ملفات خاصة

 
 
 

صناع «حظر تجول» لـ«الشروق»:

الفيلم يطرح قضية شائكة طال السكوت عنها بشكل لائق وحققنا المعادلة الصعبة

محمد عباس

القاهرة السينمائي الدولي

الدورة الثانية والأربعون

   
 
 
 
 
 
 

استقبلت دور العرض السينمائية مع نهاية 2020 فيلم «حظر تجول» للمخرج أمير رمسيس ومن بطولة إلهام شاهين، وأمينة خليل وكامل الباشا وذلك بعد عرضه الأول، ضمن المسابقة الدولية بالدورة الـ42 من مهرجان القاهرة السينمائى، وقد حصلت الفنانة إلهام شاهين على جائزة أفضل ممثلة عن دورها فى الفيلم..

«الشروق» حاورت صناع الفيلم وتحدثت معهم عما تمثله تلك التجربة الجريئة وكواليسها ومشاركة الفيلم بالمهرجان.

أمير رمسيس: فخر لأى مخرج أن ينطلق فيلمه من أعرق مهرجان عربى.. وإلهام انتصرت لدورها

قال المخرج أمير رمسيس، إنه لمن الفخر لأى مخرج أن ينطلق فيلمه من أعرق مهرجان عربى دولى، مشيرا إلى إن هذه هى مشاركته الثانية، حيث إنه شارك قبل 15 سنة بفيلمه الروائى الطويل الأول «آخر الدنيا» فى المسابقة العربية.

وتابع رمسيس: «كنت حريصا جدا على مشاركة الفيلم بمهرجان القاهرة، وعندما أخبرنى المنتج محمد حفظى رئيس المهرجان، عن الرغبة فى أن يكون العرض العالمى الأول للفيلم بمهرجان القاهرة، لم نتردد لحظة فى الاعتذار لأى من المهرجانات التى كان سيشارك بها الفيلم، وتأجيل عرضه لأننا شعرنا أن بداية الفيلم وسط جمهوره هنا بمصر أفضل بكثير».

< هل أثرت كورونا على تصوير الفيلم؟

ــ تصوير الفيلم بدأ فى يناير وانتهى فى فبراير 2020، ولم تكن حينها كورونا تحولت إلى الهاجس الذى هى عليه الآن.

< لماذا اخترت إلهام شاهين بالتحديد لدور «فاتن»؟

ــ تمنيت العمل مع إلهام شاهين من زمان، فأنا معجب جدا بجرأتها وشجاعتها، ومعجب بها جدا كممثلة، فهى كما أقول دائما ممثلة وليست «انفلونسر»، ليس لديها هاجس تجاه شكلها أو «اللوك» الذى تظهر به أو صورتها للفيلم، وأنها تنتصر لدورها فى العمل فقط، وأعتقد أنها غامرت كثيرا خلال مشوارها الفنى فى سبيل هذا.

< ما شعورك بعد حصول الفيلم على جائزة؟

ــ لم أكن أتوقع أن يحصل فيلم «حظر تجول» على جائزة بمهرجان القاهرة السينمائى، وأنا سعيد جدا لأن الجائزة التى نالها الفيلم هى من نصيب إلهام شاهين كأحسن ممثلة، وأنا كنت أتمنى ذلك لتفانيها فى العمل بشكل لا يوصف.

إلهام شاهين: شخصية «فاتن» تليق بالفيلم رقم 100 فى مسيرتى الفنية

قالت الفنان إلهام شاهين، إن مشاركة «حظر تجول» فى مسابقة مهرجان القاهرة، والتنافس مع أفلام كبيرة من كل دول العالم هو فى حد ذاته تكريم، مشيرة إلى أن سعادتها مضاعفة برد فعل الجمهور، الذى كان يهمها أن يعجب بالفيلم كما نال إعجاب النقاد.

وتابعت قائلة: «كنت مرعوبة من رد فعل الجمهور ولكن بعدما شاهدت الفيلم معهم فى المهرجان اطمأننت، وتفاءلت أنه سينال إعجاب الجمهور الذى سيشاهده بدور العرض السينمائية.

