتين فيهما كل فرحة الدنيا وأصيخ السمع حين يقول:

دوما كان يتدفق حكمة...

وحين تلاقت عيناي بحروفه لفريد... لم أقاوم حزني ورغم ان الصمت قد استبد بي. 

منذ اشهر لكن الثالوث البحريني الأبي نورين وعصمت ونادر قد أزاحوا ستارة الحزن عن القلب في افتقاد آل فريد رمضان. اكتب فيه ولا أقول وأنا الغريب عن البحرين الآن، فالبحرين هي ضفتي الثالثة (الضفة الغربية والشرقية والبحرين في الانتماء سواء) 

لكني بعيد عن الارتواء من طقس الحزن في فريد....

عاشرته قبل الفتنة الكبرى الربيع العربي، 

وقدمتني إليه ذات شمس لا تغيب في (عالي) 

عصمت بنت الموسوي، بدا فريد في أول طلة له على قلبي، (شيعيا) يجمع بين خلافة الحسن وتسامحه وثورية الحسين وتمرده، 

لكنه كان للحسنية اميل.... وحين تشرفت باستضافته (في الكابيتال كلب) لاحقا ورهط من الدعاة والساسة والأحبة) تمثل لي انه سني يمتطي صهوة منبر أبو ذر الغفاري...

بعدئذ، عاشرته وخبرته وتدفق في وعيي عبر (نورانية إبداعه) التنور..

إني اشهد لفريد البحريني: ان (جبلته/ بكسر الجيم) في الإبداع ما قاربها مبدع مصري ولا عراقي ولا تونسي، فريد في التنور، جعل من حب الرمل المحرقي هوس عزة وجبله مع عرق الأمهات اللواتي صنعن دورا بديلا في البحرين في ابوتهن لطول الغياب في البحر وانتظار الرجال للقدر المخباء. 

فريد رمضان: أول مبدع عربي افهمنا الخيط الرفيع لمركزية الدور للزوجة، واصلا بين دور خديجة النبوي، التي هي أول من صدقت الرسالة ووهبتها شرعية عاجلة وبين البحرينية التي صنعت من شخصيتها روحا خاصة بهذا البحر من اللؤلؤ. 

فريد أول من فهم العلاقة بين اللؤلؤة والمرأة والدور فصاغ صورة المرأة البحرينية 

أمًّا وزوجة وأختا...

يا لروعة الدمج الذي يسحرك 

فتتأمل البحرينية بعد قراءة نصه 

وترى في كيفية التعاطي مع غطاء رأسها.. 

احتيال جمالي مرموق لا يخطر على بال احد الا فريد رمضان 

الذي نذر روحه للعبادة في محرابين الوطن والأم.

لقد خلد (غوركي) الأم في مطالع إبداعه لرواية اسماها كذلك 

لكن فريد رمضان علمني ان من يتقن حب الأم يعصمه من خيانة الوطن. 

هذه إحدى سجاياه وخصاله ودروسه لنا. 

وما أكثر حكمه ومبتداه في فكر وفلسفة..

لكن فريد كان كإنسان في دماثة ودفء روحه وتواضعه مثل اخر الموجة حين تلاطم الشط فتعود مسرعة إلى قاع الخليج. 

لا تنوي انفصالا ولا تزهو بحباتها.

كان من صنعة كلمة (تواضع المبدع) له وحده.

كثيرة هي الدروس والحكم والوعي والعروبة والحب. 

أدركتها وتعلمتها من ذلك الشاطئ القصي للعرب هناك في البحرين 

وأول الحكم 

ان الرجال الرجال والنساء النساء 

لهم في البحرين 

قصة سأكتبها ذات يوم وفاء 

لصداقة إبراهيم الجناحي 

ولمروءة الشيخ خليفة بن دعيج آل خليفة 

ولفروسية حمد الرميحي...

حتى تظل روح فريد سامية فينا فوق كل التباعد 

لأن العروبة عشقنا وعشقه

سنكتب ذات يوم قصتنا البحرينية بكل تفاصيلها 

لتظل روح الفريد خفاقة عالية 

فريد رمضان لم يمت 

لكنه ارتحل 

ترحموا عليه

كان أحد (سرج البحرين المضيئة)

 

####

نبض:

بياض الــبـصيــرة الفريد

علي الستراوي

(إلى الروائي والسينارست الصديق فريد رمضان)

يغادرون بسلام ..

أحبة انشغلوا بفيض رسائلهم 

وفي المدينة التي هدهدت صغارها 

قُطعت سرة احلامهم..

«المحرق» تلك المرأة التي شهدت ميلاده الأول 

وتلك العروس التي حملت ثقل زوادة حزنه ..

وسهرت دون كحل يقتل في عينيها رمد التعب

فلا «المنامة» كانت خارج السرب ..

ولا «دوحة عراد» سامرت النوارس دون العصافير 

قطار الليالي يشقُ ظلمته ..

وفي صباح دعاء الملائكة كان «البياض»

أول الخارجين من جمرة النار ..

واول الداخلين في «سوافح النعيم» ..

مصلٌ يعيد للجسد الهزيل عافيته ..

يقرأ في ذاكرة الغفلة مآذن صلوات الريح 

أول (الهويات) نحو جغرافيا الحياة 

تلك التي في موطن قلبك كبرت ..

وعلى شرفة عالية في الألق كنت تنسل شعرها 

(بأمل) دون كلل أو ضجر ..

فوق ساحبة مشبعة بالمطر ..

حملتها فوق نبض قلبك ..

وفوق جدار لا يهد ...

انشغلتما معاً ..

في نشيد واقع «همنجواي»  

لا البحرُ اضناكما ..

ولا هدير الطائرات في مواقع الحروب ..

ارجعتكما عن حياكة السرد في جسد العافية 

«فريد ابن رمضان» أول ما خطه قلم فوق كنتك 

وعلى بصيرة لم تضيعك 

سنبكت خيل صحوتك نحو العبور ..

من هنا .. كانت خطوتك عبر المدى 

ومن هنا .. كان الوطن ..

صمتك لا يعرف المخاتلة ..

ولا بسمتك اضلت الركب !

وتاهت في «المحيط الأنجليزي» 

صحوتُ على حارس الأمل ..

لعلني في وداعكَ قد ادركتُ البوصلة ..

وادركتُ أنك دون جدال ستذهب حيث تسكن الملاءة 

وحيث الأنبياء في مواقع الضوء ..

ستكون صحوة رحيلك ..

ولادة لطفل جديد ..

يدعى (فريد رمضان)

a.astrawi@gmail.com

 

أخبار الخليج البحرينية في

14.11.2020

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004