< كيف ترين القضية التى يطرحها الفيلم؟

ــ الفيلم يطرح قضية مهمة وشائكة، موجودة كثيرا فى المجتمع، ودائما ما نخجل أن نتحدث عنها لا فى الإعلام ولا الصحافة ولا السينما، والفيلم يطرحها لأول مرة وبشكل لائق وغير فج لا يضايق الجمهور، وكان من المهم الكلام عن هذا الموضوع الذى طال السكوت عنه، ويجب أن يكون هناك عقاب رادع لمن يقومون بارتكاب هذه الأشياء، فالفيلم حقق المعادلة الصعبة، بكونه فيلما جماهيريا ويمتلك مقومات جيدة تأهله للمشاركة فى المهرجانات، وقد شعرت بمدى أهمية الدور بمجرد قرأة الفيلم، وأنا سعيدة جدا بالفيلم لأنى كنت بدأت أفقد الأمل فى إننا نقدم سينما مميزة.

< ظهرت بشكل متقدم فى العمر خلال الأحداث.. أليس لديك مشكلة فى ذلك؟

ــ بالعكس، كنت حريصة على ظهور «فاتن» بشكل أكبر من عمرها بـ20 عاما، فالمخرج صمم الشخصية فى السيناريو عمرها 50 سنة، ولكنى أردت أن تظهر أكبر من ذلك بكثير، وقصدت أن يبدو عمرها 70 سنة، لأن السجن بيكبر والهم بيكبر، وأردت أن أوصل للمشاهد إلى أى مدى هذه السيدة مهمومة وتحملت الكثير فوق طاقتها.

< ما هو شعورك بعد حصولك على جائزة أحسن ممثلة؟

شعور لا يوصف وسعدت به كثيرا، وتأكدت أننى أسير على الطريق الصحيح، وأن رؤيتى واختياراتى صحيحة، فمنذ أن قرأت الفيلم وأنا أشعر بأهمية الدور، وأنه الاختيار الأمثل للفيلم رقم 100 فى مسيرتى، والدور قد أرهقنى كثيرا وتفانيت فيه جدا وهو كان بمثابة التحدى بالنسبة لى، وسبب نجاح الفيلم هو المخرج والكاتب أمير رمسيس، ولكل طاقم العمل.

أمينة خليل: مشاهدة أسرتى لفيلم من بطولتى فى مهرجان القاهرة كانت اللحظة الأكثر تأثيرًا

قالت الفنانة أمينة خليل إن مشاركة فيلم لها بمهرجان القاهرة هو شىء كبير جدا بالنسبة لها، فمنذ صغرها ووالداها يصطحبانها لمشاهدة الأفلام بمهرجان القاهرة، فكان شيئا جميلا وكبيرا ومؤثرا أن «آل خليل» يأتون فى دورة هذا العام لمشاهدة فيلم «حظر تجول» بطولة أمينة خليل.

< كم أخذ منك الاستعداد للفيلم؟

ــ بدأت الاستعدادات للفيلم قبل عامين من بدء التصوير، ثم صورنا لمدة عام، وكنت أنا وجميع صناع العمل متشوقين لعرضه ومنتظرين رؤية رد فعل الجمهور عليه بفارغ الصبر.

< كيف وجدت ردود الأفعال حول الفيلم؟

ــ ردود الفعل على الفيلم كانت جيدة جدا وتعليقات الجمهور كانت إيجابية، الفيلم فعلا يستحق الإشادة ويناقش قضية مهمة جدة، وتم طرحها بشكل لطيف يجذب انتباه المشاهد.

< كيف تجدين العمل مع المخرج أمير رمسيس وإلهام شاهين؟

أمير رمسيس مخرج مميز جدا، ويركز فى تفاصيل كثيرة جدا وفى أدق التفاصيل، وإلهام شاهين هى نجمة متألقة ومبهرة على الشاشة فى كل وقت، وبكل تأكيد عندما أتواجد فى وسط هذا الفريق بقيادة أمير رمسيس وإلهام شاهين، سأتحمس لتأدية دورى بأحسن صورة وأحاول إخراج كل ما لدى.

كامل الباشا: أحب مصر ويسعدنى ويشرفنى العمل مع نجومها

قال الممثل الفلسطينى كامل الباشا، إنه التقى باﻟﻜﺎﺗﺐ واﻟﻤﺨﺮج أﻣﻴﺮ رﻣﺴﻴﺲ واﻟﻤﻨﺘﺞ ﺻﻔﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﻣﺤﻤﻮد لأول مرة فى ﻣﻬﺮﺟﺎن اﻟﺠﻮﻧة، وحينها عرضت عليه فكرة الفيلم، مؤكدا على أنه استمتع بقراءة السيناريو عندما أرسل له، وﺗﺤﻤﺴت ﻟﻠﺪور وﻟﻠﻔﻴﻠﻢ اﻛﺜﺮ منذ هذه اللحظة.

< ﻛﻴﻒﺗﺠﺪ اﻟﻌﻤﻞ ﻣﻊ إﻟﻬﺎم ﺷﺎﻫﻴﻦ وأﻣﻴﺮ رﻣﺴﻴﺲ؟ وﻛﻴﻒ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻮاﻟﻴﺲ اﻟﻌﻤﻞ؟

ــ أﻗﺪم دور ﻳﺤﻴﻰ ﺷﻜﺮى، اﻟﺠﺎر اﻟﻤﻨﻌﺰل، اﻟﻜﺘﻮم واﻟﺬى يضحى ﺑﺴﻌﺎدﺗﻪ ﻟﻴﺤﻔﻆ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ، وﺗﺠﺮﺑﺔ ﻣﻤﺘﻌﺔ وغنية، ﺗﻌﺮﻓﺖ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ واﻟﻔﻨﻴﻴﻦ اﻟﻤﺘﻤﻴﺰﻳﻦ، ﻛﻤﺎﺗﻌﺮﻓﺖ إﻟﻰ أﺟﻮاء وﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻌﻤﻞ السينمائى فى ﻣﺼﺮ، اﻣﻜﺎﻧﻴﺎﺗﻪ، اﺷﻜﺎﻻﺗﻪ، وﻃﻤﻮﺣﺎت اﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻓﻴﻪ.

< بعد هذا الفيلم.. هل تنوى التركيز على العمل بالسينما المصرية الفترة المقبلة؟

ــ أﺣﺐ ﻣﺼﺮ ﺟﺪا ﻛﻤﺎ يسعدنى ويشرفنى اﻟﻌﻤﻞ ﻣﻊ ﻓﻨﺎﻧﻴﻬﺎ، وأﺗﻤﻨﻰ أن أﺷﺎرك ﺑﺎﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﻤﻬﻤﺔ، أﻣﺎ اﻻﺳﺘﻘﺮار ﻓﻼ أﺷﻌﺮ ﺑﻪ إﻻ فى ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ.

 

الشروق المصرية في

08.01.2021

 
 
 
 
 

حظر تجول”.. الهدوء الذى لا يسبق أي عاصفة

د. ماهر عبد المحسن

أهم ما يميز فيلم “حظر تجول” الإيقاع الهادئ، الذى غلب على الصورة والموسيقى وأداء الممثلين، وزمن الأحداث، الذى اختاره أمير رمسيس، مؤلف الفيلم ومخرجه، بعناية، ليكون واقعاً حقيقياً ورمزياً في آن.

والحقيقة أن مثل هذا الإيقاع، إذا لم يصل إلى درجة الملل، فإنه يكون فرصة جيدة تسمح للناقد بأن يتناول المشاهد على مهل، بحيث يكون قادراً على القراءة المتأنية والتحليل المتعمق لعناصر العمل الجمالية والفكرية.

يبدأ الفيلم بلقطة مكبرة على وجه فاتن (إلهام شاهين) السجينة التي أمضت عشرين عاماً عقوبةً على ارتكابها جريمة قتل ضد زوجها. ثم تخرج من السجن في المشهد التالي لتجد ابنتها ليلي (أمينة خليل) وزوجها حسن (أحمد مجدي) في انتظارها كي يستضيفاها في بيتهما خلال فترة الحظر، تمهيداً لسفرها إلى بلدها طنطا.

يتضح من المشاهد الأولى أن ثمة نفوراً شديداً من الابنة تجاه أمها نتيجة لجريمة الأم الشنعاء التي أودت بحياة الأب منذ سنوات بعيدة، بينما يكون الزوج أكثر لطفاً مع الحماه، ويعمل طوال الوقت على تهدئة الأجواء بينهما.

القصة بسيطة لكنها غنية بالدلالة، الصورة تعكس تفاصيل يومية صغيرة، لكنها مشحونة بقدر كبير من الشاعرية. الشخصيات تمارس حياتها ببط وهدوء دون ضجيج، عدا بعض الشباب العربيد الذى كان يقيم فوق السطوح أثناء ساعات حظر التجوال، يتعاطى المخدرات ويدير “الدي جي” في حالة من الجنون والصخب.

تدور الأحداث في حي شعبي هادئ في ليل الحظر، وداخل بيوت قديمة تحمل عبق وذكريات الماضي الجميل. نلمح ذلك في هندسة المباني وأثاثات الشقق وأغاني عبد الحليم حافظ ومسرحيات فؤاد المهندس. نجح رمسيس في كسر الملل الناجم عن ضيق أماكن التصوير وزمن الأحداث، من خلال الخروج بالكاميرا إلى الشرفات والأسطح والحارات الخالية من المارة.

ينطوي الفيلم على سر كبير يعرفه الجيران والمشاهدون وفاتن، التي لا تفصح عنه أبداً للابنة بالرغم من إساءاتها المتكررة لها. وهوالسر الذى يبرر جريمة فاتن التي ارتكبتها ضد الأب منذ عشرين عاما عندما كانت الابنة في طور البراءة، ولا تتذكر من تفاصيل الحادث شيئاً.

يميل رمسيس، فيما يبدو، إلى إحياء المعنى الإيمائي للفن، الذى هجرته السينما المصرية طويلاً، خلال السنوات الماضية، رغبةً في جذب الجماهير وتحقيق الإيرادات الضخمة. فهو حريص على تقديم رؤيته السينمائية من أقصر الطرق وأبسطها، دون ضجيج أوافتعال. وليس أدل على ذلك من تفويته لأكثر من فرصة كانت تصلح كمجال خصب للاستغلال التجاري، لعل أبرزها مشهد الزوج والزوجة في لحظاتهما الحميمية، التي أتت بعد طول اشتياق، وكذا مشهد الفلاش باك الذى يلمح إلى السر وراء قتل فاتن لزوجها، بل إن هذا السر تحديداً كان يصلح لبناء سيناريوجماهيري بامتياز، لأنه يلمس منطقة شائكة، ويعكس ظاهرة شاذة استشرت فى المجتمع فى غيبة من الوازع الديني والردع الأخلاقي.

فى مضمار الأداء التمثيلي كان هناك أكثر من علامة مضيئة على طريق الأحداث الهادئة من فوق السطح، الساخنة من تحت الأعماق. فقد قدمت إلهام شاهين دوراً مركباً أدته باقتدار يليق وتاريخها الفني الطويل، حيث استطاعت أن تلعب دور الأم والجدة وخريجة السجون فى وقت واحد، كما نجحت في تجسيد الصراع النفسي بين كونها أم حنون تحاول احتواء ابنتها وحفيدتها، وبين شعورها بالمهانة إزاء نظرات ابنتها المحملة بقدر كبير من الإدانة والتحقير. وقد استحقت الفوز بجائزة أحسن ممثلة عن دورها في هذا الفيلم في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الثانية والأربعين لعام 2020م.

لعبت أيضاً أمينة خليل دوراً مهماً، عندما جسّدت دور الزوجة العصبية، الغيورة على زوجها، الخائفة بنحومرضى على ابنتها، المضطرة إلى احتواء أم تسببت في هدم أسرة وإذاقة ابنتها اليتم في مرحلة مبكرة من حياتها.

ولا يمكننا أن ننسى الدور الذى لعبه الممثل الفلسطيني كامل الباشا في شخصية الأستاذ يحي الجار القديم لأسرة فاتن، والأمين على السر، الذى حافظ عليه طوال العشرين عاما التي قضتهما فاتن في السجن، حتى لحظة موته التراجيدي الهادئ كحياته، الخالية إلا من الشعور بالوحدة وصوت عبد الحليم حافظ.

من الواضح أن أمير رمسيس لا يهدف الي تقديم فيلم سياسي بقدر ما يهدف الي تقديم تجربة إنسانية ذات أبعاد نفسية واجتماعية ووجودية.

وعلي ذلك، يمكن أن يُفهم الحظر بأكثر من معني. فالمعني الرئيسي يرتبط بالموضوع الشائك، المسكوت عنه، الذي يحاول رمسيس أن يقتحمه بالرغم من حساسيته المفرطة، وأن يلفت النظر إلي خطورته، ولوعن طريق التلميح. كما يمكن أن يُفهم علي مستوي الشخصيات، فكل شخصية تمارس حياتها وتحقق وجودها في سياق حظر ما مفروض عليها، بحيث يكون تحقيق الوجود مرتبطا بشكل من أشكال المراوغة.

وفي هذا السياق تحاول فاتن أن تتغلب علي الحظر الذي فرضته ابنتها على العلاقة التي بينهما بأن أقامت علاقة أخرى بديلة مع الحفيدة، وأن يتغلب حسن (الزوج) علي امتناع زوجته عن إقامة العلاقة الحميمية في ظل إقامة الأم معهما في الشقة، بأن اختار المستشفى الذي يعمل به بديلاً عن الشقة لإقامة العلاقة، كما تغلب يحيي، علي الحظر المفروض علي علاقته بالجيران ووضعه في دائرة الاتهام، ظلما، بأن آثر العزلة والوحدة، وصنع لنفسه عالماً بديلاً ينتمي الي زمن آخر بعيد، لم يكن يعرف سوى لوني الأبيض والأسود فقط، ولا مكان فيه للمراوغة.

والشيء نفسه يمكن أن يقال عن الجارة المسنّة التي لعبت دورها باقتدار (عارفة عبد الرسول)، والتي تغلبت علي الحظر المفروض عليها من قبل أولادها، بحكم السن، بأن تظاهرت بأنها تعاني من مرض ألزهايمر علي غير الحقيقة. والشباب الذين لا يجدون الفرصة لحياة آمنة وطبيعية داخل المجتمع، ويتم تهميشهم، بحيث لا يجدون أمامهم سوى الشارع، يهربون الي السطح عندما يقام ضدهم الحظر في الشارع.

وهي كلها حيل تعتمد علي البحث عن البديل، بحيث تحقق الشخصيات، ولو مؤقتا، نصف حياه ونصف وجود، وهوما تم اختزاله بصريا في مشهد معبّر، عندما ذهبت فاتن لشراء سجائر من محل البقالة أسفل العمارة، الوحيد الذي كان يمارس نشاطه أثناء ليل الحظر، وكان يغلق الباب إلي مستوي المنتصف، بحيث يكون مغلقاً ومفتوحاً في الوقت نفسه!

وبالمعني نفسه يمكن أن نفهم فيلم أمير رمسيس باعتباره نوعاً من المراوغة والبحث عن بديل للقضايا الشائكة المسكوت عنها، بحيث يلجأ إلي التلميح بديلاً عن التصريح، ولتظل قضية الفيلم الرئيسية مسكوتاً عنها بالرغم من اقتحامها الذي لا يخلومن جرأة من قبل كاميرات السينما الفاضحة بطبيعتها.

إلا إن ذلك لا يمنعنا من قراءة العمل سياسياً، عندما ندرك أن رمسيس كان حريصاً علي ألا تحتوي كادراته، عدا مشهد السجن الاستهلالي السريع، علي أي من رجال السلطة بحيث خلت الشوارع تماماً من اللجان الشرطية أو العسكرية، طوال أحداث الفيلم التي اقتربت من الساعتين، ولم تظهر سوي لجنة واحدة بدت من خارج الكادر عن طريق أضواء سيارة الشرطة فحسب، وكأن رمسيس يريد أن يقول، من وجهة نظرنا التأويلية، إن السلطة التي تمارس الحظر علي الشعوب يمكن أن تكون، هي أيضاً، موضوعاً للحظر من قبل سلطة الفن، التي يمكنها أن تقرر من الذي يدخل الكادر ومن الذي ينبغي أن يخرج منه!

 

موقع "عين على السينما" في

10.01.2021

 
 
 
 
 

خالد محمود يكتب

«عاش يا كابتن» .. صنع الكثير من الأبطال لا يمكن عدهم

الفيلم نموذج ثرى لواقعية السينما من الشارع  إلى منصات التتويج

دون شك، تعيش السينما المستقلة في مصر، حالة من التألق، فبعد فوز فيلم «ستاشر: أخشى أن أنسى وجهك» بالسعفة الذهبية في مهرجان «كان» السينمائى ، والفيلم الوثائقي «عاش يا كابتن» والذى يمثل بارقة أمل أخرى فى أن هؤلاء الحالمين بموجة مختلفة وثرية سوف يتصدرون المشهد الذى طال انتظاره من تواجد حقيقي ومؤثر للأفلام المصرية ليس فقط على ساحة المهرجانات العالمية الكبرى، بل وفى نظرة الجمهور المتشوق لواقع جديد على الساحة هنا، وهى المسألة التى أتمنى أن تحرك المياه الراكدة لدى جيل الشباب لينفض غبار اليأس وينتفض لتنفيذ أحلامه المؤجلة حتى ولو كلفهم ذلك الكثير ، فمهما كانت تلك التكلفة فإنها لا تساوي شيئا أمام لحظة إعجاب وتتويج جماهيري، ونقدى، مثلما حصل مع مخرجة وأسرة فيلم عاش يا كابتن التى حصدت ثلاث جوائز بمهرجان القاهرة السينمائي هى «الهرم البروزى، وإيزيس»، لأفضل فيلم يبرز دور المرأة اقتصاديا واجتماعيا ، وجائزة الجمهور.

الفيلم المثير للدهشة بصورته الواقعية يدور حول رحلة البطلة المصرية أسماء رمضان – زبيبة - و مدرب رفع الأثقال كابتن رمضان عبد المعطي من التدرب في الشارع السكندرى إلى منصات التتويج القارية، وهنا تأتى  قيمة كبرى هى كيف أبرزت مخرجتنا الموهبة فى فيلمها الروائي الأول ، التمسك بالحلم والأمل ليس فقط لأسماء، ولا الشابات اللاتي يحلمن بأن يصبحن بطلات في رفع الأثقال، ولكن لكل فتيات المجتمع . 

المدرب الكابتن رمضان الذى يجسد البعد الإنسانى الكبير التى برعت المخرجة فى تصويره فى قلب الحياة ، يمثل بحق بطل خارق، فهو يصنع من الهواة أبطالا حقيقيين، بل هو أكبر من الحياة نفسها، لأكثر من عقدين من الزمان، قام بتدريب الفتيات فى الإسكندرية على حمل أثقال الحديد، وفى مقدمتهن بالطبع ابنته نهلة رمضان التى أصبحت بطلة العالم، محققة ثلاث ميداليات ذهبية في بطولة العالم للكبار بكندا عام 2003، اتضح للجميع أن شارع كابتن رمضان، وبالأخص أمام بيته، سيكون محل ميلاد العديد من البطولات، فمن بعدها جاءت عبير عبدالرحمن، أول امرأة عربية تصبح بطلة أولمبية مرتين، لقد صنع الكثير من الأبطال، لا يمكننا عدهم فى الماضى والحاضر وأيضا بإلهام المستقبل. 

فى الفيلم نلتقي بالكابتن رمضان من خلال عيون زبيبة البالغة من العمر 14 عامًا، وهي مراهقة ترتدي نظارة طبية وتحلم بأحلام كبيرة، قامت مى زايد بتصويرها على مدى أربع سنوات، لترسم رحلتها المجهدة فى حمل الأثقال لتكون البطل القادم، وفى نطاق السرد الدرامى، نرى مدى إلقاء الضوء أكثر بحياة الفتيات من حول زبيبة ما يجعلهن يسعين وراء هذا الحلم، بغض النظر عن التكلفة.

اللافت للنظر هو تقديم السيناريو بوعى الكابتن رمضان، وقد حقق كل هذا النجاح في تدريب البطلات بأقل قدر ممكن من الإمكانيات، ويعمل من صالة ألعاب رياضية قام بتشييدها في الهواء الطلق كملعب مهجور على قطعة أرض في زاوية شارع تبدو وكأنها على وشك أن تصبح موقعًا للبناء حيث تدور الجرافات فى فلكه، وتبرز الكاميرا المحمولة التى تدخل وتخرج الإحساس بفوضى المنطقة، لكنها تلتقط تلك اللحظات الملهمة فى عمل الكابتن رمضان الذى يبدو برأسه الأصلع وصوت لا يهدأ، وكأنه تمثال عملاق من  منظور البنات اللاتي يرفعن الأثقال ويوجههن ويشجعهن على رفع وزن أكبر، برد فعله  الإيجابى، ولا اندهاش فى أنهن يحبونه كثيرا فقد كان يمتعهم بقصص أيام مجده كرياضي، مدعياً ​​أنه أكل ذات مرة 36 قطعة من اللحم قبل المنافسة، يخاطبهم وكأنهم فتيان، ويثير إعجاب المارة في الحي بأن الفتيات أهم من الأولاد.

تأخذنا مى زايد يأخذنا أيضًا إلى منطقة عقل ومشاعر «زبيبة»، التى تبدو وكأنها تعيش  حكاية صراع مع الصعاب، من أجل تحقيق الحلم، وخاصة فى الوصول لوزن يمكنها من المنافسة الفئة المناسبة من أجل زيادة فرصها في الفوز.

في الحافلة التى تقل الجميع  إلى ساحة المسابقات، تتحدث الفتيات عن وزنهن والمشاكل الأخرى التي تنشأ.

تُستخدم الكاميرا المحمولة باليد لإظهار الضغوط والإجهاد ليس فقط من الرفع ، ولكن أيضًا للحياة نفسها.

ومع ذلك ، فالتقطيع والتغيير المستمر فى اللقطات في بعض الأحيان يشبه الضرب  بقبضة من حديد فى اتجاهات متعددة للتمسك بالهدف، وفى الجزء الأخير من الفيلم، نجد كل شيء يتغير عندما لم يعد الكابتن رمضان في الصورة.

ويصبح عمل الكاميرا أكثر ثباتًا ، مما يشير أيضًا إلى أن زايد أصبحت أكثر راحة مع الكاميرا ولديها فكرة أوضح عما تقوم بتصويره.

ويبدأ الفريق التدريب في صالة الألعاب الرياضية، بدلاً من ناصية الشارع ، وكأن روحا سينمائية أخرى قد دبت على الشاشة، بينما تبدأ نهلة رمضان تولى عملية  التدريب، وهى  أكثر احترافًا ، ومع تقدمها في السن ، تواجه زبيبة تحديًا مزدوجًا يتمثل في متابعة أحلامها الرياضية وحياتها عندما كانت مراهقة. إنه صراع حقيقي مثل التجارب والمحن التي واجهتها صانعة أفلام لأول مرة للتغلب على مواردها المحدودة.

كلاهما ينجح بتحقيق نتائج عظيمة  فى منافسة كبيرة ، وقد امتلأت الميداليات الملتفة حول رقبتهما ، زبيبة بطلة أفريقيا ، ومى تنال الجوائز . 

نجح الفيلم فى  كسر الصورة النمطية عن المرأة المصرية، فهو يقدمها كبطلة تتحدى الظروف لتصل إلى حلمها، فمعظم الأعمال الفنية تتناول المرأة كداعم لبطولة الرجل فقط، وكأن البطولة حكر على الذكور، خاصًة إذا تعلق الأمر بالألعاب الرياضية الصعبة  كرفع الأثقال.

بالتأكيد صناعة فيلم وثائقي مخاطرة، فالشريحة الأوسع من الجمهور تميل إلى مشاهدة الأفلام الروائية، لكن مخرجتنا الشابة أصررت على أن يظهر الأبطال الحقيقيين على الشاشة، دون أن يقوم أحد بتمثيل أدوارهم، ويرى المشاهد بعينه، الجهد المبذول من اللاعبات والمدرب في ظل محدودية الإمكانيات للوصول إلى منصات التتويج.

 

بوابة أخبار اليوم المصرية في

13.01.2021

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004